مفاهيم القرآن الجزء ٦

مفاهيم القرآن11%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-222-6
الصفحات: 538

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 538 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237676 / تحميل: 6110
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٢-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ج ـ ومن عابد للاسم والمعنى أي كلّ واحد منهما أو مجموعهما فقد أشرك.

والتعبير بالشرك والكفر في القسمين الأوّلين لا يخفى لطفه.

د ـ ومن عابد للمعنى المقصود من هذه الأسماء بأن اعتقد الهاً خارجاً عن اطار الألفاظ والمفاهيم الذهنية وعقد عليه قلبه وجعل اللفظ معبراً عنه، فهو موحّد يقتفي أثر سيّد الموحّدين علي٧ .

٣ ـ وروي عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله٧ عن أسماء الله واشتقاقها: الله ممّا هو مشتق ؟ قال فقال: يا هشام، الله مشتق من اِله، والاله يقتضي مألوهاً، والاسم غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر، ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد. أفهمت يا هشام ؟

قال: فقلت: زدني، قال: « إنّ لله تسعة وتسعين اسماً فلو كان الاسم هو المسمّى، لكان كلّ اسم منها إلهاً، ولكن الله معنى يُدَلُّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره ـ إلى أن قال ـ يا هشام، الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب، والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله جلّ وعزّ غيره ؟ »(١) .

ورواه أيضاً عن عبدالرحمن بن أبي نجران لكن باختلاف يسير، قال: كتبت إلى أبي جعفر أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد ؟ قال: فقال: إنّ من عبد الاسم دون المسمّى بالأسماء أشرك وكفر وجحد، ولم يعبد شيئاً بل اعبدوا الله الواحد الأحد الصمد المسمّى بهذه الأسماء، دون الأسماء، إنّ الأسماء صفاته وصف بها نفسه(٢) .

__________________

(١) الكافي: ج ١ باب المعبود ص ٨٧ الحديث ٢.

(٢) المصدر نفسه: الحديث ٣.

٤١

ترى أنّه٧ يستدل على المغايرة بوجهين :

الأوّل: إنّ لله أسماء متعدّدة فلو كان الاسم عين المسمّى لزم تعدد الالهة لبداهة مغايرة تلك الأسماء بعضها لبعض.

الثاني: إنّ الخبز اسم لشيء يحكم عليه بأنّه مأكول، ومعلوم أنّ هذا اللفظ غير مأكول.

٣ ـ هل اسماؤه توقيفية أو لا ؟

المراد من توقيفية أسمائه توقف اطلاقها على الاذن فيه، وليس الكلام في الأسماء الموضوعة له بين شعوب العالم حسب اختلاف ألسنتهم حيث أنّ العرب يسمّيه سبحانه « الله » والعجم « خدا » والترك « تارى » وقسم من الافرنج « God » كلّ اُمّة من الامم تسميه سبحانه باسم يشيرون به إلى ما يؤمنون به بالفطرة.

إنّما النزاع في غير هذا القسم كالذي يشعر بوصف من صفاته أو أفعاله كالعالم والقادر.

فذهبت المعتزلة والكرّامية إلى أنّه إذا دلّ العقل على اتّصافه تعالى بصفة وجودية أو سلبية: جاز أن يطلق عليه اسم يدل على اتصافه بها سواء ورد بذلك أذن شرعي أو لم يرد وكذا الحال في الأفعال.

وقال القاضي الباقلاني من الأشاعرة: كلّ لفظ دلّ على معنى ثابت لله تعالى جاز إطلاقه عليه بلا توقيف إذا لم يكن إطلاقه موهماً لما لا يليق بكبريائه، فمن ثمّ لم يجز أن يطلق عليه لفظ العارف لأنّ المعرفة قد يراد بها علم يسبقه غفلة، ولا لفظ الفقيه لأنّ الفقه فهم غرض المتكلّم من كلامه، وذلك مشعر بسابقة الجهل، ولا لفظ العاقل لأنّ العقل علم مانع عن الاقدام على ما لا ينبغي، مأخوذ من العقال، وإنّما يتصوّر هذا المعنى في من يدعوه الداعي إلى ما لا ينبغي ولا لفظ الطبيب لأنّ الطب يراد به علم مأخوذ من التجارب إلى غير ذلك من الأسماء التي فيها نوع ايهام

٤٢

بما لا يصحّ في حقّه تعالى.

وذهب بعض آخر إلى أنّه يشترط وراء ذلك الإشعار بالتعظيم حتّى يصحّ الاطلاق بلا توقيف.

وذهب الشيخ الأشعري ومتابعوه إلى أنّه لابد من التوقيف وذلك للاحتياط احترازاً عمّا يوهم باطلاً لعظم الخطر في ذلك، فلا يجوز الإكتفاء في عدم ايهام الباطل، بمبلغ ادراكنا بل لابد من الاستناد إلى إذن الشارع(١) .

وقال الغزالي: « إنّ الأسماء موقوفة على الاذن وأمّا الصفات فغير موقوفة عليه وهو خيرة الرازي في كتابه »(٢) .

وحجّة من ذهب إلى التوقيف على الاطلاق هو أنّه لو لم يتوقّف ذلك على الاذن لجاز تسميته عارفاً وفقيهاً وعاقلاً وفطناً وطبيباً، ولكنّه مدفوع بما ذكره الباقلاني من أنّ الجواز فيما إذا لم يكن هناك نوع ايهام لما لا يصحّ في حقّه تعالى وما ذكر من الأمثلة من هذا القبيل، ولأجل ذلك لا يمكن تسميته سبحانه بالخادع والماكر والمستهزئ، وإن نسب سبحانه الأفعال إلى نفسه وقال :

( يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) ( النساء / ١٤٢ ).

( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا *وَأَكِيدُ كَيْدًا *فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ) ( الطارق / ١٥ ـ ١٧ ).

( اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( البقرة / ١٥ ).

فلا يصحّ في مقام الدعاء أن يقول: يا أيّها الخادع والكائد والمستهزئ اقض حاجتي، فإنّ الجري والنسبة غير التسمية والأوّل خال عن الإيهام لأنّ اللفظ ورد من باب المشاكلة في الكلام، كما هو واضح لمن لاحظ الآيات بخلاف التسمية، فإنّه

__________________

(١) شرح المواقف: ج ٨ ص ٢١٠، وشرح المقاصد: ج ٢ ص ١٧١.

(٢) لوامع البينات للرازي: ص ٣٦.

٤٣

خال عن تلك القرينة.

وأمّا التفصيل الذي ذكره الغزالي واختاره الرازي فحجّته انّا أجمعنا على أنّه لا يجوز لنا أن نسمّي الرسول باسم ما سماه الله به، ولا باسمٍ ما سمّى هو نفسه به فإذا لم يجز ذلك في حقّ الرسول بل في حقّ أحد من آحاد الناس فهو في حقّ الله تعالى أولى(١) .

يلاحظ عليه: إنّ ما لا يجوز في حقّ الرسول هو التسمية على وجه العلميّة كأن يقول: مكان يا محمداً ويا أحمد يا شيث فإنّه يعد نوع تصرف في سلطان الغير، ولكن المراد بالتسمية هنا هو توصيفه بما صدر منه من الأفعال أو اتّصف به من الصفات فمنعه موضع تأمّل، فلو قال رجل للنبي الأكرم أيها الصابر أمام العدو، والصافح عنه فلا وجه لمنعه، فالغزالي والرازي خلطا التسمية على وجه العلمية بالتسمية بمعنى توصيفه بمحامد صفاته وجلائل أفعاله.

ثمّ إنّه أورد على نفسه وقال: أليس انّ العجم يسمّون الله تعالى بقولهم: « خداى » والترك بقولهم « تنكرى » والاُمّة لا يمنعون من هذه الألفاظ ؟ أجاب: إنّ ذلك من باب الاجماع فيبقى ما عداه على الأصل(٢) .

يلاحظ عليه: إنّ جواز ذلك ليس من باب الاجماع فإنّ ذلك كان ذائعاً قبل بعثة النبي٩ فإنّ كلّ أمّة حسب وحي الفطرة تشير إلى القوّة الكبرىٰ السائدة على العالم بلفظ من الألفاظ ولم ينقل عن أحد منع الشعوب عن التكلّم بلسانها عمّا تجده في فطرتها والزامهم على التعبير عنه باللفظ العربي أو غيره.

والذي أظن أنّ تسميته بما ليس فيه ايهام لما لا يصحّ وصفه به جائز لا مانع منه، وأمّا توصيفه به، فلا وجه لمنعه لأنّ مدلول اللفظ لـمّا كان ثابتاً في حقّه تعالى كان وصف اللّه تعالى به كلاماً صادقاً.

__________________

(١) لوامع البينات للرازي: ص ٣٩.

(٢) لوامع البينات للرازي: ص ٣٩.

٤٤

ثمّ إنّه ربما يستدل على التوقيفية بقوله سبحانه:( وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( الأعراف / ١٨٠ ).

والاستدلال مبني على أمرين :

١ ـ إنّ اللام في الأسماء الحسنى للعهد تشير إلى الأسماء الواردة في الكتاب والسنّة.

٢ ـ إنّ الالحاد هو التعدي إلى غير ما ورد فيهما.

وكلا الأمرين غير ثابت، أمّا الأوّل فالظاهر ان اللام في الأسماء للاستغراق قدّم عليها لفظ الجلالة لأجل إفادة الحصر ومعنى الآية انّ كلّ اسم أحسن في عالم الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد، فإذا كان الله سبحانه ينسب بعض هذه الأسماء إلى غيره كالعالم والحيّ فأحسنها لله أعني الحقائق الموجودة بنفسها، الغنيّة عن غيرها والثابتة أيضاً لغيره من العلم والحياة والقدرة المفاضة من جانبه سبحانه من تجلّيات صفاته وفروعها وشؤونها، والآية بمنزلة قوله سبحانه:( أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا ) ( البقرة / ١٦٥ ) وقوله:( فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا ) ( النساء / ١٣٩ ) وعلى ذلك فمعنى الاية: إنّ لله سبحانه حقيقة كلّ اسم أحسن لا يشاركه غيره إلّا بما ملّكهم منه كيفما أراد وحيث شاء.

