مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 272999 / تحميل: 6492
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

١
٢

بسم الله الرحمٰن الرحيم

عواطف ساخنة ومشاعر تقدير

من أرض الذكريات الإسلاميّة: الحبشة ( أثيوبيا )

وصلنا كتاب من العالم الجليل الاُستاذ محمد كمال آدم المدرس في مدرسة أهل البيت يحمل في طيّاته عواطف ساخنة، حول« سلسلة مفاهيم القرآن » وما فيها من بحوث في التوحيد والنبوّة، وقد وجد فيها صاحب الرسالة ما يعالج مشاكل العصر التي تثيره الأقلّيّات الدينية في تلك الديار وإليك بعض ما ورد في الكتاب:

حضرة العالم العلّامة والحجّة الفهّامة، الاُستاذ جعفر سبحاني أطال الله بقاءه ذخراً للاسلام والمسلمين.

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يسرّني غاية السرور ومزيد الفرحة أن تصل رسالتي هذه إليكم، وأنتم في تمام الصحّة والعافية وأتمنّى لكم النجاح والتوفيق في كل أعمالكم.

سيدي العزيز أنا أخوكم المسلم الأثيوبي محمد كمال آدم المدرس في مدرسة أهل البيت وإنّي أحد المتولّعين بمطالعة مؤلّفاتكم الكثيرة المفيدة، والرائعة، التي قمتم بتأليفها لمعالجة المسائل الإسلامية معالجة جديدة والدفاع عن حوزة الدين الإسلامي، في جميع جهات المعركة الفكرية مع الأعداء، فأوّل ما ظفرت به من مؤلّفاتكم هو كتاب« معالم التوحيد في القرآن الكريم » فطالعته سطراً بعد سطر فأثلج صدري بالفرح والسرور، والخطبة والحبور، وألفيته قد انطبق على مسمّاه اسمه، وتناسب تركيبه ورسمه.

٣

حقّاً إنّ هذا الكتاب يُسحر الألباب ويجذب الأحباب، يحقِّقُ ويبيِّن الصواب، ويفحم المتقوّل الكذّاب، حيث يقوم بتوضيح التوحيد الخالص، ويفنِّد مزاعم من يشوّهون مفاهيم الدين الإسلامي ويقومون بتكفير اخوانهم المسلمين. فقد جمع بين دفّتيه دراسات كثيرة ومناقشات عديدة، فيا بشراكم انّكم من الذين أدركوا حقيقة الدين الإسلامي، وحملتهم غيرتهم على دينهم إلى أن يطلعوا الآخرين على ثمرات الحقائق فجزاكم الله خير الجزاء.

اُستاذي الحبيب نحن في أثيوبيا نفتخر بكم وبمؤلّفاتكم القيّمة وأستشعر شعوراً بأنّكم الحجّة والبرهان للدفاع عن الدين الإسلامي في هذا الزمان، متّعنا الله بكم ووفّقنا لرؤيتكم.

وأخيراً نرجوا أن تزوّدنا بمعلومات يكشف عن عدد مؤلّفاتكم لنكون قادرين على متابعتها وجمعها، ونحن واثقون بأنّكم تحققون مطلبنا هذا في أسرع وقت ممكن، والله يجزيكم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ودمتم في رعاية الله وحفظه وتقبّلوا فائق تحيّاتنا.

أديس أبابا ـ أثيوبيا

محمد كمال آدم

٢٨ / ١٢ / ١٤١١ ه‍

الموافق ١٠ / ٧ / ١٩٩١ م

٤

تقدير واكبار

تفضل به الاُستاذ المجاهد والكاتب القدير: الشيخ حسن الصفار

من علماء المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية ( قطيف ) حيّاه الله وبيّاه

سماحة العلّامة الحجة الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومما جاء فيه:

كما أنّ الجيش في ميدان القتال يحتاج إلى دعم وامداد بالمؤنة والعتاد « الوجستيك » كذلك الدعاة إلى الله وطلائع الحركة الإسلامية، هم في أمسِّ الحاجة إلى من يرفدهم بالفكر العميق، والدراسات العلمية والبحوث الهادفة عن قضايا العقيدة ومفاهيم الإسلام.

فالاُمّة الإسلامية تخوض اليوم صراعاً حضارياً، فكريّاً ضارياً حيث يخشى الإستكبار العالمي من أن تعود للاُمّة ثقتها بدينها، وتبني صرح الحضارة الإسلامية من جديد على أنقاض الحضارة الماديّة التي ذاق الإنسان ويلاتها، واتّضح لدية فسادها وانحطاطها.

إنّ العدوان العسكري والحرب المفروضة التي شنّت على الجمهوريّة الإسلاميّة وحملات الإرهاب، والقمع الشرسة التي يواجهها المؤمنون الرساليون في كل مكان، واعاصير الإعلام المضلّل المناوئ للثورة والحركة الإسلامية هذه كلّها مظاهر ووسائل للمعركة الرئيسية والصراع الحقيقي بين الحضارة الإسلامية المرتقبة، والحضارة المادية المنحرفة.

وإذا كانت القيادة الميدانيّة، والإدارة اليومية لشؤون التحرّك والصراع مع الأعداء تأخذ كل وقت وجهد العلماء والمفكّرين الإسلاميين الواعين، فإنّ ذلك سيترك فراغاً خطيراً في مجال الدراسات العلمية العقائدية والعطاء الفكري.

٥

فلابدّ وأن تتوجّه ثلّة من العلماء والمفكّرين العارفين بأبعاد الصراع الحضاري، والمدركين لتطلّعات الاُمّة، ليقوموا بدور الإمداد والدعم الفكري والعلمي، خلف جبهة الصراع العسكري والسياسي والإعلامي.

وسماحتكم هو في طليعة من يطمئن ويعتمد عليه لملء هذا الفراغ الكبير وسدّ هذه الحاجة الماسَّة.

إنّ اهتمامكم باصدار البحوث العقائدية والفكرية الرائعة ليشكّل سنداً ودعماً ضرورياً لكل الرساليين المجاهدين لإعلاء كلمة الله وانقاذ العالم من حضيض الإنحطاط المادّي.

لقد قرأت العديد من أجزاء موسوعتكم ( التفسير الموضوعي للقرآن ) وبحثكم القيّم حول ( التوحيد والشرك ) فوجدت فيها الضالّة المنشودة من حيث الفكر العميق، والشموليّة الدقيقة والطرح الهادئ الموضوعي فشكر الله سعيكم وأدام توفيقكم ونفع المسلمين بفيض علمكم.

أرجو أن تتابعوا كتاباتكم وبحوثكم في مجال التفسير الموضوعي للقرآن كما أرى ضرورة الإسراع في ترجمة هذه البحوث إلى اللغات العالمية الحية، وخاصّة اللغة الإنكليزية، فهناك الكثيرون من المسلمين ممّن لا يجيدون اللغة العربية، يتطلّعون بفارغ الشوق إلى مثل هذه الدراسات العلمية، كما أنّ بعض مفكّري الغرب والشرق يهمّهم الإطّلاع على مفاهيم الإسلام من بعد ما لفتت الثورة الإسلامية المباركة أنظارهم نحو الإسلام.

أسأل الله لكم دوام الصحّة والنشاط ولكلّ العاملين المؤمنين التوفيق والنجاح.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حسن موسى الصفار

القطيف

٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

شخصية النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته

في القرآن الكريم

كانت حياة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ ولادته ونعومة أظفاره، وحتى ساعة رحلته، ولقائه ربّه، طافحة بالحوادث، زاخرة بالوقائع، وقد لفتت تلك الحوادث والوقائع أنظار المفكّرين والباحثين ودفعتهم إلى ضبط كلّ جليل ودقيق منها، وهم بين مؤمن بدينه ورسالته، وشريعته وكتابه، ومنكر لصلته بالله سبحانه وبعثته من قبله ولكن مذعن بشخصيته الفذَّة، وحياته المثالية، فلا تجد شخصية في التاريخ وقعت محطّاً للبحث والدراسة، ولفتت نظر الباحثين كشخصية رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولو اُتيح لإنسان أن يقوم باستقصاء ما أُلِّف حول حياته طيلة هذه القرون، أو ما جادت به القرائح من القصائد والأراجيز، لعثر على مكتبة ضخمة حافلة بآلاف الكتب والرسائل، والدواوين، ولاُذعن ـ عندئذٍ ـ كلّ قريب وبعيد، وكل صديق ومناوئ بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيج وحده، لم تسمع اُذنُ الدنيا بأحد مثله ولم تر عين الدهر نظيراً له.

