مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273440 / تحميل: 6504
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وكان أكثر المؤمنين يريدون مواجهة العير دون النفير، مواجهة غير ذات الشوكة، حتّى يكسبوا الأموال ويجمعوا الغنائم. وإليه يشير قوله سبحانه:( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ *لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ ) ( الأنفال / ٧ ـ ٨ ).

وقد عرفت أنّ النّبي قال لهم: « إنّ الله تعالىٰ قد وعدني إحدى الطائفتين » ولكنّ إرادة الله سبحانه غلبت على إرادتهم فالتقوا بالنفير دون العير، لما في ذلك من إظهار للحق، واعزاز للإسلام، واستئصال للكافرين، وإبطال للباطل.

إنتقال الرّسول إلى مكان قريب من بدر

ولـمّا وقف الرّسول على أنّ الأنصار مستعدّون للحرب والقتال، وأنّ حربهم وقتالهم عن رغبة ورضى، ارتحل الرّسول من « ذفران » وقطع منازل حتّى نزل قريباً من « وادي بدر »، فركب هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ورجل من أصحابه يتعرّفان أخبار قريش، فوقفصلى‌الله‌عليه‌وآله على شيخ في المنطقة، فسأله عن قريش وعن محمّد وأصحابه.

قال الشيخ: إنّه بلغني أنّ محمّداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذّي أخبرني صدق، فهم اليوم بمكان كذا وكذا ( فسمّىٰ المكان الّذي به رسول الله )، وبلغني أنّ قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الّذي أخبرني صدق، فهم اليوم في مكان كذا وكذا ( فسمّى المكان الّذي فيه قريش ) ; ثمّ انصرف. فلمّا أمسى بعث عليّ بن أبي طالب مع غيره يلتمسون الخبر له، فأصابوا راوية(١) لقريش، وعليها غلامان لهم، فأتوا بهما فسألوهما، فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء وهؤلاء وراء هذا الكثيب ; فقال لهما رسول الله: كم القوم ؟ قالا: كثير، قال: ما

__________________

(١) الإبل التي يستقي عليها الماء.

٣٢١

عدّتهم ؟ قالا: لا ندري، قال: كم ينحرون كل اليوم ؟ قالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً، فقال رسول الله القوم بين التسعمائة والألف. ثمّ قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش ؟ فسمّوا أسماء عدّة منهم، فأقبل رسول الله على النّاس، فقال: هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.

ولم يكتف النّبي بما وصل اليه من الأخبار، فأرسل بعض أصحابه حتّى نزل بدراً، فأناخ إلى تل قريب من الماء، ثمّ أخذ زقّاً يستقي فيه، فسمع جاريتين تتنازعان في دين عند « مجدي بن عمرو الجهني » شيخ القبيلة، فقالت إحداهما للاُخرى: عند ما تأتي العير غداً أو بعد غد، فأعمل لهم، ثمّ أقضي الّذي لك، فقال مجدي: صدقت: ثّم خلص بينهما. فرجع إلى النّبي، فأخبره بما سمع، فأذعن النّبي بأنّ موضع العدو قريب وهم وراء الكثيب.

نزول النّبي في وادي بدر

لـمّا كانت قلب المياه في بدر، أسرع النبي بالسير حتّى ينزل ببدر في العدوة الدنيا، فمضى وكان الوادي ليّناً ولكن قليل الرمل، وجاءت الأمطار فلبّدت الأرض للنّبي وأصحابه ولم يمنعهم عن السير، ولكن أصاب قريشاً من المطر ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه، فخرج رسول الله يبادرهم إلى الماء، حتّى إذا جاء أدنى ماء من بدر، نزل به.

ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله به: أشيروا عليّ في المنزل. فقال الحبّاب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، فليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخّر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإن هذا ليس بمنزل انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم، فإنّي عالم بها وبقلبها، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه، وماء كثير لا ينزح، ثمّ نبني عليها حوضاً ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل، ونغور ما سواها من القلب.

٣٢٢

فقال رسول الله: يا حبّاب أشرت بالرأي، وبادر القوم إلى الماء حتّى إذا وصلوا إلى ما يريدون نزلوا فيه. ثمّ أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضاً على القليب الّذي نزل عليه. فملي ماء ثمّ قذفوا فيه الآنية(١) .

بناء العريش

فلمّا استقرّ لهم المكان إقترح سعد بن معاذ على النّبي، فقال: يا نبي الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه ونعدّ عندك ركائبك ثمّ نلقى عدوّنا، فإن أعزّنا الله وأظهرنا على عدوّنا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الاُخرى، جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلّف عنك أقوام، يا نبي الله، ما نحن بأشدّ لك حبّاً منهم، ولو ظنّوا انّك تلقى حرباً ما تخلّفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك. فأثنى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيراً، ودعا له بخير، ثمّ بنى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عريش، فكان فيه(٢) .

تعليق على تغوير القلب وبناء العريش

هذا ما تذكره كتب السيرة، ولكن للنظر في كلا الأمرين المذكورين مجالاً، أمّا تغوير القلب وطمّها، فهو لا يناسب شأن النبي الأكرم، فقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي قادة سراياه عندما كان يبعثها باُمور، ويقول: سيروا باسم الله وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله، لا تغلو، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبيّاً، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلّا أن تضطرّوا إليها.

وفي رواية اُخرى: ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً، لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه(٣) .

__________________

(١) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٦٢٠، مغازي الواقدي: ج ١ ص ٥٣.

(٢) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ١ ص ٦٢٠ ـ ٦٢١.

(٣) الوسائل: ج ١١ الباب ٥ من أبواب جهاد العدو، الحديث ٢ و ٣.

٣٢٣

فإنّ من يمنع من قطع الشجرة أولى بأن يمنع من طمّ القلب الّتي حفرها رجال الخير لأجل سقاية القوافل الّتي كانت تمرّ من هذا الطريق.

وقد أشار بعض أصحابه في غزوة خيبر أن يمنع جريان الماء إلى قلاع خيبر، فأبى(١) . وقد كانت هذه سيرة وصيّة أمير المومنين فإنّه ـ صلوات الله عليه ـ ورد صفّين وقد سيطر أصحاب معاوية على الشريعة، فمنعوا أصحاب عليٍّ من الإستقاء، حتّى أصابهم العطش وضاق الأمر عليهم، فلم يكن بد من فتح طريق الماء على أصحابه، فحمل حملة خاطفة مع لفيف من أصحابه على الشريعة فأزال جيش معاوية عنها، فلمّا استولى عليها إقترح عليه بعض أصحابه أن يعتدي عليهم بالمثل، فأبى، وقال ـ مخاطباً لعسكره ـ: خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى عسكركم وخلّوا بينهم وبين الماء، فإنّ الله قد نصركم ببغيهم وظلمهم(٢) .

وأمّا بناء العريش للنّبي الأكرم، فهو بمعزل من الصّحة، فإنّ قبوله أمام أصحابه الّذين يضحّون بنفسهم ونفيسهم يثبّط من عزائمهم، ويخفّف من مثابرتهم، فإنّهم إذا رأوا باُمّ أعينهم أنّ سيّدهم على حالة إذا رأى بوادر الهزيمة فسيجلس على الركائب وينجي نفسه ويترك أصحابه تحت رحمة عدوّهم، فلربّما يشكّون في صحّة دعوته ونبوّته، فلا يصدر مثل ذلك الاقتراح من سيد مثل سعد بن معاذ المعروف بالعقل والحنكة، ولو صدر منه ـ على وجه بعيد ـ فلن يقبله النّبي الأكرم الّذي يصفه عليّعليه‌السلام بقوله: « كان أقرب الناس إلى العدوّ، وكنّا إذا احمر البأس إتّقينا برسول الله »(٣) .

__________________

(١) ناسخ التواريخ: ج ٢ ص ٤٠٠.

(٢) وقعة صفّين: ص ١٨٠.

(٣) نهج البلاغة: قسم غريب كلامه برقم ٩.

٣٢٤

إرتحال قريش من مقامهم ونزولهم وادي بدر

قد تعرّفت على أنّ النّبي الأكرم قد أسرع في الإرتحال واستقرّ في وادي بدر قبل أن ينزل العدو من وراء الكثيب، فارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت، فلمّا رأى رسول الله نزولهم إلى الوادي قال: « أللّهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذّب رسولك، أللّهم فنصرك الّذي وعدتني، أللّهم أحنهم(١) الغداة »(٢) .

وقال الواقدي: وكان أوّل من طلع زمعة بن الأسود على فرس له، يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوّأ للقوم منزلاً، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أللّهم إنّك أنزلت عليّ الكتاب وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد، أللّهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها(٣) .

فلمّا اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي، فقالوا: أحرز لنا محمداً وأصحابه، فاستجال بفرسه حول المعسكر، فصوّب في الوادي وصعد، يقول: عسى أن يكون لهم مدد أو كمين، ثمّ رجع فقال: لا مدد ولا كمين، والقوم ثلاثمائة إنْ زادوا قليلاً، ومعهم سبعون بعيراً، ومعهم فرسان، ثمّ قال: يا معشر قريش، البلايا(٤) تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلّا سيوفهم، ألا ترونهم خُرّسا لا يتكلّمون، يتلمّظون تلمّظ الأفاعي، والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتّى يقتل منّا رجلاً، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم فما خير في العيش بعد ذلك، فارتأوا رأيكم(٥) .

