مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن13%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273711 / تحميل: 6520
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بنود الصّلح

٢٢١
٢٢٢

واختلف المؤرخون اختلافا كثيرا فيمن بادر لطلب الصلح فأبن خالدون وجماعة من المؤرخين ذهبوا الى أن المبادر لذلك هو الامام الحسنعليه‌السلام بعد ما آل أمره الى الانحلال(1) ، وذهب فريق آخر الى أن معاوية هو الذي بادر لطلب الصلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد(2) ، وذكر السبط ابن الجوزي أن معاوية قد راسل الامام سرا يدعوه الى الصلح فلم يجبه ، ثم أجابه بعد ذلك(3) ، وأكبر الظن ان معاوية هو الذي استعجل الصلح وبادر إليه وذلك خوفا من العراقيين أن ترجع إليهم أحلامهم ، ويثوب إليهم رشدهم وذلك لما عرفوا به من سرعة الانقلاب وعدم الاستقامة على رأي ، ومما يدل على ان معاوية هو الذي ابتدأ في طلب الصلح ، خطاب الامام الحسن الذي ألقاه في المدائن فقد جاء فيه « ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة ».

__________________

(1) تاريخ ابن خالدون 2 / 186 ، وفي الاصابة انه لما طعن الامام بخنجر دعا عمرو بن سلمة الأرحبى وأرسله الى معاوية يشترط عليه ، وفي الكامل 3 / 205 قال لما رأى الامام الحسن تفرق الأمر عنه كتب الى معاوية ، وذكر ذلك ابن أبي الحديد 4 / 8.

(2) الارشاد ص 170 ، كشف الغمة ص 154 ، مقاتل الطالبيين ص 26

(3) تذكرة الخواص ص 206 ، وذكر الحاج احمد افندي في فضائل الأصحاب ص 157 انه يمكن الجمع بين الأخبار بأن معاوية أرسل له أولا في الصلح فكتب الحسن إليه ثانيا يطلب ما ذكر ، وأجملت بعض المصادر الأمر ، فقال اليعقوبي في تأريخه 2 / 192 : لما رأى الحسن أن لا قوة به وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالح معاوية ، وكذا ذكر غيره.

٢٢٣

ومهما يكن من شيء فان تحقيق ذلك ليس بذي أهمية ، لأن الامام إن كان هو الذي استعجل الصلح فلا ضير عليه نظرا للمحن الشاقة التي أحاطت به حتى ألجأته الى المسالمة ، وإن كان معاوية هو الذي استعجل الصلح فلا ضير على الامام أيضا لما أوضحناه في أسباب الصلح ، والمهم البحث عن الشروط التي اشترطها الإمام على خصمه.

فقد اختلف التأريخ فيها اختلافا فاحشا ، واضطربت كلمات المؤرخين فى ذلك ، وفيما يلي بعض تلك الاقوال.

1 ـ ذكر بعض المؤرخين ان الامام أرسل سفيرين الى معاوية ، هما عمرو بن سلمة الهمداني ، ومحمد بن الأشعث الكندي ليستوثقا من معاوية ويعلما ما عنده. فأعطاهما معاوية هذا الكتاب وهذا نصه :

« بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب للحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان ، إني صالحتك على ان لك الأمر من بعدي ، ولك عهد الله وميثاقه وذمته ، وذمة رسوله محمد (ص) ، وأشد ما أخذه الله على أحد من خلقه من عهد وعقد ، لا أبغيك غائلة ولا مكروها ، وعلى أن أعطيك في كل سنة ألف ألف درهم من بيت المال ، وعلى أن لك خراج پسا ودارابجرد ، تبعث إليهما عمالك ، وتصنع بهما ما بدا لك ». شهد بها عبد الله بن عامر ، وعمرو بن سلمة الكندي ، وعبد الرحمن بن سمرة ، ومحمد ابن الأشعث الكندي ، كتب في شهر ربيع الآخر سنة إحدى واربعين هجرية.

وتنص هذه الوثيقة على اعطاء معاوية للحسن ثلاثة أشياء :

1 ـ جعله ولي عهده.

2 ـ للإمام من بيت المال راتب سنوي ألف ألف درهم.

3 ـ منحه كورتين من كور فارس يرسل إليهما عماله ، ويصنع بهما ما شاء.

٢٢٤

واحتفظ الامام برسالة معاوية ، فأرسل إليه رجلا من بني عبد المطلب وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل وأمّه اخت معاوية فقال له : ائت خالك وقل له إن أمنت الناس بايعتك.

ولما انتهى عبد الله الى معاوية وعرض عليه مهمة الامام وهي طلب الأمن العام لعموم الناس ، استجاب له وأعطاه طومارا وختم في أسفله وقال له : فليكتب الحسن فيه ما شاء ، فجاء عبد الله بن الحارث بهذا التفويض المطلق الى الامام ، فكتب (ع) ما رامه من الشروط ، وسنذكر نص ما كتبه عند التعرض لبعض الروايات ، لأنه لا يختلف عنها ، وقد عول على هذه الرواية الدكتور طه حسين(1) .

2 ـ وروى كل من الطبري وابن الأثير صورة غير هذه وخلاصتها ان الامام راسل معاوية فى الصلح واشترط عليه امورا فان التزم بها ونفذها أجرى الصلح وإلا فلا يبرمه ، فلما وصلت رسالة الامام الى معاوية أمسكها واحتفظ بها ، وكان معاوية قبل ورود هذه الرسالة عليه قد بعث للامام صحيفة بيضاء مختوما في أسفلها ، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت وقد وصلت هذه الصحيفة الى الامام بعد ما بعث الى معاوية الوثيقة التي سجل فيها ما أراده ، وسجل الامام في تلك الصحيفة البيضاء اضعاف الشروط التي اشترطها أولا ثم أمسكها ، فلما سلم له الأمر طلب منه الوفاء بالشروط التي اشترطها أخيرا ، فلم يف له بها وقال له : « لك ما كنت كتبت إليّ أولا تسألني أن أعطيكه فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك ، فقال له الحسن (ع) : وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على

__________________

(1) الفتنة الكبرى 2 / 200.

٢٢٥

الوفاء بما فيه ، فاختلفا في ذلك ، فلم ينفذ للحسن من الشروط شيئا »(1) .

وهذه الرواية لم تذكر لنا الشروط التي اشترطها الامام « أولا » ولا ما سجله. « ثانيا » في الصحيفة البيضاء التي بعث بها معاوية إليه إلا أن أبا الفداء في تأريخه نص على الشروط الاولى التي اشترطها الامام فقال : « وكتب الحسن الى معاوية واشترط عليه شروطا وقال : إن أجبت إليها فأنا سامع مطيع ، فأجاب معاوية إليها ، وكان الذي طلبه الحسن أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ، وخراج دارابجرد من فارس ، وأن لا يسب عليا ، فلم يجبه الى الكف عن سب علي فطلب الحسن أن لا يشتم عليا وهو يسمع فأجابه الى ذلك ، ثم لم يف له به »(2) .

وعندي ان ما ذكره ابن الأثير والطبري بعيد عن الصحة كل البعد وذلك لأن الشروط التي اشترطها الامام أخيرا إن كانت ذات أهمية بالغة فلما ذا أهملها ولم ينص عليها في بداية الأمر؟ ولو اغمضنا النظر عن ذلك فأي فائدة فى تسجيلها مع عدم اطلاع معاوية عليها وإقراره لها ، مضافا لذلك ان معاوية في تلك المرحلة لو سأله الإمام أي شيء لأجابه إليه.

3 ـ وروى ابن عبد البر : « ان الإمام كتب الى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحا إلا أنه قال : أما عشرة انفس فلا أؤمنهم ، فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول : إني قد آليت متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده ، فراجعه الحسن إني لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا

__________________

(1) الكامل 3 / 205 ، الطبري 6 / 93.