وقد خدم المؤرخون الاُمّة الاسلاميّة بل البشريّة جمعاء بتآليفهم وتصانيفهم حول حياته وشخصيّته وجهوده ومساعيه في سبيل إنقاذ البشريّة من أغلال الوثنيّة

٧

والجنوح إلى كلّ معبود سوى الله تعالى، غير أنَّ نظر كلّ مؤلِّف كان إلى زاوية خاصّة من زوايا حياته، وإلى بعد واحد من أبعاد سيرته.

فمن باحث عن أخلاقه المثاليّة، ورأفته، وعبادته وتهجّده، وحسن سلوكه مع الناس، وأمانته التي أقرَّ بها العدو والصديق.

إلى آخر يهتمَّ ببيان كيفيّة نزول الوحي عليه، وقيامه ـ بمفرده ـ بنشر دعوته، والإجهار برسالته، والصمود في سبيل عقيدته، وتحمّل المشقّة كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف.

إلى ثالث يُلقي الضوء على الجانب السياسي من حياته، فيجمع رسائله الموجّهة إلى الملوك والساسة ورؤساء القبائل، كوثائق وكتب سياسية.

إلى رابع أعجبه ذكر مغازيه وبعثه للسرايا، وجهاده ضدّ المشركين والمنافقين والخونة من أهل الكتاب.

إلى خامس ركّز اهتمامه على الجليل والدقيق من حياته من دون أن يجنح لجانب دون جانب لكنّه جمع وحشّد من دون تحقيق ولا تنقيب، فكتب كلّ ما عثر عليه في هذه المجالات.

شكر الله مساعي الجميع حيث خدموا البشريّة ببحثهم عن هذه الفريدة وهذه الحلقة الأخيرة من سلسلة الأنبياء والمرسلين، الّتي خصّها الله سبحانه بكتابه الخاتم، ودينه الخالد، وشريعته الأبديّة.

ولقد استند هؤلاء في تصوير حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصف ما جرى عليه قبل البعثة، وبعدها، أو ما واجهه من الأحداث والوقائع، إلى الروايات المرويّة عن الصحابة والتابعين الذين شاهدوا نور الرسالة كما شاهدوا القضايا والحوادث باُمّ أعينهم.

ولكن هناك طريقاً آخر أمثل وأشرف من الطريق الأوّل لم يهتم به الباحثون اهتماماً كافياً ولازماً، وان التفتوا إليه في بعض الأحيان، وهو الإستضاءة ـ في

٨

تدوين معالم حياته ـ بكتاب الله الكريم، المنزّل على قلبه، ففيه تصريحات بمعالم حياته، وإشارات إلى خصوصيّاتها.

والقرآن الكريم وان لم يكن كتاب تاريخ، بل هو كما وصف نفسه( هُدًى لِّلنَّاسِ ) أي كتاب هدي لجميع الناس إلى أن تقوم الساعة، ولكنّه ربّما يتعرّض في بعض المناسبات لخصوصيّات حياته وأفعاله، وجهوده ومساعيه، ومن خلال ذلك يستطيع الإنسان المتتبّع أن يستخرج صورة وضّاءة لحياته بالتدبّر في هذا القسم من الآيات ويقف على خلقه وسلوكه وسائر شؤونه، وبالتالي تتجلّى لنا حياته من أوثق المصادر وأمتنها، فيرى القارئ صورته في مرآة القرآن كما ترى سيرته في ثنايا الكتب والسير، مع الفارق الكبير بين الصورتين، والمرآتين.

وهذا ما نقوم به في هذا الجزء من موسوعتنا القرآنية « مفاهيم القرآن » ونحن نعترف بأنّ هذا عبء لا يقوم به إلّا لجنة تفسيريّة تتناول الموضوع بصورة شاملة وموسّعة ومعمّقة غير أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، وما نقوم به عمل فردي ليس له من المزايا ما للعمل الجماعي، ولكن « ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ». وتوخّياً للتسهيل، خصّصنا لكلّ موضوع وما يناسبه فصلاً.

وفي الختام نتقدّم بالشكر الجزيل، إلى العالم الجليل والكاتب القدير، الشيخ محسن آل عصفور ـ حفظه الله ـ حيث ساعدنا في تأليف هذه الجزء وتحريره وترصيفه وتقريره حتى خرج بهذه الصورة البهيّة. شكر الله مساعيه الجميل.

نسأله سبحانه أن يوفّقنا في هذا السبيل ويصوننا عن الزلل والخطأ في فهم كتابه إنّه مجيب الدعاء. ويكتب التوفيق لكلّ مجاهد في سبيل القرآن، ومخلص في خدمة الذكر الحكيم.

قم ـ مؤسسة الإمام الصادقعليه‌السلام

جعفر السبحاني

٩
١٠

(١)

بشائره في الكتب السماويّة

لقد تعلّقت مشيئة الله الحكيمة ببعث رجال صالحين لإنقاذ البشرية من الجهالة والضلالة، وسوقهم إلى مرافئ السعادة، وأنزل عليهم شرائع فيها أحكامه وتعاليمه، وهذه الشرائع وإن كانت تختلف بعضها عن البعض الآخر، لكنّها تتّحد جوهراً وحقيقة، ولو أنّها تفترق صورة وشكلاً كما يشير إليه قوله سبحانه:( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ ) ( آل عمران / ١٩ ). وقوله:( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ ) ( آل عمران / ٦٧ )(١) .

فالدين النازل من الله سبحانه إلى كافّة البشر في جميع الأجيال والقرون أمر واحد، وهو الإسلام، وقد اُمر بتبليغه جميع رسله وأنبيائه من غير فرق بين السالفين واللاّحقين.

هذا وقد يتفنّن القرآن الكريم في التعبير عن وحدة الشرائع من حيث الاُصول والمبادئ واختلافها شكليّاً بتصوير الدين نهراً كبيراً يجري فيه ماء الحياة المعنويّة، والاُمم كلّها قاطنة على ضفَّة هذا النهر يردونه ويصدرون عنه، وينهلون منه حسب حاجاتهم واقتضاء ظروفهم، وكل ظرف يستدعي حكماً فرعيّاً خاصّاً.

قال سبحانه:

( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) ( المائدة / ٤٨ ).

فالحقيقة ماء عذب، والاختلاف في المشرعة والمنهل، والطريقة والمنهاج.

__________________

(١) لاحظ سورة البقرة / ١٣٢ والزخرف / ٢٨.

١١

إنّ وحدة الشرائع جوهراً، واختلافها شكلاً وعَرْضا، لا تعني ما يلوكه بعض الملاحدة من جواز التديّن بكلّ شريعة نازلة من الله سبحانه إلى اُمّة من الاُمم في العصور السابقة حتى أنّه يسوّغ التديّن بشريعة إبراهيم في زمن بعثة الكليم، أو التمسّك بشريعة اليهود في عهد المسيح، أو التديّن بالشرائع السابقة في عهد بعثة النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل المفروض على كلّ اُمّة أن تتمسّك بالشريعة التي جاء بها نبيّها، فلا يجوز لليهود سوى تطبيق التوراة، ولا للنصارى سوى العمل بما جاء به المسيح، ولا للاُمّة المتأخّرة عنهما إلّا العمل بالقرآن والسنّة النبويّة، وذلك لأنّ للشكل والعَرْض سهماً وافراً في إسعاد الاُمّة ورقيّها، فلكلّ اُمّة قابليات ومواهب فلا تسعدها إلّا الشريعة التي تناسبها وتتجاوب معها.

فربّ اُمّة متحضّرة تناسبها سنن وانظمة خاصّة لا تناسب اُمّة اُخرى لم تبلغ شأنها في التكامل والتحضّر.

وهذا هو السبب في إختلاف الشرائع السماويّة في برامجها العباديّة والإجتماعيّة والسياسيّة والإقتصاديّة، فكانت كلّ شريعة كاملة بالنسبة إلى الأمّة التي نزلت لهدايتها وإسعادها، ولكنّها لا تتجاوب مع حاجات الاُمم المتأخّرة ولا تكفي لإحياء قابلياتها وترشيد مواهبها، فكأنَّ الاُمم التي خُصّت بالشرائع الالهيّة تلاميذ صفوف مدرسة واحدة، وكلّ شريعة برنامج لصفّ خاصّ، فما زالت البشريّة ترتقي من صفّ إلى صفّ، وتتلقّى شريعة بعد شريعة، حتّى تنتهي إلى الصفّ النهائي والشريعة الأخيرة التي لا شريعة بعدها، وقد أوضحنا حقيقة ذلك الأمر عند البحث عن الخاتمية(١) .

