مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273266 / تحميل: 6501
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لقد مُلئ قلبي منه رُعباً

عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (إنَّ مسلم بن عقبة بايع الناس على أنَّهم عبيد ليزيد، ومَن أبى ذلك أمَرَّهُ مُسرف على السيف).

ونظر الناس إلى علي بن الحسين السجَّاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو، فأُتي به إلى مُسرف وهو مُغتاظ عليه، فتبرَّأ منه ومِن آبائه، فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه، وقال له: سَلني حوائجك، فلم يسأله في أحد مِمَّن قُدِّم إلى السيف إلاّ شفَّعه فيه، ثمَّ انصرف عنه.

وقيل لمسلم: رأيناك تسبُّ هذا الغُلام وسلفه، فلما أُتي به إليك رفعت منزلته؟!

فقال: ما كان ذلك لرأيٍ مِنِّي لقد مُلئ قلبي منه رُعباً (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤١

إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين

سمع علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوماً مِن أصحابه يسبُّون أهل الشام أيَّام حربهم بصِفِّين، فقال لهم: (إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين، ولكنَّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العُذر، وقلتم مكان سَبِّكم إيَّاهم:

اللَّهمَّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهْدِهم مِن ضلالتهم، حتَّى يعرف الحَقَّ مِن جَهله) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤٢

سُبْحان الله! تقذف أُمَّه؟!

قال عمرو بن نعمان الجُعفيِّ: كان لأبي عبد الله (عليه السلام) صَديق لا يكاد يُفارقه أين يذهب، فبينا هو يمشي معه في الحذائين، ومعه غُلام له سِنديٌّ يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يُريد غُلامه ثلاث مَرَّات فلم يره، فلمَّا نظر في الرابعة، قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟

قال فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يده فصكَّ بها جَبهة نفسه، ثمَّ قال: (سبحان الله! تقذف أُمَّه؟! قد كنتُ أرى أنَّ لك ورعاً، فإذاً ليس لك ورعٌ!).

فقال: جُعِلت فِداك! إنَّ أُمَّه سِنديَّة مُشركة.

فقال: (أما علمت أنَّ لكلِّ أُمَّة نكاحاً؟! تنحَّ عنِّي).

فما رأيته يمشي معه حتَّى فرَّق الموت بينهما (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤٣

الله يُحبُّ المُحسنين

كانت جارية لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام) تسكب له الماء، فسقط الإبريق مِن يدها، فشجَّه، فرفع رأسه إليها، فقالت:

إنَّ الله تعالى يقول: ( ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ... ) (آل عمران: 134).

فقال: (كظمت غيظي).

قالت: ( ... وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ... ) .

قال: (عفوتُ عنك).

قالت: ( ... وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ... ) .

قال: (اذهبي، فأنت حُرَّة لوجه الله) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٤

إصلاح ذات بَيْنِ المُوالين لأبي عبد الله

عن أبي حنيفة سائق الحاج قال:

مَرَّ بنا المُفضَّل وأنا وخَتني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثمَّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه، فأصلح بيننا بأربعمئة درهم، فدفعها إلينا مِن عنده، حتَّى إذا استوثق كلُّ واحدٍ مِنَّا مِن صاحبه.

قال: أما إنَّها ليست مِن مالي، ولكنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان مِن أصحابنا في شيءٍ أنْ أصلِح بينهما، وأفتديهما مِن ماله، فهذا مِن مال أبي عبد الله (عليه السلام) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٥

اتَّبع النبي لأفعاله الكريمة

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إنَّ عليَّاً صاحب رجلاً ذِميَّاً في طريق، فقال له: (الذِّمِّي أين تُريد يا عبد الله؟).

قال: أُريد الكوفة.

فلمَّا عدل الطريق بالذِّمِّي عدل معه عليٌّ، فقال الذِّمِّي له: أليس زعمت تُريد الكوفة؟!

قال: (بلى).

قال الذِّمِّي: فقد تركت الطريق.

قال عليٌّ (عليه السلام): (قد علمت).

فقال له: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟!

فقال له علي: (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيُّنا).

فقال له: هكذا أمركم؟!

قال: (نعم).

فقال الذِّمِّي: لا جَرَم، أنَّما اتَّبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة، وأنا أُشهدك أنِّي على دينك، فرجع الذِّمِّي مع عليٍّ، فلمَّا عرفه أسلم (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٦

صَدَّقَتني إذ كذَّبتم وآمنت بي إذ كفرتم

عن علي (عليه السلام) قال: ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة يوماً وهو عند نسائه وبكى، فقالت عائشة: ما يُبكيك على عجوز حمراء من عجائر بني أسد؟!

فقال: (صَدَّقتي إذ كذَّبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عَقمتم).

قالت عائشة: فما زلت أتقرَّب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذكرها (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٧

.. والله هذا يفي بدماء أهل الأرض!

قال أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام): (إنَّ رجلاً جاء إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) برجل يزعم أنَّه قاتل أبيه، فاعترف، فأوجب عليه القِصاص، وسأله أنْ يعفو عنه ليُعظِّم الله ثوابه، فكأنَّ نفسه لم تَطِبْ بذلك.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) للمُدَّعي للدَّم - الولي المُستحقُّ للقِصاص ـ: إنْ كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلاً فَهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذنب.

قال: يا بن رسول الله، له عليَّ حَقٌ، ولكنْ لم يبلغ أنْ أعفو عن قتل والدي.

قال: فتُريد ماذا؟

قال: أُريد القَود، فإنْ أراد لحَقِّه عليَّ أنْ أُصالحه على الدِّيَّة صالحته وعفوت عنه.

فقال علي بن الحسين: فماذا حَقُّه عليك؟

قال يا بن رسول الله: لقَّنني توحيد الله ونبوَّة محمد رسول الله وإمامة عليٍّ والأئمَّة.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): فهذا لا يفي بدم أبيك؟! بلى - والله - هذا يفي بدماء أهل الأرض.

قال عليِّ بن الحسين للقاتل: أفتجعل لي ثواب تلقينك له حتَّى أبذل لك الدِّيَّة فتنجو بها مِن القتل؟

قال: يا بن رسول الله، أنا مُحتاج إليها وأنت مُستغنٍ عنها؛ فإنَّ ذنوبي عظيمة وذنبي إلى هذا المقتول أيضاً بيني وبينه لا بيني وبين وليِّه هذا.

