مفاهيم القرآن الجزء ٦

مفاهيم القرآن11%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-222-6
الصفحات: 538

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 538 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237358 / تحميل: 6099
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٢-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

موتها !

عند ذلك ، يجتمع اقرباءهم ومعارفهم في البيت ويعقدون مجالس عزاء وبكاء و أمّا الفتاة التي شفيت واُمها والنسوة اللاتي معهنّ فيركبن الىٰ طهران ، وللمرة الثانية تبرق الاُم خبر حركتها وابنتها الىٰ طهران ، لكن خبر موت الفتاة كان من القوة بحيث لم يصدق اهلها البرقية الثانية ، الىٰ ان يتأكدوا من صحتها وانها شفيت ! فيتجمعون في محطة بهشهر لاستقبال تلك القافلة الصغيرة والمباركة القادمة من مشهد !

ينتشر الخبر بسرعة في بهشهر ، فيأتي الاطباء الذين راجعتهم من قبل ويصدقون شفاءها التام. وقد مضىٰ علىٰ الحادث اربعة سنوات فقط ، والفتاة لا تزال بصحة جيدة دون اية علامات مرضية حتىٰ جزئية ، كما ان الاطباء الذين عالجوها في بهشهر وساري وبابل وطهران وكذلك الجراحون الذين اجروا لها عمليتين جراحيتين ، لا يزالون علىٰ قيد الحياة ، وهكذا الفحوصات والصور الشعاعية لا تزال موجودة.

هذه ثلاث حوادث غير طبيعية ولا تنسجم والاسباب والعلل العادية ، وهي من المعاجز التي وقعت في السنوات الاخيرة ، وجميعها كنت شخصياً قريباً منها ، ولو اردت ان اذكر لكم ما سمعته ، فأن مجلسي يطول اشهراً وسنوات !

المعجزات من الزاوية الطبيّة والعلميّة

من حسن الحظ ليس لدىٰ العلوم العصرية دليلاً قطعياً ينفي وجود

١٢١

المعجزة والاُمور الخارقة ، بل ان تلك الحوادث غير الطبيعية والتي لا تتفق مع أي علة او سبب طبيعي كثيرة في بلدان العالم للحدّ الذي لفتت انتباه كبار علماء العصر واجبرتهم علىٰ الاعتراف بها صراحةً.

الدكتور الكسيس كارل(1) الفيزيولوجي(2) وعالم الاحياء(3) أوّل من حاز علىٰ جائزة نوبل(4) في الولايات المتحدة ، والذي يشغل منصب رئاسة العديد من المراكز الطبية والعلمية في اوروبا وعضو في الكثير منها ، يقول في كتابه « الانسان ذلك المجهول » :

هناك من يؤمن بالمعجزات والعلاجات السريعة في الاماكن المقدسة في كل عصر ومكان ، اما اليوم فقد ضعفت اسس تلك العقائد ، كما ان بعض الاطباء ينفون وجود المعجزة بشكل تام ، ومع ذلك يجب التأمل في تلك الامور التي نمتلك عنها مشاهدات !

وقد تم جمع العديد من تلك المشاهدات بواسطة مؤسسة لورد(5) الطبية ، ومعلوماتنا في التأثير السريع الذي يتركه الدعاء في شفاء المرضىٰ لا يتجاوز احوال المرضىٰ الذين كانوا يعانون امراضاً مختلفة ، مثل : السل والسرطان الجذام و وقد شفوا بالدعاء.

اما كيفية ذلك فلا تخلتف كثيراً عن بعضها فالغالب يعانون من آلام حادة

________________

(1) Dr. Alexis Carrel

(2) Phsiologist

(3) Biologie

(4) Nobel

(5) Lourde ، مأخوذة من محل يحج إليه الزوار المسيح للزيارة والدعاء.

١٢٢

وعوارض مرضية ، يشفون منها بسرعة ، وما هي الّا دقائق او ساعات حتىٰ تلتئم الجروح وتغيب علامات المرض وتفتح شهية المريضة ، وفي بعض الاحيان تختفي الاختلالات العملية قبل الصدمات العضوية.

في حين انه ومن اجل تغير شكل العظام في مرض البوت(1) او العقد اللنفاوية المصابة بالسرطان وعودتها الىٰ حالتها الطبيعية ، يحتاج في الاغلب الىٰ يومين أو ثلاثة !

وهذا الشفاء الاعجازي ، يصاحبه سرعة عجيبة في التئام الاصابات العضوية ، ولا شك ان ميزان هذا الألتئام والشفاء اسرع واكثر من الحدّ الطبيعي.

ويقول الدكتور الكسيس كارل أيضاً في كتاب « الدعاء » :

لقد قدمت مؤسسة لورد الطبية خدمات كثيرة في المجالات العلمية ، حيث اثبتت حقيقة هذه العلاجات ، فللدعاء بعض الاحيان تأثيرات عجيبة ، لقد كان هناك العديد من المرضىٰ يعانون آلاماً لا تنقطع جرّاء الجذام أو السرطان وتعفن الكلىٰ والسل الرئوي او العظمي و ، لكنهم شفوا بعد ذلك.

اصدقائي الاعزاء!

تلاحظون كيف يعترف الدكتور الكسيس كارل في كتابيه ، وكيف تنفي

________________

1 ـ Patt

١٢٣

المشاهدات القطعية والوثائق التي تم جمعها في كلية لورد الطبية ، نظريات بعض الاطباء ، وهذا الاعتراف من شخصية علمية كبيرة مثل الدكتور الكسيس كارل جديرة بالاهتمام ، لان العالم المذكور ليس كبعض المتدينين يتكلم فيما سمعه فقط ، وانما هو شخصية علمية معروفة ، لكلامه قيمة عالية في جميع انحاء الغرب ، كما ان لكلامه قيمة علمية خاصة.

هذا الرجل وبتلك المكانة العلمية التي يمتلكها ، يعترف بصراحة بالمعجزات استناداً الىٰ وثائق قطعية !

ويعترف الدكتور الكسيس كارل في كتابيه المذكورين بصراحة ؛ بأن بعض الامراض مثل البوت او سرطان الغدد اللمفاوية مع فرض علاجها فأنه يصاحبها تغيير في شكل العظام ، او يحتاج ذلك الىٰ ايام من اجل التئام الجروح او تحسن بعض الصدمات العضوية ، في حين ان هذا النوع من الشفاء ، تلتئم فيه الجروح بثواني او ساعات قليلة علىٰ ابعد مدىٰ ، وتزول فيه الصدمات العضوية.

ومن اعجب واخطر الامراض التي ذكرها الدكتور كارل ، هو مرض السرطان ، الذي لا يزال العلم عاجز عن علاجه ، او اكتشاف دواء له ، للحد الذي مات فيه قبل سنة وزير خارجية امريكا ، دالاس بهذا المرض وهو في اكثر البلدان تطوراً في مجال الطب ، وهذا المرض الذي عجز العلم حتىٰ اليوم عن علاجه عدّة الدكتور كارل من جملة الامراض التي شفيت بالمعاجز والكرامات ؟!

١٢٤

وينقل الدكتور فرانك باخ(1) في كتابه « الدعاء اكبر قوة في الكون » مواضيع كثيرة ، تحت عنوان « الدعاء لأئمة العالم » او عناوين اخرىٰ ، وقد نقل الدكتور لاباخ بدوره قسم من تلك المواضيع عن صحيفة « يونايتد پرس » الامريكية المعروفة ، وقسم آخر منها عن شخصيات عديدة ، مثل : الجنرال كينك والجنرال مك آرثر ، والجنرال روي. اس. كايغر قائد القوة البحرية.