أخذ الميثاق من النبيين على الإيمان به ونصره

إنّ وحدة الشرائع في الجوهر والحقيقة أدَّت إلى أخذ الميثاق من النبيين بأنّه سبحانه مهما آتاهم الكتاب والحكمة، وجاءهم رسول مصدّق لما معهم، يجب

__________________

(١) لاحظ مفاهيم القرآن: ج ٣ ص ١١٩ ـ ١٢٣.

١٢

عليهم الإيمان به ونصره، بل أخذ الإصر من اُممهم على ذلك، فكان من وظائف كل رسول تصديق النبي اللاحق والإيمان به، ونصره، عن طريق التبشير به وأمر اُمّته بالتصديق به ومؤازرته ـ إذا أدركوه ـ فعلى ذلك أخذ سبحانه من إبراهيم الخليل ذلك العهد بالنسبة إلى الكليم، ومن الكليم بالنسبة إلى المسيح، ومنه على النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن جهة اُخرى أخذ الميثاق من الجميع على الإيمان بنبوّة النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونصره، والتبشير به، ودعوة اُممهم إلى تصديق دعوته والإقرار بها.

والمعاصرون للأنبياء السابقين وان لم يدركوا عصر النبي الأكرم غير أنّ ذلك الهتاف العالمي وصل إلى أخلافهم وأولادهم فوجب عليهم تلبية النبي الخاتم بوصيّة من أنبيائهم، وهذا هو المتبادر من قوله سبحانه:

( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) ( آل عمران / ٨١ ).

ظهور الآية فيما ذكرناه من أخذ الميثاق من كلّ متقدّم للمتأخّر، ومن الجميع للأخير يتوقّف على تفسير الآية وتحليلها جملة بعد جملة:

١ ـ قوله:( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) .

إنّ المراد من النبيين هم المأخوذ منهم الميثاق، ويدلّ على ذلك قوله:( أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) .

غير أنّ النبي الواقع في أوّل السلسلة يتمحّض في أنّهُ من أخذ منه الميثاق كنوحعليه‌السلام فإنّه من بُدء به نزول الشريعة، وهداية الناس وتعريفهم بوظائفهم وتكاليفهم السماوية، كما أنّ النبي الواقع في آخر السلسلة يتمحّض في أنّه ممّن اُخذ له الميثاق لأنّ المفروض أنّه لا نبيّ بعده.

١٣

وأمّا الأنبياء الواقعون في ثنايا السلسلة فهم من جهة أخذ منهم الميثاق ومأخوذ لهم الميثاق.

فالكليم مأخوذ منه الميثاق للمسيح ومأخوذ له الميثاق من الخليل وهكذا.

٢ ـ قوله سبحانه:( لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) .

إنّ « ما » في هذه الجملة أشبه بالشرطيّة من الموصولة لوجود « اللام » في جزائها والمعنى: مهما آتيتكم من كتاب وحكمة ثُمَّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه.

والآية تهدف إلى أنّ الله سبحانه أخذ من الأنبياء الميثاق بأنّه لو جاء رسول إليهم مصدّق لدعوتهم إلى التوحيد ورفض الوثنيّة والإقرار بعبوديّة الكلّ لله تعالى، يلزم عليهم أمران:

الأوّل: الإيمان بهذا الرسول الـمـُـقْبِل.

الثاني: نصره.

فكأنّ إيتاء الكتاب والحكمة يلازم ـ عند تطابق الدعوتين ـ الإيمان بالداعي اللاحق ونصرته، وعلى ذلك فالضمير المجرور والمنصوب في قوله:( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) عائدان إلى الرسول الـمُقبِل.

٣ ـ قوله سبحانه:( أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ) .

يعرب هذا عن أنّه سبحانه لم يأخذ الميثاق من النبيّين وحدهم بل فرض عليهم أخذ الميثاق من اُممهم على ذلك، ولأجل ذلك يخاطبهم بقوله:( أَأَقْرَرْتُمْ ) أنتم يا معشر النبيين، وهل أخذتم على ذلك عهدي ؟ فأجابوا بالإقرار.

وإنّما اقتصر في الجواب بإقرار الأنبياء فقط، ولم يذكر أخذ الإصر من اُممهم للإكتفاء بقوله:( فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) لظهور الشهادة في أنّها على

١٤

الغير، فإذا كان الله سبحانه مع أنبيائه شهوداً فيجب أن يكون هناك مشهوداً عليهم وهو اُممهم.

فظهر أنّ الآية تهدف إلى أخذ العهد والإصر من الأنبياء، واُممهم على الإيمان والنصرة.

فإذا راجعنا القرآن الكريم نرى أنّ المسيح قام بمسؤوليته الكبيرة حيث بشّر بالنبيّ وقال ـ كما حكى عنه سبحانه:( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) ( الصف / ٦ ).

وليس المسيح نسيج وحده في هذا المجال بل الأنبياء السابقون قاموا بنفس هذه الوظيفة، يقول سبحانه:( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ( البقرة / ١٤٦ ).

والضمير في « يعرفونه » يرجع إلى النبيّ الأكرم وهو المفهوم من سياق الآية بشهادة تشبيه عرفانهم إيّاه بعرفان أبنائهم.

وما زعمه بعض المفسّرين من أنّ الضمير راجع إلى الكتاب الوارد في الآية لا يناسب هذا التشبيه، والآية بصدد بيان أنّهم يعرفون النبيّ بما في كتبهم من البشارة به، ومن نعوته وأوصافه وصفاته التي لا تنطبق على غيره، وبما ظهر من آياته وآثار هدايته، كما يعرفون أبناءهم الذين يتولّون تربيتهم وحياطتهم حتّى لا يفوتهم من أمرهم شيء، قال عبد الله بن سلام ـ وكان من علماء اليهود وأحبارهم ـ: أنا أعلم به منّي بابني(١) .

فالمراد من أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وكانت الأغلبية في المدينة اليهود، والآية تعرب من أنّ الكليم قام بنفس ما قام به المسيح من التعريف بالنبيّ الخاتم حتّى عرّفهم النبيّ الخاتم بعلائم واضحة عرفته به اُمّتهُ عرفانَها بأبنائها.

__________________

(١) المنار: ج ٢ ص ٢٠.

١٥

وعلى ضوء ذلك فالدّين السماوي دين موحّد، والمبلِّغون له رجال صالحون، متلاحقون، موحّدون في الهدف والغاية، مختلفون في الشريعة والمنهل، والجميع يبشّرون بالحلقات التالية بأمانة وصدق وإخلاص.

وهذه الآية وان كانت تركّز على أخذ الميثاق من السابقين على اللاحقين ولكن الآية التالية تعرب بفحوى الكلام على أنّ المتأخّر أيضاً كان مأموراً بتصديق السابق، ولأجل ذلك قال المسيح عند بعثته:

( مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) ( الصف / ٦ ).

وقد أمر النبيّ اُمتّه بالإيمان بما اُنزل على من سبقه من الأنبياء، وقال سبحانه:

( قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران / ٨٤ ).

ثمّ إنّ القرآن الكريم يذكر ذلك الميثاق في آية اُخرى على وجه الاختصار ويقول:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ (١) وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) ( الأحزاب / ٧ ).

__________________

(١) وقد ذكر سبحانه النبيين بلفظ عام يشمل الجميع ثمّ سمّى خمسة منهم بأسمائهم بالعطف عليهم، ولم يخصّهم بالذكر إلّا لعظمة شأنهم ورفعة مكانتهم، فإنّهم أصحاب الشرائع، وقد عدّهم على ترتيب زمانهم لكن قدّم النبي وهو آخرهم زماناً لفضله وشرفه، وتقدّمه على الجميع، وسمّى هذا الميثاق بالميثاق الغليظ، إذ به تستقر كلمة التوحيد ورفض الوثنية في المجتمع البشري، فلو لم يؤمن نبي سابق باللاحق ولم ينصره، كما أنّه لم يصدّق نبي لاحق النبي السابق لفشلت الدعوة الإلهية من الإنتشار وسادت الفوضى في الدين. وفي الآية إحتمال آخر، وهي إنّها ناظرة إلى ميثاق آخر مأخوذ من الأنبياء وهو أخذ الوحي من الله وأدائه إلى الناس من دون تصرّف، ويشهد على ذلك قول الإمام عليّعليه‌السلام في حقّهم: « واصطفى سبحانه من ولده أنبياء، أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم ».نهج البلاغة، الخطبة / ١.

