مفاهيم القرآن الجزء ٦

مفاهيم القرآن11%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-222-6
الصفحات: 538

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 538 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237626 / تحميل: 6108
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٢-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

خاتمة المطاف

وممّا يقضي منه العجب أنّ جلّ من ينسبون أنفسهم إلى مذهب السلفيّة ينكرون ذكر الله تعالى بالاسم المفرد ( الله ) دون ذكره في جملة ذات معنى تامّ، وينسبون من يذكر الله باسمه المفرد وحده إلى الضلال ويستدلّون على ذلك بأنّ جميع ما ورد من صيغ الأذكار في القرآن والسنّة جمل أو كلمات ذات دلالة على معنى يتضمّن حكماً كاملاً مثل لا إله إلا الله، أستغفر الله وليس فيها لفظ الجلالة المفرد، فذكر الله بهذا اللفظ المفرد باطل، ويضيف ابن تيميّة بأنّ الاستمرار على ذكر الله بهذا اللفظ المفرد من شأنه أن يزجّ الذاكر شيئاً فشيئاً في أوهام الحلول ووحدة الوجود(١) .

لقد عزب عنه ومضافاً إلى أنّ اطلاقات الأدلّة(٢) كاف في ذلك أنّه سبحانه يأمر نبيّه أن يذكر الله باسمه المفرد ويقول:( قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) ( الانعام / ٩١ ).

وأمّا ما ذكره به في آخر كلامه من أنّ الاستمرار على ذكر الله عسى أن يزجّ الرجل في أوهام الحلول شيئاً فشيئاً لا قيمة له فانّه اجتهاد تجاه النص أولاً، وهو بنفسه موجود في سائر الأسماء ثانياً.

الثاني: الأحد

قد ورد لفظ « الأحد » بصوره المختلفة في الذكر الحكيم ٧٤ مرّة وقد وقع وصفاً له سبحانه في موردين فقط.

__________________

(١) مجموع الفتاوى: ج ١٠ ص ٥٥٦.

(٢) مثل قوله سبحانه:( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الدهر / ٢٥ )، وقوله سبحانه:( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ) ( الأعراف / ٢٠٥ ).

١٢١

قال سبحانه:( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ *اللهُ الصَّمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) .

قال ابن فارس: أحد والأصل « وحد »، وعن الزجّاج: إنّه مأخوذ من « الواحد » وقال الأزهري: أنّه يقال: وحد يوحد فهو وَحَد، كما يقال: حسن يحسن فهو حسن ثم انقلبت الواو همزة فقالوا « أحد »، والواو المفتوحة قد تقلب همزة كما تقلب المكسورة والمضمومة ومنها امرأة اسماء بمعنى وسماء من الوسامة.

وقد ذكروا فروقاً بين الواحد والأحد وإليك البيان :

١ ـ إنّ الواحد اسم لمفتتح العدد فيقال: واحد، اثنان، ثلاثة، ولا يقال أحد، اثنان، ثلاثة، قال الصدوق: الأحد ممتنع من الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شيء من الحساب، والواحد منقاد للعدد والقسمة وغيرهما داخل في الحساب فتقول: واحد في اثنين أو ثلاثة، و « الأحد » ممتنع عليه هذا، فلا يقال: أحد بين اثنين(١) .

٢ ـ إنّ لفظه « أحداً » إذ وضعت في حيّز النفي تفيد عموم النفي بخلاف لفظة « الواحد » فهو منصرف إلى نفي العدد لا إلى نفي الجنس، فلو قيل ما في الدار واحد يصحّ أن يقال بل فيها اثنان، وامّا لو قيل ما في الدار أحد بل اثنان كان خطأ.

٣ ـ إنّ لفظ الواحد يمكن جعله وصفاً لكلّ شيء يقال رجل واحد، ثوب واحد بخلاف الأحد فلا يصحّ وصف شيء في جانب الاثبات بالأحد إلّا الله الأحد فلا يقال رجل أحد ولا ثوب أحد فكأنّه تعالى استأثر بهذا النعت.

وأمّا في جانب النفي فقد يذكر هذا في غير الله تعالى أيضاً فيقال: ما رأيت أحداً وعلى هذا فالأحد والواحد كالرحمان والرحيم.

__________________

(١) التوحيد للصدوق: ص ١٩٧ بتلخيص.

١٢٢

فالأوّل مختص دون الثاني، فكذلك الأحد فهو مختص به في مقام التوصيف دون الواحد، وقال الراغب ( من أقسام استعمالاته ) أن يستعمل مطلقاً وصفاً وليس ذلك إلّا في وصف الله ( قل هو الله أحد )(١) .

وقد احتمل الرازي أنّ تنكير أحد في قوله « قل هو الله أحد » لأجل أنّه صار نعتاً لله عزّ وجلّ على الخصوص فصار معرفة فاستغنى عن التعريف.

ويحتمل أن يكون التنكير لأجل التنبيه على كمال الوحدانية كقوله سبحانه:( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ ) ( البقرة / ٩٦ ). أي على حياة كاملة مضافاً إلى استعمال الأحد في الأدعية معرفة.

قال الأزهري سئل أحمد بن يحيى عن الآحاد هل هو جمع الأحد ؟ فقال: معاذ الله ليس للأحد جمع ولا يبعد أن يقال الآحاد جمع واحد كما أنّ الاشهاد جمع شاهد(٢) .

ثمّ إنّه اجتمع في قوله سبحانه:( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ألفاظ ثلاثة من أسماء الله وكلّ واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات السائرين إلى الله.

أمّا الأوّل أعني لفظة « هو » فقد جاء به من دون ذكر مرجع وقد زعم النحويّون غير البارعين في المعارف الإلهية انّه للشأن ولكن يمكن أن يقال: إنّه ليس للشأن وإنّما يرجع إليه سبحانه والتعبير به من دون ذكر المرجع يناسب البارعين الذين نظروا إلى صفحة الوجود فلم يروا موجوداً مستحقاً لاطلاق اسم الوجود أو الموجود إلّا ايّاه فكأنّه ليس في الدار غيره ديّار فكان قوله « هو » كافياً في حق هذه الطائفة لأنّه إذ لم يكن في صفحة الوجود إلّا هو كانت الإشارة المطلقة لا تتوجه إلّا إليه وغيره يحتاج إلى مرجع.

__________________

(١) المفردات: ص ١٢.

(٢) لوامع البينات: ص ٣٣١.

١٢٣

ثمّ إنّه سبحانه أوضحه بقوله « الله » ولعلّه لتفهيم طبقة اُخرى تليهم في المعرفة وهم الذين يرون الكثرة في الوجود وانّ هناك واجباً وممكناً فاحتاج ضمير الإشارة إلى مميز وذلك هو قوله الله، وعلى هذا فالمجموع « هو الله » راجع إلى الطبقتين.

وأمّا الطبقة الثالثة الذين يجوّزون الكثرة لا في الوجود بل في الإله، فردّ سبحانه وهمهم بقوله « هو الله أحد » لهدايتهم(١) .

ثمّ إنّه سبحانه كرر لفظة « أحد » في سورة الإخلاص ووصف نفسه به مرّتين وقال: قل هو الله أحد ثم قال: ولم يكن له كفواً أحد، فهل اُريد من اللفظة في كلا الموردين معنى واحد أو اُريد معنيان ؟ وبعبارة واضحة هل اللفظتان تشيران إلى قسم واحد من التوحيد أو إلى قسمين، فالظاهر أنّ الآية الثانية ناظرة إلى التوحيد الذاتي بمعنى انّه واحد لا مثيل له ولا نظير بل لا يتصور له التعدد والاثنينية، وأمّا الآية الاُولى فهي ناظرة إلى التوحيد الذاتي لكن بمعنى البساطة ونفي التجزئة عن الذات.

وقد فسّره الصدوق بذلك في توحيده فقال: الأحد معناه أنّه واحد في ذاته أي ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا أعضاء(٢) .

قال الطبرسي: الأحد هو الذي لا يتجزأ ولا ينقسم في ذاته ولا في صفاته(٣) .

ويقول الجزائري في « فروق اللغات » في الفرق بين الواحد والأحد :

إنّ الواحد، الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، والأحد الفرد الذي لا يتجزّأ ولا ينقسم.

يقول العلامة الطباطبائي (ره) :

« والأحد وصف مأخود من الوحدة كالواحد غير أنّ الأحد إنّما يطلق على ما

__________________

(١) لوامع البينات: ص ٣١١، وتوحيد الصدوق: ص ١٩٦.

(٢) توحيد الصدوق: ص ١٩٦.

(٣) مجمع البيان: ج ٥ ص ٥٦٤.

١٢٤

لا يقبل الكثرة لا خارجاً ولا ذهناً »(١) .

وفي ضوء هذا يمكن أن يقال: إنّ قوله سبحانه ولم يكن له كفواً أحد بشهادة لفظ « كفوا » ناظر إلى نفي المثيل والنظير له سبحانه، فهو واحد في الذات فلا ذات كذاته كما هو واحد في الفعل فلا خالق ولا مدبّر سواه وانّ قوله: « قل هو الله أحد » ناظر إلى نفي أي نوع من التركيب والتجزئة في ذاته سبحانه، وبذلك يعلم أنّ هذه السورة نزلت ردّاً لمزعمة النصارى بل اليهود أيضاً فالنصارى بحجّة أنّهم قالوا بالتثليث واليهود بحجة أنّهم يقولون: إنّ العزير ابن الله محجوجون بما ورد في هذه السورة فالله سبحانه واحد لا مثيل له، بسيط لا جزء له. فلو كان مرجع التثليث عند المسيحية إلى أنّ كلّ واحد من « الأب » و « الابن » و « روح القدس » إله مستقل متفرّد في الالوهية فله كفو بل كفوان مع أنّه سبحانه « لم يكن له كفوا أحد » أي لم يكن له مثيل ولا نظير فلا يتكرر ولا يتعدد، وإن لم يكن كلّ واحدٍ إلهاً مستقلاً بل كلّ واحد يشكّل جزء من الالوهية فالله سبحانه هو المركب من هذه الثلاثة فهو سبحانه عندهم مركّب لا بسيط متجزئ منقسم. فردّ عليهم سبحانه بقوله:( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) .