ولمزيد الاطلاع يمكن للسادة المحترمين الرجوع الىٰ كتابه المذكور وكذلك الىٰ الكراس الذي اعدّه البروفيسور ليونيان ، بعنوان « ما هي المعجزة ؟ ».

اذن فحدوث المعجزة او الامور غير العادية ، امر غير مرفوض حتىٰ في البلدان الغربية ، وقد اعترف بذلك كبار العلماء واهم المراكز الطبية بمنتهىٰ الصراحة ، وعلىٰ حدّ قول الدكتور الكسيس كارل : لقد خدمة مؤسسة لورد الطبية العلم كثيراً بأن اثبتت حقيقة مثل هذا الاستعلاج والشفاء.

ولادة عيسىٰعليه‌السلام بدون أب من منظار العلوم العصرية

الدكتور : كلامك مقنع جداً ، خاصة في استنادك الىٰ اقوال الدكتور كارل والدكتور فرانك لاباخ وبروفيسور ليونيان ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان كلام هؤلاء واعتراف مؤسسة لورد الطبية هو حول الامور الخارقة وغير الطبيعية

________________

(1) Dr. Frank Lawbach

١٢٥

الشائعة والتي تحدث عدة مرات في السنة الواحدة في اماكن التبرك والزيارة ، وليس كلامهم حول قضية اعجازية وغريبة يؤمن بها المسلمون ، وللأسف فان القرآن هو مصدرها ، في حين ان الايمان بمثل هذا الامر لا يمكن تفسيره علمياً بأي شكل !

هنا ينظر الحاضرون جميعاً! الىٰ الدكتور بتعجب ، فيما الشيخ ينصت له بإمعان ، لكي يعرف الموضوع الغريب الذي يعتبر القرآن مصدر الايمان به ، لكن الشيخ فقد صبره في النهاية وقطع كلام الدكتور قائلاً :

سعادة الدكتور ! ارجو ان تقول لنا بسرعة ما هو الموضوع الذي جعلك تعجب الىٰ هذا الحدّ !

الدكتور : الموضوع هو عقيد المسلمين ( مثل المسيح ) بعيسىٰ ، لان المسلمين أيضاً وتبعاً للقرآن الكريم يؤمنون ان عيسىٰ ولد بدون أب ! مع ان هذا الكلام مردود من منظار العلم.

الاصدقاء جميعهم : نظرية الدكتور صحيحة تماماً ونحن جميعاً نؤيدها ، لان ولادة طفل بدون أب من المواضيع التي لا تنسجم واية واحدة من الاُصول العلمية ، ولذلك تجد المسلمين لا يتحدثون بذلك إلّا حول عيسىٰ فقط.

الشيخ : اساساً ، هذا الموضوع الذي يراه السادة الاعزاء غريباً يتطابق والقواعد العلمية والاكتشافات العصرية ، ولكن من اجل توضيح المسألة التي ترونها عجيبة ومردودة ، أودُّ الاستماع الىٰ كلامي بدقّة.

الاصدقاء جميعاً : اطمئن يا عمّ ، كلنا آذان صاغية.

١٢٦

الشيخ : من اجل تشكيل الجنين في الرحم ، لا يكفي فقط وجود الأب ، كما يتصوّر اغلب الناس ، بل يحتاج أيضاً الىٰ الخلايا الحيّة الموجودة في بويضة المرأة ، فالحيمن الموجود في نطفة الرجل والذي يسمىٰ« اسبرما توزويد »(1) يلتقي ببويضة المرأة التي تسمىٰ « اوفل »(2) بعد عبوره من المهبل وعنق الرحم ، وفي الرحم أو في أنابيبه ( انبوبا فالوب ) يتمُّ لقاح البويضة ، ويتّحد معها الحيمن وينتج عن ذلك كائن جديد يتحول الىٰ جنين في الرحم.

اذن ، ليس فقط يشترك الرجل والمراة في التركيبة الاولية لجسم الطفل والتي تمسىٰ « النواة » ، بل ان حصة المرأة في تلك الخلية الاولية ( النواة ) وعلىٰ حدّ اعتراف الدكتور كارل وعلماء آخرين ، اكثر من الرجل ، لان البروتوبلاسم الذي يحيط بهذه النواة يأتي من المرأة ولا يشترك معها الرجل في ذلك !

خلاصة الكلام ، هو ان اهمية نطفة المراة في التشكيل الاولي لجسم الطفل بحدّ يمكن معه تهيئة المواد الموجودة في نطفة الرجل من الخارج وبذلك تنتفي الحاجة لنطفة الرجل في تكوين الجنين ، استناداً لشهادة العلوم والاكتشافات العصرية ، في حين ان الحاجة لنطفة المرأة اساسياً ولا يمكن استبدالها بغيرها.

يقول عالم الاحياء « الدكتور الكسيس كارل » :

عندما افكر في حصة كل من الاب والام في التكاثر ، عليَّ ان اتذكر

________________

(1) Spermatozoide

(2) Ovel

١٢٧

تجارب لوب(1) باتايون(2) حيث تمكنا من ايجاد ضفدعة من بويضة غير ملحقة ودون تدخل حيمن وذلك عن طريق تقنيات خاصة ، وبهذا الشكل يمكن استبدال الحيمن بعوامل كيميائية او فيزيائية ، في حين انه لا يمكن الاستغناء عن بويضة المرأة بأي حال(3) .

وبالاضافة الىٰ ذلك فنظرية « ولادة الباكر » مطروحة علمياً علىٰ المستوىٰ العالمي ، وهي حقيقة يذعن لها الطب.

ايها السادة !

تلاحظون كيف يعترف الدكتور كارل صراحة انه يمكن استبدال حيمن الرجل بعامل فيزيائي او كيميائي ، بل ان لوب وباتايون قد جربّوا هذه النظرية العلمية فيما يخص الضفدع ، وكانت النتيجة ايجابية.

ومع الاخذ بما ذكرناه اعلاه ، فهل من التعجب او الغريب ان يستطيع خالق الكون الذي منح القوة للانسان ودلّه علىٰ آلاف القوانين التي تسيّر الكون ان يخلق طفلاً ( عيسىٰ ) من امرأة ( مريم ) بدون أب ؟ في حين ان الانسان الذي هو مخلوق تلك القوة الجبارية يمكنه ان يوجد جنيناً من خلال ادخال عوامل فيزيائية او كيمياوية علىٰ بويضة المرأة ودون الحاجة الىٰ حيمن الرجل ، علىٰ الرغم من محدودية عقله وامكانياته ؟!

________________

(1) Loeb

(2) Bataillon

(3) الانسان ذلك المجهول.

١٢٨

واستناداً الىٰ تلك التجربة العلمية القطعية ، فهل من الصحيح القول : ان ايمان المسلمين في ولادة عيسىٰ ـ عليه وعلىٰ نبينا وآله السلام ـ بدون اب ، لا ينسجم والاصول والقواعد العلمية ؟!

١٢٩

ما تحدّث به علماء اوروبا حول نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله

الدكتور : لقد استفدنا كثيراً من المواضيع التي طرحتها ، ونحن مسرورون بلقائنا رجلاً عالماً مثلك ، لذا نطلب منك ان تتحدث عن الموضوع الثالث الذي وعدتنا به ، اي نفوذ نبي الاسلام في العصر الحاضر.

الشيخ : بعد شكري لشعوركم النبيل ، ابدأ كلامي في الموضوع الثالث الذي وعدتكم به.

اصدقائي !