(2) تأريخ ابي الفداء 1 / 192.

٢٢٦

أو غيره بتبعة ، قلت : أو كثرت! فبعث إليه معاوية حينئذ برق أبيض وقال : اكتب ما شئت فيه وأنا التزمه ، فاصطلحا على ذلك ، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده ، فالتزم ذلك كله معاوية »(1) .

وقد احتوت هذه الرواية على أن أهم ما طلبه الامام الأمن العام لعموم اصحابه واصحاب أبيه ، ولا شك ان هذا الشرط من أوليات الشروط وأهمها عند الامام أما ان الصلح جرى بهذا اللون فأنا أشك في ذلك.

4 ـ وذكر جماعة من المؤرخين ان الإمام ومعاوية اصطلحا وارتضيا بما احتوته الوثيقة الآتية وقد وقّع عليها كل منهما وهذا نصها :

بسم الله الرحمن الرحيم

« هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب ، معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على ان يعمل فيهم بكتاب الله ، وسنّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الصالحين ، وليس لمعاوية بن ابي سفيان ان يعهد الى احد من بعده عهدا ، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين ، وعلى ان الناس آمنون حيث كانوا من ارض الله فى شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم ، وعلى ان اصحاب علي وشيعته آمنون على انفسهم واموالهم ونسائهم واولادهم ، وعلى معاوية بن ابي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه ، وما أخذ الله على احد من خلقه بالوفاء ، وبما اعطى الله من نفسه ، وعلى ان لا يبغي للحسن بن علي ، ولا لأخيه الحسين ، ولا لأحد من اهل بيت رسول الله (ص) غائلة سرا ولا جهرا ، ولا يخيف احدا منهم في افق من الآفاق ، شهد عليه فلان ابن فلان بذلك ، وكفى

__________________

(1) الاستيعاب 1 / 370.

٢٢٧

بالله شهيدا »(1) .

وهذه الصورة افضل صورة وردت مبينة لكيفية الصلح فقد احتوت على امور مهمة يعود صالح الأكثر منها الى عموم المسلمين إلا انا نشك في ان ما احتوت عليه هذه الوثيقة هو مجموع ما طلبه الإمام واراده ، ونذكر فيما يلي مجموع الشروط التي ذكرها رواة الأثر وإن كان كل واحد منهم لم يذكرها بأسرها إلا ان بعضهم نص على طائفة منها ، والبعض الآخر ذكر طائفة اخرى ، وقد اعترف الفريقان ان ما ذكره كل واحد من الشروط ليس جميع ما اشترطه الإمام وإنما هي جزء من كل ، وها هي :

1 ـ تسليم الأمر الى معاوية على ان يعمل بكتاب الله ، وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) وسيرة الخلفاء الصالحين(3) .

2 ـ ليس لمعاوية ان يعهد بالأمر الى احد من بعده والأمر بعده للحسن(4)

__________________

(1) الفصول المهمة لابن الصباغ ص 145 ، كشف الغمة للإربلي ص 170 البحار 10 / 115 ، فضائل الأصحاب ص 157 ، الصواعق المحرقة ص 81.

(2) ذكرت هذه المادة في صورة المعاهدة التي ذكرناها ، وذكرها ابن ابي الحديد في شرح النهج 4 / 8.

(3) البحار 10 / 115 ، النصائح الكافية ص 159 ( الطبعة الثانية ) اخذه عن فتح الباري ، وصحيح البخاري.

(4) الاصابة 1 / 329 ، الطبقات الكبرى للشعراني ص 23 ، حياة الحيوان للدميري 1 / 57 ، تهذيب 2 / 229 ، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1 / 199 ، ذخائر العقبى ص 139 ، الامامة والسياسة 1 / 171 ، ينابيع المودة ص 293 ، وجاء فيه ان يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.

٢٢٨

فان حدث به حدث فالأمر للحسين(1) .

3 ـ الأمن العام لعموم الناس الأسود والأحمر منهم سواء فيه ، وان يحتمل عنهم معاوية ما يكون من هفواتهم ، وان لا يتبع احدا بما مضى ، وان لا يأخذ اهل العراق بإحنة(2) .

4 ـ ان لا يسميه امير المؤمنين(3) .

5 ـ ان لا يقيم عنده الشهادة(4) .

6 ـ ان يترك سب امير المؤمنين(5) وان لا يذكره إلا بخير(6) .

7 ـ ان يوصل الى كل ذي حق حقه(7) .

8 ـ الأمن لشيعة امير المؤمنين وعدم التعرض لهم بمكروه(8) .

9 ـ يفرق في أولاد من قتل مع ابيه في يوم الجمل وصفين الف الف درهم ، ويجعل ذلك من خراج دارابجرد(9) .

__________________

(1) عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب لجمال الحسني ص 52.

(2) الدينوري ص 200 ، مقاتل الطالبيين ص 26.

(3) تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 206.

(4) اعيان الشيعة 4 / 43.

(5) نفس المصدر.

(6) مقاتل الطالبيين ص 26 ، شرح النهج 4 / 15.

(7) الفصول المهمة لابن الصباغ ص 144 ، ومناقب ابن شهر اشوب 2 / 167.

(8) اعيان الشيعة 4 / 43 ، الطبري 6 / 97 ، علل الشرائع ص 81.

(9) البحار 10 / 101 ، تأريخ دول الإسلام 1 / 52 ، الامامة والسياسة ص 200 ، تاريخ ابن عساكر 4 / 221 ، وجاء فيه ان يعطيه خراج پسا ودارابجرد.

٢٢٩

10 ـ ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة(1) ويقضي عنه ديونه ويدفع إليه في كل عام مائة الف(2) .

11 ـ ان لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأهل بيت رسول الله (ص) غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف احدا منهم في افق من الآفاق(3) .

هذه بنود الصلح ومواده التي ذكرها رواة الأثر اما ان الإمام قد اشترطها كلها او بعضها فسوف نذكر ذلك عند دراسة الشروط وتحليلها ، وقبل ان نلقي الستار على هذا الفصل لا بد لنا من التعرض الى انه فى اي مكان جرى الصلح وفى اي زمان نفذ؟

مكان الصلح :

اما المكان الذي جرى فيه الصلح فقد كان في مسكن حسب ما ذكرته اوثق المصادر ، ففي تلك البقعة ابرم الصلح ونفذ امام جمع حاشد من الجيش العراقي والشامى ، وذهب بعض المؤرخين إلى انه وقع في بيت المقدس(4) ، وذهب بعض آخر إلى انه وقع بأذرح من ارض الشام(5) وهذان القولان من الشذوذ بمكان فلا يعول عليهما.

__________________

(1) تأريخ دول الإسلام 1 / 53.

(2) جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام ص 112.

(3) البحار 10 / 115 ، النصائح الكافية ص 160.

(4) تأريخ الخميس 2 / 323 ، دائرة المعارف للبستاني 7 / 38.

(5) تذكرة الخواص ص 206.

٢٣٠

عام الصلح :

وكما اختلف المؤرخون في المكان الذي وقع فيه الصلح فقد اختلفوا في الزمان أيضا ، فقد قيل : إنه كان سنة 41 هجرية فى ربيع الأول ، وقيل : فى ربيع الآخر ، وقيل : في جمادى الأولى ، وعلى الأول تكون خلافته خمسة أشهر ونصف ، وعلى الثاني فستة أشهر وأيام ، وعلى الثالث فسبعة أشهر وايام(1) ، وقيل : وقع الصلح سنة اربعين من الهجرة فى ربيع الأول(2) ، وقيل غير ذلك ، والأصح ان مدة خلافته كانت ستة اشهر حسب ما ذكره اكثر المؤرخين.

