مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن0%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

مفاهيم القرآن

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف:

الصفحات: 543
المشاهدات: 185574
تحميل: 5040


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 185574 / تحميل: 5040
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

وقد بلغ من العظمة موقفاً إلى أنّ الله وملائكته يصلّون عليه، فأمر الله سبحانه المؤمنين أن يصلّوا عليه ويسلّموا تسليماً وقال سبحانه:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ( الأحزاب ـ ٥٦ ).

روى الشافعي عن أبي هريرة أنّه قال لرسول الله كيف نصلّي عليك ؟ قال: « تقولون: اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ثمّ تسلمون عليّ »(١) .

قال ابن حجر صح عن كعب بن عجرة قال: لـمّا نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله قد عرفنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّي عليك ؟ قال: قولوا اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ـ إلى أن قال ـ وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء ؟ قال: تقولون: اللّهمّ صلّ على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وقد نسب الزرقاني هذين البيتين إلى الإمام الشافعي :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له(٣)

وإلى أنّه وصل إلى الذروة من عظمة الخلق وقوة الروح وصفاء النفس ورجاحة العقل بقوله:( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ( القلم ـ ٤ ).

غير أنّ من المحتمل أن يكون « الخلق » بمعنى الدين، أي أنّك على دين عظيم كما عليه قوله سبحانه:( إِنْ هَٰذَا إلّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ ) ( الشعراء ـ ١٣٧ ) فالمقصود اكبار الدين الذي بعث النبي لبيانه وابلاغه، ويؤيده قوله سبحانه بعده:( فَسَتُبْصِرُ

__________________

(١) مسند الشافعي: ج ٢ ص ٩٧.

(٢) الصواعق: ص ١٤٤.

(٣) شرح المواهب: ص ٧.

٥٠١

وَيُبْصِرُونَ *بِأَييِّكُمُ المَفْتُونُ ) أي فسترى يا محمد ويرون الذين رموك بالجنون( بِأَييِّكُمُ المَفْتُونُ ) أي أيكم المجنون الذي فتن بالجنون أأنت أم هم، وحيث إنّك على دين عظيم يؤيدك الله وينصرك عليهم(١) .

وإلى دماثة خلقه وحسن معاشرته ورأفته وعطفه على أعدائه، وتنزهه عن فظاظة الخلق، وغلظة القلب بقول سبحانه:( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) ( آل عمران ـ ١٥٩ ).

وإلى ما رزق من قلب نقي وسريرة طيّبة ورغبة شديدة في خير المؤمنين وعظم ثقته بحسن نياتهم بقوله:( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ) ( التوبة ـ ٦١ ).

وإلى حيائه وصبره على ما يؤذي نفسه من أصحابه وتجنّبه من كسر قلوبهم وجرح عواطفهم بقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ ) ( الأحزاب ـ ٥٣ ).

وإلى ما فطر من رحمة ورأفة وبر وحرص شديد على مصلحة قومه وشعوره بما يلم بهم من آلام وما ينالهم من مشاق، وما يلقي من جهد وعنت في سبيل ازالة آلامهم وتخفيف ما يشق عليهم، واشتياقه إلى ارشاد الناس وهدايتهم واشفاقه ورأفته بالمؤمنين وعطفه عليهم بقوله:( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) ( التوبة ـ ١٢٨ ).

وإلى غزارة علمه بقوله سبحانه:( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) ( النساء ـ ١١٣ ).

وإلى طهارة روحه وأهل بيته من الرجس ودرن الشرك والمعاصي بقوله سبحانه :

__________________

(١) راجع مجمع البيان: ج ٥ ص ٢٣٣.

٥٠٢

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ( الأحزاب ـ ٣٣ ).

وإلى عكوفه على عبادة ربّه وتهجّده في الليل وسهره في طريق طاعة الله بقوله سبحانه:( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ) ( المزمل ـ ٢٠ ).

وإلى أنّه رسول الله إلى الناس كافة وخاتم النبيين وأنّ الله سبحانه حافظ لدينه وكتابه إلى يوم القيامة بقوله:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( سبأ ـ ٢٨ )، وبقوله:( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) ( الأحزاب ـ ٤٠ )، وبقوله:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر ـ ٩ ).

وإلى أنّه مصدق لما بين يديه من الكتب بقوله:( ولـمّاجَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ) ( البقرة ـ ١٠١ ).

