مفاهيم القرآن الجزء ٦

مفاهيم القرآن11%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-222-6
الصفحات: 538

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 538 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237483 / تحميل: 6103
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٢-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وقصدت أن احلي هذا المصنف المشنّف بما لا يرده جمع الإجماع ، وأردت أن يرتفع مستطير الشعاع ، مكشوف القناع ، ولم المظه ما يرويه الغلاة ، ولم احبّره بما يستلذه الغواة ، وختمت مجموعي هذا بقصة المختار ، الذي شفى صدور الأبرار ، من تلك الأوتار ، وبمقتل عبيد الله بن زياد الأبتر ، بصمصام إبراهيم بن الأشتر ، لا طفئ من قلوب أهل الإسلام نائرة أرثتها عصابة لا تنطفي في الآجلة نارها ، واسترحض عار باغية لا يرحض في العاجلة عارها ، حين استهانوا برد المعقول ، وعصوا دواعي العقول ، وباءوا من الله بالغضب والمقت ، واستحقوا منه ما استحق أصحاب السبت ، وإن استمرت في خلال ذلك للأشقياء جولة على السعداء ، واستفحلت للبغاة وطأة على الشهداء ، ليكرم الله تعالى منقلب ذريه الرسول ومآبهم. ويجزل لهم بالشهادة ثوابهم ، ثمّ إنّ الله تعالى أرسل على عبيد الله بن زياد ، صاعقة ابراهيم بن الأشتر الكمي ابن الكمي ، والسري ابن السري ، فأزهق نفسه ، وكوّر شمسه ؛ فاذاقه شطر وبال ما احتطب ، وجزاء ما اكتسب ، وجعل الذي بجبينه معصوبا ، والسيف على رأسه مصبوبا ، وسلّ عليه وعلى من انحاز إليه ؛ من تلك الفرقة اللعينة ، وضامه من تلك الجثث الخبيثة ، سيفا دامي الغرار ، يحكم على رقاب هؤلاء الأغرار ، ومد يده الطويلة الباع الى اجتياحهم ، وأشرع رمحا مسبوكا من ريقة الرقشاء الى انتهاكهم ، وطهر أديم الأرض من أدناس هؤلاء العارمين الالمين ، وتركهم في مصابهم جاثمين ،( فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) الأنعام / ٤٥.

٢١
٢٢

الفصل الاول

في ذكر شيء من فضائل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

٢٣
٢٤

١ ـ انبأني شيخ الدّين أبو الحسن عليّ بن أحمد بن حمويه الجويني ، أخبرنا أحمد بن قتيبة الحروجردي ، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله العبدي ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن أبي العوام ، أخبرنا بهلول بن المورق ، أخبرنا موسى بن عبيدة ، أخبرنا عمرو بن عبد الله بن نوفل ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قال لي جبرائيلعليه‌السلام : قلبت الأرض مشارقها ومغاربها ، فلم أجد رجلا أفضل من محمّد ، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها ، فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم».

٢ ـ وأخبرنا الشيخ الصالح العالم العدل أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي الهروي ، عن مشايخه الثلاثة : القاضي أبي عامر محمود بن القاسم الأزدي ؛ وأبي نصر عبد العزيز بن محمّد الترياقي ؛ وأبي بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي (رحمهم‌الله ) ثلاثتهم ، عن أبي محمّد عبد الجبار بن محمّد الجراحي ، عن أبي العبّاس محمّد بن أحمد

٢٥

المحبوبي ، عن الإمام الحافظ عيسى بن محمّد بن عيسى الترمذي ، أخبرنا الحسين بن زيد الكوفي ، أخبرنا عبد السلم بن حرب ، عن ليث ، عن الرّبيع ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشرهم إذا يئسوا ، لواء الحمد يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر».

٣ ـ وبهذا الإسناد عن أبي عيسى الترمذي ، أخبرنا الحسين بن يزيد ، أخبرنا عبد السلم بن حرب ، عن يزيد بن أبي جالد ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبد الله بن الحرث ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل من تنشق عنه الأرض فأكسى الحلّة من حلل الجنّة ، ثمّ أقوم عن يمين العرش وليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري».

٤ ـ وبهذا الإسناد عن أبي عيسى الترمذي ، أخبرنا محمّد بن بشار ، أخبرنا أبو عاصم ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن ليث ـ وهو ابن أبي سليم ـ حدّثني كعب ، حدّثني : أبو هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سلوا الله لي الوسيلة» قالوا : يا رسول الله! وما الوسيلة؟ قال : «أعلى درجة في الجنّة لا ينالها إلّا رجل واحد أرجو أن أكون أنا».

٥ ـ وبهذا الإسناد عن أبي عيسى الترمذي ، أخبرنا ابن أبي عمر ، أخبرنا سفيان ، عن ابن جدعان ، عن أبي نصرة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبيّ يومئذ ، آدم فمن سواه إلّا تحت لوائي ، وأنا أوّل من تشقّ عنه الأرض ولا فخر».

٦ ـ وبهذا الإسناد عن أبي عيسى الترمذي ، أخبرنا عليّ بن نصر بن عليّ الجهضمي ، أخبرنا عبد الله بن عبد المجيد ، أخبرنا رفعة بن صالح ، عن

٢٦

سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظرونه ، قال : فخرج حتّى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم ، فقال بعضهم : عجبا انّ الله اتّخذ من خلقه خليلا اتّخذ إبراهيم خليلا! وقال آخر : ما ذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما! وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه! وقال آخر : آدم اصطفاه الله!

فخرج عليهم فسلّم وقال : «قد سمعت كلامكم وعجبكم ان ابراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أوّل من يحرك حلق الجنّة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأوّلين والآخرين ولا فخر».

٧ ـ أخبرنا العلّامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ره) ، أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام أبو عليّ الحسن بن علي بن أبي طالب الفرزادي ـ بالري ـ ، أخبرنا الشيخ الفقيه الزاهد أبو بكر طاهر بن الحسين بن عليّ السّمان ، أخبرنا عمّي الشيخ الزاهد الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السّمان الرّازي ، أخبرنا أبو عمر ؛ وعبد الواحد ابن محمّد بن عبد الله الفارسي ، أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن إسحاق المصري ، أخبرنا الرّبيع بن سليمان المرادي ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال ، حدّثني العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «فضلت على الأنبياء بست : اعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، واحلّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا

٢٧

ومسجدا ، وأرسلت إلى النّاس كافة ، وختم بيّ الأنبياء».

٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي سعد السّمان هذا ، أخبرنا أبو نصر محمّد ابن عليّ بن الحسين الخفاف ، وعليّ بن محمّد بن أحمد بن يعقوب ـ قراءة عليهما ـ قالا : حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن خالد ، أخبرنا أبو سهل موسى ابن نصر ، أخبرنا يعلى بن عبيد ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن مالك ، عن مكحول ، قال : كان لعمر على رجل من اليهود حق فأتاه فطلبه ، فقال عمر : لا ، والّذي اصطفى محمّدا على البشر لا افارقك وأنا أطلبك بشيء ، فقال اليهودي : ما اصطفى محمّدا على البشر.

فلطمه عمر ، فقال : بيني وبينك أبو القاسم ، فجاءه فقال : إنّ عمر قال : والّذي اصطفى محمّدا على البشر ، فقلت : ما اصطفى محمّدا على البشر فلطمني ، فقال (صلّى الله عليه) : «أنت يا عمر! فارضه من لطمه. بلى يا يهودي! آدم صفي الله ؛ وإبراهيم خليل الله ؛ وموسى نجي الله ؛ وعيسى روح الله ؛ وأنا حبيب الله. بلى يا يهودي! تسمى الله باسمين سمى بهما امتي : هو السّلام وسمى أمّتي المسلمين ، وهو المؤمن وسمى أمّتي المؤمنين. بلى يا يهودي! طلبتم يوما ذخر لنا اليوم ، وغد لكم ، وبعد غد للنصارى. بلى يا يهودي! أنتم الأوّلون ونحن الآخرون السّابقون يوم القيامة. بلى يا يهودي! إنّ الجنّة محرمة على الأنبياء حتّى أدخلها ، وهي محرمة على الامم حتّى تدخلها امتي».

