مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201892 / تحميل: 6192
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

يسبقوه إلى أهله، فجعل يقول: يا صباحاه يا صباحاه اوتيتم اوتيتم(١) .

هكذا بدأت الدعوة الإسلامية، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطو خطوات قصيرة، يجابه ضوضاء الالحاد بحكمه وعظاته حتى دخل في الإسلام بعض الشخصيات البارزة ممن كانت لهم مكانة مرموقة بين الناس، وانجذبت إليه قلوب كثير من الشبان وأصبحت أفئدتهم تهوى إليه، غير أنّ الجو المفعم بالاحن والضغائن عرقل خطا دعوته، وتفاقمت جرائم قريش نحوه، فأجمعوا أمرهم على أن يخنقوا نداءه، بإنهاء حياته وإطفاء نوره، حيث اجتمع سادتهم في دار الندوة، وأجمعوا على أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً، ويسلّموا له سيفاً صارماً، وأوصوا هؤلاء الشباب بأن يضربوه ضربة رجل واحد، حتى يموت، فيستريحوا منه، وبذلك يتفرّق دمه في القبائل جميعاً، ولا يقدر بنو هاشم، على حربهم.

ولكنّ الله ردّ كيدهم، وصدّهم عن ذلك، وخيّب حيلتهم، وأخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المكيدة الداهمة، فغادر مكة متوجهاً إلى « يثرب » حتى دخلها، فاجتمع حوله رجال من الأوس والخزرج، وبايعوه، ووعدوه بالنصر، والمؤازرة والحراسة.

والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن غادر مكة، وترك قومه، إلّا أنّ قومه لم يتركوه، بل أجّجوا نار الشحناء عليه، ودارت بينهم وبين الرسول حروب دامية، وحملات طاحنة، وبذلت قريش آخر ما في وسعها، ورمت كل ما في كنانتها، وبالغت في تقويض الإسلام، وهدم بنائه، إلى أن دخل العام السادس، من الهجرة، فتعاهد الفريقان في أرض الحديبية على هدنة تدوم عشر سنوات، بشروط خاصة.

هذا الصلح الذي تصالح به المسلمون في الحديبية، انقلب الى فتح مبين للإسلام، فانتهز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الفرصة لنشر دعوته في البلاد البعيدة، فبعث سفراءه وفي أيدي كل واحد كتاب خاص إلى قيصر الروم، وكسرى فارس، وعظيم القبط، وملك الحبشة، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام، وهوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة ،

__________________

(١) السيرة الحلبية، ج ١، ص ٣٢١ المقصود: هوجمتم من قبل العدو.

٤١

بل إلى رؤساء العرب، وشيوخ القبائل، والاساقفة، والمرازبة، والعمال، يدعوهم إلى دين الإسلام، الذي هو دين السلام، ورسالته من الله وما اُنزل إليه من ربّه.

وهذه المكاتيب أول دليل على أنّ رسالته، عالمية لا تحدد بحد، بل تجعل الأرض كلها مجالاً لإقامة هذا الدين، ودونك نماذج ممّا ورد في تلكم الرسائل :

١. كتب إلى كسرى ملك فارس :

« بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى أدعوك بدعاية الله فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافة، لاُنذر من كان حيّاً، ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس »(١) .

٢. وكتبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قيصر ملك الروم :

« بسم الله الرحمن الرحيم، إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرّتين فإن تولّيت فإنّما عليك إثم الاريسيين »(٢) .

وما ذكرناه نماذج من رسائله، وكتاباته الإبلاغية، وفيه وفي غيره مصارحة شديدة بأنّه رسول الله إلى العرب والعجم، وإلى الناس كلهم، من غير فرق بين اللون والجنس، والعنصر والوطن، ويمتد شعاع رسالته بامتداد الحضارة، ووجود الانسان، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكافح كل مبدأ يضاد دينه، وكل رساله تغاير رسالته، وقد جرى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه طيلة حياته الرسالية، حتى التحق بالرفيق الأعلى.

يقول السير توماس ارنولد: « انّ هذه الكتب قد بدت في نظر من اُرسلت إليهم ضرباً من الخرق، فقد برهنت الأيام على أنّها لم تكن صادرة عن حماسة جوفاء وتدل هذه الكتب دلالة أكثر وضوحاً وأشد صراحة على ما تردد ذكره في القرآن من مطالبة الناس جميعاً بقبول الإسلام ».

__________________

(١) تاريخ الطبري، ج ٢، ص ٢٩٥، تاريخ اليعقوبي، ج ٢، ص ٦١ وغيرهما.

(٢) السيره الحلبية، ج ٢، ص ٢٧٥، مسند أحمد، ج ١، ص ٢٦٣ وغيرهما.

٤٢

فقد قال الله تعالى في سورة ص ٨٧ ـ ٨٨:( إِنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ *وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) .

وفي سورة يس ٦٩ ـ ٧٠:( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ *لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) .

وفي سورة الفرقان ١:( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) .

وقال سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) سورة سبأ: ٢٨.

وقال سبحانه:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) . سورة الأعراف ١٥٨.

وقال سبحانه:( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ) . سورة آل عمران: ٨٥.

وقال سبحانه:( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) . سورة النساء: ١٢٥.

وقال سبحانه:( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ *وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ *اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَٰهَ إلّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إلّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) . التوبة: ٢٩ ـ ٣٣(١) .

__________________

(١) الدعوة إلى الإسلام، ص ٣٤.

٤٣

تأثير تلكم الكتب :

وممّا يدل على أنّ هذه الكتب لم تصدر عن حماسة جوفاء، أنّه قد كان لها أثر بديع في أكثر هذه الأوساط، إذ تجاوبت معها شعور كثير منهم، فنبهتهم من رقدتهم، وانهضتهم من كبوتهم، فأصبحوا متفكّرين من ملبّ لدعوته، وخاضع لرسالته، ومؤمن بما أتاه، إلى معظّم لرسله، ومجيز لهم، ومكبّر إيّاه بإرسال التحف الثمينة، ودونك صورة مصغّرة ممّا أثارته تلكم الكتب في هذه البيئات، وقد روى أصحاب السير والتاريخ أُموراً كثيرة يطول بنا المقام بذكرها :

قال قيصر لأخيه ـ حين أمره برمي الكتاب ـ: أترى أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر، وقال لأبي سفيان: إن كان ما تقول حقّاً فإنّه نبي، ليبلغنّ ملكه ما تحتي قدمي.

وخرج ضغاطر أسقف الروم بعد قراءة الكتاب، إلى الكنيسة وقال في حشد من الناس: يا معشر الروم أنّه قد جاءنا كتاب أحمد، يدعونا إلى الله وأنّي أشهد أن لا إلهَ إلّا الله وأنّ أحمد رسول الله.

وقال المقوقس: إنّي قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده ساحراً ضالاّ، ولا كاهناً كذّاباً.

وكتب فروة عامل قيصر بعمان إلى رسول الله كتاباً، أظهر فيه إسلامه، فلمّا اطّلع عليه قيصر أخذه واستتابه، فأبى فأمر بقتله، فقال حينما يقتل :

بلّغ سراة المسلمين بأنّني

سلم لربّي أعظمي وبناني

وكتب هوذة بن علي ملك اليمامة إلى رسول الله: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله.

ولبّي المنذر بن ساوى ملك البحرين دعوة الرسول وأظهر إسلامه.

وأجابه ملوك حمير، وأساقفة نجران، ولبّاه عمّال كسرى باليمن، واقيال

٤٤

حضرموت، وملك ايلة ويهود مقنا بالإسلام، أو بإعطاء الجزية.

وكتب النجاشي ملك الحبشة، كتابه المعروف، وأظهر إسلامه إلى درجة صلّى عليه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما بلغه موته(١) .

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، من تأثير دعوته العالمية ورسالته العامّة.

نعم قد شذ منهم كسرى ـ ومن لفّ لفه ـ وهو ذلك الملك الذي ورث السلطة والحكم عن أجداده من آل ساسان، فأبى أن يكون تابعاً للعرب، وخشى من هذا الدين على شخصه وملكه.

ولأجل ذلك لا تعجب إذا ثارت ثائرة كسرى، فمزّق كتاب الرسول، وأرسل إلى باذان، عامله باليمن، وكتب إليه: « ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين جلدين فليأتياني به »(٢) .

هذه صورة اجمالية من بدء دعوته إلى ختامها، أتينا بها بصورة مصغّرة، ليقف القارئ على أنّ دعوته لم تكن مقصورة على بلد خاص، أو شعب خاص بل كانت عالمية غير محدودة، وأنّ مرماه كان هو القضاء على جميع النزعات الاقليمية والمحلية والأديان السالفة وتذويبها في اطار رسالته العالمية الواسعة النطاق، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصرّح بذلك في بدء دعوته، وأثنائها ومختتم أمره.