وعلى أي حال فقد اصطلح بعض المؤرخين على تسمية ذلك العام ـ الخالد في دنيا الأحزان ـ بتسميته بعام الجماعة ، نظرا لاجتماع كلمة المسلمين بعد الفرقة ، ووحدتهم بعد الاختلاف ، ولكن الحق ان هذه التسمية من باب تسمية الضد باسم ضده لأن المسلمين منذ ذلك العام قد وقعوا في شر عظيم ، وانصبت عليهم الفتن كقطع الليل المظلم ، حتى تغيرت معالم الدين ، وتبدلت سنن الإسلام ، وآلت الخلافة الإسلامية الى المصير المؤلم تنتقل بالوراثة من ظالم الى ظالم حتى اغرقت البلاد فى الدماء والماسي والشجون ، يقول الجاحظ : « فعندها استوى معاوية على الملك واستبد على بقية

__________________

(1) تأريخ أبي الفداء 1 / 193.

(2) تهذيب التهذيب 2 / 299 ، وجاء فى الاستيعاب ان الإمام سلم الأمر الى معاوية فى النصف من جمادى الاولى سنة 41 ه‍ وكل من قال : إنه كان سنة اربعين فقد توهم ، وفي تأريخ سينا ان الامام تنازل عن الخلافة في 26 ربيع الثاني سنة 41 ه‍.

٢٣١

الشورى ، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه ( عام الجماعة ) وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة ، والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكا كسرويا ، والخلافة منصبا قيصريا »(1) .

لقد انفتح باب الجور على مصراعيه منذ ذلك العام الذي تم فيه الملك الى ( كسرى العرب ) فقد لا فى المسلمون وخصوصا شيعة آل محمد (ص) من العناء والظلم والإرهاق ما لم يشاهد له التاريخ نظيرا فى فظاعته وقسوته يقول ابن أبي الحديد عما جرى على المسلمين بعد عام الصلح : « ولم يبق أحد من المؤمنين إلا وهو خائف على دمه أو مشرد في الأرض ، يطلب الأمن فلا يجده » ، وبعد هذا الظلم الشامل والجور المرهق هل يصح أن يسمى ذلك العام عام الجماعة والألفة؟

دراسة وتحليل :

ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر فى تحقيق الشروط التي اشترطها الإمام على معاوية ، كما لا بد من دراستها والإحاطة بها ـ ولو إجمالا ـ لأنها قد احتوت على امور بالغة الأهمية ، فقد الغمت نصر معاوية ببارود ، وعادت عليه بالخزي ، واخرجته من حكام العدل الى حكام الجور والظالمين.

اما الشروط التي ذكرت فانا نؤمن بجميعها سوى شرطين ، وهما : ان يكون للإمام ما في بيت مال الكوفة ، ومنحه راتب سنوي له ، ولأخيه

اما ( الاول ) فهو بعيد لأن ما في خزانة الكوفة من الأمتعة والأموال قد كانت تحت قبضة الإمام وبيده ، يتصرف فيها حيثما اراد ، ولم تكن

__________________

(1) الغدير 10 / 227.

٢٣٢

محجوبة عنه أو ممنوعة عليه حتى يشترط على معاوية أن يمكنه منها ، على أنا نشك ان خزانة الدولة قد احتوت على أموال كثيرة لأن سياسة أهل البيت تقضي بصرف المال فورا على ما خصصه الإسلام لها.

وأما ( الثاني ) فهو بعيد لأن الإمام كان في غنى عن أموال معاوية ، وليس بحاجة لها ، ولو سلمنا ذلك فانه لا ضير على الإمام من أخذها ، لأن انقاذ أموال المسلمين من حكام الجور أمر لازم كما سنوضحه عند التعرض لسفر الإمام الى دمشق ، والذي أراه أن معاوية قد أعطى الامام فى بداية الأمر هذين الشرطين ، فتوهم بعض المؤرخين أنهما من جملة الشروط التي اشترطها الإمام عليه.

وعلى أي حال ، فان تلك الشروط كانت تهدف الى طلب الأمن العام ، والسلم الشامل لجميع المسلمين ، وتدعوهم في نفس الوقت الى اليقظة والتحرر من الاستعباد الأموي ، كما دلت على براعة الإمام في الاحتفاظ بحقه الشرعي ، والتدليل على غصب معاوية له ، وإنه لم يتنازل له عن حقه ، اما محتويات الشروط فهي كما يلي :

1 ـ العمل بكتاب الله :

ولم يخل الإمام بين معاوية وبين المسلمين يتصرف في شئونهم حيثما شاء ، فقد أخذ عليه أن لا يعدو الكتاب والسنة في سياسته وسياسة عماله ، ولو كان يراه يسير على ضوء القرآن ، ويسير على منهج الإسلام لما شرط عليه ذلك ، وجعله من أهم الشروط الأساسية التي ألزمه بها.

٢٣٣

2 ـ ولاية العهد :

وعالج الإمام نقطة مهمة في تلك المعاهدة ، وهي مصير الخلافة الاسلامية بعد هلاك معاوية ، فقد شرط عليه أن تكون الخلافة له ولأخيه من بعده ، وصرحت بعض المصادر ان الامام اشترط عليه أن يكون الأمر شورى بين المسلمين بعد هلاك معاوية ، وعلى كلا القولين فقد أرجع الامام الخلافة الى كيانها الرفيع ، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه باتجاهاته السيئة ، وانه لا بد أن ينقل الخلافة الاسلامية من واقعها الى الملك العضوض ، ويجعلها في عقبه من شذاذ الآفاق والمجرمين ، فأراد الامام ايقاظ المجتمع ، وبعثه الى مناجزته إن قدم على ذلك.

3 ـ الأمن العام :

وأهم ما ينشده الإمام من تلكم الشروط هو بسط الأمن ، ونشر العافية بين جميع المسلمين سواء الأسود منهم والأحمر ، وقد دلّ ذلك على مدى حنانه وعطفه على جميع المسلمين ، كما نصت هذه المادة على أن لا يتبع أحدا بما مضى ، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة مما قد مضى ، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه بما سيعاملهم به من الارهاق والتنكيل انتقاما لما صدر منهم فى أيام صفين.

4 ـ عدم تسميته بأمير المؤمنين :

وفي رفض الامام (ع) تسمية معاوية بأمير المؤمنين تجربد له من

٢٣٤

السلطة الدينية عليه وعلى سائر المسلمين ، ولم يلتفت معاوية الى هذه الطعنة النجلاء ، فانه إذا لم يكن على الحسن أميرا لم تكن له بالطبع على المسلمين امرة أو سلطان ، وكان بذلك حاكم جور وبغي ، وقد جرده بذلك من منصب الامامة والخلافة ، وأثبت له الغصب لهذا المركز العظيم.

5 ـ عدم اقامة الشهادة :

وهذه المادة قد فضحت معاوية وأخزته ، ودلت على أنه من حكام الجور ، فان اقامة الشهادة حسب ما ذكره الفقهاء إنما تقام عند الحاكم الشرعي ، فهي من الوظائف المختصة به ، وإذا لم تصح إقامة الشهادة عند معاوية فهو ليس بحاكم عدل وإنما هو حاكم جور ، وحكام الجور لا يكون حكمهم نافذا ، ولا تصرفهم ماضيا عند الشرع ، ويجب على الأمّة أن تزيلهم عن هذا المنصب الذي انيط به حفظ الدماء ، وصيانة الاعراض ، وحفظ الأموال ، وفى هذا الشرط بيّن الامام أنه صاحب الحق ، وان معاوية غاصب له ،

6 ـ ترك سب أمير المؤمنين :

وأظهر (ع) بهذا الشرط تمادي معاوية فى الاثم ، فقد علم أنه لا يترك سبّ أمير المؤمنين والحطّ من كرامته ، فأراد (ع) أن يبيّن للمجتمع الاسلامى مدى استهتاره ، وعدم اعتنائه بشئون الإسلام وتعاليمه ، فان سب المسلم وانتقاصه قد حرّمه الاسلام ، ولكن ابن هند لم يقم للإسلام وزنا ، فقد أخذ بعد إبرام الصلح يسب أمير المؤمنين على رءوس الأشهاد

٢٣٥

كما سنبين ذلك عند التعرض لخرقه شروط الصلح. ولا يخفى أن الامام قد فضحه بهذا الشرط وأماط عنه الستر الصفيق الذي تستر به باسم الدين.

