مفاهيم القرآن الجزء ٦

مفاهيم القرآن11%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-222-6
الصفحات: 538

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 538 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237436 / تحميل: 6101
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٢-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المقصد السادس

في البجليين والخثعميين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي (1)

كان زهير رجلا شريفا في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعا ، له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة. وكان أولا عثمانيّا ، فحجّ سنة ستين في أهله. ثمّ عاد فوافق الحسينعليه‌السلام في الطريق ، فهداه الله ، وانتقل علويّا.

روى أبو مخنف عن بعض الفزاريين قال : كنّا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكّة نساير الحسينعليه‌السلام فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ، فإذا سار الحسينعليه‌السلام تخلّف زهير ، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير ، حتّى نزلنا يوما في منزل لم نجد بدّا من أن ننازله فيه ، فنزل الحسين في جانب ، ونزلنا في جانب ، فبينا نحن نتغذّى من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسين فسلّم ودخل ، فقال : يا زهير بن القين إنّ أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده حتّى

__________________

(1) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 983.

١٦١

كأنّ على رءوسنا الطير(1) .

قال أبو مخنف : فحدّثتني دلهم بنت عمرو ، امرأة زهير قالت : فقلت له : أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه! سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت ، قالت : فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه ؛ فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه ، فقوّض وحمل إلى الحسينعليه‌السلام ، ثمّ قال لي : أنت طالق ، الحقي بأهلك ، فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خير ، ثمّ قال لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فإنّه آخر العهد ، إنّي سأحدّثكم حديثا ، غزونا بلنجر ؛ ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان : أفرحتم بما فتح الله عليكم ، وأصبتم من المغانم؟ فقلنا : نعم. فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه بما أصبتم من المغانم ، فأمّا أنا فإنّي أستودعكم الله ، قال : ثمّ والله ما زال أوّل القوم حتّى قتل معه(2) .

وقال أبو مخنف : لمّا عارض الحر بن يزيد الحسينعليه‌السلام في الطريق وأراد أن ينزله حيث يريد فأبى الحسين عليه ، ثمّ إنّه سايره ، فلمّا بلغ ذا حسم خطب أصحابه خطبته التي يقول فيها : « أمّا بعد ، فإنّه نزل بنا من الأمر ما قد ترون » إلخ ، فقام زهير وقال لأصحابه : أتتكلّمون أم أتكلّم؟ قالوا : بل تكلّم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ، والله لو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنّا فيها مخلّدين ، إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين وقال له خيرا(3) .

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 302.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 302.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 307.

١٦٢

وروى أبو مخنف : أنّ الحرّ لمّا ضايق الحسينعليه‌السلام بالنزول وأتاه أمر ابن زياد أن ينزل الحسين على غير ماء ولا كلأ ولا في قرية ، قال له الحسين : « دعنا ننزل في هذه القرية » ، يعني نينوى ، أو هذه يعني الغاضريّة ، أو هذه يعني شفيّة. فقال الحر : لا والله لا أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا ، فقال زهير للحسين : يا بن رسول الله إنّ قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « ما كنت لأبدأهم بقتال » ، فقال له زهير : فسر بنا إلى هذه القرية فإنّها حصينة ، وهي على شاطئ الفرات ، فإن منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم ، فقال الحسينعليه‌السلام : « وأيّة قرية هي »؟ قال : هي العقر ، فقال الحسينعليه‌السلام : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من العقر » فنزل بمكانه وهو كربلا(1) .

وقال أبو مخنف : لمّا أجمع عمر بن سعد على القتال نادى شمر بن ذي الجوشن : يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنّة ، والحسينعليه‌السلام جالس أمام بيته محتبيا بسيفه ، وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس ، فدنت أخته زينب منه وقالت : يا أخي قد اقترب العدو ، وذلك يوم الخميس التاسع من المحرّم بعد العصر ، وجاءه العبّاس فقال : يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثمّ قال : « يا عبّاس اركب إليهم حتّى تسألهم عمّا جاء بهم » فركب العبّاس في عشرين فارسا منهم حبيب بن مظهّر وزهير بن القين فسألهم العبّاس ، فقالوا جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة ، فقال لهم العبّاس : لا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا له : ألقه فأعلمه ، ثمّ القنا بما يقول ، فذهب العبّاس راجعا ، ووقف أصحابه. فقال حبيب لزهير : كلّم القوم إن شئت وإن شئت كلّمتهم أنا ، فقال زهير أنت بدأت فكلّمهم ، فكلّمهم بما تقدّم في ترجمته ، فردّ عليه عزرة بن قيس بقوله : إنّه لتزكي نفسك ما

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 310.

١٦٣

استطعت ، فقال له زهير : إنّ الله قد زكّاها وهداها فاتّق الله يا عزرة ، فإنّي لك من الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممّن يعين الضّلال على قتل النفوس الزكيّة. فقال عزرة : يا زهير ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت إنّما كنت عثمانيّا. قال : أفلا تستدل بموقفي هذا على أنّي منهم! أما والله ما كتبت إليه كتابا قطّ ، ولا أرسلت إليه رسولا قطّ ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلمّا رأيته ذكرت به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم ؛ فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه ، وأن أجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله. قال : وأقبل العبّاس فسألهم إمهال العشيّة ، فتوامروا ثمّ رضوا فرجعوا(1) .

وروى أبو مخنف عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي قال : لمّا كانت الليلة العاشرة خطب الحسين أصحابه وأهل بيته فقال في كلامه : « هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فإنّ القوم إنّما يطلبوني ». فأجابه العبّاس وبقيّة أهله بما تقدّم في تراجمهم. ثمّ أجابه مسلم بن عوسجة بما ذكر وأجابه سعيد بما يذكر. ثمّ قام زهير فقال : والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل كذا ألف قتلة ، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك(2) .

وقال أهل السير : لمّا صفّ الحسينعليه‌السلام أصحابه للقتال وإنّما هم زهاء السبعين جعل زهير على الميمنة ، وحبيبا على الميسرة ، ووقف في القلب ، وأعطى الراية

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 314.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 316 ، راجع الإرشاد : 2 / 92.

١٦٤

لأخيه العبّاس(1) .

وروى أبو مخنف عن علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي(2) عن كثير بن عبد الله الشعبي البجلي(3) ، قال : لمّا زحفنا قبل الحسينعليه‌السلام خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب ، وهو شاك في السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة ، نذار لكم من عذاب الله نذار! إنّ حقّا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن إخوة وعلى دين واحد وملّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنّا أمّة وكنتم أمّة ، إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فإنّكم لا تدركون منهما إلاّ السوء عمر سلطانهما كلّه ، إنّهما يسمّلان أعينكم ، ويقطّعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ، ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتّلان أماثلكم وقرّاءكم ، أمثال حجر بن عدي وأصحابه ، وهاني بن عروة وأشباهه. قال : فسبّوه وأثنوا على عبيد الله وأبيه ، وقالوا : والله لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير ، فقال لهم زهير : عباد الله إنّ ولد فاطمةعليها‌السلام أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة ، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم ، فخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنّه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسينعليه‌السلام ، قال : فرماه شمر بسهم وقال له : اسكت أسكت الله نامتك ، فقد أبرمتنا بكثرة كلامك! فقال زهير : يا ابن البوّال على عقبيه ، ما إيّاك أخاطب ، إنّما أنت بهيمة ، والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر : إنّ الله قاتلك

__________________

(1) الإرشاد : 2 / 95.

