مفاهيم القرآن الجزء ٨

مفاهيم القرآن14%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167098 / تحميل: 5793
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

كتابٌ كريم حبّره يراع الأُستاذ الفذ آية الله الشيخ هادي « معرفة »

مؤلّف كتاب « التمهيد في علوم القرآن » ننشره بإكبار وإجلال

التفسير الموضوعي

ضرورة رساليّة إسلاميّة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.

أمّا بعد فممّا يبعث على اعتزاز هذه الأُمّة المرحومة اختصاصها بكتاب الله العزيز الحميد، المضمون له السلامة والبقاء عبر القرون.

قال تعالى:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (١) . وقال:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢) .

الأمر الّذي يستدعي خلود هذه الأُمّة بخلود كتابها المجيد حاملةً رسالةً إلهيّة إلى الأجيال عبر الأيّام والعصور( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) (٣) .

إنّ هذه الأُمّة تحمل رسالة إلهيّة إلى العالمين، وقد تضمّنها القرآن كلام رب العالمين. فكان على الأُمّة تبيينها والإيفاء بهذا الواجب بأداء ما عليها من وظيفة البلاغ والبيان، كما كان على نبيّها الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله من واجب البلاغ والبيان قال

__________________

١. فاطر: ٣٢.

٢. الحجر: ٩.

٣. البقرة: ١٤٣.

١

تعالى:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) ، فقد كان عليه البيان والتفسير، كما كان عليه البلاغ والإنذار والتبشير.

وهكذا الواجب على الأُمّة الوسطى أن تقوم بواجب البيان إلى جنب واجب البلاغ فيكون إلى جنب الدعوة إلى الإسلام، تبيين أهدافه ومقاصده في إسعاد البشريّة والّتي تضمّنها القرآن، الكلام الإلهي الخالد.

القرآن يحمل رسالة إلى الناس:( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (٢) . فَعَلى نُبَهاء الأُمّة وعلماء الملّة أن يبلّغوا هذا النداء الصارخ، إلى الخافقين، ويُسمعوهم ما يحتويه من أهداف عالية ومقاصد زاكية. لا بقراءة اللفظ وتلاوة الكلام فحسب، بل بالشرح والتفصيل والتبيين والتفسير.

والتفسير على منهجين: ترتيبي ( حسب النظم القائم في القرآن ) وموضوعي ( حسب المسائل المطروحة في القرآن ) فأيّهما المطلوب بالذات ؟

لا شكّ أنّ الّذي تستدعيه طبيعة الدعوة، والّذي يطلبه الإنسان الواعي، الساعي وراء درك حقائق القرآن، هي: دراسة ما في القرآن من مفاهيم ومعارف أتحف بها البشرية، وآداب وتعاليم قدّمها للإنسان، ليسعد بها ويتصاعد على مدارج الكمال.

إنّ البشرية الآن بحاجة ماسّة إلى الوقوف على ما في القرآن من معارف وأحكام، وبانتظار ما يقدّمه علماء المسلمين إليهم من مسائل ومباحث أُصولية جاء بها القرآن كحقائق راهنة تُنير لها درب الحياة وتضيء للإنسان معالم السعادة وتؤمّن عليه كرامته في النشأتين.

إنّ الإنسان اليوم يتطلّع إلى معالم هذا الكتاب، والمعارف الّتي احتضنتها هذه الرسالة الإلهية الخالدة، الأمر الّذي استرعى انتباهه منذ حين، ولا يهمّه أن يكون لفظه كذا أو تعبيره كذا، إنّما يُهمّه أمر المحتوى وما تحتويه هذه الرسالة

__________________

١. النحل: ٤٤.

٢. الإسراء: ٩.

٢

القرآنية، من مسائل جسام.