النصوص القرآنية في عالمية رسالته :

هلم معنا نتلو عليك نصوص القرآن الدالّة على أنّ رسالته، رسالة عالمية وأنّ دعوته لا تختص بإقليم خاص، أو اُمّة معيّنة، وإنّ مرماه هو إصلاح المجتمع البشري على وجه الاطلاق، ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه :

__________________

(١) راجع لمعرفة نصوص ما دار بينهم وبين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كتاب « مكاتيب الرسول ».

(٢) الكامل، ج ٢، ص ٨١، السيرة الحلبية، ج ٣، ص ٢٧٨، إلى غير ذلك.

٤٥

الأوّل: إنّ كثيراً من الآيات تصرّح بأنّ رسالته عالمية، وأنّه رسول الله إلى الناس جميعاً، وأنّ الله أرسله رحمة للعالمين، وأنّه بشير ونذير للناس كافة، وأنّه ينذر بقرآنه كل من بلغه كتابه وهتافه، من غير فرق بين شخص وشخص، أو عنصر وآخر، ودونك بعض النصوص من هذا القسم :

١.( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) ( الأعراف ـ ١٥٨ ).

٢.( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) ( سبأ ـ ٢٨ ).

٣.( وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا ) ( النساء / ٧٩ ).

٤.( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ( الأنبياء ـ ١٠٧ ).

٥.( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) ( الفرقان ـ ١ ).

٦.( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) ( الأنعام ـ ١٩ ).

ـ أي كل من بلغه القرآن، ووصلت إليه هدايته في أقطار الأرض ـ.

٧.( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) ( الصف ـ ٩ ).

٨.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ) ( النساء ـ ١٧٠ ).

٩.( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) ( إبراهيم ـ ١ ).

١٠.( هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) ( آل عمران ـ ١٣٨ ).

وهذه الآيات ونظائرها ممّا لم ننقلها، صريحة في أنّ هتاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يختص باُمّة دون اُمّة، وأنّه بعث إلى الناس كافة مبشّراً ومنذراً لهم جميعاً.

الثاني: إنّ القرآن كثيراً ما يوجّه خطاباته إلى الناس غير مقيّدة بشيء، وهذا دليل

٤٦

واضح على أنّ هتافاته وتوجيهاته تعم الناس كافة، ودونك نماذج من هذا القسم.

١.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة ـ ٢١ ).

٢.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) ( البقرة ـ ١٦٨ ) إلى غير ذلك

فترى أنّه يخاطب الناس، ويقول: يا أيّها الناس تصريحاً منه على أنّ رسالته السماوية إلى الناس كلهم، لا إلى صنف خاص منهم.

فلو كان الإسلام ديناً اقليمياً، ورسالته طائفية، فلماذا تأتي هتافاته بلفظ:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ؟!.

فقد تكرر هذا النداء في الكتاب ست عشرة مرة.

بل لماذا يخاطب أهل الكتاب ويناديهم بقوله( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ) ؟ فقد ورد هذا الخطاب في الذكر الحكيم اثنتي عشرة مرة.

وربّما يستدل في المقام بالخطابات الواردة في القرآن موجهة إلى بني آدم لكن الاستدلال بها لا يخلو من الاشكال، كما سيوافيك بيانه عند البحث عن ختم الدين والرسالة(١) .

الثالث: إنّ القرآن ربّما يأخذ العنوان العام موضوعاً لكثير من أحكامه، من غير تقييد بلون، أو عنصر، أو شعب أرض خاصة، وهذا يكشف عن أنّه بعث إلى إصلاح المجتمع البشري في مشارق الأرض ومغاربها، وأنّ الرسالة التي اُلقيت على عاتقه لا تحدد بحد، ودونك نماذج من هذا القسم :

١.( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ( آل عمران ـ ٩٧ ).

فقد أوجب حج البيت على الناس إذا استطاعوا إليه، عرباً كانوا، أم غير عرب ،

__________________

(١) لاحظ الفصل الثاني ـ في هذا الكتاب ـ ص ١١٣.

٤٧

فلم يقل: لله على الاُمّة العربية ـ مثلاً ـ حج بيته.

٢.( وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) ( الحج ـ ٢٥ ).

٣.( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( لقمان ـ ٦ ). فالجملة الخبرية بمعنى الانشاء وتحريم الاشتراء ولذا استدل الفقهاء بها على حرمة كسب المغنيّات تبعاً للسنّة(١) .

فذم سبحانه كل من اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله كائناً من كان إلى غير ذلك من الآيات.

الرابع: يقضي صريح القرآن بأنّ هدايته لا تختص بمجتمع خاص، بل تعم كل من تظلّه السماء، وتقلّه الأرض. ودونك بعضها :

١.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) ( النساء: ١٧٤ ).

٢.( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ) ( البقرة ـ ١٨٥ ).

٣.( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ( الزمر: ٢٧ ).

٤.( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) ( إبراهيم ـ ١ ).

أليست هذه الآيات صريحة في أنّ القرآن نور وهدى للناس كلّهم، لا للعرب خاصة، ومع ذلك كيف يمكن أن نحمل رسالته على أنّها مختصة باُمّة دون اُمّة ؟! هذا ونجد سبحانه يقول:( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( الجمعة: ٣ ) وما المراد من ال‍:( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ ) ـ أي من المؤمنين ـ ؟ أليس المراد كل من جاء بعد

__________________

(١) راجع المكاسب، ص ٣٨، للشيخ الأعظم الأنصاري.

٤٨

الصحابة إلى يوم القيامة من العرب والعجم ؟(١) فالآية دالة على عمومية الرسالة مضافاً إلى خاتميتها.

هذه جوانب تلقي ضوءاً على البحث، وتهدف إلى أمر واحد: وهو أنّ رسالته ذات نزعة عالمية، غير محدودة بحد، فلا يحدها قطر، ولا يقيّدها شيء آخر من ألوان التحديد والتقييد، نعم مبدأ البرهان في كل واحد منها يختلف مع ما في الآخر ـ كما يظهر ذلك بالإمعان والتدبّر ـ(٢) .

البرهان على عمومية رسالته بوجه آخر :

وهناك لون آخر من البحث يتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة الإسلام، وبفكرته الكلية، عن الكون والحياة والإنسان، ونظرته الوسيعة الثاقبة في التقنين والتشريع وإن شئت فاجعله خامس الوجوه.

بيانه: أنّ الحقائق الراهنة التي جاء بها الصادع بالحق، في مختلف الأبواب والفصول، لا تستهدف سوى تبنّي الواقع، ولا تأخذ غيره دعامة، ولا تخضع لشرط من الشرائط الزمانية إلّا لنفس الأمر.

وإن شئت فقل: إنّ الإسلام لا يعتمد في أحكامه وتشريعاته وما يرجع إلى الانسان في معاشه ومعاده، إلّا على مقتضى الفطرة التي فطر عليها كلّ بني الإنسان والسائدة في كافة أفراده، في عامة أقطار الأرض جميعاً، وإذا كان الحكم والتشريع موضوعاً على طبق الفطرة الانسانية السائدة في جميع الأقطار والأفراد، فلا وجه

__________________

(١) مجمع البيان، ج ٥، ص ٢٨٤.

(٢) هذه الوجوه الأربعة تختلف في طريق البرهنة على المطلب، فقد استدل في الوجه الأوّل بتصريح القرآن على عموم رسالته، واعتمد في الثانية على شمولية هتافات القرآن وعمومية خطاباته في الفروع والاُصول، وفي ثالثها على أنّ القرآن كثيراً ما يتخذ العنوان العام لموضوع أحكامه، وفي رابعها على نص القرآن بأنّ هدايته وانذاره لا يختص بشعب خاص.

٤٩

لاختصاصه بإقليم دون إقليم، أو بشعب دون شعب.(١)

ولا يجد الباحث ـ مهما اُوتي من مقدرة علمية كبيرة ـ في ما جاء به نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على سعة نطاقه، وبحثه في شتى الجهات، ومختلف النقاط أىّ طابع إقليمي، أو صبغة طائفية، وتلك آية واضحة على أنّ دعوته دعوة عالمية لا تتحيز إلى فئة معيّنة، ولا تنجرف إلى طائفة خاصة.

هذا هو الإسلام وتعاليمه القيّمة ومعارفه الاعتقادية، وسننه التشريعية فأمعن فيها النظرة مرة بعد اُخرى، فهل تجد فيه ما يشير إلى كونه ديناً إقليماً خاص، أو شريعة لفئة محدودة ؟ فإنّ للدين الإقليمي علائم وأمارات، أهمها أنّه يعتمد في معارفه وتشريعاته على خصوصيات بيئية، أو ظروف محلية، بحيث لو انقلبت تلكم الخصوصيات إلى غيرها، أصبحت السنن والطقوس المعتمد عليها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وصار النافع منها ضاراً، فهل تجد أيّها الباحث في ما جاء به الإسلام شيئاً من تلكم الامارات.