٩ ـ قال : وفي «المراسيل» عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : «إذا كان يوم القيامة فأوّل من يقوم من قبره الصّادق النّاطق النّاصح المشفق محمّدعليه‌السلام فيأتيه جبرائيل بالبراق ، وميكائيل بالتاج ، وإسرافيل بالقضيب ، ورضوان بالحلتين ، ثمّ ينادي جبرائيل : أين قبر

٢٨

محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فتقول الأرض : حملتني الرياح مع الجبال فدكتا دكة واحدة ، فلا أدري أين قبر محمّدعليه‌السلام ؟ فيرتفع من قبره عمود من نور إلى عنان السماء ، فيبكي جبرائيل بكاء شديدا ، فيقول له ميكائيل : ما يبكيك؟ فيقول : وما يمنعني من البكاء وهذا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم من قبره ويسألني عن امته ، وأنا لا أدري أين أمّته؟

قال : ثم ينصدع القبر فإذا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعد ينفض التراب من رأسه ولحيته ، ثمّ يلتفت يمينا وشمالا ، فلا يرى من العمران شيئا ، فيقول : يا جبرائيل! بشرني ، فيقول ابشّرك بالبراق السباق الطائر في الآفاق ، فيقول : بشرني ، فيقول : ابشرك بالتاج ، فيقول بشّرني ، فيقول : ابشرك بالقضيب والخلتين ، فيقول : بشّرني بامتي لعلّك خلفتهم بين أطباق النيران ، أو لعلّك تركتهم على شفير جهنم ، أو لعلّك تركتهم في أيدي الزبانية ، فيقول : ما رأيتهم؟ ولكنّهم بعد في لحودهم ، وما انشقّت الأرض عن آدمي قبلك؟ فيقوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويخرج من قبره ، ويمسح جبرائيل التراب من رأسه ولحيته ، ويضع التّاج على رأسه ، ويأخذ القضيب بيده ، فيدنو الى البراق ليركبها فتفرّ عنه ، فيقول جبرائيل : أما تستحين أيّتها البراق ، فهذا محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! فتقول البراق : وعزة ربّي وجلاله ، لا يركبني حتّى يضمن لي أن أكون في شفاعته ، فإنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضبه فيما مضى ، ولا يغضبه فيما بقي ، فيضمن لها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعته فتخضع برأسها ثمّ يركبها ، فإذا هو ـ بيت المقدس ـ على درّة بيضاء ، والكعبة بجنبها ، والمساجد حولها.

قال : فيسجد النبيّعليه‌السلام ، ويثني على الله بما لم يثن عليه أحد قبله ، فيقول له الجبّار: يا محمّد! فيقول : لبيك وسعديك ، والخير بين يديك ؛

٢٩

والمهدي من هديت ، عبدك بين يديك ، لا ملجأ ولا منجأ إلّا إليك ، تباركت ربّنا وتعاليت ، وهذا هو المقام المحمود في قوله تعالى :( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) الاسراء / ٧٩ ، فيقول تعالى : ارفع رأسك ، سل تعط واشفع تشفع ، وإذا نداء : يا رضوان! زخرف الجنان ، ويا مالك! سعر النيران ، ويا محمّد! قرب امتك الى الميزان ، فيقولعليه‌السلام : هلموا إلى العرض على الرحمن ، فيقولون : دعنا نشبع من النظر إلى وجهك فقد عشنا في حبّك ومتنا في حبّك وبعثنا في حبّك ؛ وإذا اكتحلنا من عزتك فسقنا الى من شئت ، فإنّ شوقنا إليك أكبر من شوقنا إلى الجنان والجواري والغلمان.

فينظرون إلى وجهه ساعة ثمّ يسوقهم سوق الراعي الشفيق غنمه ، وهو مع الملائكة جاث بين يدي الجبّار ، فيتعلّق بإزاء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة من الرّسل : إبراهيم خليل الرّحمن ؛ فيقول : لا أسألك ولدي ؛ وموسى كليم الله ، فيقول : لا أسألك أخي هارون ؛ وداود صفي الله ، ويقول : لا أسألك سليمان ؛ وعيسى روح الله ، ويقول : لا أسألك مريم ؛ ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول : لا أسألك نفسي أسألك المذنبين من أمّتي.

فتقول جهنم : من هذا الّذي يشفع كلّ إنسان لنفسه وهو يشفع لامته؟ فيقول جبرائيل : هذا محمّد المصطفى ، فتقول جهنم : يا ربّي وإلهي وسيّدي! نج محمّد وامّته من حرّي وبردي وهوامي وسلاسلي وأغلالي وألوان عذابي» ـ والقصة طويلة.

١٠ ـ وقال أهل التذكر : فضل الحبيب على الخليل ، لأن الخليل طلب الطهارة لنفسه ولأهل بيته على ما قال :( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) ابراهيم / ٣٥ ، والحبيب اعطي ذلك من غير مسألة على ما قال تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) الأحزاب / ٣٣.

٣٠

والخليل طلب الذكر على ما قال :( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) الشعراء / ٨٤ ، والحبيب كفي ذلك على ما قال تعالى :( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) الشرح / ٤.

والخليل سأله الجنّة على ما قال :( وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ) الشعراء / ٨٥ ، والحبيب اعطي ذلك من غير مسألة على ما قال :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) الكوثر / ١.

والخليل يحتسب الله عند المحنة فيقول :( حَسْبُنَا اللهُ ) آل عمران / ١٧٣ ، والحبيب كفي ذلك على ما قال :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ ) الأنفال / ٦٤.

والخليل يقتدى به في خصلة من خصاله على ما قال تعالى :( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) البقرة / ١٢٥. والحبيب يقتدى به في جميع خصاله على ما قال تعالى :( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب / ٢١.

والخليل يطلب الهداية على ما قال :( إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) الصافات / ٩٩ ، والحبيب كفي ذلك على ما قال تعالى :( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ) الضحى / ٧ ،( وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً ) الفتح / ٢.

والخليل يقول :( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) الشعراء / ٨٢ ، والحبيب يقال له :( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) الفتح / ٢.

والخليل سأل الرؤية للمناسك على ما قال :( وَأَرِنا مَناسِكَنا ) البقرة / ١٢٨ ، والحبيب أري الآيات من غير مسألة على ما قال :( لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ) الإسراء / ١.

وقالوا أيضا : فضل الحبيب على الكليم ؛ لأن الكليم سأل شرح الصدر على ما قال:( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) طه / ١٢٥ ، والحبيب اعطي ذلك من غير مسألة على ما قال تعالى :( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) الشرح / ١.

٣١

والكليم سجدت السحرة لعصاه ؛ والحبيب سجدت الأوثان لقضيبه.

والكليم قال في حقّ قومه( فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ) المائدة / ٢٥ ؛ والحبيب قال : «اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون».

والكليم حصل عند ضرب عصاه على ما قال :( فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) الشعراء / ٦٣ ؛ والحبيب حصل عند تفرق أصابعه على ما قال :( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) القمر / ١.

والكليم طلب رضى الله على ما قال :( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى ) طه / ٨٤ ؛ والحبيب يطلب رضاه على ما قال :( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ) الضحى / ٥.

والكليم معراجه الى الطور ؛ والحبيب معراجه الى البيت المعمور وإلى بساط النور.

والكليم ضرب الحجر فانفجر منه الماء ؛ والحبيب انفجر من أصابعه الماء.

ونوح له السفينة على الماء ؛ ومحمّد له البراق الطيار في الهواء (صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم‌السلام ).

١١ ـ أخبرنا عين الأئمة أبو الحسن عليّ بن أحمد الكرباسي ، أخبرنا عماد الدّين محمّد بن إبراهيم الوتري ، أخبرنا الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد البخاري ، أخبرنا إسحاق الرّازي ، أخبرنا القاضي أبو العباس أحمد ابن محمّد بن إبراهيم ـ بخوارزم الري ـ ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن حمويه النيشابوري بها ، أخبرنا محمّد بن الوليد البغدادي ـ بمكة ـ ، أخبرنا إبراهيم ابن صرمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فضلت على آدم بخصلتين : كان شيطاني كافرا فأعانني الله تعالى

٣٢

عليه حتى أسلم ، وأزواجي كنّ عونا لي ، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته كانت عونا له على خطيئته».

١٢ ـ وفي رواية أبي سعيد الخدري ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : جاء جبرائيل إلى النبيّعليه‌السلام وقال : إنّ ربّك يقرؤك السّلام ، ويقول : أتدري بما رفعت ذكرك؟ قال : «لا أدري» ، قال : يقول : إذا ذكرت ذكرت معي.

