مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273661 / تحميل: 6512
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولـمـّا أخبر النبي عن نزول الوحي وتلا الآيتين إرتفعت أصواتهم بقولهم: اتنهينا، اتنهينا.

وكلّ هذا يعرف عن رسوخ هذه العادة الشنيعة وهذا العمل القبيح في المجتمع العربي آنذاك إلى درجة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستطع ـ تحت ضغط الظروف ـ أن يقطع مادة الفساد منذ هبوطه أرض المدينة دفعة واحدة، بل تدرّج في تحقيق التحريم، وترسيخه في أذهانهم ونفوسهم.

رووا أصحاب السنن والمسانيد أنّه لـمّا نزل تحريم الخمر قال عمر: أللّهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في البقرة:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ ) قال فدعي عمر فقرئت عليه فقال: أللّهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في سورة النساء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ ) فكان منادي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اُقيمت الصّلاة ينادي ألّا يقربنّ الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: أللّهم بيّن لنا بياناً شافياً، فنزلت:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) .

قال عمر: اتنهينا، اتنهينا(١) .

ويظهر ممّا رواه ابن هشام عن بعض أهل العلم: انّ نهي الرسول عن الخمر كان مشهوراً عندما كان مقيماً بمكّة بين ظهراني قريش، وخرج الأعشى إلى رسول الله يريد الإسلام ومعه قصيدته المعروفة في مدح النبي التي مستهلّها:

الم تغتمض عينك ليلة أرمدا

وبتّ كما بات السليم مسهّدا

وما ذاك من عشق النساء وإنّما

تناسيت قبل اليوم صحبة مهددا

__________________

(١) سنن أبي داود: ج ٢ ص ١٢٨، مسند أحمد: ج ١ ص ١٥٣، سنن النسائي: ج ٨ ص ١٨٧، مستدرك الحاكم: ج ٢ ص ٢٧٨، إلى غير ذلك من المصادر.

٤١

إلى أن قال:

فإيّاك والميتات لاتقربنها

لا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا

و لاتقربنَّ حرّة كان سرها

عليك حراماً فانكحن أو تأبّدا(١)

فلمّا كان بمكّة أو قريباً منها إعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنّه يريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للسلم فقال له: يا أبا بصير إنّه حرّم الزنا، فقال الأعشى: والله إنّ ذلك لأمر ما لي فيه من ارب، فقال له يا أبا بصير:

فإنّه يحرّم الخمر، فقال الأعشى:

أمّا هذه فو الله إنّ في النفس منها لعُلالات، ولكنّي منصرف فأتروّى منها عامي هذا، ثم آتيه فاُسلم، فانصرف فمات في عامه هذا، ولم يعد إلى رسول الله(٢) .

وببالي أنّه جاء في بعض المصادر أنّه قيل له: إنّه يحرّم الأطيبين والمراد بهما الخمر والزنا، وقد عرفت أنّه مع ما رأى من نور النبوّة ودخل عليه من بصيص الإيمان لم يتحمّل ترك الخمر، فعاد ليتروّى منها، ليعود بعد عام إلى المدينة، ولكن وافاه الأجل قبل أن يسلم.

وهذا مَثل آخر يعرب عن ترسّخ هذه العادة القبيحة في ذلك المجتمع.

٨ ـ وأد البنات

أوّل من لطّخ يده بدم البنات البريئات هم العرب الجاهليّون، فقد كانوا يئدون بناتهم لأعذار مختلفة واهية، فتارة يتذرّعون بخشية الإملاق، والاُخرى يتجنّون بحجّة

__________________

(١) الأرمد: الذي يشتكي عينيه من الرمد، والسليم: الملدوغ، والمسهّد: الذي منع من النوم، والمهدد ـ على وزن معلل ـ: اسم امرأة، وتأبّد: أي تعزّب وابتعد عن النساء.

(٢) السيرة النبوية: ج ١ ص ٣٨٦.

٤٢

الاجتناب عن العار، وقد حكى سبحانه عقيدة العرب في بناتهم ووأدهنّ في آيات نذكر ما يلي:

( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) ( النحل / ٥٨ و ٥٩ ).

والآية تصوّر احساس القوم وإنفعالهم عندما كان أحدهم يبشّر بولادة أُنثى له، فكان يتجهّم وجهه ويتغيّر إلى السواد، ويظهر فيه أثر الحزن والكراهة، والقوم يكرهون الاُنثى مع أنّهم جعلوها لله سبحانه(١) ، ثمّ لم يزل الحزن يتزايد فيمتلئ الشخص غيظاً، وعند ذلك يستخفي من القوم الذي يستخبرونه عمّا ولد له، إستنكافاً منه، وخجلاً ممّا بشّر به من الاُنثى، ثمّ هو ينكر في أمر البنت المولودة له أيحفظها على ذل وهوان، أم يخفيها في التراب، ويدفنها حيّة وهذا هو الوأد( أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) أي في قتل البنات البريئات المظلومات.

ثمّ إنّه سبحانه يحارب بشدّة هذا العمل الإجرامي في بعض الآيات ويقول:

( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) ( الإسراء / ٣١ ).

فالله سبحانه هو المتكفّل برزقهم ورزق أولادهم وقتلهم خطأ عظيم عند الله.

وقال سبحانه:( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) ( الأنعام / ١٥١ )

ويؤكّد القرآن على تحريم قتل هذه البنات المظلومات بأنّ المؤودة سيسأل منها يوم القيامة، قال سبحانه:( وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ) ( التكوير / ٨ ).

__________________

(١) إشارة إلى قوله سبحانه:( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَىٰ *تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) ( النجم / ٢١ و ٢٢ ).

٤٣

وقد ذكر أصحاب السير بعض الدوافع التي دفعت العرب إلى اتّخاذ مثل هذا الموقف الظالم بشأن تلك البريئات لا يسع المجال لنقلها، ولكن يظهر ممّا نقله صعصعة بن ناجية ـ جد الفرزدق ـ: أنّ ذلك العمل الإجرامي كان شائعاً ورائجاً في غير واحدة من القبائل آنذاك، وإليك البيان:

إنّ صعصعة بن ناجية بن عقال كان يفدّي المؤودة من القتل، ولـمـّا أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا رسول الله إنّي كنت أعمل عملاً في الجاهلية، أفينبغي ذلك اليوم ؟ قال: وما عملك ؟ فقال: إنّه حضر ولادة امرأة من العرب بنتاً، فأراد أبوها أن يئدها، قال فقلت له: أتبيعها ؟ قال: وهل تبيع العرب أولادها ؟ قال: قلت إنّما أشتري حياتها ولا أشتري رقّها، فاشتريتها منه بناقتين عشراوين وجمل، وقد صارت لي سُنَّة في العرب على أن أشتري ما يئدونه بذلك فعندي إلى هذه الغاية ثمانون ومائتا مؤودة وقد أنقذتها.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لك أجره إذ منّ الله عليك بالإسلام(١) .

وقد ذكر الفرزدق إحياء جدّه للمؤودات في كثير من شعره كما قال:

ومنّا الذي منع الوائدات

وأحيى الوئيد فلم يؤدد(٢)

ويعرب عن شيوع هذه العادة الوحشيّة والمروّعة قوله سبحانه:

( وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ( الأنعام / ١٣٧ ).

وكذا قوله:( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) ( الأنعام / ١٤٠ ).

__________________

(١) بلوغ الارب: ج ٣ ص ٤٤.

(٢) المصدر نفسه.