قال علي بن الحسين (عليهما السلام): فتستسلم للقتل أحبُّ إليك مِن نزولك عن هذا التلقين قال: بلى - يا بن رسول الله ـ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٨

حاجة المؤمن رحمة مِن الله لمَن طُلِبت منه

عن إسماعيل بن عمار الصيرفي قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعِلت فِداك! المؤمن رحمة على المؤمن؟

قال: (نعم).

قلت: وكيف ذاك؟

قال: (أيُّما مؤمن أتى أخاه في حاجة، فإنَّما ذلك رحمة مِن الله ساقها إليه وسبَّبها له، فإنْ قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإنْ ردَّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها، فإنَّما ردَّ عن نفسه رحمة مِن الله جَلَّ وعَزَّ ساقها إليه، وسبَّبها له وذخر الله عَزَّ وجَلَّ تلك الرحمة إلى يوم القيامة حتَّى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إنْ شاء صرفها إلى نفسه، وإنْ شاء صرفها إلى غيره.

يا إسماعيل، فإذا كان يوم القيامة وهو الحاكم في رحمة مِن الله قد شُرعت له فإلى مَن ترى يَصرفها؟).

قلت: أظنَّ أنَّه لا يَصرفها عن نفسه.

قال: (لا تظنَّ، ولكنْ استيقن؛ فإنَّه لن يردَّها عن نفسه) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٤٩

خُذْها فإنِّي إليك مُعتذِر

قال الحسين (عليه السلام): (يا قَنبر، هل بقي مِن مال الحِجاز شيءٌ؟).

قال: نعم، أربعة آلاف دينار.

فقال: (هاتِها؛ جاءها مَن هو أحَقُّ بها منَّا).

ثمَّ نزع بُرْدَته ولفَّ الدنانير فيها، وأخرج يده مِن شَقِّ الباب؛ حياءً مِن الأعرابي وأنشأ:

خُذْها فإنِّي إليك مُعتذِر

واعلم بأنِّي عليك ذو شَفقة (1)

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٠

إيَّاكم والمُحقَّرات مِن الذنوب

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل بأرض قَرعاء ما بها مِن حَطب.

قال: فليأت كلُّ إنسان بما قَدِر عليه.

فجاءوا به حتَّى رموا بين يديه بعضه على بعضٍ.

فقال رسول الله: هكذا تجتمع الذنوب.

ثمَّ قال: إيَّاكم والمُحقَّرات مِن الذنوب؛ فإنَّ لكلِّ شيءٍ طالباً ألاَ وإنَّ طالبها يكتب) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥١

أنفقوا عليه مِن بيت المال

مَرَّ شيخ كبير مكفوف البصر يسأل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما هذا؟).

قالوا: نصرانيٌّ.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (استعملتموه حتَّى إذا كَبر وعَجز منعتموه! أنفقوا عليه مِن بيت المال) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٢

مَن زار أخاً في الله مُحبَّاً له فقد زار الله ووجبت له الجَنَّة

قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنَّ مَلَكاً لقيَ رجلاً قائماً على باب دار، فقال له: يا عبد الله، ما حاجتُك في هذه الدار؟

فقال: أخٌ لي فيها أردت أنْ أُسلِّم عليه.

فقال: بينك وبينه رَحمٌ ماسَّة أو نزعتك إليه حاجة.

فقال: ما لي إليه حاجة، غير أنِّي أتعهَّده في الله رَبِّ العالمين، ولا بيني وبينه رَحم ماسَّة أقرب مِن الإسلام.

فقال له المَلَك: إنِّي رسول الله إليك، وهو يُقرؤك السلام، ويقول لك:

إيَّاي زُرت، فقد أوجبتُ لك الجَنَّة.

وقد عافيتك مِن غَضبي ومِن النار، لحُبِّك إيَّاه فيَّ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٣

اتَّبع عليَّاً وحزبه فإنَّه مع الحَقِّ والحَقُّ معه

لمَّا كان يوم صِفِّين، خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: يا أخا رسول الله، أتأذن لي في القتال؟

قال: (مَهْلاً رحمك الله).

فلمَّا كان بعد ساعة أعاد (عليه السلام) فأجابه بمِثله.

فأعاد ثالثاً، فبكى أمير المؤمنين، فنظر إليه عمار.

فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّه اليوم الذي وصفني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزل أمير المؤمنين عن بَغلته، وعانق عمار، وودَّعه.

ثمَّ قال: (يا أبا اليقظان، جَزاك الله عن الله وعن نبيِّك خيراً، فنِعْمَ الأخُ كنت ونِعْمَ الصاحب كنت).

ثمَّ بكى (عليه السلام) وبكى عمار ثمَّ قال: والله - يا أمير المؤمنين - ما تبعتك إلاَّ ببصيرة، فإنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم حُنين:

(يا عمار، ستكون بعدي فِتنة وإذا كان ذلك فاتَّبع عليَّاً وحزبه؛ فإنَّه مع الحَقِّ والحَقُّ معه) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٤

لاستجابة الدعاء لا بُدَّ مِن الطريق الذي أمر الله به

عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) قال:

(مَرَّ موسى بن عمران برجل، وهو رافع يده إلى السماء يدعو الله، فانطلق موسى في حاجته، فغاب سبعة أيَّام، ثمَّ رجع إليه وهو رافع يده إلى السماء، فقال:

يا رب، هذا عبدك رافع يديه إليك يسألك حاجة مُنذ سبعة أيَّام لا تستجيب له.

[ قال: ] فأوحى الله إليه:

يا موسى، لو دعاني حتَّى تسقط يداه أو ينقطع لسانه ما استجبت له حتَّى يأتيني مِن الباب الذي أمرته) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٥

لا ترفع حاجتك إلاَّ إلى أحد ثلاثة..

جاء رجل مِن الأنصار يسأل أبا عبد الله حاجة، فقال (عليه السلام):

(يا أخا الأنصار، صِنْ وجهك عن بِذْلَة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإنِّي آتٍ فيها ما هو سارُّك إنْ شاء الله).

فكتب: يا أبا عبد الله، إنَّ لفلان عليَّ خمسمئة دينار وقد ألحَّ عليَّ، فكلِّمه يُنظرني إلى مَيسرة، فلمَّا قرأ الحسين (عليه السلام) الرُّقعة، دخل إلى منزله، فأخرج صُرَّة فيها ألف دينار، وقال (عليه السلام) له:

(أمَّا خمسمئة فاقض بها ذِمَّتك، وأمَّا خمسمئة فاستعن بها على دهرك؛ لا ترفع حاجتك إلاَّ إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دَيْن أو مُروءة أو حسب) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٦

إذا وجَدْنا بذلنا وإذا فقدنا شكرنا

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه مَرَّ يوماً على قوم، فرآهم أصحَّاء جالسين في زاوية المسجد، فقال (عليه السلام): (مَن أنتم؟).