7 ـ الامن العام للشيعة :

كان الامام (ع) حريصا أشد الحرص على شيعته وشيعة أبيه ، فقد صالح معاوية حقنا لدمائهم ، وحفظا عليهم ، وقد اشترط على معاوية أن لا يتعرض لهم بمكروه وسوء ، وهذا الشرط عنده من أهم الشروط وأعظمها قال سماحة المغفور له آل ياسين : « واعتصم فيها ـ أي في المعاهدة ـ بالأمان لشيعته وشيعة أبيه وإنعاش أيتامهم ليجزيهم بذلك على ثباتهم معه ، ووفائهم مع أبيه ، وليحتفظ بهم امناء على مبدئه ، وانصارا مخلصين لتمكين مركزه ومركز أخيه يوم يعود الحق الى نصابه »(1) .

إن أغلب الشروط التي اشترطها الامام كانت تهدف لصالح شيعته وضمان حقوقهم وعدم التعرض لهم بأذى أو مكروه.

8 ـ خراج دارابجرد :

واشترط الامام على معاوية أموالا خاصة ينفقها على شيعته وشيعة أبيه وهي خراج دارابجرد(2) والوجه في هذا التخصيص إن الذي يجلب الى الدولة من الأموال يسمى بعضه بالفيء ، وهو المال المأخوذ من الأراضي

__________________

(1) صلح الحسن ص 258.

(2) دارابجرد : اراض واسعة بفارس على حدود الأهواز قد فتحها المسلمون عنوة.

٢٣٦

المفتوحة عنوة ، وهذا يصرف على المصالح العامة ، وعلى الشؤون الاجتماعية وذلك كتحسين الجيش ، وإنشاء المؤسسات وما شاكل ذلك من المشاريع الحيوية ، وقسم من الأموال يسمى ( بالصدقة ) وهي الضرائب المالية التي فرضها الاسلام في اموال مخصوصة وانواع من الواردات يدور عليها رحى سوق التجارة في العالم فرضها على الأغنياء تجلب منهم وتدفع الى الفقراء لمكافحة الفقر وقلع بذور البؤس ، فقد قال (ص) : « أمرت في الصدقة ان آخذها من اغنيائكم واردها فى فقرائكم » ، وقد كره الحسن ان يأخذ من هذه الأموال لنفسه أو لشيعته ، اما له فانها محرمة عليه لأن الصدقة حرام على آل البيت ، واما كراهة اخذها لشيعته فلأن اموال الصدقة لا تخلو من حزازة عليهم لأنها اوساخ الناس ، وقد كره (ع) ان يأخذ منها لشيعته ، وخصّ ما يأخذه لهم من دارابجرد ، لأنها قد فتحت عنوة ، وما فتح عنوة فهو ليس بصدقة ، وبذلك قد اختار لشيعته من الأموال ما هو ابعد عن الشبهة الشرعية وهي خراج دارابجرد التي هي للمسلمين وعلى الامام أن ينفقها على صالحهم.

9 ـ عدم البغى عليهم :

ومن مواد المعاهدة أن لا يبغي معاوية للحسن والحسين ، ولا لأهل بيت النبي (ص) غائلة ، ولا يخيف أحدا منهم ، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه بما سيبغيه لهم من الشر والمكر ، فكان من غوائله لهم أنه دس السم للإمام ـ كما سنبينه ـ فأراد الإمام بهذا الشرط وبغيره من بنود الصلح أن يكشف الستار عن معاوية ، ويبدي عاره وعياره ، وانه لا ذمة ولا حريجة له في الدين.

٢٣٧

هذه بعض بنود الصلح ، وقد حفلت بعناصر ذات أهمية بالغة دلت على براعة الإمام ، وقابلياته الفذة فى التغلب على خصمه ، يقول سماحة المغفور له آل ياسين فى هذه المعاهدة :

« ومن الحق أن نعترف للحسن بن علي على ضوء ما أثر عنه من تدابير ودساتير هي خير ما تتوصل إليه اللباقة الدبلوماسية لمثل ظروفه من زمانه وأهل زمانه بالقابليات السياسية الرائعة التي لو قدر لها أن تلي الحكم في ظرف غير هذا الظرف ، وفي شعب أو بلاد رتيبة بحوافزها ودوافعها لجاءت بصاحبها على رأس القائمة من السياسيين المحنكين ، وحكام الاسلام اللامعين ، ولن يكون الحرمان يوما من الأيام ، ولا الفشل في ميدان من الميادين بدوافعه القائمة على طبيعة الزمان دليلا على ضعف أو منفذا الى نقد ، ما دامت الشواهد على بعد النظر وقوة التدبير ، وسمو الرأي ، كثيرة متضافرة تكبر على الريب وتنبو عن النقاش.

وللقابليات الشخصية مضاؤها الذي لا يعدم مجال العمل ، مهما حدّ من تيارها الحرمان أو ثنى من عنانها الفشل ، وها هي من لدن هذا الرجل تستجد ـ منذ الآن ـ ميدانها البكر القائم على الفكرة الجديدة القائمة على صيانة حياة أمّة بكاملها في حاضرها ومستقبلها ، بما تضعه المعاهدة من خطوط وبما تستقبل به خصومها من شروط »(1) .

__________________

(1) صلح الحسن ص 257.

٢٣٨

موقف الإمام الحسين

٢٣٩
٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

الامبراطورية الايرانية ( الفارسية ) وقد بلغ من غضب هذه الامبراطورية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعاداتها لدعوته، أن أقدم امبراطور ايران « خسرو برويز » على تمزيق رسالة النبي، وتوجيه الإهانة إلى سفيره باخراجه من بلاطه، والكتابة إلى واليه وعميله باليمن بأن يوجّه إلى المدينة من يقبض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو يقتله إن امتنع.

و « خسرو » هذا وإن قتل في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنّ استقلال اليمن ـ التي رزحت تحت استعمار الامبراطورية الايرانية ردحاً طويلاً من الزمان ـ لم يغب عن نظر ملوك ايران آنذاك، وكان غرور اُولئك الملوك وتجبّرهم وكبرياءهم لا يسمح بتحمّل منافسة القوة الجديدة ( القوة الاسلامية ) لهم.

والخطر الثالث كان هو خطر حزب النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين كالطابور الخامس وعلى تقويض دعائم الكيان الاسلامي من الداخل إلى درجة أنّهم قصدوا اغتيال رسول الله، في طريق العودة من تبوك إلى المدينة.

فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخطر يقول في نفسه: إنّ الحركة الاسلامية سينتهي أمرها بموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورحيله، وبذلك يستريح الجميع(١) .

ولقد قام أبو سفيان بن حرب بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة إلى الاُمّة الاسلامية من الداخل، وذلك عندما أتى عليّاًعليه‌السلام وعرض عليه أن يبايعه ضدّ من عيّنه رجال السقيفة، ليستطيع بذلك تشطير الاُمّة الاسلامية الواحدة إلى شطرين متحاربين متقاتلين، فيتمكّن من التصيّد في الماء العكر.

ولكنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام أدرك بذكائه البالغ نوايا أبي سفيان الخبيثة، فرفض مطلبه وقال له كاشفاً عن دوافعه ونواياه الشريرة:

__________________

(١) لاحظ: الطور / ٣٠.

٥٢١

« والله ما أردت بهذا إلّا الفتنة، وإنّك والله طالما بغيت للإسلام شراً. لا حاجة لنا في نصيحتك »(١) .