هلم معي نحاسب بعض ما جاء به الإسلام في مجالات العلم والعمل، ونضعها على طاولة الحساب، فنكون على بصيرة كاملة في هذا الموضوع: فقبل كل شيء، لاحظ كتاب الله العزيز، ومعجزة الإسلام الخالدة، فقد انبثق نوره منذ أربعة عشر قرناً، حين كانت البشرية تسبح في ظلام دامس مخيف، ضاعت فيه كرامة الانسان وحريته، وساد العداء والتنازع بين الناس، وكان نظام الغاب وحده، مفزعاً للناس وملجأ إليهم.

وفي تلك الظروف جاء القرآن نوراً يستضيء به العالم، ويعيد للانسان كرامته ومكانته وحريته، مؤسّساً لمجتمع قائم على أساس وطيد من العدالة الاجتماعية، سواء في ذلك انسان الجزيرة العربية أم غيرها.

هلم معي نستعرض تعاليمه، فهل نرى آية من آياته الباهرة، أو قانوناً من قوانينه، أو حكمة من حكمه ومعارفه، أو سننه من سنة، أو فريضة من فرائضه تنفع في

__________________

(١) سوف نرجع إليه في ختام البحث، ونجعله دليلاً مستقلاً على عمومية رسالته.

٥٠

مجتمع دون آخر ؟ تفيد في إقليم دون إقليم ؟ تبلغ بمجتمع خاص إلى قمّة الرقي والحضارة، وتسف بجماعة اُخرى إلى هوة الضلال والجهل ؟!

ليت شعري ماذا يريد القائل من كلمته القارصة، أو فريته الشانئة ؟: « الإسلام دين طائفي، أو مبدأ إصلاح إقليمي، لا يصلح لعامة المجتمعات، ولا يصلح لعامة القارات، ولا تسعد به الإنسانية على اختلاف شعوبها وطبقاتها ».

ليت شعري ماذا يريد منها ؟ أيريد معارفه العليا في باب الصانع وصفاته، وما جاء في ذلك الباب من الحقائق الغيبية، والكنوز العلمية، التي لم تحم حولها فكرة انسان قبله، ولم توجد في زبر الاوّلين مثلها، أو شبهها.

فلو أراد ذلك، فتلك فرية بيّنة، إذ الإسلام قد أتى بفلسفة صحيحة وعرفان رصين وتوحيد خالص، فيه دواء المجتمع البشري في الأقطار كلها.

ترى ويرى كل من له إلمام بالإسلام أنّه كافح كل لون من ألوان الشرك، كافح عبدة الأصنام والأجرام السماوية، كافح كل تعلّق بغيره سبحانه، وتخضع لشيء دون الخالق، وأنقذ المجتمع البشري من مخالب الشرك، ومصائد الضلال، ونهاه عن عبادة حجر لا يعقل أو شجر لا يفهم، أو حيوان لا يدفع عن نفسه، أو انسان محتاج مثله، أو غيرها من الأرباب الكاذبة، فأعاد للانسان كرامته وحريته ومكانته المرموقة سواء في ذلك انسان الجزيرة أم غيره.

أيحسب هذا القائل أنّ ذلك التوحيد، وهذا العرفان مختصان بقوم دون قوم كيف ؟ فإذا كان النبي لا يستهدف سوى الواقع ولا يتبنّى غيره، وبعبارة صحيحة: إذا كان لا يوحى إليه سوى الحقيقة المجردة عن شوب كذب، فلا وجه لأن يختص باُمّة دون اُمّة.

ودونك سورة الحديد والآيات التي وقعت في صدرها، فاقرأها بإمعان وتدبّر فهل يعلق الشك بضميرك الحر، بأنّها تعاليم ومعارف تختص بمنطقة خاصة ولا تصلح للتطبيق في مناطق اُخرى، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في العقائد والمعارف.

أم يريد أنّ أحكام الإسلام وتشريعاته في العبادات والمعاملات والأخلاق

٥١

وغيرها، قوانين إقليمية، لا تصلح إلّا لظروف خاصة، ولا تفيد إلّا في شبه الجزيرة العربية، ولا يسعد بها إلّا انسانها، دون اناس المناطق الاُخرى، إلّا أنّ تلك فرية بيّنة ليست فيها مسحة من الحق أو لمسة من الصدق، فهذه فروعه ودساتيره وفرائضه لا تجد فيها أثراً للطائفية أو أمارة للإقليمية.

ضع يدك على النظام الاجتماعي الذي جاء به الإسلام في أبواب النكاح والزواج، وأحكام الأولاد والنشوز والطلاق والفرائض، وإصلاح حال اليتامى وإنفاذ الوصايا، والإصلاح بين الناس، وأداء الأمانة، وحسن السلوك معهم، والتعاون والاحسان، إلى غير ذلك ممّا يجده الباحث في النظام الاجتماعي للإسلام.

ضع يدك على النظام الأخلاقي الذي فاق به الإسلام، كافة الأنظمة الخلقية التي كانت قبله، أو تأسّست بعده، فأمر بالصدق وأداء الأمانة، والصبر والثبات وحسن الظن بالناس، والعفو والغفران والقرى والضيافة، والتواضع، والشكر والتوكل، والاخلاق في العمل إلى غير ذلك ممّا أمر به، أو ما نهى عنه كالبخل والاختيال، والبهتان والغضب، والاثرة، والحسد، والغش والبغي والخمر والميسر، والجبن والغيبة والكذب، والاستكبار والرياء، والعجب والتنابز بالألقاب والانتحار والغدر و .

ضع يدك على نظامه السياسي في باب الحكم والسياسة، وما أتى به في اصلاح نظام الحرب، ودفع مفاسدها، وقصرها على مافيه من الخير للبشر، وايثار السلم على الحرب، وعلى الأنظمة والقوانين التي جاء بها في أبواب العقود والمعاملات، فأوجب حفظ المال عن الضياع والاقتصاد فيه وجعل فيه حقوقاً مفروضة ومندوبة، وأحلّ البيع وحرّم الربا، ونهى عن الغش والتطفيف، إلى غير ذلك ممّا يجده المتعمّق في كتب الفقه والأحكام.

قل لي بربّك هل تجد في هذه الأنظمة، أو في ثنايا هذه الأبواب والأحكام حكماً أو أحكاماً فيها تفكير طائفي أو نزعة اقليمية ؟ وإن كنت في ريب فاقرأ الآيات التالية ومئات نظائرها، تجدها دواء المجتمع الانساني في الأقطار كلها :

٥٢

١.( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( النحل ـ ٩٠ ). أليست هذه القوانين عماد الاصلاح، وسناد الفلاح في عامة القارات ؟

٢. هلاّ كان منه قوله سبحانه( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) ( النساء ـ ٥٨ ).

وقد ندد الله باليهود لتجويزهم خيانة الاُميين، يعني العرب المشركين ومن ليس في دينهم، وقال:( وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إلّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ( آل عمران ـ ٧٥ ).

وليس هذا إلّا لأنّ دينهم على زعمهم كان طائفياً، فالحرام عندهم هو خيانة يهودي ليهودي مثله لا غير، وأمّا الإسلام فلمّا كان ديناً عالمياً غير مختص بطائفة دون اُخرى، فحرّم الخيانة مطلقاً على المسلم والكافر، وذلك آية كونه عالمياً لا طائفياً ولا إقليمياً.

٣. أو ليس منه قوله سبحانه:( وَلْتَكُن منكُمْ اُمّة يَدعُونَ إلى الخيرِ ويأمُرونَ بالمعروفِ وينهَونَ عن المنكرِ ) ( آل عمران ـ ١٠٤ ).

وقد عرضنا هذه الآيات على سبيل التنويه، فليس معنى هذا، أنّ ما جاء به الإسلام في طريق إصلاح المجتمع، محصور في هذا النطاق، فإنّ في كثير من الآيات التي لم نأت بها تنويهاً بمختلف الأخلاق الفاضلة الإنسانية، والشخصية والاجتماعية من صدق، وعدل، وبر، وأمانة، وصلة رحم، ولين جانب، ووفاء عهد، ووعد، ورحمة للضعيف، ومساعدة للمحتاج، ونصرة للمظلوم، وصبر، ودعوة إلى الخير، وتواص بالحق، وعدم اللجاج فيه، والانفاق لله، والدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، والتعاون على البر والتقوى، والرغبة في السلم.

كما احتوت آيات كثيرة تنديداً بمختلف الأخلاق السيئة والخصال المذمومة من

٥٣

كذب، وظلم، وبغي، واثم، وقتل نفس، وارتكاب فاحشة، وانتهاك عرض وافك وزور، وعربدة سكر، وإسراف وتبذير، وخيانة ونكث غدر، وخديعة، وقطع رحم، وأكل أموال الناس بالباطل، وجبن، وشح وأمر بمنكر وغلظة قلب، وفظاظة خلق، ورياء ومكابرة وانتقام باغ، وتناقض بين القول والعمل وغرور، وصد عن الحق، إلى غير ذلك من مساوئ الأخلاق ومحاسنها التي تجد نصوصها مبثوثة في القرآن الكريم. وتسهل عليك مراجعتها والاهتداء والتدبّر في معانيها إذا لا حظت كتاب « تفصيل آيات القرآن الكريم »(١) ، « والمعجم المفهرس »(٢) وغيرهما من الكتب والمعاجم.