قالوا: نحن المُتوكِّلون.

قال (عليه السلام): (لا، بلْ أنتم المُتأكِّلة، فإنْ كُنتم مُتوكِّلين، فما بلغ توكُّلكم؟).

قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا.

قال (عليه السلام): (هكذا تفعل الكلاب عندنا).

قالوا: فما نفعل؟

قال: (كما نفعل).

قالوا: كيف تفعل؟

قال (عليه السلام): (إذا وجَدْنا بذلنا، وإذا فقدْنَا شكرنا) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٧

لا تدعُ سِوى الله

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لمَّا أمر المَلِك بحبس يوسف في السِّجن، ألهمه الله تبارك وتعالى تأويل الرُّؤيا، فكان يُعبِّر لأهل السِّجن رؤياهم.

فقال صاحباه له: إنَّا رأينا رؤيا فعبِّرها لنا.

فقال: وما رأيتُما؟

قال أحدهما: إنِّي أراني أحمل فوق رأسي خُبزاً تأكل الطير منه.

وقال الآخر: إنِّي رأيت أنَّي أسقي المَلِك خمر.

ففسَّر لهما رؤياهما بما في الكتاب، ثمَّ قال - للذي ظنَّ أنَّه ناجٍ منهما ـ: اذكُرني عند رَبِّك.

قال: ولم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه، فلذلك قال الله تعالى: ( ... فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ... ) .

قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال الله ليوسف:

ألستُ الذي حبَّبتك إلى أبيك، وفضَّلتك على الناس بالحُسن؟! أوَ لستُ الذي سُقْت إليك السيَّارة وأنقذتك، وأخرجتك مِن الجُبِّ؟! أوَ لستُ الذي صرفت عنك كيد النِّسوة؟! فما حَمَلك على أنْ تدعو مَخلوقاً هو دوني؟! فالبث بما قلت بضع سنين ) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٨

.. وعِزَّتي وجَلالي لأقطعنَّ أمل كلِّ مؤمَّلٍ غيري

عن محمد بن عجلان قال: أصابتني فاقة شديدة وضائقة، ولا صديق لمَضيق، ولزمني دَيْنٌ ثقيل وغَريم يُلحُّ بقضائه، فتوجَّهت نحو دار الحسن بن زيد - وهو يومئذٍ أمير المدينة - لمعرفة كانت بيني وبينه، وشَعر بذلك مِن حالي محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين، وكانت بيني وبينه قديمُ معرفة، فلَقيني في الطريق، فأخذ بيدي، وقال لي: قد بلغني ما أنت بسبيله ولا تسعف بطلبتك، فعليك بمَن يقدر على ذلك وهو أجود الأجودين، فالتمسْ ما تؤمله مِن قِبَله، فإنِّي سمعت ابن عمِّي جعفر بن محمد (عليهما السلام) يُحدِّث عن أبيه عن جَدِّه، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه إليه: وعِزَّتي وجلالي، لأقطعنَّ أمل كلِّ مؤمَّل غيري بالإياس، ولأكسونَّه ثوب المَذلَّة ولأُبعدنَّه مِن فَرَجي وفَضلي، أيؤمِّل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي؟! أو يرجو سواي وأنا الغنيُّ الجَواد؟!).

فقلت له: يا ابن رسول الله، أعِدْ عليَّ هذا الحديث، فأعاده ثلاثاً، فقلت: لا والله، لا سألت بعد هذا حاجة، فما لبثت أنْ جاءني الله برزق وفضل مِن عنده (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٥٩

.. اللَّهمَّ لا تكلني إلى نفسي طَرفة عين أبد..

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت أُمِّ سَلمة في ليلتها، ففقدته مِن الفراش، فدخلها مِن ذلك ما يدخل النساء، فقامت تطلبه في جوانب البيت، حتَّى انتهت إليه، وهو في جانبٍ مِن البيت قائم رافع يديه يبكي، وهو يقول:

اللَّهمَّ، لا تنزع مِنَّي صالح ما أعطيتني أبداً.

اللَّهمَّ، ولا تكلني إلى نفسي طَرْفة عين أبداً.

اللَّهمَّ، لا تُشمِت بي عدوَّاً ولا حاسداً أبداً.

اللَّهمَّ، لا تُرِدْني في سوءٍ استنقذتني منه أبداً) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج2.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

سبحانه يعد التمسّك بحرمة الحرب فيها جزءاً من الدين القيّم ويقول:

( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ ) ( التوبة / ٣٦ ).

وبذلك يظهر ضعف سائر الأجوبة التي ذكرت في المقام فلا نطيل بذكرها.

٥ ـ ما هي الوثيقة التي بلّغها أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد تلاوة الآيات

لقد اختلفت الروايات في بيان صورة النصّ الذي تضمّن الإنذار السماوي في هذه الحادثة وإليك صوره المختلفة:

أ ـ أن لا يدخل مكّة مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوف بالكعبة عريان ولا تدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدّته، وفي بعض النصوص مكان مكّة لا يقرب المسجد الحرام مشرك.

ب ـ لا تدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة، ولا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه الخ.

ج ـ لا يقرب البيت بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا تدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة، وأن يتم كل ذي عهد عهده(١) ولكن بيان حصر استحقاق الجنّة في المسلم لم يكن شيئاً جديداً لم يعهد في صدر الرسالة، فعدّ ذلك في سياق الوثيقة لا يخلو من غرابة وغموض.

٦ ـ لماذا دفع الله سبحانه الأمان عن المشركين ؟

هذا هو السؤال الأكثر أهمّية في تفسير آيات هذه السورة وذلك أنّ الدعوة

__________________

(١) لاحظ تفسير الطبري: ج ٤٩ ص ٤٦ ـ ٤٧.

٤٨١

المحمّديّة كانت مبنية على أساس البراهين العقليّة والعلميّة كما كانت مبنيّة على رفع الإكراه في الدين.

قال سبحانه:( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ( البقرة / ٢٥٦ ).

مع أنّا نجد في هذه الآيات ما يعلن صريحاً مجابهة المشركين بلاهوادة ويخيّرهم بين طريقين لا ثالث لهما إمّا العزوف عن الشرك والدخول تحت لواء التوحيد وإمّا ترقّب الحرب بعد انقضاء أربعة أشهر من تاريخ بدء إعلان البراءة في قوله سبحانه:( بَرَاءَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ) .