وإلى صبره في طريق هداية الاُمّة بقوله:( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) ( النحل ـ ١٢٧ ).

وإلى أجره عند الله سبحانه بقوله :( وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ) (القلم ـ ٣).

وإلى قربه منه سبحانه، وتأثير استغفاره في حق الاُمّة، وأنّهم لو طلبوا منه أن يستغفر لهم، لوجدوا الله تواباً وغافراً لذنوبهم بقوله سبحانه:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) ( النساء ـ ٦٤ ).

إلى أن عاد القرآن فأشار إلى عظمة قدره وجلالة شأنه بتوصيفه بأنّه: رسول نبي اُمّي، مكتوب اسمه في التوراة والانجيل، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم الاصر، ويرفع عنهم الاغلال حيث قال سبحانه:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ

٥٠٣

الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) ( الأعراف ـ ١٥٧ ).

كما وصفه بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، شاهد، مبشر، نذير، داع إلى الله، سراج منير، ورحمة للعالمين، وأنّه أحد الأمانين في الأرض، وأنّه سبحانه لا يعذّب الناس وهو فيهم تجد كل هاتيك الصفات والثناء في الآيات التالية :

( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ) ( الأحزاب: ٤٥ ـ ٤٦ ).

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ( الأنبياء ـ ١٠٧ ).

( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) ( الأنفال ـ ٣٣ ).

وفي الوقت نفسه لا يقتصر القرآن على بيان روحياته ونفسياته فقط بل يطري النبي ويصفه كوصف محب متجلد فيوجه نظره السامي إلى تسمية أعضائه الظاهرة المهمة.

فيصف بصره بقوله:( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ) ( النجم ـ ١٧ ).

ووجهه بقوله:( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) ( البقرة ـ ١٤٤ ).

وقلبه بقوله:( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ) ( البقرة ـ ٩٧ ).

وفؤاده بقوله:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) ( النجم ـ ١١ ).

وصدره بقوله:( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ *وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ *الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ) ( الانشراح: ١ ـ ٣ ).

وصوته بقوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ

٥٠٤

النَّبِيِّ ) ( الحجرات ـ ٢ ).

إلى أن يعود القرآن فيحلف بعمره ويقول:( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( الحجر ـ ٧٢ ).

ويصف سيره وعروجه في الليل إلى المسجد الأقصى ومنه إلى السموات العلى بقوله:( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) ( الإسراء ـ ١ )(١) .

ويبين نهاية سيره وأنّه قد بلغ إلى سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى قال سبحانه:( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ *عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَىٰ *عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَىٰ *إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ *مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ *لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) ( النجم: ١٣ ـ ١٨ ).

ويصف أوليات حياته وأنّه لم يزل محروساً بعين الله سبحانه ومشمولاً لعنايته، قال سبحانه:( وَالضُّحَىٰ *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ *مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ *وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَىٰ *وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ *أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ *وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ *فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ *وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ *وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) ( الضحى: ١ ـ ١١ ).

كما يصف شرح صدره لتحمل عبء النبوّة، ورفع الوزر الذي انقض صدره فقال:( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ *وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ *الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ *وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ *فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ *وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ) ( الشرح: ١ ـ ٨ ).

ويشير إلى نزول الوحي عليه وأنّ معلّمه شديد القوى إذ قال سبحانه:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ *مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ *وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَىٰ *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ *وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَىٰ ) ( النجم: ١ ـ ٧ )

__________________

(١) راجع في قصة المعراج إلى سورة النجم الآية السادسة إلى الثامنة عشر.

٥٠٥

وقال سبحانه:( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) ( آل عمران ـ ٤٤ ).

وإلى براءته من كل ما يلصق به من تهمة، فقال سبحانه:( فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ *الجَوَارِ الْكُنَّسِ *وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ *وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ *إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ *وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ *وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ *وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ *وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ) ( التكوير: ١٥ ـ ٢٥ ).

وإلى لزوم الاستجابة لدعوته وإنّ فيها حياتهم، قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ( الأنفال ـ ٢٤ ) وقال سبحانه:( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( آل عمران ـ ٣١ ).

أسماؤه في القرآن :

إنّ القرآن يتفنّن في توصيف النبي وذكره بل في تسميته والايماء إليه، فتارة يشير إليه بإحدى الصفات العامة الشاملة لكل انسان كما في قوله:( فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ) ( النجم ـ ١٠ ) غير أنّ في إضافة العبد إلى نفسه الماعاً إلى تكريمه وتقربّه منه سبحانه: واُخرى يخاطبه بالألقاب الخاصة بأنبيائه ورسله ويقول:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) ( الأنفال ـ ٦٥ )،( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ( المائدة ـ ٦٧ )(١) .