١٦

إنّ إضافة الميثاق إلى النبيّين ( ميثاقهم ) يعرب عن كون المراد الميثاق هو الميثاق الخاص بهم، كما أنّ ذكرهم بوصف النبوّة مشعر بذلك فهناك ميثاقان:

ميثاق مأخوذ من عامّة البشر وهو الذي يشير إليه قوله:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) ( الأعراف / ١٧٢ ).

وميثاق مأخوذ من النبيّين خاصّة بما أنّهم أنبياء وهو الذي تدل عليه الآية وهي وإن كانت ساكتة عن متعلّق الميثاق لكن تبيّنه الآية السابقة، وهو أخذ الميثاق من النبيّين عامّة على أنّه إذا جاءهم رسول مصدّق لما معهم، يفرض عليهم الإيمان به والنصرة له.

هذا وإنّ الهدف الأسمى من فرض الإيمان والنصرة هو تأييد بعضهم ببعض حتّى تستقرّ في ظل وحدة الكلمة، كلمة التوحيد في المجتمع البشري ويكون الدّين كلّه لله سبحانه كما قال:( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) ( الأنبياء / ٩٢ ). وقال:( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) ( الشورى / ١٣ ).

ولأجل اتّفاق الأنبياء في الهدف والغرض يعدّ سبحانه قوم نوح مكذّبين للمرسلين، وقال:( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ *إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ ) ( الشعراء / ١٠٥ و ١٠٦ ).

مع أنّهم لم يكذّبوا إلّا واحد منهم وهو نوحعليه‌السلام ، وذلك لأجل أنّ دعوتهم واحدة وكلمتهم متّفقة على التوحيد، فيكون المكذّب للواحد منهم، مكذّباً للجميع، ولذا عدّ الله سبحانه الإيمان ببعض رسله دون بعض، كفراً بالجميع، قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلاً *أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ

١٧

حَقًّا ) ( النساء / ١٥٠ ـ ١٥١ )(١) .

وبما أنّ رسالة النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله رسالة عالميّة خاتمة لجميع الرسالات اُخذ من جميع الأنبياء الميثاق على الايمان به، ونصرته، والتبشير به ليسدَّ باب العذر على جميع الاُمم حتّى يتظلّل الكلّ تحت لواء رسالته ويسيّر البشر عامّة تحت قيادته إلى السعادة.

ويشهد على ما ذكرنا ما روي عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: « إنّ الله أخَذَ الميثاق على الأنبياء قَبْلَ نبيّنا أن يخبروا اُممهم بمبعثه ورفعته ويبشّروهم به ويأمروهم بتصديقه »(٢) .

ورويا الطبري والسيوطي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: « لم يبعث الله نبيّاً آدم فمن بعده إلّا أخذ عليه العهد في محمّد، لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، وأمره بأن يأخذ العهد على قومه » ثمّ تلى هذه الآية:( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ) (٣) .

ويظهر من بعض الروايات أنّه أخذ الميثاق منهم على وصيّ النبيّ الخاتم.

روى الحديث المحدّث البحراني عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال:

لم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا وأخذ عليه الميثاق لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة ولعليّعليه‌السلام بالإمامة(٤) .

وتخصيص الميثاق في هذه الروايات بالإيمان بالنبي الخاتم لا ينافي ما ذكرنا من عموميّة مفاد الآية، وأنّها تعمّ جميع الأنبياء فالمتقدّم منهم كان مفروضاً عليه التبشير بالمتأخّر عن طريق الإيمان به ودعوة اُمّته إلى نصرته، واقتفائه كائناً من كان ،

__________________

(١) الميزان: ج ١٩ ص ٣٢١.

(٢) مجمع البيان: ج ٢ ص ٤٦٨ ( طبع صيدا ).

(٣) تفسير الطبري: ج ٣ ص ٢٣٧، والدر المنثور: ج ٢ ص ٢٧، ورواه الرازي في مفاتيح الغيب: ج ٢ ص ٥٠٧ ( طبع مصر )، والطبرسي في مجمعه: ج ٢ ص ٤٦٨.

(٤) تفسير البرهان: ج ١ ص ٢٩٤.

١٨

لكن وجه التخصيص في تلك الروايات بالنبي الخاتم، لأجل وقوعه آخر السلسلة وبه ختم باب وحي السماء إلى الأرض، فكأنَّ الكلّ بعثوا للتبشير به والدعوة إلى الإيمان به ونصرته.

بشائر النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في الكتب السماويّة

لا تجد إنساناً سالماً في نفسه وفكره يقبل دعاوي الآخرين بلا دليل يثبتها، وهذا أمر بديهي فطري جُبِل الإنسان عليه، يقول الشيخ الرئيس: « من قبل دعوى المدّعي بلا بيّنة وبرهان فقد خرج عن الفطرة الإسلامية »(١) .

على هذا فيجب أن تقترن دعوى النبوّة بدليل يثبت صحّتها وإلّا كانت دعوى فارغة غير قابلة للإذعان والقبول، لكن طرق التعرّف على صدق الدعوى ثلاث:

١ ـ التحدّي بالأمر الخارق للعادة على الشرائط المقرّرة في محلّه ( الإعجاز ).

٢ ـ تصديق النبيّ السابق بنبوّة النبيّ اللاحق.

٣ ـ جمع القرائن والشواهد من حالات المدّعي، والمؤمنين به ومنهجه والأداة التي استعان بها في نشر رسالته، إلى غير ذلك من القرائن التي تفيد العلم بكيفيّة دعوى المدّعي صدقاً وكذباً.

وقد استدلّ القرآن على صدق النبي الخاتم بتنصيص أنبياء الاُمم على نبوّته، وقد عرفت تنصيص المسيح عليه بالاسم والتبشير به(٢) كما عرفت أنّ سماته الواردة في العهدين كانت في الكثرة والوفور إلى درجة كانت الاُمم تعرفه على وجه دقيق كما تعرف أبناءها(٣) .

وقد صرّح القرآن بأنّ أهل الكتاب يجدون اسم النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله

__________________

(١) نقله سيدنا الاُستاذ الإمام القائد الراحل في درسه ولم يذكر مصدره.

(٢) الصف / ٦.

(٣) البقرة / ٤٦.

١٩

وسلم ) مكتوباً في التوراة والإنجيل، قال عزّ من قائل:

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ ) ( الأعراف / ١٥٧ ).

وقد آمن كثير من اليهود والنصارى بنبوّة النبيّ الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ومماته لصراحة البشائر الواردة في التوراة والإنجيل، بل لم يقتصر سبحانه على ذكر اسمه وسماته في العهدين، بل ذكر سمات أصحابه وقال:

( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) ( الفتح / ٢٩ ).

كما لم يقتصر على أخذ العهد من النبيين ببيان البشائر به، بل أخذ الميثاق من أهل الكتاب على تبيين بشائره للناس وعدم كتمانها، قال سبحانه:

( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) ( آل عمران / ١٨٧ ).

وهذه الآية تؤيّد ما استظهرناه من قوله سبحانه:( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ) وإنّ أخذ الميثاق لم يكن مختصّاً بالأنبياء، بل أخذ سبحانه الميثاق من اُممهم بواسطتهم، وممّا أخذ منهم الميثاق عليه هو تبيين سمات الرسول الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم كتمانها.

وقد كان ظهور النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الاُمّيين على وجه كان اليهود يستفتحون به على مشركي الأوس والخزرج، وكانوا يقولون لمن ينابذهم: هذا نبيّ قد أطلّ زمانه ينصرنا عليكم، قال سبحانه:

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

سَمُوم(١) الجَوْزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا انّ أخاك(٢) عثمان أصبحَ منك بعيداً ، فصرتُ بعده مزيداً ، فأطلب لنفسك ظلاً تأوي إليه فتستكنُّ به ، فأني اراك على التراب رقُودا ، وكيف بالرُّقادِ بك ؟ لا رُقادَ لك ! فلو قد استتبَّ هذا الامر لِمُريده اُلْفِيتَ كشريد النعام يفزَع من ظلّ الطائِر ، وعن قليل تشربُ الرَّنق(٣) ، وتستشعر الخوف(٤) ، ألا وانّي أراك فسيحَ الصَّدر ، مُسترخي اللَّبَب(٥) ، رَحُوَا الحِزام ، قليلَ الاكتراث ، وعن قليل يُجتَث أَصْلُك ، والسلام.