وقد ورد في ما روي عن بعض أئمّة أهل البيت: ما يؤيّد هذا الاستظهار. قال الامام أمير المؤمنين٧ في جواب أعرابي سأله يوم الجمل عن تفسير قوله: « إنّ الله واحد » فقال٧ في كلام مبسوط :

« وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربّنا وقول القائل انّه عزّ وجلّ أحدي المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا »(٢) .

وبذلك تقف على أنّ التوحيد الذاتي ينقسم إلى التوحيد في الواحديّة و

__________________

(١) الميزان: ج ٢٠ ص ٥٤٣.

(٢) توحيد الصدوق: ص ٨٣ ـ ٨٤.

١٢٥

التوحيد في الأحديّة فيفسر الأوّل بنفي المثل والثاني بنفي التركيب والتجزئة والتقسيم.

وبذلك يمكن اصطياد البرهان على كون صفاته سبحانه الثبوتيّة الكماليّة عين ذاته كما عليه الاماميّة من العدليّة وبعض المعتزلة، لا زائد عليه كما عليه الشيخ الأشعري ومن تبعه لوضوح أنّ حديث الزيادة يستلزم التركيب والتجزئة، وهما آيتا الامكان، والامكان ينافي الوجوب، وإلى ذلك يشير الامام أمير المؤمنين٧ بقوله: « وكمال الإخلاص له نفي الصفات ( الزائدة ) عنه بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة. فمن وصف الله ( أي بوصف زائد على ذاته ) فقد قرنه أي قرن ذاته بشيء غيره، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله »(١) .

وهذا بعض الكلام حول « الاحد »، وسيوافيك ما يفيدك عند البحث عن اسم « الواحد ».

الثالث والرابع: الأوّل والآخِر

لقد ورد لفظ « الأوّل » بصوره المختلفة في الذكر الحكيم ٦٢ مرّة ووقع وصفاً له سبحانه في آية واحدة، قال:( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( الحديد / ٣ ).

قال ابن فارس: الأوّل: ابتداء الأمر والاخر نقيض المتقدّم(٢) وقال الراغب: « فالأوّل هو الذي يترتّب عليه غيره »(٣) .

وقد وصف سبحانه في الآية بصفات متضادّة غير مجتمعة حيث تصفه بأنّه

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١.

(٢) المقاييس: ج ١ ص ١٥٨ و ٧٠.

(٣) المفردات: ص ٣١.

١٢٦

الأوّل وفي الوقت نفسه الاخِر، كما تصفه بأنّه الظاهر وفي الوقت نفسه بأنّه الباطن فلو كان أوّلاً كيف يكون آخراً، ولو كان ظاهراً فكيف يكون باطناً ؟ فأوّل الناس في العمل لا يكون آخرهم فيه وهكذا الظاهر والباطن، ومع ذلك كلّه فالله سبحانه جمع بين هذه الصفات جمعاً حقيقياً واقعياً لا مجازياً وذلك بإحاطته على الموجودات الامكانية وقيامهم به قيام المعنى الحرفي بالاسمي، فكما لا يمكن خلو المعنى الحرفي عن الاسمي فهكذا لا يمكن خلو الوجود الإمكاني عن الوجود الواجبي، وليس حديث نفي الخلو حديث الممازجة بل المقصود الاحاطة القيومية التي له سبحانه بالنسبة إلى العالم كلّه، فالعالم بما فيه من الكبير إلى الصغير ومن المجرّة إلى الذرّة، ومن المادّي إلى المجرّد، قائم به سبحانه قيام المعلول بعلّته، نظير قيام الصور الذهنيّة بالنفس فهو مع الأشياء كلّها( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) ( الحديد / ٤ ) فإذا كان محيطاً بوجوده على كلّ شيء فكلّ ما فرض أوّلاً فهو قبله بحكم كونه محيطاً والشيء محاطاً، فهو الأوّل دون الشيء المفروض أوّلاً، وكلّ ما فرض آخراً فهو بعده لحديث إحاطة وجوده به من كلّ جهة، فهو الآخر دون الشيء المفروض وليست أوليّته تعالى ولا آخريته زمانيّة ولامكانيّة بل بمعنى كونه محيطاً بالأشياء على أيّ نحو فرض وكيفما تصوّرت.

وعلى ذلك فالأوّل والآخر من فروع اسمه « المحيط » فبما أنّ وجوده محيط بكلّ شيء فهو الأوّل قبل الاشياء والاخر بعد الأشياء.

ولأجل ذلك روي عن الإمام علي٧ أنّه قال: « ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الله قبله ومعه وبعده ». وهذا هو العرفان الكامل.

والظاهر أنّ توصيفه بالأوليّة والآخريّة مبني على إحاطة وجوده بالأشياء ويؤيّده قوله في الآية التالية( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) ( الحديد / ٤ ) وإمّا تفسير الآية باحاطة قدرته كما عن بعض المفسّرين فلا ينافي ما ذكرناه بل هو يرجع إلى ما ذكرنا لكون قدرته نفس ذاته فإحاطة قدرته لا تنفك عن إحاطة ذاته، وعلى ذلك فمعنى الاية

١٢٧

هو أوّل الأشياء وآخرها، وانّه لو فرض شيء فهو أوّله كما أنّه آخره بحكم المحيطيّة والمحاطيّة.

ويمكن أن يقال: إنّ الوصفين تعبيران عن أزليّته وأبديّته فبما أنّه واجب الوجود وانّ وجوده نابع من صميم ذاته غير مكتسب من مقام آخر، يكون أزليّاً فلا يكون لوجوده ابتداء كما لا يكون لوجوده انتهاء، وبعبارة اخرى فرض كون وجوده واجباً بالذات يستلزم أن لا يتطرّق إليه العدم أبداً لا في السابق ولا في اللاحق وهو يساوق أزليّته وأبديّته وهو يستلزم أن لا يكون له ابتداء ولا انتهاء ولا أوّل وآخر، ولو وصف بالأوليّة والآخرية يكون المراد منهما أنّه الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء، وهذا معنى آخر غير ما ذكرنا.

والفرق بين المعنيين واضح فإنّ توصيفه بهما في المعنى الأوّل ينبع من كونه محيطاً بالأشياء كما أنّ توصيفه بهما في المعنى الثاني ينبع من كونه واجب الوجود ممتنع العدم، وهو خيرة الصدوق في توحيده حيث قال: « إنّه الأوّل بغير ابتداء والاخر بغير انتهاء »(١) .

ثمّ إنّ هذه الآية قد وقعت مجالاً لأرباب الاشارات فذكروا في تفسيرها وجوهاً كثيرة تناهز ٢٤ وجهاً(٢) كلّها من قبيل التفسير الإشاري، وقد ذكرنا في محله أنّ قسماً منه تفسير جائز وقسماً آخر تفسير ممنوع.

الخامس: « الأعلى »

وقد ورد لفظ « الأعلى » في الذكر الحكيم ٩ مرّات ووصف به سبحانه في

__________________

(١) توحيد الصدوق: ص ١٩٧، وذكر ابن فارس في المقاييس: « إنّ العرب تقول: أوّل ذي أول. وأول أول ويريد قبل كل شيء » ج ١ ص ١٥٨.

(٢) لوامع البينات: ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦.

١٢٨

آيتين قال:( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) ( الاعلى / ١ ).

وقال سبحانه:( وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إلّاابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَىٰ ) ( الليل / ١٩ ـ ٢٠ ).

وربّما وصف به مثله ( بالفتح ) سبحانه قال:( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَىٰ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( النحل / ٦٠ ).

وقال سبحانه:( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( الروم / ٢٧ ).

والأعلى في الآيتين الأوليّتين ـ كما هو الظاهر ـ وصف للرّبّ، وفي الأخيرتين وصف للمثل ( بالفتح )، والمراد من « المثل » هو الوصف والتوصيف(١) .

و « الأعلى » من العلو وهو الرفعة قال ابن فارس: « العلوّ: أصل واحد يدل على السموّ والإرتفاع، لا يشذ عنه شيء، من ذلك العلىٰ والعلوّ، ويقولون: تعالى النهار: ارتفع ».

أقول: المراد من العلوّ، هو العلوّ من حيث الرتبة والدرجة لأنّه المبدأ لكلّ شيء، والمفيض له والمحيط به، فذاته سبحانه أرفع من كلّ موجود محدود، يعلو كلّ عال ويقهر كلّ شيء فبما أنّه عال وله العلوّ المطلق، فله الوجود الكامل، وهذا يلازم كونه ذا أسماء حسنى ومعه يجب تسبيح اسمه وتنزيهه عمّا لا يليق من الأسماء.

وكما انّه عليّ في ذاته، عال من حيث الصفات والأوصاف، ولله سبحانه

__________________

(١) قال سبحانه:( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) ( الفرقان / ٩ )، والمراد من ضرب المثل للرسول هو توصيفه بصفات لا تليق به، مثل توصيفه بأنّه « رجل مسحور » كما جاء في الآية المتقدمة عليها حيث قال سبحانه:( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إلّا رَجُلاً مَّسْحُورًا ) ( الفرقان / ٨ ).

١٢٩

الصفات العليا فله العلم الذي لا يطرأ عليه الجهل، والقدرة التي لا تعرضه عجز، والحياة التي لا يحدّدها موت، فهو سبحانه أعلى من أمثال السوء التي يتصف بها غيره.