__________________

(١) أي أهلكهم.

(٢) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٦٢١.

(٣) مغازي الواقدي: ج ١ ص ٢٩.

(٤) البلايا: جمع بليه وهي الناقة.

(٥) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٦٢٢، والمغازي للواقدي: ج ١ ص ٦٢.

٣٢٥

ولـمّا قال الجمحي هذه المقالة أرسلوا أبا اُسامة الجشمي وكان فارساً، فأطاف بالنّبي وأصحابه، قال: والله ما رأيت جلداً، ولا عدداً، ولا حلقة(١) ، ولا كراعاً، ولكنّي والله رأيت قوماً لا يريدون أن يعودوا إلى أهليهم، قوماً مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلّا سيوفهم(٢) .

فلمّا سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في النّاس، فأتى عتبة بن ربيعة، فاستدعى منه أن يرجع بالنّاس فلبّى دعوته برحابة، وأمره بالإنطلاق إلى أبي جهل، ويستدعي منه نفس ذلك، فرجع إليه وقال يا أبا الحكم: إنّ عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا ( أي أن ترجع بالنّاس وتترك الحرب )، فقال: « والله لا نرجع حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد. وما بعتبة ما قال، ولكنّه قد رأى أنّ محمداً وأصحابه أكلة جزور، وبين أصحابه ابنه، فقد تخوّفكم عليه ». وبالتّالي أفسد أبو جهل على النّاس الرأي الّذي دعاهم إليه عتبة، وجرّهم إلى التهلكة والدمار.

الشرارة الّتي أشعلت الحرب

كان القوم يتحاورون حول الحرب، فبين داع إلى ترك الوادي واللحوق بمكّة، وترك أمر محمّد إلى ذؤبان العرب(٣) ، وبين متردّد يقدّم رجلاً ويؤخّر اُخرى، ومحرّض يدعو إلى الإقدام والقتال، فبينما كان القوم على هذه الحالة، خرج الأسود بن عبد الأسد المخزوفي، وكان رجلاً سيّئ الخلق، فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لاُهدِّمنّه أو لأموتنّ دونه، فلمّا خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلمّا التقيا، ضربه حمزة فأطار قدمه بنصف ساقه، وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً، ثمّ حبا إلى الحوض، حتّى وقع فيه، يريد أن يبرّ يمينه، فتبعه حمزة وضربه حتى قتله في الحوض.

__________________

(١) أي سلاحاً.

(٢) المغازي: ج ١ ص ٦٢.

(٣) صعاليكهم.

٣٢٦

وهذه الحادثة فرضت الحرب على قريش وأبطلت فكرة الرجوع، فخرج عتبة ابن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن ربيعة، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار. فقالوا: من أنتم ؟ فقالوا: رهط من الأنصار، قالوا: ما لنا بكم من حاجة، ثمّ نادى مناديهم: يا محمّد، أخرج إلينا أكفّاءنا من قومنا، فقال رسول الله: قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا عليّ، فلمّا قاموا ودنوا منهم. قالوا: من أنتم ؟ قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال عليٌّ: عليٌّ. قالوا: نعم أكفّاء كرام، فبارز عبيدة، وكان أسن القوم عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز عليّ الوليد بن عتبة، فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأمّا عليٌّ فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه(١) ، وكرّ حمزة وعليٌّ بأسيافهما على عتبة، فأسرعا قتله، واحتملا صاحبهما.

ثّم تزاحف النّاس ودنا بعضهم من بعض، وقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه أن لا يحملوا حتّى يأمرهم، فقال: إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنّبل. ثمّ عدّل رسول الله الصفوف، وناشد ربّه وقال: « أللّهم إنْ تهلك هذه العصابة اليوم لن تعبد » ثمّ خرج رسول الله إلى النّاس فحرّضهم وقال: والّذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلّا أدخله الله الجنّة.

ثّم إنّ رسول الله أخذ حفنةً من الحصباء فاستقبل قريشاً بها، ثمّ قال: شاهت الوجوه، ثمّ نفحهم بها. وأمر أصحابه فقال: شدّوا، فكانت الهزيمة، فقتل الله تعالى من قتل من صناديد قريش، واُسِّر من اُسّر من أشرافهم وفرّ من فرّ إلى مكّة.

وكان شعار أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر: أحد، أحد. فكانت الهزيمة لقريش والنّصر للمسلمين.

* * *

__________________

(١) جرحه جراحة لم يقم معها.

٣٢٧

الإعانات الغيبيّة

إنّ غزوة بدر من أعظم غزوات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان انتصاره فيها معجزة غيبيّة تفضّل بها سبحانه على اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث التقى في وادي بدر فئتان غير متكافئتين عدداً وعدّة، ولقد كان عدد المشركين ثلاثة أضعاف عدد المسلمين، كان المشكون بين تسعمائة وألف(١) وعدد المسلمين ثلاثمائة وبضع وعلى قول ثلاثمائة وثلاثة عشر لم يكن لدى المسلمين إلّا فرسان، وقد تعرّفت على كلمة أبي اُسامة الجشمي رائد القوم ( قريش ) « والله ما رأيت جلداً ولا عدداً ولا حلقة ولا كراعاً »(٢) .

ومع ذلك كلّه، غلبت هذه الفئة القليلة تلك الفئة الكثيرة، لقوّة إيمانها وتفانيها دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودينهم، وفي ظل إعانات غيبيّة يذكرها القرآن الكريم، سيوافيك بيانها.

قال سبحانه:( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( آل عمران / ١٢٣ ).

نعم، كانوا أذلّاء، فصاروا أعزّاء أقوياء بفضله وكرمه. قال سبحانه:( وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( المنافقون / ٨ ) فصاروا أعزّاء بعنايات ربّانية، وإعانات غيبيّة تكفّل الذكر الحكيم ببيانها ونحن نذكرها إستلهاماً منه، وتصل أنواعها إلى ثمانية، وكان لها الدور الهام في إنتصار المسلمين.

__________________

(١) قال الواقدي: « وخرجت قريش بالجيش يتقاذفون بالحراب، وخرجوا بتسعمائة وخمسين مقاتلاً، وقادوا مائة فرس، وكانت الإبل سبعمائة بعير، وكان أهل الخيل كلّهم دارع وكانوا مائة، وكان في الرجالة دروع سوى ذلك » المغازي: ج ١ ص ٣٩.

(٢) المغازي: ج ١ ص ٦٢.

٣٢٨

١ ـ إراءة العدو قليلاً في المنام

قد رأى النّبي في المنام وقعة بدر، وأراه سبحانه عدد العدو قليلاً فيه ليصون المسلمين بذلك عن الفشل والتنازع، قال سبحانه:( إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( الأنفال / ٤٣ ).

إنّ الآية تصرّح بأنّه سبحانه أراهم للنّبي في منامه قليلاً، وبيّن أنّ سبب ذلك هو منع طروء أمرين بين المسلمين، أشار إليهما بقوله:

أ ـ( لَّفَشِلْتُمْ )

ب ـ( وَلَتَنَازَعْتُمْ )

والّذي يلزم الفات النظر إليه هو أنّ الله سبحانه ينسب الأمرين إلى المسلمين لا إلى النّبي الأكرم، وهذا يعرب أنّ إراءة العدو قليلين كان مؤثّراً في عزائم المسلمين لا في عزيمة النّبي الأكرم، فإنّه ( صلوات الله عليه وآله ) كان ثابتاً، قليلين كانوا أم كثيرين، وإنّما أراهم النّبي قليلاً حتّى ينقل رؤياه إلى المسلمين حسب ما رآه، فتشتدّ عزيمتهم وترتفع معنويّاتهم بظنّ أنّ أعدائهم أقلاّء.

٢ ـ إراءة كلّ من الفريقين الآخر قليلاً في بدء الحرب

ومن إعاناته تعالى الغيبيّة أنّه سبحانه أرى كل فريق للفريق الآخر ـ عند إبتداء الحرب ـ قليلاً، وقد كانت تكمن في ذلك فلسفة انتصار الحق على الباطل وزهوقه، فأرى المشركين المؤمنين قليلين، كما أرى المؤمنين للفريق الآخر كذلك، حتّى أنّ أبا جهل قال: خذوا أصحاب محمّد بالأيدي(١) .

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص ٥٤٧.

٣٢٩

إنّما أرى المشركين المؤمنين قليلين، حتّى لا يورث ذلك رُعبا ووحشة في قلوبهم، وقد مرّ في الإعانة الاُولى أنّه سبحانه فعل ذلك دفعاً للفشل والتّنازع.

وإنّما أرى المؤمنين للمشركين قليلين لئلاّ يتأهّبوا ويستشرسوا في القتال، ويتخيّلوا أنّهم لا يحتاجون في دفع عدوّهم إلى بذل جهد كبير.

قال سبحانه مشيراً إلى ذلك بقوله:( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وإلى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ) ( الأنفال / ٤٤ ) وحاصل الآية أنّه سبحانه قلّل الفريقين في عين الآخر، ولولا ذلك لانتهى الأمر إلى فشل المسلمين أو إلى فرار العدوّ من المعركة، بحفظ أنفسهم. وقد تعلّقت مشيئته بإبادتهم.