ولقد بلغ دور المنافقين التخريبي من الشدّة بحيث تعرّض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي: سورة آل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والعنكبوت، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والمجادلة، والحديد، والمنافقين، والحشر.

فهل مع وجود مثل هؤلاء الأعداء الخطرين والأقوياء الذين كانوا يتربّصون بالاسلام الدوائر، ويتحيّنون الفرص للقضاء عليه، يصح أن يترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اُمّته الحديثة العهد بالإسلام، الجديدة التأسيس من دون أن يعيّن لهم قائداً دينياً سياسيا ؟

إنّ المحاسبات الاجتماعية تقول: إنّه كان من الواجب أن يمنع رسول الاسلام بتعيين قائد للاُمّة، من ظهور أيّ اختلاف وانشقاق فيها من بعده، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الاسلامية بايجاد حصن قوي وسياج دفاعي متين حول تلك الاُمّة.

إنّ تحصين الاُمّة، وصيانتها من الحوادث المشؤومة، والحيلولة دون مطالبة كل فريق « الزعامة » لنفسه دون غيره، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة، لم يكن ليتحقق، إلّا بتعيين قائد للاُمّة، وعدم ترك الاُمور للأقدار.

إنّ هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحة نظرية « التنصيص على القائد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » ولعلّ لهذه الجهة، ولجهات اُخرى طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في الأيام الاُولى من ميلاد الرسالة الإسلامية، وظلّ يواصل طرحها والتذكير بها طوال حياته حتى الساعات الأخيرة منها، حيث عيّن خليفته ونصّ عليه بالنصّ القاطع الواضح الصريح في بدء دعوته، وفي نهايتها أيضاً.

وإليك بيان كلا هذين المقامين:

__________________

(١) الكامل في التاريخ: ج ٢ ص ٢٢٢، العقد الفريد: ج ٢ ص ٢٤٩.

٥٢٢

١ ـ النبوّة والامامة توأمان

بغضّ النظر عن الأدلّة العقلية والفلسفية التي تثبت صحّة الرأي الأول بصورة قطعية، هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحة الموقف والرأي الذي ذهب إليه علماء الشيعة وتصدّقه، فقد نصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مراراً وتكراراً، وأخرج موضوع الإمامة من مجال الانتخاب الشعبي والرأي العام.

فهو لم يعيّن ( ولم ينص على ) خليفته ووصيه من بعده في اُخريات حياته فحسب، بل بادر إلى التعريف بخليفته ووصيه في بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد، سوى بضع عشرة من الأشخاص، وذلك يوم اُمر من جانب الله العلي القدير أن ينذر عشيرته الأقربين من العذاب الإلهي الأليم. وأن يدعوهم إلى عقيدة التوحيد قبل أن يصدع رسالته للجميع ويبدأ دعوته العامّة للناس كافة.

فجمع أربعين رجلاً من زعماء بني هاشم وبني المطّلب، ثمّ وقف فيهم خطيباً، فقال:

« أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ »

فأحجم القوم، وقام عليٌّعليه‌السلام وأعلن مؤازرته وتأييده له، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برقبته، والتفت إلى الحاضرين، وقال:

« إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم » (١) .

وقد عرف هذا الحديث عند المفسِّرين والمحدِّثين: ب‍ـــ « حديث يوم الدار » و « حديث بدء الدعوة ».

على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكتف بالنص على خليفته في بدء رسالته، بل صرّح في مناسبات شتّى في السفر والحضر، بخلافة

__________________

(١) تاريخ الطبري: ج ٢ ص ٢١٦، الكامل في التاريخ: ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣، وقد مرّ مفصّلاً في هذه الدراسة فراجع.

٥٢٣

عليّعليه‌السلام من بعده، ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الأهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير.

٢ ـ قصة الغدير

لـمـّا انتهت مراسيم الحج، وتعلّم المسلمون مناسك الحجّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرحيل عن مكّة، والعودة إلى المدينة، فأصدر أمراً بذلك، ولـمـّا بلغ موكب الحجيج العظيم إلى منطقة « رابغ »(١) التي تبعد عن « الجحفة »(٢) بثلاثة أميال، نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنطقة تدعى « غدير خم »، وخاطبه بالآية التالية:

( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ( المائدة / ٦٧ ).

إنّ لسان الآية وظاهرها يكشف عن أنّ الله تعالى ألقى على عاتق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مسؤولية القيام بمهمة خطيرة، وأي أمر اكثر خطورة من أن ينصّب عليّاًعليه‌السلام لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد ؟!

من هنا أصدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بالتوقف، فتوقفت طلائع ذلك الموكب العظيم، والتحق بهم من تأخر.

لقد كان الوقت وقت الظهيرة، وكان المناخ حارّاً إلى درجة كبيرة جداً، وكان الشخص يضع قسماً من عباءته فوق رأسه والقسم الآخر منها تحت قدميه، وصنع للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مظلّة وكانت عبارة عن عباءة اُلقيت على أغصان

__________________

(١) رابغ تقع الآن على الطريق بين مكّة والمدينة.

(٢) من مواقيت الاحرام وتنشعب منها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين.

٥٢٤

شجرة ( سمرة )، وصلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحاضرين الظهر جماعة، وفيما كان الناس قد أحاطوا به صعدصلى‌الله‌عليه‌وآله على منبر اُعدّ من أحداج الإبل وأقتابها، وخطب في الناس رافعاً صوته، وهو يقول:

« الحمدلله ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن أضلّ، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أنّ لا إله إلّا هو، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: أيّها الناس إنّي اُوشك أن اُدعى فاُجيب، وأنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون ؟ »

قالوا: « نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً ».

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور ؟ »

قالوا: بلى نشهد بذلك.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أللّهمّ اشهد ».

ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وإنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا ».

فنادى مناد: « بأبي أنت واُمِّي يا رسول الله وما الثّقلان ؟ »

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتاب الله سبب طرف بيد الله، وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به، والآخر عترتي، وانّ اللطيف الخبير نبّأني انّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ».

وهنا أخذ بيد « عليٍّ »عليه‌السلام ورفعها، حتى رؤي بياض اباطهما، وعرفه الناس أجمعون ثمّ قال:

« أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ »

٥٢٥

قالوا: « الله ورسوله أعلم ».

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه (١) .

أللّهمَّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبّه، وابغض من أبغضه، وأدر الحقّ معه حيث دار » (٢) .

فلمّا نزل من المنبر، استجاز حسّان بن ثابت شاعر عهد الرسالة في أنْ يفرغ ما نزل به الوحي في قالب الشعر، فأجازه الرسول، فقام وأنشد:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأكرم بالنبي مناديا

يقول فمن مولاكمُ ووليّكم

فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تَرَ منّا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا عليّ فانّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدقٍ مواليا

هناك دعا: أللّهم ! وال وليّه

وكن للّذي عادا عليّاً معاديا

مصادر الواقعة

هذه هي واقعة الغدير استعرضناها لك على وجه الإجمال، وهي بحق واقعة لا يسوغ لأحد انكارها بأدنى مراتب التشكيك والقدح، فقد تناولها بالذكر أئمّة المؤرّخين أمثال: البلاذري، وابن قتيبة، والطبري، والخطيب البغدادي، وابن عبد البر، وابن عساكر، وياقوت الحموي، وابن الأثير، وابن أبي الحديد، وابن خلكان، واليافعي، وابن كثير، وابن خلدون، والذهبي، وابن حجر العسقلاني، وابن صباغ المالكي ،

__________________

(١) لقد كرّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه العبارة ثلاث مرات دفعاً لأيّ إلتباس أو اشتباه.

(٢) راجع للوقوف على مصادر هذا الحديث المتواتر موسوعة الغدير للعلّامة الأميني ( ره ).