٤٤

٩ ـ أكل الخبائث من الدماء والحشرات

كانت العرب تأكل لحوم الأنعام وغيرها من الحيوانات كالفأر والضب الوزغ، وتأكل من الأنعام ما قتلته بذبح ونحوه، وتأكل الميتة بجميع أقسامها أعني المنخنقة، والموقوذة، والمتردّية والنطيحة، وما أكل السبع، وكانوا يملؤون الأمعاء من الدم ويشوونه ويطعمونه الضيف، وكانوا إذا أجدبوا جرحوا إبلهم بالنصال وشربوا ما يسيل منها من الدماء.

هذا ورغم أنّه مضى على ظهور التشريع الإسلامي إلى الآن أربعة عشر قرناً كثيراً من الاُمم غير المسلمة تأكل أصناف الحيوانات حتّى الكلب والهر، بل والديدان والأصداف، وقد اتّخذ الإسلام بين هذا وذاك طريقاً وسطاً، فأباح من اللحوم ما تستطيبه الطباع المعتدلة من بني الإنسان، فحلّل من البهائم الضأن والمعز والبقر والإبل، وكرّه أكل لحوم الفرس والحمار، وحلّل من الطيور غير ذات الجوارح ممّا له حوصلة ودفيف ولا مخلب له، كما حلّل من لحوم البحر بعض أنواع السمك، واشترط في كل واحد من هذه اللحوم نوعاً من التذكية.

والإمعان في الآية التالية يقودنا إلى أنّ العرب كانت تفقد نظام التغذية، أو كانت تتغذّى من كلّ ما وقعت عليه يدها من اللحوم، كما أنّها كانت تفقد الطريقة الصحيحة لذبح الحيوان، فكانوا يقتلونه بالتعذيب بدل ذبحه، وإليه يشير قوله سبحانه:

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ) ( المائدة / ٣ ).

فقد كانوا ينتفعون من الميتة والدم ولحم الخنزير والمذبوح باسم الأصنام والأوثان.

كما كانوا يستفيدون من « المنخنقة » وهي التي تدخل رأسها بين شعبتين من

٤٥

شجرة فتختنق فتموت أو تخنق بحبل الصائد، « والموقوذة » وهي التي تضرب حتّى تموت، « والمترديّة » وهي التي تقع من جبل أو مكان عال أو تقع في بئر، « والنطيحة » وهي التي ينطحها غيرها فتموت.

١٠ ـ التقسيم بالأزلام

كان التقسيم بالأزلام ميسراً رائجاً بينهم، وكان لهذا العمل صبغة الدين، وقد اختلفوا في تفسيره على قولين:

١ ـ قالوا: المراد طلب قسم الأرزاق بالقداح التي كانوا يتفائلون بها في أسفارهم، وابتداء أُمورهم، وهي سهام كانت في الجاهليّة مكتوب على بعضها: « أمرني ربّي »، وعلى بعضها « نهاني ربّي »، وبعضها غفل لم يكتب عليه شيء، فإذا أرادوا سفراً أو أمراً يهتمّون به، ضربوا على تلك القداح، فإن خرج السهم الذي عليه « أمرني ربّي »، مضى الرجل في حاجته، وإن خرج الذي عليه « نهاني ربّي » لم يمض، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعاد.

٢ ـ روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين كيفيّة التقسيم بالأزلام بشكل آخر، فقال:

إنّ الأزلام عشرة، سبعة لها انصباء وثلاثة لا انصباء لها، فالتي لها انصباء: الفذ، التوأم، المسبل، النافس، الحلس، الرقيب، المعلى. فالفذ له سهم، والتوأم له سهمان، والمسبل له ثلاثة أسهم، والنافس له أربعة أسهم، والحلس له خمسة أسهم، والرقيب له ستّة أسهم، والمعلى له سبعة أسهم.

والتي لا انصباء لها: السفيح والمنيح والوغد.

وكانوا يعمدون إلى الجزور فيجزّئونه أجزاء، ثمّ يجتمعون عليه فيخرجون السهام، ويدفعونه إلى رجل، وثمن الجزور على من تخرج له « التي لا انصباء لها »

٤٦

وهو القمار، فحرّمه الله تعالى(١) .

والتفسير الثاني أنسب لكون البحث في الآية عن اللحوم المحرّمة.

١١ ـ النسيء في الأشهر الحرم

لقد شاع في الألسن أنّ العرب لـمّا كانوا أصحاب غارات وحروب وكان استمرار الحروب والغارات مانعاً عن إدارة شؤون المعاش، عمدوا إلى تحريم القتال والحرب في الأشهر الأربعة المعروفة بالأشهر الحرم أعني: « رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرّم ».

والظاهر من بعض الآيات أنّ التحريم هذا كان مستنداً إلى تشريع سماوي، كما هو المستفاد من قول الله تعالى:

( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) ( التوبة / ٣٦ ).

فإنّ قوله( ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) إشارة إلى أنّه جزء من الدّين القيّم لا من طقوس العرب الجاهلي، ولعلّه كان سنّة من سنن النبي إبراهيم ورثتها عنه العرب.

وعلى كلّ تقدير فقد كان العرب يتدخّلون في هذا التشريع الإلهي فيؤخّرون الحرمة من الشهر الحرام إلى بعض الأشهر غير المحرّمة.

وبعبارة اُخرى كانوا يؤخّرون الحرمة، ولا يبطلونها برفعها من أساسها واصلها حفاظاً على السنّة الموروثة عن أسلافهم عن النبي إبراهيمعليه‌السلام .

فمثلاً كانوا يؤخّرون تحريم محرّم إلى صفر، فيحرّمون الحرب في صفر

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص ١٥٨ وما أشبه التقسيم بالأزلام بالعمل المعروف في عصرنا ب‍ « اليانصيب الوطني ».

٤٧

ويستحلّونها في محرّم فيمكثون على ذلك زماناً ثمّ يزول التحريم عن صفر ويعود إلى محرّم، وهذا هو المعنى بالنسيء ( أي التأخير ).

وكان الدافع وراء هذا النسيء هو انّهم أصحاب حروب وغارات، فكان يشقّ عليهم أن يمتنعوا عن القتال ثلاثة أشهر متوالية وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم، ولا يغزون فيها، ولهذا كانوا يؤخّرون تحريم الحرب في محرّم إلى شهر صفر، قال سبحانه:

( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ( التوبة / ٣٧ ).

روى أهل السير أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبة حجّة الوداع:

« ألا وانّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات، ذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم ورجب مضربين جمادى وشعبان »(١) .

والحديث يعرب عن شكل آخر للنسيء غير ما ذكرناه فإنّ ما ذكرناه كان مختصاً بتأخير حكم الحرب من محرّم إلى صفر، ولكن النسيء المستفاد من الحديث على وجه آخر وهو أنّ المشركين كانوا يحجّون في كل شهر عامين فحجّوا في ذي الحجة عامين، وحجّوا في محرّم عامين، ثمّ حجوا في صفر عامين، وكذا في بقيّة الشهور اللاحقة حتّى إذا وافقت الحجّ التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة ثمّ حجّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في العام القادم حجّة الوداع، فوافقت في ذي الحجة، فعند ذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته ».

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٢٢.