٣ ـ إراءة المشركين كثرة المؤمنين أثناء القتال

وهناك إعانة غيبيّة ثالثة وهي أنّه سبحانه أرىٰ المؤمنين للمشركين في أثناء القتال كثيرين، على خلاف ما أراهم إيّاه عند إبتداء القتال.

إنّ المصلحة قد اقتضت أن يُري سبحانه المؤمنين للعدو كثيرين على خلاف ما أراهم عند أوّل الحرب وذلك حتّى يتخيّل العدو أنّه وصل إلى المسلمين مددٌ كانوا بعيدين عن المعركة حتّى تتزعزع بذلك معنويّاتهم ويتقهقروا عن ميدان المعركة بعدما فتك بهم المسلمون بقتل كثيرين منهم وأسر آخرين.

قال سبحانه:( قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ ) ( آل عمران / ١٣ ).

اُنظر إلى قوله سبحانه:( يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ) فإنّ هذه الجملة ناظرة إلى أثناء الحرب، وما ورد في الإعانة الغيبيّة الثانية ناظر إلى أوّل الحرب.

٣٣٠

٤ ـ إستغاثة المسلمين ونزول الملائكة

إنّ النّبي لـمّا نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلّة عدد المسلمين استقبل القبلة، وقال: أللّهم أنجز لي ما وعدتني، أللّهم إنْ تهلك هذه العصابة، لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف ربّه مادّاً ييديه حتّى سقط رداؤه من منكبيه، فأنزل الله تعالى:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ *وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إلّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلّا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( الأنفال / ٩ و ١٠ ).

لعلّ معنى قوله:( وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إلّا بُشْرَىٰ ) إنّه سبحانه جعل الإمداد بالملائكة بشرى للمسلمين بالنّصر ولتسكن به قلوبهم وتزول الوسوسة عنها، وإلّا فملك واحد كاف للتدمير.

أو لعلّ معناها: إنّ الإمداد بالملائكة إمداد بالسبب والنصر الحقيقي من جانب المسبّب وهو الله العزيز الحكيم، وليس للسبب أصالة ولا استقلال(١) .

ثمّ إنّه سبحانه جعل عدد الملائكة في هذه الآية ألفاً، مع أنّه سبحانه أمدّ المسلمين ـ حسب آية اُخرى ـ بثلاثة آلاف كما في قوله:( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُنزَلِينَ *بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ *وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إلّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إلّا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الحَكِيمِ ) ( آل عمران / ١٢٤ ـ ١٢٦ ).

ولكنّ الاختلاف يرتفع بالإمعان بما في ذيل الآية التّاسعة من سورة الأنفال حيث قال:( بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) أي مردفين بملائكة اُخرى، كما يقال أردفت زيداً خلفي، فيكون المفعول الثاني محذوفاً، فلو كان عدد الملائكة الاُخرى ألفين، يصير المجموع ثلاثة ألاف.

__________________

(١) وقد تكرّر مضمون الآية في سورة آل عمران، الآية ١٢٦.

٣٣١

وهناك وجه آخر لرفع الإختلاف وهو أنّ هذا العدد ( ثلاثة آلاف ) جاء في كلام النّبي عند مخاطبة المسلمين حيث قال:( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ ) وأمّا عدد الألف فقد جاء في كلامه سبحانه ووعده حيث قال:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ ) .

والجمع بين الآيتين بأنّه كان في ضمير النّبي أنّه سبحانه ينزّل ثلاثة آلاف، ولكنّه سبحانه نزّل ألفاً منهم، وما ذلك إلّا لأنّ الملائكة لم يقتحموا المعركة إلّا بشكل جزئي كما سيوافيك، وكان الوعد والعمل به لأجل تثبيتهم وإزالة الوسوسة عنهم.

وأمّا عدد الخمسة آلاف فلم يكن إلّا وعداً مشروطاً بأنّ المؤمنين لو صبروا على الجهاد واتّقوا معاصي الله ومخالفة الرسول ورجع المشركون إليهم فوراً، فالله سبحانه يمددهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين أي معلَّمين.

٥ ـ الإمداد بالنعاس

إنّ الإنسان لا يأخده النوم في حال الخوف، وقد قيل: الخوف مسهر والأمن منوّم، فاللّه سبحانه أمدّهم بالنّعاس وهو أوّل النوم قبل أن يثقل، فقوّاهم ـ بالإستراحة ـ على قتال العدو.

٦ ـ الإمداد بنزول المطر

وقد أصابهم المطر ـ وكانوا أحوج شيء إليه فطهّروا به أبدانهم واغتسلوا من الجنابة، وزادهم قوّة قلب وسكون نفس وثقة بالنّصر، وثبّت أقدامهم في الحرب بتلبّد الرّمل.

وإلى الإمدادين: الخامس والسادس يشير قوله سبحانه:( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ (١)

__________________

(١) وهو الجنابة.

٣٣٢

وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) ( الأنفال / ١١ ).

فإلى فائدة الإمداد بالنّعاس أشار بقوله:( أَمَنَةً مِّنْهُ ) .

وإلى فوائد نزول المطر المختلفة أشار بقوله:

١ ـ( يُطَهِّرَكُم ) ٢ ـ( يُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) ٣ ـ( يُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) ٤ ـ( وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) .

٧ ـ الإمداد بتثبيت أقدام المؤمنين

وقد كان لنزول الملائكة فائدة اُخرى، وهي تثبيت أقدام المؤمنين في ميدان الحرب لئلاّ تزلّ أقدامهم عند هجوم العدو، وكانت ساحة القتال رملاً.

٨ ـ الإمداد بإلقاء الرّعب في قلوب المشركين

وقد أمدّهم سبحانه بإلقاء الرّعب في قلوب الكافرين.

يقول سبحان مشيراً إلى الإمدادين:( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) ( الأنفال / ١٢ ).

والمراد من « فَوقَ الأعناق » هي الرؤوس، لأنّها فوق الأعناق، كما أنّ المراد من قوله: « كُلَّ بَنَان »، أطراف الأصابع، ولعلّه سبحانه اكتفى به عن جملة اليد والرّجل.

وأمّا الخطاب، فيحتمل أن يكون للملائكة، كما استظهره أكثر المفسّرين، أو للمؤمنين كما هو الظّاهر، لما عرفت من أنّ الملائكة لم يقتحموا المعركة، وإنّما كان نزولهم لأجل تثبيت القلوب.

وأمّا وجه إذلاله سبحانه قريشاً، وأعزازه المؤمنين، فقد بيّنه في قوله:( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ

٣٣٣

وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ) ( الأنفال / ١٣ و ١٤ ).

هذه مجموعة الإعانات الغيبيّة التّي شملت المسلمين، وقد تعلّقت مشيئته سبحانه بإختصاص الإعانات الربّانيّة بالمؤمنين، والوساوس الشيطانيّة بالمشركين، فقد ظهر الشيطان، وتجسّم للكافرين يوم بدر، وزيّن لهم أعمالهم وخروجهم بطراً ورئاء النّاس، ثمّ قال لهم بأنّه لا يغلبكم أحد من الناس لكثرة عددكم، وقوّتكم، وأنا ناصر لكم، ودافع عنكم السوء، ولـمـّا التقت الفرقتان، رجع العدو القهقرى منهزماً، لأنه رأى عناية الله سبحانه بالمسلمين.

وإلى ذلك يشير قوله سبحانه:( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الأنفال / ٤٨ ).

وقد علّل الشيطان تقهقره بأمرين:

الأوّل: إنّه يرى ما لا تراه قريش أعني الملائكة الّذين جاءوا لنصرة المؤمنين.

الثّاني: إنّه يخاف الله.

إختلافهم في الفيء

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بما في العسكر، ممّا جمع النّاس، فجُمع، فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه: هو لنا، وقال الّذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه: والله لولا نحن ما أصبتموه لنحن شغلنا عنكم القوم حتّى أصبتم ما أصبتم، وقال الّذين يحرسون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والله ما أنتم بأحق به منّا، والله لقد رأينا أن نقتل العدو إذ منحنا الله أكتافهم، وقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، فخفنا على رسول الله كرّة العدو، فقمنا دونه، فما أنتم بأحقّ به منّا.

كان الأولى بالمسلمين أن يفوّضوا أمر الفيء إلى الرّسول أخذاً بالتسليم الّذي

٣٣٤

أمر به المسلمون.

سُئل عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا أصحابَ بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل، وساءت أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسوله، وقال:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( الأنفال / ١ )(١) .

وروي عن ابن عباس أنّ سبب سؤالهم هو أنّ النّبي قال يوم بدر: من جاء بكذا، فله كذا، ومن جاء بأسير، فله كذا، فتسارع الشبّان، وبقي الشيوخ تحت الراية، فلمّا انقضت الحرب طلب الشبّان ما كان قد نفلهم النّبي به، فقال الشيوخ: كنّا ردءاً لكم ولو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا وجرى بين أبي اليسر وبين سعد بن معاذ كلام، فنزع الله تعالى الغنائم منهم(٢) .

ما معنى الأنفال في الآية ؟

الأنفال جمع نفل، وهو بمعنى الزيادة، ولو أطلقت على الرواتب من الصلوات وغيرها فلأجل أنّها زيادة على الفريضة، وربّما تستعمل في العطيّة، ولعلّ المعنيين متقاربان.