وأمّا الثاني فلأن الالحاد هو الميل عن الوسط إلى أحد الجانبين وهو يتصوّر في أسمائه بوجوه :

١ ـ اطلاق أسمائه على الأصنام بتغيير ما كاطلاق « اللات » المأخوذ من الاله بتغيير على « الصنم » المعروف، واطلاق « العزّى » المأخوذ من العزيز، فكان المشركين يلحدون ويميلون عن الحقّ بسبب هذه الإطلاقات لإرادتهم التشريك والحطّ من مرتبة الله.

٤٥

٢ ـ تسميته بما لا يجوز وصفه به لما فيه من النقص كوصفه سبحانه بأبيض الوجه وجعد الشعر، ومثله تسميتة بالخادع والماكر والكائد.

٣ ـ تسميته ببعض أسمائه دون بعض حيث كان العرب يقولون: « يا الله ويا رحيم » ولا يقولون « يا رحمان » ولدفع ذلك قال سبحانه:( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ ) ( الاسراء / ١٠ ). وقال سبحانه:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ) ( الفرقان / ٦٠ ).

إلى غير ذلك من أقسام الإلحاد والعدول عن الحقّ في أسمائه.

وبذلك يظهر أنّه لا مانع من توصيفه سبحانه بالواجب أو واجب الوجود أو الصانع أو الأزلي أو الابدي وان لم ترد فيها النصوص مع أنّه سبحانه يقول:( صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) ( النمل / ٨٨ ).

وأضعف من القول بالتوقيف، القول بأنّ الذي ورد به التوقيف تسعة وتسعون اسماً، حيث رووا عن رسول الله٦ « إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة » وقد أخرج الترمذي وابن المنذر وابن حبّان وابن مندة والطبراني والحاكم والمردويه والبيهقي فهرس هذه الأسماء باسنادهم عن أبي هريرة(١) .

مع أنّه ورد في الكتاب والسنّة أسماء خارجة عن التسعة والتسعين كالبارئ، والكافي، والدائم، والبصير، والنور، والمبين، والصادق، والمحيط، والقديم، والقريب، والوتر، والفاطر، والعلاّم، والمليك، والأكرم، والمدبّر، والرفيع، وذي الطول، وذي المعارج، وذي الفضل، والخلاّق، والمولى، والنصير، والغالب، والرب، والناصر، وشديد العقاب، وقابل التوب، وغافر الذنب، ومولج الليل في النهار، ومولج النهار في الليل، ومخرج الحي من

__________________

(١) سيوافيك نقله من صحيح الترمذي، ونقله السيوطي عنه في الدرّ المنثور.

٤٦

الميت، ومخرج الميت من الحي، والسيّد، والحنّان، والمنّان.

وقد شاع في عبارات العلماء المريد، والمتكلّم، والشيء، والموجود، والذات، والأزلي، والصانع، والواجب(١) . أضف إلى ذلك: إنّ اثبات الشيء لا يدل على نفي ما عداه، فعدم ورود بعض الأسماء في هذه الرواية لا يدل على تحريم تسميته به.

الروايات وتوقيفية الأسماء

وربّما يستدل على توقيفية الأسماء ببعض الروايات المرويّة عن أئمة أهل البيت: .

١ ـ فعن محمد بن حكيم قال: كتب أبو الحسن موسى بن جعفر٨ إلى أبي: « إنّ الله أعلى وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه وكُفّوا عمّا سوى ذلك »(٢) .

والشاهد في قوله: « كفّوا عمّا سوى ذلك ».

٢ ـ ما رواه حفص أخو مرازم عن المفضّل. قال سألت أبا الحسن٧ عن شيء من الصفة فقال: لا تجاوزوا ما في القرآن(٣) .

والروايتان لا تخلوان من الضعف سنداً ودلالة، فقد ورد في سندهما سهل بن زياد وهو ضعيف، كما اشتمل الثاني على ضعيف كسندي بن ربيع، ومجهول كحفص « أخو مرازم »، وامّا ضعف الدلالة فمن المحتمل جداً إنّ الهدف منع تسميته بما يسمّى به عوام الناس من غير اكثرات، فربما يسمّونه باُمور يشتمل على

__________________

(١) شرح المقاصد للتفتازاني: ج ٢ ص ١٧٢.

(٢) الكافي: ج ١ باب النهي عن الصفة بغير ما وصف الله به نفسه الحديث ٦.

(٣) المصدر نفسه.

٤٧

جهات من النقص والتشبيه، فلأجل ذلك يقول الامام: « كفّوا عمّا سوى ذلك » أو « لا تتجاوزوا ما في القرآن »، وأمّا إذا كانت التسمية بريئة عن النقص والعيب، مناسبة لساحته سبحانه من العزّ والتنزيه كتوصيفه بواجب الوجود فالروايات منصرفة عنه.

والذي يقوّي ذلك الاحتمال انّه ورد في الأوساط الاسلامية صفات خبرية تعد من بدع اليهود والنصارى فقد أدخلها أحبار اليهود ورهبان النصارى حتى يشوّهوا بذلك عقائد المسلمين كما حقّفناه في موسوعتنا حول الملل والنحل(١) .

وأمّا إذا كانت التسمية والتوصيف مطابقة للضوابط التي يستقل به العقل في توصيفه وتحميده وتكريمه فالروايتان منصرفتان عنه، وبذلك يتّضح أنّه يصحّ تسميته بواجب الوجود، وتوصيفه بالضرورة الأزلية، وغير هما مما ورد في كتب الفلسفة والعرفان.

٤ ـ بساطة الذات وكثرة الأسماء

إنّ الكتاب والسنّة يثبتان لله سبحانه أسماءً وصفات متكثّرة ومختلفة هذا من جانب، ومن جانب آخر تدل البراهين العقلية على أنّه سبحانه بسيط غير متكثّر فعندئذ كيف تجتمع البساطة مع كثرة الصفات ؟ فهما متغايران في بدء النظر.

وإن شئت قلت: إنّ الوحدة كمال والكثرة نقصان، وهذا يقتضي وحدة الذات من دون طروء كثرة هناك. هذا من جانب.

ومن جانب آخر: إنّ الموجود الذي هو قادر على جميع المقدورات، وعالم بجميع المعلومات، حيّ، حكيم، سميع، بصير، أكمل من الموجود الذي ليس كذلك فلا مناص من اثبات الصفات المختلفة عليه وعندئذ يقع العقل في حيرة

__________________

(١) لاحظ: الجزء الأوّل من تلك الموسوعة التي انتشرت باسم « بحوث في الملل والنحل ».

٤٨

ودهشة بسبب تعارض هذين الأمرين وكلّ منهما يهدف إلى اثبات الكمال لله سبحانه ولأجل ذلك ذهبت فرقة إلى نفي الصفات خوفاً من انكار الوحدانية، كما انّ طائفة اُخرى وقعوا في مغبّة الكثرة رغبة في توصيفه بالصفات الكمالية، وهناك ثلّة جليلة جمعوا بين الوحدة والبساطة، وكونه متّصفاً بصفات كمالية مختلفة.

ثمّ إنّ الإشكال إنّما هو في الصفات الجمالية التي يعبّر عنها بالصفات الثبوتية لكونها راجعة إلى صفات وجودية تختلف كلّ منها عن الاُخرى، فيُشكل الجمع بينها وبين القول بالوحدة والبساطة، وأمّا الصفات الجلاليّة أعني الصفات السلبية مثل قولنا ليس بجسم ولا عرض فلا توجب كثرة السلوب، كثرة في الذات بشهادة انّه يصحّ سلب كثير من الاُمور عن الجزء الذي لا يتجزئ.

ومثلها كثرة النسب والاضافات التي تنسب إلى الذات في مرحلة متأخّرة فهي لا توجب كثرة في الذات، وذلك نظير الوحدة فإنّها أبسط الأشياء مع أنّه يلحقها اُمور إضافية ونسبيّة. فيقال: الواحد نصف الاثنين، وثلث الثلاثة، وربع الأربعة وهكذا إلى غير النهاية من النسب والاضافات العارضة للواحد، فالكلام كلّه في الصفات الثبوتية كالعلم والقدرة والحياة التي لها حقائق خارجية.

ثمّ إنّ بعض المتكلّمين لـمّا لم يتوفّق للجمع بين وحدة الذات وكثرة الصفات لجأ إلى أحد الأمرين :

الأوّل: إرجاع الصفات الثبوتية إلى السلبية وقد عرفت انّ كثرة السلوب لا تنثلم به وحدة الشيء فمعنى كونه عالماً أنّه ليس بجاهل، ومعنى كونه قادرا أنّه ليس بعاجز وهكذا وهذه النظرية منسوبة إلى أبي إسحاق النظام، ولكنّها غير تامّة لأنّه سبحانه واجد لواقعيّة هذه الكمالات حسب الأقيسة العقلية، وحسب ما يرشد إليه الكتاب والسنّة فهو متصف بالعلم والقدرة، وبالتالي يطرد عن ذاته الجهل والعجز في الدرجة الثانية لا أنّه ليس له هذه الكمالات وإنّما يسلب عنه النقائص.

٤٩

الثاني: القول بالنيابة وحاصله أنّه ليس هناك علم ولا قدرة ولا حياة ولكن يترتب على الذات ما يترتب على وجود هذه الصفات، فالذات لأجل كمالها تقوم مقامها وهذا القول منقول عن بعض المعتزلة(١) . وهو أيضاً مخالف للبرهان وظاهر الكتاب والسنّة.

إنّ هناك طائفة جليلة وفي مقدّمتهم الراسخون في الحكمة الإلهية جمعوا بين بساطة الذات واتّصافه بحقائق هذه الأوصاف بمعنى: إنّ وجوداً واحدا كلّه علم، وكلّه قدرة، وكلّه حياة، لا أنّ بعضه علم، وبعضه الآخر قدرة، وبعضها الثالث حياة ولا يقف عليه إلّا من له قدم راسخ في الأبحاث الفلسفية ولأجل ذلك نرى أنّ الفخر الرازي يردّ هذه النظرية بسهولة، فيقول « وهذا أيضاً ضعيف لأنّ المفهوم من كونه « قادراً » غير المفهوم من كونه « عالماً » وحقيقة الذات الواحدة، حقيقة واحدة والحقيقة الواحدة لا تكون عين الحقيقتين، لأنّ الواحد لا يكون نفس الاثنين »(٢) .