١٣ ـ أخبرنا الشيخ الإمام فخر الأئمّة أبو الفضل بن عبد الرّحمن الحفر بندي إجازة ، أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي ، أخبرنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن أحمد بن محمّد بن عبدان العطار ؛ وإسماعيل بن أبي نصر عبد الرّحمن الصابوني ؛ وأحمد بن الحسين البيهقي ، قالوا : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا عليّ بن حمّاد العدل إملاء ، أخبرنا هارون بن العبّاس الهاشمي ، أخبرنا جندل بن والق ، أخبرنا عمرو ابن أوس الأنصاري ، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن سعيد بن المسيّب ، عن ابن عبّاس ، قال : أوحى اللهعزوجل إلى عيسى : يا عيسى! آمن بمحمّد ، ومر من أدركه من أمّتك أن يؤمنوا به ؛ فلولا محمّد ما خلقت آدم ، ولو لا محمّد ما خلقت الجنّة والنّار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلا الله مح ـ أي نصف اسم محمّد ـ فسكن.

قال أبو عبد الله الحافظ : هذا حديث صحيح الإسناد ؛ ولم يخرجه الشيخان.

١٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو سعد عمرو ابن محمّد بن منصور العدل ، أخبرنا أبو الحسن محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ، أخبرنا إسماعيل بن مسلمة ، أخبرنا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن

٣٣

جدّه ، عن عمر بن الخطّاب قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لما اقترف آدم الخطيئة ، قال : يا ربّ! أسألك بمحمّد لما غفرت لي ، فقال الله تعالى : يا آدم! كيف عرفت محمّدا ولم أخلقه؟ قال : يا ربّ! لأنّك لمّا خلقتني بيدك ، ونفخت فيّ من روحك ؛ رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فعلمت أنّك لم تضف لاسمك إلّا أحبّ الخلق إليك.

فقال اللهعزوجل : صدقت يا آدم! إنّه لا حبّ الخلق إليّ إذا سألتني بحقّه فقد غفرت لك ، ولو لا محمّد ما خلقتك.

قال أبو عبد الله الحافظ : وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجه الشيخان.

١٥ ـ أخبرنا الثقة أبو بكر محمّد بن عبيد الله بن نصر بن الزاغوني ـ بمدينة السّلام ـ ، أخبرنا محمّد بن إسحاق أبو الحسن الباقرحي ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، أخبرنا أبي أحمد بن عامر ، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا ، حدّثني أبي موسى بن جعفر ، حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، حدّثني أبي محمّد بن عليّ الباقر ، حدّثني أبي عليّ بن الحسين ، حدّثني أبي الحسين بن عليّ ، حدّثني أبي عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ موسى سأل ربّه فقال : يا ربّ! اجعلني من أمّة أحمد؟ فأوحى الله إليه : يا موسى! إنّك لا تصل إلى ذلك».

١٦ ـ أخبرنا عين الأمّة أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي ، أخبرنا عماد الدّين أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم التوبري ، أخبرنا الشيخ الإمام شمس الأئمّة أبو محمّد عبد العزيز بن أحمد الحلواني (ره) ، حدّثنا الشيخ

٣٤

الحافظ أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن محمّد ، أخبرنا الشيخ الفقيه أبو نصر أحمد بن سهل ، أخبرنا ابن شهاب قال : قال عليّ بن إبراهيم ، قال مقاتل ابن سليمان ـ رفعه ـ :

إنّما فضل الله تعالى نبيّه محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله على النبيّينعليهم‌السلام ، وفضل امّته على جميع الامم لفضل منزلته عنده : إنّه من أسرع النّاس خروجا من الارض يوم القيامة إذا بعثوا ، وسيّد النبيين إذا حشروا ، وإمامهم إذا سجدوا ، وخطيبهم إذا وفدوا ، وشافعهم إذا جنوا ، وقائدهم إلى الجنّة إذا دخلوا ، وأقربهم مجلسا من الله تعالى إذا اجتمعوا ، يتكلّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الربّ تعالى فيصدقه ، ويسأله فيعطيه ، ويشفع فيشفعه ، ويعطيه الحوض المورود ، والشفاعة المقبولة ، ويبعثه المقام المحمود ، والكرم يومئذ له ، ومفاتيح الجنّة بيده ، وقد اتّخذه الله خليلا ، وكلّمه تكليما ، وجعله حكيما ، وبعثه نبيّا ، واتخذه شهيدا ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وغفر له ما لم يعلم ومما هو عامل ، وعلّمه الأسماء ، وزينه بالتقوى ، ودنا إليه فتدلّى عند سدرة المنتهى ، وأعطاه مكان التوراة السبع المثاني ، ومكان الزبور المئين ، وفضله ربّه بالحواميم والمفصل ، وأعطاه جوامع الخير وفواتحه ، وأعطاه اسمه الأعظم ، وخواتيم سورة البقرة ـ وهو كنز الرّحمن ـ ، وأعطاه الكوثر ـ وهو نهر في الجنّة حافتاه قباب الدر ـ فيها أزواجه ، وذلك النهر يطرّد مثل الشهد أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، طينته مسك أذفر ورضراضه الدر.

ومما فضله الله تعالى به أنّ ليلة أسرى به مثل له النبيّونعليه‌السلام فصلّى بهم وهم خلفه يقتدون به ، وممّا فضله الله تعالى به أنّه عاين تلك الليلة الجنّة والنّار فلما عرج الى السّماء وسلّمت عليه الملائكة عاين قوم موسى فآمنوا به وهم الّذين من وراء الصين ، وذلك أنّ بني إسرائيل حين عملوا بالمعاصي ،

٣٥

وقتلوا الّذين يأمرون بالقسط ، دعا قوم موسى وهم بالأرض المقدّسة ، فقالوا : اللهم! اخرجنا من بين أظهرهم ، فاستجاب الله لهم فجعل لهم سربا في الأرض فدخلوا فيه ، وجعل لهم نهرا يجري ، وجعل لهم مصباحا من نور بين أيديهم فساروا فيه سنة ونصفا وذلك من بيت المقدس إلى مجلسهم الّذي هم فيه ، فأخرجهم الله تعالى إلى الأرض الّتي يجتمع فيها الهوام والبهائم والسباع مختلطين فيها ليست لهم ذنوب ولا معاصي ، فأتاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الليلة ومعه جبرائيل فآمنوا به وصدقوه ، فعلمهم الصّلاة ثم قالوا : إنّ موسى قد بشرهم به.

ومما فضله الله تعالى به أنّه بعث إليه ملكا يخبره بملك من كان قبله ، وملك من يكون بعده الى يوم القيامة ، وملك الآخرة ، فقال : «اللهمّ! اجمعهما لي في الآخرة».

وممّا فضله الله تعالى به أنّ ملك الموت أتاه ليقبض روحه فلم يدخل عليه إلا بإذنه ، وأمر ملك الموت أن يخيره بين تركه وقبض روحه ، فاستنظره النبيّ حتّى يلقى أخاه جبرائيل ـ صلوات الله عليهما ـ ، فعرج ملك الموت ولقي جبرائيل ، فخيره جبرائيل : إما ميتة طيبة ، واما حياة لا هرم فيها.

وممّا فضله الله تعالى به أنّ اسرافيل هبط عليه ولم يهبط على أحد من الرّسل قبله ولا بعده ، وميكائيل عن يساره فعرض عليه : إمّا أن يكون نبيّا عبدا ، وإمّا أن يكون ملكا ، فأوما إليه جبرائيل بالتواضع ، فقال نبيّا عبدا ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله «فرأيت بين عيني إسرافيل كلّ شيء نزل عليّ قبل نزوله».

ومما فضله الله به أنّه أعطاه خمسا لم يعطهن أحد قبله : أنّه بعث إلى الجن والإنس الى يوم القيامة ، وإنما كان يبعث الأنبياء إلى قومهم والى أرضهم ، وأنّه جعلت له الأرض طهورا ومسجدا ، وأنّه حلت له الغنائم ولم

٣٦

تكن للأنبياء والرّسل حلالا ، وأنّه نصر على عدوه بالرعب مسيرة شهر ، وأنّه اعطي الشفاعة دون النبيّين في الآخرة وتلك الشفاعة العامة ، وذلك أنّ الله جعل لكلّ نبيّ دعوة في الدّنيا والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخّرها في الآخرة لامته.

وهذه الخصال لم تكن لأحد من ولد آدم.