وهذا هو الذي أثار تساؤل الكثير من المحقّقين والباحثين في العصور المتأخّرة ويمكن الجواب عنه بأحد وجهين:

١ ـ إنّ البراءة كانت مختصّة بالمشركين الذين كان لهم مع رسول الله عهد، ولكنّهم غدروا وخانوا ونقضوه. فلأجل ذلك لم يكن بد من رفض العهد المنقوض من جانبهم، وكانوا في كل زمن على أهبة الهجوم على المسلمين فلا يصحّ لقائد الإسلام السكوت وتركهم حتى يتآمروا على الإسلام والمسلمين وإليك تفصيل ذلك:

إنّ هذه الآيات ترفع الأمان عن الذين عاهدوهم من المشركين لأجل أنّهم لا وثوق بعهدهم بشهادة أنّهم لم يراعوا حرمة العهد ونقضوا ميثاقهم وقد أباح سبحانه في تلك الفتره إبطال العهد بالمقابل نقضاً بنقض قال سبحانه:

( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخَائِنِينَ ) ( الأنفال / ٥٨ ).

فأباح إبطال العهد عند مخافة الخيانة ولم يرض مع ذلك إلّا إبلاغ النقض إليهم لئلاّ يؤخذوا عن غفلة من أمرهم فيكون ذلك من الخيانة.

والدليل على أنّ ذلك الرفع لم يكن جزافاً هو أنّ الآيات استثنت المتثبين على العهد وقالت:( إلّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ ) ( التوبة / ٤ ).

٤٨٢

وقال أيضاً:( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إلّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ ) ( التوبة / ٧ ).

والآيات تصرّح بأنّ استسلامهم أمام قدرة المسلمين إنّما كان لما يعانونه من ضعف وذلّة، فلو سنحت لهم الأقدار وامتلكوا العدد والعدّة لعاودوا الهجوم على المسلمين وأبادوهم عن بكرة أبيهم وفي ذلك يقول سبحانه:( كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ) ( التوبة / ٨ ).

وقال سبحانه في موضع آخر:( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( التوبة / ١٣ ).

فكل هذه الآيات التي تلوناها عليك وما لم نتلوه صريح في أنّ رفع الأمان كان مختصّاً بلفيف من المشركين الذين كان بينهم وبين الرسول عهد وميثاق ولكنّهم قد نقضوا تلك العهود والمواثيق فحقّت عليهم كلمة العذاب وباؤوا بغضب من الله تعالى على غضب.

وأمّا الذين التزموا بمواثيقهم أو لم يكن بينهم وبين الرسول أي ميثاق وعهد وما كان يخشى منهم الخيانة والغدر والقتال للمسلمين فهؤلاء لا تشملهم هذه الآيات.

وأمّا ما هو واجب القائد الإسلامي أمام الطائفة الاُولى بعد انتهاء عهدهم أو ما هي وظيفته أمام الطائفة الثانية منهما ـ أعني من ليس له عهد بينه وبين القيادة الإسلامية ولا يتوقّع منه أيّة خيانة ـ فتفصيله وبيانه موكول إلى القسم السياسي من الفقه الإسلامي. وسنبيّن حكمه في البحث الآتي.

ثمّ إنّ في هذه الآيات دلالة صريحة على أنّ الإسلام كان يكنُّ للمشركين بما فيهم الناقضون للعهود، الشفقة والرحمة بأبعادهما المختلفة، نسوق إليك نموذجين منها:

٤٨٣

أ ـ إنّه إذا استجار المشرك لينظر فيما تندب إليه الدعوة الحقّة ويتبعها أن اتضحت له، كان من الواجب إجارته حتّى يسمع كلام الله ويرفع عن بصيرته غشاوة الجهل، وفي ذلك يقول سبحانه:( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ) ( براءة / ٦ ).

وما ذلك إلّا لأنّ صرح الدعوة الإسلامية يعتمد على ركيزة تهدف إلى انتشال الناس عن الغي والضلال والانحراف والفساد، ولازم ذلك بذل العناية المكثّفة في سبيل الوصول إلى هذه الغاية المنشودة وإن ضعف احتمال التأثير وقلّة نسبته.

ب ـ إنّ المشرك المتحرّف عن العهود والمواثيق لو أظهر التوبة والندامة وشهد على توبته قيامه بالفرائض الدينية كالصلاة والزكاة تقبل توبته ويعد في عداد المسلمين فيشمله من الحقوق ما للمسلمين، قال سبحانه:( فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ( التوبة / ١١ ).

هذا ما يرجع إلى توضيح هذه الآيات وبيان الأسرار التي تضمّنتها.

٢ ـ نحن نفترض أنّ البراءة كانت عامّة لجميع المشركين الذين يعيشون في ظل الحكومة الإسلامية وانّها لا تعترف بعد نزول هذه الآيات بدين الشرك أبداً، وإنّما تعترف بالشرائع الإلهية الإبراهيمية. وتصوّر أنّ ذلك لا يجتمع مع حريّة الإنسان في عقيدته وفكره، فكر خاطئ يظهر من البحث الآتي الذي عقدناه لبيان الجهاد الإبتدائي، جهاد دفاعي في الحقيقة وهو مع صلته بالموضوع بحث قرآني مستقل.

الجهاد الإبتدائي، جهاد دفاعي في الحقيقة

إنّ البحث عن آيات الجهاد وإن كان يحتاج إلى تأليف رسالة مفصّلة تبحث عن هذه الآيات، وتبيّن خصوصيّاتها ونكاتها غير أننّا إستكمالاً لما ذكرناه نقف عندها وقفة قصيرة حتّى يتّضح هدف الآيات، فنقول:

إنّ الآيات الواردة حول الجهاد وما يرتبط بها من قريب أو بعيد تنقسم إلى

٤٨٤

طوائف خمس لابدّ لكل مفسّر أن يلاحظ مجموعها قبل إتّخاذ الموقف، وتفسيرها، وإظهار الرأي فيها.

وإليك هذه الطوائف:

الاُولى: الآيات المطلقة التي تدعو إلى مطلق النضال والقتال، دون أن تقيّد ذلك بقيد، كقوله سبحانه:

( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) ( التوبة / ٢٩ ).

وقوله سبحانه:

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ ) ( التوبة / ٧٣ ).

فالآية الاُولى تدعو إلى مطلق النضال مع أهل الكتاب، والثانية تدعو إلى مطلق النضال مع الكفّار والمنافقين دون أن تقيّد مقاتلة هذه الطوائف والجماعات بقيد، وتعلّق الأمر بشيء مطلق يوجب مقاتلتهم كذلك. سواء أكانوا مقاتلين للمسلمين أم لا، وسواءً عارضوا الإسلام أم لا.