أي شخص يمتلك اقل اطلاع عن مقولات كبار العلماء والمستشرقين أو انه رأىٰ كتاباتهم ، تتضح له هذه الحقيقة دون اي شك ، وهي : ليس هناك عالم منصف او شخص يمتلك اقل المعلومات حول نبي الاسلام ، إلّا وعظّمه واحترمه واجلّه ونظر اليه نظرة جديرة بشخصية عالمية عظيمة في تاريخ البشرية ، والحقيقية هي ان الاقلام غير المفرضة والصادقة عندما تريد الكتابة عن احوال افضل شخص في عالم الانسانية ، كتبت عن حياة رسول الاسلام المليئة بالفخر والاعتزاز.

ونستطيع القول : ما عدا مجموعة قليلة من اشباه العلماء الذين وظّفوا

١٣٠

علومهم للتقرب غير المشروع الىٰ اجهزة السلطات القوىٰ العظمىٰ الدنيئة ، وما عدىٰ اقلام السوء التي تتحرك للابقاء والمحافظة علىٰ سلطات البابا والقساوسة الذين نسوا الله وتاهوا في بحر الضلال ، وما عدىٰ اولئك الذين باعوا شرفهم وانسانيتهم مقابل حفنة من الدنانير والدراهم ، وبشكل عام ، ما عدىٰ اولئك الذين يعدّون عار تاريخ البشرية ، لا يوجد انسان حرّ وصاحب نظرة ثاقبة وسليمة او عالم مطلع في اي من الاديان والمذاهب ، إلّا ويحني رأسه امام عظمة رسول الاسلام الكريم ، وذكره بأفضل الكلمات والتعابير.

لا اتكلم عبثاً

ولكي يعلم اصدقائي ، ان كلامي ليس عبثاً وانما يستند الىٰ دليل ، ومن اجل ان يعرفوا ان نفوذ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله العلمي في القلوب الطاهرة لاكثر العلماء غير المسلمين ليست هي بأقل من نفوذه في قلوب اتباعه ، سأذكر لكم اقوال بعض اشهر علماء العالم حول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( للحد الذي يسمح به وقت سفرنا القصير ).

ولكن قبل ان ابدأ بنقل كلام اولئك العلماء ، اود ان الفت انتباه اصدقائي الاعزاء الىٰ اهمية الموضوع ، وهو انه ليس عجيباً لو قام شخص مسلم بمدح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والثناء عليه لانه علىٰ اي حال من اتباعه.

ولأن ذلك المسلم ومهما كان عالماً ، فانه ينظر اليه علىٰ انه رسول من قبل الله سبحانه وتعالىٰ ، وسيحكم علىٰ الرسول ، علىٰ اساس ايمانه هو بالنبوة.

١٣١

أمّا اذا امتدحه عالم غير مسلم وشخصية علمية كبيرة تعتنق ديانة وعقيدة اخرىٰ علىٰ الرغم من تعصبه الطبيعي الذي يحمله لمعتقده ، فذلك جدير بالاهتمام وله قيمته الخاصة ، لان ذلك الشخص ينظر بعين علمية مجردة الىٰ الرسول ويدرس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والديانة التي اتىٰ بها من الناحية القانونية ، وعلىٰ هذا الاساس يحق لنا ان نعجب اذا اعتبر احد علماء المسيحية ـ مثلاً ـ وهو الذي تَبعَ عيسىٰ المسيح ، ان رسول الاسلام شخصية كاملة وفذّة في تاريخ الانسانية وهو اكمل وافضل البشرية كمالاً وملكات اخلاقية وعلمية

وهنا ننقل لكم بعض ما قاله او كتبه العلماء غير المسلمين من الشرق الغرب ، حول نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله :

1 ـ ماذا يقول بك الخوري ؟!

بك الخوري احد كبار علماء المسيحية ، وفي احدىٰ التجمعات الرسمية التي اقيمت في دمشق. وضمن خطاب طويل ، قال :

هذا هو محمد ، اعظم عظماء الدنيا ، وسوف لن ترىٰ الدنيا مثيلاً له ، فدينه المقدس ، اكمل اديان العالم ، وشريعته المقدسة ، تحتوي علىٰ اربعة آلاف مسألة علمية واجتماعية وادبية وتشريعية(1) .

لقد دعىٰ رسول الاسلام الناس باسم الله المبارك الىٰ دينه ، والشريعة

________________

(1) الظاهر أن هذا العالم المسيحي لم يلحظ إلّا أربعة آلاف مسألة من المسائل الاسلامية وإلّا فأن هذا الرقم الصغير لا يكفي لبعض كتب الفقهاء لوحدهم.

١٣٢

المقدسة التي اتىٰ بها هذا الرجل الكامل للانسانية ، لابد ان يصدقها اي عالم ومشرّع منصف ، لان هذا الدين يخطوا الىٰ الامام الىٰ جانب العلم ، وهو مطابق لاسمىٰ نظام كامل للحقائق العلمية.

محمد اعظم العظماء السابقين واللاحقين علىٰ الارض

لقد استطاع بشكل جيد ان يجعل من العرب الذين كانوا يعيشون الفرقة والجاهلية ، امة واحدة وموحدّة ، واستطاع ان يفتح العالم آنذاك ، ولقد اتىٰ بأكبر دين يحتوي علىٰ جميع الحقوق والواجبات والاصول في التعامل بين الناس علىٰ اساس ارقىٰ واكمل الاحكام في العالم.

2 ـ رسالة الدكتور شمّيل التاريخية ؟!

الدكتور شبلي شمّيل ، أحد كبار مفكري وفلاسفة مصر في القرن الاخير ، وهو من قادة المذهب المادي ولم يكن يعتنق اية ديانة ، يقول في احدىٰ رسائله الىٰ السيد محمد رشيد رضا ، صاحب تفسير ومجلة ( المنار ) :

« يا غزالي العصر ، أيُّها السيد محمد رشيد رضا ، انت تنظر الىٰ محمد كرسول وتراه عظيماً وجليلاً ، ولكني انظر اليه كأحد البشر ، أراه اكبر ممّا تتصوّره أنت ، مع اننا نختلف عقائدياً ، لكننا نتّفق علىٰ اساس العقل والصدق في الكلام وقول الحق والانصاف والحياد ثم يسرد قصيدة طويلة في آخر رسالته في مدح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا نذكرها هنا اختصاراً للكلام.

١٣٣

3 ـ كلام الدكتور غوستاف لوبون

الدكتور غوستاف لوبون الفرنسي ، من اشهر علماء اوروبا ، ويحمل شهادة في الطب والاجتماعيات والطبيعيات ، وقد جمع الكثير في كتابه « حضارة الاسلام والعرب » من خلال الجهود الكثيرة التي بذلها والدراسات التي قام بها ومن خلال سفره وسياحته التي افنىٰ عمره من اجلها ، حول عظمة نبي الاسلام والمسلمين واحكام الاسلام وقوانيه.

لقد تجاوز الدكتور لوبون في هذا الكتاب العصبية الدينية ونشر الكثير من الحقائق في اوروبا لصالح المسلمين ، وقد نقلنا فيما سبق كلاماً عن هذا العالم ، كما سننقل عنه لاحقاً ان شاء الله كلاماً كثيراً ، كل في محله المناسب.

4 ـ اعترافات توماس كارلايل(1)

توماس كارلايل الانجليزي ، هو أحد علماء اوروبا الاجلاء ، يقول في كتابه المترجم الىٰ العربية تحت عنوان « الابطال » اُموراً كثيرة في عظمة نبي الاسلام وشريعته المقدسة وقرآنه المجيد.