ومما فضله الله به ان السماء لم تحرس ولم ترم بالكواكب قبل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا بعث حرست الملائكة السماء ، ورمت الشياطين بالشهب.

ومما فضله الله بن أنّه أخذ الله ميثاقه قبل النبيّين وأخذ له ميثاق النبيين بالتسليم والرضا والتصديق به.

وممّا فضله الله به في الآخرة أنّه أوّل من يسأل ، وأوّل من يدعى ، وأوّل من يشفع ، وأوّل من يأخذ بحلقة الجنّة.

ومما فضله الله به أنّ في الجنّة درجة تسمى ـ الوسيلة ـ في أعلى عليين من الجنان فهي له خاصة. وكانعليه‌السلام كثيرا ما يقول : «إنّ في الجنّة درجة لا ينالها إلا رجل واحد ـ يعني نفسه ـ وهي الوسيلة.

وممّا فضله الله به انّه جعل نساءه معه في الجنّة في خير البقاع ، ورفع ذكره في العالمين ، فكلما ذكر اللهعزوجل ذكر النبيعليه‌السلام معه في : يوم الجمعة ، وفي العيدين ، وفي مواقف الحج والعمرة ، وحول البيت والصفا والمروة ، وعند الجهاد ، وفي كل خطبة ـ حتّى خطبة النساء عند النكاح ـ ، وفي الأذان والإقامة والصلاة ، فكلّما ذكر الله تعالى ذكرعليه‌السلام معه ، وهو قوله :( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) الشرح / ٤.

وممّا فضله الله به أنّ الشيطان لم يسلط عليه في شيء.

وممّا فضله الله به أنّه أمر جبرائيل أن يأمر خازن النّار أن يكشف عن باب من أبواب النّار لينظر إليها.

٣٧

ومما فضله الله تعالى به أنّ ابليس أمر ماردا من الجن يقال له : «الأبيض» أن يأتيه فأتى ، وتمثل بصورة كأنّه يوحى إليه وهو يصلي ، فبعث الله جبرائيل ، فلمّا انصرف النبيّ إذا جبرائيل بينه وبين الشيطان فدفعه جبرائيل بيده ، فوقع من «مكّة» إلى «الهند» فانزل الله فيه :( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) التكوير / ٢١ ، فتلك قوة جبرائيلعليه‌السلام .

وممّا فضله الله تعالى به أنّ جبرائيل أتاه بسورة الأنعام ، ومعه سبعون ألف ملك ـ لهم زجل من التسبيح والتحميد ـ حتّى كادت الأرض ترج فخر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ساجدا.

ومما فضله الله تعالى به أنّ الله تعالى أمر ملائكته يحفظونه من بين يديه ومن خلفه.

ومما فضله الله تعالى به أنّ الشياطين كانوا يختلسون من الأنبياء عند الوحي ، ثمّ تلقي الشياطين على ألسن الكهنة والعرافين ممّا يستمعون من السّماء ، ثمّ يخبرون النّاس بما هو كائن ، فإذا قال نبيّهم : يكون كذا وكذا ، قالوا : قد سمعنا هذا قبل هذا ، فعصم الله تعالى نبيّه (صلواته عليه وآله) وآمنه ، وحرست السماء بالملائكة ، ورميت الشياطين بالشهب ، وحفظت الملائكة محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الوحي فلا يستمعون.

وممّا فضله الله تعالى به أنّه لا يدخل جنّة عدن احد قبله ـ وهي دار الرّحمن وموضع عرشه ـ ، وجنّة عدن قصبة الجنّة وهي مشرفة على الجنان ، وباب جنّة عدن لها مصراعان من زمرد من نور بينهما كما بين المشرق والمغرب.

ومما فضله الله تعالى به أنّه جعلت له ليلة القدر خيرا من ألف شهر يستبشر بها حملة العرش.

٣٨

ومما فضله الله تعالى به أنّه غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وفتح له فتحا يسيرا ، ونصره نصرا عزيزا ، وهداه صراطا مستقيما.

١٧ ـ أخبرنا سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، قال : سمعت في «مسند» أحمد بن حنبل ، و «معجم» الطبراني ، باسنادهما عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا محمّد النبيّ الأمين ـ ثلاث مرات ـ ولا نبيّ بعدي ، اوتيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ، وعلمت كم خزنة النّار؟ وكم حملة العرش؟ ومحو ربّي ، وعوفيت امتي ، فاسمعوا واطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله ، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه.

١٨ ـ قال : وسمعت في «المفاريد» برواية ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، إنّي لا افتخر بالعطاء والنعم ، وإنّما أفتخر بالمعطي والمنعم».

١٩ ـ قال : وفي ـ رواية عائشة ـ قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أشبه بأبي آدم ، وكان إبراهيم خليل الرّحمن أشبه النّاس بيّ خلقا وخلقا».

٢٠ ـ قال : وفي ـ رواية أنس ـ قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل من يأخذ بحلقة الجنّة فاقعقعها».

٢١ ـ قال : وفي ـ رواية ابن عمر ـ وهو في «جامع» أبي عيسى ، و «معجم» الطبراني ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل من تنشق عنه الأرض فأجلس جالسا في قبري فينفتح لي باب الى السماء بحيال رأسي حتّى أنظر إلى العرش ، ثمّ ينفتح لي باب من تحتي إلى الأرض السّابعة فأنظر إلى الثرى ، ثمّ ينفتح لي باب عن يميني فأنظر إلى الجنّة ومنازل أصحابي ، وأنّ الأرض تحرّكت تحتي ، فقلت لها : مالك ، أيتها الأرض؟

٣٩

قالت : إنّ ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي فأكون كما كنت إذ لا شيء فيّ».

٢٢ ـ قال : وفي ـ رواية أبي هريرة ؛ وأبي سعيد ـ قالا : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل من يوضع له الصراط على النّار فأمر عليه فأدخل الجنّة».

وفضائل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من أن نحيط بها ، وإنّما أشرنا إلى نبذ منها ليتبرك بيداءة الكتاب ، فمن أراد الاكثار من ذلك فعليه بمجموعي في فضائل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابي الموسوم «بالأربعين» ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

طريق الفكر واستخدام الدليل، بل يجده وجداناً من غير أن يحجبه عنه حاجب، ولا يجرّه إلى الغفلة عنه إلّا اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي اكتسبها، وهي مع ذلك غفلة عن أمر موجود مشهود لا زوال علم بالكلّية ومن أصله، فليس في كلامه تعالى ما يشعر بذلك البتة، بل عبّر عن هذا الجهل بالغفلة وهي زوال « العلم بالعلم » لا زوال أصل « العلم ».

فهذا ما يبيّنه كلامه سبحانه، ويؤيّده العقل بساطع براهينه، والذي ينجلي من كلامه تعالى أنّ هذا العلم المسمّى بالرؤية واللقاء يتم للصالحين من عباد الله يوم القيامة.

فهناك موطن التشرّف بهذا التشريف، وأمّا في هذه الدنيا والإنسان مشتغل ببدنه، ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية فهو سالك لطريق اللقاء والعلم الضروري بآيات ربّه كادح إلى ربه كدحاً ليلاقيه، فهو ما زال في طريق هذا العلم لن يتم له حتى يلاقي ربّه.

فهذا هو العلم الضروري الخاص الذي أثبته الله تعالى لنفسه وسمّاه رؤية ولقاء، ولا يهمّنا البحث من أنّها على نحو الحقيقة أو المجاز، فإنّ القرائن كما عرفت قائمة على إرادة ذلك فان كانت حقيقة كانت قرائن معيّنة، وإن كانت مجازاً كانت صارفة، والقرآن الكريم أوّل كاشف عن هذه الحقيقة على هذا الوجه البديع، فالكتب السماوية السابقة على ما بأيدينا ساكتة عن إثبات هذا النوع من العلم بالله وتخلو عنه الأبحاث المأثورة عن الفلاسفة الباحثين عن هذه المسائل، فإنّ العلم الحضوري عندهم كان منحصراً في علم الشيء بنفسه حتى كشف عنه في الإسلام فللقرآن المنّة في تنقيح المعارف الإلهية(١) انتهى.

وما ذكره ( قدس الله سره ) متين وقد سبقه إليه العرفاء الشامخون في تفسير

__________________

(١) الميزان: ج ٨، ص ٢٤٩ ـ ٢٥٣، طبعة طهران. وأذكر كلام سيّد الموحدين أمير المؤمنين حيث قال: تدركه القلوب بحقائق الإيمان نهج البلاغة: الخطبة ١٧٤.