وقد اُطلق هذا اللّفظ في الآية واُريد منه غنائم الحرب، فيكون مساوياً لقوله سبحانه:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( الأنفال / ٤١ ) والآيتان نزلتا في غزوة بدر، وسيوافيك الجمع بين مضمونيهما، حيث جعلت الاُولى الأنفال لله. والثّانية خصّت الخمس منها لله وللرّسول ولذي القربى، والطوائف الثلاث الاُخرى، فانتظر.

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ١ ص ٦٤١ ـ ٦٤٢.

(٢) مجمع البيان: ج ٢ ص ٥١٨.

٣٣٥

وأمّا الغنائم التّي يحصل عليها النّبي عن غير طريق الحرب، أي بلا إيجاف عليه بخيل، ولا ركاب، فيطلق عليها الفيء، قال سبحانه:( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الحشر / ٦ و ٧ ).

وقد نزلت الآيتان في أموال كفّار أهل القرى، وهم بنو النضير وبنو قريظة قرب المدينة، وفدك. وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بني النضير للأنصار: إن شئتم قسّمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم، وتشاركونهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسّم لكم شيء من الغنيمة، فقال الأنصار: بل نقسّم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة، ولا نشاركهم فيها، وفيهم نزل قوله سبحانه:( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) ( الحشر / ٩ ).

نعم ربّما تطلق الأنفال ويراد منها غير غنائم الحرب بل معنى يرادف الفيء، أو شيئاً أوسع منه، قال الإمام الصادق: « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ( الفيء )، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله، وللإمام من بعده يضعه حيث يشاء ».

وبذلك يعلم أنّ الأنفال بما أنّ له معنى وسيعاً، يطلق على غنائم الحرب تارة، وعلى ما يحصل عليه النّبي من غير إيجاف بخيل ولا ركاب، وثالثاً على معنى أوسع يشمل على بطون الأودية، ورؤوس الجبال ممّا ورد في الروايات.

٣٣٦

الجمع بين مفاد الآيتين

إنّ الآيتين:( قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ ـوَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَ ) .

نزلتا في غزوة بدر، فعلى ضوء ذلك يكون المراد من الأنفال هو غنائم الحرب، وقد جعله في الآية الاُولىٰ لله وللرّسول، وفي الآية الثانية للمسلمين إلّا الخمس، فخصّه لله والرسول وذي القربى والطوائف الثلاث الباقية، فكيف التوفيق بينهما ؟ فهل الآية الثانية ناسخة للاُولىٰ أو لا ؟

والجواب انّه لا تنافي بين الآيتين حتّى تكون الثانية ناسخة للاُولى ولا تفيد إلّا كون أصل ملكها لله وللرّسول من دون أن تتعرّض لكيفيّة التصرّف وجواز الأكل والتمتّع، وأمّا الآية الثانية فهو يبيّن كيفيّة التصرّف والأكل والتمتع، وتكون الثانية مبيّنة للاُولى. فأصل الملك في الغنيمة لله والرّسول، ثمّ ترجع أربعة أخماسها إلى المجاهدين به يمتلكونها، ويرجع خمس منها إلى الله والرّسول وذي القربى وغيرهم(١) .

وبعبارة اُخرى: انّ أمرها مفوّض إلى الله ورسوله، ثمّ بيّن سبحانه مصارفها، وكيفيّة قسمتها في آية الخمس، ثمّ إنّ التعبير عن الغنائم بالأنفال التّى هي بمعنى الزيادات، لأجل الإشارة إلى تعليل الحكم بموضوعه، كأنّه قيل يسألونك عن الغنائم، وهي زيادات لا مالك لها بين النّاس، وإذا كان كذلك، فأجبهم بحكم الزيادات والأنفال، وقل الأنفال لله والرّسول، ومنها الغنيمة، فهي لله والرّسول بالذات، وإنّما يتمتّع بها المسلمون، حسب ما ورد في الآية الثانية.

ثمّ إنّ اللام في قوله:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ ) وإن كانت للعهد، تشير إلى غنائم الحرب، لكنّها في قوله:( قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ ) للجنس، وعليه فكل ما يعدّ زيادة، فهو لهما بالذات من غير فرق بين غنائم الحرب، أو ما حصل عليه

__________________

(١) الوسائل: ج ٦ كتاب الخمس الباب الأوّل من أبواب الأنفال، الحديث ١ ص ٣٦٤.

٣٣٧

بغير خيل ولا ركاب، أو ليس له مالك خاص، فالأموال الزائدة في المجتمع نظير الديار الخالية، والقرى البائدة، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، وقطائع الملوك، وتركة من لا وارث له.

نعم يقسّم قسم خاص من الأنفال بين المقاتلين، وهو ما أوجفوا عليه بخيل وركاب، دون الباقي، وتفصيل الكلام في الفقه.

أخذ الأسرى قبل الدعم والإستقرار

أمر رسول الله بقتل أسيرين أعني النضر بن حارث وعقبة بن أبي معيط لأعمالهما الإجرامية في مكّة قبل الهجرة وبعدها، فخافت الأنصار أن يقتل الأسرى، فقالوا يا رسول الله: قتلنا سبعين وهم قومك واُسرتك أتجذّ أصلهم ؟ فخذ يا رسول الله منهم الفداء. وقد كانوا أخذوا ما وجدوه من الغنائم في عسكر قريش، ولـمـّا طلبوه وسألوه، نزل قوله سبحانه:( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *لَّوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( الأنفال / ٦٧ ـ ٦٩ ).

إنّ الاثخان في الأرض عبارة عن التغليظ. يقال: ثخن الشيء فهو ثخيبن إذا غلظ فلم يسل، فكنّي به عن استقرار دينه بين النّاس كاستقرار الشيء الغليظ المنجمد الثّابت بعدما كان رقيقاً سائلاً مخشيّ الزوال بالسيلان، فالآية تحرّم أخذ الأسرى قبل أن يستقر للمسلمين أمرهم، ويعرب عن أنّ الهدف من الأمر بقتل الأسرىٰ، وعدم أخذ الفداء، لأجل أنّ في اطلاق سراحهم قبل الاستقرار مظنّة إجتماعهم، وتكاثفهم، ووثوبهم على النّبي، والمسلمين من جديد، فيجب إبادتهم واستئصالهم إلى حد الإثخان الذّي لا يخاف معه عن توثّبهم وتكاثفهم مرّة اُخرى.

إنّ اتخاذ الأسرى إنّما يكون خيراً ورحمة ومصلحة للبشر إذا كان الظهور والغلب لأهل الحق والعدل، ولولاه لانقلب شرّاً، والّذين يقترحون أخذ الأسرى ،

٣٣٨

يريدون عرض الدّنيا، أعني المال الّذي يأخذونه من الأسرى فداء لهم، والله يريد ثواب الآخرة الباقي.

والعتاب خاص بالصحابة والمسلمون الأوائل دون النّبي، بشهادة تغيّر لحن الكلام حيث إبتدأه بقوله:( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ ) وانتهى بالخطاب للمسلمين( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ) ، والخطاب خاص بهم لا يشمل النّبي، وحاشا نبيّ العظمة أن يريد عرض الدّنيا.

ومن رديء الكلام، ما مرّ في تفسير المراغْي وغيره، من أنّه سبحانه عاتبهم على ما فعلوا بعد بيان سنّة النبيين كما عاتب رسوله(١) .

والآية تعرب أنّ السنّة الجارية في الأنبياء الماضيبن هي أنّهم كانوا إذا حاربوا أعداءهم، وظفروا بهم ينكّلونهم بالقتل لكي يضعفوا أوّلاً، ويعتبر بهم مَنْ وراءهم، فيكفّوا عن محادّة الله ورسوله، فكانوا لا يأخذون أسرىٰ حتّى يثخنوا في الأرض، ويستقرّ دينهم بين النّاس، وأمّا مسألة المنّ أو الفداء، فإنّما هو بعدما علا أمر الإسلام، واستقرّ في الحجاز واليمن:( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) ( محمد / ٤ )، فحكم الأسرى قبل الإثخان هو القتل، وأمّا بعده، فالحكم هو شدّهم في الحبال، وسوقهم على الأقدام حتّى يتعامل معهم بأحد الأمرين: المنّ واطلاق السراح، أو أخذ الفدية.

وبذلك يعلم أنّ الأمر بقتل الأسرى إنّما كان حكماً مؤقّتاً زمنياً مختصّاً بزمن لم يستقر أمر النّبي ولا دينه، فكان في أخذ الأسرى مظنّة الخوف على بيضة الإسلام، وأمّا إذا ارتفع ذلك الخوف، وضرب الإسلام بجرانه(٢) في الأرض، فالحكم السائد هو ما جاء في سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنّ، أو أخذ الفداء، فلربّما يستدلّ بالآية على أنّ الإسلام يسرف في إراقة الدماء، وقتل النفوس، لا أصل له، لأنّ الأمر بالقتل، وعدم أخذ الأسرى، كان راجعاً إلى حالة خاصّة، وهي حالة

__________________

(١) تفسير المراغي: ج ٤ ص ٣٦.

(٢) ضرب الإسلام بجرانه: أي ثبت واستقرّ.