هذا وقد عاشت الاُمّة الإسلامية بل الانسانية جمعاء(٣) في ظل هذه الدساتير ونظائرها الوافرة في أجيال متتابعة، وفي حقب من الزمان والمكان، فلو كانت مختصة بإقليم خاص، لأدّت إلى التناحر والاندحار في الأقاليم الاُخر، لا إلى الرقي والحضارة(٤) .

الدعوة إلى الفطرة، أساس الأحكام الإسلامية :

لقد بنى الإسلام أحكامه وتوجيهه في العلم والعمل على الفطرة الإنسانية السائدة في جميع الأقطار والأفراد، فدعا إلى التوحيد المطلق، وقرّر مبادئ العدالة والحرية والمواساة والاخاء بين الناس كافة والديمقراطية الحقة، ونشر العلم والحضارة

__________________

(١) تأليف المسيو جول لابوم، وقد وضع كتاباً باللغة الفرنسية، جمع فيه آيات القرآن بحسب معانيها، ووضع كلا منها في باب أو أبواب خاصة، حسب ما فهم منها، ولكنّه أخطأ في كثير من معانيها، فإنّه اكتفى في ترتيبه وتنسيقه بما فهمه من ظواهر الآيات حسب اللغة العربية وقواعدها، من دون أن يرجع إلى أسباب النزول، وسنّة النبي وسيرته والأئمّة من بعده.

(٢) تأليف محمد فؤاد عبد الباقي المصري.

(٣) اعترف به المستشرق غوستاف لوبون في آخر كتابه.

(٤) نعم كل اُمّة ركنت إلى الدعة والراحة، وحنت إلى تقليد عادات الأجانب في معترك الحياة، ونسيت مكانتها ورسالتها وقوانينها وأخذت بغيرها، رجعت إلى ورائها القهقرى وعلى هذا الأساس تعيش الاُمّة الإسلامية في هذا العصر في أنحاء العالم، فتراها متفرقة الكلمة ممزّقة، تأكلها حثالات الأرض.

٥٤

وقضى على الرذائل والمنكرات، والشهوات الجامحة، والتقاليد البالية، والخرافات الكاذبة، والرهبانية المبتدعة، وأمر بالفضائل والصدق في القول والوفاء بالعهد، والاجتناب عن العزوبة بنكاح الحرائر إلى غير ذلك من الوف الأحكام والتشريعات التي أشرنا إلى كثير منها وتعتبر بمجموعها دعائم الاصلاح في العالم كله، ولا تنازع الفطرة بل تطابقها ولا تتخلّف عنها قدر شعرة.

فإذا كانت الفطرة الإنسانية واحدة في الجميع، وكانت الأحكام الإسلامية مبنية عليها في جانب التشريع، فلا وجه لأن تختص بقوم دون قوم، وهذا بحث لطيف سوف نرجع إليه إن شاء الله عند البحث عن كون نبي الإسلام خاتم النبيين، ودينه خاتم الأديان وبه نجيب على الاشكال الدارج على ألسنة بعض المستهترين ممّن لا يؤمن بصريح القرآن في مسألة الخاتمية ويقول: « إنّ النصوص الشرعية في الكتاب والسنّة محدودة، وحوادث الناس ومقاصدهم متجددة ومتغيّرة ولا يمكن أن تفي النصوص المحدودة بالحوادث المتجددة الطارئة » فارتقب حتى يأتيك الجواب والبيان.

الإسلام يكافح المبادئ الرجعية :

وأدل دليل على أنّ الإسلام رسالة عالمية، أنّه يكافح النزعات الاقليمية والطائفية ولا يفرق بين اللون والجنس والعنصر ولا يفضّل أحداً إلّا بالتقوى، ويزيّف كل مقياس سواه ويقول:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات ـ ١٣ ).

كفى له فخراً أنّه أوّل من حارب العصبية والنعرات الطائفية ودعا إلى الاخوة الانسانية، والزمالة البشرية، والانضواء تحت لواء واحد وهو لواء التوحيد المطلق.

أجل حارب العصبية، والنعرات الطائفية في ظل وحدات ثمان، وهو أوّل من أسّسها وأشاد بنيانها، أعني: وحدة الاُمّة، وحدة الجنس البشري، وحدة الدين، وحدة التشريع، وحدة الاخوة الروحية، وحدة الجنسية الدولية، وحدة القضاء، بل وحدة اللغة

٥٥

الدينية(١) .

وقد بلغت بها الاُمّة الإسلامية في العصور السالفة المزدهرة، الذروة من المجد والعظمة، فأصبحت ساسة البلاد وحكّام العباد.

أو ليس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قائل تلكم الكلم الدرية التالية، القاضية على كل نعرة طائفية، والانتماء إلى فئة خاصة والاتجاه إلى نجاح شعب خاص، فكيف ترمى شريعته بالطائفية وانقاذ جماعة معينة دون غيرها ؟

١. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الناس إنّ الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ألا إنّكم من آدم وآدم من طين، ألا إنّ خير عباد الله، عبد إتّقاه »(٢) .

٢. « ألا إنّ العربية ليست بأب والد، ولكنّها لسان ناطق، فمن قصر عمله لم يبلغ به حسبه »(٣) .

٣. « إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا، مثل أسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى »(٤) .

٤. « إنّما الناس رجلان: مؤمن تقي، كريم على الله; وفاجر شقي، هيّن على الله »(٥) .

وللدكتور حسن إبراهيم حسن هنا كلمة قيّمة، يقول :

« ينكر بعض المؤرخين أنّ الإسلام قد قصد به مؤسسه في بادئ الأمر أن يكون ديناً عالمياً برغم هذه الآيات البيّنات ومن بينهم « وليم ميور » إذ يقول :

« إنّ فكرة عموم الرسالة جاءت فيما بعد، وأنّ هذه الفكرة على الرغم من كثرة الآيات والأحاديث التي تؤيدها، لم يفكر فيها محمد نفسه، وعلى فرض أنّه فكّر فيها ،

__________________

(١) كل ذلك دليل على عالمية تشريعه، وسعة نطاق رسالته، ويجد الباحث في الذكر الحكيم والأحاديث الإسلامية دلائل واضحة على كل واحدة من هذه الوحدات، فلا نقوم بذكرها لئلاّ يطول بنا المقام وقد بحثنا عنها في الجزء الثاني.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) راجع للوقوف على مصادر هذه الكلمات: روضة الكافي، ص ٢٤٨، سيرة ابن هشام ج ٢، ص ٤١٢، بحار الأنوار، ج ٢١، ص ١٠٥، والشرح الحديدي، ج ١٧، ص ٢٨١، وقد أوردنا شطراً آخر من هذه الأحاديث في الجزء الثاني.

٥٦

كان تفكيره تفكيراً غامضاً، فإنّ عالمه الّذي كان يفكّر فيه إنّما كان بلاد العرب كما أنّ هذا الدين الجديد لم يهيأ إلّا لها، وأنّ محمداً لم يوجّه دعوته منذ بعث إلى أن مات إلّا للعرب دون غيرهم، وهكذا نرى أنّ نواة عالمية الإسلام قد غرست ولكنها إذا كانت قد اختمرت ونمت بعد ذلك فاّنما يرجع هذا إلى الظروف والأحوال أكثر منه إلى الخطط والمناهج ».

وكذلك شك « كيتاني » في أن يكون النبي قد تخطّى بفكره حدود الجزيرة العربية ليدعو اُمم العالم في ذلك الوقت إلى هذا الدين.

ومن الغريب أن يشك « وليم ميور » في صحة دعوى عموم الرسالة، وأن يبني شكه هذا على أنّ محمداً ما كان يعرف غير الجزيرة، وأنّها كانت عالمه الذي لم يفكّر في سواه، وأنّ هذا الدين لم يهيأ إلّا لتلك البلاد، وأنّ محمداً منذ بعث إلى أن مات لم يوجّه دعوته إلّا للعرب دون غيرهم، فهل خفيت على ذلك المؤرّخ صلة قريش بدول ذلك العهد، وما أتاحته لها التجارة من دراية وخبرة بشؤون هذه الاُمم وأحوالهم، وأنّ محمداً بوجه خاص قد سافر غير مرة للتجارة إلى بلاد الشام، فقد سافر وهو صبي مع عمه « أبي طالب » في تجاراته حتى إذا بلغ خديجة ما بلغها عن خبرته وأمانته، ألقت بمالها بين يديه، فكان من مهارته وحذقه ما جعلها تعرض عليه الزواج منها، ثم ظل يشتغل بالتجارة حتى بعث، فبعد ذلك يمكن أن يقال عن محمد أنّه كان لا يعرف غير بلاد العرب وهو رجل عصامي لم يكسب مركزه الممتاز في مكّة قبيل البعثة إلّا من ذكاء عقله وكفاية مواهبه.