وقد جاء في قسم من الكتاب :

عندما نتأمل في بلاغه القرآن ، بغض النظر عن ان هذا الكتاب المبارك هو

________________

(1) Carrlaele

١٣٤

وحي سماوي والهي ، نرىٰ انه ابلغ كتاب دوّن بالعربية من حيث اللفظ والعبارة ، ولا احد يتدبر في القرآن الذي جاء به نبي الاسلام ، الّا ورأىٰ انه قريب من حقائق جوهرية ظاهرة ومعلومة عنده ، بمعنىٰ ان القرآن يعود الىٰ اصل حقيقي ومرتبط بمبدأ عالي ومقدس.

وهذه القضية واضحة وهي ان كل كلام حقيقي وصحيح وصادق له نفوذ وسلطة خاصة في القلوب ، والحق هو ان جميع الكتب ، سماوية وغيرها تتصاغر امام القرآن الكريم وعظمته ، وهذا الكتاب الذي هو الكتاب السماوي لنبي الاسلام خال من كل عيب أو نقص ومن كل باطل.

5 ـ ليون تولستوي(1)

ليون تولستوي من كبار علماء روسيا ، يقول في كتابه « حكم محمد » :

« من أراد ان يطلع علىٰ سهولة وبساطة الدين الاسلامي ، عليه ان يقرأ القرآن بدقّة ، لان القرآن يحتوي علىٰ احكام وتعاليم وحقائق واضحة وبينة وسهلة وبسيطة ، حيث يمكن لكل واحد من البشر الاستفادة منه.

وفي هذا الكتاب المقدس ، هناك آيات شريفة لها دلالة تامّة علىٰ سمّو منزلة هذا الدين وطهارة روح هذا الذي نزل عليه المقدّسة ، أي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

________________

(1) Lion Tolstue

١٣٥

6 ـ المسيو سافاري

المسيو سافاري من المستشرقين الفرنسيين ، وقد ترجم القرآن الىٰ الفرنسية أيضاً ، وفي مقدمة ترجمته يتحدث كثيراً عن القرآن المقدس وعظمة الذي نزل علىٰ صدره ، أي نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي هذه المقدمة أيضاً ، هاجم بشدة القساوسة وعلماء النصارىٰ المغرضين الذين كانوا يسعون للنيل من الاسلام المقدس والقرآن الكريم.

7 ـ المسيو سديل(1)

المسيو سديل من كبار المؤرخين الفرنسيين ، يقول في تاريخ حياة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله حول الاسلام والقرآن الكريم :

« لم يترك القرآن شيئاً من الآداب والحكمْ لم يتطرق اليها ، وأساس هذا الكتاب المقدّس مبني علىٰ العدل والاحسان والحكمة ، وهو يهدي المجتمع البشري نحو الفضيلة والانسانية والكمال.

معارف الاسلام الوضاءة واحكام القرآن جعلت اعداءه يرغمون ويرضخون امامه ، ويكفي ان نقول في عظمة هذا الكتاب المقدس والنبي الذي جاء به ، انه جعل من عرب الصحراء المتوحشين الذين لم يكونوا يملكون أي امتياز ، بل كانوا غارقين في بحر الرذيلة ، اُناساً سعداء وبمستوىٰ هداة ومعلمي

________________

(1) Sidillat

١٣٦

البشرية ».

8 ـ غويته(1)

يقول الشاعر الالماني الشهير غويته :

«لقد ابعدنا قساوستنا الغافلون عن الله سنوات طويلة عن معرفة حقائق القرآن المقدس والذي جاء به ، لكننا ، كلما خطونا الىٰ الامام في طريق العلم والمعرفة ، ونفضنا عن انفسنا غبار العصبية الباطلة ، زاد تعجبنا بعظمة احكام الاسلام المقدسة الذي يعد القرآن المجموعة الكاملة لها.

وسيلتفت جميع العالم في القريب العاجل الىٰ عظمة هذا الكتاب ( القرآن ) الذي لا يوصف ، وسيكون له تأثير عميق في علوم العالم ومعارفة ، وبالنهاية سيكون محور العالم ».

9 ـ السيد بلر

السيد بلر من علماء اوروبا المعروفين ، تحدث كثيراً في كتابه حول نبي الاسلام وقوانينه النيّرة وقرآنه المجيد.

________________

(1) Guithe

١٣٧

10 ـ جون ديفنبورت(1)

جون ديفنبورت الانجليزي ، يقول في كتابه الذي اسماه « عذر التقصير الىٰ ساحة محمد والقرآن » :

« من المحيط الاطلسي وحتىٰ سواحل نهر كنغ لا يعد القرآن قانوناً فقهياً فحسب ، بل دستوراً يحتوي النهج القضائي والانظمة المدنية والجزائية ويحتوي ايضاً جميع القوانين التي تدبر جميع العمليات المالية للبشر.

وعقيدة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وايمانه خالية من الشوائب وسوء الظن والابهام والشكوك.

11 ـ اللورد بيدلي

يقول اللورد بيدلي في كتاب « نداء الاسلام في الغرب » :

« لمحمد طمأنينة ووقار وخصوصيات لا تحصىٰ وهو يعارض جميع الخرافات والاوهام والالحاد.

والقرآن هو دستور واساس الدين المقدس الذي جاء به محمد ، ويحتوي القرآن علىٰ جميع المسائل الاجتماعية والاحكام والقوانين الالهية ، من أجل سعادة البشر وراحتهم.

________________

(1) John Davenport

١٣٨

والبشر دائماً بحاجة الىٰ مرشد سواءً في الماضي او الحاضر ، لكي يصلوا الىٰ محل السعادة والحقيقة الابديتين. وقد ظهر هذا المرشد الكبير في شبه الجزيرة العربية ، وطرح للبشر كتاباً محكماً ، حيث كان يمتلك القدرة والجدارة في القيادة.

ونحن نطلب ان يوجد لنا الدين الالهي العدالة الاجتماعية والمساواة والحريّة التي لابد ان تسود بين جميع الاقوام.

والأناجيل الاربعة التي توجّه المسيحية ، لا يمكنها القيام بهذه المسؤولية ، لان من جملة حقوقنا الفردية والاجتماعية حق الحياة ، والحياة قصاص ، وهو ما سلبته منا الاناجيل الأربعة.

لكن القرآن المقدّس حارس وحافظ علىٰ اموال وارواح واعراض البشر ، وله احكام مؤكدة في استرداد الحقوق المغصوبة ».

12 ـ ماذا يقول اسير وليام موليس ؟

وهو من علماء بريطانيا ، يقول في كتاب « سيرة محمد » :

« قرآن محمد كتاب مليء بالدلائل الواضحة والمنطقية والعديد من المسائل العلمية والاحكام القضائية والقانونية والأوامر المؤكّدة من أجل الحفاظ علىٰ الحياة الاجتماعية والمدنية ، وقد جاءت في هذا الكتاب المقدس بعبارات بسيطة وفي نفس الوقت محكمة ومنظمة ، حيث تجذب القارئ اليها ».

١٣٩

13 ـ اعتراف غريب لفولتير(1)

المفكر الفرنسي المعروف فولتير ، يقول حول مارتين لوثر(2) :

ان لوثر ليس جديراً بان يحلّ خيط حذاء محمد.

14 ـ كلام من برناردشو(3)

يقول الفيلسوف الانجليزي المعروف ، برناردشو : « محمد اعظم الانبياء ، ولو كان يحكم دنيا اليوم لحلّ جميع العقد والمشاكل التي تعاني منها البشرية واحدة بعد اُخرىٰ بحكمته ودرايته ». ويضيف :

« أي انّ دين محمد هو الدين الوحيد الذي يتناسب وجميع ادوار الحياة البشرية ، وبأستطاعته ان يجذب إليه جميع الاجيال. لكني اتصوّر ان اوروبا في المستقبل ، ستقبل علىٰ دين محمد وآثار ذلك ظاهرة اليوم ، يجب ان نعتبر محمد منقذّ البشرية ».