٣٣٩

عدم استقرار الإسلام في المنطقة كما كان الحال كذلك في السنوات الاُولى قبل غزوة الأحزاب، وأمّا بعدها فقد علا أمر النّبي واستقرّ، فلم تكن حاجة إلى قتل الأسرى، بل كان السائد هو ما ورد في سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من إطلاق سراحهم منّاً عليهم، أو أخذ الفدية منهم.

بل الظروف في غزوة واحدة كانت مختلفة، فربّما تسود في السّاعات الاُولى من الحرب حالة عدم الاستقرار والتزلزل، ومظنّة رجوع العدو ثانياً بعد إطلاق سراحه، فلا يؤخذ الأسرىٰ، والحال أنّ الحالات الأخيرة من الحرب كانت على عكس ذلك، فلم يكن أيّة مظنّة للكرّة، فيختصّ قتل الأسرى في غزوة واحدة بالسّاعات الاُولى أي ساعات عدم الإستقرار، ومظنّة الكرة لا الساعات الأخيرة.

ثُمَّ إنّ الآية الثانية أعني قوله:( لَّوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) يعرب عن عظم المعصية، أعني أخذ الأسرى قبل الاثخان في الأرض لما فيه من مظنّة زوال الإسلام وكيانه.

كيف ولولا كتاب سابق لمسّ المسلمين، أو المصرّين على الأخذ عذاب عظيم. وأمّا ما هو هذا الكتاب الّذي سبق، فقد اُبهم غاية الابهام، لأنّه أنسب في مقام المعاتبة ليذهب ذهن السامع كل مذهب ممكن، ولا يتعيّن عنده، فيهون عنده الأمر. ومن رديء الكلام ما مرّ في غير واحد من التفاسير: قال رسول الله: « إن كاد ليمسّنا في خلاف ابن الخطّاب ( حيث كان يقترح القتل خلاف الباقين حيث كانوا يقترحون الأخذ ) عذاب عظيم، ولو نزل العذاب ما أفلت إلّا عمر ».

ومعناه شمول العذاب، للرّسول الأعظم، وقد سبق من المراغي وغيره: إنّ العتاب عام يعمّ المسلمين والنّبي الأكرم، مع أنّه سبحانه يقول:( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) ( الأنفال / ٣٣ ).

فالّذي يدفع بوجوده العذاب، صار يُدفع عنه العذاب بوجود غيره.( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) ( الكهف / ٥ ).

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

بقولهم:( لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) .

والله سبحانه يجيب عليها:

١ ـ بأنّ أمر النصر بيد الله كما أخبر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنّه مرهون بعوامل وأسباب غيبيّة واُخرى اكتسابيّة خاصّة، وأنتم أيّها المعترضون قد فوّتم تحصيل تلك الأسباب والعوامل، فلا يحق لكم الاعتراض بعد تقصيركم.

٢ ـ بأنّ لكل نفس أجلاً محدّداً لا يتقدّم عليه ولا يتأخّر.

٣ ـ إنّ في هذه النكسة الفادحة تمحيص لما في الصدور والقلوب فقد تميّز به المؤمن المثابر من المتظاهر بالإيمان، وبذلك يعلم أنّ القول بأنّ الصحبة كافية في تحقيق إتّصاف الرجل بالعدالة والنزاهة والإستقامة شيء لا حقيقة له ولا أساس وقد تحقّق لديك بفضل هذه الآيات أنّ أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنقسموا إلى طوائف: فمن منافق نكص على عقبيه في أثناء الطريق ولم يشترك في القتال وتذرّع بقولهم:( لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) ( آل عمران / ١٦٧ ).

ومن مؤمن كابر أمر الرسول وخرج عن طاعته وأخلى ساحة القتال ولكنّه لم تنتابه وتعتريه شبهات وظنون أهل الجاهليّة، فتاب ورجع إلى النبيّ بعد جلاء المعركة وهم من مصاديق قوله سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) ( الأعراف / ٢٠١ ).

ومن متظاهر بالإيمان لم يتمكّن الإيمان من قلبه حقّ التمكّن، فلمّا حاق به البلاء ورأى الانتكاسة المروّعة الرهيبة، ارتدّ القهقري وصار يتفوّه بمقولات أهل الشرك والجاهلية.

أضف إلى ذلك، الطائفة الثالثة الذين رجعوا أثناء الطريق ولم يساهموا النبيّ والمسلمين، وهؤلاء هم أتباع عبد الله بن اُبيّ المنافقون.

٣٦١

أفبعد هذا يصحّ لنا القول بأنّ كلّ صحابي عادل ؟!! وأنّ العدل والصحبة متلازمان؟! كلّا ومن يذهب إليه فإنّما يجترئ عظيماً.

والذي يعرب عن أنّ بعضهم قد بلغ به الحال إلى المشارفة على أعتاب الرّدة قوله سبحانه:( وَمَا مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا ) ( آل عمران / ١٤٤ ).

قال أنس بن النضر: في السّاعة التي زاغت فيها الأبصار والبصائر وبلغت القلوب فيها الحناجر، وحين فشا في النّاس أنّ رسول الله قد قتل، وقال بعض ضعفاء المؤمنين ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن اُبي فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان(١) وقال ناس من أهل النّفاق: إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأوّل. قال أنس: إن كان محمد قد قتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه، ثمّ قال: أللّهم إنّي أعتذر إليك ممّا قال هؤلاء، وأبرأُ إليك ممّا جاء به هؤلاء، ثمَّ شدّ بسيفه فقاتل حتّى قتلرضي‌الله‌عنه ، كما مرّ(٢) .

فمحصّل معنى الآية على ما فيها من سياق العتاب والتوبيخ: إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس إلّا رسولاً من الله مثل سائر الرّسل ليس شأنه إلّا تبليغ رسالة ربّه لا يملك من الأمر شيئاً، وإنّما الأمر لله والدين دينه باق ببقائه، فما معنى اتّكاء إيمانكم على حياته، حيث يظهر منكم أنّه لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين ورجعتم إلى أعقابكم القهقري واتّخذتم الغواية بعد الهداية ؟

وهذا السياق أقوى شاهد على أنّهم ظنّوا يوم أُحد بعد أن حمى الوطيس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قتل فانسلّوا عند ذلك وتولّوا عن القتال.

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ٥١٣.

(٢) لاحظ ص ٣٣٢.

٣٦٢

القصاص بالقسط:

إنّ المشركين لـمّا مثّلوا بقتلى المسلمين في اُحد وبحمزة بن عبد المطّلب فشقّوا بطنه، وأخذت هند بنت عتبة كبده فجعلت تلوكه، وجدعوا أنفه واُذنه قال المسلمون: لئن أمكننا الله منهم لنمثّلنّ بالأحياء منهم فضلاً عن الأموات، وفي ذلك نزل قوله سبحانه:( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ *وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) (١) .

وروى السيوطي في الدر المنثور عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قتل حمزة ومثّل به: لئن ظفرت بقريش لاُمثلنّ بسبعين رجلاً منهم، فأنزل الله:( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ) الآية، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بل نصبر يا ربّ. فصبر ونهى عن المثلة » والظّاهر أنّ الحكاية الاُولى أوثق وذلك لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أجلّ وأعلى شأناً من أن يتمنّى قصاصاً فيه اجحاف وانتقاص بالآخرين.

وروى البيهقي عن محمّد بن كعب القرظي قال: لـمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حمزة بالحال التي هو بها حين مثّل به، قال: لئن ظفرت بقريش لاُمثلنّ بثلاثين منهم، فلمّا رأى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما به من الجزع قالوا: لئن ظفرنا بهم لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد، فأنزل الله عزّ وجلّ:( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ) إلى آخر السورة فعفا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

والإختلاف بين الحكايتين واضح لكنّ محمّد بن كعب القرظي من بني قريظة الذين تمّت إبادتهم أيام رسول الله في المدينة ولم يبق منهم إلّا قلّة قليلة، ولا يعبأ بنقله، ولعلّ غرضه الازدراء بالنبيّ وادّعاء عدم قيامه بمقتضى العدل.

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٦٠٥.

(٢) دلائل النبوّة: ج ٣ ص ٢٨٦، والسيرة النبويّة لابن هشام: ج ٢ ص ٩٥.

٣٦٣

مطاردة العدو:

ثمّ إنّه لـمّا بلغ رسول الله أنّ العدو بصدد معاودة الكرّة إلى المدينة حتّى يستأصل بقية المسلمين، فأمر رسول الله المؤذّن أن يؤذّن بالخروج إلى مطاردة العدو وأن لا يخرج إلّا من حضر الأمس في المعركة، وإليه يشير قوله سبحانه:( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ *إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / ١٧٢ ـ ١٧٥ ).

ويستفاد من جملتها:

( أوّلاً ): إنّ المؤمن إذا انتابته الهزيمة واعتراه الإنكسار الظاهري لا يصل به الأمر إلى فقد الثقة بالله سبحانه وتعالى، فلو تمكّن من معاودة الكرّة لتحقيق الإنتصار لهبّ مسرعاً ولم يقعد به القرح ولا يكون جليس البيت لأجل ملمّة ألـمـّت به، وإليه يشير قوله سبحانه:( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ ) .