الثانية: الآيات التي تقيّد مقاتلة المشركين بقيد وهو قتال المسلمين والعدوان عليهم، كقوله سبحانه:

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ) ( البقرة / ١٩٠ ).

فالقتال ـ حسب هذه الآية ـ يجب إذا تعرّض المسلمون لعدوان الكفّار والمشركين، ولا يجب قتالهم إذا لم يكونوا مقاتلين.

وربّما قيّد القتال بقيد آخر وهو تهيّؤ العدو لنقض العهد، وهو بمعنى التعرّض لقتال المسلمين وبمثابة العدوان، فلأجل ذلك يجب على المسلمين مقاتلتهم ومحاربتهم. يقول سبحانه ـ بعد أمره بقتال المشركين في مطلع سورة التوبة ـ:

٤٨٥

( كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلّا وَلا ذِمَّةً ) ( التوبة / ٨ ).

ويقول سبحانه:

( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلّا وَلا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ ) ( التوبة / ١٠ ).

ويقول سبحانه:

( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ ) ( التوبة / ١٢ ).

إلى غير ذلك من الآيات التي توجب مقاتلة المشركين لنقضهم العهود المعقودة بينهم وبين المسلمين لأنّ نقض العهد بمثابة إعلان الحرب، وإرادة العدوان.

إنّ ملاحظة هذه الآيات تفيد أنّ القتال لم يشرع على الإطلاق بل لأجل سبب، وهو إرادة قتال المسلمين والعدوان عليهم، إمّا بصورة مباشرة وإمّا عن طريق نقض عهود المسالمة، والصلح الذي لا يعني إلّا إرادة القتال فيكون القتال هنا من باب الدفاع عن النفس.

ومن هنا تكون هذه الآيات مقيّدة لإطلاق الطائفة الاُولى.

ومن المعلوم أنّ المطلق يحمل على المقيّد ويؤخذ بكليهما حسب ما هو المقرّر في علم « اُصول الفقه ».

الثالثة: الآيات التي تدعو إلى إنقاذ المستضعفين ونجدة المظلومين وإخراجهم من ظلم الحكّام الجائرين، ودفع الضيم عنهم.

وهذا هو أيضاً نوع آخر من الدفاع إذ هو دفاع عن الغير

والمعتدى عليه ليس الإنسان نفسه، أو شعبه، بل هو شعب آخر مضطهد ولا يلزم أن يكون الاعتداء متوجّهاً إلى الإنسان: شخصه أو شخصيّته، أو قومه بل يكفي أن يكون الإعتداء على الإنسان بما هو إنسان، فعندئذٍ يجب في منطق العقل الدفاع عن حقوق الإنسان، لا عن حقوق الشخص وما يرتبط به فقط، بل يكون

٤٨٦

الدفاع عن حقوق الإنسان غير المرتبط بالمقاتل من أفضل أنواع الجهاد والدفاع، فإنّ ذلك إيثار وبذل للدم في سبيل حياة الآخرين، وأيّ عمل أقدس من هذا. ولأجل ذلك نرى أنّ الله سبحانه يفرض على المسلمين إغاثة المضطهدين ويقول:

( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ) ( النساء / ٧٥ ).

الرابعة: الآيات التي تدلّ على عدم الإكراه في الدين، لأنّ الدين عقيدة والعقيدة لا توجد بالإكراه كقوله سبحانه:

( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ( البقرة / ٢٥٦ ).

قيل إنّها نزلت في رجل من الأنصار يدعى أبا الحصين كان له ابنان فقدم تجّار الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلمّا أرادوا الرجوع من المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصّرا ومضيا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل الله تعالى:( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبعدهما الله هما أوّل من كفر، فوجد أبو الحصين في نفسه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين لم يبعث في طلبهما، فأنزل الله:( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) ( النساء / ٦٥ ).

وقيل: كانت امرأة من الأنصار تكون مقلاتاً(١) فترضع أولاد اليهود، فجاء الإسلام وفيهم جماعة منهم فلمّا اُجليت بنو النضير إذا فيهم اُناس من الأنصار فقالوا: يا رسول الله، أبنائنا واخواننا فنزلت:( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) فقال:

« خيّروا أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم وان اختاروهم فأجّلوهم »(٢) .

__________________

(١) المقلات: التي لا يعيش لها ولد.

(٢) مجمع البيان: ج ٢ ص ٣٦٣ ـ ٣٦٤.

٤٨٧

وكقوله سبحانه:

( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( النحل / ١٢٥ ).

وقوله سبحانه:

( وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) ( الكهف / ٢٩ ).

وقوله سبحانه:

( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ( يونس / ٩٩ ).

وقوله سبحانه:

( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ إلّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ *إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) ( الشعراء / ٣ و ٤ ).

إلى غير ذلك من الآيات الكاشفة عن حرّية الإعتقاد.

الخامسة: الآيات الداعية إلى الصلح والتعايش السلمي كقوله سبحانه:

( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) ( النساء / ١٢٨ ).

وقوله سبحانه:

( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) ( الأنفال / ٦١ ).

وقوله سبحانه:

( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) ( النساء / ٩٠ ).

ومن المعلوم أنّ الصلح المذكور في الآية الاُولى هو التعايش السلمي وليس الإستسلام والتسليم للظلم والعدوان.

إنّ للملاحظ والمتتبّع لهذه الآيات التي تدور حول الجهاد والقتال من قريب

٤٨٨

أو بعيد أن يتساءل:

إذا كان الإسلام ينشد الصلح والتعايش السلمي مع الطوائف وأهل الملل الاُخرى، كما تشهد بذلك الطائفة الخامسة، وإذا كان الإسلام يحترم العقيدة الاُخرى، ويمنع من إكراه أحد على تقبّل الإسلام واعتناقه كما تشهد على ذلك الطائفة الرابعة فكيف يمكن تفسير الآيات الحاثّة على القتال والمحاربة ؟

إنّ ملاحظة مجموع الآيات من الطوائف الخمسة تهدينا إلى الجواب الصحيح.

فإنّ القتال ـ بملاحظة الطائفة الثانية والثالثة ـ إنّما شرع لأجل الدفاع، وهذا الدفاع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

١ ـ الدفاع عن النفس فرداً أو شعباً.

٢ ـ الدفاع عن الغير ( أي المستضعفين والمضطهدين ) فرداً أو شعباً أيضاً.

٣ ـ الدفاع عن القيم الإنسانيّة، وهو يتحقّق بالجهاد ضد الحاكم المستبد المانع عن نفوذ الدعوة الإسلامية.