________________

(1) Valtaire

(2) Martin Lather ، أحد قادة الاصلاح الديني المسيحي في القرن السادس عشر في أوروبا ( المانيا ) وكان هو شخصياً من الروحانيين المسيحيين الاحرار المثقفين ، اعترض على فساد الكنيسة الكاثوليكية وترجم الانجيل إلى الالمانية وأوجد مذهباً جديداً في المسيحية ( البروتستانية ). ( المترجم )

(3) Birnard Show

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

غير أنّ كون الاخوة حافظين غير كونه سبحانه حافظاً، ولأجل دفع وصمة الشركة قال يعقوب في جواب قول ابنائه:( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) قال:( فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) فلولا عناية الواجب بالممكن واستمداده منه لما يكون لحفظهم وزن ولا قيمة ولا حول ولا قوّة.

٢٤١
٢٤٢

حرف الذال

التاسع والأربعون: « ذو انتقام »

وقد جاء « ذو انتقام » في الذكر الحكيم أربع مرّات ووقع الكلّ وصفاً له سبحانه قال:( وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) ( المائدة / ٩٥ )، وقال سبحانه:( لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) ( آل عمران / ٤ ). وقال سبحانه:( فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) ( ابراهيم / ٤٧ ). وقال سبحانه:( وَمَن يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ ) ( الزمر / ٣٧ ).

وأمّا معناه فقد ذكر له أصل واحد وهو انكار الشيء وعيبه ويقال: نقمت عليه انقم، أنكرت عليه فعله، والنقمة من العذاب والانتقام كأنّه أنكر عليه فعاقب(١) .

وقال الراغب: نقمت الشيء إذا أنكرته أمّا باللسان وأمّا بالعقوبة وقد استعمل في معنى الانكار في عدّة من الآيات، قال سبحانه:( وَمَا نَقَمُوا إلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) ( التوبه / ٧٤ ).

وقال سبحانه:( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الحَمِيدِ ) ( البروج / ٨ ).

وقال سبحانه:( وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إلّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا ) ( الأعراف / ١٢٦ ).

__________________

(١) مقاييس اللغة: ج ٥ ص ٤٦٤.

٢٤٣

وقال سبحانه:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إلّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ ) ( المائدة / ٥٩ ). فإذا كان هو الأصل فكيف استعمل في معنى آخر وهو أخذ الثأر من الخصم والمعاقبة بالمثل ؟ فقد استظهره صاحب المقاييس بقوله: كأنّه أنكر عليه فعاقبه، يريد أنّ المعاقبة لـمّا كانت مسببة عن الانكار فاطلق اسم السبب على المسبب.

ثمّ إنّ الانتقام يستعمل في مورد التشفّي فيما أنّ اساءة المسيئ تدخل ضرراً في الجانب الاخر فيتدارك ذلك بالمجازاة الشديدة التي تورث التشفّي لقلبه، ولكن ذلك من لوازم المعنى في مورد الإنسان وليس جزء لمعناه، فالانتقام هو مجازاة المسيئ على إساءته فلاموجب لتجريده عن التشفّي عند ما يطلق على الله سبحانه، وعلى فرض كونه جزء لمعناه فبما أنّه سبحانه أعزّ من أن ينتفع أو يتضرّر بشيء من أعمال عباده، فيطلق عليه مجرداً عنه كما هو سائر الأسماء التي تلازم شيئاً لايصح توصيفه سبحانه به، كيف وما يصدر منه من المجازاة هو الوعد الحق وقدوعد عباده بأنّه يجزيهم إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرٌ، قال سبحانه:( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى ) ( النجم / ٣١ ).

وممّا يؤيّد ذلك بأنّه سبحانه ضم إليه أنّه العزيز فقال:( عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) وهو يشير إلى أنّه منيع الجانب من أن تنتهك محارمه أو يصيب به ضرر.

قال الرازي: ولا يسمّى التعذيب بالانتقام إلّا بشرائط ثلاثة :

الأوّل: أن تبلغ الكراهة(١) إلى حد السخط الشديد.

الثاني: أن تحصل تلك العقوبة بعد مدّة.

الثالث: أن يقتضي ذلك التعذيب نوعاً من التشفّي، وهذا القيد لا يحصل إلّا في حقّ الخلق، وأمّا في حقّ الخالق فهو محال.

ويدل على القيد الأوّل قوله سبحانه في حقّ فرعون:( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا

__________________

(١) وفي النسخة « الكرامة » وهو تصحيف.

٢٤٤

مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ) ( الزخرف / ٥٥ ). فرتّب الانتقام على الاسف معرباً عن وجود صلة بينه وبين الانتقام.

ويدل على القيد الثاني قوله سبحانه:( وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) ( المائدة / ٩٥ ). حيث سمّى الله تعالى تكرار إيجاب الكفّارة ( إذا عاد المحرم إلى الصيد ثانياً )، انتقاماً.

وعلى كلّ تقدير فالانتقام في مقابل المعاجلة بالعقوبة، والأوّل أشدّ من الثاني لأنّ المذنب إذا عوجل بالعقوبة لم يتمكن في المعصية فلم يستوجب غاية النكال بخلاف ما إذا أمهل فيتمكن في التجرّي والتمرّد فيستحقّ الأخذ بالعقاب الأشد.

وأمّا حظ العبد من هذا الوصف فله أن يقع مظهراً لهذا الاسم عند الانتقام من الأعداء فأعدى عدوّه هي النفس التي بين جنبيه، وأمّا العدوّ الخارجي فيتبع قوله سبحانه:( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ( الفتح / ٢٩ ).

وللعلّامة الطباطبائي (ره) كلام حول نسبة الانتقام إليه تعالى قال: « الانتقام هو العقوبة لكن لا كل عقوبة بل عقوبة خاصّة وهي أن تذيق غيرك من الشرّ ما يعادل ما أذاقك منه أو تزيد عليه.

قال تعالى:( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ ) ( البقرة / ١٩٤ ). وهو أصل حيوي معمول به، وربّما يشاهد من بعض الحيوانات أيضاً أعمال تشبه أن تكون منها. وعلى أي حال كان يختلف الغرض الذي يبعث الإنسان إليه، فالداعي إليه في الانتقام الفردي هو التشفّي غالباً، فإذا سلب الواحد من الإنسان غيره شيئاً من الخير، أو أذاقه شيئاً من الشر، وجد الإنسان في نفسه من الأسى والأسف ما لا تخمد ناره، إلّا بأن يذيقه من الشر ما يعادل ما ذاق منه أو يزيد عليه، فالعامل الذي يدعو إليه هو الإحساس الباطني، وأمّا العقل فربّما أجازه وربّما استنكف.

وأمّا الانتقام الاجتماعي ونعني به القصاصات وأنواع المؤاخذات التي نعثر

٢٤٥

عليها في السنن والقوانين الرائجة في المجتمعات، فالغرض الداعي إليه هو حفظ النظام عن الهرج والمرج وهذا النوع من الانتقام يعدّ حقّا من حقوق المجتمع، وإن كان ربّما استصحب حقاً فردياً، كمن ظلم غيره بما فيه مؤاخذة قانونية.

وما ينسب إليه تعالى في الكتاب والسنّة من الانتقام هو ما كان حقاً من حقوق الدين الالهي والشريعة السماوية، وإن شئت قلت من حقوق المجتمع الاسلامي وإن كان ربّما استصحب الحق الفردي في ما إذا انتصف سبحانه للمظلوم من ظالمه فهو الولي الحميد.