(2) في المصدر : الشامي.

(3) ليس في المصدر : البجلي.

١٦٥

وصاحبك عن ساعة ، قال زهير : أفبالموت تخوّفني!؟ والله للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم ، قال : ثمّ أقبل على الناس رافعا صوته ، وصاح بهم : عباد الله لا يغرّنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فو الله لا تنال شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قوما هرقوا دماء ذريّته وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم. قال : فناداه رجل من خلفه : يا زهير إنّ أبا عبد الله يقول لك : أقبل ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء ، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ ، فذهب إليهم(1) .

وروى أبو مخنف عن حميد بن مسلم قال : حمل شمر حتّى طعن فسطاط الحسينعليه‌السلام برمحه ، وقال : عليّ بالنار حتّى أحرق هذا البيت على أهله ، فصاحت النساء وخرجن من الفسطاط ، فصاح الحسين : يا بن ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي ، حرقك الله بالنار.

وحمل زهير بن القين في عشرة من أصحابه فشدّ على شمر وأصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتّى ارتفعوا عنها ، وقتل زهير أبا عزّة الضبابي من أصحاب الشمر وذوي قرباه ، وتبع أصحابه الباقين فتعطف الناس عليهم ، فكثروهم وقتلوا أكثرهم وسلم زهير(2) .

قال أبو مخنف : واستحرّ القتال بعد قتل حبيب ، فقاتل زهير والحرّ قتالا شديدا فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر فخلّصه ، فقتل الحرّ ثمّ صلّى الحسينعليه‌السلام صلاة الخوف ، ولمّا فرغ منها تقدّم زهير فجعل يقاتل قتالا لم ير مثله ولم يسمع بشبهه وأخذ يحمل على القوم فيقول :

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 319 ـ 320.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 326.

١٦٦

أنا زهير وأنا بن القين

أذودكم بالسيف عن حسين

ثمّ رجع فوقف أمام الحسين وقال له :

فدتك نفسي هاديا مهديا

اليوم ألقى جدّك النبيّا

وحسنا والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الشهيد الحيّا

فكأنّه ودّعه ، وعاد يقاتل فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه(1) .

وقال السروي في المناقب : لمّا صرع وقف عليه الحسينعليه‌السلام فقال : « لا يبعدنّك الله يا زهير ، ولعن الله قاتليك ، لعن الذين مسخوا قردة وخنازير »(2) .

وفيه أقول :

لا يبعدنّك الله من رجل

وعظ العدى بالواحد الأحد

ثمّ انثنى نحو الخميس فما

أبقى لدفع الضيم من أحد

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( كأنّ على رءوسنا الطير ) : هذا مثل يضرب في السكون من التحيّر فإنّ الطير لا يقع إلاّ على ساكن.

( بلنجر ) : بالباء الموحدة واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة آخر الحروف وهي مدينة في الخزر عند باب الأبواب(3) ، فتحت في

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 328 بتفاوت.

(2) المناقب : 4 / 103.

(3) راجع معجم البلدان : 1 / 489.

١٦٧

زمان عثمان على يد سلمان بن ربيعة الباهلي أو سلمان الفارسي كما ذكره ابن الأثير(1) . وقتل سلمان بن ربيعة بعد فتحها ، فقال فيه عبد الرحمن الباهلي :

وإنّ لنا قبرين قبر بلنجر

وقبرا بأرض الصين يا لك من قبر

يعني بالأوّل قبر سلمان الباهلي وبالثاني قبر قتيبة بن مسلم الباهلي.

( فقوله ) : فقال لنا سلمان يحتمل الباهلي لأنّه رئيس الجيش ، ويحتمل الفارسي لأنّه في الجيش على ما ذكره ابن الأثير في الكامل.

( نينوى ) : قرية عند كربلا. ( الغاضريّة ) : قرية عند كربلا أيضا تنسب لبني غاضرة من أسد.

( شفية ) : قرية عند كربلا أيضا ، وتضبط بضم الشين المعجمة والفاء المفتوحة والياء المثنّاة تحت المشدّدة والتاء آخر الكلمة ، ولم أر من ذكرها في المعاجم.

( نذار ) : بفتح النون وكسر الراء أي : خافوا وهو اسم فعل من الإنذار ، وهو الإبلاغ مع التخويف وبناؤه على الكسر.

( العصمة ) : أي المنعة بالإسلام يقال من شهد الشهادتين فقد عصم نفسه أي منعها.

( يسمّلان ) : يقال : سمل عينه أي فقأها بميل محميّ.

( أسكت الله نامتك ) : النأمة بالهمزة والنامة بالتشديد الصوت ، يقال ذلك كناية عن الموت وهو دعاء عند العرب مشهور.

( أبرمتنا ) : أي أضجرتنا. ( استحرّ ) : أي اشتدّ ، قال ابن الزبعرى :

حين حكت بقباء بركها

واستحر القتل في عبد الأشل

( استلحم ) : الرجل إذا احتوشه العدو في القتال.

__________________

(1) الكامل : 2 / 483.

١٦٨

سلمان بن مضارب بن قيس الأنماري البجلي

كان سلمان ابن عمّ زهير لحا فإنّ القين أخو مضارب وأبوهما قيس. وكان سلمان حجّ مع ابن عمّه سنة ستين ، ولمّا مال في الطريق مع الحسينعليه‌السلام ، وحمل ثقله إليه مال معه في مضربه.

قال صاحب الحدائق : إنّ سلمان قتل فيمن قتل بعد صلاة الظهر ، فكأنّه قتل قبل زهير(1) .

سويد بن عمرو بن أبي المطاع الأنماري الخثعمي (2)

كان سويد شيخا شريفا عابدا كثيرا الصلاة ، وكان شجاعا مجرّبا في الحروب. كما ذكره الطبري والداودي.

قال أبو مخنف : إنّ الضحّاك بن عبد الله المشرقي جاء إلى الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه فدعاه إلى نصرته فقال له : أنا أنصرك ما بقيت لك أنصار ، فرضي منه بذلك حتّى إذا أمر ابن سعد بالرماة فرموا أصحاب الحسينعليه‌السلام وعقروا خيولهم أخفى فرسه في فسطاط ، ثمّ نظر فإذا لم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلاّ سويد هذا وبشر بن عمرو الحضرمي ؛ فاستأذن الحسين ، فقال له : « كيف لك بالنجاء »؟ قال : إنّ فرسي قد أخفيته فلم يصب فأركبه وأنجو ، فقال له : شأنك ، فركب ونجا بعد لأي كما ذكره في حديثه(3) .