توضيحه: إذا كان الحاكم مستبدّاً مانعاً عن نفوذ دعوة الأنبياء والأولياء وملهيّاً لشعبه عن التوجّه إلى القيم الرفيعة التي جاء بها الأنبياء، ودافعاً لهم نحو العقائد الخرافية التي تعتبر سدّاً أمام السعادة الإنسانية، فعند ذلك يجب النضال ضد هذا الحاكم ونظامه لأمرين:

١ ـ إنّ الحاكم المستبد ظالم في نظامه، ومعتد على حقوق الشعب حيث سلب عنهم الحقوق الطبيعية وهي الحرّية في الدعوة والاستماع إليها، فعند ذلك يكون القتال معه قتالاً مع الظالم المعتدي.

٢ ـ إنّ الدفاع عن النفس والمال والشعب وما يرتبط به يعدّ جميلاً عند شعوب العالم. غير أنّ الملاك في كونه جميلاً إنّما هو لأجل كونه دفاعاً عن الحق والحقيقة، والدفاع عن الحريّة دفاع عن الحق، فالحاكم المستبد السالب للحريّة

٤٨٩

عن الأنبياء والشعوب يضاد عمله الحق والحقيقة فيحسن قتاله، ومحاربته لأجل تحكيم الحق ونصرته.

ومن هنا يكون الجهاد التحريري في حقيقته جهاداً دفاعياً. لأنّ ذلك الجهاد إنّما هو لأجل إنقاذ المستضعفين الذين تعرّضوا لعدوان وظلم الظالمين أو لأجل إنقاذ القيم والحقوق والمثل الإنسانية التي وقعت عرضة لمزاحمة المستكبرين والحكام المستبدّين، فأقاموا العراقيل في وجه الدعوة الإسلامية وسلبوا الناس حريتهم في اختيار العقيدة التي يريدونها.

وبهذا تبيّن أنّ الجهاد بأقسامه المختلفة جهاد دفاعي جوهراً، وإن كان ينقسم حسب الإصطلاح الفقهي إلى الدفاعي والإبتدائي.

وهاهنا نكتة نلفت إليها نظر القارئ الكريم وهي أنّ الآيات الاُولى التي نزلت في تشريع الجهاد تدلّ بأوضح الوجوه إلى أنّ الدافع إلى تشريع الجهاد هو الدفاع عن المسلمين وحقوقهم ولم يشرّع لأجل التجاوز والاعتداء على حقوق الآخرين، وإليك الآيات:

( إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ *أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) ( الحج / ٣٨ ـ ٤١ ).

وإليك هذه الدلالات:

١ ـ قوله سبحانه:( لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) يدلّ بوضوح إلى أنّ الكافر المقاتل خائن، وكل خائن معتد يجب محاربته.

٤٩٠

٢ ـ قوله سبحانه:( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ) يدلّ على أنّ المأذون في القتال مقاتَل ( بالفتح ) لا مقاتِل ( بالكسر ) فليس المسلم هو البادئ بالقتال بل الكافر هو البادئ، فعند ذلك يعدّ قتال المسلم دفاعاً.

٣ ـ قوله سبحانه:( بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) يدلّ بوضوح على أنّ القتال لأجل رفع الظلم.

٤ ـ قوله سبحانه:( أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ ) يدلّ على كونهم مشرّدين من ديارهم بغير سبب وأي ظلم أعظم من إبعاد الإنسان عن موطنه ؟!

٥ ـ قوله سبحانه:( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ ) يدلّ على أنّ الكافر لو ترك بحاله لهدّم البيوت المقدّسة وأماكن العبادة التي بنيت لعبادة الله سبحانه وتربية الناس وتزكيتهم، فيجب قتاله حتى لا يرتكب تلك الجريمة الأثيمة.

٦ ـ قوله سبحانه:( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ ) يشير إلى أنّ الغاية من تمكين المسلمين في الأرض هو إحياء المثل الإنسانية وهي عبارة عن إقامة الصلاة التي هي رمز لصلة الإنسان بالله سبحانه، وإيتاء الزكاة التي هي رمز للتعاون الإنساني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما كناية عن إقامة النظام الصحيح والنضال ضد كل نظام فاسد.

* * *

وقد تجلّت في ضوء هذا البحث حقيقة ناصعة هي من إحدى الحقائق القرآنية وهي أنّ تشريع الجهاد الإبتدائي أو التحريري لم يكن لأجل الاعتداء على حقوق الإنسان، بل كان لأجل الدفاع عن حقوق المستضعفين، وغيرهم.

ولـمّا بلغ الكلام إلى هنا، نرى أن نخوض في فلسفة الجهاد الإسلامي بصورتيه: الدفاعي والإبتدائي والدوافع إلى تشريعه وما يجب على المجاهد من رعاية اُصول وقيم في الجهاد. وهذا بحث مستقل أتينا به لمناسبة خاصّة.

٤٩١

(١٢)

الجهاد في الإسلام

دفاعيّاً أو تحريريّاً

يعتبر الجهاد في منطق الدين الإسلامي وسيلة إلى بقاء الدين، وإستمرار وجوده، بل وبقاء الاُمّة الإسلاميّة وصيانة كيانها من السقوط والانهيار ولابد للوقوف على هذه الحقيقة من تقديم مقدمة ضرورية، فنقول:

الجهاد ضرورة حياتية

عندما نطالع حياة الموجودات الحيّة نجد أنّها تقوم بثلاثة نشاطات تضمن بقاءها وحياتها.

وهذه النشاطات هي:

أوّلاً: التنفّس وجذب الغذاء المناسب.

ثانياً: التوالد والتكاثر، وهي صفة كلّ خليّة من خلايا الكائنات الحيّة.

ثالثاً: دفع الموانع، ودفع المزاحم وطرد المواد الزائدة، والمضرّة.

إنّ حياة كل كائن حي ملازمة لهذه النشاطات الثلاثة، بل ومدينة لها، فلا تخلو عنها ولا تفارقها.

ولـمّا كان الإسلام ظاهرة حياتية ـ وإن لم تكن ظاهرة ماديّة بل ظاهرة إلهية ـ فإنّه لا يخلو بدوره عن هذه النشاطات والفعاليّات الثلاث ولا يستغني عنها.

٤٩٢

فالدين الإسلامي بحاجة ـ في بقائه، واستمرار حياته ووجوده ـ إلى هذه الاُمور الثلاثة، وأخصّ بالذكر الأمر الثالث.