٤٤١

« لقاء الله »، وحاصل هذا الجواب هو تعميم « العلم الحضوري » إلى علم الإنسان بنفسه وعلمه بعلّته التي هو قائم بها.

فالإنسان في ذلك المشهد الاُخروي يجد حضوره عند خالقه وبارئه، وذلك لأنّه لا حقيقة للمعلول إلّا قوامه بعلّته، وتعلّقه به كتعلّق المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي، فالإنسان في ذلك المشهد لأجل كماله يجد ذلك التعلّق، ويجد نفسه حاضراً عند بارئه حضوراً حقيقياً لا حصولياً، فكم فرق بين أن يتصوّر الإنسان تعلّقه بعلّته، أو ينتزع صورة من علّته فيصل إليه ببركة الصورة، وبين أن يجد تلك الواقعية بوجودها الخارجي، فذلك الحضور والشهود شهود بعين القلب، وحضور بتمام الوجود لا يصل إليه إلّا الأوحديّ في الدنيا، وكما يصل أكثر المؤمنين في العالم الآخر وثبوت الرؤية بهذا المعنى لا تضر بالعدلية ولا تنافي مسلكهم، وإنّما الكلام في الرؤية بالمعنى العرفي.

ونختم المقال بالمروي عن سيّد الموحّدين في مناجاته المعروفة بالمناجاة الشعبانية يقول: « إلهي هبْ لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة . ».

٤٤٢

حرف الميم

المائة والثامن: « المؤمن »

وقد ورد لفظ « المؤمن » في القرآن ٢٢ مرّة ووقع وصفاً له سبحانه في مورد واحد.

قال:( اللهُ الَّذِي لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ ) ( الحشر / ٢٣ ).

ذكر ابن فارس: إنّ لمادته معنيين متقاربين، أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب، والآخر التصديق، ويظهر من « الراغب » إرجاع المعنيين إلى معنى واحد قال: أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف. و « الأمن » و « الأمانة » و « الأمان » في الأصل مصادر.

وكأنّه يريد إرجاع المعنى الثاني أي التصديق إلى المعنى الأوّل وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف، وعلى كل تقدير فقد استعمل القرآن هذه المادة في المعنيين المذكورين قال حاكياً عن ولد يعقوب:( وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ) أي بمصدّق لنا، وكما قال:( وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ) أي أعطاهم الأمان الذي هو ضد الاخافة، وربّما يقال في إرجاع التصديق إلى المعنى الأوّل أي الأمان هو أنّ المتكلم يخاف أن يكذّبه السامع فإذا صدّقه وآمن له، فقد أزال ذلك الخوف عنه فسمّي التصديق إيماناً.

والظاهر أنّ المراد من المؤمن في الآية الذي وقع وصفاً له سبحانه هو « معطي الأمان » لعباده حيث يؤمّنهم عن العذاب في الدنيا والآخرة، قال:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم

٤٤٣

مِّنَّا الحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ *لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ *لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) ( الأنبياء / ١٠١ ـ ١٠٣ ).

وقال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ إلّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) ( فصّلت / ٣٠ ).

ويمكن أن يقال: إنّ المؤمن بمعنى المصدّق فهو سبحانه يصدّق أوليائه بالمعاجز والكرامات.

وأمّا حظ العبد من هذا الإسم فهو أن يؤمّن الخلق كلّهم من جانبه خصوصاً من كان له صلة به، قال النبي: « المسلم من سَلِم المسلمون من يده ولسانه » وقد روي أنّه قال: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليؤمّن جاره بوائقه »(١) .

هذا إذا كان مأخوذاً من الأمان بمعنى معطيه، وأمّا إذا كان من الايمان بمعنى التصديق فحظّه هو الإيمان بالله ورسله وكتبه وكل ما اُنزل من الله سبحانه.

المائة والتاسع: « مالك الملك »

وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه.

قال سبحانه:( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( آل عمران / ٢٦ ).

أمّا معناه فقد قال ابن فارس: « يدلّ على قوّة في الشيء وصحّة، يقال: أملك عجينه أي قوّى عجنه وشدّه، ثم اشتق منه ما يقال ملك الإنسان الشيء يملكه ملكاً

__________________

(١) نقله الرازي في لوامع البيّنات: ص ٩١.

٤٤٤

والاسم الملك ـ بكسر الميم ـ لأنّ يده فيه قويّة صحيحة، فالملك ـ بكسر الميم ـ ما ملك من مال.

أقول: قد اشتق من هذه المادة الألفاظ التالية :

١ ـ المُلك ـ بضم الميم ـ.

٢ ـ المِلك ـ بكسرها ـ.

٣ ـ الملِك ـ بكسر اللام ـ.

٤ ـ المالك.

٥ ـ المليك.

٦ ـ الـمـَـلك ـ بفتح الميم وسكون اللام ـ.

٧ ـ الملكوت.

وقد ورد الكل في الذكر الحكيم غير الملك ـ بكسر الميم ـ ولا بأس بتوضيح مفاد الكل من خلال الدقّة في الآيات المشتملة عليها.

قد عرفت أنّ المعنى الأصلي الجذري لمادة هذه الكلمات هو القوّة والقدرة فاشتقاق هذه الكلمات من ذلك المبدأ بهذا المعنى باعتبار معان طارئة عليها ونسب مضافة إليها.

أمّا الملك ـ بضم الميم ـ فهي عبارة عن السلطة سواء كان على الناس أم على الأشياء، لكن السلطة على الناس مبدأ للسياسة والتدبير في ُامورهم وشؤونهم، والسلطة على الشيء مبدأ للتصرف فيه بالبيع والهبة، فالجامع بينهما هو السلطة، ولها في كل مورد أثر خاص، والمتبادر من الملك ـ بالضم ـ الوارد في القرآن الكريم ٤٢ مرّة هو ذاك وإليك بعض الآيات :

( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ) ( البقرة / ١٠٢ ).

٤٤٥

( قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا ) ( البقرة / ٢٤٧ ).

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ المُلْكَ ) ( البقرة / ٢٥٨ ).

( قَوْلُهُ الحَقُّ وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ) ( الأنعام / ٧٣ ).

( لِمَنِ المُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ( غافر / ١٦ ).

والآيات تعرب عن معنى الكلمة وهو وجود السلطة والقدرة على التصرّف.

وأمّا الملك ـ بكسر الميم ـ فيراد منه الشيء المملوك نظير قول القائل: « السكة ضرب الأمير » أي مضروبه، ولا يتّصف الشيء بالمملوكية إلّا إذا كانت هناك رابطة تكوينيّة أو وضعية بينه وبين الشخص، أمّا الرابطة التكوينية ككون الإنسان مالكاً لجوارحه وفيء ظلّه له السلطة على القبض والبسط والاستعمال والترك، وإذا كانت الرابطة تكوينيّة واقعيّة حقيقية، فلا تتغير ولا تنعدم عبر الزمان إلّا بموت الإنسان وانعدامه، وأمّا الرابطة الوضعيّة الاعتباريّة، فكما إذا استولى على شيء من باب الحيازة فيرى نفسه أولى به من غيره، ولأجله يقوم بهبته وبيعه وتبديله، وبما أنّ الرابطة وضعيّة اعتباريّة تكون خاضعة للتبدّل والتحوّل، ولعلّ مبدأ الانتقال إلى الرابطة الوضعية، هي الرابطة التكوينية الموجودة بين الإنسان وأعضائه، فاعتبرت بين الإنسان وما استولى عليه محاكاة للتكوينية من الرابطة.

أمّا المـَلِك ـ بفتح الميم وكسر اللام ـ فهو وصف من المـُلك ـ بضم الميم ـ أي القادر الواسع القدرة الذي له السياسة والتدبير، فبما أنّ له السلطة على شؤون الناس والسياسة يطلق عليه المَلِك فهو المتصرّف بالأمر والنهي في المجتمع، وهذا هو المتبادر من لفظ الملك في الآيات التي ورد فيها، قال سبحانه:( وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) ( الكهف / ٧٩ ).

وقال سبحانه:( إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ( البقرة / ٢٤٦ ).

٤٤٦

ولـمّا كان أصحاب السلطة عبر القرون غالباً غير ملتزمين بالعدل والإنصاف، قال سبحانه حاكياً عن ملكة سبأ:( إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ) ( النمل / ٣٤ ).