وثالثة يخصّه باسميه اللذين كان يدعى بهما في الإسلام أعني محمداً وأحمد، أمّا الأوّل فقد جاء في مواضع أربعة من القرآن :

١.( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ

__________________

(١) نعم جاء في بعض الوثائق التاريخية والمجاميع الحديثية أنّ أسماءهصلى‌الله‌عليه‌وآله يس، طه، ن، غير أنّه لم يحقق ذلك إذ من المحتمل جداً أن تكون من الحروف المقطعة كما عليه أعلام التفسير.

٥٠٦

النَّبِيِّينَ ) ( الأحزاب ـ ٤٠ ).

٢.( وَمَا مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) ( آل عمران ـ ١٤٤ ).

٣.( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ ) ( محمد ـ ٢ ).

٤.( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ( الفتح ـ ٢٩ ).

وأما الثاني فقد جاء في موضع واحد حيث يقول سبحانه:( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ( الصف ـ ٦ ).

وليس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعاً من بين الرسل في كونه ذا اسمين فقد سبقه في ذلك ثلّة من الأنبياء كيوشع بن نون وهو ذو الكفل في القرآن ويعقوب بن إسحاق وهو إسرائيل ويونس وهو ذو النون وعيسى وهو المسيح(١) وعلى ذلك فلا إشكال في أن يكون للرسول الأعظم إسمان: محمد وأحمد، ويظهر من الروايات المتظافرة أنّ اسمه في السماء أحمد، فقد جاء نفر من اليهود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومما سأله أنّه لم سمّيت محمداً وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعياً ؟ فقال النبي: « أمّا محمد فإنّي محمود في الأرض، وأمّا أحمد فإنّي محمود في السماء »(٢)

ولعلّ المراد من السماء عالم الوحي ويطابق مضمونه ما تعطيه آية الصف من تبشير المسيح بمجي نبي اسمه أحمد. وروى أهل السير والتاريخ عن الباقرعليه‌السلام : انّ « آمنة » اُم النبي اُمرت في المنام وهي حامل برسول الله أن تسميه أحمد وسماه جده محمداً بالهام من الله تفاؤلاً بأن يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الحميدة التي يحمد عليها، وإلى ذلك يشير أبو طالب بقوله :

وشقّ له من اسمه ليجله

فذو العرش محمود وهذا محمد

__________________

(١) سأل الشامي أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ستة من الأنبياء لهم أسمان فأجاب بما ذكرناه وأضاف الخضر وهو حلقيا ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أحمد صلوات الله عليهم. عيون أخبار الرضا: ص ١٣٦، بحار الأنوار: ج ١٦ ص ٩٠.

(٢) أمالي الصدوق: ص ١١٢، علل الشرائع: ص ٥٣، معاني الأخبار: ص ١٩، بحار الأنوار: ج ١٦ص ٩٤.

٥٠٧

وفي الخصائص الصغرى: « أحمد » ولم يسم به أحد قبله(١) فإنّ العرب كانوا مأنوسين بلفظ « محمد » لأنّه سمّي به في زمن النبي وقد عد بعضهم من سمّي بمحمد ستة عشر ونظمهم بقوله :

انّ الذين سمّوا باسم محمد

من قبل خير الخلق ضعف ثمان

وأمّا أحمد فلم يسم به أحد قبله بل منع الله بحكمته أن يتسمّى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله منذ خلقت الدنيا وفي خلال حياته الشريفة حتى لا يدخل لبس أو شك على ضعيف القلب، وأوّل من سمّي بأحمد في الإسلام ولد جعفر بن أبي طالب(٢) . وكذلك محمداً أيضاً لم يسم به أحد قبل وجودهصلى‌الله‌عليه‌وآله وميلاده ولم يتحقق ذلك إلّا بعد أن شاع أنّ نبياً يبعث في الحجاز اسمه محمد وقد قرب زمنه فسمّى بعضهم حينئذ أبناءهم بذلك وحمى الله تعالى هؤلاء من أن يدعي أحد النبوّة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه شيء من سماتها إلى أن تحققت دعوة النبي(٣) .