فإنّ الإسلام، لكونه رسالة إلهية منزلة لهداية البشريّة، يسعى إلى تغيير العادات والتقاليد البالية، والأوضاع الفاسدة والنظم الباطلة ولذلك من الطبيعي أن يواجه معارضة من يخالف هذا التغيير مصالحهم، ويتعارض مع أهدافهم ومطامعهم وعندئذٍ يجب على هذا الدين أن يقوم بدفع هذه الموانع ويكتسح تلكم الحواجز، ليمضي قدماً في اداء رسالته، وتحقيق أهدافه.

إنّ هناك فرقاً واضحاً بين ( المذهب الفلسفي ) و ( الدين الإلهي ).

فالفيلسوف، يكتفي ببحث الاُمور الفلسفية لمجرّد التوضيح، أو النقد وينشر أفكاره وتحليلاته بين الناس ليقفوا عليها ويعرفوها دون أن يرىٰ إلزامهم بشيء منها.

فهو لا يهمّه سوى طرح أفكاره والدفاع عنها بقاطع البرهان، وواضح الدليل.

وأمّا ( الدين الإلهي ) فليس مذهباً فلسفيّاً ليكتفي بمجرّد البيان والتوضيح ويحصر همّته في النقد والإشكال إنّما هو ثورة إصلاحية، وعملية تغييريّة تهدف إلى إقامة نظام صالح عادل فوق رُكام الأنظمة الفاسدة، والأوضاع المنحطّة.

وبديهي أنّه لا يتحقّق ذلك دون مواجهة الموانع، وقيام الصراعات والحروب، مع الجهات والقوى المعارضة لهذا التغيير.

فهل في العالم حركة تغييريّة إستطاعت تحقيق أهدافها دون خوض الصراعات الحامية، ودون نشوب الحروب وسقوط الضحايا، أو إراقة محجمة دم ؟

فهل إستطاعت ( الثورة الفرنسية ) أن تتجنّب إراقة الدماء ؟

وهل نجحت ( الثورة الروسية ) إلّا بعد سقوط الملايين من القتلى ؟

وهل حقّقت ( الثوره الهندية ) أهدافها إلّا عبر المئات من القرابين البشرية ؟

نعم إنّ ما يفترق به ( الجهاد الإسلامي ) عن الحروب الاُخرى التي تفرضها

٤٩٣

الحركات التغييريّة الاُخرى هو: تجنّب الإسلام عن الحروب، وإراقه الدماء قدر الإمكان، والقيام بذلك من باب الضرورة وفي حدود الإنسانية والرحمة.

هذا مضافاً إلى بقيّة الفوارق التي تتجسّد في أحكام ( الجهاد الإسلامي ) كما سيأتي تفصيلها.

وصفوة القول: إنّ أيّة ثورة إصلاحية وحركة تغييريّة تتطلّب ـ بحكم الضرورة ـ هذه المواجهات الساخنة، دفعاً للمزاحم ودفعاً للموانع والحواجز، وإلّا ماتت هذه الثورة في المهد، كما تموت الخليّة الحيّة إذا تركت ذلك.

ولهذا وصفه القرآن بأنّه وسيلة للحياة والبقاء والإستمرار إذ قال:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ( الأنفال / ٢٤ ).

وبعبارة واضحة، إنّ الإسلام نظام إجتماعي ثوري، لم ير العالم نظيره قطّ، فهو بما أنّه رسالة إلهية، تضمن سعادة البشر، يرى لنفسه حق التوسعة والتعميم.

ولأجل ذلك يسعى لرفع الموانع والحواجز بأسهل الطرق وأعدلها.

فيبتدئ بالتبلييغ والتعليم والبحث والمجادلة والتوجيه والإرشاد، فإذا رأى أنّ المانع لا يرتفع إلّا بقوّة قاهرة يسعى لرفع الموانع بتلك القوّة، وإليه يشير قوله سبحانه:

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ) ( البقرة / ١٩٠ ).

وليس هذا يختصّ بالدين الإسلامي بل كان هذا هو طريق الأنبياء ومنهاجهم في الدعوة إلى طريق الحق. وفي ذلك يقول سبحانه:

( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) ( الحديد / ٢٥ ).

٤٩٤

والكتاب والميزان إشارة إلى أنّهم كانوا يتوسّلون في بدء الأمر بأسهل الطرق، وهو تنوير الأفكار وإقناعها بمنطق العقل.

وأمّا إذا رأوا أنّ ذلك المنطق لا يجدي في رفع الموانع يتوسّلون بمنطق القوّة، فالحديد في الآية كناية عن ذلك المنطق، وحياة الأنبياء وتاريخهم خير شاهد على ذلك.

وها هنا نقطة اُخرى نلفت نظر القارئ الكريم إليها، وهي: إنّ الإسلام يريد أن يعمّم العدالة الإجتماعية في جميع مناحي الحياة.

ومن الطبيعي أنّ كل ثورة ـ من هذا القبيل ـ لا تضمن منافع جميع الطبقات بل ربّما تكون مضرّة بمصالح البعض كالطغاة والمستثمرين والمترفين، ولأجل ذلك كان المترفون يعارضون كل حركة إصلاحية إلهية ويصدّون عن وجه الحق. كما قال القرآن:

( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ) ( سبأ / ٣٤ ).

ولأجل ذلك يجب على صاحب الرسالة التوسّل بمنطق القوّة ( حين لا تجدي قوّة المنطق ) في رفع الحواجز والموانع، والتخلّص ممّن يسد طريق الحق والعدالة.

هذا وأشباهه تمثّل فلسفة الجهاد الإسلامي وتشريعه لنوعين من الجهاد ( الدفاعي والتحريري )، وخصائصهما، وأحكامهما: على نحو الإيجاز والإجمال.

الجهاد الدفاعي

والمراد من هذا الجهاد هو مقاتلة الأعداء المعتدين، دفاعاً عن النفس، والمال، وذبّاً عن الوطن والحرية، وذوداً عن الشرف والإستقلال.

إنّ الدفاع المذكور على قسمين:

٤٩٥

أوّلاً: الدفاع عن حوزة الإسلام.

ثانياً: الدفاع عن النفس والمال وما شابههما وأمّا البحث عن القسم الثاني فموكول إلى الكتب الفقهية المعدّة لتفصيل ذلك. ( راجع شرائع الإسلام الباب السادس في حدود المحارب من كتاب الحدود والتعزيرات، تجد فيه فروع وتفاصيل هذا المبحث ).

وأمّا القسم الأوّل فمنه ما إذا غشى بلاد المسلمين أو ثغورها عدوّ يخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمع المسلمين، فيجب عليهم الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس.