( وثانياً ): لو بلغهم تأهّب العدوّ لكرّ عليهم ثانياً وجاءت النذر يخوفونهم من بأس العدو ومازادهم إلّا إيماناً وثقة وانقطاعاً إلى الله وقالوا:( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) .

( وثالثاً ): إنّ ما جاءت به النذر من الأنباء إنّما كانت من الشياطين الّذين يخوّفون أولياءهم، وأمّا المؤمنون فإنّهم قد خرجوا عن نطاق تأثير تلك الإرهاصات النفسيّة.

غزوة اُحد بين السلبيات والإيجابيّات:

إنّ غزوة اُحد كسائر الغزوات التي تمخّض عنها ما هو سلبي وما هو إيجابي، وقد ورد في الذّكر الحكيم آيات تشير إلى جملتها، وإليك نصوصها مشفوعة بما

٣٦٤

يليق بها من التحليل:

قال عزّ وجلّ:( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) .

( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) .

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) .

( وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) ( آل عمران / ١٤٠ ـ ١٤٣ ).

( مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ( آل عمران / ١٧٩ ).

ويستفاد من هذه الآيات ما يلي:

١ ـ الانتصار والانكسار من سنن الله:

إنّ من سنن الله تعالى الطبيعية في الاُمم أنّه لم يكتب على جبين اُمّة السيادة والإنتصار في جميع الأزمنة والأمكنة، وكذلك شأن الهزيمة. فهي تعيش بين هذين مقبلة ومدبرة تارة اُخرى كما يشير إليه قوله سبحانه:

( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) .

٢ ـ التمحيص بالمحنة والبلاء:

إذا كتب النصر على جبين اُمّة على ممرّ الأعصار والدهور لم يتميّز المؤمن عن المنافق والصابر المجاهد عن المتهاون المتقاعد، وقد كان المسلمون قبل لقاء العدوّ

٣٦٥

يتمنّون الموت ولكنّهم فشلوا في الإمتحان عند اللّقاء كما يشير إليه قوله:( وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ ) وقد طبّقت غزوة اُحد ذلك المقياس وقد عرفت ما آل إليه جيش المسلمين حيث إنقسموا إلى ثلاث طوائف أو أكثر، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) وقوله سبحانه:( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) وقال أيضاً:( مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) .

٣ ـ خُلّص الغزاة شهداء على الأعمال:

وقد بلغ إخلاص بعض الغزاة إلى حدّ جعلهم يتسنّمون درجة الشهادة على الأعمال وهي درجة رفيعة تحتاج إلى بصيرة مثاليّة وكماليّة في القلب حتّى يشهد على سائر إخوانه بخير أو شرّ كما يشير إليه قوله سبحانه:( وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ) ومع ذلك فربّما يحتمل أن يراد من الشهداء في الآية هو الشهيد في المعركة والمضحّي بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الحق.

٤ ـ الجنّة رهن الجهاد والصمود:

إنّ إستحقاق دخول الجنّة لا يكتسب بمجرّد التفوّه بمحض عبارات اللّسان بل يحتاج إلى عظيم جهاد بالنفس والنفيس.

وإليه يشير قوله سبحانه:( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) .

هذا ما يستفاد من جملة هذه الآيات، وهناك طائفة اُخرى من الآيات وردت في شأن تلك الغزوة فيها من العظات والحكم البليغة.

٣٦٦

٥ ـ استنهاض الهمم والعزائم:

لا شكّ أنّ الهزيمة والانكسار في الحرب من أعظم عوامل تثبيط العزائم كما أنّ الإنتصار من أقوى عوامل النهوض بها وتتويجها بتاج الإستبسال والبطولة.

وبما أنّ الهزيمة كانت قد لحقت بالمسلمين في خاتمة المعركة فقد كان لها بطبيعة الحال آثار سيّئة مروّعة خصوصاً عند ظهور الأعداء عليهم فهم قد انبروا يحيكون حولها من الأراجيف، قال عليٌّعليه‌السلام : « إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه »(١) فعاد الذكر الحكيم يعالج هذا الداء المزمن الّذي استشرى في نفوس المسلمين وتمكّن في قلوبهم وذلك بإعلامهم بأنّ الموت من سنن الله سبحانه الحتميّة وأنّ لكلّ نفس كتاباً مؤجّلاً لا يتخلّف ولا يحيد عنه أبداً، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إلّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) ( آل عمران / ١٤٥ ).

٦ ـ الاعتبار بالاُمم الماضية:

إنّه سبحانه من أجل رفع معنويّات المسلمين واستنهاض هممهم يذكرّهم بالاُمم الماضية وكيف أنّ فئتهم القليلة كانت تغلب الفئات الكثيرة وتجعل الصبر على البلاء دثارها وذلك لأخذ هم بأسباب النّصر من الصمود والمفاداة في سبيل إظهار الحق واعلاء كلمته، قال سبحانه:( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) ( آل عمران / ١٤٦ ).

( وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ( آل عمران / ١٤٧ ).

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الحكم رقم ٢.

٣٦٧

٧ ـ إخماد ثائرة الفتنة:

ولـمّا رجع المسلمون إلى المدينة بعد أن أصابهم ما أصابهم فوجئوا بشماتة المتقاعدين والمنافقين حيث خاطبوهم بقولهم: لو كنتم معنا لما قتلتم، وذلك ما يحكيه عنهم سبحانه بقوله:( الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ المَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( آل عمران / ١٦٨ ).

وقد ورد ذلك المضمون في موضع آخر من السورة في قوله سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( آل عمران / ١٥٦ ).

فهو سبحانه يجيب عن هذه الشبهة باُمور:

أ ـ ما أشار إليه في قوله:( قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ المَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) وحاصله أنّ قولكم « لو أطاعونا ما قتلوا » يعرب عن أنّ القائل يعتقد بأنّ الموت والحياة بيد الانسان ولو صحّ ذلك فليدفع الموت عن نفسه، مع أنّه سنّة الله الحتميّة في جميع الكائنات.

ب ـ بأنّ موت الإنسان في ساحة القتال مع الشرك ليس موتاً حقيقياً وإنّما هو في حقيقة الأمر ارتحال من دار إلى دار ومن حياة مادّية إلى حياة مثالية وأبدية سرمدية في خاتمة المطاف في جنات النعيم وأنّ الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم بما هم فيه من حياة بلا كآبة ووجل، قال سبحانه:

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ إلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / ١٦٩ ـ ١٧١ ).

ثمّ إنّ المستفاد منها أنّ حياة الشهداء حياة حقيقية لها آثار جسمية ولها آثار

٣٦٨

روحية، ومن آثارها الجسميّة هو الرزق، ومن آثارها النفسية الاستبشار، فمن زعم أنّ المراد من حياة الشهداء هو خلودهم في صفحة تاريخ أمجاد الشعوب فقد فسّر القرآن تفسيراً مادّياً أعاذنا الله تعالى منه ولذلك قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جوابه لأبي سفيان ـ عندما قال: « إنّ الحرب سجال يوم بيوم » ـ:

« قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النار ».

وقال الإمام الحسين حينما أمر أصحابه بالصبر:

« صبراً بني الكرام فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب، وإنّ أبي حدّثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ما كذبت ولا كذّبت »(١) .

فما جاء في كلامهعليه‌السلام صريح في كون الحياة حياة حقيقية.

وهذه الآيات بجملتها قد تناولت غزوة اُحد بجوانبها المختلفة وهناك آيات أخرى أيضاً وردت بالتنديد بالمتقاعدين وباستنهاض هممهم مثل قوله سبحانه:( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ( آل عمران / ١٣٩ و ١٤٠ ).

__________________

(١) بلاغة الحسين ص ٤٧.

٣٦٩

٣ ـ غزوة الخندق

أجلى النبي الأكرم قبيلتي « بني قينقاع » و « بني النضير » من المدينة المنوّرة إلى شمال شبه الجزيرة العربيّة فنزلت عدّة منهم قلاع خيبر ورحلت عدّة اُخرى منهم إلى الشام ولبثتا تتحيّنان الفرص لإدراك ثأرهما من النبيّ وأصحابه والإنقضاض عليهم في عقر دارهم، وقد كان اليهود أبصر خصوم المسلمين وأشدّهم حنكة وسياسة، فهم كانوا دعاة التوحيد في شبه الجزيرة العربية، وكانوا ينافسون المسيحيين في سلطانهم حيث كانوا دعاة التثليث، وفي خِضَمُّ هذه الظروف فوجئوا ببزوغ نجم شخصيّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتابه الجديد حيث يدعوا إلى التوحيد بعبارات قويّة جذّابة وبمبادئ خلّابَة تأخذ بمجامع القلوب وتستقطب الأفكار.

ولأجل ذلك اجتمعت كلمتهم على تأليب العرب وإثارة حفائظهم ضدّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأرسلوا رسلهم إلى قريش منهم سلّام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق من بني النضير، ونفراً من بني وائل حتى قدموا قريشاً فدعوهم إلى حرب رسول الله وقالوا: إنّا سنكون معكم حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود إنّكم أهل الكتاب الاُوّل والعلم وتعلمون اختلافنا ومحمّد، أفديننا خير أم دينه ؟

قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق.