وأمّا المالك فهو صيغة الفاعل فهو من بيده « الملك » ـ بالضم ـ أو الملك ـ بالكسر ـ فالله سبحانه مالك المُلك ـ بضم الميم ـ كما أنّه مالك الملك ـ بالكسر ـ ومالكيّته للأشياء لا ينافي ملكية الناس لها لإختلاف الرابطتين جوهراً وحقيقة، فالله سبحانه مالك للسماء والأرض وما فيهما مالكية تكوينية بإيجادها وابداعها لكن مالكية الإنسان لما يحوزه أو يكسبه مالكية اعتبارية اعتبرت مضاهية للرابطة الموجودة بين الإنسان وأعضائه.

وأمّا المليك فهي صيغة مبالغة من المَلِك ـ بكسر اللام ـ.

قال تعالى:( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) ( القمر / ٥٥ ).

وأمّا « الملكوت » فهو المُلك ـ بضم الميم ـ أضيف إليه الواو والتاء للمبالغة كالطاغوت والجبروت بالنسبة إلى الطغيان والجبر، والمتدبّر في الآيات الواردة حول هذا اللفظ يقف على أنّ المراد هو وجود الأشياء من حيث انتسابها إلى الله سبحانه وقيامها به وهذا أمر لا يقبل الشركة ويختصّ به سبحانه وحده.

قال سبحانه:( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ ) ( الأنعام / ٧٥ ).

وقال سبحانه:( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ ) ( الأعراف / ١٨٥ ).

والمراد منه حسب ما يعطيه التدبّر في الآيات الواردة في قصّة الخليل هو مشاهدة العالم من جهة استنادها إلى الله سبحانه استناداً لا يقبل الشركة، ولأجل ذلك افترض الخليل لأجل الإحتجاج على الخصم، أرباباً نسب إليهم في الظاهر تدبير العالم من كوكب زاهر وقمر بازغ وشمس مضيئة لأجل إفحام المخاطب، ثمّ عدل

٤٤٧

عنها لأجل اُفولها وغيبوبتها عن الإنسان المربوب وتوجّه إلى الرب الحقيقي وقال:( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ) ( الانعام / ٧٩ ).

وأمّا الملك ـ بفتح الميم وسكون اللام ـ فقد جاء في قوله سبحانه:( مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ) ( طه / ٨٧ ) فهو مصدر ملك يملك، والمراد ما أخلفنا الوعد حسب ما كنا نملك من أمرنا.

هذا ما يرجع إلى تفسير هذه الأسماء السبعة على وجه الإجمال، فلنرجع إلى تفسير « مالك الملك » الذي عقدنا البحث لأجل ذلك الاسم وإن اتّضح معناه بالبحث السابق.

قد عرفت أنّ المُلك ـ بضم الميم ـ هو السلطة والقدرة سواء تعلّق بالناس أو تعلّق بالشيء، فالله سبحانه بما أنّه مبدع للعالم، موجد للسماء والأرض وما بينهما يكون الكل ملكاً له سبحانه ملكية تكوينية، وكونه مالكاً لما خلق يستلزم كونه ذا سلطة وقدرة عليه، فينتج انّه سبحانه مالك الملك ـ بالضم ـ وله الايتاء لمن شاء والنزع ممّن شاء.

قال سبحانه:( أَنْ آتَاهُ اللهُ المُلْكَ ) ( البقرة / ٢٥٨ ).

وقال سبحانه:( وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) ( النساء / ٥٤ ).

وقال سبحانه:( كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) ( الدخان / ٢٥ ـ ٢٨ ).

فالملك بمعنى السلطة بالذات موهبة إلهية للمجتمع الإنساني، فلو كان المتقلّد للرئاسة دائناً بدين الحق، حابساً نفسه على ذات الله، قائماً بالقسط بين الاُمّة تكون راية العدل خفّاقة، وأبواب العلم منفتحة، فتعيش الاُمّة في ظلّها في صلاح وفلاح.

٤٤٨

وأمّا إذا كان ذلك السلاح بيد إنسان سيئ السيرة خبيث النيّة فينزوي الحق وينتشر الباطل وتصبح الحياة رهينة للمصاعب والمآسي، فالله سبحانه يمدح نفسه بأنّه « مالك الملك » فهو بهذا المعنى أي أنّه مالك تلك النعمة الثمينة كسائر النعم التي تقع على وجهين.

وأمّا قوله سبحانه:( تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( آل عمران / ٢٦ ) فلا يهدف إلى إنّ كلاًّ من الايتاء والنزع جزافيّ كيف وهو سبحانه حكيم منزّه عن العبث والجزاف.

قال سبحانه:( لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ) ( الأنبياء / ١٧ ).

وقال سبحانه:( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ( ص / ٢٧ ).

بل المراد أنّه سبحانه غير مجبور على أي من الإيتاء والنزع، فلا ينافي أن يكون كل منهما لمصلحة خاصّة عائدة على الاُمّة

المائة والعاشر: « مالك يوم الدين »

قد ورد هذا الاسم في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه.

قال سبحانه:( الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ *مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ( الفاتحة / ٢ ـ ٤ ).

قرأ عاصم والكسائي وخلف ويعقوب الحضرمي بالالف والباقون « ملك » بغير ألف.

ثمّ اختلفوا في أنّ أي القرائتين أمدح، فذكر كل من الطائفتين وجوهاً لترجيح

٤٤٩

قرائته على الآخر نذكر بعضها، فمن قرأ بالألف قال :

١ ـ إنّ هذه الصفة أمدح لأنّه لا يكون مالكاً للشيء إلّا وهو يملكه، وهذا بخلاف ما إذا كان ملكاً للشيء فربّما لا يملكه كما يقال « ملك العرب والروم » وإن كان لا يملكهم.

٢ ـ قد يدخل في المالك ما لا يصحّ دخوله في الملك ـ بكسر اللام ـ يقال فلان مالك الدراهم ولا يقال ملك الدراهم، فالوصف بالمالك أعمّ من الوصف بالملك.

٣ ـ والله مالك كل شيء وقد وصف نفسه بأنّه مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، فوصفه بالمالك أبلغ في الثناء والمدح من وصفه بالملك.

احتجّ من قرأ بغير الألف بوجوه :

١ ـ إنّ هذه الصفة أمدح لأنّه لا يكون إلّا مع التعظيم والاحتواء على الجمع الكثير.

٢ ـ إنّ الملك الذي يملك الكثير من الأشياء ويشاركه غيره من الناس في ملكه بالحكم عليه، وعليه كل ملك مالك وليس كل مالك ملكاً، وإنّما قال تعالى مالك الملك لأنّه تعالى يملك ملوك الدنيا وما ملكوا، ومعناه أنّه يملك ملك الدنيا فيعطي الملك فيها من يشاء.

ولا يخفى أنّ هذه الوجوه قابلة للنقاش ولكل من القراءتين دليل قرآني.

أمّا الأوّل فقد قال سبحانه:( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ *ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ *يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ ) ( الإنفطار / ١٧ ـ ١٩ ) لأنّ قولك « الأمر له » عبارة اُخرى عن كونه مالك الأمر وبعبارة اُخرى إنّ مقتضى كونه بمنزلة الاستثناء من الآية المتقدّمة أعني( لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ ) إنّه سبحانه مالك الأمر في ذلك اليوم.

كما أنّه يؤيّد القراءة الثانية قوله سبحانه:( لِمَنِ المُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ( غافر / ١٦ ).

٤٥٠

وقال سبحانه:( فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ ) ( طه / ١١٤ ).

وقال سبحانه:( المَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ ) ( الحشر / ٢٣ ).

وقال سبحانه:( مَلِكِ النَّاسِ *إِلَٰهِ النَّاسِ ) ( الناس / ٢ و ٣ ).

فلا يصحّ ترجيح واحد على الآخر بهذه الوجوه لأنّ لكل من القراءتين شاهداً قرآنياً، فلابدّ من الترجيح بالتتبع في القراءة المرويّة عن النبي (ص) بطريق أصحّ.

المائة والحادي عشر: « المبين »

قد ورد لفظ « المبين » في الذكر الحكيم ١٠٦ مرّة ووقع وصفاً له سبحانه في آية واحدة، قال تعالى:( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ) ( النور / ٢٥ ).

قال ابن فارس: « بان الشيء وأبان إذا اتّضح وانكشف، وفلان أبين من فلان أي أوضح كلاماً منه، وبهذا المعنى وقع وصفاً في القرآن لاُمور مثل: العدوّ، والكتاب، والضلال، والبلاغ، والسحر، والفوز، والثعبان، والساحر، والسلطان، والقرآن، والشهاب، والإمام، والنظير، والخصيم، واللسان، والخسران، والافك، والشيء، والنذير، والبلاء، والظالم، والرسول، والدخان، والاُفق، والاثم، والنور، والفتح.