٥٢٦

والمقريزي، وجلال الدين السيوطي، ونور الدين الحلبي إلى غير ذلك من المؤرخين الذين جادت بهم القرون والأجيال.

كما ذكره أيضاً أئمة الحديث أمثال: الإمام الشافعي، وأحمد بن حنبل، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، وأبو يعلى الموصلي، والبغوي، والطحاوي، والحاكم النيسابوري، وابن المغازلي، والخطيب الخوارزمي، والكنجي، ومحب الدين الطبري، والحمويني، والهيثمي، والجزري، والقسطلاني، والمتقي الهندي، وتاج الدين المناوي، وأبو عبد الله الزرقاني، وابن حمزة الدمشقي إلى غير ذلك من أعلام المحدّثين الذين يقصر المقال عن عدّهم وحصرهم.

كما تعرض له كبار المفسّرين، فقد ذكره: الطبري، والثعلبي، والواحدي في أسباب النزول. والقرطبي، وأبو السعود، والفخر الرازي، وابن كثير الشامي، والنيسابوري، وجلال الدين السيوطي، والآلوسي، والبغدادي.

وذكره من المتكلّمين طائفة جمّة في خاتمة مباحث الإمامة وإن ناقشوا نقضاً وابراماً في دلالته كالقاضي أبي بكر الباقلاني في تمهيده، والقاضي عبد الرحمن الايجي في مواقفه، والسيد الشريف الجرجاني في شرحه، وشمس الدين الاصفهاني في مطالع الأنوار، والتفتازاني في شرح المقاصد، والقوشجي في شرح التجريد إلى غير ذلك من المتكلّمين الذين تعرّضوا لحديث الغدير وبحثوا حول دلالته ووجه الحجّة فيه.

واقعة الغدير ورمز الخلود:

أراد المولى عزّ وجلّ أن يبقى حديث الغدير غضّاً طرياً على مر الأجيال لم يُكدّر صفاء حقيقته الناصعة تطاول الأحقاب، وكرّ الأزمان، وانصرام الأعوام، ويرجع ذلك إلى اُمور ثلاثة:

١ ـ إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد هتف به في مزدحم غفير يربو على

٥٢٧

عشرات الآلاف عند منصرفه من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة والاعلان، وحوله جموع من وجوه الصحابه وأعيان الاُمة، وأمر بتبليغ الشاهد الغائب ليكونوا كافّة على علم وخبر بما تمّ ابلاغه.

٢ ـ إنّ الله سبحانه قد أنزل في تلك المناسبة آيات تلفت نظر القارئ إلى الواقعة عندما يتلوها وإليك الآيات:

أ ـ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ( المائدة / ٦٧ ).

وقد ذكر نزولها في واقعة الغدير لفيف من المفسِّرين يربو عددهم على الثلاثين، وقد ذكر العلّامة البحّاثة المحقق الأميني في كتاب الغدير نصوص عبارات هؤلاء، فمن أراد الاطّلاع عليها، فليرجع إليه.

ب ـ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) ( المائدة / ٣ ).

وقد نقل نزول الآية جماعة منهم يزيدون على ستة عشر.

ج ـ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ *لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ *مِّنَ اللهِ ذِي المَعَارِجِ ) ( المعارج / ١ ـ ٣ ).

وقد ذكر أيضاً نزول هذه الآية جماعة من المفسّرين ينوف على الثلاثين أضف إلى ذلك أنّ الشيعة عن بكرة أبيهم متّفقون على نزول هذه الآيات الثلاث في شأن هذه الواقعة(١) .

٣ ـ إنّ الحديث منذ صدوره من منبع الوحي تسابقت الشعراء والاُدباء على نظمه، وانشاده في أبيات وقصائد امتدّت وقعتها منذ عصر انبثاق ذلك النص في تلك المناسبة إلى عصرنا هذا، وبمختلف اللغات والثقافات، وقد تمكّن البحّاثة المتضلع العلّامة الأميني من استقصاء وجمع كل ما نظم باللغة العربية حول تلك

__________________

(١) راجع كتاب الغدير في شأن نزول هذه الآيات: ج ١ ص ٢١٤ و ٢١٧.

٥٢٨

الحادثة، والمؤمّل والمنتظر من كافة المحققين على اختلاف ألسنتهم ولغاتهم استنهاض هممهم لجمع ما نظم واُنشد في أدبهم الخاص.

وحصيلة الكلام: قلّما نجد حادثة تاريخية حظيت في العالم البشري عامّة، وفي التاريخ الإسلامي والاُمة الإسلامية خاصة بمثل ما حظيت به واقعة الغدير، وقلّما استقطبت اهتمام الفئات المختلفة من المحدثين والمفسرين والكلاميين والفلاسفة والاُدباء والكتّاب والخطباء وأرباب السير والمؤرخين كما استقطبت هذه الحادثة، وقلّما اعتنوا بشيء مثلما اعتنوا به.

هذا ويستفاد من مراجعة التاريخ أنّ يوم الثامن عشر من شهر ذى الحجة الحرام كان معروفاً بين المسلمين بيوم عيد الغدير، وكانت هذه التسمية تحظى بشهرة كبيرة إلى درجة أنّ ابن خلكان يقول حول « المستعلى بن المستنصر »:

« فبويع في يوم غدير خم، وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة ٤٨٧ ه‍ »(١) .

وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي: « وتوفّي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، قلت: وهذه هي ليلة عيد الغدير أعني ليلة الثامن عشر من شهر ذي الحجة، وهو غدير خم »(٢) .

وقد عدّه أبو ريحان البيروني في كتابه الآثار الباقية « ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد »(٣) .

وليس ابن خلكان، وأبو ريحان البيروني، هما الوحيدان اللذان صرّحا بكون هذا اليوم هو عيد من الأعياد، بل هذا الثعالبي قد اعتبر هو الآخر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين(٤) .

__________________

(١) و (٢) وفيات الأعيان: ج ١ ص ٦٠.

(٣) ترجمة الآثار الباقية: ص ٣٩٥، الغدير: ج ١ ص ٢٦٧.

(٤) ثمار القلوب: ص ٥١١.

٥٢٩

إنّ عهد هذا العيد الإسلامي، وجذوره ترجع إلى نفس يوم « الغدير » لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر المهاجرين والأنصار، بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك اليوم بالدخول على « عليّ »عليه‌السلام ، وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى.

يقول زيد بن أرقم: كان أوّل من صافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّاً: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس(١) .

الحمد للّه الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

خاتمة المطاف

ما قدّمناه إليك في الفصول السابقة حول حياة النبي وشخصيته كان مقتبساً من الذكر الحكيم ومدعماً بالتاريخ والأحاديث الصحيحة، وكان الجدير بنا أن نجعجع بالقلم عن الإفاضة ونترك ما بقى من خصوصيات حياته وشخصيته إلى كتب السيرة لمن أراد التوسّع.

غير أنّا نحب أن نركّز في الخاتمة على أساليب دعوته في عصر الرسالة ليكون قدوة لنا في هذا السبيل، ونكتفي من الكثير بالقليل.

__________________

(١) راجع مصدره في الغدير: ج ١ ص ٢٧٠.

٥٣٠

(١٤)

الإعلام وأساليبه في عصر الرسالة

إنّ انتشار أي دين أو أيديولوجية ورسوخها في العقول والنفوس يتوقّف مضافاً إلى إتقان ذلك الدين في محتواه ومضامينه على الدعوة الصحيحة إليه، وعرضه عرضاً واسعاً وشاملاً.

وقد توفّر في الإسلام هذان الجانبان:

أمّا الأوّل: فإنّ الإسلام ذو اُصول، ومفاهيم تنطبق على الفطرة الإنسانية، فهو يدعو إلى العدل والإحسان، واجتناب البغي والعدوان، وإلى النظر في ملكوت السماوات والأرض، وإلى العلم والقراءة والكتابة، وإلى التعاون والتعاضد، وغير ذلك من الاُصول الاجتماعية والأخلاقية التي توافق فطرة البشر وتعضدها العقول بلا استثناء.