وأمّا الانتقام الفردي لغاية التشفّي فساحته أعزّ من أن يتضرّر باجرام المجرمين ومعصية المسيئين أو ينتفع بطاعة المحسنين.

وبذلك يظهر سقوط ما ربّما يقال: إذا كان الانتقام لغاية التشفّي فلا وجه لنسبة الانتقام إليه « وجه السقوط »، إنّ الساقط هو الانتقام الفردي لا الاجتماعي(١) .

يلاحظ عليه: إنّ ما ذكره يصحّ في مورد القصاص والحدود والكفّارات التي يحكم بها على المجرم في الدنيا لغاية حفظ النظام عن الاختلال، ولولاها اختلّ الأمن العام، وأمّا العقوبات الاُخروية فلا يمكن تفسيرها من تلك الجهة إذ لا مجتمع فيها حتى يكون له حقّ كما أنّه ليست هناك مظنّة كون الاُمور فوضى حتّى تستتبع ذلك فالاُولى ما ذكرنا من أنّ نسبة هذه الصفات إلى الله سبحانه من باب المشابهة والمشاكلة، ولا يتّصف به المولى سبحانه إلّا بتجريده عن الملابسات الماديّة.

وأمّا القول بأنّ رحمته الواسعة تأبى عن تعذيب المجرم بعذاب خالد غير متناه فقد اجبنا عنه عند البحث عن المعاد في القرآن الكريم.

__________________

(١) الميزان: ج ١٢ ص ٨٧ ـ ٨٨.

٢٤٦

الخمسون: « ذو الجلال والإكرام »

وقد جاء هذا الاسم في القرآن الكريم مرّتين قال:( وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) ( الرحمن / ٢٧ ).

وقال سبحانه:( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) ( الرحمن / ٧٨ ).

هذا، وأمّا معنى الجلال فهو من جلّ الشيء إذا عظم وجلال الله عظمته، والجلل: الأمر العظيم(١) ، وأمّا الاكرام فقد مرّ تحقيق معناه عند البحث عن اسمه « الاكرام » فلاحظ، وقد قلنا إنّ معناه هو الشرف في الشيء لا في خلق من الأخلاق.

وعلى ضوء ذلك فقوله: « ذو الجلال » يناسب الصفات السلبيّة لأنّه سبحانه أجلّ وأعظم من أن يكون جسماً أو جسمانيّاً أو حالاًّ في محلّ، كما أنّ قوله ذي الاكرام يناسب الصفات الثبوتيّة لأنّ العلم والقدرة والحياة شرف للموجود بما هو هو.

نعم هنا نكتة لابد من بيانها وهو أنّ اسم الاشارة في الآية الاُولى جاء مرفوعاً وفي الآية الثانية جاء مجروراً، فهي في الآية الاُولى وصف لقوله « وجه ربك » وفي الآية الثانية وصف لنفس الرب، وهذا يعرب عن أنّ الوجه في الآية الاُولى بمعنى الذات لا الوجه بمعنى العضو المعروف، وإلّا فلو كان المراد من الوجه هو العضو فلا معنى لتوصيفه بصاحب الجلال والإكرام لأنّه من صفات ذاته سبحانه لا من صفات وجهه، ولأجل ذلك جيئ به مجرورًا في الآية الثانية لأنّه هناك وصف للرب لا للاسم، وباختصار إنّ الآية الثانية ترفع الإبهام عن الآية الاُولى ويثبت أنّ الوجه فيها بمعنى الذات.

__________________

(١) مقاييس اللغة: ج ١ ص ٤١٧.

٢٤٧

الواحد والخمسون: « ذو الرحمة »

وقد ورد في الذكر الحكيم اسماً له سبحانه مرّتين وقال:( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ) ( الكهف / ٥٨ ).

وقال:( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ) ( الأنعام / ١٣٣ ). وقال سبحانه:( فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ) ( الأنعام / ١٤٧ ). وقد مضى معنى الرحمة عند البحث عن اسمه « أرحم الراحمين ».

الثاني والخمسون: « ذو الطول »

لقد جاء الطول ـ بضم الفاء وفتحها ـ في الذكر الحكيم ثلاث مرّات ووقع وصفاً لله سبحانه باضافة « ذي » إليه، قال سبحانه:( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ ) ( غافر / ٣ ).

وقال سبحانه:( وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ ) ( التوبة / ٨٦ ).

وقال سبحانه:( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ) ( النساء / ٢٥ ).

« الطول » ـ بضم الفاء ـ ضد القصر يستعمل في الأعيان والأعراض والزمان قال سبحانه :

( فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) ( الحديد / ١٦ ).

وقال سبحانه:( إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً ) ( المزمّل / ٧ ).

وأمّا « الطول » ـ بفتح الفاء ـ: فقد فسّر بالفضل والمنّ، قال ابن فارس :

٢٤٨

الطول له أصل صحيح يدل على فضل وامتداد في الشيء(١) وهو بصدد ارجاع المعنيين إلى معنى واحد مع أنّ الجامع بينهما بعيد.

قال الراغب: والطول خص به الفضل والمنّ قال: « شديد العقاب ذي الطول »، وقال الطبرسي في تفسير ذي الطول: « أي ذي النعم، وقيل: ذي الغنى والسعة، وقيل: ذي التفضّل على المؤمنين، وقيل: ذي القدرة والسعة »، ثمّ هو ذكر في شرح لغات الآية: « إنّ المراد من الطول: الأنعام التي تطول مدّته على صاحبه كما أنّ التفضل النفع الذي فيه افضال على صاحبه »(٢) ، والكلّ محتمل.

ولكن الظاهر أنّ المراد من الطول: الفضل والأنعام بشهادة قوله:( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ ) فبما أنّ لعدم الاستطاعة أسباباً وعللاً أتى بكلمة طولاً تمييزاً لعدم الاستطاعة معلناً بأنّ المراد عدم الاستطاعة من حيث القدرة المالية التي تصرف في المهر والنفقة ومثله قوله سبحانه:( اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ ) أي أصحاب الثروة والمكنة، فالاية مشتملة على أسماء أربعة :

١ ـ غافر الذنب. ٢ ـ قابل التوب. ٣ ـ شديد العقاب. ٤ ـ ذو الطول.

وسيوافيك توضيح كلّ واحد في محله.

الثالث والخمسون: « ذو العرش »

وقد جاء لفظ « العرش » في الذكر الحكيم ٢٢ مرّة وورد اسماً له سبحانه في مورد واحد بإضافة لفظ « ذي » قال:( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ *ذُو الْعَرْشِ المَجِيدُ ) ( البروج / ١٤ و ١٥ ).

وسيوافيك تفسيره عند البحث عن « الصفات الخبرية » لله عزّ وجلّ(٣) .

__________________

(١) مقاييس اللغة: ج ٣ ص ٦٣٣.

(٢) مجمع البيان: ج ٤ ص ٥١٣.

(٣) عند تفسير قوله سبحانه:( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) .

٢٤٩

الرابع والخمسون: « ذو عقاب »

وقد ورد في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له كما في قوله سبحانه:( إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ) ( فصّلت / ٤٣ ).

قال ابن فارس: العقب له أصلان أحدهما يدل على تأخير شيء وإتيانه بعد غيره، والأصل الآخر يدلّ على ارتفاع وشدّة وصعوبة وإنّما سمّيت العقوبة عقوبة لأنّها تكون آخراً وثاني الذنب.

وقال الراغب: العقب مؤخّر الرجل واستعير العقب للولد وولد الولد، والعقوبة المعاقبة والعقاب يختص بالعذاب، قال:( فَحَقَّ عِقَابِ ) ،( شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ،( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ) .