ثمّ اختار أنّ صفاته سبحانه زائدة على الذات ولم يبال بوجود الكثرة في ساحة الذات وتعدد القدماء، والحقّ إنّ المسألة تعدّ من الأسرار الإلهية التي يستصعب ادراكها إلّا على من آتاه الله من لدنه علماً وحكمة كما أشار إليه صدرالمتألّهين(٣) .

فنقول: إنّ ما ذكره الرازي مردود بوجهين :

أوّلاً: فبالنقض بأنّ موجوداً امكانياً كزيد كلّه معلوم لله سبحانه، وكلّه مقدور له وحيثيّة المعلومية في الخارج، نفس حيثية المقدورية وليست حيثية المعلومية في الخارج مغايراً لحيثية المقدورية، وإلّا يلزم أن تكون الحيثيّة الثانية غير معلومة لله سبحانه، وهو خلف، لفرض كونه عالماً بكلّ شيء ولأجل ذلك نقول: ثبت في

__________________

(١) هو رأي « عبّاد بن سليمان المعتزلي » والجبائيين خلافاً لأبي الهذيل العلاّف عنهم، لاحظ « بحوث في الملل والنحل ج ٢ ص ٨٠ ـ ٨١ ».

(٢) لوامع البينات للرازي: ص ٢٤.

(٣) الأسفار الأربعة: ج ٦ ص ١٠.

٥٠

محله أنّ الكثير قابل للانتزاع من الواحد من حيث أنّه واحد وإن كان الواحد من حيث أنّه واحد لا يمكن انتزاعه من الكثير بما هو كثير.

وثانياً: فبالحل: فإنّ ما ذكره من أنّ المفهوم من كونه قادراً غير المفهوم من كونه عالماً وان كان صحيحاً لكن ما رتّب عليه من قوله « والحقيقه الواحدة لا تكون عين الحقيقتين، لأنّ الواحد لا يكون نفس الاثنين » غير صحيح ومنشأ الاشتباه هو الخلط بين التغاير المفهومي والتغاير الخارجي فكلّ مفهوم يستحيل أن يكون في عالم المفهومية نفس المفهوم الآخر، فلو قال قائل زيد موجود وأراد إنّ نفس مفهوم المسند إليه نفس مفهوم المسند فقد أخطأ خطأً عظيماً، وليس مفاد الحمل الشائع الحكاية عن الوحدة في عالم المفهوم ولو أراد الرازي هذا لصحّ قوله: « الواحد لا يكون نفس الأثنين ».

وأمّا لو أراد الحقيقة الخارجية فهو غير صحيح إذ لا مانع من أن يكون شيء واحد بما هو واحد مصداقاً لمفهومين مختلفين، وقد عرفت أنّ كلّ موجود امكاني كلّه معلوم لله سبحانه، كما أنّ كلّه مقدور، وليست حيثيّة المعلوميّة مغايرة للحيثيّة المقدوريّة وإلّا يلزم ان يكون جهة المعلوميّة خارجة عن اِطار قدرته، أو العكس.

قال الحكيم السبزواري: « اختلط عليهم المفهوم والمصداق فيرون اختلاف المفاهيم ويتوهّمون اختلاف وجودها ومصداقها بحسبها، وكأنّهم لم يقرع أسماعهم جواز انتزاع مفاهيم مختلفة من مصداق واحد وهذا نظير أنّه يصدق عليك إنّك مقدور لله ومعلوم، ومراد ومعلول له، وأنّك مشخص واحد، ولا يمكنك أن تقول: أنا مقدور من جهة، ومعلوم من جهة اُخرى مثلاً، إذ يلزم أن تكون حيثيّة مقدوريتك غير معلومة له مع أنّه لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة وحيثيّة معلوميتك غير مقدورة له مع ثبوت عموم قدرته، فظهر أنّ اتّحاد مفاهيم كثيرة في الوجود والمصداق واقع »(١) .

__________________

(١) شرح المنظومة للحكيم السبزواري: ص ١٥٤ ـ ١٥٥.

٥١

قال صدر المتألهين: « واجب الوجود وإن وصف بالعلم والقدرة والإرادة لكن ليس وجود هذه الصفات فيه إلّا وجود ذاته بذاته، فهي وإن تغايرت مفهوماتها لكنّها في حقّه تعالى موجودة بوجود واحد » قال الشيخ في التعليقات: « الأوّل: إنّه تعالى لا يتكثر لأجل تكثّر صفاته لأنّ كلّ واحدة من صفاته إذا حقّقت تكون صفة اُخرىٰ بالقياس إليه، فيكون قدرته حياته، وحياته قدرته، وتكونان واحدة، فهو حيّ من حيث هو قادر، وقادر من حيث هو حيّ، وكذا في سائر صفاته »(١) .

وإن شئت قلت: إنّ الوجود ربّما يبلغ في الكمال مرتبة كاملة لا يتصور فوقه فيكون بوحدته وبساطته نفس هذه الكمالات من العلم والقدرة والحياة من غير أن تتكثّر الذات وتتعدّد حقيقة أو اعتباراً وحيثيةً، وذلك لأنّ حيثيّة الذات بعينها حيثية هذه الصفات.قال أبو نصر الفارابي :

« وجود كلّه، وجوب كلّه، علم كلّه، قدرة كلّه، حياة كلّه لا أنّ شيئاً منه علم وشيئاً آخر منه قدرة ليلزم التركيب في ذاته، ولا أنّ شيئاً فيه علم وشيئاً آخر فيه قدرة ليلزم التكثّر في صفاته الحقيقية »(٢) .

بيان آخر لوحدة الصفات

ثمّ إنّ الراسخين في الحكمة الإلهية أرجعو الصفات الثبوتية إلى وصف واحد والصفات السلبية إلى سلب واحد، كما ارجعوا الصفات الاضافية إلى اضافة واحدة وليس هذا الارجاع أمراً اعتبارياً ذهنيّاً بل التعليل العقلي يشهد بذلك مثلاً إنّ سلب الامكان عنه تعالى مبدأ لسائر السلوب فأنّ الجوهرية والعرضية والحدوث والحلول كلّها من لوازم الامكان فسلبه يلازم سلب كلّ هذه الصفات السلبية، كما أنّ جميع

__________________

(١) الأسفار: ج ٦ ص ١٢٠.

(٢) الأسفار: ج ٦ ص ١٢١، والفرق بين القسمين هو: إنّ العلم في الشقّ الأوّل موجود في مرتبة الذات بخلافه في الشقّ الثاني فهو فيه زائد عليها.

٥٢

الصفات الثبوتية من العلم والقدرة والحياة يرجع إلى أصل واحد وهو وجوب الوجود والوجود المتأكّد وقد عرفت أنّ المحقّق الطوسي استنتج من توصيفه سبحانه بالغني، والوجود، جميع الصفات الكمالية، كما أنّ جميع الصفات الإضافية كالخالقية والرازقية والعلية ترجع إلى إضافة واحدة وهي اضافة القيّوميّة، فانّ كونه بحيث يقوم به غيره من وجود أو حيثية وجودية عبارة اُخرىٰ عن قيّوميّته، فالخلق والرزق والحياة والعزّة والهداية حيثيّات وجوديّة وهي قائمة به مفاضة من عنده.

فاتّضح أنّه يمكن الجمع بين الكمالين: كمال البساطة وكمال اتّصاف الذات بواقع الصفات الكماليّة بشرط أن تقف على موضع الوحدة، وانّ المدّعى ليس اتحادها مع الذات في اطار المفهوم بل المدّعى اتّحاد واقعية الذات مع واقعيّة هذه الصفات في الخارج، وكم له من نظير في عالم الأعيان(١)

٥ ـ تقسيم صفاته إلى الجماليّة والجلاليّة

إنّ صفات الله تعالى على نوعين: جماليّة وجلاليّة.

فالجماليّة عبارة عن الألفاظ الدالّة على معان قائمة بذات الله تعالى كقولنا: عالم، قادر، حيّ.

والجلاليّة عبارة عن سلب معان عن الله سبحانه كقولنا: « الله ليس بجسم ولا جسمانيّ ولا جوهر ولا عرض » ولعلّه إلى القسمين يشير قوله سبحانه:( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) ( الرحمن / ٧٨ ).

فصفة الجلال ما جلّت ذاته عن مشابهة الغير، وصفة الاكرام ما تكرّمت

__________________

(١) وسنرجع الى هذا البحث عند دراسة كون صفاته عين ذاته، وما ذكر هنا ـ كثرة أسمائه وبساطة ذاته ـ وما سيأتي: صفاته عين ذاته، وجهان لعملة واحدة غير أنّ حيثيّة البحث في المقامين مختلفة.

٥٣

ذاته بها وتجمّلت(١) .

وبعبارة اُخرى: الصفة إمّا ايجابيّة ثبوتيّة، وإمّا سلبيّة تقديسيّة، وقد حصروا الاولى في ثمانية وهي: العلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، والتكلّم، والغنىٰ، والصدق، كما حصروا الثانية في سبعة وهي انّه تعالى ليس بجسم، ولا جوهر، ولا عرض، ولا يُرى، وليس بمتحيّز، ولا حالّ في غيره، ولا يتّحد بشيء.

وبعبارة ثالثة لو كانت الصفة تثبت وجود كمال في الموصوف وواقعية في ذاته، تعدّ كمالاً لها وسميّت ثبوتية أو جماليّة أو كماليّة أو معنويّة على اختلاف مصطلحاتهم، ولو كانت الصفة تهدف إلى نفي نقيصة وحاجة عنه سبحانه سمّيت سلبية أو جلاليّة، فالعلم والقدرة والحياة من الصفات الثبوتيّة لأنّها تعرب عن وجود كمال في الذات الإلهية كما انّ نفي الجسمانيّة والحلول والتحيّز من الصفات السلبيه لأنّها تهدف إلى سلب هذه النقائص عن ساحته وذاته.

وعلى وجه الإجمال كلّ اسم يدل على تنزّهه تعالى وخروجه عن الحدّين: حد الإبطال وحد التشبيه فهو جلاليّ، مثل: عزيز، وسبّوح، وجليل، وسرمد، وغيرها مما تدلّ على غناه عمّا سواه وعدم مشابهته بشيء من خلقه، وكلّ اسم يدل على شيء من كمالاته تعالى فهو جماليّ مثل: عليم، وقدير، وسميع، وبصير، مما يدلّ على استحقاقه لشيء من الكمالات فجلاله عين جماله، وجماله عين جلاله، وكلاهما عين ذاته، ولكن التعدّد في عالم الأسماء فالأسماء الجلاليّة مظاهر عالم العزّة، والأسماء الجمالية مظاهر عالم العظمة.