فالله سبحانه أعلى ذاتاً ووجوداً، وأعلى صفة وسمة. أمّا علوّ ذاته فلأجل كونه واجب الوجود ومبدع الممكنات وموجدها، وأمّا علوّ صفاته فلأنّ كلّ وصف كمالي يوصف به شيء في السماوات والأرض كالحياة والقدرة والعلم والملك والجود والكرم والعظمة والكبرياء، فله السهم الأعلى ولغيره الأدنى وذلك لعدم محدوديّة صفاته بخلاف غيره.

ثمّ إنّه ربّما يفسّر « الأعلى » بالقاهر. قال الصدوق: وأمّا الأعلى فمعناه العليّ والقاهر ويؤيّد ذلك قوله عزّ وجلّ لموسى٧ :( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَىٰ ) ( طه / ٦٨ ) اي القاهر وقوله عزّ وجلّ في تحريض المؤمنين على القتال:( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / ١٣٩ ) وقوله عزّ وجلّ:( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ ) ( القصص / ٤ ). أي غلبهم واستولى عليهم، وقال الشاعر في هذا المعنى :

فلمّا علونا واستوينا عليهم

تركنا هم صرعى لنسر وكاسر

ثمّ قال، وهناك معنى ثان وهو أنّه متعال عن الأشباه والأنداد أي متنزّه كما قال:( وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( يونس / ١٨ ).

والظاهر تعيّن المعنى الثاني وهو الذي عبّرنا عنه بالرفعة وجوداً وصفة ثم الرفعة كما تتحقق بالصفات الكمالية على ما أوضحنا، تتحقق بالتنزّه عن الأشباه والأنداد وهو الذي ذكره الصدوق، وأمّا المعنى الأوّل فالظاهر أنّه لازم المعنى الثاني فانّ العلو رتبة بل ومكاناً يستلزم القهر والغلبة، فالقهر والغلبة، من لوازم المعنى وليست نفس المعنى.

١٣٠

السادس: « الأعلم »

وقد ورد في الذكر الحكيم لفظ « الأعلم » ٤٩ مرّة ولم يوصف به غيره سبحانه.

قال سبحانه:( يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) ( آل عمران / ١٦٧ ).

وقال سبحانه:( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) ( الأنعام / ١٢٤ ) إلى غير ذلك من الموارد.

وصيغة « أعلم » صيغة المفاضلة ومعناه أنّه يثبّت العلم لنفسه وغيره ولكنّه يفضّل علمه على غيره غير أنّه يعدل عنه في موارد بقرائن خاصّة مثل قوله سبحانه:( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) ( الانعام / ١٢٤ ) فعلّقوا إيمانهم وتصديقهم على أن يؤتوا مثل ما أوتي رسل الله بأن ينزّل عليهم الملك والوحي، فاجيبوا بقوله سبحانه( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) والمناسب لمقام الرد هو انسلاخ صيغة التفضيل من المفاضلة أي إنّه العالم دونهم بحجّة انّهم علّقوا ايمانهم على صدق النبي على أن يكونوا أنبياء مثله وهذا دليل على جهلهم المطبق، فهم جهلاء والله سبحانه هو العالم، ونظير ذلك قوله سبحانه نقلاً عن « لوط » في حق بناته:( يَا قَوْمِ هَٰؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) ( هود / ٧٨ ) وقوله سبحانه حاكياً عن يوسف( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) ( يوسف / ٣٣ ) والمناسب لمقام العصمة كون السجن محبوباً إليه دون غيره أعني الفحشاء، والحبّ بمعنى كونه موافقاً للغريزة الجنسية خارج عن مجال البحث قال سبحانه:( قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ ) ( الفرقان / ١٥ ) والمراد انّها خير دون الجحيم بل هي شر، وعلى ذلك فالأصل في الصيغة هو الحمل على المفاضلة إلّا إذا دلّ الدليل على خلافه، نعم أدب العرفان والعبوديّة يقتضي توصيفه سبحانه فقط بالعلم.

١٣١

السابع: « الأكرم »

وقد وردت هذه اللفظة في الذكر الحكيم مرتين الاُولى قوله سبحانه:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات / ١٣ ) والثانية قوله سبحانه:( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) ( العلق / ٣ ).

قال الراغب في مفرداته: « الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر نحو قوله:( فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) ( النمل / ٤٠ ) وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه.

وعلى ذلك فمعنى قوله( وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) اي الأكثر كرماً الذي يفوق عطاؤه ما سواه، فهو يعطي لا عن استحقاق وما من نعمة إلا وتنتهي إليه سبحانه.

قال الطبرسي: أي الأعظم كرماً فلا يبلغه كرم كريم لأنّه يعطي من الكرم ما لا يقدر على مثله غيره، فكلّ نعمة توجد فمن جهته تعالى أمّا بأن اخترعها وأمّا بأن سبّبها وسهّل الطريق إليها.

هذا ويمكن أن يقال :

إنّه من الكرم بمعنى الشرف سواء كان في الشيء نفسه أو في خُلق من الأخلاق. يقال: رجل كريم وفرس كريم، وأمّا السخاء والعطاء والصفح عن ذنب المذنب فهو من آثاره، قال في المقاييس نقلاً عن ابن قتيبة: الكريم: الصفوح والله تعالى هو الكريم الصفوح عن ذنوب عباده المؤمنين(١) وعلى ذلك فمعنى قوله( وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) هو الأكمل في الشرف ذاتاً وفعلاً.

__________________

(١) معجم مقاييس اللغة: ج ٥ ص ١٧١ ـ ١٧٢.

١٣٢

الثامن: « أرحم الراحمين »

وقد جاء « أرحم الراحمين » في الذكر الحكيم أربع مرّات وصفاً له سبحانه. قال سبحانه:( وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ( الاعراف / ١٥١ ). وقال سبحانه:( فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ( يوسف / ٦٤ )، وقال سبحانه:( قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ( يوسف / ٩٢ ). وقال سبحانه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ( الأنبياء / ٨٣ ).

وجاء فيه « خير الراحمين » وصفاً له سبحانه مرّتين. قال:( رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) ( المؤمنون / ١٠٩ ). وقال:( وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) ( المؤمنون / ١١٨ ).

قال ابن فارس: « الرحم أصل واحد يدل على الرقّة والعطف والرأفة يقال من ذلك: رحمه يرحمه إذا رقّ له وتعطّف عليه، والرحم، والمرحمة والرحمة بمعنى، والرحم علاقة القرابة ثم سمّيت رحم الأنثى رحماً من هذا لأنّ منها ما يكون ما يرحم ويرقّ له من ولد ».

قال الراغب: « والرحمة رقّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم وقد تستعمل في الرقة المجرّدة وتارة في الاحسان المجرّد عن الرقّة نحو « رحم الله فلانا » وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلّا الإحسان المجرّد دون الرقّة، وعلى هذا روي: « إنّ الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميّين رقّة وتعطّف ».

وظاهر هذا أنّ الرقّة والتعطّف داخل في معنى الرحمة غير أنّ البرهان العقلي يجرّنا عند توصيفه سبحانه به إلى تجريده عن الرقّة لاستلزامها الإنفعال وهو محال على الله سبحانه.

قال العلّامة الطباطبائي: « الرحمن الرحيم من الرحمة وهي وصف انفعالي و

١٣٣

تأثر يلمّ بالقلب عند مشاهدة من يفقد أو يحتاج إلى ما يتم به أمره، فيبعث الإنسان إلى تتميم نقصه ورفع حاجته إلّا أنّ هذا المعنى يرجع بحسب التحليل إلى الإعطاء والافاضة لرفع الحاجة وبهذا المعنى يتّصف سبحانه بالرحمة »(١) .

التاسع: « أحكم الحاكمين »

وقد ورد « احكم الحاكمين » في القرآن وصفاً لله سبحانه مرّتين.

قال:( وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ ) ( هود / ٤٥ ).

وقال سبحانه:( أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ ) ( التين / ٨ ).

والحكم في اللغة بمعنى المنع لإصلاح، وسمّيت اللجام حَكَمة الدابّة لأنّها تمنعها ومنه قول الشاعر :

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم

إنّي أخاف عليكم ان اغضبا

ثمّ استعير في الحكم الفاصل والقضاء الباتّ بأنه كذا وكذا أو ليس بكذا وكذا لأنّه يمنع الخصمين عن التعدّي، وسمّيت الحكمة حكمة لأنّها تمنع الرجل من فعل ما لا ينبغي.

قال سبحانه:( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) ( النساء / ٥٨ ) وقال:( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ( المائدة / ٩٥ ) فكما وصفه القرآن بأنّه « أحكم الحاكمين » كذلك خصّ له الحكم وقال:( أَلا لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ ) ( الأنعام / ٦٢ ) وقال:( وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ( القصص / ٧٠ ) وقال:( أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ) ( الزمر / ٤٦ ) إلى غير ذلك من الايات. بقي الكلام في المراد من قوله « أحكم الحاكمين ».

__________________

(١) الميزان: ج ١ ص ١٦.

١٣٤

وأمّا قوله « أحكم » فهل المراد أنّه سبحانه أقضى القاضين ؟ كما نقله الطبرسي وجهاً، فقال: فيحكم بينك يا محمد وبين أهل التكذيب.

الظاهر أنّ صيغة التفضيل في المقام بعد تسليم كونه بمعنى القضاء متضمّنة لمعنى الاحكام والاتقان خصوصاً في الآية الاُولى حيث أنّها وردت بعد قول نوح:( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ ) فلا يناسب تفسيره بأنّك أقضى القاضين إلّا بتضمين « أحكم » معنى الإتقان ومعناه إنّك فوق كلّ حاكم في إتقان الحكم وحقّيّته ونفوذه من غير اضطراب ووهن فما جرى على ابني من الغرق في الماء عين حكمك الحكيم وقضاؤك الرصين.