٤٨

١٢ ـ الربا ذلك الاستغلال الجائر

كان العرب الجاهليّون يرون البيع والربا متماثلين، ويقولون: « إنّما البيع مثل الربا » فيضفون الشرعيّة على الربا كإضفائها على البيع، ولكن شتّان ما بين البيع والربا، فإنّ الثاني ينشر القسوة والخسارة، ويورث البغض والعداوة، ويفسد الأمن والاستقرار، ويهيء النفوس للانتقام بأية وسيلة ممكنة ويدعو إلى الفرقة والاختلاف سواء كان الربا مأخوذاً من قبل الفرد أو مأخوذ من جانب الدولة.

وفي الثاني من المفاسد ما لا يخفى إذ أدنى ما يترتّب عليه تكديس الثروة العامّة، وتراكمها في جانب، وتفشّي الفقر والحرمان في الجانب الآخر، وظهور الهوّة السحيقة بين المعسرين والموسيرين بما لا يسدّه شيء.

ولسنا هنا بصدد بيان هذه المفاسد والمساوئ، لكن الهدف هو الإشارة إلى أنّ الربا كان من دعائم الاقتصاد الجاهلي، والقرآن نزل يوبّخ العرب على ذلك بوجه لا مثيل له، ويقول سبحانه:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) ( البقرة / ٢٧٨ و ٢٧٩ ).

ويقول سبحانه:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) ( البقرة / ٢٧٥ ).

والآية تشبّه آكل الربا بالممسوس المجنون، فكما أنّه لأجل اختلال قوّته المميّزة لا يفرّق بين الحسن والقبح، والنافع والضار، والخير والشر، فهكذا حال المرابي عند أخذ الربا، فلأجل ذلك عاد لا يفرّق بين الربا والبيع، ويقول:( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) مع أنّ الذي تدعو إليه الفطرة وتقوم عليه الحياة الإجتماعية للإنسان، هو أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغني عنه، بما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه.

٤٩

وأمّا إعطاء المال وأخذ ما يماثله بعينه، مع زيادة فهذا شيء يخالف قضاء الفطرة وأساس المعيشة، فإنّ ذلك يؤدِّي من جانب المرابي إلى إختلاس مال المدين، وتجمّعه عند المرابي وهذا المال لا يزال ينمو ويزيد، ولا ينمو إلّا من مال الغير، فهو في الانتقاص والانفصال من جانب، وفي الزيادة والانضمام من جانب آخر، ونتيجة ذلك هو ظهور الاختلاف الطبقي الهائل الذي يؤول إلى انقسام المجتمع إلى طبقتين: طبقة ثريّة تملك كل شيء، وطبقة فقيرة تفقد كل شيء، والأُولى تعاني من البطنة، والثانية تتضرر من السغب.

خاتمة المطاف

ونختم البحث بما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره من أنّه قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس ـ وهما من الخزرج ـ وكان بين الأوس والخزرج حرب قد بغوا فيها دهوراً طويلة، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث، وكانت الأوس على الخزرج، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعُتبة بن ربيعة، فنزل عليه فقال له: إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم. فقال عتبة: بعدت دارنا عن داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء.

قال: وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم ؟

قال له عتبة: خرج فينا رجل يدّعي أنّه « رسول الله » سفَّه أحلامَنا وسبَّ آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرّق جماعتنا.

فقال له أسعد: من هو منكم ؟

قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً.

وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم: النضير وقريظة وقينقاع: أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهجره المدينة لنقتلنّكم به يا معشر العرب.

٥٠

فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود.

فقال: فأين هو ؟ قال: جالس في الحجر وإنّهم لا يخرجون من شعبهم إلّا في الموسم فلا تسمع منه ولا تكلَّمه فإنّه ساحر يسحرك بكلامه، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب.

فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر ؟ لابدّ أن أطوف بالبيت، فقال له: ضع في أُذنيك القطن.

فدخل أسعد المسجد وقد حشّى اُذنيه من القطن، فطاف بالبيت ورسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم فنظر إليه فجأة.

فلمّا كان الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل منّي أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا أعرفه حتّى أرجع إلى قومي فأخبرهم، ثمّ أخذ القطن من اُذنيه ورمى به، وقال لرسول الله: « أنعم صباحاً » فرفع رسول الله رأسه إليه وقال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا، تحيّة أهل الجنّة: السلام عليكم.

فقال أسعد: إنّ عهدي بهذا لقريب، إلى ما تدعو يا محمّد ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إلى شهادة اَن لاَ إلَه إلّا الله وإنّي رسولُ الله وأدعوكم:

١ ـ إلّاتُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .

٢ ـوَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .

٣ ـوَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ .

٤ ـوَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .

٥ ـوَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلّا بِالحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .

٦ ـوَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ .

٧ ـوَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالمِيزَانَ بِالْقِسْطِ .

٥١

٨ ـلا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلّا وُسْعَهَا .

٩ ـوَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ .

١٠ ـوَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الأنعام / ١٥١ و ١٥٢ ).

فلمّا سمع أسعد هذا قال: أشهد أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وإنّك رسول الله، يا رسول الله بأبي أنت وأُمّي، أنا من أهل يثرب من الخزرج، بيننا وبين إخواننا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك، فلا أحد أعزّ منك، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن ينعم الله لنا أمرنا فيه، والله يا رسول الله لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك، كانوا يبشّروننا بمخرجك ويخبروننا بصفتك وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك، وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلّا لنطلب الحلف على قومنا، وقد آتانا الله بأفضل ممّا أتيت له(١) .

إنّ هذا النص التاريخي يدفعنا إلى القول بأنّ رئيس الخزرج كان قد وقف على داء قومه العيّاء، ودوائه الناجع، وإنّ قومه لن يسعدوا أبداً بالتحالف مع هذا وذاك وشن الغارات وإن انتصروا على الأوس، وإنّما يسعدون إذا رجعوا إلى مكارم الأخلاق، وتحلّوا بفضائلها التي جاءت أُصولها في هاتين الآيتين اللتين تلاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر إسماعيل.

عرف وافد الخزرج على أنّ مجتمع يثرب ومن والاه قد أشرفوا على الدمار والإنهيار، لأجل أنّهم غارقين في غمرات الشرك، ووأد البنات، واقتراف الفواحش، وقتل النفس المحترمة، وأكل مال اليتيم، وبخس الأموال عند الكيل والتوزين، وترك العدل والقسط في القول والعمل، ونقض عهود الله إلى غير ذلك من الأعمال السيئة فلا يصلحهم إلّا إذا خرجوا عن شراك هذه المهالك والموبقات.

__________________

(١) أعلام الورى بأعلام الهدى: ص ٥٧، وللقصة ذيل جدير بالمطالعة وقد أخذنا منها موضع الحاجة.

٥٢

فخرج إلى يثرب ومعه مبعوث من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعني « مُصعبَ بن عُمير » فبشّر أهل يثرب بما عرف من الحقّ، وصار ذلك تمهيداً لقدوم الرسول الأكرم إلى بلده، بعد ما بعثوا وفوداً إلى مكّة ليتعرّفوا على رسول الله ويبايعوه على ما هو مذكور في السيرة والتاريخ.

فنقول: كان هذا هو موطن النبي ودار ولادته وهذه هي ثقافة قومه وحضارة بيئته، وهذه صفاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذه هي علومهم ومعارفهم، حروبهم وغاراتهم، عطفهم وحنانهم، كل ذلك يعرب عن إنحطاط حضاري، وإنحلال خلقي، كاد أن يؤدي بهم إلى الهلاك والدمار لو لا أن شاء الله حياتهم الجديدة وميلادهم الحديث.