كما أنّ الإسلام لا يشتمل على أيّة عقيدة رمزية أو اُصول معقدة لا تقدر على حلّها الأفكار، ولا تستطيع على دركها العقول، كما هو الحال في « تثليث » البراهمة والمسيحيين.

وأمّا الثاني: فإنّ القرآن الكريم يسعى بكل قوّة ووسيلة ممكنة إلى نشر الاسلام، فيخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويأمره بالإنذار والتبشير، والدعوة والتبليغ، والصدع والموعظة، والتذكير، والبيان، والتعليم، والانباء، إلى غير ذلك من الأساليب التي تعرب عن لزوم قيام النبي بتبليغ الرسالة الاسلامية إلى الناس، بكل صورة ممكنة، وإليك نماذج من تلك الخطابات.

٥٣١

ففي مجال الانذار يقول تعالى:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ( الشعراء / ٢١٤ ).

وفي مجال التبشير يقول تعالى:( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ) ( البقرة / ٢٥ ).

ويقول تعالى:( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) ( الفتح / ٨ ).

وفي مجال الدعوة يقول سبحانه:( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ) ( النحل / ١٢٥ ).

وفي مجال الابلاغ يقول سبحانه:( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إلّا الْبَلاغُ ) ( الشورى / ٤٨ ).

وفي مجال الصدع يقول سبحانه:( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) ( الحجر / ٩٤ ).

وفي مجال الموعظة يقول تعالى:( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ ) ( النساء / ٦٣ ).

وفي مجال التذكير يقول تعالى:( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) ( ق / ٤٥ ).

وفي مجال البيان يقول سبحانه:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ( النحل / ٤٤ ).

وفي مجال التعليم يقول سبحانه:( يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ ) ( البقرة / ١٥١ ).

وفي مجال التنبّؤ قال سبحانه:( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( الحجر / ٤٩ ).

وقد قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الأمر، وعرض الاسلام عرضاً كاملاً قويّاً، فدعا أهله وأقرباءه أوّلاً، ثم دعا قومه وأبناء جلدته ثانياً، ولـمـّا استتبّ له الأمر، واستقرّ به المقام في المدينة المنوّرة، وجّه دعاته إلى شتّى أقطار الأرض وكلّفهم بابلاغ دينه ومنهاجه إلى الملوك والاُمراء والشعوب والقبائل، وتحقّق هذا العمل بشكل واسع حتى لم يلبث أن بلغ نداء الاسلام إلى مسامع جميع المجتمعات البشرية، دانيها وقاصيها في مدة لا تتجاوز قرناً واحداً من الزمان.

٥٣٢

نماذج من الإعلام في العهد النبوي

وقد تمثّل الإعلام الإسلامي في العهد النبوي، في اُمور قام بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مجال تبليغ الإسلام، وإيصال نداءه إلى مسامع البشرية في مختلف الأقطار والأصقاع وهذه الاُمور هي:

١ ـ البعثات الإعلامية

قد قام النبي الأكرم بارسال مبعوثين ومندوبين للدعوة والتبليغ، ونذكر على سبيل المثال مصعب بن عمير، الذي بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ليعلّم الناس القرآن، ويفقّههم في الدين، وكان شابّاً ذكياً أسلم عن رغبة وتفهّم وتعلّم من القرآن كثيراً، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج إلى المدينة مع بعض من آمن من أهلها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليدعو أهل المدينة من الأوس والخزرج إلى الإسلام، فاستطاع بحسن تدبيره، وفضل حكمته في التبليغ والإرشاد أن يستقطب عدداً كبيراً من أهل المدينة شيباً وشباباً ورجالاً ونساءً إلى الإسلام حتى لم يلبث أن جعل من يثرب مدينة إسلامية تهيّأت لاستقبال رسول الله أكبر استقبال، وهو لم يملك إلّا إيماناً صادقاً وإخلاصاً في العمل(١) .

وبعدما هاجر إلى المدينة بعث مجموعات تبليغية لنشر الإسلام ودعوة الناس إليه، وأخصّ بالذكر مجموعتين تبليغيتين أرسلهما رسول الإسلام إلى بعض القبائل لتعليمها القرآن الكريم وأحكام الاسلام، وهاتان المجموعتان هما:

المجموعة الاُولى: التي بعثها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قبيلتي عضل وقارة.

فقد طلبت القبيلتان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبعث إليهم من

__________________

(١) أعلام الورى: ص ٢٧.

٥٣٣

يعلّمهم القرآن، ويفقّههم في الاسلام.

فاستجاب النبي لهذا الطلب، وأرسل ستة أشخاص، وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، ولكن القوم غدروا باُولئك المبلغين الأبرياء، فقتلوا من قتلوا منهم، وأسروا رجلين منهم باعوهما لقريش، فصلبوهما انتقاماً لقتلى بدر من المشركين والقصة مفصلة(١) .

المجموعة الثانية: وهي المجموعة التبليغية التي أرسلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قبيلة « بني عامر » لطلب أحد زعمائها الكبار، وذلك قبل أن يبلغه غدر عضل وقارة بالمجموعة الاُولى، وقد أرسلهم بعد أخذ مواثيق وضمانات من الطالب، ولكن هذه المجموعة التي كانت تتألّف من أربعين شخصاً من خيرة القرّاء قد واجهت نفس ما واجهت المجموعة التبليغية الاُولى، ولكن لا على أيدي القبيلة المبعوثين إليها، بل على يد آخرين من القبائل المشركة المعادية للإسلام، وقد وقع الغدر والفتك بهم في منطقة تدعى بئر معونة(٢) .

وقد أحزنت هاتان الفاجعتان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنّهما لم يثنيا عزمه الشريف عن مواصلة التبليغ، بل واصل ارسال المبلّغين والرسل إلى مناطق اُخرى كما أرسل طائفة كبيرة إلى الملوك والاُمراء والقبائل وزعماء الجماعات داخل الجزيرة العربية وخارجها.

٢ ـ الرسائل الإعلامية

وإليك فيما يلي طائفة من الرسائل التي بعثها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو فيها رؤساء القبائل إلى الاسلام، ونخص بالذكر كتبه الاعلامية فقط:

__________________

(١) المغازي: ج ١ ص ٣٥٤ ـ ٣٦٢، والسيرة النبوية لابن هشام: ج ٢ ص ١٦٩.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام: ج ٢ ص ١٨٣ ـ ١٨٧.

٥٣٤

١ ـ كتابه إلى سمعان بن عمرو الكلابي.

٢ ـ كتابه إلى ورد بن مرداس أحد بني سعد هذيم.

٣ ـ كتابه إلى الاقيال من حضرموت.

٤ و ٥ ـ كتابان إلى أهل قريتين.

٦ ـ كتابه إلى بني حارثة بن عمرو بن قريط.

٧ ـ كتابه إلى عبد العزيز بن سيف بن ذي يزن.

٨ ـ كتابه إلى عمرو بن مالك بن عمير الأرحبي.

٩ ـ كتابه إلى عريب والحارث ابني عبد كلال.

١٠ ـ ١٦ ـ سبعة كتب إلى فهد وزرعة وبس وغيرهم من ملوك حمير.

١٧ ـ كتابه إلى جفينة النهدي.

١٨ ـ كتابه إلى ملك الروم.

١٩ ـ كتابه إلى عبد الله بن الحارث الأعرج الأزدي الغامدي.

٢٠ ـ كتابه إلى خراش بن جحش العبسي.

٢١ ـ كتابه إلى سرباتك ملك الهند.

٢٢ ـ كتابه إلى قيس بن عمر الهمداني.

٢٣ ـ كتابه إلى جبلّة بن الأيهم الغساني.

٢٤ ـ كتابه إلى بني معاوية من كندة.