العاشر: « أحسن الخالقين »

وقد ورد « أحسن الخالقين » وصفاً لله سبحانه في الذكر الحكيم مرتين. قال سبحانه:( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ) ( المؤمنون / ١٤ ). وقال سبحانه ناقلاً عن إلياس:( أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخَالِقِينَ *اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ ) ( الصّافات / ١٢٥ ـ ١٢٦ ) فهو سبحانه يصف نفسه في هاتين الايتين بأنّه « أحسن الخالقين » كما أنّه يصف فعله حسناً على الاطلاق في الآيات الاُخر قال :

( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ) ( السجدة / ٧ ).

وقال:( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) ( غافر / ٦٤ ).

أمّا الخلق لغة فقد فسّر بمعنى تقدير الشيء، يقال خلقت الأديم للسقاء إذا قدّرته. قال زهير :

ولانت تفري ما خلقت و

بعض القوم يخلق ما يفري

١٣٥

ومن ذلك الخُلق: وهي السجيّة لأنّ صاحبه قد قدر عليه، والخلاق: النصيب لأنّه قد قدّر لكلّ أحد نصيبه.

ويؤيّد كونه متضمّناً معنى الإيجاد قوله سبحانه:( صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) ( النمل / ٨٨ ) فانّ الصنع في الآية مكان الخلق وليس الصنع صرف التقدير بل العمل عن تقدير. قال سبحانه:( أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ) ( المؤمنون / ٢٧ ).

قال الراغب: ثم إنّ الخلق تارة يستعمل في إبداع الشيء من غير مادّة ولا احتذاء قال سبحانه:( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) ( الأنعام / ١ ) أي أبدعهما بدلالة قوله( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( الأنعام / ١٠١ ) وأخرى في ايجاد الشيء من الشيء نحو:( خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) ( الأعراف / ١٨٩ ). وقال:( خَلَقَ الجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) ( الرحمن / ١٥ ) ثمّ قال: والخلق الذي هو الابداع لله تعالى ولهذا قال في الفصل بينه تعالى وبين غيره:( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) ( النحل / ١٧ ) وأمّا الذي يكون بالإستحالة فقد جعله الله تعالى لغيره في بعض الأحوال كعيسى حيث قال:( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ) ( المائدة / ١١٠ )(١) .

والظاهر أنّ الراغب بصدد الجمع بين مفاد الآية المثبت لكون الخلق صفة مشتركة بين الله وبين غيره، وبين الآيات الحاصرة لها في الله سبحانه حيث يقول:( ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) ( الأنعام / ١٠٢ ) فحصر الخلق في ابداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء في الله سبحانه، وأمّا الخلق بمعنى الإستحالة فأثبته للمسيح، وبذلك ارتفع الخلاف بين الآيتين، وإليه ذهب الطبرسي حيث قال: وفي الآية دليل على أنّ اسم الخلق قد يطلق على فعل غير الله إلّا أنّ الحقيقة في الخلق لله سبحانه فقط، فإنّ المراد من الخلق ايجاد الشيء مقدّراً

__________________

(١) المفردات للراغب: ص ١٥٧ ـ ماده خلق.

١٣٦

تقديراً لا تفاوت فيه، وهذا إنّما يكون من الله سبحانه وتعالى دليله قوله:( أَلا لَهُ الخَلْقُ ) (١) .

يلاحظ عليهما: أنّ الخلق من غير أصل يوصف به سبحانه وغيره فانّ النفوس المجرّدة تخلق الصور في صقع النفس من غير مادة، وإنّما يرتفع الإختلاف بين القسمين من الآيات بأنّه لا مانع من تخصيص الخلق بالله سبحانه وتشريك الغير معه أيضاً وذلك لأنّ الخلق بمعنى فعل الفاعل، المستقل في فعله، غير المعتمد في خلقه على شيء، غير المستعين في عمله من أحد يختصّ بالله سبحانه، وأمّا الخلق بمعنى فعل الفاعل، غير المستقل في فعله، المعتمد في وجوده وفعله على الواجب، المستعين في كلّ آن من الفياض المطلق، فهو للإنسان خاصّة، ويجمعهما لفظ الخلق وهو على وجه وصف مشترك، وعلى وجه مختصّ بالله سبحانه.

الحادي عشر: « أسرع الحاسبين »

وقد ورد في الذكر الحكيم في مورد واحد. قال سبحانه:( أَلا لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ ) ( الأنعام / ٦٢ ). كما وصفه في آية بأنّه أسرع مكراً.

قال سبحانه:( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) ( يونس / ٢١ ).

وسيأتي البحث عنه عند الكلام في وصفه: « سريع الحساب ». كما يأتي البحث عن الاخر في البحث عن « خير الماكرين ».

الثاني عشر والثالث عشر: « أهل التقوى وأهل المغفرة »

وقد ورد في الذكر الحكيم هذان الاسمان في مورد واحد ووقعا اسمين له

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٤ ص ١٠١، طبع صيدا.

١٣٧

سبحانه. قال سبحانه:( وَمَا يَذْكُرُونَ إلّا أَن يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ ) ( المدثر / ٥٦ ).

قال الطبرسي: أي هو أهل أن تتّقى محارمه وأهل أن يغفر الذنوب. روي مرفوعاً عن أنس قال: إنّ رسول الله٦ تلا هذه الآية وقال: قال الله سبحانه: أنا أهل أن اُتّقىٰ فلا يجعل معي إله، فمن اتّقى أن يجعل معي الهاً فأنا أهل أن أغفر له(١) .

والظاهر أنّ الأهل في الآية بمعنى الجدير. قال الراغب: « يقال فلان أهل لكذا أي خليق به »(٢) ومنه اشتقّ المؤهّل أي الجدير، والمؤهّلات: القابليات.

قال العلّامة الطباطبائي: إنّ قوله:( هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ ) تعليل لقوله( وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللهُ ) فإنّ كونه تعالى أهل التقوى وأهل المغفرة لا يتمّ إلّا بكونه ذا إرادة نافذة فيهم سارية في أعمالهم(٣) .

الرابع عشر: « الأبقى »

قد ورد لفظ « الأبقى » في الذكر الحكيم سبع مرّات، وقد وصف به عذابه ورزقه وما عنده والاخرة، وورد في آية واحدة وصفاً له سبحانه فقال:( إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ) ( طه / ٧٣ ).

ومضمون الآية إجابة على ما هدّد به فرعون السحرة وقال:( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ ) ( طه / ٧١ ) والآيتان( أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ ) ( وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ) على وتيرة واحدة والضمير في صيغة التفضيل يرجع إلى

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٥ ص ٣٦٢.

(٢) المفردات: ص ٣٠.

(٣) الميزان: ج ٢ ص ١٨٥.

١٣٨

الله سبحانه. إنّما الكلام في تعيين المتعلّق، فربما يقال: إنّه الثواب أي والله خير لنا منك وثوابه أبقى لنا من ثوابك، وربما يقال: إنّ المتعلّق هو العقاب والمراد: والله خير ثواباً للمؤمنين وأبقى عقاباً للعاصين وهذا جواب لقوله: ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذاباً وأبقى ولكن الظاهر أنّ المراد أوسع من ذلك وكأنّه قيل: إنّما آثرنا غفرانه على احسانك، لأنّه خير وأبقى أي خير من كلّ خير وأبقى من كلّ باق ـ لمكان الاطلاق ـ فلا يؤثر عليه شيء، وبذلك يعرف معنى المقابلة بين كلام فرعون والسحرة فإنّه يصف نفسه في الآية الاُولى بالأبقى والسحرة تقابله بأنّه سبحانه أبقى.

الخامس عشر: « الأقرب »

وقد وردت اللفظة في القرآن ١١ مرّة ووردت توصيفاً له سبحانه مرتين قال:( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ( ق / ١٦ ) وقال سبحانه:( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ ) ( الواقعة / ٨٥ ) وفسرت الأقربيّة بالعلم: أي نحن أقرب إليه بالعلم من حبل الوريد ويكون معنى الآية: نحن أعلم به. وتحقيق الكلام في مفاد الآية يتوقف على بيان معنى الأقربيّة الواردة فيها فنقول :

إنّ الأقربيّة ليست أقربيّة مكانيّة كما أنّ قربه سبحانه من العبد ليس منحصراً بالافضال عليه بل لقربة سبحانه من العبد، وأقربيته إليه من حبل الوريد معنى آخر لا يقف عليه إلّا المرتاض في المعارف الإلهية والخارج عن أسر التعطيل وحبال التشبيه.

انّه سبحانه يصرّح بأنّه مع عباده أينما كانوا ويقول:( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) ( الحديد / ٤ ).

ويعد نفسه رابع الثلاثة وسادس الخمسة ويقول:( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاثَةٍ إلّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلا أَكْثَرَ إلّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( المجادلة / ٧ )

١٣٩

كما أنّه يصف نفسه الهاً في السماوات والأرض ويقول:( وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ) ( الأنعام / ٣ ) إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على إحاطة وجوده سبحانه بكلّ شيء وكونه مع كلّ شيء.

ثمّ إنّ المسلمين في مقابل هذه الآيات على طائفتين :

الاُولى: أهل الحديث والحنابلة والمتقشّفون المغترّون بالظواهر التصوّريّة البدئيّة غير المتعمّقين في الآيات والأحاديث، فهؤلاء أخذوا بظاهر قوله سبحانه:( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) ( طه / ٥ ) ففسّروا الإستواء بالإستقرار لا بالإستيلاء والسلطة، فجعلوه مستقرّا على عرشه وسريره فوق السماوات وأقصى ما عند المتظاهرين بالتنزيه إضافة قولهم: بلا كيف أي لا نعلم كيفية سريره واستقراره، قال الشيخ الأشعري: « نقول: إنّ الله عزّ وجلّ يستوي على عرشه كما قال يليق به من غير طول الاستقرار »(١) .