وأين هذا ممّا جاء به القرآن الكريم والسنّة النبويّة من الدعوة إلى التوحيد، ورفض الأصنام والأوثان، وحرمة النفوس، والأعراض والأموال، والدعوة إلى العلم، والقراءة والكتابة، والحث على العدل والقسط في القول والعمل، والتجنّب عن الدعارة والفحشاء، ومعاقرة الخمر والميسر، فلو دلّ ذلك على شيء فإنّما يدل على أنّ ما جاء به من الأُصول لا يمتّ إلى بيئته بصلة.

هذا ما في الذكر الحكيم حول الوضع الإجتماعي والثقافي والعقائدي والعسكري للعرب في العصر الجاهلي وما كانوا عليه من حيرة وضلال، وسقوط وانهيار، فهلمّ معي ندرس وضع العرب الجاهلي عن طريق آخر وهو الإمعان في كلمات الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام الذي عاين الوضع الجاهلي بأُمّ عينيه، فقد قام الإمام في خطبه ورسائله وقصار كلماته ببيان أحوال العرب قبل البعثة، وما كان يسودهم من الوضع المؤسف، وبما أنّ الإمام هو الصادق المصدّق، نقتطف من كلامه في مجال الخطب والرسائل والكلم القصار ما يمتّ إلى الموضوع بصلة، وفي ذلك غنى وكفاية لمن أراد الحقّ:

٥٣

أ ـ الفوضويّة العقائديّة

١ ـ« وَأَهْلُ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقةٌ، وَأهْواءٌ مُنتَشِرَةٌ، وَطَرائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ للهِ بِخَلْقِهِ، اَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ اَوْ مُشِيرٍ إلى غَيْرِهِ، فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ وَاَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ » (١) .

٢ ـ« بَعَثَهُ والنَّاسُ ضُلَّالٌ فِي حَيْرَةٍ، وَحَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، واسْتَزَلَّتْهُمُ الكِبْرِيَاءُ، واسْتَخَفَّتْهُمُ الجَاهِلِيَّةُ الجَهْلاَءُ، حَيَارَىٰ فِي زَلْزَالٍ مِنَ الأَمْرِ، وَبَلاَء مِنَ الجَهْلِ فَبَالَغَ صلى‌الله‌عليه‌وآله فِي النَّصِيْحَةِ ومضَىٰ عَلَى الطَّرِيقَةِ وَدَعَا إلى الحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ » (٢) .

٣ ـ« والنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَزَمَ فِيْهَا حَبْلُ الدِّينِ، وتزَعْزَعَتْ سَوَارِي اليَقِينِ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ، وتشَتَّتَ الأَمْرُ، وَضَاقَ المَخْرَجُ، وَعَمِيَ المَصْدَرُ، فَالهُدَى خَامِلٌ، وَالعَمَى شَامِلٌ، عُصِيَ الرَّحْمنُ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ، وَخُذِلَ الاِيمَانُ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وتنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ، وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ. اَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ، بِهِمْ سَارَتْ اَعْلاَمُهُ، وقامَ لِوَاؤُهُ. فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِاَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بِاَظْلاَفِهَا، وقامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا، فَهُمْ فِيْهَا تَائِهُونَ، حَائِرُونَ، جَاهِلُونَ، مَفْتُونُونَ، في خَيْرِ دَارٍ وَشَرِّ جِيْرَانٍ، نَوْمُهُمْ سُهُودٌ، وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ، بِاَرْض عَالِمِهَا مُلْجَمٌ، وَجَاهِلُهَا مُكْرَمٌ » (٣) .

٤ ـ« واشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسُولُهُ، ابْتَعَثَهُ والنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ، وَيَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ، قَدْ قَادَتْهُمْ اَزِمَّةُ الحَيْنِ، واسْتَغْلَقَتْ عَلَى اَفْئِدَتِهِمْ اَقْفَالُ الرَّيْنِ » (٤) .

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ٩٥.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ٢.

(٤) نهج البلاغة، الخطبة ١٩١.

٥٤

٥ ـ« ثُمَّ اِنَّ الله سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بِالحَقِّ حِيْنَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الاِنْقِطَاعُ، واقْبَلَ مِنَ الآخِرَةِ الإِطِّلاعُ، واظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ اِشْرَاقٍ، وقَامَتْ بِاَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ، وازِفَ مِنْهَا قِيادٌ، فِي انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا، وَاقْتِرَاب مِنْ اَشْرَاطِهَا، وتصَرُّم مِنْ اَهْلِهَا، وانْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا، وانْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا، وَعَفَاءٍ مِنْ اَعْلاَمِهَا، وتكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا، وقِصَرٍ مِنْ طُولِهَا، جَعَلَهُ اللهُ بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ، وَكَرَامَةً لأمَّتِهِ، وربِيعاً لأهْلِ زَمَانِهِ، ورفْعَةً لأعْوَانِهِ، وَشَرَفاً لأنْصَارِهِ » (١) .

ب ـ الوضع الإجتماعي في العصر الجاهلي

٦ ـ« اَرْسَلَهُ عَلَى حِيْنِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَطُوْلِ هَجْعَةٍ مِنَ الاُمَمِ، واعْتِزَام مِنَ الفِتَنَ وانْتِشَارٍ مِنَ الاُمُورِ، وتلَظٍّ مِنَ الحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الغُرُورِ، عَلَى حِيْنِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وايَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا، واغْوِرَاءٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الهُدَى، وَظَهَرَتْ اَعْلاَمُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهِا ثَمَرُهَا الفِتْنَةُ، وَطَعَامُهَا الجِيْفَةُ، وَشِعَارُهَا الخَوْفُ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ، فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللهِ وَاذْكُرُوا تِيْكَ الَّتِي آبَاؤُكُمْ واخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ » (٢) .

ج ـ المستوى الثقافي لأهل الجاهلية

٧ ـ« وَلاَتَكُونُوا كَجُفَاةِ الجَاهِلِيَّةِ، لاَ فِي الدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ، وَلاَ عَنِ الله يَعْقِلُونَ، كَقَيْضِ بَيْضٍ فِي اَدَاحٍ يَكُونُ كَسْرُهَا وِزْراً ويخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً » (٣) .

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١٩٨.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ٨٩.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ١٦٦.

٥٥

٨ ـ« اَمَّا بَعْدُ فَاِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وَلَيْسَ اَحَدٌ مِنَ العَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَيَدَّعِي نُبُوَّةً، وَلاَ وَحْياً » (١) .

د ـ سيادة الوثنية

٩ ـ« فَبَعَثَ الله مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بِالحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ اِلَىٰ عِبَادَتِهِ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إلى طَاعَتِهِ بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَاَحْكَمَهُ » (٢) .

١٠ ـ« بَعَثَهُ حِينَ لاَعَلَمٌ قَائِمٌ، وَلاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ، وَلاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ » (٣) .

ه‍ ـ العصبية الجاهليّة

١١ ـ« اَضَاءَتْ بِهِ البِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ المُظْلِمَةِ، والجَهَالَةِ الغَالِبَةِ، وَالجَفْوَةِ الجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الحَرِيمَ وَيسْتَدِلُّونَ الحَكِيمَ، وَيحْيَونَ عَلَى فَتْرَةٍ، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَة » (٤) .

و ـ مأكلهم ومشربهم

١٢ ـ« اِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَاَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَاَنْتُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنْيِخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ، تَشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتأْكُلُونَ الجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ،

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١٠٤ و ٣٣.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ١٤٧.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ١٩٦.