وقال أهل السير : إنّ بشرا الحضرمي قتل ، فتقدّم سويد وقاتل حتّى أثخن

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

(2) عدّه الشيخ في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 987.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 330.

١٦٩

بالجراح وسقط على وجهه فظنّ بأنّه قتل ، فلمّا قتل الحسينعليه‌السلام وسمعهم يقولون : قتل الحسين. وجد به إفاقة ، وكانت معه سكّين خبّأها ، وكان قد أخذ سيفه منه ، فقاتلهم بسكّينه ساعة ، ثمّ إنّهم عطفوا عليه فقتله عروة بن بكار التغلبي ، وزيد بن ورقاء الجهني(1) .

عبد الله بن بشر الخثعمي

هو عبد الله بن بشر بن ربيعة بن عمرو بن منارة بن قمير بن عامر بن رائسة بن مالك بن واهب بن جليحة بن كلب بن ربيعة بن عفرس بن خلف بن أقبل بن أنمار ، الأنماري الخثعمي ؛ كان عبد الله بن بشر الخثعمي من مشاهير الكماة الحماة للحقائق وله ولأبيه ذكر في المغازي والحروب.

قال ابن الكلبي : بشر بن ربيعة الخثعمي هو صاحب الخطّة بالكوفة التي يقال لها جبانة بشر(2) .

وهو القائل يوم القادسيّة :

أنخت بباب القادسيّة ناقتي

وسعد بن وقّاص عليّ أمير

وكان ولده عبد الله ممّن خرج مع عسكر ابن سعد ، ثمّ صار إلى الحسينعليه‌السلام فيمن صار إليه أيّام المهادنة.

قال صاحب الحدائق وغيره : إنّ عبد الله بن بشر قتل في الحملة الأولى قبل الظهر(3) .

__________________

(1) راجع اللهوف : 165 ، والمناقب : 4 / 102.

(2) لم أعثر عليه في مضانّه.

(3) الحدائق الورديّة : 122.

١٧٠

المقصد السابع

في الكنديين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

يزيد بن زياد بن مهاصر أبو الشعثاء الكندي البهدلي

كان يزيد رجلا شريفا شجاعا فاتكا فخرج إلى الحسينعليه‌السلام من الكوفة من قبل أن يتصل به الحر.

قال أبو مخنف : لمّا كاتب الحر ابن زياد في أمر الحسين وجعل يسايره ، جاء إلى الحرّ رسول ابن زياد مالك بن النسر البدي ثمّ الكندي ، فجاء به الحرّ وبكتابه إلى الحسين كما يذكر في ترجمة الحرّ وكما قصصناه. فعنّ مالك ليزيد هذا ، فقال يزيد : أمالك بن النسر أنت؟ قال : نعم. فقال له : ثكلتك أمّك ، ما ذا جئت به؟ قال : وما جئت به؟ أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي! فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ، ألم تسمع قول الله تعالى :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) (1) فهرأ مالك(2) .

__________________

(1) سورة القصص : 41.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 309 بتفاوت في النقل.

١٧١

وروى أبو مخنف : أنّ أبا الشعثاء قاتل فارسا فلمّا عقرت فرسه ؛ جثا على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم ، وكان راميا وكان كلّما رمى قال :

أنا ابن بهدله

فرسان العرجلة

فيقول الحسينعليه‌السلام : « اللهمّ سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة » ، فلمّا نفدت سهامه قام فقال : ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم ، ثمّ حمل على القوم بسيفه وقال :

أنا يزيد وأبي مهاصر

كأنني ليث بغيل خادر

يا رب إنّي للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر(1)

فلم يزل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه.

وفيه يقول الكميت الأسدي :

ومال أبو الشعثاء أشعث داميا

وأنّ أبا حجل قتيل مجحل

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( هرأ ) : الرجل بكلامه أكثر الخنا والخطأ به ، فمعنى العبارة : أجابه مالك بجواب غير لائق لخطائه وخناه. وربما صحفت الكلمة بهزا ، فمعناها : أجابه مالك بكلام فيه سخرية.

( بهدلة ) : حي من كندة منهم يزيد هذا. ( العرجلة ) : القطعة من الخيل وجماعة المشاة. ( مهاصر ) : جدّه وهو بالصاد المهملة ، ويمضى في بعض الكتب بالجيم وهو غلط من النسّاخ.

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 330 بتفاوت في النقل.

١٧٢

الحارث بن امرئ القيس الكندي

كان الحارث من الشجعان العبّاد. وله ذكر في المغازي. وكان خرج في عسكر ابن سعد ، فلمّا ردوا على الحسينعليه‌السلام كلامه ، مال معه وقاتل وقتل.

قال صاحب الحدائق : إنّه قتل في الحملة الأولى(1) .

زاهر بن عمرو الكندي

كان زاهر بطلا مجرّبا وشجاعا مشهورا ومحبّا لأهل البيت معروفا. قال أهل السير : إنّ عمرو بن الحمق لمّا قام على زياد قام زاهر معه ، وكان صاحبه في القول والفعل ، ولمّا طلب معاوية عمروا طلب معه زاهرا فقتل عمروا وأفلت زاهر ، فحجّ سنة ستّين ، فالتقى مع الحسينعليه‌السلام فصحبه وحضر معه كربلا.

وقال السروي : قتل في الحملة الأولى(2) .

وقال الشيخ الطوسي وغيره : إنّ من أحفاده محمّد بن سنان الزاهري صاحب الرواية عن الرضا والجوادعليهما‌السلام المتوفى سنة مائتين وعشرين(3) .

بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي

كان بشر من حضر موت وعداده في كندة. وكان تابعيّا وله أولاد معروفون بالمغازي. وكان بشر ممّن جاء إلى الحسينعليه‌السلام أيّام المهادنة.

وقال السيّد الداودي : لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ووقع القتال ، قيل لبشر

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

(2) المناقب : 4 / 113 ، وراجع البحار : 45 / 72 ، ومستدركات علم رجال الحديث : 3 / 416.

(3) راجع رجال النجاشي : 328 ، الرقم 888 ، ورجال الشيخ : 101 ، معجم رجال الحديث : 16 / 151.

١٧٣

وهو في تلك الحال : إنّ ابنك عمرا قد أسر في ثغرى الري. فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أحبّ أن يؤسر وأن أبقى بعده. فسمع الحسينعليه‌السلام مقالته ، فقال له : « رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاذهب واعمل في فكاك ابنك ». فقال له : أكلتني السباع حيّا إن أنا فارقتك يا أبا عبد الله ، فقال له : « فأعط ابنك محمّدا ـ وكان معه ـ هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك أخيه » ، وأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار(1) .