إذن فواجب العلماء أن يلفتوا أنظار العالمَ المتحضّر إلى هذا الجانب من كتاب الله، ويفرغوا ما بوسعهم في إبداء ما يحتضنه من مسائل ودلائل ومعارف وأحكام، وهو جانب خطير من التفسير الأصيل نُعبّر عنه بالتفسير الموضوعي.

والتفسير الموضوعي لم يُبد وجهَه سلفاً في سوى مقطّعات كانت بصورة دراسات قرآنيّة، غير مستوفاة ولا مستوعبة لكل مسائل القرآن دراسة موضوعية بحتة، إنّما جاء الخلف ـ ولا سيما في القرن الأخير ـ ليستكملوا هذا الأمر ويستوفوا من شؤونه في عرض شامل.

وأفضل من وجدته قائماً بأعباء هذا الأمر الخطير، مُشمّراً عن ساعد الجدّ، في استيفاء تام، وإحاطة علميّة فائقة، هو العلَم العلّامة والمحقّق الفهّامة، زميلنا الأُستاذ الشيخ جعفر السبحاني، فلا زالت معالم العلم بضياء نوره وهّاجة، ودلائل التحقيق في ضوء دراساته فياضة.

فقد قام ـ ولله جدّ أمره ـ بدراسة مفاهيم القرآن والإفصاح عن معالمه، والإبانة عن دلائله ومسائله المعروضة بشكل مستوعب، وكانت عن جدارة علميّة فائقة، وعن صلاحية ذاتية لائقة، قلّما يوجد مثيل دراساته القيمة، ولدلائله الواضحة اللائحة.

وكنت منذ تعرّفت إلى جنابه وتشرّفت بمطالعة كتابه، تشوّقت إلى الإزدياد من معرفة لباب تحقيقه والتشوّف إلى عباب فيض تنميقه وتنسيقه، فما أحسنه من تأليف أنيق وما أكرم مؤلّفه من أستاذ محقّق واسع الآفاق.

والكتب والدفاتر الّتي تحمل عنوان « الدراسات القرآنية ـ التفسير الموضوعي » كثيرة جادت بها قرائح وقّاده من علماء معاصرين، غير أنّ في غالبيتها خروجاً ـ بعض الشيء ـ عن أسلوب التفسير القرآني، إلى شكل مقالات تبحث عن مسائل إسلامية عريقة، كانت إحدى دلائلها آياتٌ من الذكر الحكيم، الأمر

٣

الّذي كان يبعدها عن واقع الدراسات القرآنية البحتة، والّتي ترمي إلى فهم ما عرضه القرآن بالذات.

إنّ الدراسة القرآنية تستهدف وراء ما في القرآن من مسائل ودلائل عرضها للبشرية كودائع إلهيّة أورثها لعباده الذين اصطفى، أمّا مجرّد الاستناد إلى آية أو آيات، لغرض إثبات ما يرميه المقال، فلا يمسّ هذا الجانب، ولا يورثه هذا العنوان الزاهي.

ومن ثمّ، فإنّ الّذي يمتاز به، هذا المؤلَّف العظيم، على يد هذا المؤلِّف الكريم، هو جانب رعايته التامّة للحفاظ على كون الدراسة دراسة قرآنية، بما يحمله هذا العنوان من جليل المعنى وفخيم المحتوى.

فقد ركّز المؤلّف الجليل دراساته ـ بشكل مستوعب ـ على أساس جمع الآيات المترابطة، وضمّ بعضها إلى بعض، ليرفع من إجمال كل بما في أُخرى من بيان وتفصيل، وليكمل من قصور كل بما في الأُخرى من تمام وكمال، ثمّ صبّها في قالب دراسة موضوعية شاملة، حتّى إذا اكتمل البحث واستوفى هدفه، أردفه بسائر الدلائل والمسائل تتميماً للفائدة، وتكميلاً للعائدة.