(٤) نهج البلاغة، الخطبة ١٥١.

٥٦

وَتَقْطَعُونَ اَرْحَامَكُمْ، الاَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، والآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ » (١) .

ز ـ مكانة المرأة في الجاهلية

١٣ ـ كلامه في المرأة الجاهلية مخاطباً عسكره قبل لقاء العدوّ بصفّين:« وَلاَ تَهِيْجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً وَاِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ اُمَرَاءَكُمْ، فَاِنَّهُنَ ضَعِيفَاتُ القُوَى والاَنْفُسِ والعُقُولِ، اِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَاِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ المَرْأَةَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بِالفَهْرِ، أَوِ الهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ » (٢) .

( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ٢٦.

(٢) نهج البلاغة، الكتاب رقم ١٤ من وصيّته لهعليه‌السلام .

٥٧
٥٨

(٣)

ميلاد النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

أو

تبلّج النور في الظلام الحالك

إنّ التعرّف على حياة النبي يتوقّف على دراسة مراحل ثلاث تشكّل فصول عمره المبارك وهي:

١ ـ من ولادته إلى بعثته.

٢ ـ من بعثته إلى هجرته.

٣ ـ من هجرته إلى رحلته.

إنّ أصحاب السير والتواريخ درسوا الفصول الثلاثة على ضوء الروايات والأحاديث التي تلقّوها عن الصحابة والتابعين، ونحن ندرسها على ضوء القرآن الكريم، فنقول:

إتّفق المؤرخون على أنّ النبي الأكرم ولد عام الفيل، وهي السنة الّتي عمد أبرهة إلى تدمير الكعبة وهدمها ولكنّه باء بالفشل وهلك هو وجنوده بأبابيل، كما يحكي عنه قوله سبحانه:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ *وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ *تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ *فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ) ( الفيل / ١ ـ ٥ ).

ومن أراد الوقوف على تفصيل القصّة فعليه المراجعة إلى كتب السيرة والتفسير والتاريخ.

٥٩

ويظهر ممّا أخرجه مسلم أنّ هذا اليوم يوم مبارك، قال: إنّ أعربياً قال: يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الإثنين ؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه، واُنزل عليّ فيه(١) .

لم يذكر القرآن ما يرجع إلى المرحلة الاُولى من حياته إلّا شيئاً قليلاً نشير إليها إجمالاً:

١ ـ عاش يتيماً فآواه سبحانه.

٢ ـ كان ضالاًّ فهداه.

٣ ـ كان عائلاً فأغناه.

٤ ـ كما ذكر أسماءه في غير واحد من السور.

٥ ـ جاءت البشارة باسمه « أحمد » في الإنجيل.

٦ ـ كان أُمّياً لم يدرس ولم يقرأ ولم يكتب.

٧ ـ كان قبل البعثة مؤمناً موحّداً عابداً لله فقط.

فإليك البحث عن هذه الاُمور واحد بعد آخر:

١ ـ الإيواء بعد اليُتمْ

ولد النبيّ الأكرم من والدين كريمين فوالده عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.

واتّفقت الإماميّة والزيديّة وجملة من محقّقي السنّة على أنّه كان موحّداً مؤمناً.

ويستدل من صفاته المحمودة، وفضائله المرموقة، والأشعار المأثورة، على

__________________

(١) مسند أحمد: ج ٥ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٩، والسنن الكبرى للبيهقي: ج ٤ ص ٢٩٣، وصحيح مسلم ـ كتاب الصيام باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر: ج ١ ص ٩٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الإمام الهادي عليه السلام

كان هادياً إلى الدِّين وشريعة سيّد المرسلين، ونموذجاً لحسن أخلاق الطيّبين، ومهذباً لأصحابه على شكر النعم.

من ذلك ما في حديث أبي هاشم الجعفري قال: ـ

أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام..

فأذنَ لي، فلمّا جلست قال: ـ

يا أبا هاشم إنّ نِعَم الله عزّوجلّ عليك، تريد أن تؤدّي شكرها؟

قال أبو هاشم: فوجمتُ، فلم أدرِ ما أقول له.

فابتدأ عليه السلام فقال:

رزَقَك الإيمان فحرّم بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التبذّل.

يا أبا هاشم: إنّما ابتدأتك بهذا لأنّني ظننتُ أنّك تريد أن تشكو لي من فَعَل بك هذا، وقد أمرتُ لك بمائة دينار فخذها (1) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 129.

٨١

٨٢

الإمام العسكري عليه السلام

كان صاحب معالي الأخلاق الطيّبة حتّى مع أعداءه فضلاً عن مواليه، ففي حديث محمّد بن إسماعيل العلوي قال:

جلس أبو محمّد عليه السلام عند عليّ بن أوتاش وكان شديد العداوة لآل محمّد صلى الله عليه وآله، غليظاً على آل أبي طالب... فما أقام إلّا يوماً حتّى وضع خدّه له، وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرةً، وأحسنهم قولاً فيه (1) .

وهذا يدلّ على أجلّ محاسن الأخلاق التي يكنّ العدوّ له.

ومن ذلك تلاحظ سيرته الطيّبة حتّى مع أخيه جعفر التوّاب وذلك حين حبسه المعتمد العبّاسي، ففي الحديث أنّه حبسه مع أخيه جعفر عند سجّانه عليّ بن جرين.

قال: كان المعتمد يسأل عليّاً عن أخباره في كلّ وقت فيخبره أنّه يصوم النهار، ويصلّي الليل.

فسأله يوماً من الأيّام عن خبره فأخبره بمثل ذلك، فقال له: امض السّاعة إليه

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 3307.

٨٣

واقرئه منّي السلام، وقُل له: انصرف إلى منزلك مصاحباً.

قال عليّ بن جرين: فجئت إلى باب الحبس فوجدت حماراً مسرّجاً فدخلت عليه فوجدته جالساً وقد لبس خفّه وطيلسانه وشاشته ـ أي عمامته ـ فلمّا رآني نهض فأدّيت إليه الرسالة فركب.

فلمّا استوى على الحمار وقف.

فقلت له: ما وقوفك يا سيّدي؟

فقال لي: حتّى يجي جعفر.

فقلت: إنّما أمرنبي بإطلاقك دونه.

فقال لي: ترجع إليه فتقول له: خرجنا من دار واحدة جميعاً فإذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك ما لا خفاء به عليك فمضى وعاد، فقال له: يقول لك: قد أطلقت جعفراً لك لأنّي حبسته بجنايته على نفسه وعليك، وما يتكلّم به، وخلّى سبيله فصار معه إلى داره (1) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 314.

٨٤

الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف

وهو صفوة الصفوة من الاُسوة الباقية من رسول الله صلى الله عليه وآله في طيب الأخلاق، ومحاسن الفعال، وعظيم السجايا، مع الأولياء وغير الأولياء.

ففي قضيّة ياقوت الدهّان نقل المحدّث النوري عن المرحوم الشيخ علي الرشتي تلميذ الميرزا الشيرازي قال: ـ

رجعت مرّة من زيارتي أبي عبد الله عليه السلام عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات، فلمّا ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويريج، رأيت أهلها من أهل الحلّة، ومن طويريج يفترق، طريق الحلّة والنجف، واشتغل الجماعة باللّهو واللّعب والمزاح، رأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم، عليه آثار السكينة والوقار لا يمازح ولا يضاحك، وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم، فتعجّبت منه إلى أن وصلنا إلى محلّ كان الماء قليلاً فأخرَجنا صاحب السفينة منها فكنّا نمشي على شاطىء النهر.

فاتّفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه، وذمّهم إيّاه، وقدحهم فيه.

٨٥

فقال: هؤلاء من أقاربي من أهل السُّنّة، وأبي منهم واُمّي من أهل الإيمان، وكنت أيضاً منهم، ولكنّ الله مَنَّ عَليَّ بالتشيّع ببركة الحجّة صاحب الزمان عليه السلام.

فسألت عن كيفيّة إيمانه.

فقال: اسمي ياقوت وأنا أبيع الدّهن عند جسر الحلّة، فخرجت في بعض السنين لجلب الدّهن من أهل البراري خارج الحلّة، فبُعدت عنها بمراحل، إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت اُريده منه، وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلّة، ونزلنا في بعض المنازل ونُمنا، وانتبهت فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جميعاً، وكان طريقنا في بريّة قفر، ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها معموة إلّا بعد فراسخ كثيرة.

فقمت وجعلت الحمل على الحمار، ومشيت خلفهم فضلَّ عنّي الطريق، وبقيت متحيّراً خائفاً من السباع والعطش في يومه، فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الإعانة، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى، وتضرّعت كثيراً، فلم يظهر منهم شيء، فقلت في نفسي: إنّي سمعتُ من اُمّي أنّها كانت تقول: إنّ لنا إماماً حيّاً يُكنّى أبا صالح يرشد الضالّ، ويُغيث الملهوف، ويُعين الضعيف، فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني، أن أدخل في دين اُمّي.

فناديته واستغثت به، فإذا بشخص في جنبي، وهو يمشي معي، وعليه عمامة خضراء، قال رحمه الله: وأشار حينئذٍ إلى نبات حافّة النهر، وقال: كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات.

ثمّ دلّني على الطريق وأمرني بالدخول في دين اُمّي، وذكر كلمات نسيتها، وقال: ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة.

قال: فقلت: يا سيّدي أنت لا تجيىء معي إلى هذه القرية؟

فقال ما معناه: لا، لأنّه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد اُريد أن

٨٦

أغيثهم، ثمّ غاب عنّي.

فما مشيت إلّا قليلاً حتّى وصلت إلى القرية، وكان في مسافة بعيدة، ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم.

فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سيّد الفقهاء السيّد مهدي القزويني طاب ثراه، وذكرت له القصّة، فعلّمني معالم ديني، فسألت عنه عملاً أتوصّل به إلى لقائه عليه السلام مرّةً اُخرى، فقال: زُر أبا عبد الله عليه السلام أربعين ليلة الجمعة.

قال: فكنت أزوره من الحلّة في ليالي الجُمع إلى أن بقي واحدة، فذهبت من الحلّة في يوم الخميس، فلمّا وصلت إلى باب البلد، فإذا جماعة من أعوان الظّلَمة يطالبون الواردين التذكرة، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها، فبقيت متحيّراً والناس متزاحمون على الباب فأردت مراراً أن أتخفّى وأجوز عنهم، فما تيسّر لي، وإذا بصاحبي صاحب الأمر عليه السلام في زيّ لباس طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد، فلمّا رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه، وأدخلني من الباب فما رآني أحد، فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين الناس (1) .

هذه نُبذة يسيرة من دروسهم العمليّة في حُسن الخلق وطيب الأخلاق.

وأمّا دروسهم القوليّة في أحاديثهم السَنيّة، فقد بيّنوا أروع الدروس، وأبلغ المعالم في الأخلاقيّات ومكارم الصِّفات، نذكر جملة منها في الفصل القادم.

__________________

(1) جنّة المأوى المطبوع في بحار الأنوار / ج 53 / ص 294.

٨٧

٨٨

4 / الدروس الأخلاقيّة القوليّة لأهل البيت عليهم السلام

تظافرت وتواترت أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام في الحثّ والترغيب والأمر بحُسن الخلق، وتهذيب النفوس على مكارم الأخلاق.

نتبرّك بذكر نُبذة منها، روُيت في الكتب والمجامع المعتبرة، وجُمعت في ينابيع الحكمة (1) منها: ـ

1 ـ عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً (2) .

2 ـ عن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يوضع في ميزان امرئٍ يوم القيامة أفضل من حُسن الخُلق (3) .

3 ـ عن عنبسة العابد قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما يَقدِمُ المؤمن على الله عزّوجلّ بعملٍ بعد الفرائض أحبَّ إلى الله تعالى من أن يسع الناسَ بخُلقه (4) .

4 ـ عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ صاحب الخُلق

__________________

(1) ينابيع الحكمة / ج 2 / ص 251 إلى ص 268.

(2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 81 / ح 1.

(3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 81 / ح 2.

(4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 4.

٨٩

الحَسَن له مثل أجر الصائم القائم (1) .

5 ـ عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثر ما ثلج به اُمّتي الجنّة تقوى الله وحسن الخُلق (2) .

6 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: إنّ الخُلق يُميتُ الخطيئة كما تُميت الشمسُ الجليد (3) .

7 ـ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: البرّ وحُسن الخلق يعمّران الدِّيار، ويزيدان في الأعمار (4) .

8 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: إنّ الله تبارك وتعالى ليُعطي العبد من الثواب على حسن الخُلق كما يُعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح (5) .

9 ـ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ سوء الخُلق ليفسد العمل كما يفسد الخَلُّ العسل (6) .

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 5.

(2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 6.

(3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 7.

(4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 8.

(5) اُصول الكافي / ج 2 / ص 83 / ح 12.

ولا يخفى أنّ الغدوّ هو أوّل النهار، والرواح آخره.

وهذا بيان حال المجاهد في سبيل الله، يستمرّ له الثواب في أوّل النهار وآخره.

(6) اُصول الكافي / ج 2 / ص 242 / ح 1. واعلم أنّه ذكر العلّامة المجلسي قدس سره في المرآة ج 10 ص 260: وإيذائهم بسببٍ ضعيف أو بلا سبب، ورفض حقوق المعاشرة وعدم احتمال ما لا يوافق طبعه منهم.

وقيل: هو كما يكون مع الخلق يكون مع الخالق أيضاً، بعدم تحمّل ما لا يوافق طبعه من النوائب، والاعتراض عليه.

ومفاسده وآفاته في الدُّنيا والدِّين كثيرة منها: أنّه يفسد العمل بحيث لا يترتّب عليه ثمرته المطلوبة منه «كما يفسد الخلّ العسل» وهو تشبيه المعقول بالمحسوس، وإذا أفسد العمل أفسد الإيمان.

٩٠

10 ـ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله: أبى الله عزّوجلّ لصاحب الخُلق السيء بالتوبة.

قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟

قال: لأنّه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه (1) .

11 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: من ساء خُلقه عذّب نفسه (2) .

12 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: إنّ سوء الخُلق ليفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل (3) .

13 ـ في مواعظ النبيّ صلى الله عليه وآله: سوء الخُلق شوم (4) .

14 ـ وقال صلى الله عليه وآله: أفضلكم إيماناً أحسنكم أخلاقاً (5) .

15 ـ وقال صلى الله عليه وآله: حسن الخُلق يثبت المودّة (6) .

16 ـ وقال صلى الله عليه وآله: خياركم أحسنكم أخلاقاً، الذين يألِفون ويُؤلَفون (7) .