وقال السروي : إنّه قتل في الحملة الأولى(2) .

جندب بن حجير الكندي الخولاني (3)

كان جندب من وجوه الشيعة ، وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، خرج إلى الحسينعليه‌السلام فوافقه في الطريق قبل اتّصال الحرّ به ، فجاء معه إلى كربلا.

قال أهل السير : إنّه قاتل فقتل في أوّل القتال.

وقال صاحب الحدائق : إنّه قتل هو وولده حجير بن جندب في أوّل القتال(4) .

ولم يصحّ لي أنّ ولده قتل معه. كما أنّه ليس في القائميّات ذكر لولده ، فلهذا لم أترجمه معه.

__________________

(1) راجع تنقيح المقال : 1 / 173.

(2) المناقب : 4 / 113.

(3) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 100 ، الرقم 969. وفي كتاب تسمية من قتل ص 155 : بعنوان حجير بن جندب.

(4) الحدائق الورديّة : 122.

١٧٤

المقصد الثامن

في الغفاريين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

عبد الله بن عروة بن حرّاق الغفاري

وأخوه

عبد الرحمن بن عروة بن حراق الغفاري (1)

كان عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان من أشراف الكوفة ومن شجعانهم وذوي الموالاة منهم ، وكان جدّهما حرّاق من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام وممن حارب معه في حروبه الثلاث. وجاء عبد الله وعبد الرحمن إلى الحسينعليه‌السلام بالطف.

وقال أبو مخنف : لمّا رأى أصحاب الحسين أنّهم قد كثروا وأنّهم لا يقدرون على أن يمنعوا الحسين ولا أنفسهم ، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه ، فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان ، فقالا : يا أبا عبد الله السلام عليك ، حازنا العدوّ إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك ، نمنعك وندفع عنك ، فقال : « مرحبا بكما ، ادنوا منّي » ، فدنوا منه ، فجعلا يقاتلان قريبا منه وإنّ أحدهما ليرتجز ويتمّ له الآخر.

__________________

(1) أوردهما الشيخ في رجاله ص 103 بعنوان عبد الله وعبد الرحمن ابنا عرزة.

١٧٥

فيقولان :

قد علمت حقّا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكلّ عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأطهار(1)

بالمشرفيّ والقنا الخطّار(2)

فلم يزالا يقاتلان حتّى قتلا.

وقال السروي : إنّ عبد الله قتل في الحملة الأولى وعبد الرحمن قتل مبارزة(3) . وقال غيره : إنّهما قتلا مبارزة ، وهو الظاهر من المراجلة.

جون بن حوي مولى أبي ذر الغفاري (4)

كان جون منضمّا إلى أهل البيت بعد أبي ذر ، فكان مع الحسنعليه‌السلام ، ثمّ مع الحسينعليه‌السلام وصحبه في سفره من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى العراق.

قال السيّد رضي الدين الداودي : فلمّا نشب القتال وقف أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه في القتال ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « يا جون أنت في إذن منّي ، فإنّما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقتنا » ، فوقع جون على قدمي أبي عبد الله يقبلهما ويقول : يا ابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدّة أخذلكم!؟ إنّ ريحي لنتن وإنّ حسبي للئيم وإنّ لوني لأسود ، فتنفس عليّ في الجنّة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيّض لوني ، لا والله لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ،

__________________

(1) في المصدر : بني الأحرار.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 328.

(3) المناقب : 4 / 113.

(4) عدّه الشيخ في عداد أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 99 ، الرقم 966. وفي الإرشاد بعنوان : جوين مولى أبي ذر. راجع الإرشاد : 2 / 93.

١٧٦

فأذن له الحسينعليه‌السلام ، فبرز وهو يقول :

كيف ترى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفيّ والقنا المسدّد

يذبّ عن آل النبي أحمد

ثمّ قاتل حتّى قتل(1) .

وقال محمّد بن أبي طالب : فوقف عليه الحسينعليه‌السلام وقال : « اللهمّ بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع الأبرار وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد »(2) .

وروى علماؤنا عن الباقرعليه‌السلام عن أبيه زين العابدينعليه‌السلام أنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جونا بعد أيّام تفوح منه رايحة المسك(3) .

وفي جون أقول :

خليلي ما ذا في ثرى الطف فانظرا

أجونة طيب تبعث المسك أم جون

ومن ذا الذي يدعو الحسين لأجله

أذلك جون أم قرابته عون

لئن كان عبدا قبلها فلقد زكا

النجار وطاب الريح وازدهر اللون

__________________

(1) راجع البحار : 45 / 23 ، واللهوف : 163.

(2) تسلية المجالس : 2 / 292 ـ 293.

(3) راجع البحار : 45 / 23 ، ونفس المهموم : 264.

١٧٧
١٧٨

المقصد التاسع

في بني كلب

من أنصار الحسينعليه‌السلام

عبد الله بن عمير الكلبي (1)

هو عبد الله بن عمير بن عبّاس بن عبد قيس بن عليم بن جناب الكلبي العليمي ، أبو وهب ، كان عبد الله بن عمير بطلا شجاعا شريفا ، نزل الكوفة واتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا ، فنزلها ومعه زوجته أمّ وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط.

قال أبو مخنف : فرأى القوم بالنّخيلة يعرضون ليسرّحوا إلى الحسينعليه‌السلام ، فسأل عنهم ، فقيل له : يسرّحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ، فقال : والله!! لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، وإنّي لأرجو ألاّ يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين ، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع ، وأعلمها بما يريد ، فقالت له : أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك ، افعل وأخرجني معك ؛ قال : فخرج بها ليلا حتّى أتى حسينا فأقام معه ،

__________________

(1) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 104 ، الرقم 1024.

١٧٩

فلمّا دنا عمر بن سعد ورمى بسهم فارتمى الناس ، خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله ، فقالا : من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم ، فوثب حبيب وبرير ، فقال لهما الحسين : اجلسا ، فقام عبد الله بن عمير فقال : أبا عبد الله! رحمك الله ائذن لي لأخرج إليهما ، فرأى الحسين رجلا آدم طوالا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين ، فقال [ الحسين ] : « إنّي لأحسبه للأقران قتّالا » اخرج إن شئت ، فخرج إليهما ، فقالا له : من أنت؟ فانتسب لهما ، فقالا : لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير. ويسار مستنتل أمام سالم ، فقال له عبد الله : يا ابن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس!؟ أو يخرج إليك أحد من الناس إلاّ وهو خير منك!؟ ثمّ شدّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد ، فإنّه لمشتغل يضربه بسيفه إذ شدّ عليه سالم ، فصاح به أصحابه قد رهقك العبد ، فلم يأبه له حتّى غشيه فبدره بضربة فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى ، ثمّ مال عليه فضربه حتّى قتله ، وأقبل إلى الحسينعليه‌السلام يرتجز أمامه وقد قتلهما جميعا فيقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي ببيتي في عليم حسبي

إنّي امرؤ ذو مرّة وعصب

ولست بالخوّار عند النكب

إنّي زعيم لك أمّ وهب

بالطعن فيهم مقدما والضرب

قال : فأخذت أمّ وهب امرأته عمودا ، ثمّ أقبلت نحو زوجها تقول : فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيبين ذريّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل إليها يردّها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ، وتقول : [ إنّي ] لن أدعك دون أن أموت معك ، ( وإنّ يمينه سدكت على السيف ويساره مقطوعة أصابعها فلا يستطيع ردّ امرأته )(1) فجاء إليها الحسينعليه‌السلام وقال : « جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهنّ ،

__________________

(1) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال عليٌّ٧ : « الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمائه العادّون، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حدّ محدود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود »(١) .