لا ريب أنّ أحمداً أحد أسمائه المعروفة ولا يتردد في تسميته بهذا الأسم من له أدنى تتبع في سيرته وتاريخ حياته، وما قيل في حقه من المدائح في الإسلام وقبله يوضح أنّه كان يدعى بهذا الإسم منذ نعومة أظفاره.

وهذا أبو طالب شيخ الأباطح حامي النبي وكفيله يذكره في أشعاره بهذا الاسم ويسمّيه به ومثله حسان به ثابت شاعر الرسول في عهد الرسالة، ومادحه وغيرهما من الشعراء المخضرمين، تراهم أصفقوا على تسميته بأحمد من دون تردد ولا ريب، كل ذلك يدل على أنّ البيت الذي ولد ونشأ فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أسماه بهذا، والبيئة التي شب وترعرع فيها، كان تعرفه به.

__________________

(١) السيرة الحلبية: ج ١ ص ٩٣.

(٢) كتب إلينا المحقّق التستري في ملاحظاته على الكتاب أنّه لم يجد بأحمد بل كانوا مسمين ب‍ « عون » و « عبد الله » و « محمد ».

(٣) المصدر نفسه: ص ٩٥ ـ ٩٧ بتلخيص منّا.

٥٠٨

شبهة تافهة اختلقها رجال الكنيسة :

إنّ الغرب بعد أن تمَّ غزوه لبلاد الشرق واحتلّها بالحديد والنار، طفق يغزو الأفكار ويبث الشبهات وقد بعث رجال التبشير إلى هذه البلاد لتحريف أفكار شباب الإسلام منه ثمّ توجيههم إلى المسيحية أوّلاً واللادينية ثانياً، حتى يسهل اصطيادهم وسحق حقوقهم ونهب منابعهم وأموالهم، ومن الشبهات التافهة التي نشرها بعض رجال الكنيسة في بلادنا قولهم :

إنّ المسيح بشّر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد غير أنّه لا ينطبق على نبي الإسلام فإن إسمه « محمد » بنص القرآن الكريم واتفاق المسلمين وغيرهم، والذي بشّر به المسيح إنّما هو أحمد، وحينئذ فإنّ ما بشّر به هو غير ذاك، ونحن نتربص بفارغ الصبر مجيء نبي آخر اسمه أحمد، يكون خاتم الأنبياء والمرسلين.

وتلك شبهة لا تحتاج إلى الجواب، ولا غرو من مبدعها فإنّ من يعمد إلى تغيير الشرائع بالتحريف، لا يتعفف عن تحويل الأسماء عن مسمياتها إلى غيرها مما يرشده إليه هواه، إذ من الضروري أنّ أحمد أحد أسماء نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت الحجاز والحرم والبيت ومن يعيش فيها، تعرفه بهذا الاسم كما كانت تعرفه باسمه الآخر.

أضف إلى ذلك أنّه لما نزل قوله سبحانه:( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) لم يعترض على النبي أحد من المسيحيين ولا من غيرهم، بل لم ينبس أحد ببنت شفة، بأنّ من بشّر بمجيئه المسيح إنّما هو أحمد، وأي صلة بينك وبين هذه البشارة، بل سكتوا عنه وتلقّوه أمراً مسلماً وهذا دليل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان معروفاً بهذا الاسم يوم ذاك بل منذ ولادته ونعومة أظفاره(١) .

ودونك نماذج مما وقفت عليه من شعر عمّه وغيره ممن ذكروا النبي في أشعارهم

__________________

(١) والأوهن من تلك الشبهة ما حسبه بعض المغفلين من أنّ الآية اخبار عن نبوّة غلام أحمد القادياني ذلك المتنبئ المشعوذ الذي خدم الاستعمار البريطاني عند احتلال الهند.

٥٠٩

بهذا الاسم وسمّوه به، ونكتفي من الكثير بالقليل، حذراً من الاطالة :

قال أبو طالب رحمة الله عليه :

ألا إنّ خير الناس نفساً ووالداً

إذا عدّ سادات البرية أحمد(١)

وقال :

إن يكن ما أتى به أحمد اليوم

سناء وكان في الحشر ديناً(٢)

وقال:

وقوله(٣) لأحمد أنت امرء

خلوف الحديث(٤) ضعيف النسب

وإن كان(٥) أحمد قد جاءهم

بحق ولم يأتهم بالكذب(٦)

وقال :

تنالون أحمد أو تصطلوا

ظباة الرماح وحد القضيب(٧)

وقال :

أرادوا قتل أحمد ظالموه

وليس بقتلهم فيهم زعيم(٨)

وقال :

فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا

لعزاء من عض الزمان ولا كرب(٩)

__________________

(١) ديون أبي طالب: ص ١٣.