والّذي يُلفت النظر في هذه الدراسات، هو جانب دقّتها والأخذ بجانب الحيطة والحذر عن أن يكون تحميلاً على القرآن دون أن يكون تبييناً له، الأمر الذي ابتلي به غير واحد من المفسِّرين المتسرّعين، والذي تجنّبه بشدة هذا المؤلَّف، في جميع مسائله ودلائله، حسبما تعرّفت إلى أكثر مبانيه ولمست أغلب مراميه.

هذا ما يجعله فذّاً فريداً وعلماً وحيداً يهتدى به إلى معالم القرآن المجيد، نفعنا الله به وبمؤلِّفه على ذمّة البقاء، آمين.

محمد هادي معرفة

قم المقدسة

رجب الأصب ١٤٢٠ ه‍

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي خلق الإنسان لغاية مُثلىٰ ولم يخلقه عبثاً ولا سدىٰ.

والصّلاة والسّلام على نبيّه محمد الذي فتح الله له من كنوز غيبه، وعلىٰ آله عيبة أسراره وحملة شرعه وحفظة سننه.

أمّا بعد؛

يوم الحشر ومعاد الإنسان

لقد جُبل الإنسان علىٰ حبّ البقاء وكراهة الزوال والفناء، وهذا أمر مشهود عند كلّ إنسان حتى أنّ الّذي ينتحر فهو يعدم وجوده وبقاءه، ولكنّه ـ في الحقيقة ـ يبغي من وراء ذلك، الوصول إلى الراحة التامة، لأنّ المشكلات والأزمات الحادّة، قد ضيّقت عليه الخناق فحدت به إلى القيام بهذه العملية، فهو بفعله هذا يدرأ خطر تلك الأزمات ليصل إلى عالم فسيح خال عنها.

وهذا الميل الفطري أوضح دليل على أنّ الموت ليس فناء للإنسان، فلو كان الموت ملازماً لفنائه يلزم عبث ذلك الميل المشاهَد عند كل إنسان.

وصفوة القول أنّ الموت عبارة عن الخروج من حياة ضيقة إلىٰ حياة أُخرى واسعة.

٥

هذا ما تقضي به الفطرة عند تحليلها، بيد أنّ الشرائع السماوية جاءت تفسِّر تلك الفطرة الإنسانية، ببيان أنّ الموت انتقال من دار إلى دار، ومن نشأة إلى نشأة أُخرى، ولذلك أصبح الإيمان بالمعاد ركناً أساسياً في العقائد على وجه لو طرح ذلك الأصل، لانهارت الشرائع قاطبة.

ولأجل تلك الأهمية ألقت بحوث المعاد بظلالها على القرآن الكريم وبلغت آيات المعاد ١٤٠٠ آية أو أكثر من ذلك، ولذلك قلّما تجد سورة في القرآن الكريم ليس فيها دعوة إلى الإيمان بالمعاد بالتصريح أو بالإشارة، ولو أخذنا تلك الآيات بنظر الاعتبار لتجاوز عددها أكثر ممّا ذكر.

فها نحن نخصّ هذا الجزء من كتاب مفاهيم القرآن بالبحث عن المعاد من منظار القرآن الكريم، ضمن فصول :

٦





الفصل الأوّل :

أسماء القيامة في القرآن الكريم

إنّ الإيمان بالمعاد يشكِّل إجابة على أحد الأسئلة التي تراود الذهن الإنساني، وهي عبارة :

١. من أين جِئتُ ؟، ٢. لماذا جئتُ ؟، ٣. إلى أين أذهب ؟

وكلّ إنسان ميّال بطبعه إلى الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة، وقد عجزت المناهج البشرية عن الإجابة عليها فلم يجد الإنسان بغيته فيها، فالإنسان في تلك المناهج ككتاب خطي سقط أوّله وآخره، فإذا سألتها عن مبدأ الإنسان والغاية المنشودة من وراء خلقته ومصيره بعد الموت لاعترفت بالعجز عن الإجابة، فكأنّه خلق لأن يعيش في هذه الدنيا كسائر الدواب يأكل ويشرب ثمّ يفنىٰ.