الله أكبر ما هذه الشراسة والصلافة والوقاحة ! وهم يزعمون أنّهم دعاة التوحيد وهاهم يفضّلون ويرجّحون الوثنيّة على التوحيد بملء فيهم لغاية التشفّي والإنتقام، وإليه يشير قوله سبحانه:( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ

٣٧٠

وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً *أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) ( النساء / ٥١ ـ ٥٢ )(١) .

فلمّا قالوا ذلك لقريش طاروا فرحاً وامتلأوا سروراً ونشطوا لإنجاح وتلبية ما دعوهم إليه من حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولـمـّا تمكّنوا من أخذ الميثاق منهم على الحركة صوب المدينة في وقت مُخصّص ارتحلوا من مكّة إلى شمال الجزيرة فجاءوا إلى غطفان من قيس بن غيلان ومن بني مرّة، ومن بني فزارة، ومن أشجع، ومن سليم، ومن بني سعد، ومن أسد التي هي بمجموعها تشكّل بطون غطفان، وما زالوا بهم يحرّضونهم ويستحثّونهم ويذكرون لهم متابعة قريش إيّاهم على حرب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فاجتمع أمرهم على نصرتهم ووعدهم يهود خيبر على أن يدفعوا إليهم محاصيل نخيلهم طيلة عام واحد ازاء نصرتهم لهم ومعاضدتهم إيّاهم(٢) .

حفر الخندق واحداثه حول المدينة(٣) :

ولـمـّا بلغ رسول الله اتّفاق كلمتهم على حربه واجتماع قبائلهم على غزوه، أخذ يخطّط لكيفيّة الدفاع وصدّ هجوم القبائل عليه في عقر داره. إذ فرق كبير بين غزوتي بدر واُحد وغزوة الخندق، فإنّ المحاربين في هذه الغزوة المترقبة أشد شراسة وعدداً وعدّة من سلفهم، ومن أجل ذلك فإنّ الصمود في وجهم يحتاج إلى حنكة عسكرية فائقة وتخطيط حربي متقن فاستشار أصحابه في أمرهم فقال سلمان: يا رسول الله إنّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة، قال: فما نصنع ؟ قال: نحفر خندقاً يكون بيننا

__________________

(١) وقد أشبعنا الكلام في توضيح الآية في الفصل المخصّص بأهل الكتاب فراجع.

(٢) المغازي للواقدي: ج ٢ ص ٤٤٦.

(٣) عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة فحاصروه خمس عشرة وانصرف يوم الأربعاء لسبع بقين سنة خمس، وقد استعمل على المدينة ابن اُمّ مكتوم.

٣٧١

وبينهم حجاباً فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتوا من كل وجه، فإنّا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا باغتنا العدو نحفر خندقاً فتكون الحرب من مواضع معروفة، فأمر رسول الله بالحفر من ناحية « اُحد » إلى « راتج » وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة(١) قوماً من المهاجرين يحفرونه، فحملت المساحي والمعاول وبدأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ معولاً فحفر في موضع المهاجرين بنفسه وأميرالمؤمنينعليه‌السلام ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعيّ وقال: « لا عيش إلّا عيش الآخرة أللّهم اغفر للأنصار والمهاجرة » فلمّا نظر الناس إلى رسول الله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقل التراب فلمّا كان في اليوم الثاني بكّروا إلى الحفر(٢) .

ومع ذلك أبطأ عن رسول الله وعن المسلمين رجال من المنافقين يستترون بالضعيف من العمل ويتسلّلون إلى أهليهم بغير علم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا إذن، وأمّا غيرهم من المسلمين فإذا نابته النائبة من الحاجة التي لابدّ له منها يذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويستأذنه في اللحوق بحاجته، فيأذن له، فاذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتساباً له(٣) .

فخرجت قريش ومن لحق بها من أحابيشها أربعة آلاف فارس وعقدوا اللواء في دار الندوة وقادوا معهم ثمانمائة فرس، وكان معهم من الظهر ألف وخمسمائة بعير لحمل أمتعتهم ومؤونتهم.

وأمّا من غير قريش فقد خرجت جموح من القبائل، فبلغ القوم الذين وافوا

__________________

(١) ولعلّ في النصّ سقط، ويحتمل أن يكون الصواب بهذا النحو: وجعل على كل عشرين خطوة قوماً من المهاجرين وعلى كل ثلاثين خطوة قوماً من الأنصار، والوجه في ذلك كثرة عدد الأنصار وقلّة عدد المهاجرين فتأمّل.

(٢) البحار: ج ٢٠ ص ٢١٨.

(٣) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ٢ ص ٢١٦.

٣٧٢

الخندق من قريش وسواهم عشرة آلاف بين راكب وراجل، فنزلت قريش برومة ووادي العقيق في أحابيشها ومن انضوى إليها من العرب، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بالزغابة بجانب اُحد(١) .

وخرج رسول الله والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم(٢) .

بينما كانت قريش وحلفاؤها ترجو أن تلقى المسلمين باُحد، فلم تجد عنده أحداً فجاوزته إلى المدينة حتى فاجأها الخندق، ولم تكن عارفة بهذا الاُسلوب من الدفاع، فرابطوا حول الخندق وعلموا أنّهم لا يستطيعون اقتحامه واجتيازه بعد جهد جهيد، فاكتفوا بتراشق النبل والسهام عدّة أيّام متوالية وكلّما أراد بطل من أبطال الحلفاء أن يجتاز الخندق، رُمي بالحجارة والنبل من خلف كثبان الرمل التي نصبت على أطرافه في مواقع المسلمين، وقد استمرّت الحال على هذا المنوال قرابة خمسة عشر يوماً أو أزيد.

قال المقريزي: كان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبوسفيان بن حرب في أصحابه يوماً وخالد بن الوليد يوماً ويغدو عمرو بن العاص يوماً وهبيرة بن أبي وهب يوماً وعكرمة بن أبي جهل يوماً وضرار بن الخطاب الفهري يوماً، فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرّقون مرّة ويجتمعون مرّة اُخرى ويناوشون المسلمين ويقدّمون رماتهم فيرمون، وإذا أبوسفيان في خيل يطيفون بمضيق من الخندق فرماهم المسلمون.

حتى رجعوا وكان عبّاد بن بشر ألزم الناس لقبّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحرسها وكان « أسيد بن حضير » يحرس في جماعة، فاذا عمرو بن العاص في نحو المائة يريدون العبور من الخندق فرماهم حتى ولّوا، وكان المسلمون يتناوبون الحراسة وكانوا في فقر وجوع وكان عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيراً ما يطلبان

__________________

(١) المغازي للواقدي: ج ٢ ص ٤٤٤.

(٢) السيرة النبويّة: ج ٢ ص ٢٢٠.

٣٧٣

غرّة ومضيقاً من الخندق يقتحمانه فكانت للمسلمين معها وقائع في تلك الليالي(١) .

فأقام رسول الله والمشركون بضعاً وعشرين ليلة، فبينما الناس على ذلك من الخوف والبلاء ولم يكن قتال إلّا الحصار والرمي بالنبل إلّا أنّ فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة ابن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب، تلبّسوا للقتال وخرجوا على خيولهم حتى مرّوا على منازل بني كنانة ووقفوا فقالوا: تهيئوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تسرع بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق فقالوا: والله إنّ هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها.

ثم يمّموا شطرهم مكاناً من الخندق ضيّقاً، فضربوا خيولهم فجالت بهم حتى عبرت الخندق فطلب عمرو بن عبد ودّ البراز مرّة بعد اُخرى إلىٰ أن ارتجز بقوله:

ولقد بححت من النداء

بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجع

موقف القرن المناجز

ولذاك إنّي لم أزل

متسرّعاً قبل الهزائز

إنّ الشجاعة في الفتى

والجود من خير الغرائز(٢)

ثمّ قال النبي لأصحابه ثلاث مرّات: أيّكم يبرز لعمرو وأضمن له على الله الجنّة، في كلّ مرّة كان يقوم عليٌّ فاستدانه وعمّمه بيده، فلمّا برز قال: « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » وقال: « أللّهم إنّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر وحمزة بن عبد المطلب يوم اُحد وهذا أخي عليّ بن أبي طالب، ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين »(٣) .

وقال الواقدي: إنّ المسلمين كأنّ على رؤوسهم الطير لمكان عمرو وشجاعته، فلمّا استقبله عليٌّ ارتجز بقوله:

__________________

(١) امتاع الأسماع ص ٢٤١.

(٢) دلائل النبوّة: ج ٣ ص ٤٣٨.

(٣) بحار الأنوار: ج ٢٠ ص ٢١٥ نقلاً عن كنز الفوائد للعلامة الكراجكي ص ١٣٦.

٣٧٤

لا تعجلنّ فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيّة وبصيرة

والصدق منجى كلّ فائز

إنّي لأرجو أن اُقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء

يبقى ذكرها عند الهزائز

فقال له عمرو: ومن أنت ؟ قال: أنا عليٌّ. قال: ابن عبد مناف ؟ فقال: عليّ بن أبي طالب. فقال: غيرك يا ابن أخي ومن أعمامك من هو أسنّ منك فأنا أكره أن أهريق دمك.