ولأجل ذلك ذهب المحقّقون إلى أنّ الصفات الثبوتيّة والسلبيّة لا تنحصر في الثمانية والسبعة فإذا كان الملاك فيهما اثبات كمال أو رفع نقص فكلّ كمال وجمال

__________________

(١) الأسفار: ج ٦ ص ١١٨، والعجب إنّ الرازي جعل قوله « والاكرام » إشارة الى الصفات الإضافيّة. لاحظ لوامع البينات: ص ٣٣.

٥٤

ثابت لله سبحانه وهو واجد له، وكلّ نقص وحاجة منفيّ عنه سبحانه ومسلوب عنه.

ومن هناك يمكن أن يقال: إنّه ليس لنا من الصفات الثبوتيّة إلّا وصف واحد، وهو ثبوت الكمال المطلق له سبحانه، ومن الصفات السلبيّة إلّا سلب واحد وهو سلب النقص على وجه الاطلاق، فذاته سبحانه لا تخلو عن كلّ كمال وجمال، فلو وصفناها بالعلم والقدرة والحياة وغيرها، فلأجل انّ كلّ ذلك كمال وعدمها نقص، كما انّ سلب الجهل والعجز والموت والجسميّة والتركيب والانفعال ليس إلّا لأجل إنّها علامة النقص والافتقار. على ضوء ذلك يمكن ارجاع جميع الصفات الثبوتية إلى وصف واحد، وارجاع الصفات السلبيّة إلى سلب واحد من دون أن يكون هناك عناية بالثمانية أو السبعة، ويؤيّد ذلك انّ الصفات والأسماء التي وردت في القرآن الكريم تفوق بأضعاف المرّات هذا العدد الذي ذكره المتكلّمون والحكماء من الصفات لله.

وقد عرفت كلام صدر المتألّهين في هذا المضمار فلا نعيد.

٦ ـ تقسيم صفاته إلى الذاتيّة والفعليّة

إنّ لصفاته سبحانه وراء التقسيم الماضي تقسيماً آخر وهو كون الصفة صفة ذات، أو كونه صفة فعل، فيعدّون العلم والقدرة والحياة من صفات الذات، كما يعدّون صفة الخلق والرزق والمغفرة من صفات الفعل، وهذا تقسيم متين جداً غير أنّ المهم تعريفهما بنحو جامع ومانع وإليك تعريفهما :

إذا كان فرض الذات وحدها كافياً في حمل الوصف عليه، فالوصف ذاتي.

وأمّا إذا لم يكن فرضها كافياً في توصيف الذات بها، بل توقّف على فرض غيرها « ولا غير في دار الوجود إلّا فعله » فالصفة صفة فعل، وهذا كالخالق فإنّ الذات غير كافية لانتزاع الخلق والرزق، بل يتوقّف على فرض الغير وهو فعله

٥٥

سبحانه، فالذات إذا لوحظت مع الفعل ووصفت بأوصاف تسمّى تلك الأوصاف صفات الفعل(١) .

وإن شئت قلت: إنّ ما يحتاج في تحقّقه إلى فرض تحقّق الذات قبلاً، كالخلق والرزق فهي الصفات الفعلية وهي زائدة على الذات، منتزعة عن مقام الفعل، ومعنى انتزاعها عن مقام الفعل إنّا مثلاً نجد هذه النعم « التي نتنعّم بها ونتقلّب فيها » نسبتها إلى الله سبحانه نسبة الرزق المقرّر للجيش من قبل السطان فنسمّيها رزقاً وإن كان منتهياً إليه تعالى نسميه رزّاقاً ومثله الخلق والرحمة والمغفرة وسائر الصفات الفعليّة، فهي تطلق عليه تعالى ويسمّى هو بها من غير أن يتلبّس بمعانيها كتلبّسه بالحياة والقدرة وغيرها من الصفات، ولو تلبّس بها حقيقة لكانت صفات ذاتيه غير خارجه من الذات(٢) .

وعلى ضوء ذلك فالصفات على قسمين :

١ ـ ما لا يحتاج في تحقّقه إلى فرض تحقّق الذات قبل الوصف وذلك مثل العلم والقدرة والحياة من غير فرق بين كونها متّحدة مع الذات في مقام الوجود كما عليه العدلية، وبين كونها زائدة عليها كما عليه أهل الحديث والأشاعرة، فإنّ القول بالزيادة ليس بمعنى تحقّق الذات قبلاً ثم عروض هذه الصفات، وإنّما يكفي في ذلك تحقّق الذات والصفة معاً، فهذه هي الصفات الذاتيه.

٢ ـ ما يحتاج في تحقّقها في الخارج إلى فرض تحقّق الذات قبلاً كالخلق والرزق فهي الصفات الفعلية، وهي زائدة على الذات بحكم انتزاعها باعتبار صدور شيء منها.

__________________

(١) الميزان: ج ٨ ص ٣٦٨.

(٢) نهاية الحكمة: ص ٢٨٤.

٥٦

تعريف آخر للذاتية والفعلية

وهناك تعريف آخر لتمييز الذاتية عن الفعلية وهو إنّ كلّ ما يجري على الذات على نسق واحد فهو صفة الذات مثل قولنا « يعلم » و « يقدر » وأنّه « حيّ » ولا يصح أن يقال « لا يعلم » و « لا يقدر » وانّه « ليس بحي » أيضاً، وأمّا ما يجري عليه سبحانه على وجهين أي بالايجاب تارة وبالسلب اُخرىٰ، فهذا صفة الفعل فيصح أن يقال يخلق ولا يخلق، ويرزق ولا يرزق، ويرحم ولا يرحم.

قال الشيخ المفيد: « لا يصحّ وصفه تعالى بأنّه يموت أو بأنّه يعجز أو بأنّه يجهل، ولا يصحّ وصفه بالخروج عن كونه حيّاً وعالماً وقادراً، ولكن يصحّ الوصف بأنّه غير خالق اليوم، ولا رازق لزيد، ولا محيي لميت، ولا مبدئ لشيء في هذا الحال ولا معيد له، ويصح الوصف له بأنّه يرزق، ويمنع، ويحيي، ويميت، ويبدئ، ويعيد، ويوجد، ويعدم، فثبت إنّ العبرة في أوصاف الذات وأوصاف الأفعال بما ذكرنا »(١) .

وقد اختار هذا الملاك الشيخ الكليني في كافيه فانّه بعد ما نقل جملة من الروايات حول صفات الذات وصفات الفعل له تعالى قال :

« إنّ كلّ شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعاً في الوجود أي ايجاباً وسلباً، اثباتا ونفياً فذلك صفة الفعل(٢) .

ولعلّ في بعض الروايات ما يؤيّد هذا التعريف(٣) .

٧ ـ تقسيم صفاته إلى نفسيّة واضافيّة

ثمّ إنّه لصفاته الثبوتية تقسيماً آخر وهو تقسيمه إلى النفسيّة والإضافيّة.

__________________

(١) تصحيح الاعتقاد: ص ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٢) الكافي: ج ١ ص ١١١.

(٣) التوحيد للصدوق ـ باب صفات الذات وصفات الأفعال: الحديث ١ ص ١٣٩.

٥٧

قال صدر المتألّهين :

« والثبوتيّة تنقسم إلى حقيقية كالعلم والحياة، واضافية كالخالقية والرازقيّة والعليّة وجميع الحقيقيّات ترجع إلى وجوب الوجود أعني الوجود المتأكّد وجميع الاضافات ترجع إلى إضافة واحدة وهي اضافة القيّوميّة »(١) .

وبعبارة اُخرى: فما لا إضافة في معناه إلى الخارج عن مقام الذات كالحياة، فهو نفسيّ، وماله اضافة إلى الخارج سواء كان معنى نفسيّاً ذا اضافة كالصنع والخلق فهي النفسيّة ذات الاضافة، أو معنى إضافيّاً محضاً كالخالقيّة والرازقيّة فهي الإضافة المحضة(٢) .

٨ ـ تقسيم آخر منسوب إلى أهل المعرفه

وهناك تقسيم آخر ينسب إلى أهل المعرفة ذكره الحكيم السبزواري في « أسرار الحكم » وحاصله: تقسيم صفاته إلى تنزيهيّة وتشبيهيّة، والمقصود من الأوّل ما لا يوجد إلّا في الواجب جلّ اسمه، كقولنا: القديم الأزلي، والذاتي، والبسيط المحض، والقدّوس المفسّر عندهم بما لا ماهية له، فإنّها صفات خاصّة، لا يوجد نظيرها في الموجودات الامكانية حتّى بالمعنى المناسب لها.

والمراد من الثاني ما يوجد نظيره في الممكنات كالسميع والبصير، فإنّه وإن كان فرق واضح بين كونه سميعاً وبصيراً وكون الإنسان كذلك، لكن النتيجة مشتركة بينهما(٣) .

وهذا التقسيم أمر لا طائل تحته: لأنّ صفاته تحمل عليه، بقيد التجريد عن وصمة الامكان وسمة المادية، وعندئذ يكون الجميع أوصاف كمال وصفات جمال تنزّه بها ربّنا عن النقائص.

__________________

(١) الاسفار: ج ٦ ص ١١٨ ـ ١١٩.

(٢) الميزان: ج ٨ ص ٣٦٩.

(٣) أسرار الحكم: ص ٤٩.

٥٨

٩ ـ تقسيم صفاته إلى الذاتيّة والخبريّة

قسّم بعض المتكلّمين صفاته سبحانه إلى ذاتية وخبرية، والمراد من الاُولى أوصافه المعروفة من العلم والقدرة والحياة، والمراد من الثانية ما أثبتته ظواهر الآيات والأحاديث له سبحانه وأخبرت عنها كالقدم والوجه واليدين والقدوم والنزول إلى غير ذلك، وهذه الصفات قد أوجدت ضجّة كبرى بين المتكلّمين، فقسّمتهم إلى طوائف مختلفة، وسنبحث عن هذه الصفات في فصل خاص.