أقول: وإنّما سمّي العقاب عقاباً لأنّه يتأخّر عن الجرم وهو يستلزمه.

الخامس والخمسون: « ذو الفضل »

وقد ورد « ذو الفضل » معرّفاً ومنكراً في الذكر الحكيم ١١ مرّة ووقع وصفاً له سبحانه.

قال:( إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ) ( البقرة / ٢٤٣ ).

وقال سبحانه:( وَلَٰكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ( البقرة / ٢٥١ ).

وقال سبحانه:( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ( آل عمران / ٧٤ ).

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / ١٥٢ ).

٢٥٠

وقال سبحانه:( وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ( الأنفال / ٢٩ )(١) .

ترى أنّه سبحانه يعرّف نفسه بكونه ذا الفضل العظيم على المؤمنين وفي الوقت نفسه على الناس أجمعين بل على العالمين كلّهم.

قال ابن فارس: الفضل له أصل صحيح يدلّ على زيادة في شيء من ذلك الفضل الزيادة والخير، والإفضال: الاحسان.

قال الراغب: كلّ عطيّة لا تلزم من يعطي يقال لها فضل نحو قوله:( وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ ) ـ( ذَٰلِكَ فَضْلُ اللهِ ) ـ( ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .

وعلى ذلك فالعطايا والمواهب السنيّة وكلّ ما يسمّى كرماً فهو فضل، فالله سبحانه يتفضّل ـ وراء ما أسماه أجراً ـ بعظائم الفضل.

وأمّا حظّ العبد من هذا الوصف فيمكن أن يقع مظهراً لهذا الاسم في عطاياه النافلة بأن يقوم بعون المستنجد بنحل فضل ما له وإن لم يكن واجباً كما إذا أدّى الفرائض الماليّة.

السادس والخمسون: « ذو القوّة »

وقد ورد في الذكر الحكيم في مورد واحد قال سبحانه:( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ ) ( الذاريات / ٥٨ ). ويظهر معناه عند البحث عن اسمه سبحانه: « القوي ».

__________________

(١) راجع سورة يونس / ٦٠، النمل / ٧٣، غافر / ٦١.

٢٥١

السابع والخمسون: « ذو المعارج »

وقد ورد في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع اسماً له.

قال سبحانه:( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ *لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ *مِّنَ اللهِ ذِي المَعَارِجِ *تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) ( المعارج / ١ ـ ٤ ).

أمّا عرج فقد ذكر ابن فارس له اُصولاً ثلاثة وهي: الميل، والعدد، والسموّ والارتقاء.

ثم قال: العروج: الارتقاء، يقال عرج يعرج عروجا ومعرجا، والمعرج: المصعد، قال الله تعالى:( تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) .

وعلى ذلك فالمعارج مواضع العروج وهو الصعود مرتبة، بعد مرتبة ومنه الأعرج لارتفاع إحدى رجليه عن الاُخرى، وأمّا المراد من هذه الدرجات فهي عبارة عن المقامات المترتبة علوّاً وشرفاً التي تعرج فيها الملائكة والروح بحسب قربهم من الله وهو من الاُمور الغيبيّة التي يجب الايمان بها وربّما يفسّر بأنّ المراد مقامات القرب التي يعرج إليها المؤمنون بالايمان والعمل الصالح، قال تعالى:( هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) ( آل عمران / ١٦٣ ). وقال:( لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) ( الانفال / ٤ ).

وقال:( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ) ( المؤمن / ١٥ ).

والوجهان متقاربان غير أنّ الأوّل يخصّ الدرجات بالملائكة والثاني بالمؤمنين، وقوله سبحانه تعرج الملائكة والروح إليه يؤيّد الوجه الأوّل.

٢٥٢

الثامن والخمسون: « ذو مغفرة »

وقد ورد في الذكر الحكيم مرّتين ووقع وصفاً له سبحانه، قال سبحانه:( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الرعد / ٦ ).

وقال سبحانه:( مَا يُقَالُ لَكَ إلّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ) ( فصّلت / ٤٣ ).

و « الغفر » في اللغة بمعنى الستر، قال ابن فارس: عظم بابه الستر، فالغفر والغفران والغفر بمعنى يقال غفر الله ذنبه ويقال للمغفر لأنّه يستر الرأس وستر الذنوب كناية عن الغضّ عنه وعدم المعاقبة عليه والمعاملة مع المجرم كالبريء، وسيوافيك مزيد من التوضيح في تفسير اسم « غافر الذنب ».

٢٥٣
٢٥٤

حرف الراء

التاسع والخمسون: « ربّ العرش »

وقد ورد لفظ العرش في الذكر الحكيم ٢٢ مّرة واُضيف إليه الرب ٦ مرّات قال سبحانه :

( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ( التوبة / ١٢٩ ). وقال تعالى:( فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الأنبياء / ٢٢ ). وقال سبحانه:( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ( المؤمنون / ٨٦ ). وقال عزّ من قائل:( فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) ( المؤمنون / ١١٦ ).

وقال تعالى:( اللهُ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ( النمل / ٢٦ ). وقال تعالى:( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الزخرف / ٨٢ ).

ثمّ إنّ الذكر الحكيم يبيّن خصوصيات عرش الرب بتوصيفه بالعظيم تارة وبأنّه له حملة ثمانية اُخرى، يقول تعالى:( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) ( الحاقّة / ١٧ ).

وبأنّه تحُفُّه الملائكة ثالثة، يقول تعالى( وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) ( الزمر / ٧٥ ).

وقد بلغ العرش في العظمة مكاناً بحيث إنّ الله تعالى يعرّف نفسه به ويقول تعالى:( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ *ذُو الْعَرْشِ المَجِيدُ ) ( البروج / ١٤ و ١٥ )، ويقول تعالى:( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ) ( غافر / ١٥ ).

٢٥٥

هذا هو العرش وهذه هي خصوصياته في القرآن المجيد، إنّما الكلام فيما يراد منه في هذه الآيات.

أقول: إنّ « العرش » لغة هو سرير الملك ولا تحتاج إلى ذكر نصوص أهل اللّغة.

قال سبحانه:( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ) ( يوسف / ١٠٠ ).

وقال سبحانه في ملكة سبأ:( وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) ( النمل / ٢٣ ).

وقال سبحانه:( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ) ( النمل / ٣٨ ).

( قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ ) ( النمل / ٤١ ).

وبما أنّ الأصل في العرش هو الارتفاع.

قال سبحانه:( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ ) ( الانعام / ١٤١ ).

وربّما يطلق على البناء المرتفع.

قال ابن فارس: العريش: بناء من قضبان يرفع ويؤلّف حتى يظلل، وقيل للنبي٦ يوم بدر: ألا نبني لك عريشاً. وكل بناء يستظل به عرش وعريش، ويقال لسقف البيت عرش.

قال تعالى:( فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ) ( الحج / ٤٥ ) والمعنى أنّ السقف يسقط ثمّ يتهافت على الجدران ساقطة، ومن هذا الباب العريش وهو شبه الهودج يتخذ للمرأة تقعد فيه على بعيرها.

٢٥٦

هذا ما يرجع إلى معناه اللغوي وما يستعمل فيه، لكن الكلام فيما هو المقصود من هذا اللفظ فنقول: ها هنا أقوال نأتي بها :

١ ـ إنّ لله سبحانه عرشاً كعروش الملوك يستقر عليه ويدبّر العالم منه، وهذا هو الذي تصرّ عليه المجسّمة والمشبّهة من الحنابلة، وأمّا الأشاعرة الذين يتظاهرون بالتنزيه لفظاً لا معنى يقولون بهذا المعنى ولكنّهم يضيفون إليه « بلا تكييف » أي أن له سريراً واستقراراً لا كسرير الملوك واستقرارهم والكيفية مجهولة.