هل يستبعد على محمد الذي خرج من مكّة ناجياً بنفسه ونفس صاحبه أن يتخطفها الناس لائذاً بأهل المدينة الذين آووه ونصروه، ثم صبر وصابر حتى عاد إلى مكة بعد ثماني سنين وهو السيد الآمر فيها وفي الجزيرة، تحوم حول شخصه مائة ألف من القلوب أو تزيد، ومن ورائهم كثيرون من أرجاء الجزيرة العربية يدينون له بالطاعة يقدم عليه رؤساؤها وأكابرها هل يبعد على هذا الرجل أن يرنو بناظره إلى ما وراء الجزيرة ليبسط عليه سلطانه، إن كان من محبي السلطة والحكم أو ليفيض عليها من

٥٧

الذي غمر الجزيرة وملأها عدلاً وأمناً ودعة وحبّاً ؟

لو قيل أنّ الاسكندر المقدوني كان يعمل على تكوين امبراطورية تشمل العالم القديم كلّه وتجعله يلتف حول هذا الشاب الإغريقي لصدقنا، ولو قيل أنّ « نابليون » كان يعمل على تكوين امبراطورية تشمل العالمين القديم والجديد، ليجلس على عرشها الفتي لصدقنا.

أمّا إذا قيل أنّ محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكّر في أن يدعو خلق الله المتاخمين لجزيرة العرب والمتّصلين بقريش ـ اتصالاً تعيش عليه قريش وينبني على أساسه كلّ شيء في البنية القرشية ـ فذلك أمر يعز على البحث النزيه والعقل الحر ( بزعم « وليم ميور » ) أن يقبله إلّا أن يكون تفكير ذلك النبي في هذا الأمر تفكيراً على نحو غامض.

وأمّا القول بأنّ ذلك الدين لم يهيأ إلّا لبلاد العرب، فإنّ ذلك لم يمنع محمداً من التفكير في تعميم دينه، لأنّ هذا التفكير سواء أتحقق أم لم يتحقق، إنّما يعتمد على اعتقاده أن دينه صالح لذلك، وقد ثبت من القرآن أنّه كان يعتقد أنّ الإسلام قد هيّئ لكلّ حالة، وأنّ القرآن قد تكفّل بتبيان كلّ شيء، إذ يقول الله تعالى لرسوله في غير آية:( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) ( سورة النحل ـ ٨٩ ).

ويؤيد دعوى عموم الرسالة للجنس البشري قول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بلالاً أوّل ثمار الحبشة، وأنّ صهيباً أوّل ثمار الروم، وكذلك ما قاله عن سلمان الذي كان أوّل من أسلم من الفرس، فكان عبداً نصرانياً بالمدينة اعتنق هذا الدين الجديد في السنة الاُولى من الهجرة، وهكذا صرّح الرسول في وضوح وجلاء، أنّ الإسلام ليس مقصوراً على الجنس العربي قبل أن يدور بخلد العرب أي شيء يتعلّق بحياة الفتح والغزو بزمن طويل، ويؤيد ذلك ما ورد في القرآن الكريم في تلك الآيات البينات »(١) .

__________________

(١) تاريخ الإسلام السياسي ـ الطبعة الخامسة ـ ج ١، ص ١٦٧ ـ ١٧٠، وذكر في المقام بعض الآيات التي تدل على عمومية رسالته.

٥٨

نظرة في الآيات

المشعرة بعدم العمومية

قد عرفت ما هو الحق في المقام بأنّ القرآن الكريم والسنّة النبوية، وسيرتها تدل بوضوح على عمومية رسالته لكل من في الأرض جميعاً.

غير أنّ هناك آيات ربّما يستشم منها عدم عمومية رسالته، وقد وقعت هذه الآيات سنداً للخصم، فنحن نذكر تلك الآيات ونوضح المقصود منها.

١. آيات الانذار :

انّ بعض الآيات في هذا الصدد توجه انذار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قومه وربّما تشعر باختصاص الرسالة ودونك هذه الآيات :

١.( وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ) ( القصص ـ ٤٦ ).

٢.( بَلْ هُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ) ( السجدة ـ ٣ ).

٣.( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) ( يس ـ ٦ ).

٤.( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ) ( مريم ـ ٩٧ ).

٥٩

فهذه الآيات ونظائرها تخص انذار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوم خاص، وبذلك تضيق دائرة الدعوة.

الجواب :

إنّ الإجابة على الاستدلال بهذه الآيات سهلة بعد الوقوف على ما ذكرنا من الآيات المصرحّة بعمومية الرسالة.

لأنّها أوّلاً: لا تخرج من حدّ الاشعار الضعيف الذي لا يعتمد عليه في مقابل الآيات المصرّحة بأشد التصريح بعمومية الدعوة.

وثانياً: إنّ هناك آيات بهذا الصدد تصرّح بعمومية الانذار، ففي سورة يس التي ورد فيها:( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ ) قوله سبحانه:( لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ( يس ـ ٧٠ ).

فهذه الآية تشعر بأنّ دائرة الانذار تشمل كلّ حي يعقل ويخاطب به وهو يعم كلّ مستعد للهداية سواء أكان من قومه وممن يعيش في الجزيرة العربية أم لا.

وقال سبحانه أيضاً:( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا ) ( الكهف ـ ٤ ).

وهم يعم اُمّة الكليم والمسيح الذين قالوا: اتّخذ الله ولداً.

فاليهود قالوا بأنّ الله اتّخذ عزيراً ولداً.

والنصارى قالوا: بأنّ الله اتّخذ المسيح ولداً.

وبذلك يظهر أنّ كلّ ما ورد في هذا الصدد من آيات الانذار لا يدل على التخصيص بل هو خطاب بمقتضى المقام.

فقد تقتضي البلاغة توجيه الكلام إلى قسم خاص كما تقتضي المصلحة في مقام آخر توجيه الكلام لكلّ من بعث لانذاره فلاحظ الآيات التالية حيث يقول سبحانه :

( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) ( الأنبياء ـ ٤٥ ).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال: يا رسول الله، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: الأسير المخضرتا عيناه ».

ورواه جعفر بن أحمد القمّي في كتاب الغايات: عنه هكذا: « أفضل الصّدقة على الأسير المخضرتي عيناه من الجوع(١) ».

[ ٨١٩٢ ] ٢ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « افضل الصّدقة على مملوك عند مليك سوء ».

[ ٨١٩٣ ] ٣ - وبهذا الأسناد: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ المسألة كسب الرّجل بوجهه، فأبقى رجل(١) على وجهه أو ترك ».

[ ٨١٩٤ ] ٤ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « (للسّائل في كلّ حقّ له)(١) ، كأجر المصّدق عليه ».

وروى هذه الرّوايات الثلاث، السيّد الرّاوندي في نوادره(٢) ، بإسناده عن محمّد بن محمّد بن الأشعث، مثله.

[ ٨١٩٥ ] ٥ - وبهذا الأسناد: عن علي بن الحسين، عن أبيهعليه‌السلام : « أن عليّاًعليه‌السلام ، مرّ بالسّوق فنادى بأعلى

____________________________

(١) الغايات ص ٧٧ عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

٢ - الجعفريات ص ٥٦.

٣ - الجعفريات ص ٥٦.

(١) في المصدر: الرجل.

٤ - الجعفريات ص ٥٨.

(١) في المصدر: للسائل في قوله

(٢) الحديث ٣ و ٤ في نوادر الراوندي ص ٣.

٥ - الجعفريات ص ٥٨.

٢٦١

صوته إن أسوقكم هذه يحضرها ايمان فشربوا ايمانكم بالصّدقة، فإنّ الله لا يقدّس من حلف باسمه كاذباً ».

[ ٨١٩٦ ] ٦ - الشّيخ الطّبرسي في مجمع البيان: في قوله تعالى:( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا ) الآية، عن الكلبي أنّه روى، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « من تصدق بصدقة فله مثلاها في الجنّة »، فقال أبوالدّحداح الأنصاري - واسمه عمرو بن الدّحداح -: يا رسول الله، إنّ لي حديقتين، إن تصدّقت بإحديهما فإنّ لي مثليها في الجنّة؟ قال: « نعم »، قال: وأمّ الدّحداح معي؟ قال: « نعم »، قال: الصّبية معي؟ قال: « نعم »، فتصدّق بأفضل حديقته فدفعها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنزلت الآية، فضاعف الله صدقته الفي ألف، وذلك قوله تعالى:( أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) قال: فرجع أبوالدّحداح فوجد أمّ الدّحداح والصّبية في الحديقة، التي جعلها صدقته، فقام على باب الحديقة وتحرج أن يدخلها، فنادى: يا أمّ الدّحداح، فقالت: لبّيك يا أبا الدّحداح، قال: إنّي [ قد ](٤) جعلت حديقتي هذه صدقة، واشتريت مثليها في الجنّة، وامّ الدّحداح معي والصّبية معي، قالت: بارك الله لك فيما شريت وفيما اشتريت، فخرجوا منها واسلموا الحديقة إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كم من نخل(٥) متدل عذوقها لأبي

____________________________

٦ - مجمع البيان ج ١ ص ٣٤٩.