وكتب في آخره هذين البيتين شعراً(٦) :

أخترت نومك ان هبت شامية

عند الهجير وشربا بالعشيات

على طلابك ثأرا من بني حكم

هيهات من راقد طلاب ثارات

وكتب الى يعلى بن اميّة :

اما بعدُ ، احاطك الله بكلاءته ، وأيَّدك بتوفيقه ، كتبتَ اليّ صبيحةَ وَرَدَ عليَّ كتابُ مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشْرحِ الحال ، وانّه قد طالَ بهِ العمر حتى نقضَت قُواه ، وثقُلت نهضتهُ ،

__________________

(١) سفعته السموم : لفتحه الريح الحارة لفحاً يسيراً فغيرت لون البشرة.

(٢) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه.

(٤) ماء رنق : اي كدر.

(٤) يستشعر الخوف : جعله شعاراً له.

(٥) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٤.

٨١

وظهرت به الرِّعْشة في اعضائه ، فلما رأى ذلك منه اقوامٌ لم يكن لهم عنده موضعاً للامامةِ والامانة ، وتقليل الولاية ، وثبوا إليه وألَّبوا عليه ، فكان اعظم ما نقموا عليه وأعابوه به ، ولايتُك اليمن ، وطول مدّتك عليها ، ثمّ ترامى بهم الامر حالاً بعد حال ، حتى ذبحوه ذَبْحَ النَّطيحةِ مبادراً بها الموتُ(١) ، وهو مع ذلك صائم ، معانقٌ المصحفَ ، يتلو كتاب الله تعالى ، فقد عظُمت مصيبةُ الاسلام باستشهاد صهر(٢) الرسول ، والامام المقتول على غير جُرْمٍ سفكوا دمه ، وانتهكوا حُرْمته ، وانت تعلم ان بَيعتَهُ في أَعناقِنا ، وطلب ثأرهِ لازمٌ علينا ، فلا خيرَ في امرئٍ يعدلُ عن الحقِّ ، ويميلُ الى البَاطل ، عن نهج الصّدق ، النارُ ولا العار ، الا واِنّ الله جل ثناؤه لا يرضى بالتَّعذيرِ في دينه ، فشمِّر أطرافَكَ لدخولِ العراقين(٣) ، فأنّي قد كفيتُك الشام واهلها ، واحكمْتُ امرها ، واعلم اني كتبتُ الى طلحة بن عبيدالله ان يَلقاك بمكة لاجتماع رأيكما لاظهار الدعوة لطلب دمِ عثمان ، وكتبتُ أيضاً الى عبدالله بن عامر ، يمهد لكم اهل العراقين ويسهِّل لكم حُزُونة عِتابها واعلم ان القوم فاصدُوك بادئَ بَدْءٍ ، لاستنزاف(٤) ما حوتهُ يداك من المال ، فأعلم ذلك واعمل على حَسَبِه ، ايدك الله تعالى بمشيئتهِ والسلام ، وكتب في اسفله هذه

__________________

(١) في الاصل : الفوت وهو تصحيف وصوابه كما جاء في جمهرة رسائل العرب.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : العراقيين وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

(٤) في الاصل : الاستضاف وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

٨٢

الابيات شعراً(١) :

ظَلَّ الخليفةُ محصوراً يناشِدُهم

بالله طوراً ، وبالقرآن احيانا

وقد تألَّقَ اقوامٌ على حَنق

عن غير جُرْم ، وقالوا فيه بُهتانا

فقامَ يُذْكرهم وَعْدَ الرسول لهُ

وقولهُ فيه إِسراراً وإِعلانا

فقال : كُفُّوا فإِنّي مُعْتبٌ لكم

وصارِفٌ عنكُم يَعْلَى ومَرْوانَا

فكذبوا ذاك منه ، ثمّ سَاوَرَهُ

مَنْ حَاضَ لبتَّهُ ظُلماً وعُدْوانَا

في اجوبتهم لمعاوية ، قال :

فكتب مروان بن الحكم الى معاوية : اما بعدُ ، فقد وَصَلَ اليّ كتابك ، فنعمَ كتابُ زعيم العشيرة ، وحامي الذِّمارِ(٢) ، فأخْبرك أَن القوم على سننِ استقامةٍ [ إلا شظايا شُعب ](٣) شننت بينهم مَقْوَلي(٤) على غير مجابهةٍ ، حسب ما تقدَّم من أمرك ، فأنما كان ذلك دَسيس(٥) العُصاة ورَمْيَ الجذر من اغصان الدَّوْحة ، ولقد طويْتُ أَدِيمهم على نَغَلِ(٦) يَحلَمُ منه الجلُدِ ، كذبت نَفسُ الضانّ بنا تَرْكَ المظِلمةِ ، وحُبَّ الهُجوع الا تهويمة(٧) الراكب العَجل ، حتى تُجَذَّ الجماجمُ جذّ [ العراجين

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) الذمار : ما يلزمك حفظه وحمايته.

(٤) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب.

(٤) المقول : اللسان.

(٥) دسيس : إخفاء المكر.

(٦) الاديم : الجلد المدبوغ ، ونغلَ الاديم : فسد في الدباغ.

(٧) التهويم : هز الرأس من النعاس.

٨٣

المهَدَّلة حين ](١) انبياعها ، وانا على صحة نيَّتَي ، وقوة عزيمتي ، لتحريك الرحم لي وغليان الدم مني. غير سابقك بقولٍ ، ولا متقدّمك بفعلٍ ، وانت ابنُ حرب وطلابُ التِّراتِ(٢) ، وابي الضّيم ، وكتابي إليك وانا كحَرْباء السَّبْسَب(٣) في الهجير ترقُب عين الغزالة(٤) ، وكالسَّبُع المُفلِت من الشرك يَفْرَق(٥) من صوت نفسه ، منتظراً لِمَا تَصِحُّ به عزيمتك ، ويَرِدُ به امرك فيكون العمل به والمحتذى عليه.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(٦) :

أيُقْتلُ عُثمان وتَرْقا دموعُنا

وَنرْقُدُ هذا الليل لا تتنزَّعُ

ونشرب بَرْد الماء ريّاً وقد مَضَى

على ضمأٍ يتلو القُران ويَركعُ

فأنّي ومَن حَجَّ المُلَبُّون بيتهُ

وطافوا به سعياً وذو العرش يسمعُ

سأمنع نفسي كلّ ما فيه لذَّةٌ

من العيش حتى لا يُرى فيه مَطمَعُ

وأَقْتُلُ بالمظلوم مَن كان ظالماً

وذلك حكمُ الله ما عنه مَدْفَعُ

وكتب عبدُالله بن عامر الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّ امير المؤمنين كان لنا الجَناح الحاضِنةَ تأوي إليها

__________________

(١) سقطت من الاصل ، وتجذ : تقطع ، والعراجين : جمع عرجون وهو اصل العذق.

(٢) الترات : جمع ترة ، وهي الثأر.

(٣) السبسب : المفازة.

(٤) الغزالة : الشمس.

(٥) يفرق : يخاف.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٨٤

فِراخها تحتها ، فلما أقصده السهمُ صرنا كالنعام الشاردِ ، ولقد كنتُ مشرَّد(١) الفكر ، ضال الفهم ، التمِسُ [ دريّة ](٢) استجنُّ بها من خَطَأ الحوادث ، حتى وقعَ اليَّ كتابُك ، فأنتبهت من غفلة طار فيها رُقادي ، فأنا كواجد المحجةِ(٣) كان الى جانبها حائراً ، وكأني اُعاينُ ما وصفت من تصرُّف الاحوال ، فالذي أخبرك به ان الناس في هذا الامر : تسعةٌ لك ، وواحد عليك ، ووالله ان الموت في طلب العزِّ احسن من الحياة في الذلِّة.

وانت ابنُ حَرْب فَتَى الحروب ، ونصَّار بني عبد شمس ، والهِمَمُ بك منوطةٌ لأنّك مُنهضُها ، فإذا نهضتُ فليس لنا التخلف عنك ، بل ولا لأحدٍ من الناس القُعود حين نهوضك ، وانا اليوم على خِلاف ما كانت عليه عزيمتي :

من طلب العاقبة ، وحُبِّ السلامة قبل قرعِك سُويداء(٤) القلب بسَوْط الملام ، ولنعْمَ مؤدِّب العشيرة انت ، وإنّا لنرجوك بعد عثمان كهفاً لنا ، نتوقع لوعدك ، نترقب لامرك وما يكون منك لأمتثله واعمل عليه ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. الدريئة : كل ما استتر به الصيد ليختل. واستجن : استتر.

(٣) المحجة : الطريق الواضح.

(٤) سويداء القلب : حبته.