وقال الواقدي: أقبل عمرو يومئذٍ وهو فارس وعليّ راجل فقال له عليٌّعليه‌السلام : إنّك كنت تقول في الجاهلية: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها ! قال: أجل ! قال عليٌّ: فإنّي أدعوك أن تشهد أن لا إلٰه إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله وأسلم لله رب العالمين، قال: يا ابن أخي أخّر هذا عني. قال: فاُخرى ترجع إلى بلادك فإن يكن محمد صادقاً كنت أسعد الناس به، وإن كان غير ذلك كان الذي تريد، قال: هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً، وقد نذرت ما نذرت وحرّمت الدهن، قال: فالثالثة ؟ قال: البراز، قال: فضحك عمرو، ثمّ قال: إنّ هذه الخصلة ما كنت أظن أنّ أحداً من العرب يرومني عليها إنّي لأكره أن أقتل مثلك وكان أبوك لي نديماً، فارجع فأنت غلام حدث وإنّما أردت شيخي قريش أبا بكر وعمر قال، فقال عليٌّعليه‌السلام : فإنّي أدعوك إلى المبارزة فأنا أحبّ أن أقتلك، فأسفّ عمرو ونزل وعقل فرسه(١) وسلّ سيفه كأنة شعلة نار ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً، فأنحى بسيفه على هامّة عليٍّ، فصدّها عليٌّ بمجنّه فانقدّ المجن واثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجّه، فعاجله عليٌّ فضربه على حبل العاتق فسقط وثار العجاج، وسمع رسول الله التكبير فعرف أنّ عليّاً قد قتله، وعند ذلك خرجت خيلهم منهزمة حتى جاوزت الخندق هاربة، ثمّ أقبل عليٌّ نحو رسول الله ووجهه يتهلّل، فقال عمر بن الخطاب هلا استلبته درعه ؟ فإنّه ليس للعرب درع خير منها

__________________

(١) المغازي للواقدي: ج ٢ ص ٤١٧.

٣٧٥

فقال: ضربته فاتقاني بسواده(١) فاستحييت ابن عمي أن استلبه ثمّ أنشد يقول:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت ربّ محمد بصواب

فصددتّ حين تركته متجدّلاً

كالجذع بين دكادك(٢) ورواب

لا تحسبنّ الله خاذل دينه

ونبيّه يا معشر الأحزاب(٣)

استبشار المؤمنين وكآبة المشركين:

قد كان الخوف والوجل مستولياً على نفوس المسلمين منذ جاء الأحزاب وحاصروا المدينة ولـمـّا قتل عليٌّ بطل الأحزاب وفارسها وانهزم من كان معه من أبطالهم وذؤبانهم، حتى أنّ عكرمة بن أبي جهل ألقى رمحه يومئذٍ وفرّ، انقلبت الاُمور رأساً على عقب، فصار الخوف والهلع نصيب المشركين ومخيّماً عليهم. هذا من جانب، ومن جانب آخر، كان الوقت إذ ذاك شتاءً قارساً برده، عاصفة رياحه، يخشى في كل وقت مطره، فالخيام التي ضربوها أمام يثرب لا تحميهم منها فتيلاً.

ومن ناحية ثالثة وقف أبو سفيان وحلفاؤه على أنّ الخندق مادام حائلاً بينهم وبين المسلمين والأبطال منهم يذودون عنه بالنبال والحجارة، وما دامت بنو قريظة تمدّ المسلمين بالمؤونه امداداً، فإنّه من الصعب العسير إحراز النصر عليهم بل بإمكانهم الصمود أمامهم على تلك الحال مدّة مديدة تطول مع الشهور، والحل الوحيد الذي أصبح أمامهم هو أن ترجع الأحزاب إلى أدراجهم.

ولكن إجتماع هؤلاء الأحزاب على حرب المسلمين مرّة اُخرى ليس بالأمر

__________________

(١) هكذا في المصدر ولعلّ الصحيح: بسوأته.

(٢) جمع « دكداك » وهو الرمل اللّين، و « الروابي »: جمع « رابية » وهي الكدية المرتفعة.

(٣) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ٢ ص ٢٦٥.

٣٧٦

الميسور فإن افلتت الفرصة ربّما لم يسنح لهم الزمان بمثلها في المستقبل.

هذه النهاية التي آل إليها أمر الأحزاب وكانوا في حيرة من أمرهم وغمّة شديدة.

وعند ذلك تفطّن حيي بن أخطب فتيل الفتنة بأنّ في إمكانه أن يتّصل ببني قريظة القاطنين في داخل المدينة ويحرّضهم على نقض عهدهم مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين، فعند ذلك تنقطع الميرة والمؤونة والمدد أوّلاً، وينفتح الطريق لدخول يثرب من قلاع بني قريظة ثانياً.

وخال حيي بن أخطب بأنّه جاء بمكيدة محكمة، فعرضت فكرته على قريش وغطفان فحبّذاها وسارعا إلى انجازها فذهب بنفسه يريد كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وقد أغلق كعب دونه باب حصنه إذ عرف أنّه حيى بن أخطب، ولكنّه آخر الأمر فتح باب قلعته واعتنق نظريّته ونقض عهده مع الرسول، وأوجد ذلك قلقاً شديداً بين المسلمين، وقد ذكرنا تفصيله عند البحث عن أهل الكتاب، ولكنّه سبحانه دفع شرّهم بحدوث الاختلاف بين المشركين وبني قريظة فآل الأمر إلى انجلاء الأحزاب من ساحة القتال من دون نتيجة وإليك بيانه:

انقسام المشركين على أنفسهم:

إنّ نعيم بن مسعود أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إنّي قد أسلمت وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال رسول الله: إنّما أنت فينا رجل واحد فادخل بين القوم خذلانا إن استطعت فإنّ الحرب خدعة، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودّي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا: صدقت لست عندنا بمتّهم، فقال لهم: إنّ قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم. البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحوّلوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه

٣٧٧

وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان ذلك لحقوا ببلادهم، وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه، فقالوا له: أشرت بالرأي.

ثمّ خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودّى لكم وفراقي محمداً وانّه بلغني أمر قد رأيت عليّ حقّاً أن اُبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عنّي، فقالوا: نفعل. قال: تعلَّموا أنّ معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمّد وقد أرسلوا إليه: إنّا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثمّ نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم نعم، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً.

ثمّ خرج حتّى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنّكم أصلي وعشيرتي وأحبّ الناس إليّ ولا أراكم تتّهموني، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمنّهم، قال: فاكتموا عني، قالوا: نفعل، فما أمرك ؟

ثمّ قال لهم مثل ما قال لقريش وحذّرهم ما حذّرهم.

فلمّا كانت ليلة السبت من شوّال سنة خمس أرسل أبو سفيان بن حرب ووجهاء غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل، فقالوا لهم لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمّداً، فأجابوا أنّ اليوم يوم السبت لا نعمل فيه شيئاً ومع ذلك لسنا بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمّداً، فإنّنا نخشى إن اشتدّ عليكم القتال تتركوننا في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه، فلمّا رجعت إليهم الرسل بما قالته بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: والله إنّ الذي حدّثكم به نعيم بن مسعود لحق، فارسلوا إلى بني قريظة: إنّا لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا، فإن كنتم تريدون

٣٧٨

القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بني قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إنّ الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلّا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك تفرّقوا إلى بلادهم وخلّوا بينكم وبين محمّد في بلدكم، فارسلوا إلى قريش وغطفان: إنّا والله لا نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً فأبوا عليهم.

فلمّا كان ليلة السبت بعث الله عليهم الريح في ليلة شاتية باردة شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم، ولـمـّا انتهى إلى رسول الله ما فرّق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً.

فذهب حذيفه ورجع بقوله: دخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقرّ لهم قِدراً ولا ناراً ولا بناءاً، فقال أبوسفيان: يا معشر قريش إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف واخلفنا بنو قريظة ولقينا من شدّة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قِدْر ولا تقوم لنا نار فارتحلوا فإنّي مرتحل.

وبذلك اختلفت الأحزاب ولم يبق منهم أحد وأصبح الصبح ولم ير منهم شيء، فرجع المسلمون إلى منازلهم شاكرين.

هذا خلاصة ما أفادته كتب السير والتواريخ(١) وإليك تحليل ما ورد حول تلك الواقعة من الآيات ولا محيص لمفسّر عن الوقوف بما جاء في كتب السيرة فإنّها كالقرائن المنفصلة لفهم معنى ما تضمّنته الآيات الشريفة ونحن نذكر الآيات الواردة حول هذه الغزوة كاملة ثمّ نعقبّها، بما تسنح به الفرصة من التحليل والتوضيح.

__________________

(١) راجع السيرة النبويّة: ج ٢، ومغازي الواقدي: ج ٢، وبحار الأنوار: ج ٢٠، ومجمع البيان: ج ٤.

٣٧٩

غزوة الأحزاب في الذكر الحكيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا *إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا *هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا *وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إلّا غُرُورًا *وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إلّا فِرَارًا *وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إلّا يَسِيرًا *وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولاً *قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ المَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلّا قَلِيلاً *قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا *قَدْ يَعْلَمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلّا قَلِيلاً *أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الخَيْرِ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا *يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إلّا قَلِيلاً *لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا *وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا *مِّنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً *لِّيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا *وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا *وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا *وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ) ( الأحزاب / ٩ ـ ٢٧ ).

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581