(٢) المصدر نفسه: ص ١٩.

(٣) وفي مجمع البيان: وقالوا.

(٤) وفي المجمع: اللسان.

(٥) وفي المجمع: « إلّا أن ».

(٦) مجمع البيان: ج ٢ ص ٢٨٧ ط صيدا.

(٧) المصدر نفسه: ص ٢٦.

(٨) المصدر السابق: ص ٢٩.

(٩) المصدر نفسه: ص ٢٠ وتجد بعض تلكم العسجدية مبثوثة في طيات الكتب والمعاجم ونرى المقام غنياً عن الاشارة لمصادرها غير إنّا أخذناها من ديوانه المطبوع بالنجف الأشرف في المطبعة الحيدرية وجامع ديوانه هو عبد الله بن مهزم البصري كما صرح به النجاشي في فهرسته ص ١٥١ وذكر طريق روايته إليه، وذكره شيخنا في الذريعة: ج ١٤ ص ١٩٥.

٥١٠

وقال :

لقد أكرم الله النبي محمداً

فأكرم خلق الله في الناس أحمد

وشقّ له من اسمه ليجله

فذو العرش محمود وهذا محمد(١)

قال الديار بكري: أنشأ أبو طالب في مدح النبي أبياتاً منها هذا البيت.

وشقّ له من اسمه ليجله

وحسان بن ثابت ضمن شعره هذا فقال :

ألم تر أنّ الله أرسل عبده

بآياته والله أعلى وأمجد

وشقّ له من اسمه ليجله

قال ابن هشام: ولما خشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها وتودد أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من أنّه غير مسلّم رسول الله ولا تاركه لشيء أبداً حتى يهلك دونه. ومن تلك القصيدة قوله :

لعمري لقد كلفت وجداً بأحمد

واحببته حب الحبيب المواصل

فلا زال في الدنيا جمالاً لأهلها

وزيناً لمن والاه رب المشاكل

فأصبح فينا أحمد في أرومة

تقصر عنه سورة المتطاول(٢)

روى ابن الأثير: أنّ أبا طالب رأى النبي وعلي يصلّيان، وعلي على يمينه فقال لجعفر ـ رضي الله تعالى عنه ـ: صل جناح ابن عمك وصلّ على يساره، وكان إسلام جعفر بعد إسلام أخيه علي بقليل، وقال أبو طالب :

فصبراً أبا يعلي على دين أحمد

وكن مظهراً للدين وفقت صابراً

__________________

(١) تاريخ ابن كثير: ج ١ ص ٢٦٦، الإصابة: ج ٤ ص ١١٥، تاريخ الخميس: ج ١ ص ٢٥٤.

(٢) سيرة ابن هشام: ج ١ ص ٢٧٢ وشرح النهج: ج ١٤ ص ٧٩.

٥١١

وباد قريشاً بالذي أتيته

جهاراً وقل ما كان أحمد ساحراً(١)

روى شيخنا أبو الفتوح الرازي في تفسيره :

زعمت قريش أنّ أحمد ساحر

كذبوا ورب الراقصات الى الحرم(٢)

إلى غير ذلك مما نقل وأثر منه سلام الله عليه، ولو اسقصينا ما نقل عنه من الشعر في هذا الباب لخرجنا عن المقصود، وقد نقل السيد الفخار عنه هذين البيتين في ضمن أبيات :

وانصر أحمداً فإنّ من الله

رداء عليه غير مدال

فخير بني هاشم أحمد

رسول الاله على فترة(٣)

وقال :

يا شاهد الله علي فاشهد

انّي على دين النبي أحمد(٤)

وقد أثر عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قد أمره والده أبو طالب بالصبر في الدفاع عن النبي بقوله :

أصبرن يا بني فالصبر أحجى

كل حي بصبره مشعوب

فأجاب عليعليه‌السلام بقوله :

أتأمرني بالصبر في دين أحمد

ووالله ما قلت الذي قلت جازعاً

__________________

(١) اُسد الغابة: ج ١ ص ٢٨٧، كما في الغدير: ج ٧ ص ٣٥٨، بحار الأنوار: ج ١٨ ص ٢٢١، مجمع البيان: ج ٢ ص ٢٨٧، وفي الأخير: يحض أبو طالب أخاه حمزة على اتباع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٢) تفسير أبي الفتوح: ج ٤ ص ٢١٢ ونقله أبو علي شمس الدين السيد فخار بن محمد الموسوي المتوفّى ٦٣٠ صاحب كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص ٧٢.