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١.

٣٦١
٣٦٢

حرف الغين

الخامس والثمانون: « غافر الذنب »

وقد جاء « غافر الذنب » في الذكر الحكيم مرّة واحدة، ووقع وصفاً له مع الصفات الاُخرى.

قال سبحانه:( تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ *غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ ) ( غافر / ٢ ـ ٣ )

فقد وصف سبحانه في الآيتين بصفات ستّ، واستعمل « غافر » بصيغة الجمع مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه باضافة لفظ الخير إليه.

قال سبحانه:( فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) ( الأعراف / ١٥٥ ).

وجاء لفظ « الغفور » مرفوعاً ومنصوباً ٩١ مرّة ووقع وصفاً له في جميع الموارد، واستعمل مع « الرحيم » تارة و « الحليم » اُخرى و « ذي الرحمة » ثالثاً و « الشكور » رابعاً، و « العفو » خامساً، و « العزيز » سادساً، و « الودود » سابعاً.

كما أنّ « الغفّار » جاء ٤ مرّات ووقع وصفاً له سبحانه واقترن بالعزيز.

فله أسماء ثلاثة كلّها مشتق من « الغفر ».

١ ـ الغافر. قال تعالى:( غَافِرِ الذَّنبِ ) ( غافر / ٣ ).

٢ ـ الغفور. قال سبحانه:( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ) ( الكهف / ٥٨ ).

٣ ـ الغفّار. قال تعالى:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ ) ( طه / ٨٢ ).

٣٦٣

والعبد له أسماء ثلاثة مشتقة من الظلم بالمعصية أو ما يعادله :

١ ـ الظالم. قال تعالى:( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) ( فاطر / ٣٢ ).

٢ ـ الظلوم.قال تعالى:( إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ) ( الأحزاب / ٧٢ ).

٣ ـ الظلاّم. قال تعالى:( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) ( الزمر / ٥٣ ).

والاسراف على الأنفس يعادل الظلّام وكأنّه قال: عبدي لك أسماء ثلاثة في الظلم بالمعصية ولي أسماء ثلاثة في الرحمة والمغفرة، فإن كنت ظالماً فأنا غافر وإن كنت ظلوماً فأنا غفور وإن كنت ظلّاماً فأنا غفّار(١) .

أمّا معناه فقد قال ابن فارس: عُظم بابِه السترُ، فالغفر: الستر، والغفران والغفر بمعنىً، يقال غفر الله ذنبه غفراً ومغفرة وغفراناً. قال في الغفر :

في ظلّ من عنت الوجوه له

ملك الملوك ومالك الغفر

و « المغفر » معروف والغفارة خرقة يضعها المدهن على هامته، وذكر عن امرأة من العرب أنّها قالت لابنتها: اغفري غفيرك تريد غطّيه.

السادس والثمانون: « الغالب »

لقد جاء الغالب مفرداً في الذكر الحكيم ثلاث مرّات ووقع في موضع اسماً له سبحانه، قال عزّ وجلّ :

( وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( يوسف / ٢١ ).

وقال سبحانه:( إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ ) ( آل عمران / ١٦٠ ).

وقال تعالى:( وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي

__________________

(١) لوامع البيّنات للرازي: ص ٢١٢.

٣٦٤

جَارٌ لَّكُمْ ) ( الأنفال / ٤٨ ).

وأمّا معناه فقد قال ابن فارس يدلّ على قوّة وقهر وشدّة.

قال الله تعالى:( وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) ( الروم / ٣ ) وذكر مثله « الراغب » في مفرداته: قال سبحانه:( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ) ( البقرة / ٢٤٩ ).

وأمّا المراد من قوله سبحانه:( وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ ) فإن كان الضمير راجعاً إلى يوسف، فيكون المراد إنّ الله غالب على أمر يوسف، يحفظه ويرزقه حتى يبلغه ما قدّر له من الملك ولا يكله إلى غيره، وعلى تسليم هذا الفرض فرعاية يوسف مصداق من مصاديق القاعدة الكليّة وهو غلبته سبحانه على كلّ شيء.

وأمّا إذا قلنا أنّ الضمير يرجع إلى الله سبحانه فيكون المراد من الأمر هو نظام التدبير. قال تعالى:( يُدَبِّرُ الأَمْرَ ) ( يونس / ٣ ). فيكون المعنى أنّ كلّ شيء من شؤون الصنع والايجاد، من أمره تعالى وهو تعالى غالب عليه وهو مغلوب له يطيعه فيما شاء ينقاد له فيما أراد ليس له أن يستكبر أو يتمرّد فيخرج من سلطانه كما ليس له أن يسبقه أو يفوته.

قال تعالى:( إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ) ( الطلاق / ٣ ).

وبالجملة أنّ الله تعالى هو قاهر كلّ شيء إذ لا شيء إلّا بأمره حدوثاً وبقاء وعند ذلك فلا يتصوّر وجود شيء خارج عن إرادة الله وقدرته.

السابع والثمانون: « الغفّار »

وقد جاء اسم « الغفّار » في الذكر الحكيم معرّفاً ومنكراً خمس مرّات.

قال سبحانه:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) ( طه / ٨٢ ).

٣٦٥

وقال سبحانه:( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) ( نوح / ١٠ ). واستعمل مع العزيز في الموارد الثلاثة الآتية.

قال سبحانه:( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) ( سورة ص / ٦٦ ). وقال عزّ من قائل:( كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) ( الزمر / ٥ ). وقال تعالى:( وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ) ( غافر / ٤٢ ).

واللّفظ صيغة المبالغة من الغفر وقد تبيّن معناه عند البحث عن اسم « غافر الذنب ».

الثامن والثمانون: « الغنيّ »

وقد جاء لفظ « الغنيّ » في الذكر الحكيم مرفوعاً ومنصوباً ٢٠ مرّة ووقع وصفاً له سبحانه في ثمانية عشر مورداً واستعمل تارة مع إسم « الحميد » واُخرى مع « الحليم » وثالثاً مع « الكريم ».

قال سبحانه:( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) ( البقرة / ٢٦٧ ). وقال تعالى:( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ) ( البقرة / ٢٦٣ ).