وأمّا المناهج السماوية فقد أجابت على تلك الأسئلة بأجوبة واضحة رصينة.

فتجيب عن السؤال الأوّل بقوله تعالى:( هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ) .(١)

كما أنّها تجيب عن السؤال الثاني بأنّ من وراء خلق الإنسان غاية تعدّ كمالاً

__________________

١. الملك: ٢٣.

٧

له، يقول سبحانه:( خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ ) .(١)

كما أنّها تجيب عن السؤال الثالث بأنّ الحياة الدنيويّة قنطرة للحياة الأُخروية، وليس الموت فناء للإنسان، بل انتقال من نشأة إلىٰ أُخرى، تبتدأ بموته وتستمر بحياته البرزخية ثمّ الأُخروية حتى يبلغ مصيره في تلك النشأة.

ولأجل الإشارة إلى أنّ الحياة الأُخروية أكمل من الحياة الدنيوية، سمّىٰ بداية تلك النشأة بأسماء مختلفة، وهي بين ما عبّر عنها بلفظ اليوم مضافاً أو موصوفاً، بوصف من أوصاف ذلك اليوم، أمّا الأوّل فكالتالي :

١. يوم القيامة، ٢. يوم الدين، ٣. يوم الآخر، ٤. يوم عظيم، ٥. يوم كبير، ٦. يوم محيط، ٧. يوم الحسرة، ٨. يوم عقيم، ٩. يوم عليم، ١٠. يوم الوقت المعلوم، ١١. يوم الحق، ١٢. يوم مشهود، ١٣. يوم البعث، ١٤. يوم الفصل، ١٥. يوم الحساب، ١٦. يوم التلاق، ١٧. يوم الأزفة، ١٨. يوم التناد، ١٩. يوم الجمع، ٢٠. يوم الوعيد، ٢١. يوم الخلود، ٢٢. يوم الخروج، ٢٣. يوم عسير، ٢٤. يوم التغابن، ٢٥. اليوم الموعود، ٢٦. يوماً عبوساً، ٢٧. يوم معلوم، ٢٨. يوم لا ريب فيه، ٢٩. يوم الفتح.(٢)

فقد أُضيف اليوم في هذه الأسماء إلىٰ شيء يومئ إلى حال من أحوال ذلك اليوم، وأمّا الثاني أي تسميته بشيء من أوصافه، وهي أيضاً كالتالي :

__________________

١. الذاريات: ٥٦.

٢. « يوم الفتح »( قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ ) . ( السجدة: ٢٩ ).

والمراد من الفتح هو الحكم بالثواب والعقاب يوم القيامة، وكان المشركون يسمعون المسلمين يستفتحون بالله عليهم، فقالوا لهم: متى هذا الفتح، أي متى هذا الحكم فينا ؟ فأُجيبوا بما في الآية ويؤيده قوله سبحانه: ( قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ) ( سبأ: ٢٦ ).

٨

١. « الساعة »:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ) .(١)

٢. « الآزفة »:( أَزِفَتِ الآزِفَةُ *لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ ) .(٢)

و « الازف » في اللغة بمعنى القرب، وكأنّه يشير إلى أنّ الساعة قريبة وليست ببعيدة وإن كان الناس يتخيّلون خلافه.

٣. « الحاقة »:( الحَاقَّةُ *مَا الحَاقَّةُ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحَاقَّةُ ) .(٣)

والحاقّة مؤنث الحق يطلق على شيء حتمي الوقوع.

٤. « القارعة »:( الْقَارِعَةُ *مَا الْقَارِعَةُ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ) .(٤)

والقرع بمعنى الضرب المبرح، وكأنّ القيامة تهزّ القلوب هزاً شديداً.