(٣) كتاب الحجة: ص ٧٤.

(٤) شرح النهج: ج ١٤ص ٧٨، وقال وقد يروى لعلي في ديوانه، ولكنّه موجود في ديوان أبي طالب ص ٧٥ ولم نذكر في عداد ما نقلناه عن ديوانه لمكان هذا الترديد.

٥١٢

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد

نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعاً(١)

وأمّا ما نقل عن غير أبي طالب متضمناً تسمية النبي بأحمد، فكثير جداً تصعب الاحاطة به ويطول الكلام بنقل ما وقفنا عليه في مجاميع التاريخ والأدب ولنكتفي بما يلي :

قال حسان بن ثابت شاعر عهد الرسالة في رثاه :

مفجعة قد شفها فقد أحمد

فظلّت لآلاه الرسول تعدد

أطالت وقوفاً تذرف العين جهدها

على طلل القبر الذي فيه أحمد(٢)

وقال أيضاً في رثاهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

صلّى الاله ومن يحيق بعرشه

والطيّبون على المبارك أحمد(٣)

وقال :

فمن كان أو يكون كأحمد

نظام الحق أو نكال لملحد

وقال في رثاه جعفر الطيار :

بها ليل منهم وابن اُمّه

علي ومنهم أحمد المتخير

وقال يرثي زيد بن حارثة :

ذاكم أحمد الذي لا سواه

ذاك حزني معا له وسروي(٤)

وقال حسان :

__________________

(١) شرح النهج الحديدي: ج ١٤ ص ٦٤.

(٢) نقلها ابن هشام في سيرته: ج ٢ ص ٦٦٧ و ٦٦٩، ونقل الثاني منهما ابن سعد في طبقاته: ج ٢ ص ٣٢٣.

(٣) نقلها ابن هشام في سيرته: ج ٢ ص ٦٦٧ و ٦٦٩، ونقل الثاني منهما ابن سعد في طبقاته: ج ٢ ص ٣٢٣.

(٤) أخذنا ما نقلناه إلى هنا من شاعر عهد الرسالة من مواضع مختلفة من ديوانه راجع: ص ٥٩، ٦٣، ٦٥، ١٠٢، ١٠٩ ط بيروت، تحقيق محمد عزت نصر الله، مضافاً إلى المصادر الاُخرى التي أوعزنا إليها.

٥١٣

فمن كف أحمد قد فجرت

عيون من الماء يوم الظمأ(١)

وقال :

ففي كف أحمد قد سبّحت

بتقديس ربي صغار الحصى(٢)

وقال كعب بن مالك :

فهذا نبي الله أحمد سبّحت

صغار الحصى في كفّه بالترنم(٣)

وقد نقل عن ورقة بن نوفل أنّه بعد ما اطلع على أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه ينزل عليه الناموس الأكبر الذي كان ينزل على موسى وعيسى أنشأ يقول :

فإن يك حق يا خديجة فاعلمي

حديثك أيانا فأحمد مرسل(٤)

وقال :

بأنّ أحمد يأتيه فيخبره

جبريل أنّك مبعوث إلى البشر(٥)

وقال :

وانّ ابن عبد الله أحمد مرسل

إلى كل من ضمّت عليه الأباطح(٦)

وقال أحد بني عامر رداً على حسان في افتخاره بالأنصار :

بسيف ابن عبد الله أحمد في الوغى

بكف علي نلتم ذاك فاقصروا(٧)

وقال حمزة حين أسلم، أبياتاً منها :

إذا تليت رسائله علينا

تهدر دمع ذي اللهب الحصيف

رسائل جاء أحمد من هداها

بآيات مبيّنة الحروف(٨)

__________________

(١ و ٢ و ٣) بحار الأنوار: ج ١٦ ص ٤١٣ و ٤١٤ و ٤١٥.

(٤ و ٥ و ٦) بحار الأنوار: ج ١٨ ص ١٩٥ و ١٩٦ وراجع بلوغ الارب: ج ٢ ص ٢٧٤ و ٢٧٥.