١٠ ـ تقسيمها إلى صفات اللطف والقهر

إنّ صفاته سبحانه تنقسم ـ حسب الظاهر ـ إلى صفات لطف وصفات قهر. فالمتبادر من الرحمن والرحيم والغفور والحليم، يضاد المتبادر من القاهر والجبّار والمنتقم، وقد ورد في الأدعية توصيفه ب‍ « قاصم الجبارين » و « مبير الظالمين » ولكلّ مجال ومظاهر، ولذلك عند ما يأمر بقطع يد السارق يصف نفسه بأنّه عزيز حكيم، يقول سبحانه:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( المائدة / ٣٨ ). والمقام يناسب لأن يتجلّى سبحانه بأوصافه القهاريّة، ولو قال مكانهما غفور رحيم لكان مخلاً بالبلاغة.

ولكنه سبحانه في المواضع التي تطلب بلاغة المقال يتجلى بوصف الرحمة والمغفرة و ولكن هذا التقسيم، تقسيم ظاهري، والكلّ مظاهر رحمته ومجالي رأفته، ولأجل ذلك قال أهل المعرفة: « تحت كلّ لطف قهر وتحت كلّ قهر لطف ».

يقول سيد الموحّدين :

وكم لله من لطف خفى

يدقّ خفاه عن فهم الذكي

كيف وهو سبحانه يصف نفسه بقوله:( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) ( الأعراف / ١٥٥ ) وفي الدعاء المأثور عن أمير المؤمنين « يا من سبقت رحمته

٥٩

غضبه » ولأجله نؤمن انّ في قهره رحمة للمقهور عليه، وانّ في عذابه لطفاً خفيّاً للمعذّب.

١١ ـ الأسماء العامّة والخاصّة

إنّ بين نفس الأسماء سعة وضيقاً، وعموماً وخصوصاً، فمنها خاصة، ومنها عامة، فالعالم اسم خاص بالنسبة إلى الحيّ، وعام بالنسبة إلى السميع والبصير والشهيد واللطيف والخبير.

والرزّاق خاص بالنسبة إلى الرحمان، وعام بالنسبة إلى الشافي والناصر، والهادي، وعلى هذا القياس.

فللأسماء الحسنى عرض عريض تأخذ في السعة والعموم، ففوق كلّ اسم ما هو أوسع منه وأعم، حتّى ينتهي إلى اسم الله الأكبر الذي يسع وحده، جميع حقائق الأسماء، وتدخل تحته شتات الحقائق برمّتها، وهو الذي نسمّيه غالباً بالاسم الأعظم.

ومن المعلوم انّه كلّما كان الاسم أعم، كانت آثاره في العالم أوسع، والبركات النازلة منه أكبر وأتم لما أنّ الآثار للأسماء كما عرفت، فما في الاسم من حال العموم والخصوص يحاذيه بعينه أثره، فالاسم الأعظم ينتهي إليه كلّ أثر ويخضع له كلّ أمر(١) .

١٢ ـ هل الاسم الاعظم من قبيل الألفاظ ؟

قد اشتهر بين الناس أنّ لله سبحانه بين أسماءه اسم أعظم مَن دعاه به استجيب دعوته، وهل هو من قبيل الألفاظ أو أنّ له حقيقة وراءها ؟ فقد حقّق حاله سيدنا

__________________

(١) الميزان: ج ٨ ص ٣٧٠ ـ ٣٧١.

٦٠

حكي انه كان في خدمة العزيز بن المعز العبيدي صاحب مصر، وصنف له كتبا، وكان له شعر مطبوع، وكانت وفاته بالحضرة-أي القيروان-سنة ٤ ١٢ (تيب).

و القزاز بالزاءين، كشداد، نسبة الى عمل القز وبيعه، والقيرواني يأتي في القيرواني.

(و قد يطلق القزاز) على أبى القاسم حبيب بن الحسن بن داود، سمع جماعة كثيرة من المشايخ، وروى عنه الدار قطني وابن شاهين، قال الخطيب وحبيب: عندنا من الثقات، وكان يؤثر عنه الصلاح

و قد سألت أبا نعيم عنه فقال: ثقة، توفى سنة ٣ ٥ ٩، وكان ثقة مستورا دفن في الشونيزية، ذكر ان قوما من الرافضة أخرجوه من قبره ليلا، وسلبوه كفنه الى ان اعاد له ابنه كفنا وأعاد دفنه، انتهى ملخصا

(القزوينى)

زكريا بن محمد بن محمود القزويني، ينتهي نسبه الى مالك بن انس خادم رسول اللّه (ص).

كان عالما فاضلا، ولد في قزوين، ورحل الى دمشق، وتولى قضاء واسط والحلة في زمن المستعصم، فسقطت بغداد وهو في ذلك المنصب.

له مؤلفات، اعجبها: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات وآثار البلاد وأخبار العباد، جمع فيه ما عرف وسمع وشاهد من خصائص البلاد والعباد، ولكن فيه الغث والسمين كما يوجد في امثاله، توفى سنة ٦ ٨٣.

(و القزويني) نسبة الى قزوين، كتقويم وبكسر القاف ايضا مدينة كبيرة في عراق العجم عند قلاع الاسماعيلية، وهى من بلاد الجبل ثغر الديلم وبلاد الجبل مدن بين اذربيجان وعراق العرب وخوزستان وفارس وبلاد الديلم،

٦١

و القزويني زكريا بن محمد كما علمت. وأما القزويني في هذا الشعر:

يا نصير الدين يا جفر

ألف قزويني ولا عمر

لو رماه اللّه في سقر

لاشتكت من ظلمه سقر

هو رجل ظالم ولاّه نصير الدين ابو سعيد جقر بن يعقوب صاحب الجزيرة والموصل بالموصل، فسار سيرة قبيحة، وكثر شكوى الناس منه فعزله وجعل مكانه عمر بن شكلة فأساء في السيرة ايضا، فعمل ابو عبد اللّه الحسين الموصلي هذا الشعر.

و ورد مدح قزوين في النبوي صلّى اللّه عليه وآله الذى وجد في اصل عتيق من اصول اصحابنا بأنه باب من ابواب الجنة، وللرافعي القزوينى كتاب في تاريخ علماء قزوين.

(ثم اعلم): انه ينسب الى قزوين جماعة كثيرة من علمائنا الربانيين لا مجال لذكر بعضهم، فضلا عن كثير منهم، نعم ينبغي لنا الاشارة الى قليل منهم:

(١) السيد الأجل السيد مهدي القزوينى الحلي، ذكره شيخنا صاحب المستدرك في مشايخ إجازته بالتعظيم والتبجيل بعبارات رائقة.

ثم قال: وهو من العصابة الذين فازوا بلقاء من إلى لقائه تمد الأعناق صلوات اللّه عليه ثلاث مرات، وشاهد الآيات البينات والمعجزات الباهرات.

ثم ذكر انه ورث العلم والعمل عن عمه الأجل الأكمل السيد باقر القزويني صاحب سرّ خاله بحر العلوم، وكان عمه أدبه ورباه واطلعه على أسراره، وذكر انه لما هاجر الى الحلة صار ببركة دعوته من داخل الحلة وأطرافها من طوائف الأعراب قريبا من مائة ألف نفس شيعيا إماميا مخلصا مواليا لأولياء اللّه معاديا لأعداء اللّه.

٦٢

ثم ذكر كمالاته النفسانية ومجاهداته وتصانيفه في الدين وغير ذلك، وقال: كنت معه في طريق الحج ذهابا وايابا، وصلينا معه في مسجد الغدير والجحفة، وتوفي (ره) في ١٢ ع ١ سنة ١٣٠٠ (غش) قبل الوصول الى السماوة بخمس فراسخ تقريبا، وظهر منه حينئذ كرامة باهرة بمحضر جماعة من الموافق والمخالف، انتهى ملخصا.

(٢) سلالة الفقهاء وسلافة الادباء ابو المعز السيد محمد بن السيد مهدي بن السيد حسن بن السيد احمد، الذي هو أول من انتقل من قزوين الى العراق وقطن النجف الأشرف ابن محمد بن الحسين بن الأمير ابى القاسم امير الحاج في الدولة الصفوية، ينتهي نسبه الى محمد بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن ابى طالب عليه السلام.

ولد في الحلة سنة ١٢ ٦ ٢، وأخذ في التعلم الى ان راهق البلوغ، فهاجر هو وأخويه الاعلام وهم الميرزا جعفر والسيد حسين المتوفى سنة ١٣٢ ٥ الى النجف مقر العلم والعلماء، ومنتدى الأدب والأدباء، فأتقن العلوم العقلية والنقلية على كثير من الأساتذة العظام والفضلاء الفخام.

و كان بعكس أبيه قليل التأليف والتصنيف، لا يكاد يرتضى ما صنفه حتى يغيره بعد الملاحظة والمراجعة، فظهرت له منظومة في المواريث، ورسالة في علم التجويد، ومنسك في الحج، وديوان شعره.

و له آثار إصلاحية كاصلاح نهر الحلة، وتعمير قبور علماء الحلة، كقبر المحقق، وآل طاوس، وابن ادريس، والشيخ ورّام وغيرهم، ومقام الغيبة وتجديد مقام مشهد الشمس.

و لما خلت الحلة من اعلام هذه الأسرة، واستأصل الموت شأفتهم كتب إليه الحليون وحثّوه على المجيئي فلبى دعوتهم، فهاجر الى الحلة سنة ١٣١٣، فاستقبله جمهورهم على مسافة ميلين، وكان يوما مشهودا كيوم وفاته، وأخذت

٦٣

العلماء والشعراء يفدون عليه ليهنئوه، وكان في الحلة الى ان باغتته المنية وأنشبت فيه اظفارها وذلك في أول سنة ١٣٣ ٥ ، ونقل الى النجف الاشرف ودفن في مقبرة آل قزوين قدس اللّه سره.

(٣) السيد حسين بن ابراهيم بن العالم الكامل الأمير محمد معصوم الحسيني القزويني، وهو كما في المستدرك العالم الجليل والسيد النبيل صاحب الكرامات الباهرة، وصاحب كتاب معارج الاحكام في شرح مسالك الافهام، وشرايع الاسلام، وهو كتاب كبير شريف، له مقدمات حسنة نافعة وغير ذلك، وقبره الشريف بقزوين مزار معروف يتبرك به وتظهر منه الخوارق، ويروي عنه العلامة الطباطبائي بحر العلوم، وهو عن والده، وقد تقدم ذكره في جمال الدين عن جماعة أولهم العلامة المجلسي (ره).