(١) البقرة ٢: ٢٤٥.

(٢) في المصدر: والصّبيّة.

(٣) البقرة ٢: ٢٤٥.

(٤) أثبتناه من المصدر.

(٥) في المصدر: نخلة.

٢٦٢

الدّحداح في الجنّة ».

[ ٨١٩٧ ] ٧ - الشّيخ المفيد في الأمالي: عن الشّريف أبي محمّد الحسن بن حمزة، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمر الأفرق، وحذيفة بن منصور، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: « صدقة يحبّها الله اصلاح بين النّاس إذا تفاسدوا، وتقريب بينهم إذا تباعدوا ».

[ ٨١٩٨ ] ٨ - ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي: عن سعيد بن جبير، قال: حدّثني ابن عباس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من مشى إلى أخيه بدين ليقضيه إيّاه فله به صدقة، ومن أعان على حمل دابّة فله به صدقة، ومن أماط أذى فله به صدقة، ومن هدى زقاقاً فله به صدقة، وكلّ معروف صدقة ».

[ ٨١٩٩ ] ٩ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « ايعجز أحدكم أن يكون إليه كفلان من الأجر؟ فقيل: وكيف ذلك؟ فقال إذا أصبح يقول: اللهم إنّي تصدقت بعرضي على عبادك ». وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا انبّئكم بصدقة يسيرة يحبّها الله، فقالوا: ما هي؟ قال: إصلاح ذات البين إذا تقاطعوا ».

[ ٨٢٠٠ ] ١٠ - وفي درر اللآلي: عن أبي أسود الدّؤلي، عن أبي ذر، قال:

____________________________

٧ - أمالي الشيخ المفيد ص ١٢ ح ١٠.

٨ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٢١.

٩ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٦٤ ح ٥٤.

(١) في المصدر: له.

١٠ - درر اللآلي: مخطوط.

٢٦٣

قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذهب أهل الإيثار بالأُجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أو ليس قد جعل الله لكم ما تتصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وبكلّ تحميدة صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة »، قال: فقالوا: يا رسول الله، يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: « أرأيتم لو وضعتموها في الحرام، أكان عليكم فيها وزر؟ »، قالوا: نعم، قال: « فكذلك إذا وضعتموها في الحلال كان لكم فيها أجر ».

[ ٨٢٠١ ] ١١ - وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما تصدّق الناس بصدقة أفضل من قول حسن، الكلمة يفكّ بها الأسير، وتجرّ بها إلى أخيك خيراً، أو تدفع عنه مكروهاً أو مظلمة ».

[ ٨٢٠٢ ] ١٢ - وعن عطا قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل من أصحابه: « هل صمت اليوم؟ قال: لا يا رسول الله، قال: فتصدّقت اليوم بشئ؟ قال: لا، قال: فاذهب واصب من امرأتك، فإنّه منك عليها صدقة ».

[ ٨٢٠٣ ] ١٣ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: أنّه لمـّا نزلت الآية( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا ) (١) الآية، قال: كان رجل من الصّحابة اسمه أبوالدّحداح، جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: يا رسول الله، إنّ الله تعالى يستقرض منّا وهو غنيّ عنّا!

____________________________

١١ - ١٢ - درر اللآلي: مخطوط.

١٣ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤١٨.

(١) البقرة ٢: ٢٤٥.

٢٦٤

فقال: « بلى، حتّى يدخلكم الجنّة » فقال: يا رسول الله، إن أقرضت الله تعالى، فهل تضمن لي الجنّة؟ فقال: « نعم، من تصدق بشئ فله مثله في الجنّة » فقال: يا رسول الله، وأهلي - أمّ الدّحداح - معي؟ قال: « نعم » قال: وهذه بنتي دحداحة معي؟ قال: « نعم » قال: فاعطني يدك، فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده في يده فقال: يا رسول الله، إنّ لي حديقتين: احداهما فوق المدينة، و الأُخرى في أسفلها، ما لي غيرهما قد أقرضتهما الله تعالى، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا، اقرض واحدة واطلق الأُخرى يكون عيشة لك ولعيالك »، فقال: يا رسول الله، لمـّا قلت هذا، فاشهد بأن احسن الحديقتين لله تعالى، وهي حائط فيها ستّون نخيلة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذاً يجزيك الله الجنّة » فأتى أبوالدّحداح إلى أهله وولده، وهم في الحديقة يطوفون حول الأشجار ويعملون عملاً، فنادى وانشأ يقول:

هداك ربي سبيل الرشاد

إلى سبيل الخير والسداد

يبني من الحائط لي بالزاد

فقد مضى فرضا إلى التناد

أقرضته الله على اعتمادي

بالطوع لا من ولا أنداد

إلا رجاء الضعف في المعاد

فارتحلي بالنفس والأولاد

والبر لا شك فخير زاد

قدمه المرء إلى المعاد

فقالت أمّ الدّحداح: بارك الله لك فيما اشتريت، وانشأت تقول:

بعلك أدى ما لديه ونصح

أن لك الخط إذا الخط وضح

قد منع الله عيالي ومنح

بالعجوة السوداء والزهر البلح

والعبد يسعى وله ما قد كدح

طول الليالي وله ما اجترح

وأخذت ما كان في حجور الأولاد واكمامهم وطرحه، وما كان في

٢٦٥

افواههم أخذه وطرحه، وخرجوا ودخلوا حديقة أخرى، وقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كم من عذق ورواح ودار فناح في الجنّة لأبي الدحداح ».

[ ٨٢٠٤ ] ١٤ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ذبح شاة في حجرة عائشة، فاطلع عليها فقراء المدينة، فجاؤوا وسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يعطيهم، فلمّا دخل اللّيل لم يبق منها إلّا رقبتها، فسأل عن عائشة ما بقي منها؟ فقالت: لم يبق منها إلّا رقبتها، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قولي: بقي كلها إلّا رقبتها ».

[ ٨٢٠٥ ] ١٥ - الشيخ شاذان بن جبرئيل القمّي في كتاب الرّوضة والفضائل: باسناده عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لمـّا أسري بي إلى السّماء - وذكرصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما رآه مكتوباً على أبواب الجنّة والنّار - إلى أن قال - وعلى الباب الثّاني مكتوب: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليّ ولي الله، بكلّ شئ حيلة، وحيلة السّرور في الآخرة أربع خصال: مسح رؤوس ليتامى، والتّعطف على الأرامل، والسّعي في حوائج المؤمنين(١) ، والتّفقد للفقراء والمساكين - إلى أن قال - وعلى الباب الثّامن مكتوب: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله، من أراد الدخول في هذه الأبواب(٢) ، فليتمسّك بأربع خصال: السّخاء، وحسن الخلق، والصّدقة، والكفّ عن أذى(٣) عباد الله - إلى أن قال - فيما رأى مكتوباً

____________________________

١٤ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ١ : ١٨٤.

١٥ - كتاب الروضة: وكتاب الفضائل ص ١٥٢.

(١) في الفضائل: المسلمين.

(٢) وفيه: الأبواب الثمانية.

(٣) وفيه: وكف الأذى عن.

٢٦٦

على أبواب النّار - وعلى الباب الثّاني مكتوب: من أراد أن لا يكون عرياناً يوم القيامة، فليكس الجلود العارية في الدّنيا، ومن أراد أن لا يكون عطشاناً يوم القيامة، فليسق في الدّنيا ومن أراد أن لا يكون يوم القيامة جائعاً، فليعطم البطون الجائعة - إلى أن قال - وعلى الباب السّادس مكتوب: أنا حرام على المجتهدين(٤) ، (أنا حرام على المتصدّقين)، أنا حرام على الصّائمين ».

[ ٨٢٠٦ ] ١٦ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: عن أبي بكر الشّيرازي، باسناده عن مقاتل، عن مجاهد، عن ابن عبّاس: إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أعطى عليّاًعليه‌السلام ، يوماً ثلاثمائة دينار أهديت إليه، قال عليعليه‌السلام : « فأخذتها وقلت: والله لأتصدّقن اللّيله من هذه الدّنانير صدقة يقبلها الله منّي، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، فاستقبلتني امرأة فاعطيتها الدّنانير، فأصبح النّاس بالغد يقولون: تصدق عليعليه‌السلام اللّيلة بمائة دينار على امرأة فاجرة، فاغتممت غمّاً شديداً، فلمّا صلّيت اللّيله القابلة صلاة العتمة، أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، وقلت: والله لأتصدّقن الليلة بصدقة يتقبّلها ربّي منّي، فلقيت رجلاً فتصدقت عليه بالدّنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدّق عليعليه‌السلام البارحة بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت غمّاً شديداً وقلت: والله لأتصدّقن الليلة صدقة يتقبلها منّي، فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ خرجت من المسجد ومعي مائة دينار،

____________________________

(٤) وفيه: المتهجدين.