(٧) بحار الأنوار: ج ٢٠ ص ٢٥٩.

(٨) سيرة ابن هشام: ج ١ ص ٢٩٣.

٥١٤

وقالت عاتكة بنت عبد المطلب ترثي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا عين جودي ما بقيت بعبرة

سحاً على خير البرية أحمد(١)

ونقل المجلسي عن الخرائج: انّ تبع بن حسان سار إلى يثرب وقتل من اليهود ثلاثمائة وخمسين رجلاً بالصبر وأراد خرابها، فقام إليه رجل من اليهود وقال: إنّك لا تستطيع أن تخرب هذه القرية، قال: ولِمَ ؟ قال: لأنّه يخرج منها من ولد اسماعيل نبي يظهر من هذه البنية، يعني البيت الحرام، فكف « تبع » ومضى يريد مكة ومعه اليهود وكسا البيت وأطعم الناس وهو القائل :

شهدت على أحمد أنّه

رسول من الله باري النسم(٢)

وقالت صفية في تزويجهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

ثمّ السعود لأحمد

والسعد عنه ما برح

بخديجة بنت الكمال

وبحر أناملها طفح(٣)

واجتمع سادة قريش وأكابرها في اليوم الثالث كعادتهم، ونهض العباس وهو يقول :

شاع في الناس فضلكم

وعلا في المراتب

قد فخرتم بأحمد

زين كل الاطائب

أحمد سيد الورى

خير ماش وراكب(٤)

وقال بعض المسلمين عند اجلاء بني النضير وربّما ينسب إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

__________________

(١) الطبقات الكبرى: ج ٢ ص ٣٢٦.

(٢) بحار الأنوار: ج ١٥ ص ٢١٤.

(٣) بحار الأنوار: ج ١٦ ص ٧٥.

(٤) بحار الأنوار: ج ١٦ ص ٧٢.

٥١٥

رسائل تدرس في المؤمنين

بهن اصطفى أحمد المصطفى

إلى أن قال :

وقلن لأحمد ذرنا قليلا

فإنّا من النوح لم نشتف(١)

خاتمة المطاف :

ولنختم البحث بذكر ما ورد حول أسمائه فانّ صريح الأحاديث أنّ أسماءه في القرآن أكثر من هذين، فقد روى الصدوق في خصاله(٢) أنّ لرسول الله عشرة أسماء: خمسة منها في القرآن، وخمسة ليست في القرآن، فأمّا التي في القرآن: محمد، أحمد، عبد الله، يس، ن، وأمّا التي ليست في القرآن: فالفاتح، الخاتم، الكاف، المقفي، الحاشر.

روى الشيخ الأكبر عن الكلبي(٣) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال لي: كم لمحمد اسم في القرآن ؟ قال: قلت: اسمان أو ثلاثة، فقال: يا كلبي له عشرة أسماء( وَمَا مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) ،( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ،( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) ،( طه *مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ) ،( يس *وَالْقُرْآنِ الحَكِيمِ ) ،( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ،( يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ ) ،( يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ ) ،( قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا *رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ ) ، فالذكر اسم من أسماء محمد ونحن أهل الذكر، فسل يا كلبي عمّا بدا لك ؟

ومفهوم الحديثين واضح فانّ المراد من الاسم فيها أعم من الصريح والمؤوّل ومن العلم والوصف فانّ بعض ما عد اسماً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يعدو عن كونه وصفاً له كالمدثر والمزمل كما أنّ عد الحروف المقطعة علماً له إنّما هو بالتأويل المخصوص علمه لهمعليهم‌السلام ، فلاحظ.

__________________

(١) سيرة ابن هشام: ج ٢ ص ١٩٧.

(٢) الخصال: ج ٢ ص ٤٨.

(٣) بصائر الدرجات: ص ١٥٩.

٥١٦

وقال الشيخ الطوسي في التبيان: روي عن عليعليه‌السلام : سمّى الله تعالى النبي في القرآن بسبعة أسماء(١) .

هذه سيرة النبي الأكرم وهذه صفاته ونعوته وأسماؤه، وما قدمناه خطوة رائدة للتعرف على نفسياته وسيرته من اُفق القرآن المبين، أو نواة طيبة يمكن البناء عليها، وهو باجماله يمثل شخصيته اللامعة، ومكانته المرموقة، التي قرن الله طاعته بطاعته وقال سبحانه:( مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) ( النساء ـ ٨٠ ) ومحبّته بمحبّته وقال سبحانه:( إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ( آل عمران ـ ٣١ ).