( ٤) قال (ضا) في ذيل احوال السيد الأجل المير السيد علي صاحب الشرح الكبير فيمن روى عنه.

و منهم الاخوان الفاضلان الكاملان الفقيهان الباذلان الحاج مولانا محمد تقي والحاج مولانا محمد صالح البرغيان القزوينيان المعاصران المتوفيان بالشهادة وحتف الأنف مع رعاية الترتيب في اللف والنشر في حدود السبعين والمائتين بعد الألف بفاصلة غير كثير اعني صاحبي المجالس ومخزن البكاء في الموعظة ومقاتل الشهداء، وكتب كثيرة في الفقه والاصول: مثل شرحيهما الكبيرين المعروفين في البلاد على الشرائع والارشاد وغير ذلك من المصنفات الجياد انتهى.

(القسطلانى)

ابو العباس شهاب الدين احمد بن محمد بن ابى بكر بن عبد الملك المصري الفاضل المحدث.

٦٤

اخذ عن خالد الأزهري، والفخر المقسمي، والجلال البكري وغيرهم، كان يعظ بالجامع العمري وغيره.

و كان قليل النظير في الوعظ، صنف التصانيف المقبولة، وشرحه على صحيح البخاري معروف اسمه إرشاد الساري، وله المواهب اللدنية بالمنح المحمدية صلّى اللّه عليه وآله.

يحكى ان السيوطي كان يغض منه، ويزعم انه يأخذ من كتبه ويستمد منها ولا ينسب النقل اليها، وانه ادعى عليه بذلك بين يدي شيخ الاسلام زكريا الانصاري، توفى سنة ٩٢٣ (ظكج).

و قد يطلق القسطلاني على قطب الدين أبي بكر محمد بن احمد المالكي صاحب كتاب عروة الوثيق في النار والحريق، صنف في حريق المسجد النبوي صلّى اللّه عليه وآله والنار الظاهرة في الحجاز.

و القسطلاني: نسبة الى قسطلة بلد بالأندلس.

(القشاشى)

صفي الدين احمد بن محمد بن يونس الحسيني المدني، لزم الشيخ الكبير احمد بن علي الشناوي، وتمذهب بمذهبه، وسلك طريقته، وأخذ عنه الحديث وغيره.

له السمط المجيد في تلقين الذكر، وسلاسل أهل التوحيد، توفى سنة ١٠٧١، (قيل) القشاشي نسبة الى القشاشة، وهي سفط المتاع، كان يبيع ذلك بالمدينة.

(القشيرى)

أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك النيسابوري الفقيه الشافعي الصوفي المحدث الفاضل الاديب، جمع بين الشريعة والحقيقة، أصله من ناحية

٦٥

أستوا(١) من العرب الذين قدموا خراسان.

توفى أبوه وهو صغير، فقرأ الادب في صباه، وكانت له قرية مثقلة الخراج، فسافر الى نيسابور ليتعلم طرفا من الحساب ليتولى الاستيفاء ويحمي قريته من مثقلة الخراج، فاتفق حضوره مجلس الشيخ ابى علي الدقاق، فلما سمع كلامه اعجبه ووقع في قلبه، فرجع عن ذلك العزم وسلك طريق الارادة، فقبله الدقاق وأشار عليه بالاشتغال بالعلم، فأخذ عن ابى بكر محمد بن ابي بكر الطوسي وأبى بكر بن فورك، والحاكم بن البيع والاستاذ ابى اسحاق الاسفرايني، ويحضر مجلس أبى علي الدقاق، فزوجه الدقاق ابنته.

و بعد وفاة الدقاق سلك القشيري مسلك المجاهدة والتجريد وصنف التيسير في علم التفسير والرسالة القشيرية في رجال الطريقة.

حكي عن هذه الرسالة انه كتب في باب الجود والسخاء ان عبد اللّه بن جعفر خرج الى ضيعة فنزل على نخيل قوم وفيهم غلام اسود يعمل عليها إذ أتى الغلام بغذائه وهو ثلاثة اقراص، فرمى بقرص منها الى كلب كان هناك فأكله ثم رمى إليه الثانى والثالث فأكلهما وعبد اللّه بن جعفر ينظر، فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت، قال: فلم آثرت هذا الكلب؟ قال ان هذه الارض ليست بأرض كلاب، وانه جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت ردّه، فقال عبد اللّه بن جعفر: فما انت صانع اليوم؟ قال: اطوي يومي هذا، فقال عبد اللّه بن جعفر لأصحابه: ألام على السخاء وهذا اسخى مني، ثم اشترى الغلام فأعتقه، واشترى الحائط وما فيه ووهب ذلك له انتهى.

و له مجالس الوعظ والتذكير، قال الباخرزي في الثناء عليه: لو قرع الصخر بصوت تحذيره لذاب، ولو ربط ابليس في مجلسه لتاب.

و ذكره الخطيب في تاريخه وقال: قدم علينا-يعني الى بغداد-في سنة

____________________

(١) استوا: بضم أوله وسكون ثانيه ناحية بنيسابور كثيرة القرى.

٦٦

٤٤ ٨، وحدث ببغداد وكتبنا عنه.

و كان ثقة حسن الموعظة مليح الاشارة، وكان يعرف الاصول على مذهب الأشعرى والفروع على مذهب الشافعي انتهى، وحكى عن القشيري انه كان كثيرا ما ينشد لبعضهم:

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا

و شهدت كيف تكرر التوديعا

أيقنت ان من الدموع محدثا

و علمت ان من الحديث دموعا

ولد سنة ٣٧ ٦ ، وتوفى بنيسابور سنة ٤٦٥ ، ودفن بالمدرسة تحت شيخه أبى علي الدقاق.

(و ابنه) أبو نصر عبد الرحيم كان إماما كبيرا، اشبه أباه في علومه ومجالسه خرج الى بغداد وعقد بها مجلس وعظ، وحصل له قبول عظيم، وكان يعظ في المدرسة النظامية ورباط شيخ الشيوخ، وحضر الشيخ أبو اسحاق الشيرازى مجلسه، توفى بنيسابور سنة ٥ ١ ٤.

(و سبط القشيري) أبو الحسن عبد الغافر بن اسماعيل بن عبد الغافر الفارسي كان إماما في الحديث والعربية، اخذ عن إمام الحرمين، وسمع على جده القشيري وجدته فاطمة بنت ابى الدقاق، وخاليه أبى علي سعد وأبى سعيد ولدي القشيرى ووالده اسماعيل، ووالدته امة الرحيم بنت القشيرى.

و صنف كتبا منها: المفهم لشرح غريب صحيح مسلم، والسياقى لتاريخ نيسابور، ومجمع الغرائب في غريب الحديث وغير ذلك، توفى بنيسابور سنة ٥ ٢٩ (ثكط).

(و القشيري) بضم القاف وفتح الشين المعجمة نسبة الى قشير بن كعب وهى قبيلة كبيرة.

(القضاعى)

انظر القاضي القضاعي

٦٧

(القطامى)

عمير بن شييم-مصغرا-ابن عمرو التغلبي، شاعر نصراني، كان معاصرا للأخطل، له ديوان يعد من الطبقة الاولى.

حكى انه قدم دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك ليمدحه، فقيل له: انه بخيل لا يعطي الشعراء، والشعر الا ينفق عنده، وهذا عبد الواحد بن سليمان فامدحه، فمدحه، فقال: كم أملت من امير المؤمنين؟ قال: املت ان يعطيني ثلاثين ناقة، فقال: قد امرت لك الخمسين ناقة موقرة برا وتمرا وثيابا، ثم امر بدفع ذلك اليه، توفى سنة ٧١٠ الميلادية.

(و القطامي): بالفتح ويضم الصقر أو اللحم منه، قاله الفيروزابادي، ثم قال: وشاعر كلبي اسمه الحصين بن جمال أبو الشرقي وآخر تغلبي واسمه عمير بن شييم.

(القطان)

يطلق على جماعة كثيرة لا يحصى، (منهم) ابو سعيد يحيى بن سعيد البصري محدث زمانه، عده الشيخ من اصحاب الصادق عليه السلام وقال: كان من أئمة الحديث، وظاهره كونه إماميا.

و عده ابن قتيبة من رجال الشيعة واحتج به اصحاب الصحاح الستة وغيرهم توفى سنة ١٩٨ (قصح).

(و قد يطلق) على ابن ابنه احمد بن محمد بن يحيى بن سعيد البصرى، سكن بغداد، وحدث بها عن جده يحيى بن سعيد وغيره.

روى الخطيب عنه باسناده عن زيد بن اسلم عن ابيه قال: ما رجل ضل بعيره بأرض فلاة بأشد اتباعا لأثر بعده من ابن عمر لعمر، توفى سنة ٢ ٥ ٨.

(و قد يطلق) على احمد بن الحسن القطان المعدل، يروي عنه الشيخ الصدوق

٦٨

(رحمه اللّه) وقال: كان شيخا لأصحاب الحديث ببلد الري، ويعرف بأبي علي بن عبد ربه.

(و قد يطلق) على ابى احمد بن ابى منصور بن علي القطيفي صاحب القصيدة اللامية:

يا أيها المنزل المحيل

عادتك مستحفر هطول

ازرى عليك الزمان لما

شجاك من اهلك الرحيل

لا تغترر بالزمان واعلم

ان يد الدهر تستطيل

فان آجالنا قصار

فيه وآمالنا طويل

تفني الليالي وليس يفني

شوقى ولا حسرتي تزول

لا صاحب منصف فأسلو

به ولا حافظ وصول

(الأبيات)

(و قد يطلق) على ابى بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد بن احمد بن ايوب القطان، سمع من محمد بن جرير الطبري وجماعة كثيرة ذكرهم الخطيب في تاريخه وقال سمعت الازهري ذكره فقال: كان سماعه صحيحا من ابى جعفر الطبرى إلا انه كان رافضيا خبيث المذهب، سألت القاضى ابا بكر محمد بن عمر الداودى عن ابن ايوب فقال: كان ثقة صحيح السماع، قلت: ذكر انه كان سيّئ المذهب في الرفض فقال ما سمعت منه في هذا المعنى شيئا انكره لكني احسبه كان يذهب الى تفضيل علي حسب، توفى سنة ٣٧٨.