٨٥

وكتب في اسفله هذه الابيات شعراً :

لا خيرَ في العيشِ في ذلٍّ ومَنْقصةٍ

فالموتُ أحسنُ من ضيْم ومن عارِ

إنّا بنو عبد شمس معشرٌ أنُفٌ

غُرٌّ جحاجحةٌ طُلابُ اوتارِ

واللهِ لو كان ذَميُّ مُجاورنا

ليطلب العَزّ لم نقعد عن الجارِ

فكيف عثمان إذ يدفنُ بمزبلةٍ

على القُمامةِ مطروحاً بها عارِ

فازحف اليّ فاني زاحفٌ لهمُ

بكلِّ ابيض ماضِ الحدِّ بتّارِ(١)

وكتب الوليد بن عقبة بن ابي معيط الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّك ابنُ حرب(٢) وسيدُ قريش ، واكملهم عَقْلاً ، واحسنهم فَهْماً ، واصوبهم رأياً ، واعرفهم لحُسن السياسة(٣) ، إذ انت معدن الرِّياسة(٤) ، تُورِد بمعرفةٍ ، وتُصْدر عن مَنْهَلٍ رويّ ، مُنَاويك كالمنقلب من العيون ، تهوي به عواصف الشِّمال في لُجَّةِ البحر.

كتبت اليّ تذكر كنَّ الجَيش ، ولينَ العيش ، [ فملأتُ بطني على حِمام ](٥) الى مُسكةَ الرَّحق(٦) ، حتى اَفْرِي أوْداجَ قَتلةِ عُثمانرضي‌الله‌عنه

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب : ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : اسدُ قريش عقلاً.

(٣) في الجمهرة : معك حسن السياسة.

(٤) في الجمهرة : وانت موضع الرِّياسة.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من الجمهرة.

(٦) رحق : الرحيق وهو الخالص من الخمر ، وتقول : يا شارب الرحيق ابشر بعذاب الحريق ، ومن المجاز : مسك الرحيق ، لا غش فيه.

انظر : اساس البلاغة : ١٥٧.

٨٦

فرْيَ الأهُبَ(١) بشبا الشفار(٢) ، واما اللّينُ فهيهاتَ ، إلا خُفيةَ الموت إذ يرتقبُ غفلة الطالب ، فإنا على مُداجاةٍ(٣) ولم نُبدِ صَفَحاتنا بعدُ ، وليس دون الدَّم بالدم مَزْحَل(٤) إذ لا يخفى عند ذوي المعرفة والمروءة ان العار منقصة والضعفَ ذلّ ، أيَخْبطُ قتلة عثمان زهوة الحياة الدنيا ، ويسقون برد العين ، وكما يمتطوا الخوف ، ويستحلسوا(٥) الحذر مع بعدُ مسافة الطَّرد(٦) ، وامتطاء العقبة الكئود(٧) وفي الرحلة ؟

لا دُعيتُ لعقبة ! ان كان ذلك ، حتى انصب لهم حرباً ، تضع الحوامل لها اطفالها ، فقد ألْوَت(٨) بنا المسافة ، ووردنا حياض المنايا ، وقد عَقلتُ نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبتُ اني قتيل ثاني بعد عثمان أو أقتل قاتله ، فعجِّل عليّ بما تتوقاه من رأيك الحسن(٩) ، فإنا منوطون بِكَ منتظرون لوعدك متبعون لعقبك ، [ ليس لنا من مخالفٍ لامرك ](١٠) ، ولم احسب الحالَ يتراخى بك الى هذه الغاية لما انا خائف

__________________

(١) الاهب : اخذ للسفر أَهبته وتأهب له.

(٢) شبا الشفار : الشفرة الحادة.

(٣) المداجاة : المداراة.

(٤) مزحل : مَبْعَد ، من زحل مال عنه ، ودخل عليه فزحل له عن مكانه.

(٥) استحلس فلان الخوف : إذا لم يفارقه الخوف.

(٦) طرد : طرده طَرْداً وطَرَداً ، وطرّده وأطرده : ابعده ونحاه.

(٧) العقبة الكئود : الصعبة.

(٨) ألوى بهم الدهر : أهلكهم.

(٩) في الجمهرة : فعجل عليَّ ما يكون من رأيك.

(١٠) لم ترد في الجمهرة.

٨٧

من احكام القوم لأمورهم ، كما لا يخفى عليك ، والسلام عليك.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

نومي عَليَّ محرّمٌ ان لم أقُمْ

بدم اِبنِ أمِّي من بني العَلاتِ

قامت عليّ إذ قعدتُ ولم أقُمْ

بطلابِ ذاك مناحةُ الامواتِ

عذُبتْ حياضُ الموت عندي بعدما

كانت كريهة مَوْرِد النّهلاتِ

وكتب يعلى بنُ اميّة الى معاوية :

اما بعدُ ، فانا وانتم بني اميّة كالحَجر ، الذي لا يُبْنَى بغير مَدَر(٢) ، وكالسّيفِ لا يقطع الا بضاربه. وصلَ اليّ كتابك يخبرنا بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبحَ النطيحة بُودِرَ بها الموتُ ، فاِنّا بني اميّة ، والله لنخرجنّ ذابحه ، ولننحرنه نحر البدنه(٣) وافى بها الهَدْيُ الاجل !!

ثكلتني(٤) من انا ابنها ان نمتُ عن طلب وتر عثمانرضي‌الله‌عنه ، من ان اذبح القوم ، واني مدلج(٥) وان كان قصدهم ما حوته يداي من المال ، فالمال أيسرُ مفقود ان دفعوا الينا القاتل ، وان منعوا عن تسليمه ، أنفقنا المال على قتالِهِم ، وانّ لنا واياهم لمعركةً [ نتناحر فيها نحر الجزَّار

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٢) المدر : قطع الطين اليابس.

(٣) البدنة : من الابل والبقر ، كالاضحية من الغنم تهدي الى مكّة وتنحر بها ، والهدي : ما يهدي الى مكة.

(٤) ثكلته امه : فقدته.

(٥) أدلج : سار من أوّل الليل.

٨٨

النقائِع عن قليل تصلُّ لحومها ](١) . وكتب في اسفل الكتاب(٢) :

لِمثْلِ هذا اليوم اُوصي الناسُ

لا يعط ضَيْماً أو يحزَّ الراسُ

وأمّا سعيد بن العاص فأنه كتب الى معاوية بخلاف ماكبت إليه القوم فهذه صورة كتابهِ إليه :

اما بعدُ ، فإنّ الحزمَ في التثبّت ، والخَطأ في العَجلة ، والشُّؤم في البِدار ، واسهم سَهْمك ما لم يَنْبض به الوَترُ ، وان يردَّ الحالَبُ في الضَّرع اللبَنَ ، قد ذَكرتَ ما لعُثمان علينا من الحقوقِ والقرابة فيه ، وانه قُتل فينا ، فهنا خَصلتان ذكْرُهما نقصٌ ، والثالثة تكَذُّبُ(٣) ، وامرتنا بطلب دمه ، فأيُّ جهة تسلُك فيها ابا عبد الرحمن ؟ رُدِمَت الفجاج(٤) ، واُحْكِم الامرُ عليك ، وَوَلِي زِمامَهُ غيرك ، فدعْ مناوأة من لو كانَ افترش فِراشه صدر الامر لم يعْدل به غيره ، وقلت : كأنّا عن قليل لا نتعارف ، فهل نحن الا حيٌّ من قريش ، ان لم تنلنا الولاية لم يفتئ عن الحقّ ؟ انها خلافة منافية(٥) ، وبالله أقسِمُ قسماً باراً لئن أصبَحت عزيمتك على ما ورد به

__________________

(١) سقطت عن الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. النقائع : جمع نقيعة ، وهي كل جزور جزرت للضيافة.

(٢) جمهرة رسائل العرب ١ : ٢١٠ ، مع اختلاف يسير.

(٣) تكذب : تكلف الكذب.

(٤) الفجاج : جمع فج ( بالفتح ) وهو الطريق الواسع. وردم : سدَّ.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب ، ومنافية نسبة الى عبد مناف جد الامام عليّعليه‌السلام ومعاوية ، يعني بذلك ان الخلافة ان صارت في البيت العلوي ، فهي لن تخرج من بني عبد مناف.

٨٩

كتابك لأَلفَيتكَ في الحالتين طليحا(١) ، وهبني اخالُك بعد خَوْضَ الدماء تنالُ الظفر ، هل في ذلك عوَض من ركوب المآثم ونقص في الدين.

اما انا فلا علي بني اميّة ولا لهم عليّ ان اجعل الحزم داري والبيت سجني واتوسد الاسلام ، واستشعر العاقبة ، فأعدل ابا عبد الرحمن زمام راحلتك الى محجة الحقّ ، واستَوْهب العافية لاهلك وعشيرتك ، واسعطف الناس على قول الصدق قبل ان تهلك ](٢) .