17 ـ وقال صلى الله عليه وآله: حسن الخُلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم.

فقيل له: ما أفضل ما اُعطي العبد؟

قال: حسن الخُلق (8) .

18 ـ وقال صلى الله عليه وآله: أقربكم منّي غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خُلقاً، وأقربكم من الناس (9) .

19 ـ في مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام: حسن الخُلق خيرُ قرين، وعنوان

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 242 / ح 2.

(2) الكافي / ج 2 / ص 242 / ص 4.

(3) الكافي / ج 2 / ص 242 / ح 3.

(4) و (5) تحف العقول / ص 37.

(6) ـ (8) تحف العقول / ص 38.

(9) تحف العقول / ص 38.

٩١

صحيفة المؤمن حسن خُلقه (1) .

20 ـ في مواعظ الإمام الصادق عليه السلام: حسن الخُلق من الدِّين، وهو يزيد في الرزق (2) .

21 ـ في مواعظ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: السخيّ الحسنُ الخُلق في كَنَفِ الله، لا يتخلّى الله عنه حتّى يدخله الجنّة، وما بعث الله نبيّاً إلّا سخيّاً، وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخُلق حتّى مضى (3) .

22 ـ عن الإمام الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بحسن الخُلق فإنّ حسن الخُلق في الجنّة لا محالة، وإيّاكم سوء الخُلق فإنّ سوء الخُلق في النار لا محالة (4) .

23 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حسن الخُلق نصف الدِّين (5) .

24 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اللّحمُ يُنبت اللّحم، ومن تركه أربعين يوماً ساء خُلقه، ومَن ساء خُلقه فأذّنوا في اُذنه (6) .

25 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.

وقال صلى الله عليه وآله: ما عمل أثقل في الميزان من حسن الخُلق، وإنّ العبد ليدرك بحسن الخُلق درجة الصالحين (7) .

26 ـ وقال صلى الله عليه وآله: لا يلقى الله عبد بمثل خصلتين: طول الصمت، وحسن الخُلق (8) .

__________________

(1) تحف العقول / ص 141.

(2) تحف العقول / ص 275.

(3) تحف العقول / ص 304.

(4) الوسائل / ج 12 / ص 152 / ب 104 من العشرة / ح 17.

(5) الوسائل / ج 12 / ص 154 / ح 27.

(6) الوسائل / ج 24 / ص 395 / ب 88 من آداب المائدة.

(7) المستدرك / ج 8 / ص 447 / ب 87 من كتاب العشرة / ح 20.

(8) المستدرك / ج 8 / ص 447 / ح 22.

٩٢

27 ـ وقال صلى الله عليه وآله: من سعادة المرء حسن الخُلق، ومن شقاوته سوء الخُلق (1) .

28 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه سُئل عن أدوم الناس غمّاً؟

قال: أسؤوهم خُلقاً (2) .

29 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله (في حديث): وسوء الخُلق زمامٌ من عذاب الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الشيطان يجرّه إلى الشرّ، والشرّ يجرّه إلى النار (3) .

30 ـ عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم (4) .

31 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفضل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام لنوف: يا نوف، صِل رحمك يزيد الله في عمرك، وحسّن خلقك يخفّف الله حسابك (5) .

32 ـ عن الإمام جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً وأشدّكم تواضعاً، وإنّ أبعدكم منّي يوم القيامة الثرثارون وهم المستكبرون.

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أوّل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن خُلقه (6) .

33 ـ عن ابن محبوب عن بعض أصحابنا قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حدّ حسن الخُلق؟

__________________

(1) المستدرك / ج 8 / ص 447 / ح 24.

(2) المستدرك / ج 12 / ص 76 / ح 12.

(3) المستدرك / ج 12 / ص 76 / ح 11.

(4) بحار الأنوار / ج 71 / ص 383 / ح 19.

(5) بحار الأنوار / ج 71 / ص 383 / ح 20.

(6) بحار الأنوار / ج 71 / ص 385 / ح 26.

٩٣

قال: تليّن جانبك وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشرٍ حسن (1) .

34 ـ... قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيّئة الخُلق تُؤذي جيرانها بلسانها.

فقال: لا خير فيها، هي من أهل النار (2) .

35 ـ وقال أمير المؤمنين عليه السلام: حسن الخُلق في ثلاث: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسّع على العيال (3) .

36 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيراً رزقهم الرفق في المعيشة، وحسن الخُلق (4) .

37 ـ ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى النبيّ صلى الله عليه وآله رجلُ فقال: إنّ فلاناً مات فحفرنا له فامتنعت الأرض.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّه كان سيّىءَ الخُلق (5) .

38 ـ... قال أمير المؤمنين عليه السلام ربّ عزيزٍ أذلّه خُلقه، وذليلٍ أعزّه خُلقه (6) .

39 ـ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البُخل وسوء الخُلق (7) .

40 ـ من كلم أمير المؤمنين عليه السلام: ـ

في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق (8) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 71 / ص 389 / ح 42.

(2 و 3) بحار الأنوار / ج 71 / ص 394 / ح 63.

(4) بحار الأنوار / ج 71 / ص 394 / ح 67.

(5) بحار الأنوار / ج 71 / ص 395 / ح 75.

(6) بحار الأنوار / ج 71 / ص 396 / ح 79.

(7) بحار الأنوار / ج 73 / ص 297 / ح 5.

(8) بحار الأنوار / ج 78 / ص 53.

٩٤

41 ـ عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّا لنحبّ من كان عاقلاً فهماً، حليماً، مدارياً، صبوراً، صدوقاً، وفيّاً.

إنّ الله عزّوجلّ خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك، ومَن لم تكن فيه فليتضرّع إلى الله عزّوجلّ وليسأله إيّاها.

قال: قلت: جُعلت فداك وما هُنّ؟

قال: هنّ الورع، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، والحياء، والسخاء، والشجاعة، والغيرة، والبرّ، وصدق الحديث، وأداء الأمانة (1) .

42 ـ عن المفضل الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: عليكم بمكارم الأخلاق، فإنّ الله عزّوجلّ يحبّها.

وإيّاكم ومذامّ الأفعال فإنّ الله عزّوجلّ يبغضها (2) .

43 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لولده: ـ

إنّ الله عزّوجلّ جعل محاسن الأخلاق وُصلةً بينه وبين عباده فنحبّ أحدكم أن يمسك بخُلُق متّصلٍ بالله تعالى (3) .

44 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

الأخلاق منائح ـ أي عطايا ـ من الله عزّوجلّ.

فإذا أحبّ عبداً منحه خُلقاً حسناً، وإذا أبغض عبداً منحه خلقاً سيّئاً (4) .

45 ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: لو كنّا لا نرجو جنّة ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنّها ممّا تدلّ على سبيل

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 46 / ح 3.

(2) وسائل الشيعة / ج 15 / ص 199 / ح 8.

(3) المستدرك / ج 11 / ص 192 / ح 19.

(4) المستدرك / ج 11 / ص 193 / ح 20.

٩٥

النجاح، فقال رجل: فداك أبي وأمّي يا أمير المؤمنين، سمعتَهُ من رسول الله صلى الله عليه وآله؟

قال: نعم وما هو خيرٌ منه، لمّا أتانا سبايا طيّ، فإذا فيها جارية... فقالت:... أنا ابنة حاتم طيّ، فقال صلى الله عليه وآله: خلّوا عنها فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق (1) .