وقال سبحانه:( مَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) ( النمل / ٤٠ ).

وأمّا معناه فقد قال « ابن فارس »: له أصلان أحدهما يدلّ على الغاية والآخر صوت، فالأوّل الغنى في المال.

وقال « الراغب »: الغناء يقال على ضروب أحدها عدم الحاجات وليس ذلك إلّا لله تعالى وهو المذكور في قوله:( إِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ ) والثاني قلّة الحاجات، وهو مشار إليه بقوله:( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ ) .

والظاهر أنّه ليس له إلّا معناً واحداً وإنّما الاختلاف في المصاديق والجري، فالغني المطلق هو الله سبحانه، وأمّا غنى الغير هو أمر نسبي.

٣٦٦

وأمّا كونه سبحانه غنيّاً غير محتاج إلى شيء فهو لازم كونه سبحانه واجب الوجود لذاته وواجب الوجود في صفاته وأفعاله فكان غنيّاً عن كل ما سواه. أمّا كل ما سواه فممكن لذاته فوجوده بايجاده. فكان هو الغني لا غيره.

فله العزّ والجمال، وله البهاء والكمال، وما للغير من الجمال، من رشح بحر جماله، أو له من الكمال، فهو ظل كماله. وما أليق بالمقام قول القائل :

أرأيت حسن الروض في آصاله

أرأيت بدر التم عند كماله

أرأيت كأساً شيب صفو شمولها

أرأيت روضاً ريض خيل شماله

أرأيت رائحة الخزامي(١) سحرة

فغمت خياشيم العليل الواله

هذا وذاك وكلّ شيء رائق

أخذ التجمّل من فروع جماله

هلك القلوب بأسرها في أسره

شغفا وشدّ عقولنا بعقاله(٢)

التاسع والثمانون: « الغفور »

وقد ورد ذلك اللفظ مرفوعاً ومنصوباً ٩١ مرّة واُستعمل مع صفات اُخر مثل « رحيم »، « عفوّ »، « عزيز »، « شكور »، « الودود » و « الحليم ».

قال سبحانه:( ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( التوبة / ٢٧ ).

وقال سبحانه:( وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) ( الحج / ٦٠ ).

وقال سبحانه:( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) ( فاطر / ٢٨ ).

__________________

(١) الخزامي: نبت، زهرة من أطيب الأزهار.

(٢) شرح الاسماء الحسنى: ص ٤٠.

٣٦٧

وقال سبحانه:( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) ( فاطر / ٣٠ ).

وقال سبحانه:( إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ *وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) ( البروج / ١٣ ـ ١٤ ).

وقال سبحانه:( وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) ( فاطر / ٤١ ).

واللفظ من الصفات المشبّهة بالفعل وصيغته للمبالغة وقد تبيّن معناه من ما ذكرناه في اسم « غافر الذنب ».

٣٦٨

حرف الفاء

التسعون: « الفاطر »

قد ورد اسم الفاطر في الذكر الحكيم ٦ مرّات ووقع في الجميع اسماً له سبحانه.

قال سبحانه:( أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( الأنعام / ١٤ ).

وقال سبحانه:( فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) ( يوسف / ١٠١ ).

وقال عزّ من قائل:( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( إبراهيم / ١٠ ).

وقال سبحانه:( الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً ) ( فاطر / ١ )(١) .

وقد استعمل ذلك الاسم في جميع الموارد مضافاً إلى السموات والأرض نعم استعمل « فطر » متعدّياً إلى الناس.

قال سبحانه:( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) ( الروم / ٣٠ ).

__________________

(١) لاحظ الزمر / ٤٦ ـ الشورى / ١١.

٣٦٩

و أمّا معناه فقد قال « ابن فارس »: يدلّ على فتح شيء وابرازه ومن ذلك « الفطر » بالكسر من الصوم ومنه « الفطر » بفتح الفاء وهو مصدر فطرت الشاة فطراً إذا حلبتها، ثمّ قال والفطرة الخلقة، وقال الراغب: أصل الفطر: الشق طولاً، قال:( هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ) ( المُلك / ٣ ) أي اختلال، وقال تعالى:( السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) ( المزّمل / ١٨ )، وفطرت الشاة: حلبتها باصبعين، وفطرت العجين إذا عجنته وخبزته من وقته، ومنه الفطرة، وفطر الله الخلق وهو إيجاده وابداعه على هيئة مترشّحة لفعل من الأفعال.

والمحصّل من كلامهما: إنّ الفطر بمعنى الفتح والشق حتى إنّ نسبة الفطر إلى العجين لأجل أنّه يحتاج إلى البسيط والقبض حتى يكون قابلاً للطبخ.

إنّما الكلام في استعماله في الايجاد والابداع والظاهر أنّ وجه استعماله فيهما هو انّ الخلقة يشبهها بشق العدم وفتحه وإخراج الشيء إلى ساحة الوجود.

يقول العلّامة الطباطبائي (ره) في تفسير قوله:( فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : أخرجها من ظلمة العدم إلى نور الوجود(١) .

وقال في موضع آخر: « إنّ اطلاق الفاطر عليه تعالى بعناية استعارية كأنّه شق العدم فأخرج من بطنه السموات والأرض. فمحصّل معناه أنّه موجد السمٰوات والأرض ايجاداً ابتدائيّاً من غير مثال سابق، فيقرب معناه من معنى « البديع » و « المبدع »، والفرق بين الابداع والفطر، أنّ العناية في الابداع متعلّقة بنفي المثال السابق، وفي الفطر بطرد العدم وإيجاد الشيء من رأس لا كالصانع الذي يؤلّف موادّاً مختلفة فيظهر به صورة جديدة فقوله:( فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) من أسمائه تعالى أجرى صفة لله، والمراد بالوصف الاستمرار دون الماضي فقط، لأنّ الإيجاد مستمر وفيض الوجود غير منقطع ولو انقطع لانعدمت الأشياء »(٢) .

__________________

(١) الميزان: ج ٧، ص ٢٩.

(٢) المصدر السابق: ج ١٧، ص ٦.

٣٧٠

الواحد والتسعون: « فالق الإصباح »

قد ورد في الذكر الحكيم مرّة واحدة وجرى وصفاً له سبحانه قال:( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( الأنعام / ٩٦ ).

وأمّا معناه فقد قال « ابن فارس »: يدلّ على فرجة وبينونة في الشيء وعلى تعظيم شيء. فمن الأوّل فلقت الشيء أفلقه فلقاً، والفلق الصبح لأنّ الكلام ينفلق عنه، ومن الثاني الفليقة وهي الداهيّة العظيمة، وقال الراغب: « الفلق »: شق الشيء وإبانة بعضه عن بعض، قال تعالى: « فالق الاصباح » و « إن الله خالق الحب والنوى »، « فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم » وقوله:( أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) أي الصبح.