وهؤلاء ـ الذين حبسوا القاهر المحيط في نقطة خاصّة من العالم ـ تحيّروا أمام هذه الآيات التي دلّت على احاطة وجوده لكلّ شيء وصحيفة الكون، فلجأوا إلى التأويل المبغوض عندهم فقالوا في تفسير الآية في سورة المجادلة: المراد انّه سبحانه هو بعلمه رابعهم، وبعلمه سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم، نعني بعلمه فيهم، كما أوّلوا قوله سبحانه:( وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ) بأنّ المراد هو إله من في السموات، وإله من في الارض وهو على العرش، وقد أحاط علمه بما دون العرش، ولا يخلو من علم الله مكان، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان(٢) .

إنّ اتّخاذ الرأي المسبق في إحاطته سبحانه على الأشياء وتحديد وجوده بالاستقرار على السرير الموضوع على العرش، لا ينتج سوى هذا أي التلاعب بآيات

__________________

(١) الإبانة للأشعري: ص ١٨ و ٨٥.

(٢) السنّة لابن حنبل: ص ٣٤ و ٣٦ طبع القاهره.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وتاريخ ابن معين، والمعرفة والتاريخ للفسويّ...

أقوال العلماء في هشام بن عمّار

قال العجليّ: هشام بن عمّار الدمشقيّ: صدوق. (تاريخ الثقات 459 / 1741). وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: ثقة. (تهذيب الكمال 30: 247). وقال أبو حاتم، عن يحيى بن معين: كيّس كَيْس. (الجرح والتعديل للرازيّ 9 / الترجمة 355).

وقال الدار قطنيّ: صدوقٌ كبير المحلّ. (تهذيب الكمال 248).

وقال عبد الرحمان بن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: صدوق. (الجرح والتعديل للرازيّ 9 / الترجمة 355).

مات هشام بن عمّار سنة خمس وأربعين ومئتين، وقيل غير ذلك.(1)

الوليد بن مسلم القرشيّ الدمشقيّ مولى بني اُميّة

وعن الوليد هذا، روى هشام بن عمّار الحديث، له ترجمة واسعة في كتب الرجال ممّا يشير إلى علوّ منزلته عندهم.(2)

____________________

(1) تاريخ البخاريّ 2: 382.

(2) طبقات ابن سعد 7: 470، وتاريخ الدوريّ 2: 634، وطبقات خليفة 317، وتاريخ البخاريّ الكبير 8 / الترجمة 2532، وثقات العجليّ 466، والجرح والتعديل 9 / الترجمة 70، والكنى للدولابيّ 2: 71، ورجال صحيح مسلم 185، والأنساب للسمعانيّ 5: 338، وتاريخ أبي زُرعة الدمشقيّ 1: 168 ومواضع كثيرة....

٢٨١

روى عن: عليّ بن حوشب الفزاريّ، وعنه روى الوليد الحديث. ومالك ابن أنس، واللّيث بن سعد، وسفيان الثّوريّ، وعبد الله بن لهيعة، ومحمّد بن عجلان، وعبد الملك بن جُرَيجْ، وأبي إسحاق الفزاريّ...

روى عنه: هشام بن عمّار - وهو الذي روى الحديث عن الوليد بن مسلم وأحمد بن حنبل، وأبو خَيْثمة زهير بن حرب، وبقيّة بن الوليد - وهو من أقرانه، وعبد الله بن وهب المصريّ - وهو من أقرانه، وعليّ ابن المدينيّ، وعبد الله بن الزبير الحُمَيديّ، والليث بن سعد - وهو من شيوخة، ونعيم بن حمّاد، وإسحاق بن راهوَيه، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وغيرهم كثير.

والقول في الرجال الذين روى عنهم، أو رَوَوا عنه، مِثل القول في هشام ابن عمّار.

قول العلماء فيه

ذكره ابن سعد في الطبقة السادسة وقال: ثقة كثير الحديث والعلم. (طبقات ابن سعد 7: 326 / 3926).

قال العجليّ: الوليد بن مسلم الدمشقيّ ثقة. (تاريخ الثّقات 466 / 1778).

وقال إبراهيم بن المنذر الخراميّ: قدِمتُ البصرة، فجاءني عليّ ابن المدينيّ، فقال: أوّل شيء أطلب، أخرِجْ إلَيّ حديث الوليد بن مسلم.

فقلت: يا ابن أمّ، سبحان الله ؛ وأين سماعي من سماعك؟! فجعلتُ آبى ويُلحّ، فقلتُ: أخبرني إلحاحكَ هذا ما هو؟ قال: اُخبرُك الوليدُ رجلٌ وعنده علمٌ

٢٨٢

كثير ولم أستمكن منه...، قال: فأخرجتُ إليه، فتعجّب من فوائده وجعل يقول: كان يكتب على الوجه (المعرفة والتاريخ 2 / 422).

وقال أحمد بن أبي الحواري: قال لي مروان بن محمّد: إذا كتب حديث الأوزاعيّ عن الوليد بن مسلم، فما تبالي مَن فاتَك.(1)

قال أبو زرعة الدمشقيّ: قال لي أحمد بن حنبل: كان عندكم ثلاثةٌ أصحاب الحديث: مروان بن محمّد والوليد وأبو مُسْهِر (تاريخ أبي زرعة 7 / 384).

وقال يعقوب الفسويّ: كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل بن عيّاش، والوليد بن مسلم، فأمّا الوليد فمضى على سنّته، محموداً عند أهل العلم، مُتقِناً صحيحاً، صحيحَ العلم...(2) .

وأخباره طويلة يظهر منها فضله ومنزلته عند علماء عصره.

مات الوليد بن مسلم سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل خمس وتسعين ومائة.(3)

عليّ بن حوشب: عليّ بن حوشب الفزاريّ، أبو سليمان الدمشقيّ.

وعنه روى الحديث الوليد بن مسلم، ورواه عليّ بن حوشب عن مكحول.

روى عن: أبيه حوشب، ومكحول الشاميّ، وأبي سلاّم الأسود، وأبي قبيل المعافريّ المصريّ.

____________________

(1) الجرح والتعديل 9 / الترجمة 70.

(2) المعرفة والتاريخ 2: 423.

(3) طبقات ابن سعد 7: 327.

٢٨٣

روى عنه: الوليد بن مسلم، وزيد بن عبيد الدمشقيّ، ويحيى بن صالح الوُحاظيّ، وأبو توبة الربيع بن نافع الحلبيّ...

الأقوال في عليّ بن حوشب

قال أبو زرعة الدمشقيّ: قلت لعبد الرحمان بن إبراهيم(1) : ما تقول في عليّ ابن حوشب الفزاريّ؟ قال: لا بأس به، قلتُ: ولِمَ لا تقول ثقة ولا تعلم إلاّ خيراً؟ قال: قد قلتُ لك إنّه ثقة.(2)

وذكر ابن حبّان عليّ بن حوشب في كتاب (الثقات) قال: من أهل الشام، يروي عن مكحول، روى عنه الوليد بن مسلم.(3)

مكحول: مكحول بن عبد الله أبو عبد الله الدمشقيّ، من سبي كابل لسعيد ابن العاص. وأخباره تطول نذكر موجزها بحسب حاجة البحث:

روى عن: أنس بن مالك، وواثلة بن الأُسْقع، وابن عمر، وأبي أمامة، وسعيد

____________________

(1) عبد الرحمان بن إبراهيم الدمشقيّ المعروف بدُحَيْم ابن اليتيم الاُمويّ بالولاء، مولى آل عثمان بن عفّان. قال العجليّ وغيره: ثقة! كان يختلف إلى بغداد، سَمِعوا منه فذُكِرَ الفئة الباغية هم أهل الشام، فقال: مَنْ قال هذا فهو ابن الفاعلة، فنكب الناس عنه، لم يسمعوا منه (تاريخ الثّقات للعجليّ 287 / 928).

العجب من العجليّ وغيره يوثّقون هذا الرجل، والقيد في التوثيق هو صدقه وعدم تعمّد الكذب، وأن لا يكون فحّاشاً، وقد وجدنا الرجل قد عمد إلى تكذيب حديث متواتر وأفحَشَ في سبّ من يرويه! هذا وهو مولىً لآل عثمان، فكيف لو كان أمويّاً أصالةً.

(2) تهذيب الكمال 20: 419.

(3) كتاب الثقات 4: 127 / 3241.

٢٨٤

بن المسيّب، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وعروة بن الزبير، وطاووس ابن كيسان، وكريب مولى ابن عبّاس...

روى عنه: عليّ بن حوشب، الذي روى عنه حديث الأُذن الواعية، ومحمّد ابن إسحاق بن يسار - صاحب السّيرة والأوزاعيّ، وعبد القدّوس الشاميّ، وأُسامة بن زيد اللّيثيّ، والحجّاج بن أرطاة، وابن شهاب الزّهريّ، وعدد كبير ممّن ذُكروا في الثقات.

وأمّا مَن روى عنهم فقد ذكرنا بعض أسمائهم، وهم أشهر من أن يُعرَّفوا.

القول في مكحول: قال العجليّ: تابعيٌّ، ثقة. سمع من واثلة وأنس، وأبي هند الداريّ، ويقال: إنّه لم يسمع من أحدٍ من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من هؤلاء.(1)

وقال يونس بن بُكير، عن محمّد بن إسحاق: سمعت مكحولاً يقول: طفتُ الأرض كلّها في طلب العلم.(2)

عن الزهريّ: العلماء أربعة: سعيد بن المسيّب بالمدينة، وعامر الشعبيّ بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.(3)

____________________

(1) تاريخ الثقات للعجليّ 439 / 1628.