وبيعته ببيعته وقال:( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ ) ( الفتح ـ ١٠ ) إلى غير ذلك.

وما أردت أن ألمح إلى جميع ما ورد في حقهصلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن المجيد فإنّ استخراجه عمل ضخم لا تسعه طاقة انسان واحد.

وإنّما الذي استهدفت هو أن أشير إلى نماذج حتى يكون فتحاً للباب واستنهاضاً للهمم وتقديماً للاسوة:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ) .

وآخر دعوانا

أن الحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) التبيان: ج ٢ ص ٤٧٥.

٥١٧
٥١٨

فهرس مصادر الكتاب

١. القرآن الكريم

حرف الألف

٢. إبانة المختار: شيخ الشريعة الأصفهاني ( ١٢٦٦ ـ ١٣٣٩ ه‍ ) دار القرآن، قم.

٣. إثبات الهداة: الحرّ العاملي: محمد بن الحسن ( م ١١٠٤ ه‍ ) المطبعة العلمية، قم.

٤. الإحتجاج: أبو منصور: أحمد بن علي الطبرسي ( من أعلام القرن السادس الهجري ) مؤسسة الأعلمي، بيروت ـ ١٤٠٣ ه‍.

٥. إحقاق الحق: الشهيد السيد نور الله الحسيني التستري ( ١٠٩١ ه‍ ) المكتبة الإسلامية، طهران.

٦. الاختصاص: المفيد: محمد بن محمد بن النعمان ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ ه‍ ) مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة.

٧. الإرشاد: له أيضاً ١ قم المقدّسة ـ ١٤٠٢ ه‍.

٨. إرشاد القلوب: الديلمي: أبو محمد: الحسن بن محمّد ( من أعلام القرن الثامن الهجري ) منشورات الرضي، قم المشرفة.

٩. الاستيعاب: أبو عمر: يوسف بن عبد الله بن عبد البر ( م ٤٥٦ ه‍ )، دار نهضة مصر ،

٥١٩

القاهرة.

١٠. اُسد الغابة: ابن الأثير: أبو الحسن: علي بن أبي الكرم ( م ٦٣٠ ه‍ ) دار إحياء التراث العربي، بيروت.

١١. الأسس النفسية للنمو: الدكتور فؤاد البهي مدرس علم النفس بجامعة عين شمس.

١٢. الإشارات: الشيخ الرئيس ابن سينا ( م ٤٢٨ ه‍ ) طبع طهران.

١٣. إشراقات: عبد الحميد خاوري.

١٤. الإصابة: العسقلاني: أحمد بن علي بن حجر ( م ٨٥٢ ه‍ ) دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ ١٣٥٨ ه‍.

١٥. أصل الشيعة واُصولها: الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ( ١٢٩٥ ـ ١٣٧٣ ه‍ ) مطبعة العرفان، صيدا ـ ١٣٥٥ ه‍.

١٦. اُصول الفلسفة: العلّامة السيد محمد حسين الطباطبائي ( ١٤٠٢ ه‍ ) منشورات المؤسسة الثقافية، النجف الأشرف ـ ١٣٨٥ ه‍.

١٧. أعلام الورى: الطبرسي: أمين الإسلام الفضل بن الحسن ( ٤٧١ ـ ٥٤٨ ه‍ ) طبع إيران.

١٨. الإقبال: ابن طاووس: علي بن موسى الحلّي ( م ٦٦٤ ه‍ ) طبع تبريز.

١٩. إكمال الدين: الشيخ الصدوق: محمد بن بابويه القمي ( م ٣٨١ ه‍ ) طهران ـ ١٤٠٥ ه‍.

٢٠. الأمالي: له أيضاًقدس‌سره المكتبة الإسلامية، طهران.

٢١. الأمالي: الطوسي: محمّد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه‍ ) مؤسسة الوفاء، بيروت ـ ١٤٠١ ه‍.

٢٢. الأمالي: المفيد: محمد بن محمد بن النعمان ( م ٤١٣ ه‍ ) قم ـ ١٤٠٤ ه‍.

٢٣. أوائل المقالات: له أيضاًقدس‌سره مكتبة الحقيقة، تبريز ـ ١٣٧١ ه‍.

٢٤. ايقان: عبد الحميد خاوري.

٥٢٠