٢٥ ـ كتابه إلى نفاثة بن فروة ملك السماوة.

٢٦ ـ كتابه إلى عذرة.

٢٧ ـ كتابه إلى ذي عمرو.

٢٨ ـ كتابه إلى ذي الكلاع.

٥٣٥

٢٩ ـ كتابه إلى اسيخب.

٣٠ ـ كتابه إلى حوشب ذي ظليم.

٣١ ـ كتابه إلى رعية السحيمي.

٣٢ ـ كتابه إلى قيس بن مالك(١) .

هذه كتاباته التبليغية التي وردت أسماؤها في الكتب، وإن ذهبت ألفاظها وعبارتها فلم يبق منها إلّا الإسم.

وهناك كتب تبليغية لهصلى‌الله‌عليه‌وآله موجودة بأعيانها وخصوصيّاتها في كتب السير والتاريخ والحديث، والكلّ يدلّ على أنّ الإسلام انتشر في العالم بفضل الدعوة الصحيحة وبعث الدعاة والرسل، ولو كان هناك سل السيف وسفك الدم، فإنّما كان لرفع الحواجز بين الرسول وتبليغه.

وإليك أسماء كتبه الموجودة التبليغيّة التي أرسلها إلى الملوك والاُمراء والشيوخ والقبائل على نحو الإيجاز والإيعاز والتفصيل يطلب من مظانّه(٢) .

مراسلة الملوك والاُمراء ورؤساء القبائل

إنّ أبرز كتبه في الدعوة إلى الاسلام هي:

١ ـ كتابه إلى كسرى ملك الفرس.

٢ ـ كتابه إلى قيصر عظيم الروم.

٣ ـ كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة.

٤ ـ كتابه إلى المقوقس ملك مصر.

__________________

(١) لاحظ مكاتيب الرسول للعلّامة الأحمدي: ص ٣٥ ـ ٤٠.

(٢) راجع الوثائق السياسية ومكاتيب الرسول.

٥٣٦

٥ ـ كتابه إلى ملوك الشام واليمامة.

٦ ـ كتابه إلى الحارث بن أبي شمر.

٧ ـ كتابه إلى هوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة.

٨ ـ كتابه إلى المنذر بن ساوي.

٩ ـ كتابه لرفاعة بن زيد الجزامي.

١٠ ـ كتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي.

١١ ـ كتابه إلى فروة بن عمرو الجذابي.

١٢ ـ كتابه إلى أكثم بن صيفي.

١٣ ـ كتابه إلى اسيخب بن عبد الله.

١٤ ـ كتابه إلى يحنه بن رؤبة وسروات أهل أيلة.

١٥ ـ كتابه إلى زياد بن جهور.

١٦ ـ كتابه إلى بكر بن وائل.

١٧ ـ كتابه إلى مسيلمة الكذّاب.

١٨ ـ كتابه إلى ضغاطر الأسقف.

١٩ ـ كتابه إلى اليهود.

٢٠ ـ كتابه إلى يهود خيبر.

٢١ ـ كتابه إلى أسقف نجران.

٢٢ ـ كتابه إلى هرمزان عامل كسرى.

وقد دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الكتب التي سجّلها التاريخ وأثبت نصوصها كاملة، الملوك والاُمراء إلى الدين الإسلامي وشرح أهدافه وغاياته السامية.

٥٣٧

وقد حمل هذه الكتب رجالاً من أصحابه اتّسموا بالنباهة والذكاء، والشجاعة والحكمة.

ويذكر التاريخ أنّ بعضهم كان يعرف لغة القوم الذين اُرسل إليهم مع كتاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان هؤلاء الرسل يتمتّعون بإيمان قوي، وينطلقون من عقيدة راسخة بالدين وشجاعة، وهي الصفات التي يجب أن يتحلّىٰ بها المبلّغ، ولهذا كانوا في الأغلب يؤثرون في نفوس المرسل إليهم حتّى انّهم كانوا يقبلون دعوة النبي ولو آل إلى التضحية بحياتهم كما حدث لضغاطر الأسقف فإنّه لـمّا جاءه كتاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقرأه أخذ بمجامع قلبه واهتدى إلى الحق واعتنق الإسلام راغباً وقال لقومه من الروم:

« يا معشر الروم إنّي أشهد أن لا إلٰه إلّا الله وأنّ أحمد عبده ورسوله »، فوثبوا عليه وثبة رجل واحد وقتلوه »(١) .

٣ ـ التبليغ عن طريق الأدب والنظم

ولم يكتف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ رسالته بالرسائل والكتب بل استعان بالشعر أيضاً ولهذا كان حسّان يخلّد الحوادث، بأبيات من الشعر، ويشجّعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وربّما دافع حسّان وغيره عن حوزة الإسلام ونبيّه بهجاء من يعادونه أو يتعرّضون له أو يهجونه، وإليك نماذج من هذا الأمر.

١ ـ عندما هجا ابن الزبعريّ المسلمين يوم اُحد، قائلاً:

يا غراب البين اسمعت فقل

إنّما تنطق شيئاً قد فعل

__________________

(١) الطبري: ج ٢ ص ٣٩٢ و ٦٩٣.

٥٣٨

إلى أن قال:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

فقتلنا الضِّعف من أشرافهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

قال حسّان في الرد عليه:

ذهبت يا بن الزبعري وقعة

كان منّا الفضل فيها لو عدل

ولقد نلتم ونلنا منكم

وكذاك الحرب أحياناً دول

الى آخره .

٢ ـ لما قال عمرو بن العاص في هجاء المسلمين يوم اُحد:

خرجنا من الفيفا عليهم كأنّنا

مع الصبح من رضوىٰ الحبيك المـُنَطّق

أرادوا لكيما يستبيحوا قبابنا

ودون القباب اليوم ضرب محَرّق

قال كعب بن مالك في الردّ عليه:

ألا أبلغا فهراً على نأي دارها

وعندهم من علمنا اليوم مصدق

إلى أن قال:

لنا حومة لا تستطاع يقودها

نبيّ أتىٰ بالحقّ عف مصدّق

٣ ـ ما قاله هبيرة يوم اُحد أيضاً في هجاء المسلمين إذ قال فيما قال من الشعر:

كان هامهم عند الوغى فلق

من قيض رُبْدٍ نفته عن أداحيها

فأجاب حسّان بقوله:

ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت

أهل القليب ومن ألقينه فيها

٥٣٩

كم من أسير فككناه بلا ثمن

وجزّ ناصية كنّا مواليها(١)

وغير ذلك من الموارد التي قابل فيها حسّان وغيره من شعراء الإسلام الاول هجاء بهجاء، قارع قاصع.

٤ ـ إعلان البراءة من المشركين

وكان من أبرز مصاديق التبليغ والإعلام ما كلّف به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر من الله تعالى، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بتلاوة آيات من صدر سورة التوبة على مسامع المشركين وغيرهم في يوم الحج الأكبر والتي أعلن الله فيها براءته وبراءة نبيّه من الشرك والمشركين، وضرب لهم أجلاً ليبيّنوا موقف من الاسلام وأعلن أنّ المشركين لا يجوز لهم دخول مكّة بعد ذلك الوقت والأجل.

وقد كان لهذا الإعلان العام القوي أثر كبير في إسلام مجموعات كبيرة من القبائل المشركة، وتوافدها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في العام المسمّى بعام الوفود.

٥ ـ شعار المسلمين في الهجمات العسكرية

ومن جملة أساليب التبليغ التي كان يتبعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إطلاق الشعارات المناسبة في المعارك فمثلاً لـمّا صاح أبو سفيان بعد إلحاق الهزيمة بالمسلمين: أعل هبل أعل هبل. أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يقابلوه بشعار:

الله أعلى وأجل.

__________________

(١) السيرة النبوية: ج ٢ ص ٢ و ١٣١ ـ ١٣٢.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581