(٥) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٦ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٤.

٢٦٧

فلقيت رجلاً فاعطيته إيّاها، فلمّا أصبحت قال أهل المدينة: تصدّق عليعليه‌السلام البارحة بمائة دينار على رجل غني، فاغتممت غمّاً شديداً، فأتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخبرته، فقال لي: يا علي، هذا جبرئيل يقول لك: إنّ الله عزّوجلّ قد قبل صدقاتك وزكى عملك، إنّ المائة دينار الّتي تصدّقت بها أوّل ليلة، وقعت في يدي امرأة فاسدة، فرجعت إلى منزلها وتابت إلى الله عزّوجلّ من الفساد، وجعلت تلك الدّنانير رأس مالها، وهي في طلب بعل تتزوّج به، وأنّ الصّدقة الثّانية وقعت في يدي سارق، فرجع إلى منزله وتاب إلى الله من سرقته، وجعل الدّنانير رأس ماله يتجرّ بها، وأنّ الصّدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزكّ ماله منذ سنين، فرجع إلى منزله ووبّخ نفسه وقال: شحّا عليك يا نفس، هذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، تصدّق عليّ بمائة دينار ولا مال له، وأنا فقد(١) أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزكّه، فحسب ماله [ وزكاه ](٢) وأخرج زكاة ماله كذا وكذا ديناراً، وأنزل الله فيك:( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ ) (٣) » الآية.

[ ٨٢٠٧ ] ١٧ - وفيه: وسأله - أي أمير المؤمنينعليه‌السلام - اعرابي شيئاً، فأمر له بألف، فقال الوكيل: من ذهب أو فضّة؟ فقال: « كلاهما عندي حجران، فاعط الاعرابي انفعهما له ».

[ ٨٢٠٨ ] ١٨ - علي بن إبراهيم في تفسيره: في قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ

____________________________

(١) في المصدر: قد.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) النور ٢٤: ٣٧.

١٧ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ١١٨.

١٨ - تفسير القمي ج ٢ ص ٣٩٨.

٢٦٨

الطَّعَامَ ) (١) حدّثني أبي، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عند فاطمةعليها‌السلام شعير، فجعلوه عصيدة فلمّا أنضجوها ووضعوها بين أيديهم، جاء مسكين فقال المسكين: رحمكم الله، اطعمونا ممـّا رزقكم الله فقام عليعليه‌السلام فأعطاه ثلثها، (ولم يلبث)(٢) أن جاء يتيم، فقال اليتيم: رحمكم الله [ أطعمونا ممـّا رزقكم الله ](٣) فقال عليعليه‌السلام فأعطاه ثلثها [ الثاني ](٤) ، ثمّ(٥) جاء أسير، فقال الأسير: رحمكم الله [ أطعمونا ممـّا رزقكم الله ](٦) (فأعطاه عليعليه‌السلام )(٧) الثّلث الباقي، وما ذاقوها، فأنزل الله فيهم هذه الآية إلى قوله:( وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) (٨) في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي جارية في كلّ مؤمن فعل مثل ذلك [ لله تعالى ](٩) ».

[ ٨٢٠٩ ] ١٩ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن سعيد بن عبد العزيز: أنّ الحسنعليه‌السلام ، سمع رجلاً يسأل ربّه تعالى أن يرزقه عشرة

____________________________

(١) الإنسان ٧٦: ٨.

(٢) في المصدر: فما لبث.

(٣ و ٤) أثبتناه من المصدر.

(٥) في المصدر: فما لبث أن.

(٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر: فقام عليعليه‌السلام فأعطاه.

(٨) الإنسان ٧٦: ٢٢.

(٩) أثبتناه من المصدر.

١٩ - بل الاربلي في كشف الغمة ج ١ ص ٥٥٨، كما حكاه المجلسي عنه في البحار ج ٤٣ ص ٣٤٧، وقد وجدنا نحو هذا الحديث في المناقب ج ٤ ص ١٧.

٢٦٩

آلاف درهم، مانصرف الحسنعليه‌السلام إلى منزله، فبعث بها إليه.

[ ٨٢١٠ ] ٢٠ - علي بن عيسى في كتاب كشف الغمّة: أن رجلاً جاء إليه - يعني الحسنعليه‌السلام - فسأله حاجة، فقال له: « يا هذا، حقّ سؤالك يعظم لدي، ومعرفتي بما يجب لك يكبر لدي، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله عزّوجلّ قليل، وما في ملكي وفاء لشرك، فإن قبلت الميسور، ورفعت عنّي مؤونة الاحتفال والاهتمام بما(١) أتكلّفه من واجبك فعلت » فقال: يا ابن رسول الله، اقبل القليل، وأشكر العطيّة، واعذر على المنع، فدعا الحسنعليه‌السلام بوكيله، وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها، قال: « هات الفاضل من الثلاثمائة الف درهم » فاحضر خمسين الفاً، قال: « فما فعل الخمسمائة دينار » قال: [ هي ](٢) عندي، قال: « احضرها » فاحضرها فدفع الدّراهم والدّنانير إلى الرّجل، وقال: « هات من يحملها لك » فأتاه بحمّالين، فدفع الحسنعليه‌السلام إليه رداءه لكرى الحمّالين، فقال مواليه: والله ما [ بقي ](٣) عندنا درهم، فقالعليه‌السلام : « لكنّي أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم ».

[ ٨٢١١ ] ٢١ - البحار، عن الحسن بن أبي الحسن الدّيلمي في كتاب اعلام الدّين: عن أبي امامة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال ذات يوم لأصحابه: « ألا أحدّثكم عن الخضر؟ » قالوا: بلى، يا رسول

____________________________

٢٠ - كشف الغمّة ج ١ ص ٥٥٨.

(١) في المصدر: لما.

(٢ و ٣) أثبتناه من المصدر.

٢١ - البحار ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٥٥ عن أعلام الدين ص ١١٢.

٢٧٠

الله، قال: « بينا هو يمشي في سوق من أسواق بني اسرائيل، إذ بصر به مسكين فقال: تصدّق عليّ بارك الله فيك، قال الخضر: آمنت بالله، ما يقضي الله يكون، ما عندي من شئ أعطيكه، قال المسكين: بوجه الله لمـّا تصدقت عليّ؟ إنّي رأيت الخير في وجهك، ورجوت الخير عندك، قال الخضر: آمنت بالله، إنّك سألتني بأمر عظيم، ما عندي شئ أعطيكه، إلّا أن تأخذني فتبيعني، قال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ قال: الحقّ أقول لك، إنّك سألتني بأمر عظيم، سألتني بوجه ربّي عزّوجلّ، أما إنّي لا أخيبك في مسألتي بوجه ربّي فبعني، فقدّمه إلى السّوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شئ، فقال الخضرعليه‌السلام : إنّما ابتعتني التماس خدمتي فمرني بعمل، قال: إنّي اكره أن أشقّ عليك، إنّك شيخ كبير، قال: لست تشقّ عليّ، قال: فقم وانقل هذه الحجارة، قال: وكان لا ينقلها دون ستّة نفر في يوم، فقام فنقل الحجارة في ساعة، فقال له: أحسنت وأجملت، وأطقت ما لم يطقه أحد، قالعليه‌السلام : ثمّ عرض للرّجل سفر، فقال: إنّي أحسبك أميناً فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، وإنّي أكره أن أشق علكيك، قال: لست تشق عليّ، قال: فاضرب من اللّبن شيئاً حتّى ارجع إليك، قال: فخرج الرّجل لسفره ورجع وقد شيّد بناؤه فقال له الرّجل: إسأله(١) بوجه الله، ما حسبك؟ وما أمرك؟ قال: إنّك سألتني بأمر عظيم، بوجه الله عزّوجلّ، ووجه الله عزّوجلّ أوقعني في العبوديّة، وسأخبرك من أنا أنا الخضر الّذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، ولم يكن عندي شئ أعطيه، فسألني بوجه الله عزّوجلّ فأمكنته من رقبتي فباعني، فأخبرك أنّه من سئل بوجه

____________________________

(١) في المصدر : أسألك.