(2) تاريخ ابن معين 2: 346 / 5239.

(3) الجرح والتعديل للرازيّ 8 / الترجمة 1867، حلية الأولياء 5: 179. 4 - منهاج السنّة النبويّة لابن تيميه 4: 140.

٢٨٥

النتيجة

ثبت صحّة سند الحديث الذي أخرجه البلاذريّ. إلاّ أنّ ابن تيميه قال فيه: «حديث موضوع باتّفاق أهل العلم».(4)

تعقيب: وقولنا فيه هنا مثل قولنا في البحوث السابقة، فهو وبكلّ يسرٍ يُطلِق لفظه الذي اشتُهِر به «موضوع باتّفاق أهل العلم»، وتارةً أُخرى: «باتفاق أهل المعرفة بالحديث» من غير ذكر لبعض أهل العلم والمعرفة أولئك، بل ولا ذكر واحدٍ منهم! ولو بُعث الرجل قبل البعث الأكبر والقيامة العظمى، وسئل: ما تقول في رجال سند الحديث الذي أخرجه البلاذريّ، هل هم شيعة روافض؟ أم إنّهم عاشوا في بيئة محترقة في التشيّع!

فنقل بعضهم الحديثَ عن الآخرَ تقيّة؟ أم هم مجهولو الحال؟ ونحن على ثقة أنّه إذا أراد أن يجيب ضاقت به السّبل ؛ فنقول: فأمّا التشيّع، فهم بعيدون كلّ البعد من ذلك. وأمّا البيئة، فهم من أهل الشام من دمشق حاضرة الدولة الأُمويّة، وفيهم من هو أُمويّ تثور ثائرته وهو في بغداد بعيداً عن أنصاره، وذلك لمّا ذُكرت الفئة الباغية.

وأمّأ حالهم: فقد أظهرت المصادر حُسْنَ حالهم. مع ملاحظة أنّا لم نرجع فيهم إلى مصدر شيعيّ.« فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلّا الضّلاَلُ فَأَنّى‏ تُصْرَفُونَ) .(1)

شواهد التنزيل للحسكانيّ الحنفيّ 2: 272 / 1008، قال: وهذا الحديث

____________________

(1) يونس: 32.

٢٨٦

رواه جماعة عن أميرالمؤمنين، منهم زِرّ بن جُبيش الأسديّ.(1)

____________________

(1) طبقات ابن سعد 6: 104، والمصنّف لابن أبي شيبة 13 / الرقم 15738، وتاريخ ابن معين 2 / 172، وتاريخ الثقات للعجليّ 261، وطبقات خليفة 237 / 983، وتاريخه 288، ومسند أحمد 5: 129، وتاريخ البخاريّ الكبير 3 / الترجمة 1495، والمعارف 427، والجرح والتعديل للرازيّ 3 / الترجمة 2817، ورجال صحيح مسلم 54، وإكمال الإكمال 4: 183، وأُسد الغابة 2: 300، والإصابة 1: 577.

روى عن: عليّ بن أبي طالب، وعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن مسعود، وأبي ذرّ الغفاريّ، والعبّاس بن عبد المطّلب، وحذيفة بن اليمان، وأُبيّ بن كعب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، وأبي وائل شقيق بن سَلَمة الأسديّ وهو من أقرانه، وعائشة.

روى عنه: عديّ بن ثابت وقد روى عنه الحديث -، وإبراهيم النّخعيّ، وحبيب بن أبي ثابت، وإسماعيل بن أبي خالد، وعامر الشّعبيّ، والمنهال بن عمرو الأسديّ، وأبو إسحاق الشّيبانيّ، وشمر بن عطيّة، وعاصم بن بَهْدَلة...

القول فيه: قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن مَعين: ثقة (الجرح والتعديل للرازيّ 3 / الترجمة 2817)، وذكره محمّد بن سعد في الطبقة الأُولى من تابعي أهل الكوفة وقال: كان ثقة كثير الحديث. (طبقات ابن سعد 6: 105).

قال العجليّ: زرّ بن حُبَيْش، من أصحاب عبد الله بن مسعود وعليّ، ثقة.

(تاريخ الثقات للعجليّ 165 / 458). وفي (رجال ابن داود: 157 / 620).

قال: كان فاضلاً، ومن أصحابنا. مات زرّ سنة إحدى وثمانين.

عديّ بن ثابت: روى الحديث عن زرّ بن حبيش.

روى عن: زرّ بن حبيش، وسعيد بن جبير، وسليمان بن صُرَد الخزاعيّ أمير التوّابين الذين خرجوا للطلب بثأر الحسينعليه‌السلام ، وأبيه ثابت، والبراء بن عازب، وزيد بن وهب الجهنيّ، ويزيد بن البراء بن عازب، وأبي راشد صاحب عمّار بن ياسر، وعبد الله بن أبي أوفى... =

٢٨٧

قال: عن الأعمش، عديّ بن ثابت، عن زِرّ بن حُبَيْش قال: قال أميرالمؤمنين: «ضمّني رسول الله إليه وقال: أمرني ربّي أن أُدنيك ولا أُقصيَك، وأن تسمع وتعي، وحقٌّ على الله أن تعي». فنزلت« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) قال: ورواه أيضاً عنه: ابنُه عمر، عن أبيه عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك، وأعلّمك لتعي، وأُنزلت علَيّ هذه الآية:« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » ، فأنت الأُذن الواعية لعلمي يا عليّ، وأنا المدينة وأنت الباب، ولا يؤتى المدينة إلاّ من بابها».

- وأيضاً شواهد التنزيل 2: 274 / 1009: فقد ذكر رواة حديث الأُذن الواعية: بُرَيدة الأسلميّ، مكحول - خمس روايات، جابر بن عبد الله الأنصاريّ، ابن عبّاس، سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس، أنس بن مالك. قال وورد أيضاً عن الحسين بن عليّ، وعبد الله بن الحسن، وأبي جعفر، وغيرهم.

____________________

= روى عنه: سليمان الأعمش - الذي روى عنه حديث الأُذن الواعية، وأبان بن تغلب، وأبان بن عبد الله البَجَليّ، وأبو إسحاق السّبيعيّ، وشعبة بن الحجّاج، وأبو إسحاق الشيبانيّ، وعليّ بن زيد بن جُدعان، وفضيل بن مرزوق، ومسعر بن كدام، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة (الجرح والتعديل للرازيّ 7 / الترجمة 5).

وقال العجليّ: عديّ بن ثابت الأنصاريّ، ثقة ثبت... وكان شيخاً عالماً... (تاريخ الثقات للعجليّ 330 / 1115).

وقال أبو حاتم: صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاصّهم (الجرح والتعديل للرازيّ 7: 5).

وذكره ابن حبّان في كتاب (الثّقات 2: 417 / 3192).

مات عديّ بن ثابت سنة 116 هـ.

٢٨٨

المصادر

(ومن المصادر التي ذكرت نزول الآية في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام )، مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ أو زيادة:

أسباب النزول للواحديّ: 294، وتفسير الطبريّ 29: 56، والكشّاف للزمخشريّ 4: 151، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ 30: 107، وتفسير ابن كثير الحنبليّ 4: 413، والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوريّ الحنفيّ 3: 110، والدرّ المنثور للسيوطيّ الشافعيّ 6: 260، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 319، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانيّ 1: 67، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ الشافعيّ: 318 / ح 363 و 364، والمناقب للخوارزميّ الحنفيّ: 282 - 283 / ح 276 - 278، وكفاية الطالب للگنجيّ الشافعيّ: 108، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم: 22، ومناقب عليّ لابن مردويه: 337 - 339 / ح 565 - 572، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: 123، وكنز العمّال للمتّقيّ الهنديّ 6: 408، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3: 95، وفرائد السمطين للجوينيّ الشافعيّ: الباب 40 / الحديث 166، والطرائف لابن طاووس: 93، ومطالب السَّؤول لابن طلحة الشافعيّ: 20، وكشف اليقين للعلاّمة الحليّ: 388، وتذكرة الحفّاظ للذهبيّ 4: 1405، ومجمع الزوائد للهيتميّ 1: 131، ولباب النقول للسيوطيّ: 225، وغاية المرام لهاشم البحرانيّ: 366، ومفتاح النَّجا للبدخشانيّ الحارثيّ: 40.

٢٨٩

حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها».

قال ابن تيميه وحديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» أضعف وأوهى ؛ ولهذا إنّما يُعدّ في الموضوعات وإن رواه الترمذيّ! وذكره ابن الجوزيّ وبيّن أنّ سائر طُرقه موضوعة.(1)

وقال في موضع آخر: وممّا يروونه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»، قال: وهذا حديث ضعيف، بل موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، ولكن قد رواه الترمذيّ وغيره، ومع هذا فهو كذب!(2)

لقد وصلنا مع هذا الرجل إلى حدّ أنّه لو قال: إنّ عليّ بن أبي طالب لم يُخلق بعد، وإنّما ذكره الترمذيّ أو تفرّد به مسلم، ومع ذلك فلا صحّة لما ذكر إذ لم يتابعه البخاريّ، أو نفى وجودَه أبو الفرج..، لَما استغربنا قوله!

محاكمة الحديث سنداً ومتناً

حكم ابن تيميه على الحديث بالضعف، والحديث الضعيف يحتجّ به ما لم يأت ما يُبطله كما هو مقرّر عند العلماء بالحديث وأُصوله. وليت ناصبيّته وقفت عند الحدّ هذا! فإنّه رتّب على تضعيفه للحديث أن جعله من الموضوعات، مع إقراره بذكر الترمذيّ للحديث، وجعل مدار إبطال الحديث هو ابن الجوزيّ. ونذكّر بحديث ردّ الشمس وحكمه عليه بالكذب ؛ لأنّ مداره - كما زعم هو -

____________________

(1) منهاج السّنّة 4: 138.