وهناك قصّة تاريخية نقلها السيّاح المعروف ب‍ « ابن بطوطة » لـمّا زار الشام وشاهد أنّ « ابن تيميّة » صعد المنبر وهو يعظ الناس ويقول :

وكان بدمشق من كبار الفقهاء « تقي بن تيميّة كبير الشام يتكلّم إلّا أنّ في عقله شيئاً فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه: إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته(١) .

وهذا المعنى مردود مرفوض عند أهل التنزيه لأنّه تفسير للعرش تفسيراً حرفياً وغير جائز بداهة في تفسير الكلام العادي فضلاً عن كلام البلغاء، فإنّ المتّبع في تفسير الكلام هو المعنى الجملي التصديقي لا المعنى الافرادي التصوّري، فإذا قال الرجل: إن فلاناً مبسوط اليد أو كثير الرماد، فليس لنا تفسيره ببسط العضو المعروف بحجّة أنّ اليد لفظ موضوع للجارحة، أو حمل كثرة الرماد على معناه الحرفي الملازم لكون بيته غير نظيف بحيث يشمئزّ الإنسان من الدخول إليه، بل يجب تفسير الأوّل بالسخاء، والثاني بكثرة الطبخ الملازم لكثرة الضيافة التي هي رمزٌ للكرم والسخاء.

وعلى ضوء هذا يجب إمعان النظر في مجموع الآيات الواردة حول العرش

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة: ص ٩٥ طبع بيروت.

٢٥٧

حتّى يتبيّن أنّ المراد هل هو المعنى التصوّري ( السرير )، أو هو المعنى التصديقي المختلف حسب المقامات.

فإنّ العرش يطلق ويراد غالباً الملك أعني السلطة والحكم على الناس.

قال الشاعر :

تداركتم الأحلاف قد ثلّ عرشها

وذبيان إذ ذلّت باقدامها النعل(١)

إنّ المراد من العرش هو نظام الحياة والمراد من ثلّه إزالته، ولأجل ذلك يقال ثلّ عرشه فيما إذا انقلب الدهر عليه وسائت أحواله، هذا وسيوافيك مزيد توضيح لهذا المعنى عند البحث عن المحتمل الثالث.

٢ ـ العرش: هو الفلك التاسع أو فلك الافلاك في الهيئة البطلميوسيّة فقد كان بطلميوس يفسّر العالم في الكرات الأربعة ( الماء والتراب والنار والهواء ) ثمّ الأفلاك التسعة وكل فلك يحمل سيارة إلى الفلك السابع، والثوابت في الفلك الثامن ثمّ الفلك التاسع وهو أطلس لا نجم فيه، ويوصف بمحدّد الجهات وليس بعده خلأ ولا ملأ وهو العرش عند بعضهم، ونقل العلّامة المجلسي عن المحقّق الداماد في بعض تعليقاته أنّه قال: العرش: هو فلك الأفلاك(٢) .

وهذا القول لا يحتاج إلى النقد بعد وضوح بطلان أصل النظريّة حيث هدّم العلم الحديث أركان هذه النظرية وأصبحت من مخلّفات الدهر.

٣ ـ إنّ العرش والاستيلاء عليه كناية عن إحاطته بعالم الوجود وصحيفة الكون تشبيهاً للمعقول بالمحسوس، فإنّ الملوك إذا جلسوا على عروشهم واستقرّوا عليها وحولهم وزراءهم وعمّالهم، أخذوا بتدبير اُمور البلد بإصدار الأوامر والنواهي وبالإرشادات والتوجيهات المناسبة، فشبّه استيلاءه سبحانه على عالم الكون

__________________

(١) الشعر لزهير، ولاحظ: مقاييس اللغة ج ٤ ص ٢٦٥.

(٢) بحار الانوار: ج ٥٨، ص ٥.

٢٥٨

وصحيفة الوجود وتدبيره من دون أن يطرأ عليه نصب ولاتعب بإستيلاء الملوك على عروشهم على النحو الذي وصفناه.

وعلى هذا المعنى ليس للعرش واقعيّة سوى المعنى الكنائي وهو السلطة على العالم والإستيلاء على الوجود كلّه، فتكون النتيجة أنّ للاستيلاء حقيقة تكوينيّة دون العرش.

ويمكن تأييد ذلك بأنّ العرش ربّما يطلق على الملك والسلطة وإن لم يكن هناك سرير كسرير الملوك. قال الشاعر :

إذا ما بنو مروان ثلّت عروشهم

وأودت عمّا أودت أياد وحمير

قال الجوهري: ثلّ الله عرشهم أي هدم ملكهم، ويقال للقوم إذا ذهب عزّهم قد ثلّ عرشهم.

وقال آخر :

أظننت عرشك لا يزول ولا يغيّر

وقال آخر :

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

وهذا المعنى متحقق بمجرد تحقّق السلطة وإن لم يكن هناك سرير وراءه.

وعلى الجملة: فهذه النظرية تبتني على كون العرش أمراً اعتبارياً والاستيلاء أمراً حقيقياً.

يلاحظ عليه: إنّ هذا المعنى وإن كان أقرب من سابقيه إلى الفهم القرآني ولكنّه يجب أن يكون للعرش حقيقة كالاستيلاء وذلك لاُمور :

أ ـ لو كان العرش أمراً اعتبارياً فلماذا وصفه بكونه عظيماً وقال سبحانه:( وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ( المؤمنون / ٨٦ ).

٢٥٩

بناءً على أنّ العظيم وصفاً للعرش دون الربّ والظاهر أنّ توصيفه بالعظيم توصيف أمر واقعي بأمر واقعي لا توصيف أمر اعتباري بمثله.

ب ـ إنّه سبحانه يذكر للعرش حملة ويقول:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) ( غافر / ٧ ).

ج ـ إنّه سبحانه يذكر حملة العرش يوم القيامة وإنّهم ثمانية ويقول سبحانه:( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) ( الحاقة / ١٧ ).

والظاهر أنّ مرجع ذلك القول إلى الرابع الذي نذكره، أو هما قول واحد.

٤ ـ إنّ للعرش حقيقة تكوينية كما أنّ للاستيلاء حقيقة كذلك، غير أنه ليس شيئاً خاصاً سوى مجموع الكون وصحيفة الوجود فهو عرشه سبحانه، فالعالم بمجرّده وماديّه وظاهره وباطنه عرشه، وعليها تدبيره، ويكون عطف « ربّ العرش العظيم » على قوله « ربّ السموات السبع » من باب عطف العام على الخاص، فالله سبحانه مستول على ما خلق استيلاءً حقيقيّاً ولا يحتاج في إدارة الكون وتدبيره إلى غيره، فلو كان هناك نظام الأسباب والمسبّبات والعلل والمعلولات فهو من جنوده في عالم الكون، وقال سبحانه:( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلّا هُوَ ) ( المدثر / ٣١ ). وقال سبحانه :

( وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) ( الفتح / ٤ )، وكذلك الآية ٧ من نفس السورة مع اختلاف يسير في آخرها حيث قام « عزيزاً » مقام « عليماً ».

وقد اختار هذا المعنى شيخنا الصدوق في عقائده حيث قال: « اعتقادنا في العرش أنّه جملة جميع الخلق ـ إلى أن قال ـ العرش الذي هو جملة جميع الخلق حملته ثمانية من الملائكة »(١) .

__________________

(١) عقائد الصدوق: ص ٧٤، الطبعة الحجرية.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538