(و قد يطلق) على احمد بن محمد بن عبد اللّه بن زياد ابي سهل القطان سكن دار القطن ببغداد، وحدث عن خلق كثير.

ذكره الخطيب في تاريخ بغداد وقال: كان صدوقا اديبا شاعرا راوية للأدب عن ابى العباس ثعلب والمبرد وأبى سعيد السكري، وكان يميل الى التشيع.

٦٩

و روى عنه الدار قطني والمرزباني وغيرهما من المتقدمين، ثم روى عن ابى عبد اللّه ابن بشر القطان قال: ما رأيت رجلا احسن انتزاعا لما اراد من آي القرآن من ابى سهل بن زياد، فقيل له: ما السبب في ذلك؟ فقال: كان جارنا وكان يديم صلاة الليل وتلاوة القرآن، فلكثرة درسه صار كأن القرآن نصب عينيه ينتزع منه ما شاء من غير تعب.

قال الخطيب: وكان في ابى سهل مزاح ودعابة، وقال: سئل ابو بكر البرقاني عن ابى سهل بن زياد فقال صدوق.

و قد روى عنه الدار قطني في الصحيح وإنما كرهوه لمزاح كان فيه، توفى سنة ٣ ٥ ٠ (شن) ودفن بقرب قبر المعروف الكرخي.

(و قد يطلق) على شمس الدين محمد بن شجاع القطان مؤلف كتاب معالم الدين في فقه آل يس، وقد تقدم في ابن القطان، والقطان كشداد بياع القطن.

(قطب الدين الاشكورى)

محمد بن شيخ علي الشريف الديلمي اللاهجي الحكيم العارف المتأله الفاضل صاحب كتاب محبوب القلوب ورسالة في العالم المثالي، تلميذ المحقق الداماد (ره)

(قطب الدين الرازى)

الشيخ الأجل ابو جعفر محمد بن محمد البويهي الحكيم الفقيه المتأله المحقق المدقق صاحب شرح الشمسية، وشرح المطالع، وشرح القواعد والمحاكمات وحاشيتين للكشاف: الأصغر بحر الأصداف، والأكبر تحفة الاشراف وغير ذلك أصله من ورامين الري من جهة المولد والبلد، ينتهي نسبه الى آل بويه سلاطين الديالمة، كما عن الشيخ علي بن عبد العالي، أو إلى بابويه القمي، كما عن بعض إجازات الشهيد الثانى.

٧٠

و نقل عن كتاب محبوب القلوب انه قال: المولى العلامة البهي الألمعى قطب الدين الرازى شمس فضله عن مطلع شرح المطالع طالع ومحكمات حكمة من افق كتاب المحاكمات ساطع.

مولده ومنشأه في الورامين من الري، وبعد استفادته عندجم من الاعلام قد فاز بالتلمذية عند العلامة العلم جمال الملة والدين الحلي طاب ثراه، وقد انتسخ كتاب قواعد الاحكام من مصنفات العلامة بخطه وقرأه عنده.

وقد اجازه العلامة في ظهر كتابه بخطه، وعبر عنه بالشيخ الفقيه العالم الفاضل المحقق المدقق زبدة العلماء والافضل قطب الملة والدين محمد بن الرازى وأرخ الاجازة بثالث شعبان سنة ٧١٣ (ذيج) إنتهى.

ونقل شيخناعن الشهيد محمد بن مكى قدس الله روحه قال: اتفق اجتماعي به بدمشق آخريات شعبان سنة ٧٧٦ (ذعو) فاذابحر لاينزف، وأجازني جميع مايجوزعنه روايته.

ثم توفى في (يب) (قع) من السنة المذكورة بدمشق ودفن بالصالحية، قال: وكان إمامى المذهب بغيرشك وريبة صرح بذلك وسمعته منه، وانقطاعه إلى بقية اهل البيت عليهم السلام معلوم.

وقال الشهيد ايضافي إجازته لابن الخازن: ومنهم الامام العلامة سلطان العلماء وملك الفضلاء الحبر البحرقطب الدين محمد بن محمد الرازى البويهي، فاني حضرت في خدمته قدس الله لطيفته بدمشق عام ثمانية وستين وسبعمائة، واستفدت من انفاسه، وأجازلي جميع مصنقاته في المعقول والمنقول ان أرويها عنه وجميع مروياته، وكان تلميذا خاصا للشيخ الامام جمال الدين المشار إليه إنتهى.

وذكره المحقق الثاني " ره " وقال انه من اجل تلامذه العلامة، ومن اعيان اصحابنا الامامية قدس الله تعالى ارواحهم ورضى عنهم اجمعين.

٧١

(قطب الدين الراوندى)

ابو الحسن سعيدبن هبة الله بن الحسن، العالم المتبحر الفقيه المحدث المفسر المحقق الثقة الجليل صاحب الخرائج والجرائح وقصص الانبياء ولب اللباب وشرح النهج وغيره.

كان من اعاظم محدثي الشيعة، قال شيخنا في المستدرك: فضائل القطب ومناقبه وترويجه للمذهب بأنواع المؤلفات المتعلقة به اظهروأشهر من ان يذكر وكان له ايضا طبع لطيف، ولكن اغفل عن ذكر بعض اشعاره المترجمون له، إنتهى.

وهو احد مشايخ ابن شهراشوب، يروى جماعة كثيرة من المشايخ كأمين الاسلام والسيد المرتضى والرازى وأخيه السيد مجتبى وعماد الدين الطبرى وابن الشجري والآمدى، ووالد المحقق الطوسي، وغيرهم رضوان الله عليهم اجمعين.

ويروي عن الشيخ عبد الرحيم البغدادى المعروف بابن الاخوة، عن الفاضلة الجليلة السيدة النقية بنت السيد المرتضى علم الهدى عن عمها الشريف الرضي (ره) وكان والد القطب الراواندى وجده وأولاده كلهم علماء.

وصرح الشيخ منتجب الدين بأن اباالفضل محمد بن القطب الراوندى وأخاه عماد الدين عليا كانا فقيهين ثقتين.

توفى القطب ٤ شوال سنة ٥٧٣ (ثعج) كمافي البحارنقلا عن خط الشهيد (ره)، وقبره ببلدة قم جوار الحضرة الفاطمية عليها السلام، مزار معروف.

ولا يخفى انه غير سعيد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الفاضل المشتهرفي العلوم الحكمية، فانه كان من الاطباء المتميزين في صناعة الطب، خدم المقتدى

٧٢

بأمرالله، والمستظهر بالله بصناعة الطب، وكان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي.

له كتاب المغني في الطب، صنفه للمقتدى، وكتاب خلق الانسان، توفى سنة ٤٩٥.

(قطب الدين الشيرازى)

محمودبن مسعودبن مصلح الكازروني الفارسي الشافعي الفاضل الفهامة الملقب بالعلامة، تلميذ الخواجة نصير الدين الطوسي (ره).

قيل: كان وحيد عصره في المعقول، وكان في غاية الذكاء، وله تلاميذ كثيرة وتصانيف شهيرة، منها: شروحه على القسم الثالث من المفتاح وعلى المختصر الحاجبي، وعلى كليات ابن سينا، كان مولده بشيراز، ودخل بغداد ودمشق واستوطن بالآخرة تبريز.

حكي عن شدة ذكائه انه سئل في مجمع من الشيعة والسنة عن افضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله هل هو أمير المؤمنين عليه السلام أو ابوبكر؟ فأجاب:

خير الورى من بعدالنبي من بنته في بيته

من في دجى ليل العمى ضوء‌الهدى في زيته

(قلت): تقدم في ابن الجوزي مايشبه ذلك، حكي انه كان مواظبا على الجماعة، لا يصلي فرائضه إلا بالجماعة.

توفى بتبريزسنة ٧١٠ (ذي)، ودفن بقرب البيضاوي، ورثاه ابن الوردي بقوله:

لقد عدم الاعلام حبرا مبرزا

كريم السجايا فيه من بعده قرب

عجيب وقد دارت رحى العلم بعده

وهل للرحى دوروقد عدم القطب

٧٣

(قطب الدين الكوشكنارى)

محمد المعروف بالقطب المحيي، استاذ المولى جلال الدواني، المتوفى في اوائل المائة العاشرة.

وهو أحد مشايخ الصوفية السنية، صاحب المكاتبات المعروفة بمكاتبات القطب المحيي بالفارسية.

(قطب الدين الكيدرى)

ابو الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابورى الامامى، الشيخ الفقيه، الفاضل الماهر، والاديب الاريب، البحر الزاخر، صاحب الاصباح في الفقه، وأنوار العقول في جمع اشعار أمير المؤمنين عليه السلام، وشرح النهج، وغيرذلك.

وله اشعار لطيفة، وكان معاصرا للقطب الراوندي، وتلميذا لابن حمزة الطوسي، فرع من شرحه على النهج سنة ٥٧٦ (ثعو).

والكيدر قرية من قرى بيهق، وعن طراز اللغة للسيد عليخان انه ضبطه بالذال المعجمة، وعدل بعض الاعلام (أي كاشف اللثام) عن ذلك، وضبطه بالنون نسبة إلى كندر قرية بنيسابور وقرية قرب قزوين.

(قطران)

إمام الشعراء أبومنصور التبريزي الترمذي، قيل: كان في أول أمره دهقانا، فاشتغل بنظم الشعرفصار شاعرا معروفا. وقد اشار الى ذلك بقوله:

يكى دهقان بدم شاها شدم شاعر بناداني

مرا از شاعري كردن توكردى باز دهقاني

له اشعار كثيرة في مدح الاميرابى منصور وهسودان الذى كانت له السلطنة

٧٤

في تبريز إلى حدود ٤٥٠، ومن شعره في الشكر:

گر هزار ستم دهان در هر يكى سيصد زبان

شكر نيكيهات نتوانم يكى گفت از هزار

قيل انه توفي سنة ٤٦٥.

(قطرب)

ابوعلي محمد بن المستنير بن احمد البصرى النحوى اللغوى الاديب البارع اخذ الادب عن سيبويه، فصارمن أئمة عصره.