٢٧١

الله عزّوجلّ فردّ سائله وهو قادر على ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد ولا لحم [ ولا دم ](٢) إلّا عظم يتقعقع، قال الرّجل: شققت عليك ولم أعرفك، قال: لا بأس أبقيت وأحسنت، قال: بأبي أنت وأمّي، أحكم في أهلي ومالي بما أراك الله عزّوجلّ، أم اخيرّك فأخلي سبيلك، قال: احب أن تخلّي سبيلي، فا عبدالله على سبيله، فقال الخضرعليه‌السلام : الحمد الله الّذي أوقعني في العبودية، فأنجاني منها ».

[ ٨٢١٢ ] ٢٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط: عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام ، يقول: « بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أصحابه، راكب على دابّته، إذ نزل فخرّ ساجداً، فقيل له: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئاً لم تكن(١) تصنعه قبل اليوم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني ملك من عند ربّي فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرأك السّلام، ويقول: يا محمّد، إنّي أسرّك في امّتك، فلم يكن عندي مال أتصدّق(٢) به ولا عبد أعتقه، فسجدت لله شكراً ».

[ ٨٢١٣ ] ٢٣ - العلّامة الحلّي في الإيضاح: وجدت بخطّ السيّد صفيّ الدّين محمّد بن معد الموسوي رحمه الله: يحيى بن بوش، أخبرنا عبد القادر بن يوسف، أخبرنا أبو محمّد الحريري، أخبرنا أبو محمّد سهل بن عبدالله الدّيباجي، حدّثنا عليّ بن الحسين بن علي بالرّملة، حدّثنا

____________________________

(٢) أثبتناه من المصدر.

٢٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ص ٣٧.

(١) في المصدر: تك.

(٢) وفيه: أصدق.

٢٣ - الإيضاح ص ١٠٢.

٢٧٢

عبد الرّحمن بن عبدالله بن قريب، وزيد بن أخزم، قال حدّثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام : أنّه دخل على أبي جعفر المنصور، وعنده رجل من ولد زبير بن العوام، وقد سأله وقد أمر له بشئ، فسخط الزّبيري واستقلّه، فأغضب المنصور ذلك من الزّبيري، حتّى بان فيه الغضب، فأقبل عليه أبو عبداللهعليه‌السلام ، فقال: « يا أمير المؤمنين، حدّثني أبي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعطى عطيّة طيّبة بها نفسه، بورك للمعطى والمعطي » فقال أبو جعفر: والله لقد أعطيت وأنا غير طيب النّفس بها، ولقد طابت بحديثك هذا، ثمّ أقبل على الزّبيري، فقال: « حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه أمير المؤمنينعليهم‌السلام ، أنّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من استقلّ قليل الرّزق حرمه الله كثيره » فقال الزّبيري: والله لقد كان قليلاً، ولقد كثر عندي بحديثك هذا، قال سفيان: فلقيت الزّبيري فسألته عن تلك العطيّة، فقال: لقد كانت قليلة، فبلغت في يدي خمسين الف درهم، وكان سفيان بن عينية يقول: مثل هؤلاء القوم مثل الغيث، حيث وقع نفع.

٢٧٣

٢٧٤

كتاب الخمس

٢٧٥

فهرست أنواع الأبواب إجمالاً:

أبواب ما يجب فيه الخمس.

أبواب قسمة الخمس.

أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام.

٢٧٦

أبواب ما يجب فيه الخمس

١ -( باب وجوبه)

[ ٨٢١٤ ] ١ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن أبي بصير، قال: قالت لأبي جعفرعليه‌السلام : أصلحك الله، ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟ قال: « من أكل [ من ](١) مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم ».

[ ٨٢١٥ ] ٢ - وعن أبي جميلة، عن بعض أصحابه، عن أحدهماعليه‌السلام ، قال: « قد فرض الله في الخمس نصيباً لآل محمّدعليهم‌السلام ، فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم حسداً وعداوة، وقد قال الله:( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (١) » الخبر.

[ ٨٢١٦ ] ٣ - وعن سدير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قال:

____________________________

أبواب ما يجب فيه الخمس

الباب - ١

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٢٥ ح ٤٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٢٥ ح ١٣٠.

(١) المائدة ٥: ٤٧.

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٢ ح ٥٧.

٢٧٧

« يا أبا الفضل، لنا حقّ في كتاب الله في الخمس، فلو محوه فقالوا: ليس من الله أو لم يعملوا به، لكان سواء ».

[ ٨٢١٧ ] ٤ - وعن إسحاق بن عمّار، قال: سمعتهعليه‌السلام يقول: « لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً، أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي، حتّى يأذن له أهل الخمس ».

[ ٨٢١٨ ] ٥ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن أبي هاشم، باسناده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: « قال الله تعالى لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني اصطفيتك(١) وانتجبت عليّاًعليه‌السلام ، وجعلت منكما ذرية [ طيبة ](٢) جعلت لهم الخمس ».

[ ٨٢١٩ ] ٦ - الشّيخ شرف الدّين النّجفي في تأويل الآيات: عن تفسير محمّد بن العبّاس الماهيار، عن أحمد بن إبراهيم، عن عباد، باسناده إلى عبدالله بن بكير، يرفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، في قوله عزّوجلّ:( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ) (١) « يعني النّاقصين لخمسك يا محمّد( الّذين إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) (٢) أي إذا صاروا إلى حقوقهم من الغنائم يستوفون( وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) (٣) أي إذا سألوهم خمس آل محمّدعليهم‌السلام نقصوهم ».

____________________________

٤ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٣ ح ٦٠، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٩٣ ح ١٣.

٥ - المناقب ج ١ ص ٢٥٦، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٨٧ ح ١٤.

(١) في الطبعة الحجرية « إصطفيت » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٦ - تأويل الآيات ص ١٢٦ ب، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٨٩.

(١ و ٢ و ٣) المطففين ٨٣: ١، ٣.

٢٧٨

[ ٨٢٢٠ ] ٧ - فقه الرّضاعليه‌السلام : « وقيل للعالم: ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟ قال: أن يأكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم - إلى أن قال - فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالاً فعليه الخمس، فإن أخرجه فقد أدّى حقّ الله ما عليه، وتعرّض للمزيد وحلّ له باقي ما له وطاب، وكان الله أقدر على إنجاز ما وعده العباد، من المزيد والتّطهير من البخل(١) ، على أن يغني نفسه ممـّا في يديه من الحرام الّذي بخل(٢) فيه، بل قد خسر الدّنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، فاتّقوا الله وأخرجوا حقّ الله ممـّا في أيديكم، يبارك الله لكم في باقيه ويزكو، فإنّ الله عزّوجلّ الغنيّ ونحن الفقراء، وقد قال الله:( لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ) (٣) فلا تدعوا التقرّب إلى الله عزّوجلّ، بالقليل والكثير على حسب الإمكان، وبادروا بذلك الحوادث، واحذروا عواقب التّسويف فيها، فإنّما هلك من هلك من الأمم السّالفة بذلك، وبالله الاعتصام ».

[ ٨٢٢١ ] ٨ - علي بن إبراهيم في تفسيره: في قوله تعالى:( وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) (١) قال: أي لا ترعون(٢) ، وهم الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم، وأكلوا أموال أيتامهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم، وفي

____________________________

٧ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٠، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٩١ ح ٩.

(١) في الطبعة الحجرية « الخير »، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: يحل.

(٣) الحج ٢٢: ٣٧.

٨ - تفسير القمي ج ٢ ص ٤٢٠.

(١) الفجر ٨٩: ١٨.

(٢) في المصدر: تدعوهم.

٢٧٩

قوله تعالى(٣) :( وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) (٤) قال: حقوق آل محمّدعليهم‌السلام من الخمس، لذوي القربي واليتامى والمساكين وابن السّبيل، وهم آل محمّد صلوات الله عليهم،

[ ٨٢٢٢ ] ٩ - أحمد بن محمّد السّياري في كتاب التّنزيل والتّحريف: عن محمّد بن أورمة، عن الرّبيع بن زكريّا، عن رجل، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث - قال: « من أعطى الخمس، واتّقى ولاية الطّواغيت، وصدقّ بالحسنى بالولاية،( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ) قال: لا يريد شيئاً من الخير إلّا تيسر له( وَأَمَّا مَن بَخِلَ ) بالخمس( وَاسْتَغْنَىٰ ) برأيه(١) عن أولياء الله( وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ ) (٢) الولاية، فلا يريد شيئاً من اليسر إلّا تعسّر له » الخبر.

٢ -( باب وجوب الخمس في غنائم دار الحرب، وفي مال الحربي والنّاصب، وعدم وجوبه في غير الأشياء المخصوصة، وإنّه يجب مرّة واحدة)

[ ٨٢٢٣ ] ١ - الجعفريات: باسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب

____________________________

(٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٣٩٥.

(٤) المدثر ٧٤: ٤٤.

٩ - التنزيل والتحريف ص ٦٧.

(١) في الطبعة الحجرية « براءة » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الليل ٩٢: ٧ - ٩.

الباب - ٢

١ - الجعفريات ص ٢٤٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543