وأمّا توضيح الآية فالمراد بالدين الجزاء كما في قوله:( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ( الحمد / ٤ ).

وتوفية الشيء بذله تامّاً كاملاً والمعنى أنّ الله يعطيهم يوم القيامة جزاءهم الحق إعطاءً تامّاً كاملاً، وأمّا قوله:( وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ) فهو من غرر الآيات القرآنية التي تفسّر معرفة الله وتنبئ عن أنّه تعالى هو الحق الواضح الذي يسهل الوصول إليه والتعرف عليه الذي لا سترة عليه بوجه من الوجوه، وعلى أي تقدير من التقادير فهو أبده البديهيات التي لا يتعلّق بها جهل، لكن البديهي ربّما

٤٥١

يغفل عنه فالعلم به تعالى يرجع إلى ارتفاع الغفلة عنه الذي ربّما يعبر عنه بــــ « العلم بالعلم » وهذا هو الذي يبدو لهم يوم الحق ( القيامة ) فيعلمون أنّ الله هو الحقّ المبين(١) .

فالله سبحانه حقٌّ لا يشوبه باطل، وجوده بيّن بالفطرة التي فطر الناس عليها، مبين بآثاره وأفعاله، مبين بوجوده، وفي كلمات أئمّة أهل البيت درر مضيئة في هذا المجال نأتي ببعضها.

قال أمير المؤمنين٧ : « يا من دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته »(٢) .

وقال الإمام السبط الحسين بن عليّ٧ :

« كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عَميت عينٌ لا تراك عليها رقيباً »(٣) .

وربّما يفسّر « المبين » بأنّه من الإبانة باعتبار إبانة خلقه كلاًّ من الآخر فصاروا أنواعاً وأصنافاً وأشخاصاً بحيث لم يكن ولا يكون فردان من كل صنف متّحدين من جميع الجهات حتى يشتبه أحدهما بالآخر(٤) .

والتفسير مبني على أخذه من « البين » بمعنى البينونة، وهو لا يلائم مفاد الآية وسياقها.

__________________

(١) الميزان: ج ١٥، ص ١٠٣.

(٢) من دعائه٧ بعد طلوع الفجر المعروف بدعاء الصباح.

(٣) من دعاء الإمام الحسين٧ يوم عرفة.

(٤) شرح الأسماء الحسنى للسيد حسين الهمداني: ص ٣٦.

٤٥٢

المائة والثاني عشر: « المُتَعال »

وقد ورد « المتعال » في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه.

قال:( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ المُتَعَالِ ) ( الرعد / ٩ ).

وأمّا معناه فهو من العلو بمعنى السمو والارتفاع، يقال تعالى النهار أي ارتفع.

والمتعال صفة من التعالي وهو المبالغة في العلوّ كما يدل عليه قوله:( تَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ) ( الاسراء / ٤٣ ).

فإنّ قوله علوّاً كبيراً مفعول مطلق لقوله سبحانه موضوع في محل قولنا تعالياً وهو سبحانه عليّ ومتعال، أمّا أنّه عليّ فلأن العلوّ هو التسلط والله متسلّط على كل شيء، وأمّا أنّه متعال فلأنّ له غاية العلو، فهو العال غاية العلوّ.

ثمّ إنّ الهدف من توصيفه سبحانه بالأسماء الثلاثة في الآية هو التركيز على أنّه سبحانه محيط بكل شيء ( عالم الغيب والشهادة ) يملك كل كمال ( الكبير ) المتسلّط على كل شيء ولا يتسلّط عليه شيء، فهو يعلم الغيب كما يعلم الشهادة، ولا يغلبه غيب حتى يعزب عن علمه شيء، لأنّه جامع لكل كمال، ومتسلّط على كل شيء(١) .

ثمّ إنّ هناك احتمالاً آخر وهو أنّ المقصود من المتعال هو تعاليه عن كل عيب ونقص وعن كل شريك وند، عمّا يجول في فكر المشركين والكافرين، ويؤيّد ذلك انّ فعل هذا الوصف جاء في القرآن الكريم ١٤ مرّة واُريد منه ذلك، قال سبحانه :

( وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الأنعام / ١٠٠ )(٢) .

__________________

(١) الميزان: ج ١، ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٢) وفي آيات :

( فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( الأعراف / ١٩٠، يونس / ١٨، النحل / ١ و ٣، المؤمنون / ٩٢ ،

٤٥٣

المائة والثالث عشر: « المتكبّر »

وقد ورد ذلك اللفظ في القرآن ثلاث مرّات ووقع في مورد واحد وصفاً له سبحانه.

قال سبحانه:( السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( الحشر / ٢٣ ). وهو مأخوذ من الكبر ـ بسكون الباء ـ(١) بمعنى العظمة، ومثله الكبرياء، ومعنى المتكبّر هو من تلبّس بالكبرياء وظهر بها، وإذا كان الكبر هو الحالة التي يوجب إعجاب المرء بنفسه ورؤية ذاته أكبر من غيره، لا ترى لذلك الوصف حقيقة إلّا في ذاته سبحانه.

قال الغزالي: « المتكبّر هو الذي يرىٰ الكل حقيراً بالاضافة إلى ذاته، فلا يرى العظمة والكبرياء إلّا لنفسه، وينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد، فان كانت هذه الرؤية صادقة كان التكبّر حقّاً وكان صاحبها محقّاً في ذلك التكبّر، ولا يتصوّر ذلك على الاطلاق إلّا في حق الله سبحانه وتعالى، ولئن كانت تلك الرؤية باطلة ولم يكن ما يراه من التفرد بالعظمة كما يراه ; كان التكبّر باطلاً مذموماً، وقد نقل عن النبي٦ حاكياً عن ربّ العزّة جلّ جلاله: « الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، من نازعني واحداً منهما قذفته في النار »(٢) وعلى ذلك فالتكبّر صفة مدح وكمال في حقّه سبحانه وفي حقّ غيره صفة نقص واختلال.

ثمّ إنّ بعض أهل العربية زعم أنّ باب التفعّل بمعنى التكلف دائماً، فوقع في تفسير ذلك الاسم في حيص وبيص، والحق أنّه ليس أصلاً دائميّاً بل ربّما يجيء بمعنى اظهار المبدأ كما هو الحال في باب التفاعل.

__________________

النمل / ٦٣، القصص / ٦٨، الروم / ٤٠، الزمر / ٦٧ ).

وهذا المعنى يعد فرعاً للمعنى الكلّي الذي فسّر به في تفسير « الميزان ».

(١) لا من الكبر ـ بفتح الباء ـ وهو الهرم والطعن في السن.

(٢) معنى الحديث أنّ العظمة له سبحانه والكبرياء عبارة عن إراءتها كما هو الحال في المتكبّر.

٤٥٤

وأمّا حظّ العبد من ذلك الاسم فهو أن يتكبّر عمّا سوى الحق تعالى فلا يطلب في عمله سواه حتى يكون هو الغاية دون غيره.

ثمّ إنّ رأس المعاصي ومبدأها هو التكبّر على الحق سواء كان هو الله سبحانه أم كان أنبيائه ورسله أم كتبه وزبره، فلا يعصي العاصي إلّا عن طغيان وتكبّر وإن لم يحس به في نفسه وهو أوّل ما عصي به الرحمان.

قال سبحانه:( إلّاإِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) ( البقرة / ٣٤ ).

وقال سبحانه:( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ ) ( القصص / ٣٩ ).

وللإمام أمير المؤمنين٧ كلمة في الكبر نأتي بها، قال٧ :

« الحمد لله الذي لبس العزّ والكبرياء واختارهما لنفسه دون خلقه وجعلهما حمى وحرماً على غيره، واصطفاهما لجلاله، وجعل اللعنة على من نازعه فيهما من عبادة، ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين ليميّز المتواضعين منهم من المستكبرين ( إلى أن ذكر إبليس فقال ) اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه وتعصّب عليه لأصله، فعدو الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادّرع لباس التعزّز، وخلع قناع التذلّل، ألا ترون كيف صغّره الله بتكبّره، ووضعه بترفّعه، فجعله في الدنيا مدحوراً وأعدّ له في الآخرة سعيراً »(١) .