يروى عن الصادق " ع " روى الشيخ في (يب) في باب (النفرمن منى) عن الحسن بن محبوب عنه عن ابى عبد الله " ع " له مصنفات منها كتاب معاني القرآن وكتاب الرد على الملحدين في متشابه القرآن، وكتاب العلل في النحو وغير ذلك، وهو اول من وضع المثلث في اللغة، وكان معلم اولاد ابى دلف العجلى، وينسب إليه هذان البيتان:

إن كنت لست معى فالذ كرمنك معي

يراك قلبي اذا ما غبت عن بصرى

والعين تبصرمن تهوى وتفقده

وباطن القلب لا يخلو من النظر

قال الدميرى في حياة الحيوان: قطرب طائر يجول الليل كله لا ينام وقالوا: اجول من قطرب واسهر من قطرب.

وقطرب لقب محمد بن المستنير النحوى صاحب المثلث وغيره، وكان من اهل العربية، وكان حريصا على الاشتغال والتعلم، فكان يبكرالى سيبوية قبل حضوراحد من التلامذة، فقال له يوما: ماانت إلا قطرب ليل، فبقى عليه هذا اللقلب توفي سنة ست ومائتين.

٧٥

(القطونى)

خالد بن مخلد أبوالهيثم الكوفي، شيخ البخارى في صحيحه، ذكره ابن سعد في محكي طبقاته من الجزء السادس ص ٢٨٣ فقال: وكان متشيعا توفى بالكوفة في النصف من المحرم سنة ٢١٣ في خلافة المأمون، وكان في التشيع مفرطا وكتبواعنه إنتهى.

وعن ابى داودانه ذكره فقال: صدوق لكنه يتشيع، ونقل البخارى ومسلم في مواضع من صحيحيهما، بل اصحاب السنن كلهم يحتجون بحديثه وهم يعلمون بمذهبه.

(القطيفى)

الشيخ ابراهيم بن سليمان البحراني، المجاورحيا وميتا بالغري السريكان عالما فاضلا ورعاصالحا من كبار المجتهدين، وأعلام الفقهاء والمحدثين، كان في غاية الفضل، معاصرا للشيخ نور الدين المحقق الكركي، ويروي عنه بالاجازة ايضا، وكانت بينهما مناظرات.

نقل ان الامام الحجة القائم صلوات الله عليه دخل عليه في صورة رجل كان يعرفه وسأله عن ابلغ آية في الموعظة، فقرأ الشيخ قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) الآية فقال له الامام عليه السلام: صدقت ياشيخ ثم خرج فسأل عنه اهل بيته فقالوا: مارأينا داخلا ولاخارجا إنتهى.

(وله) مصهفات كثيرة منها: السراج الوهاج، والهادي إلى سبيل الرشاد وكتاب تعيين الفرقة الناجية من اخبار المعصومين (ع) ونفحات الفوائد ورسالة في احكام الرضاع، ورسالة في الصوم، ورسالة في ادعية سعة الرزق وقضاء الدين، وشرح ألفية الشهيد، وشرح اسماء الله الحسنى، فرغ منه سنة ٩٣٤.

٧٦

وكان عندي رسالة منه الموسومة بالنجفية، وكان في آخرها خطه الشريف وتاريخ كتابته سنة ٩٢٧.

قال (ضا): وله اجازة لتلميذه معز الدين محمد بن تقي الدين الاصفهاني يظهر منها ان الشيخ علي بن هلال الجزائري عمه، وتاريخ الاجازة سنة ٩٢٨ وفيها: انه اجازه عدة من المشايخ أوثقهم الشيخ ابراهيم بن حسن الوزاق عن الشيخ علي بن هلال وتاريخها سنة عشرين وتسعمائة إنتهى.

(والقطيفى) نسبة إلى قطيف، كشريف بلد بالبحرين.

(القعبى)

أبوعبد الرحمن عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي المدني، اخذ العلم والحديث عن الامام مالك، وهو من جملة اصحابه وأحد رواة الموطأعنه، وكان يسمى الراهب لعبادته وفضله، وكان يسكن البصرة، وتوفى بها أوبمكة سنة ٢٢١ (ركا).

(القفال الشاشي)

ابوبكر محمد بن علي بن اسماعيل الفقيه الشافعي المحدث اللفوي، الشاعر الاصولي.

رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام، وأخذعن ابن سريج، وروى عن ابن جرير الطبرى، وروى عنه الحاكم وابن مندة وجماعة كثيرة، وكان من اعيان تلامذته أبوعبد الله محمد بن احمد الخضرى المروزى الفقيه الشافعي الذى يضرب به المثل في قوة الحفظ، وتوفى في عشر الثمانين والثلثمائة وتوفي الفقال المذكور بالشاش في سنة ٣٣٦ وقيل ٣٦٥ وكان والد القاسم صاحب كتاب التقريب (والشاشي) نسبة إلى الشاش مدينة وراء نهر سيحون.

٧٧

(القفال المروزى)

أبوبكر عبد الله بن احمد بن عبد الله الفقيه الشافعي، كان وحيد زمانه، وله في مذهب الامام الشافعي من الآثار ماليس لغيره من ابناء عصره، كان ابتداء إشتغاله بالعلم على كبر السن بعد ماافنى شبيبته في عمل الاقفال، ولذلك قيل له القفال، وكان ماهرا في عملها.

ويقال: انه لماشرع في الفقه كان عمره ثلاثين سنة، توفى سنة ٤١٧ (تيز) ودفن بسجستان، وهو الذى صلى بين يدى السلطان محمود سبكتكين ركعتين على مذهب الشافعي وركعتين على مذهب ابى حنيفة، فاختار السلطان محمود مذهب الشافعي لذلك، وقصته مشهورة ذكرها الدميري وابن خلكان، ونحن ننقلها هاهنا من ابن خلكان: قال في ترجمة يمين الدولة السلطان ناصر الدولة محمود بن سبكتكين المتوفى سنة ٤٣٣ بغزنة نقلا من كتاب مغيث الخلق في اختيار الاحق لامام الحرمين الجويني ان السلطان محمود المذكور كان على مذهب ابى حنيفة.

وكان مولعا بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع.

وكان يستفسر الاحاديث فوجد اكثرها موافقا لمذهب الشافعي فوقع في خلده حكة فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو والتمس منهم ماالكلام في ترجيح احد المذهبين على الآخر، فوقع الاتفاق على ان يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الامام الشافعي وعلى مذهب ابى جنيفة لينظر فيه السلطان ويتفكر ويختار ماهو أحسنهما، فصلى القفال المروزى بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة واستقبال القبلة، وأتى بالاركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض على وجوه الكمال والتمام، وقال: هذه صلاة لايجوز الامام الشافعي

٧٨

دونها، ثم صلى ركعتين على مايجوز ابوحنيفة رضي الله عنه فلبس جلد كلب مدبوغا ثم لطخ ربعه بالنجاسة وتوضأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف في المفازة واجتمع عليه الذباب والبعوض، وكان وضوء‌ه منكسا منعكسا، ثم استقبل القبلة وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء، وكبر بالفارسية ثم قرأ آية بالفارسية (دوبرك سبز) ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غيرركوع وتشهد، وضرط في آخره من غير نية السلام وقال: أيها السلطان هذه صلاة ابى حنيفة.

فقال السلطان: لولم يكن هذه الصلاة ابى حنيفة لقتلتك لان مثل هذه الصلاة لايجوزها ذو دين، فأنكرت الحنفية ان تكون هذه صلاة ابى حنيفة فأمر القفال باخضار كتب ابى حنيفة، وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين جميعا فوجدت الصلاة على مذهب ابى حنيفة على ماحكاه القفال، فأعرض السلطان عن مذهب ابى حنيفة، وتمسك بمذهب الشافعي " رضي الله عنهما " إنتهى.

(قفطان)

كقربان، لقب لجماعة، منهم الشيخ احمد بن الشيخ حسن بن الشيخ علي النجفى، الفاضل الاديب الشاعر، له اشعار وقصائد كثيرة، اشار اليها في اعيان الشيعة، وفيه وروى شيخنا الشيخ محمد طه نجف النجفي عنه انه رأى الامام المنتظر عليه السلام فيما يرى النائم وعاتبه، فأجابه بهذين البيتين:

لنا أوبة من بعد غيبتنا العظمى

فنملاها عدلا كماملئت ظلما

سينجز وعدي قل لمن يكفرون لي

لقد كان ذاحقا على ربنا حتما

توفي بالنجف سنة ١٢٩٣ (غرصج) وأخوه الشيخ ابراهيم من الفضلاء المعروفين.

٧٩

(القفطى)

جمال الدين ابو الحسن علي بن يوسف بن ابراهيم الشيبانى الوزير احد الكتاب المشهورين، كان أبوه القاضي الاشرف كاتبا ايضا بمصر.

ولد بقفط سنة ٥٦٣، وسمع الحديث من ابى طاهر بن بنان بمصر وبحلب من جماعة، فصار مشاركا لارباب كل علم من النحو واللغة والفقه والحديث وعلم القرآن والاصول والمنطق والنجوم والهندسة والتاريخ.

أسكنه أبوه القاهرة طفلا ثم خرج إلى الشام فأقام بحلب، وصحب بها الامير الميمون القيصري، وبعد وفاة الامير لزم منزله فألزم بالخدمة في امور الديوان في ايام الملك الظاهر، ولمامات الملك انقطع في منزله فقلده الملك العزيز وزارته سنة ٦٣٣.

حكي انه اجتمع لديه من الكتب مالا يوصف، وكان لا يحب من الدنيا سواها، ولم يكن له دار ولازوجة، وأوصى بكتبه للناصر صاحب حلب وكانت تساوي خمسين ألف دينار، له تاريخ مصر، وأخبا ر العلماء بأخبار الحكماء، توفى سنة ٦٤٦.

(القلقشندى)

شهاب الدين احمد بن علي بن احمد المصري الشافعي، كان اديبا منشيا قوي الحافظة.

له صبح الاعشى في صناعة الانشاء، ونهاية الارب في معرفة قبائل العرب وضوء الصبح المسفر وجني الدوح المثمز، وهو مختصر صبح الاعشى، قال في أوائل الجزء الثاني من صبح الاعشى ماهذا لفظه: ومن غريب مايحكى ان رجلا اخذ خطرا من قوم على ان يغضب معاوية ابن ابى سفيان مع غلبة حلمه، فعمدالى معاوية وهو ساجد في الصلاة فوضع

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538