(2) علم الحديث لابن تيميه 526.

٢٩٠

عبيد الله بن موسى، وقال عنه: يروي الموضوعات. ثمّ طعن بابن عقدة الذي قال عنه: وأنا لا أتّهم به إلاّ ابنَ عقدة، والقول هذا لشيخه أبي الفرج.

فكان مدار ابن تيميه: أبا الفرج لا غير! وتكلّمنا هناك عن سند الحديث فكان من العلوّ بمكان، وذكرنا أنّ للحديث أسانيد أُخرى رفيعة.

وتحوّل بعد كلّ ذلك إلى القطع بأنّ الحديث مكذوب، وإن رواه الترمذيّ وغيره!

وليس لمثل ابن تيميه، ولا أبي الفرج أن يحكما على مثل الحكيم الترمذيّ وعلى نهجه الضالّ، سلك تلميذه الذهبيّ في تكذيب الحديث، إلاّ أنّ الأخير، تعامل مع الحديث بمحاكمة سنده، فخدشه ظنّاً منه أنّه بذلك يُبطل الحديث.

قال الحاكم في المستدرك: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب حدّثنا محمّد بن عبد الرحيم الهرويّ بالرملة، حدّثنا أبو الصّلت عبد السلام بن صالح، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب».

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه. وأبو الصّلت ثقة مأمون، فإنّي سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب في التاريخ يقول: سألتُ يحيى بن مَعين عن أبي الصّلت الهرويّ فقال: ثقة، فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش: «أنا مدينة العلم»؟! فقال: قد حدّث به محمّد بن جعفر الفَيديّ، وهو ثقة مأمون. سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القبانيّ إمام عصره ببخارى يقول: سمعت صالح بن محمّد بن حبيب الحافظ يقول وسُئل عن أبي

٢٩١

الصّلت فقال: دخل يحيى بن معين، ونحن معه، على أبي الصّلت فسلّم عليه، فلمّا خرج تَبِعْتُه فقلت له: ما تقول - رحمك الله - في أبي الصّلت؟ فقال: هو صدوق، فقلت له: إنّه يروي حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها»، فقال: قد روى هذا - أي حديث مدينة العلم - ذاك الفَيْديّ عن أبي معاوية عن الأعمش كما رواه أبو الصّلت.(1)

قال الذهبيّ في التلخيص: بل موضوع. قال الحاكم: وأبو الصّلت ثقة مأمون. قال الذهبيّ: لا والله، لا ثقة ولا مأمون.(2)

ومن طريق آخر: قال الحاكم: حدّثنا بصحّة ما ذكره الإمام أبو زكريا، حدّثنا يحيى بن معين، حدّثنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن تميم القنطريّ، حدّثنا الحسين بن فهم، حدّثنا محمّد بن يحيى بن الضريس، حدّثنا محمّد بن جعفر الفيديّ، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنهم ا قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب».

قال الحسين بن فهم: حدّثناه أبو الصّلت الهرويّ عن أبي معاوية.

قال الحاكم: ليعلم المستفيد لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم بن عبد الرحمان ثقة مأمون حافظ.

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 137 / 4637.

(2) التلخيص للذهبيّ، هامش المستدرك.

٢٩٢

ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوريّ بإسنادٍ صحيح.(1)

قال الذهبيّ: العجب من الحاكم وجرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل، وأحمد هذا دجّال كذّاب!(2)

قال الحاكم: حدّثني أبو بكر محمد بن عليّ الفقيه الإمام الشاشيّ القفّال ببخارى وأنا سألته، حدّثني النّعمان بن هارون البلديّ ببلد من أصل كتابه، حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّانيّ، حدّثنا عبد الرزّاق، حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن عبد بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمان بن عثمان التّيميّ قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فَمن أراد العلم فليأت الباب».(3)

لقد وجدنا ابن تيميه قد حكم على الحديث بالكذب، وحجّته في ذلك أن أبا الفرج قد حكم بذلك، فأغنى نفسه عن البحث، إذ عادته المنتظمة كما ذكرنا في غير هذا الموطن أنّه يكذّب الحديث، وذريعته فيه أنّه كذب عند أهل العلم والمعرفة بالحديث. وإلاّ لاذ بأبي الفرج، فطوّقه ذلك الأمر واستراح.

وأمّا تلميذه الذهبيّ فقد وجدناه في تلخيصه للمستدرك: إمّا أن يوافق الحاكم، أو يسكت عن الحديث، أو يخدش سنده بأيّ ثمّة خدش. لكنّ نائرته اضطرم أُوارها في «حديث الطير»، فحمل على الحاكم نفسه! وكذلك في حديث

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3: 137 / 4638.

(2) التلخيص للذهبيّ، هامش المستدرك 3: 137 / 4638.

(3) المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 138 / 4639.

٢٩٣

«مدينة العلم» فقد حكم عليه بالوضع، ولم يقف عند الحدّ هذا، بل حلف بالله تعالى أنّ أبا الصّلت لا ثقة ولا مأمون!

وقبل الولوج في نقد سند الحديث، نذكّر بما أوردناه بشأن رجال علم الحديث والرجال وما أصابهم من جرح وتعديل علماء زمانهم أو ما هو قريب من ذلك. فإنّ يحيى بن مَعين هو من أقران أحمد بن حنبل، وهو ممّن يَخبت ابن تيميه وابن الجوزيّ والذهبيّ لإمامته ولا يتجاوزون قوله، فهو عندهم عدل أحمد بن حنبل، وقد قال فيه أبو زرعة(1) : لم يُنتفَع به - أي بيحيى - لأنّه كان يتكلّم في الناس(1) ! ويروى هذا عن عليّ بن المدينيّ،(3)

____________________

(1) أبو زُرعة: عمرو بن جابر الحضرميّ، مصريّ، تابعيّ ثقة (تاريخ الثّقات للعجليّ 362 / 1252، و 498 / 1952).

(2) تاريخ يحيى بن معين 1: 8.

(3) عليّ بن عبد الله بن جعفر بن نجيح المدنيّ: مات بسرّ مَنْ رأى سنة عدل أربع وثلاثين ومائتين. علمٌ ثبت حافظ، إمام أهل الحديث والرجال ثقة، عدل، حادّ الذكاء، واسع المعرفة، مستقيم الأمر، ضابط لما يرويه، وإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبويّ مع معرفة بنقد الرجال مع ورعٍ وتقوى، وهوشيخ البخاريّ وعنه شحن صحيحه بالحديث، وقال عنه: ما استصغرت نفسي بين يدي أحدٍ إلاّ بين يدي عليّ بن المدينيّ. ولمّا سئل البخاريّ: ما تشتهي؟ قال: أن أقدم العراق وعليٌّ حيّ فأجالسه.

تلقّي المدينيّ العلم عن: حمّاد بن زيد، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطّان، وعبد الرزّاق ابن همّام، وغُنْدر، وعبد الرحمان بن مهديّ، وابن عُلَيّة، ويوسف بن يعقوب الماجشون، والدّراورديّ، وعبد الله بن وَهْب، والوليد بن مسلم... =

٢٩٤

من وجوه(1) . وقال: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن يحيى بن معين.(2)

ووقع أبو داود فيه، فلمّا أُنكر عليه قال: من جرّ ذيول الناس جرّوا ذيله!(3)

وقد قال يحيى بن مَعين عن نفسه: إنّا لنطعن على أقوام لعلّهم قد حطّوا رحالهم في الجنّة من أكثر من مئتي سنة! هذا هو بعض شأن يحيى بن مَعين، حُكْم علماء عصره عليه، وحكمه على نفسه! وسؤالنا لابن الجوزيّ، وابن تيميه: فهلاّ اقتديتما به فتركتما الناس لله! ألم يصلكما قول إمامكما وحكمه في سند حديث مدينة العلم؟ وماذا سيكون جوابكما إذا حشرتما وجاء أبو الصّلت وغيره

____________________

= روى عنه: البخاريّ، وأبو داود. وروى عنه: سفيان بن عيينة، ومعاذ بن معاذ - وهما من شيوخه ؛ وأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة - وهما من أقرانه. وروى عنه أبو داود، والترمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجة في التفسير له بواسطة: الذّهليّ، والجوزجانيّ، والحسن بن عليّ الخلاّل، والحسن بن الصباح البزّار...

تلقّى العلم عنه خلق كثير، منهم: ابنه عبد الله، وأحمد بن منصور الرماديّ، وصالح جزرة، وعبد الله البغويّ، والباغندي، وأبو يعلى الموصليّ، وأبو حاتم الرازيّ...

قال أبو حاتم الرازيّ: كان علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان الإمام أحمد لا يسمّيه، إنّما يكنّيه ؛ تبجيلاً له.

انظر في: الطبقات الكبرى 7: 308، وتاريخ البخاريّ الكبير 3: 2 / 248، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3: 1 / 193، وتاريخ بغداد 11: 458 / 473، والفهرست لابن النديم 331، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبليّ 2: 81...

(1) تاريخ يحيى بن معين 1: 8.

(2) تهذيب الكمال للمزّيّ 31: 564.

(3) نفسه.

٢٩٥

يطالبون بحقّهم؟ وهل هناك كفّارة؟! ثمّ ما تقولان للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعليّعليه‌السلام وهما يشكوانكما؟!

ومع كلّ ما ذكرناه، يبقى ابن معين له شأنه في هذا الميدان، وهو لكما ألزم إذ جعلتموه حجّةً بينكما وبين الله تعالى.