[ وهيهات من قبولك ما اقول حتى يفجِّر مروانُ ينابيعَ الفتن وأجّجُ في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الاقران تعتذران بالعذر ، ولبئس العاقبةُ الندامةُ عمّا قليل يَضَحُ الامر لك والسلام ](٣) .

كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية بن ابي سفيان

قال أبو عليّ أحمد بن الحسين بن احمد بن عمران في كتاب « الاختصاص »(٤) : ان محمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه كتب الى معاوية بن ابي سفيان :

اما بعدُ ، فانّ الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته على كافة خلقه

__________________

(١) طلِحَ فهو طليح كقولهم هُزِلَ فهو هَزِيل.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : واستعطف الناس على قومك.

(٣) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. انظر : جمهرة رسائل العرب ١ : ٣١١ مع بعض الاختلاف اليسير وصححت بعض الكلمات الغامضة أو الساقطة.

(٤) الاختصاص : ١١٩.

٩٠

وعز برهانه ، [ خلق خلقه ](١) بلا عبثٍ منه ولا ضعفٍ في قوةٍ ولا من حاجة له إليهم ، ولكنّه سبحانه خلقهم عبيداً فجعل منهم غويّاً ورشيداً(٢) وشقياً وسعيداً ، ثمّ اختار على علم فأصطفى وانتخب(٣) محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاصطفاه نجيباً وانتجبه خليلاً فبعثه برسالته امينا وأرسله بوحيه وائتمنه على أمرهِ رسولاً مصدّقاً وهادياً ودليلاً ومبشراً ونذيراً ، فكان اوّل من أجاب وصدّق وأناب وآمن واسلم ، وسلم اخوه وابن عمه وصفيّه ووصيّه ووارث علمه ، وخليفته من بعده بوحي من الله عزّوجلّ لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، فنصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ على أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب من حاربه وسالم من سالمه ، ولم يزل باذلاً نفسه بين يديه في ساعةِ الخوف والجوع والجدّ والهزل ، حتى اظهر الله تعالى دعوته ، وافلج حجته.

وقد رأيتك ايّها الغاوي(٤) تساميه وانتَ انتَ ، وهو هو المبرز(٥) السبّاق في كل حين ، اصدق الناس نيّةً وافضلهم سجيةً واخصّهم زوجة وارفعهم منزلة ، الباذل رُوحه حينَ مهاجرته عن اعدائه ، والنائم على

__________________

(١) في النسخة العبارة غير واضحة وقد اثبتناها من الاختصاص.

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٣) في النسخة : العاري والصواب كما جاء في الاختصاص.

(٥) في النسخة : الهزير والصواب كما في الاختصاص.

٩١

فراشه والشاري بنفسه يوم موته ، وعمه سيد الشهداء يوم احدٍ ، وابوه الذابُّ اعداء الله عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وعن حوزته ، وانتَ انتَ لم تزل انت وابوك تبتغيان عليهما الغوائل ، وتجتهدان على اطفاءِ نور الله باجتماعكما الجموع ، وتؤلبان(١) عليهما القبائل ببذل الاموال ، وقد هلك على ذلك ابوك وعليه خلفك ، والشاهد عليك بفعلك من يأوي(٢) ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وأهل بيته ، والشاهد لعليعليه‌السلام بفضله المبين وسبقهالقديم ، انصاره والذين معه وهُم الذين ذكرهم الله تعالى وفضلهم في القرآن المجيد واثنى على المهاجرين والانصار ، منهم معه كتائب وعصائب [ من حوله يجادلون بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه ](٣) يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافة أمره ، فلك الويل ثمّ الويل ، كيف تعدل نفسك بعليعليه‌السلام وهو أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وابو ولديه ، وشريكه في امره بخيره وشرّه ، وانت عدوُّهُ وابن عدوّهِ ، فتمتع بباطلك إذ يمدّك ابن العاص في غوايتك ، وكأنّ اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ، واعلم أنّك قد كايدت ربّكَ الذي أمنت كيده في نفسك ، وآيست من روحِهِ وهو لك لبالمرصاد وانت منه في غرور وعناد ، [ وبالله ورسوله واهل رسوله عنك الغنى ، والسلام على من اتبع الهدى ](٤) .

__________________

(١) في النسخة [ تؤنيان ].

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٤) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص.

٩٢

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

معاوي ما أمسى هوى يستقيدني

إليك ولا أخفي الذي لا اعالنِ

ولا أنا في الاخرى إذا ما شهدتها

بنكسٍ ولا هيابة في المواطنِ

حللت عقال الحرب جبناً وانّما

يطيبُ المنايا خائناً وابن خائنِ

فحسبك من احدى ثلاث رأيتها

بعينك أو تلك التي لم تعاينِ

ركوبك بعد الامن حرباً مشارفاً

وقد ذميت اضلافها والسناسنِ

وقدحك بالكفين توري ضريمة

من الجهل ادتها اليك الكهائنِ

ومسحُك اقراب الشموس كأنها

تبس بأحدى الداحيات الحواضنِ

تنازع اسباب المروءة اهلها

وفي الصدر داء من جوى الغلِ كامنِ

جواب معاوية بن ابي سفيان لمحمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه

فأجابه معاوية بهذا الكتاب(٢) :

بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن ابي سفيان الى محمد بن ابي بكر الزاري على أبيه [ خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ](٣) ، اما بعدُ ، وصَلَ(٤) اليّ كتابُك وما ذكرت فيه [ من أنّ الله ](٥) بعظمته وسلطانه وقدرته قد اصطفى رسوله مع كلام ألفته

__________________

(١) الاختصاص : ١٢١.

(٢) الاختصاص : ١٢١.

(٣) سقطت من الاختصاص : ١٢١ ـ ١٢٢.

(٤) في كتاب صفين : فقد أتاني ، وفي الاختصاص : فقد بلغني.

(٥) في صفين والاختصاص : ما الله أهله.

٩٣

ووضعته(١) ، فيه لرأيك تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف وتفضيل(٢) لابن ابي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، ونصرته له ومواساته اياه في كل خوف وهول(٣) ، فكان احتجاجك عليّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّك(٤) الذي صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك. وقد كنا وابوك معاً في حياة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ نرى حقّ عليّ بن ابي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، حتى اختار الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ما اختار الله إليه ، وقد اتمّ له وعده ، واظهر له دعوته ، وافلج له حجته ، ثمّ قبضه الله إليه ، فكان أوّل من أبتز حقه ابوك وفاروقه(٥) وخالفاه في امره ، على ذلك [ اتفقا واتسقا ](٦) بينهما ، ثمّ انهما دعواه ليبايعهما [ فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ](٧) فلم يأتهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فعند ذلك بايع لهما وسلم(٨) ، فلم يشركاه في امرهما ، ولم يطلعاه قط على سريرتهما ، حتى قبضا على ذلك ، ثمّ قام بعدها عثمانرضي‌الله‌عنه فأقتدى بهديهما ، [ حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي

__________________

(١) في الاصل : ووضعك.

(٢) في صفين : ذكرت حقّ ، وفي الاختصاص : ذكرت فضل.

(٣) سقطت من الاصل واثبتت من كتاب صفين والاختصاص.

(٤) في صفين والاختصاص [ الهاً ].

(٥) في الاصل : وفاروقه الاعظم ، ولم ترد الاعظم في صفين ولا في الاختصاص.

(٦) في الاصل : اتفاقاً واتساقاً ، وصوابه كما في الاختصاص وصفين.

(٧) سقطت من الاصل.

(٨) في الاصل : بايعهما قهراً عليه ، وسلم لهما القيادة جبراً عليه لعدم اتفاق المسلمين معه.

٩٤

وبطنتما له ](١) واظهرتما العداوة له حتى بلغتما فيه مجهودكما ، ونلتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن ابي بكر ، وقس شبرك بفترك ، فكيف توازي من يوازي الجبال حلمه ، ولا تعب من مهد [ له ابوك ](٢) مهاده ، وطرح لملكه وسادة ، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك فيه أوّل من اسس بناءه ، فنحن بهديهم اقتدينا وبفعلهم احتذينا ، ولولا ما سبق إليه ابوك وفاروقه لما خالفنا الكتاب ونصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، بل فأسلمنا إليه ، واجتمعنا لديه ، فليكن عيبك لابيك ، فعبه بما شئت أو دع ، والسلام.