ولو خيف من زيادة الإستيلاء على بلاد المسلمين وتوسعة ذلك، وأخذ بلادهم، أو أسرهم، وجب الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة، كما لو خيف على حوزة الإسلام من الإستيلاء السياسي، والإقتصادي المنجرّ إلى أسرهم السياسي والإقتصادي، ووهن الإسلام والمسلمين وضعفهم يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومة السلبية المتنوّعة، فرض الحصار الإقتصادي على أمتعتهم وبضائعهم وترك استعمالها وترك المعاملة والمراودة معهم مطلقاً، إلى غير ذلك من أنواع المقاومة التي تختلف مع إختلاف نوع الإستيلاء، وإختلاف الظروف والمقتضيات.

هذا وقد وردت حول الدفاع عن النفس روايات وأحاديث منها:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قتل دون ماله فهو شهيد ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يبغض الله تعالى رجلاً يدخل عليه في بيته فلا يقاتل ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قتل دون مظلمته فهو شهيد »(١) .

وعلى كل تقدير فالجهاد الدفاعي جهاد شرّعه الإسلام عندما تتعرّض الاُمّة

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة: ج ١١ ص ٩١ ـ ٩٢، وقد وردت روايات مماثلة في المقام عن أهل البيت تركناها اختصاراً.

٤٩٦

الإسلامية لمهاجمة الأعداء، وعدوانهم وتصبح غرضاً لأطماعهم ومؤامراتهم.

وهذا ممّا تقتضيه طبيعة الحياة، وتحكم به الفطرة، ويحكم بحسنه وضرورته العقل السليم، كما تؤيّده كافّة المدارس والمذاهب الحقوقية والسياسية والإجتماعية.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الجهة الموجبة للجهاد والقتال بقوله:

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) ( البقرة / ١٩٠ ).

وقوله سبحانه:

( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( الحج / ٣٩ ـ ٤٠ ).

وعلى هذا الأساس كانت أغلب الحروب والغزوات التي قام بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ووقعت في حياته.

فهي كانت حروباً دفاعية قام بها المسلمون بقيادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره، دفاعاً عن حوزة الدين، وحياة المسلمين.

فإنّ غزوات بدر واُحد والأحزاب، إلى آخر الغزوات والحروب كانت لدفع الحملات التي كان يقوم بها الأعداء ضد المسلمين.

كما أنّ ( السرايا ) التي بعثها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت لأجل إطفاء نيران الفتن وإحباط المؤامرات التي كان يشعلها ويحيكها أعداء الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية للقضاء على الدين الجديد، واستئصال جذوره وهدم بنيانه.

* * *

٤٩٧

خصائص الجهاد الدفاعي

إنّ للجهاد الدفاعي في الإسلام حدوداً وأحكاماً تميّزه عن الحروب التي يقوم بها الآخرون في عالمنا المعاصر.

ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الخصائص ـ في آية واحدة ـ إذ قال سبحانه:

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ) ( البقرة / ١٩٠ ).

والخصائص التي ذكرتها هذه الآية هي باختصار:

أ ـ كون الجهاد في سبيل الله ( الهدف )

إنّ الجهاد والقتال يجب أن يكون لله تعالى، ولكسب رضاه سبحانه، لا لتوسيع السيطرة، ونشر النفوذ، وضم بلد إلى بلد.

وهذا هو أهم خصائص الجهاد الإسلامي.

نظراً لأهميّتها القصوى أكّد عليها القرآن الكريم في آيات متعدّدة، واعتبره الفرق الجوهري بين الحرب الإسلامية والحرب غير الإسلامية، وبين الجهاد الذي يقوم به المسلمون، والقتال الذي تمارسه دول العالم، والجماعات غير المسلمة المؤمنة، إذ يقول:

( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) ( النساء / ٧٦ ).

ولأجل ذلك يذمّ الله سبحانه كل قتال أو قيام يراد به التسلّط على حطام الدنيا ومتاعها ويقول سبحانه:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) ( النساء / ٩٤ ).

٤٩٨

ويقول سبحانه:

( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( الأنفال / ٦٧ ).

ويقول سبحانه:

( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) ( التوبة / ٤٢ ).

ب ـ القتال ضدّ المعتدي

إنّ القتال لا يجوز إلّا ضدّ الذين يقاتلون المسلمين، ويبدأونهم بعدوان.

وهو شرط في هذا النوع من الجهاد دون الجهاد التحريري، الذي سيوافيك تفصيله.

فالقتال أساساً شرع لصد العدوان ورد المعتدي، وإيقاف المتجاوز عند حدّه، ولهذا يأمر الإسلام أتباعه أن يكفّوا عن القتال إذا فعل العدو ذلك:

قال سبحانه:

( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) ( النساء / ٩٠ ).

ويقول في آية لاحقة:

( فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) ( النساء / ٩١ ).

على أنّ الجهاد الدفاعي ربّما يشرع أيضاً عندما يقوم العدو بنكث المواثيق، ونقض المعاهدات، وتعريض السلام المتّفق عليه للخطر، أو يقوم بطرد الشخصيات الإسلامية من مواطنهم، وتشريدهم ظلماً وعدواناً.

٤٩٩

فمن الأوّل يقول سبحانه:

( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) ( التوبة / ١٢ ).

وفي آية لاحقة يشير سبحانه إلى الأمر الثاني إذ يقول:

( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( التوبة / ١٣ ).

كما ويندرج تحت هذا مكافحة الإستعمار بكلّ أشكاله وألوانه التي سيوافيك تفصيل الكلام منها عند بيان السياسة الخارجيّة للحكومة الإسلاميّة.

ج ـ حد الجهاد وإطاره

إنّ القتال يجب أن يكون في إطار الحق والعدل ولا يتجاوز حدودهما. وهو شرط مشترك بين الدفاعي والتحريري ولـمـّا كان الإسلام دين الحق والعدل فإنّه أكّد على هذا الشرط أشد وأبلغ تأكيد، وصرّح ـ مثلاً ـ بأنّ القتال والعدوان يجب أن يماثل العدوان الواقع على المسلمين ولا يتجاوز مقداره، وإلّا عاد انتقاماً وخروجاً عن سنّة العدل فقال ـ في نفس الآية ـ:

( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ ) ( البقرة / ١٩٤ ).

والجدير بالذكر أنّ إرداف الأمر بالجهاد بالحثّ على التقوى يوحي بضرورة وجود صفة التقوى، وتقارنه مع الجهاد منعاً من تجاوز الحق والعدل.

فإنّ المقاتل غالباً تدفعه سورة الغضب إلى ارتكاب الجرائم والتعدّي عن الحق إلّا من خاف الله تعالى.

وقد أشار القرآن إلى ضرورة رعاية العدل والتقوى في جميع الأحوال بصورة

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581