٥. « الطامة الكبرى »:( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ ) .(٥)

الطامّة في اللغة بمعنى المصيبة، وكأنّ المصيبة التي يواجهها الإنسان ذلك اليوم، تُنسِي سائر المصائب التي مرّت به، ولذلك وصفت بالكبرىٰ.

٦. « الواقعة »:( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) .(٦)

والواقعة هي الحادثة، والاسم كناية عن عظمها وهولها.

٧. « الصاخّة »:( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ) .(٧)

والصاخّة هي الصوت المرعب، ولعلّها كناية عن نفخ الصور الذي سيوافيك تفصيله بإذن الله.

٨. « الغاشية »:( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ) .(٨)

__________________

١. الأعراف: ١٨٧

٢. النجم: ٥٧ ـ ٥٨.

٣. الحاقة: ١ ـ ٣.

٤. القارعة: ١ ـ ٣.

٥. النازعات: ٣٤

٦. الواقعة: ١.

٧. عبس: ٣٣

٨. الغاشية: ١.

٩

الغاشية هي المحيطة، وكأنّ الحوادث المرعبة تحيط بجميع الناس.

٩. « الآخرة »:( وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) .(١)

وسمّيت بالآخرة لأنّها متأخّرة عن الدنيا.

١٠. « الميعاد »:( إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعَادَ ) .(٢)

وثمة آيات أُخرى تصف يوم القيامة وتذكر شيئاً من أحوالها وأهوالها، قال سبحانه:( يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ *إلّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) .(٣)

وقال سبحانه:( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ ) .(٤)

وقال سبحانه:( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ) .(٥)

ونظائر هذه الآيات كثيرة في الذكر الحكيم لم نذكرها في عداد أسماء يوم القيامة لأنّها بصدد التوصيف لا التسمية.










__________________

١. المؤمنون: ٧٤

٢. آل عمران: ٩.

٣. الشعراء: ٨٨ ـ ٨٩

٤. آل عمران: ٣٠.

٥. آل عمران: ١٠٦.

١٠





الفصل الثاني :

المعاد في الشرائع السماوية

الإيمان بالمعاد يَرسم هدفَ الخلقة ويبيّن حكمتها على نحو لو طرح الإيمان بالمعاد جانباً لأصبح الإيجاد بلا غاية والخلق عبثاً، ولذلك ذهبت جماعة من منكري المعاد إلى أنّ خلق الإنسان أمر عبث كصانع الكوز يصنعها من طين و يطبخها ثمّ يَكسرها، فحياة الإنسان كصنع الكوز، وموته ككسرها ولهم في ذلك كلمات معروفة.

وأمّا الشرائع السماوية فقد فنّدت تلك الشبهة ودَحَضْتها بأنّ الغاية من الخلقة هي الحياة الأُخروية المستمرّة التي لا تتحقق إلّا بالتجرّد عن المادة وآثارها، قال سبحانه :

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) (١) .

وهذا النداء ليس هو نداء الإسلام فحسب، بل نجد مضمونه في جميع الشرائع السماوية التي جاءت قبل الإسلام حتى في قصة آدمعليه‌السلام ، ولأجل الوقوف على أنّ العقيدة بالمعاد كانت ركناً أساسياً في جميع الشرائع السماوية نعكس ما ورد في الذكر الحكيم نقلاً عن لسان الأنبياء الماضين.

__________________

١. المؤمنون: ١١٥.

١١

١. آدم عليه‌السلام والدعوة إلى الإيمان بالمعاد

عندما هبط آدم ( على نبيّنا وآله وعليه السّلام ) البسيطةَ خُوطِب هو وذرّيتُه في الآيات التالية :

١. قال سبحانه:( قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) .(١)

وفي قوله:( وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) إشارة إلى أنّ الإنسان يتمتع في البسيطة إلىٰ أجل محدود، ولعلّ الأجل المحدود كناية عن وقوع القيامة.