خروج الزبير وطلحة بعائشة الى البصرة

قال المسعودي :

ولمّا ورد كتاب معاوية الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ، لم يشكا في صدقه بالنصيحة لهما فأجتمعا على خلاف امير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فهمّا إليه وقالا : يا امير المؤمنين لقد علمنا(٣) ما نحن فيه من الجفوة في زمن خلافة عثمان(٤) [ واختصاصه عنّا ببني اميّة ](٥)

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) في الاصل : اليك.

(٣) ورد في البحار : قد رأيت.

(٤) في البحار : ولاية عثمان.

(٥) في البحار : كان في بني امية.

٩٥

دوننا ، وقد منَّ الله تعالى عليك بالخلافة من بعده ، فولّنا بعض عمّالِك.

فقالعليه‌السلام : ارضيا بما قسم الله تعالى لكما حتى أرى رأيي ، واعلما اني لا اُشرك في امانتي الا من أرضى بدينه وأمانته من اصحابي ومن عرفت دخيلته.

فداخلهما اليأس فاستأذناه للعمرة فخوفهما من الله ومن التسرع في الفتنة ، فأنصرفا عنه وتوجها الى مكّة ، فلم يلقيا أحداً من الناس إلا استحثاه على الخروج معهما ، فيسألهما عن خروجهما على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فيقولان : ليس له في اعناقنا بيعة برضى مِنّا وإنما صدرت منّا مبايعتنا له كُرهاً منّا وجبراً علينا ، فبلغه قولهما ، فقالعليه‌السلام : أبعدهما الله تعالى ، والله لقد علمت انهما سيقتلان انفسهما [ أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ](١) والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوَجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين ، والله لا يلقيان بعد اليوم إلا كتيبة خشناء يقتلان فيها انفسهما فبُعداً لهما وسحقاً(٢) .

فلما بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، قال :

ان كل واحدٍ منهما يريد الخلافة لنفسه دون صاحبه ، فادعاء طلحة

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) انظر بحار الانوار ٣٢ : ٦.

٩٦

للخلافة لانه ابن عبيدالله عمّ عائشة ، وادعاء الزبير لانه صهر ابيها ، والله ، لئن ظفر الزبير بطلحة ليضربن عنقه ! وان ظفر طلحة بالزبير ليضربن عنقه ! فلا بد من تنازعهما على هذا الملك.

والله ، انها الراكبةُ الجمل ! لا تحلُّ عقدة ، ولا تسير عقبةً ، ولا تنزل منزلاً إلا ولله فيه معصية ، حتى تورد نفسها ومن معها مورداً يُقتَل وليُّهم ، ويهرب تليّهم ، ويرجع عليهم غيهم.

والله ، إنّ طلحة والزبير ليعلمان انهما يخطيان ويجهلان ولربّ عالم قتله جهله ومحله معه لا ينفعه ، والله ، لتنبحها كلاب الحوأب !! فهل يعتبر معتبراً ويتفكر متفكراً ، لقد قامت الفئة الطاغية فأين المحسنون ؟

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام

حين بلغه مسير طلحة والزبير الى البصرة

قال الشيخ المفيد; في أرشاده(١) :

لما بلغ أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ثمّ قال :

اما بعدُ ، ايّها الناس(٢) : إنّ الله عزّوجلّ بعث نبيه محمداً صلى الله

__________________

(١) الارشاد : ١٣٠ ، بحار الانوار ٣٢ : ٩٨ ح ٦٩.

(٢) سقطت من الارشاد.

٩٧

عليه وآله الى الناس كافةً ، وجعله رحمةً للعالمين(١) ، فصدع بما امره بهِ ، وبلغ رسالاته ، فلّم به الصدع ، ورتق به الفتق ، وأمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به ذوي الاحن والعداوة ، والوغر في الصدور ، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثمّ [ قبضه الله إليه ](٢) حميداً لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة ، ولا بلغ شيئاً كان في التقصير عنه وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر ، فتولى أبو بكر وبعده عمر ، ثمّ تولى عثمان ، [ فلما كان ](٣) من امره [ ما ](٤) عرفتموه ، وأتيتموني(٥) ، فقلتم : بايعنا(٦) ، فقلت : لا افعل ، فقلتم : بلى(٧) .

فقلت : لا(٨) ، وقبضتم على يدي فبسطتموها وانا كاره فنازعتكم ، فجذبتموها !! ، وقد تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت انكم قاتلي ، وان بعضكم قاتل بعضاً ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، [ وبايعني في اولكم ](٩) طلحة والزبير

__________________

(١) في النسخة : وجعله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً.

(٢) في النسخة : قبضه الله.

(٣) في النسخة : فكان.

(٤) في النسخة : ما قد.

(٥) في النسخة : فأتيتموني طائعين مختارين.

(٦) في النسخة : بايعناك.

(٧) في النسخة الخطية : لا بد لك من ذلك.

(٨) كذا في الاصل : لا يكون ذلك.

(٩) في الاصل [ فأولكم مبايع لي ].

٩٨

طائعين [ غير مكرهين ] !!.

ثم لم يلبثا حتى استأذناني في العمرة ، والله يعلم انهما أرادا الغدرة ، فجددتُ عليهما العهد في الطاعة ، وان لا يبغيا في الامة(١) الغوائل ، فعاهداني ثمّ لم يفيا لي(٢) ، فنكثا بيعتي ونقضا عهدي(٣) فعجباً لهما من انقيادهما [ لابي بكر وعمر وخلافهما لي ](٤) ، ولستُ بدون احد الرجلين ، ولو شئت ان اقول اللهم احكم عليهما بما صنعا [ في حقي وصغرا من امري ] وظفرني بهما.

ولهعليه‌السلام خطبة أخرى

وقالعليه‌السلام في مقامٍ آخر في هذا المعنى ، بَعد أنْ حَمِد اللهَ وأثنى عليهِ ، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ (٥) :

أمّا بعدُ ، أيّها الناس(٦) فانّ اللهَ عزّوجلّ لمّا قَبضَ نبيَّهُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، قُلنا نحنُ أَهل بيتهِ وعصبتُهُ وَوَرثتُهُ وأولياؤهُ وأحقُّ [ الناسُ بالامرِ

__________________

(١) في الاصل [ في الامة ].

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل [ حتى وثبا على الماضيين قبلهما ، ليذهبا بحقي ، ويفرقا جماعة المسلمين على تعجبٍ ] والصواب كما ورد في الارشاد.

(٤) في الاصل : الى من سبقها وخلافهما والصواب كما في الارشاد.

(٥) الارشاد ١ : ٢٤٥ ، بحار الانوار ٣٣ : ١١١ ح ٨٦.

(٦) لم ترد في الارشاد.

٩٩

والخلافةِ ](١) ، لا نُنازع في حقّهِ وسُلطانهُ ، فبينا نحن [ كذلك ](٢) إذ نفر قومٌ من المنافقين حتى انتزعوا سُلطانَ نبينا منّا ، وَوَلّوهُ غيرنا ، فَبكتْ ـ والله ـ لذلك العُيونُ والقُلوبُ منَّا جميعاً معا ، [ وخشنت ] له الصُّدورُ ، وجَزعَت النَّفوسُ منَّا جزعاً أرغمَ ، وايمُ الله [ لولا ] مخافتي الفرق بين المسلمين وأن يقود أكثرهم الى الكفرِ ويعَور الدْينُ ، لكُنّا قد غيّرنا ذلك بما استطعْنا. وقد بايعتموني الآن وبايعني هذان الرجلان طلحةُ والزّبيرُ على الطَّوْعِ منهما ومنكم [ الايثار ](٣) ، ثمّ نهضا يُريدان ببغيهما(٤) البصرة ، ليُفرّقا جماعتكم ويُلقيا بأسَكم [ بينكم ] ، اللّهم فخُذهما [ بغشّهما ] ، لهذه الامة واخذل بيعتهما لهذه الامة وبسوء نظرهما للعامة(٥) .

ثم قالعليه‌السلام : انفروا(٦) رحمكم الله لطلب الناكثين القاسطين الباغين قبل ان يفوتا ، [ فتداركوا ما خبياه ](٧) .

ومن كلامهعليه‌السلام

فخرجا يجران(٨) حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، كما تجرُّ الأَمَةُ عندَ

__________________

(١) في الارشاد : وأحقّ الخلق به.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : الاثر.

(٤) سقطت من الارشاد.

(٥) في الاصل : واخذل بيعتهما لهذه لتنظرهما العامة.

(٦) في الاصل : تفرقوا والصواب في الارشاد.

(٧) في الارشاد : قبل ان يفوت تدارك ما خبياه.

(٨) في نهج البلاغة : فخرجوا يجرون.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581