وابن معين عاصر أبا الصّلت ورآه وسمعه، فالحكم له ومن هو في طبقته، لا لكما! فهلاّ حملتما على ابن معين لا على الحاكم، وقد كان ابن معين في سند الحديث، وهو الذي حكم بصدق الحديث، وصدّق أبا الصّلت ووثّقه؟!

وزاد أن قوّى وثاقة الحديث فذكره من طريق الفيديّ عن أبي معاوية عن الأعمش مثلما رواه أبو الصّلت، وكان جوابه هذا حينما أُشكِل عليه وسئل عن أبي الصّلت وروايته لحديث مدينة العلم.

فلِمَ أغمضتم عيناً عن الفيديّ، الذي جعله ابن معين حجّةً أخرى في تصديقه الحديث لوثاقة الفيديّ عنده، وعلّقتم الحديث الثاني على أحمد؟! ولَيتكم وقفتم عند تضعيف أحمد! وإنّما ذهب بكم الأمر إلى القول فيه: دجّال كذّاب! وهو من أعظم ما يُرمى به المرء بعد الإسلام، وهو الباب لكلّ الخطايا. ولذا قرّروا الأخذ بروايات أهل الأهواء والبدع، وقالوا في رجال الحديث: لئن يخرّ أحدهم من السماء أهونُ عليه من أن يكذب.

وقد علمتم صحّة ووثاقة الحديث الأوّل، فعلامَ علّقتم الحديث الذي بعده على أحمد وطعنتموه بُمديٍّ ما طعنتم بها الكفّارَ والخوارج؟! فماذا أعددتم ليوم

٢٩٦

غدٍ؟! و« سَيَعْلَمُونَ غداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ) .(1)

وأبو الفرج عند ابن تيميه، هو مدار تكذيب حديث مدينة العلم، وأبو الفرج مات سنة (597 هـ)، وأبو الصلت توفّي سنة (236 هـ)، فالفاصلة الزمنيّة بينهما هي (361) سنة!

وأمّا الذهبيّ الذي حلف بالله أنّ أبا الصّلت لا ثقة ولا مأمون، فإنّه مات سنة 748 هـ، وبذا تكون الفاصلة الزمنيّة بينه وبين أبي الصّلت هي (512) سنة فقط! وبين الذهبيّ وبين أحمد بن عبد الله المتوفّى سنة 271 هـ، الذي قال عنه الذهبيّ: إنّه كذّاب دجّال، (477) سنة.

وليس بين ابن تيميه المتوفّى سنة (728 هـ) وبين أبي الصّلت أكثر من (492) سنة، وأمّا بينه وبين أحمد بن عبد الله فأقلّ من ذلك، فهي لا تزيد على (457) سنة! فَلْيَحكم المنصفون.

وبين ابن تيميه، وأبي معاوية الضّرير (533) سنة، وبين الذهبيّ وأبي معاوية (533) سنة.

وفي الحديث الذي ذكره الحاكم، وفي طريقه الحسين بن فهم، وجدنا الذهبيّ قد رحم نفسه فلم يحلف بالله تعالى بتضعيفه بل قال بإسقاطه! كما فعل بشأن أبي الصّلت.

وقد مرّ بنا قول الحاكم فيه: إنّ الحسين بن فهم ثقة مأمون حافظ. فقد نعته

____________________

(1) القمر: 26.

٢٩٧

بما نعت به أبا الصلت وزاد: حافظ. لكنّ الذهبيّ لم تطاوعه نفسه. وربّما نسي! فقد قال عنه في كتاب آخر له: الحسين بن فهم، صاحب محمّد بن سعد (صاحب الطبقات الكبرى)، قال الحاكم: ليس بالقويّ!(1) وتابعه ابن حجر فقال عنه عينَ عبارة الذهبيّ!(2)

وهذا أشكل وأعضل ما نجده في منهجيّة كتابة التاريخ والتراجم، وهو اللاّموضوعيّة وعدم التجرّد عن العصبيّة والهوى، وعبادة الأشخاص على أسمائها، حتّى لَتجد كتباً ربّما كثرت أجزاؤها هي عينها لسابقين مع تغيير عنوان الكتاب اللاحق، ليس أكثر! وإلاّ قولُهما مناقض تماماً لما ذكره الحاكم في حديث مدينة العلم، إذ أفرده من سلسلة السند فأقامه حجّةً لأهل العلم، وذلك هو قوله: ليعلم المستفيد لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم ثقة مأمون حافظ.

ولم يكن الحسين بن فهم من أقران الذهبيّ، ولا ابن حجر، ولا هما قريبا عهد به، فإنّ الفاصلة الزمنيّة بين الذهبيّ وابن فهم هي (459) سنة، وأمّا بين ابن حجر وابن فهم فهي (563) سنة! وما يدرينا فلعلّ الحسين بن فهم ممّن قال عنهم ابن معين قد حطّوا رحالهم في الجنّة!

من أخبار الحسين بن فهم

الحسين بن محمّد بن عبد الرحمان بن فهم بن مُحرز بن إبراهيم، أبو عليّ.

____________________

(1) ميزان الاعتدال للذهبيّ 2: 308 / 1266.

(2) لسان الميزان لابن حجر 2: 308.

٢٩٨

سمع: يحيى بن مَعين، ومصعباً الزبيريّ، ومحمّد بن سعد كاتب الواقديّ، وأبا خَيثمة زُهير بن حرب، ومحمّد بن سلاّم الجُمحيّ...

روى عنه: أحمد بن معروف الخشّاب، وأبو عليّ (الطوماريّ، وأحمد ابن كامل... ؛ وكان ثقةً، وكان عسراً في الرواية متمنّعاً إلاّ مَن أكثر ملازمته، وكان حسن المجلس مفتياً مفنناً في العلوم، كثير الحفظ للحديث مسنده ومقطوعه ولأصناف الأخبار والنّسب والشّعر، والمعرفة بالرجال، وكان يقول: صحبت يحيى ابن مَعين وأخذت عنه معرفة الرجال، وصحبت مصعب بن عبد الله - الزبيريّ ت 236 هـ، له (نسب قريش) - فأخذت عنه النّسب، وصحبت أبا خيثمة فأخذتُ عنه المسند، وصحبت الحسن بن حمّاد سجّادة فأخذت عنه الفقه.(1)

ترجمة أبي الصّلت(2) :

عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب بن ميسرة، أبو الصّلت الهرويّ، مولى عبد الرحمان بن سَمُرة القرشيّ. سكن نيسابور، ورحل في طلب الحديث إلى البصرة والكوفة والحجاز واليمن.(3)

وهو خادم عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام أديبٌ فقيه عالم.(4)

____________________

(1) تاريخ بغداد 8: 92 / 4190.

(2) سنن الدار قطنيّ 1: 110، والجرح والتعديل 6، الترجمة 257، وتاريخ بغداد 11: 46 / 5728، مطالب السؤول 214، ورجال ابن ماجة 15، 51، وتهذيب الكمال للمزّيّ 18: 73 / 3421.

(3) تاريخ بغداد 11: 46، وتهذيب الكمال 18: 73.

(4) تهذيب الكمال للمزّيّ 18: 73.

٢٩٩

روى عن: عليّ بن موسى الرضا، الثامن من أئمّة أهل البيت النبيّ عليه وعليهم السلام، ومحمّد بن خازم أبي معاوية الضّرير، ومالك بن أنس إمام المذهب المالكيّ، وعبد الرزّاق بن همّام(1) ، وسفيان بن عُيَينة(2) ، وعبد السلام بن

____________________

(1) محمّد بن خازم تأتي ترجمته، ومالك أشهر من أن يعرّف، والرضاعليه‌السلام فرع الشجرة العلويّة الطاهرة. وعبد الرزّاق بن همّام بن نافع الحِمْيَريّ الصنعانيّ، عالم اليمن حافظ كبير، له: المصنّف، وتفسير القرآن العزيز، توفّي سنة إحدى عشرة ومائتين.

روى عن: أبيه، ومَعْمَر بن سليمان، وعبيد الله بن عمر، وابن جُريج، وحجّاج بن أرْطأة، والأوزاعيّ، والسّفيانَين، ومالك.

قال العجليّ: يمانيّ، ثقة وكان يتشيّع. (تاريخ الثّقات 302 / 1000).

روى عنه: شيخاه: مُعتمر وسفيان بن عينية، وأبو أسامة وهو أكبر منه، وأحمد، وابن معين وإسحاق، ومحمّد بن رافع، وأحمد بن صالح المصريّ (شيخ البخاريّ: توفّي سنة ثمان وأربعين ومئتين، مضت ترجمته في الحديث الذي أنكره ابن تيميه «حديث ردّ الشمس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحمل حملةً منكرةً على سنده، وجرح أحمد هذا»، قال ابن سعد: قفة، من الطبقة الخامسة من أهل اليمن - وذلك بلحاظ سنة وفاته -، ومثله ذكر خليفة بن خياط في (طبقاته 521 / 2673).

قال عبد الرزّاق: جالَسنا مَعمراً سبعَ سنين. (الجرح والتعديل 6 / 38).

قال أحمد بن صالح: قلت لأحمد بن حنبل: رأيتَ أحداً أحسنَ حديثاً من عبد الرزّاق؟ قال: لا. (تهذيب الكمال 2: 829).

و قال عبد الوهّاب بن همّام: كنتُ عند معمر فذكر أخي عبد الرزّاق، وقال: خليق إن عاش أن تُضرب إليه أكباد الإبل. (تهذيب الكمال 2: 829).

وقال أبو صالح محمّد بن إسماعيل: بلغنا ونحن عند عبد الرزّاق أنّ ابن معين. وأحمد بن حنبل تركوا حديث عبد الرزّاق، فدخلنا من ذلك غمّ شديد، فلمّا كان وقت الحجّ وافيت بمكّة يحيى بن =

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538