٢. قال سبحانه:( قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ) .(٢)

٣. قال سبحانه:( يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .(٣)

وهذه الآيات الواردة في سورة الأعراف التي تحكي خطاباته سبحانه في بداية الخلقة تدلّ على أنّ الإيمان بالمعاد من البلاغات العامة التي بلّغها سبحانه إلى الناس كافة، من قبل آدمعليه‌السلام إلىٰ خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والنبي آدمعليه‌السلام وإن لم يكن ذا شريعة، ولكنّه كان نبيّاً مبعوثاً لدعوة الناس إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وقد تضمّنت الآيات تصريحاته سبحانه في ذلك المضمار إليه وإلى الناس أجمعين.


__________________

١. الأعراف: ٢٤.

٢. الأعراف: ٢٥.

٣. الأعراف: ٣٥ ـ ٣٦.

١٢

٢. نوح عليه‌السلام والدعوة إلى الإيمان بالمعاد

إنّ نوحاًعليه‌السلام شيخ الأنبياء أوّل من نزلت عليه الشريعة السماوية وتحمّل أعباءها، وكان يذكّر الناس بالمعاد في خطاباته ودعواته، يقول سبحانه حاكياً عنه :

١.( وَاللهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا *ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ) .(١)

٢. وفي آية أُخرى:( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ إلّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ ) .(٢)

والآية الأُولى تصرّح بعود الإنسان إلى الحياة الأُخرىٰ، وفي الآية الثانية إيماء إليها، والمراد من خسرانه هو خسرانه يوم القيامة.

٣. إبراهيم عليه‌السلام والدعوة إلى الإيمان بالمعاد

جاءت الدعوة إلى الإيمان بالمعاد في خطابات إبراهيمعليه‌السلام أكثر ممّا جاءت في كلمات آدم ونوحعليهما‌السلام ، ويعلم ذلك من خلال سرد الآيات التي تحكي عن دعوته :

١. قال سبحانه:( مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) .(٣)

٢. قال سبحانه:( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ ) .(٤)

__________________

١. نوح: ١٧ ـ ١٨.

٢. هود: ٤٧.

٣. البقرة: ١٢٦.

٤. إبراهيم: ٤١.

١٣

٣. قال سبحانه:( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) .(١)

٤. قال سبحانه:( وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .(٢)

٥. يقول سبحانه:( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .(٣)

وقد انفردت الآية الأخيرة بالاشارة إلى أنّ دعوة إبراهيم إلى المعاد قد ارفقها بالدليل والبرهان بوحي من الله سبحانه، دون أن نرى له أثراً في كلمات آدم ونوحعليهما‌السلام .

٤. موسى عليه‌السلام والدعوة إلى الإيمان بالمعاد

الدعوة إلى الإيمان بالمعاد وإن كانت غير شائعة في التوراة، ولعلّ يد التحريف حذفت ما يرجع إلى الإيمان بهذا اليوم، ولكن القرآن الكريم يحفل بخطابات موسىٰعليه‌السلام التي تعبّر عن الدعوة إلى الإيمان بالمعاد بوفرة، ونذكر منها مايلي :

١. انّه سبحانه يندّد بقوم موسىٰ ويخاطبه بقوله:( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ *وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إلّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .(٤)

__________________

١. الشعراء: ٨٧.

٢. العنكبوت: ١٧.

٣. البقرة: ٢٦٠.

٤. الأعراف: ١٤٦ ـ ١٤٧.

١٤

٢. يدعو موسىعليه‌السلام على آل فرعون بقوله:( وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ ) .(١)

٣. انّهعليه‌السلام يحتج على من يصف آياته بالسحر، ويقول:( وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) .(٢)

٤. لما هدّد فرعون الملأ وقومه بقوله:( إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ ) أجابه موسى بقوله:( وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ ) .(٣)

٥. إنّ مؤمن آل فرعون ـ الذي كان يُخفي إيمانه ويظهر كفره ـ كان يحتج على فرعون وملئه بالإيمان إلى المعاد كما في الآيات التالية:( وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ) .(٤)

وقال:( وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) .(٥)

وقال:( وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ ) .(٦)

وهذه الآيات تعرب عن أنّ الإيمان بالمعاد كان متفشياً في مصر، وإنّ مؤمن آل فرعون كان يستدل به ليخفّف من وطأة جور فرعون علىٰ موسىٰعليه‌السلام .