فقام أبو بردة فقال: يا رسول الله، الله يحبّ مكارم الأخلاق؟

فقال: يا أبا بردة، لا يدخل الجنّة أحدٌ إلّا بحسن الخُلق (2) .

46 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة الشريف.

روّضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة، فإنّ العبد المسلم يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم (3) .

47 ـ في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام:

وعوّد نفسك السماح، وتخيّر لها من كلّ خُلق أحسنه، فإنّ الخير عادة (4) .

48 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة، وإيّاكم والأخلاق الدنيّة فإنّها تضع الشريف، وتهدم المجد (5) .

49 ـ في حديث المعراج الشريف، ودخول النبيّ صلى الله عليه وآله الجنّة، ورؤيته ما كُتب على أبوابها قال: ـ

__________________

(1) وفي بحار الأنوار / ج 21 / ص 366 نقل عن محمّد بن إسحاق أنّه كساها رسول الله صلى الله عليه وآله وأعطاها نفقة، فخرجت مع ركب حتّى قدمت الشام، وأشارت على أخيها بالقدوم، فقدم وأسلم وأكرمه الرسول صلى الله عليه وآله وأجلسه على وسادةٍ رمى بها إليه بيده.

(2) المستدرك / ج 11 / ص 193 / ح 21.

(3) بحار الأنوار / ج 10 / ص 99.

(4) بحار الأنوار / ج 77 / ص 215.

(5) بحار الأنوار / ج 78 / ص 53.

٩٦

وعلى الباب الثامن منها مكتوب:

لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليٌّ وليّ الله، من أراد الدخول من هذه الأبواب الثمانية فليتمسّك بأربع خصال:

بالصدقة، والسخاء ـ أي الجود والكرم ـ، وحسن الأخلاق، وكفّ الأذى عن عباد الله (1) .

50 ـ من كلم أمير المؤمنين عليه السلام وحِكَمِهِ في فضل حسن الخلق، وذمّ سوء الأخلاق، قال: ـ

أطهرالناس أعراقاً أحسنهم أخلاقاً    (الغرر / ج 1 / ص 185 / ف 8 / ح 206)

أرضى الناس من كانت أخلاقه رضيّة  (ص 187 / ح 246)

حسن الخُلق للنفس وحسن الخَلق للبدن (ص 376 / ف 27 / ح 6)

حسن الخُلق أفضل الدِّين    (ح 7)

حسن الخُلق خير قرين، والعُجب داءٌ دفين      (ص 378 / ح 37)

حسن الخُلق من أفضل القِسم وأحسن الشيم   (ح 39)

حسن الخُلق أحد العطائين   (ص 379 / ح 48)

حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق    (ح 52)

حسن الأخلاق يُدِرّ الأرزاق، ويونس الرفاق    (ح 53)

حسن الخُلق رأس كل برّ      (ح 54)

حسن الخُلق يورث المحبّة ويؤكّد المودّة   (ص 380 / ح 61)

سوء الخُلق شؤم، والإسائة إلى المحسن لؤم       (ص 433 / ف 39 / ح 17)

سوء الخُلق شرّ قرين (الغرر / ج 1 / ص 433 / ف 39 / ح 18).

__________________

(1) مدينة المعاجز / ج 1 / 397.

٩٧

سوء الخُلق يُوحش القريب ويُنفِّر البعيد (ص 435 / ح 44)

سوء الخُلق نكد العيش، وعذاب النفس (ص 439 / ح 89)

سوء الخُلق يوحش النفس، ويرفع الاُنس (ح 90)

كلّ داء يداوى إلّا سوء الخُلق (ج 2 / ص 546 / ف 62 / ح 54)

كم من وضيع رفعه حسن خلقه       (ص 552 / ف 63 / ح 52)

من ساء خُلقه عذّب نفسه   (ص 617 / ف 77 / ح 156)

من ساء خُلقه ملّه أهله       (ص 625 / ح 307)

من ساء خُلقه ضاق رزقه     (ص 629 / ح 378)

ما أعطى الله سبحانه العبد شيئاً من خير الدُّنيا والآخرة إلّا بحسن خلقه وحسن نيّته

  (ص 750 / ف 79 / ح 217)

نِعْمَ الإيمان جميل الخُلق       (ص 774 / ف 81 / ح 67)

والله لا يعذّب الله سبحانه مؤمناً إلّا بسوء ظنّه، وسوء خلقه

   (ص 787 / ف 83 / ح 81)

لا يعيش لسيّىء الخلق        (ص 833 / ف 86 / ح 81)

لا قرين كحسن الخلق        (ص 834 / ح 113)

لا سُؤدد لسيّىء الخلق        (ص 837 / ح 161)

لا عيش أهنأ من حسن الخلق (ص 846 / ح 329)

لا وحشة أوحش من سوء الخلق        (ح 330)

الخُلق المحمود من ثمار العقل  (الغرر / ج 1 / ص 45 / ف 1 / ح 1327)

الخلق المذموم من ثمار الجهل  (ص 46 / ح 1328)

أحسن شيء الخُلق  (ص 175 / ف 8 / ح 18)

أكبر الحسب الخُلق (ح 38)

أقوى الوسائل حسن الفضائل (ص 181 / ح 153)

٩٨

أسوء الخلائق التحلّي بالرذائل (ص 182 / ح 154)

أحسن السناء الخُلق السجيح (ص 197 / ح 379)

أحسن الأخلاق ما حملك على المكارم (ص 206 / ح 473)

إن كنتم لا محالة متنافسين فتنافسوا في الخصال الرغيبة، وخلال المجد

  (ص 277 / ف 10 / ح 35)

إذا رأيت المكارم فاجتنب المحارم        (ص 315 / ف 17 / ح 95)

إذا كانت محاسن الرجل أكثر من مساويه فذلك الكامل، وإذا كان متساوي المحاسن والمساوي فذلك المتماسك، وإذا زادت مساويه على محاسنه فذلك الهالك

  (ص 328 / ح 202)

تنافسوا في الأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة يعظم لكم
الجزاء (ص 355 / ف 22 / ح 94)

رأس العلم التمييز بين الأخلاق، وإظهار محمودها، وقمع مذمومها

  (ص 413 / ف 34 / ح 44)

هي ذا محاسن أخلاق أهل البيت عليهم السلام في حديثهم بعد سيرتهم..

أكبر مدرسة إلهيّة لتهذيب النفس، وتحسين الخلق، والترغيب إلى كرائم السجايا، وتطهير الطوايا.

فيلزم علينا أن نستلهم من أعمالهم، ونستضيء بأقوالهم، للسير على خُطاهم الطيّبة، وصفاتهم الحسنة.

ونجتنب عن سوء الأخلاق، ونسعى لعلاج الأخلاق السيّئة بمثل:

1 / التفكّر في فضائل الأخلاق الحسنة وآثاره.

2 / التذكّر بمساوئ سوء الخلق وأضراره.

3 / ترويض النفس على حُسن الفعال، وتحسين الأفعال بالأخلاق الطيّبة،

٩٩

فإنّ أفضل الجهاد جهاد النفس.

وها نحن نستنير بأشعّة من أنوار هداهم، ولمعة من هدى أخلاقهم، في مدرستهم الأخلاقيّة، على ضوء الصحيفة المباركة السجّاديّة في دعائها الأخلاقي الذي يمثِّل أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله صاحب الخُلق العظيم، والاُسوة والقدوة لجميع المسلمين.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581