__________________

(١) نهج البلاغة: خطبة ١٩٢.

٤٥٥

المائة والرابع عشر: « المتين »

وقد ورد المتين في الذكر الحكيم ثلاث مرّات ووقع في مورد واحد وصفاً له سبحانه.

قال سبحانه:( مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ *إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ ) ( الذاريات / ٥٧ و ٥٨ ).

و « المتين » من المتن قال ابن فارس: وهو في الأصل بمعنى الصلابة في الشيء مع امتداد وطول، والمتنان من الإنسان مكتنفاً الصلب من عصب ولحم.

والظاهر أنّ الامتداد والطول ليس جزء لمعناه وإنّما هو من لوازم الجري حيث يطلق على الأرض الصلبة أو على ما يكتنف الصلب من عصب ولحم، فلو اطلق على الحبل المستحكم « المتين » فهو من هذا الباب.

وجعل الرازي الأصل للمتن هو الظهر، قال: أمّا المتين فهو الشديد واشتقاقه من المتانة وهي الصلابة لغة، مأخوذاً من المتن وهو الظهر لأنّ استمساك أكثر الحيوان أن يكون بالظهر، ولهذا سمّيت القوّة باسم الظهر وباسم المتين.

قال تعالى:( وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ( الإسراء / ٨٨ ) ويقال كلام متين إذا كان قوّياً(١) .

وعلى كل تقدير فسواء كان الأصل هو الصلابة كما عليه ابن فارس أو الظهر كما عليه الرازي، فلا يصحّ توصيفه سبحانه بواحد من المعنيين، فوجب حمله على لازمه وهو الموجود الذي لا يتأثّر بالغير.

وقد عرفت أنّ القوّة لا ترادف القدرة المطلقة بل المراد المرتبة الشديدة منها فعلى ذلك يكون القويّ في الآية مرادفاً لقوله:( ذُو الْقُوَّةِ ) كما يكون المتين تأكيداً له بمعنى أنّه لا يغلب ولا يتأثّر من غيره فيكون مرادفاً لقولنا واجب الوجود لذاته.

__________________

(١) لوامع البينات: ص ٢٩٥.

٤٥٦

المائة والخامس عشر: « المجيب »

وقد ورد كل من المجيب والمجيبين مرّة واحدة ووقعا وصفين له سبحانه.

قال سبحانه:( فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ) ( هود / ٦١ ).

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ ) ( الصافّات / ٧٥ ).

وهو من « الجوب » وهو في الأصل بمعنى خرق الشيء، ولعلّ استعماله في الجواب والإجابة بما أنّه خرق للسكوت، ولكن « ابن فارس » قال: له أصل ( معنى ) آخر وهو مراجعة الكلام، يقال كلّمه فأجابه جواباً.

وعلى كل تقدير فهو وصف فعل لله سبحانه فهو يجيب سؤال عبيده ليس إجابته بالكلام وإنّما هو باعطاء سؤلهم، فهو اسم له تعالى باعتبار إعطائه طلب السائلين :

قال سبحانه:( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ( البقرة / ١٨٦ ).

نعم للإجابة شروط مقرّرة في أبحاث الدعاء فليس الإجابة محرّرة من كل شرط.

المائة والسادس عشر: « المجيد »

قد ورد « المجيد » في الذكر الحكيم أربع مرّات ووقع في موردين اسماً له سبحانه كما أنّه وقع في موردين آخرين وصفاً للقرآن الكريم.

قال سبحانه:( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) ( هود / ٧٣ ).

وقال:( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ *ذُو الْعَرْشِ المَجِيدُ ) ( البروج / ١٤ و ١٥ ).

وقال في وصف القرآن:( ق *وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ ) ( ق / ١ ).

وقال:( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ( البروج / ٢١ و ٢٢ ).

٤٥٧

وأمّا معناه فقد قال ابن فارس: فهو في الأصل يدل على بلوغ النهاية ولا يكون إلّا في محمود منه « المجد »: بلوغ النهاية في الكرم، والله « الماجد » و « المجيد » لا كرمَ فوق كرمه، وتقول العرب: « ماجد فلان فلاناً: فاخره ».

وقال الراغب: « المجد » السعة في الكرم والجلال ولو وصف به القرآن الكريم فلأجل كثرة ما يتضمّن من المكارم الدنيويّة والاُخروية، وبما أنّ كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني فيكون المجيد مبالغة في المجد، فالمجيد اسم له تعالى باعتبار رفعة ذاته وصفاته أو سعة كرمه وإحسانه حيث لا يتمكّن أحد من بلوغ تلك الرفعة.

المائة والسابع عشر: « المحيط »

وقد جاء المحيط في القرآن الكريم تسع مرّات ووقع وصفاً له في موارد ثمانية.

قال سبحانه:( وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) ( البقرة / ١٩ ).

وقال سبحانه:( إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) ( آل عمران / ١٢٠ ).

وقال سبحانه:( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ *وَاللهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) ( البروج / ١٩ و ٢٠ ).

والكلمة من الحوط وهو الإطافة بالشيء، ويطلق الحائط على الجدار الذي يحوط بالمكان، والمراد من هذا الوصف سعة وجوده سبحانه حيث لا يحدّه شيء بل كل شيء محاط له وقد أحاط بكل شيء علماً.

ثمّ إنّ الظاهر من الآيات أنّه سبحانه بذاته ووجوده محيط بالأشياء، كما أنّه محيط بعلمه أيضاً، غير أنّ من يثبت لله سبحانه جهة فوق العرش يؤوّل هذه الآيات بالاحاطة العلمية، وقد ذكرنا كلمة « أحمد بن حنبل » عند البحث عن اسم « القريب ».

قال سبحانه:( وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) ( البقرة / ١٩ ).

٤٥٨

وقال سبحانه:( أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ) ( فصّلت / ٥٤ ).

والعجب أنّ الرازي يفسّر الآية الثانية بقوله أنّه أحاط بكل شيء علماً(١) .

المائة والثامن عشر: « المحيي »

وقد ورد في الذكر الحكيم مرتين ووقع وصفاً له فيهما.

قال سبحانه:( فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي المَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( الروم / ٥٠ ).

وقال سبحانه:( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( فصّلت / ٣٩ ).

وعلى ذلك فالمحيي من صفات الفعل، فهو يحيي الأرض بعد موتها كما يحيي الإنسان يوم القيامة كذلك.

وقد عطفت الإحياء على الإماتة في غير واحد من الآيات.

وقال سبحانه حاكياً عن إبراهيم:( وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ) ( الشعراء / ٨١ ).

وقال سبحانه:( وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) ( البقرة / ٢٨ ).

ثمّ إنّ الإحياء والإماتة منصرفان إلى الجسمانية منهما، وربّما يطلق على غيرها.

قال سبحانه:( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ) ( الأنعام / ١٢٢ ).

وقال سبحانه:( وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ ) ( فاطر / ٢٢ ).

وعلى ذلك فالإحياء والإماتة باقسامهما من الله سبحانه يفاضان منه إلى عباده

__________________

(١) لوامع البيّنات: ص ٣٥٨.

٤٥٩

ومخلوقاته عن طريق الأسباب والعلل، فالاعتراف بأنّه هو المحيي والمميت ليس انكاراً لقاعدة السببية والعلّية، فالله سبحانه كما هو المميت، فملك الموت أيضاً مميتٌ وكذلك الملائكة.

قال سبحانه:( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) ( السجدة / ١١ ). كما أنّ هناك رسلاً غيبيّة يقومون بهذا العمل.

قال سبحانه:( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ) ( الأعراف / ٣٧ ).

وقد ذكرنا ذلك غير مرّة.

وأمّا حظ العبد من هذا الاسم فهو أن يحيي قلبه بذكره وعبادته وإماتة الغزائز العادية بكبح جماحها.

المائة والتاسع عشر: « المستعان »

وقد ورد « المستعان » في الذكر الحكيم ووقع وصفاً له سبحانه مرّتين.

قال تعالى:( وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ) ( يوسف / ١٨ ).

وقال سبحانه:( قَالَ رَبِّ احْكُم بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ المُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ) ( الأنبياء / ١١٢ ).

و « المستعان » صيغة مفعول من « استعان » بمعنى طَلَبَ العون.

قال الراغب: وهو بمعنى المعاونة والمظاهرة.

قال سبحانه:( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ) ( الكهف / ٩٥ ) و( أَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) ( الفرقان / ٤ ) والاستعانة: طلب العون.

قال سبحانه:( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) .

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538