فتوصيفه سبحانه بفالق الاصباح، لأجل انّه يشق الظلمة ويتجلّى من صميمها النور.

فقد تضمّنت الآية ثلاث آيات سماوية :

١ ـ فالق الإصباح.

٢ ـ وجعل الليل سكناً.

٣ ـ والشمس والقمر حسباناً.

والمراد من الاصباح هو الصبح. قال امرؤ القيس :

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فالمراد من فلق الإصباح هو اخراج النور من الظلمة الهائلة المنبسطة في السماء كل ذلك عن طريق ربط الأسباب بالمسبّبات، وطروء الوضع الخاص للأرض بالنسبة إلى الشمس كما أنّ المراد من الآية الثانية هو ما جاء في قوله:( وَمِن رَّحْمَتِهِ

٣٧١

جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( القصص / ٧٣ ).

والمراد من السكون أعم من سكون البدن والروح، فالبدن يستريح من تعب العمل بالنهار والنفس تسكن بهدوء الخواطر والأفكار، والمراد من جعل الشمس والقمر حسباناً هو كونهما مظاهر للحساب لأنّ طلوعهما وغروبهما وما يظهر منهما من الفصول كل ذلك بحساب.

قال سبحانه:( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ ) ( يونس / ٥ ).

الثاني والتسعون: « فالق الحبّ والنّوى »

وقد ورد مرّة واحدة وجرى وصفاً له سبحانه.

قال تعالى:( إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَىٰ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَٰلِكُمُ اللهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ) ( الأنعام / ٩٥ ).

قال الراغب: فالحبّ والحبّة يقال في الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات.

قال تعالى:( كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ) ( البقرة / ٢٦١ ).

وأمّا النّوى فالمراد منه نوى التمر.

قال في المقاييس: فالله سبحانه يشق الحبّ والنّوى فينبت منهما النبات والشجر اللذين يرتزق الناس من حبّه وثمره فالآية بصدد بيان قدرته ولأجل ذلك يذكر قوله:( يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ) .

٣٧٢

وقد تضمّنت الآية، ثلاث آيات أرضية أعني :

١ ـ فالق الحبّ والنّوى.

٢ ـ يخرج الحىّ من الميّت.

٣ ـ ومخرج الميّت من الحىّ.

والكل آيات أرضية والمعنى أنّه سبحانه فالق ما يزرعه البشر من حب الحصيد، ونوى الثمرات، وشاقّه بقدرته، وبذلك يبيّن قدرته على ربط علل الإنبات والنمو بمسبّباته وذلك بتقديره.

وإنّما خصّ بالذكر خصوص حالة فلق الحب والنّوى من بين سائر الحالات مع أنّه ستمر على الحبّ والنّوى حالات وتطرء عليهما مراحل مختلفة من النمو حتى يصير زرعاً أو شجراً وإنّما خصّ ذلك لأنّ لتلك الحالة من بين سائر الحالات أهمّية خاصّة تشبه بحالة خروج الطفل من بطن اُمّه بعد ما كان محبوساً فيها بين ظلمات ثلاث، والحبّ والنّوى يمثّلان قلاعاً مستحكمة تحتفظ فيها المادة الحيوية للنباتات فاذا صارت الظروف مستعدّة لخروجها ونموّها وانتشارها ; تتحرك الحبّة بالتشقّق والتفتّح فتأخذ البذرة والنّوى مسيرها نحو التكامل.

وأمّا البحث حول الآية الثانية والثالثة الواردتين في هذه الآية المباركة أعني اخراج الحي من الميّت واخراج الميّت من الحي فقد ركّز القرآن على هذين العملين في غير مورد من الآيات.

يقول سبحانه:( تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( آل عمران / ٢٧ ).

وهاتان الآيتان من السنن العامّة الإلهية التي يركّز عليهما القرآن الكريم. والذي يناسب المقام هو أن يقال: إنّ المراد من خروج الحيّ من الميت هو اخراج البذر من نبات وشجر وهو حيّ متغذ نام، من الميت أعني التراب وهو ما لا يتغذّى

٣٧٣

ولا ينمو وبعبارة اُخرى خلق الأحياء من النبات والحيوان من الأرض العادمة الشعور والحياة.

كما أنّ المراد من قوله:( وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ) هو عود الخلايا الحيوية إلى الموت بعد مدّة.

ويمكن أن يقال: إنّ المراد هو إخراج الحبّ والنوى من النبات، فإنّ الحبّ والنوى حسب اللغة والعرف ليسا من الموجودات الحيّة وإن كانا حسب موازين العلوم الطبيعية حاويتين لموجودات صغيرة حيّة.

هذا إذا قمنا بتفسير الآية حسب السياق ويمكن أن يقال: المراد من اخراج الحي من الميّت ومقابله هو اخراج المؤمن من صلب الكافر، وإخراج الكافر من صلب المؤمن فإنّه سبحانه سمّى الايمان حياة ونوراً، والكفر موتاً وظلمة كما قال تعالى:( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) ( الأنعام / ١٣٢ ).

الثالث والتسعون: « الفتّاح »

قد ورد « الفتّاح » في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه.

قال تعالى:( قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ) ( سبأ / ٢٦ ).

وأمّا معناه فقد قال ابن فارس: إنّه أصل يدلّ على خلاف الاغلاق، يقال فتحت الباب وغيره فتحاً ثمّ يحمل على هذا سائر ما في هذا البناء فالفتح والفتاحة: الحكم، والله تعالى الفاتح أي الحاكم، قال الشاعر في الفتاحة :

ألا أبلغ بني عوف رسولاً

بأنّي عن فتاحتكم غنيّ

٣٧٤

والفتح: النصر والاظفار وقريب من ذلك في « المفردات » غير أنّه قسّم الفتح على قسمين: يدرك بالبصر كفتح الباب وقسم يدرك بالبصيرة كفتح الهمّ، قال: « ويقال فتح القضية فتاحاً: فصل الأمر فيها وأزال الاغلاق ». قال تعالى:( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) ( الأعراف / ٨٩ ).

وعلى هذا ف‍ « الفتّاح » من أسماء الله الحسنى وهو بمعنى الحاكم في الآية، ويؤيّده ذكر العليم بعده، ولا يراد منه الفاتح بمعنى المنتصر، وإلّا لكان المناسب أن يذكر بعده « العزيز »، ويؤيّده صدر الآية:( قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالحَقِّ ) فالآية تثبت البعث لتميز المحسن من المسيئ أوّلاً ثم القضاء بينهم بالحق وهو الحاكم العليم، وبذلك يعلم أنّه « خير الفاتحين » أي خير الحاكمين، لأنّ حكمه هو العدل والقسط، وعلمه هو النافذ غير الخاطئ أبداً بخلاف حكم الآخرين فهم بين حاكم عادل أو جائر، ومصيب أو مخطىء.

٣٧٥
٣٧٦

حرف القاف

الرابع والتسعون: « القائم على كل نفس بما كسبت »

وقد ورد هذا الاسم المركّب في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه.

قال تعالى:( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) ( الرعد / ٣٣ ).

وأمّا معناه فقد ذكر ابن فارس ل‍ « قوم » معنيين أحدهما: الجماعة والناس، مثل « لا يَسخر قوم من قوم » والآخر الانتصاب قال: وقد يكون قام بمعنى العزيمة كما يقال قام بهذا الأمر إذا اعتنقه فهم يقولون في الأوّل قيام حتم، وفي الآخر قيام عزم، والظاهر أنّ المراد منه في الآية هو المهيمن المتسلّط على كل نفس، المحيط بها، والحافظ لأعمالها، وبما أنّ الهيمنة على الشيء والمراقبة له يستلزم كون المراقِب قائماً منتصباً كي يسهل تسلّطه ومراقبته، استعير القائم بمعنى المنتصب للهيمنة والتسلّط والإحاطة.

قال سبحانه في حقّ أهل الكتاب:( وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إلّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ) ( آل عمران / ٧٥ ).

وقال:( وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ) ( المعارج / ٣٣ ) أي الحافظون.

والله سبحانه في هذه الآية يندّد بالمشركين كيف يجعلون له ندّاً وشريكاً مع

٣٧٧

أنّه سبحانه له الاحاطة على الأشياء والقهر عليها والشهود لها، وهذا يقتضي أن لا يشاركه في الاُلوهيّة شيء.

وتقدير الآية: « أفمن هو قائم بالتدبير على كل نفس وحافظ على كل نفس أعمالها ليجازيها، كمن هو ليس بهذه الصفات من الأصنام والأوثان ويؤيّد كون المعنى ذلك قوله:( وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ ) .

الخامس والتسعون: « قابل التوب »

قد ورد في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه.

قال سبحانه:( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ ) ( غافر / ٣ ).

وقد تبيّن معناه ممّا ذكرناه في تفسير « التوّاب ».

السادس والتسعون: « القادر »

قد ورد في الذكر الحكيم مفرداً سبع مرّات ووقع في جميع المواضع وصفاً له سبحانه.

قال تعالى:( قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) ( الأنعام / ٣٧ ).

وقال تعالى:( إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) ( الطارق / ٨ ).

وقال سبحانه:( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) ( الاسراء / ٩٩ )(١) ، إلى غير ذلك من الآيات.

__________________

(١) لاحظ يس / ٨١، الاحقاف / ٣٣، القيامة / ٤٠.

٣٧٨

السابع والتسعون: « القدير »

قد ورد لفظ القدير في الذكر الحكيم ٤٥ مرّة ووقع في جميع المواضع وصفاً له سبحانه.

قال سبحانه:( فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( البقرة / ٢٨٤ ).

والعناية التامّة ظاهرة من القرآن على كون قدرته عامّة لكل شيء فقد ورد قوله سبحانه:( إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) في ٣٢ آية، كما استعمل لفظ القدير مجرّداً تارة ومع « عليم » أخرى، قال سبحانه:( إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) ( النحل / ٧٠ ). و « عفوّ » ثالثاً قال سبحانه:( فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) ( النساء / ١٤٩ ).

والحق إنّ القدرة والعلم من أسمى صفاته سبحانه كما أنّ العالم والقادر من أظهر أسمائه سبحانه، فلاعتب علينا لو بسطنا الكلام هنا كما بسطناه في اسم « العالم » و « العليم ».

وأمّا معناه فقد جعل « ابن فارس »: الأصل في معناه مبلغ الشيء وكنهه ونهايته، فالقدر مبلغ كلّ شيء وقدّرت الشيء واُقدّره من التقدير، ثمّ قال: وقدرة الله تعالى على خليقته: إيتاؤهم بالمبلغ الذي يشاؤه ويريده. ثمّ قال: « رجل ذو قدرة وذو مقدرة أي يسار ومعناه أنّه يبلغ بيساره وغنائه من الاُمور المبلغ الذي يوافق إرادته، ولا يخفى أنّ جعل الأصل في القدرة هو مبلغ الشيء وكنهه ونهايته، يعسِّر اشتقاق القدرة منه بمعنى الاستطاعة، ولأجل ذلك أعرض الراغب عنه وفسّره بقوله: « القدرة إذا وصف به الإنسان فإسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شيء ما، وإذا وصف الله تعالى بها فهي نفي العجز عنه »، وقال: محال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنىً وإن اُطلق عليه لفظاً، وقال: القدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائداً عليه ولا ناقصاً عنه، ولذلك لا يصحّ أن يوصف به إلّا الله تعالى.

٣٧٩

ويمكن أن يقال: إنّ القدرة من التقدير وهو التحديد وتبيين كمّيّة الشيء، وإشتقاق القدرة بمعنى الاستطاعة لأجل أنّ القدرة تلازم تحديد الشيء وتقدير كميّته، ولعلّ هذا مراد ابن فارس من قوله: « مبلغ الشيء وكنهه ونهايته ».

ثمّ إنّ الراغب فسّر القدرة في حقّه سبحانه بنفي العجز، وهذا مبنيّ على ارجاع الصفات الثبوتية إلى السلبيّة وهو منظور فيه، وعلى كل تقدير فالمفهوم من القادر والقدير شيء واحد إلّا أنّ القدير أبلغ وآكد في الدلالة على القدرة.

تعريف القدرة

فسّر المتكلّمون القدرة بتعريفين :

١ ـ صحّة الفعل والترك، فالقادر هو الذي يصحّ أن يفعل ويصح أن يترك.

٢ ـ الفعل عند المشيئة والترك عند عدمها، فالقادر من إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، أو إن لم يشاء لم يفعل(١) .

ولا يخفى أنّ التعريفين يصدقان في حقّ الإنسان، أمّا التعريف الأوّل فلأنّ صحّة الفعل والترك عبارة عن أمكانهما، والامكان إمّا إمكان ما هوي وهو عبارة عن كون الفاعل ذا ماهيّة يكون نسبة الفعل والترك إليها متساوية، وإمّا امكان استعدادي وهو كون الفاعل ذا قّوة استعداديّة تخرج الشي من القوّة إلى الفعل كالاستعداد الموجود في البذر والنواة الذي يعطي صلاحيّة لهما بأن يكونا ذرعاً أو شجراً والامكان الاستعدادي من مظاهر المادة، والله سبحانه منزّه عنها وعن شأبتها.

وأمّا التعريف الثاني فلأنّ قول القائل بأنّ القادر إن شاء فعل وإن شاء لم

__________________

(١) اوائل المقالات: ص ١٢، كشف الفوائد للعلامة الحلي: ص ٣٢، الاسفار: ج ٦، ص ٣٠٧ و ٣٠٨، وقال ابن ميثم في « قواعد المرام في علم الكلام »: ص ٨٢ عرّفها المعتزلة بأنها عبارة عن كون الفاعل بحيث إذا شاء فعل وإذا شاء لم يفعل.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538