٦. إنّ بني إسرائيل كانوا ولم يزالوا أُمّة لجوجة عنيدة تُصيغ كلّ شيء غيبي في قالب الحس، ولتلك الغاية خاطبوا موسىعليه‌السلام ، بقولهم:( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) (٧) كما أنّهم طلبوا رؤية إحياء الموتىٰ بأُمّ أَعينهم، وقد شاهدوها في

__________________

١. يونس: ٨٨.

٢. القصص: ٣٧.

٣. غافر: ٢٧.

٤. غافر: ٣٢.

٥. غافر: ٣٩.

٦. غافر: ٤٣.

٧. البقرة: ٥٥.

١٥

البقرة التي حكاها سبحانه بقوله:( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ *فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (١) .

وقد ورد في شأن نزولها: أنّه قُتل إنسان من دون أن يعلم قاتله، فأمر سبحانه بذبح البقرة وضرب بعض المقتول ببعض البقرة ليحيا ويخبر عن قاتله، وبذلك رأوا بأُمّ أعينهم إحياء الموتىٰ.

٥. المسيح عليه‌السلام والدعوة إلى الإيمان بالمعاد

الإيمان بالمعاد والدعوة إليه كان مرّفقاً بلسان المسيحعليه‌السلام منذ ولادته إلىٰ أن رفعه الله إليه :

١. يقول سبحانه حاكياً عنه:( وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) .(٢)

٢. وقال سبحانه:( إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) .(٣)

إلى غير ذلك من الآيات الواردة التي تعرب عن دعوة الأنبياء إلى الإيمان بالمعاد، وفيما ذكرنا غنىٰ وكفاية.



__________________

١. البقرة: ٧٢ ـ ٧٣.

٢. مريم: ٣٣.

٣. آل عمران: ٥٥.

١٦

المعاد في العهد العتيق

إنّ العهدين وإن عبث بهما الزمان ومع ذلك يوجد فيهما تصريحات وإيماءات إلى المعاد، ففي العهد العتيق: الرب يميت ويحيي.(١)

تحيىٰ أَمواتك يوم تقوم الجثث، استيقظوا ترنَّموا ياسكان التراب.(٢)

المعاد في العهد الجديد

على الرغم من قلة التصريح بالحياة الأُخروية في العهد العتيق نجد التصريح بها بوفرة في العهد الجديد في موارد كثيرة، منها ما يلي :

١. « فانّ ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه، وملائكته، وحينئذٍ يجازي كلّ واحد حسب عمله ».(٣)

٢. « هكذا يكون في انقضاء العالم، يخرج الملائكة ويفرزون الأشرار من بين الأبرار، ويطرحونهم في أتون النار هناك يكون البكاء، وصرير الاسنان ».(٤)

٣. « في ذلك اليوم جاء إليه حدقيون، الذين يقولون ليس قيامه، فسألوه * قائلين: يا معلم، قال موسى إنْ مات أحد وليس له أولاد، يتزوج أخوه بامرأته، ويقيم نسلاً لأخيه * فكان عندنا سبعة اخوة وتزوج الأوّل ومات، وإذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه، وكذلك الثاني والثالث إلى السبعة * وآخر الكل ماتت المرأة أيضاً * ففي القيامة لمن من السبعة تكون الزوجة فانّها كانت للجميع * فأجاب يسوع، وقال لهم: تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله * لانّهم في

__________________

١. صموئيل الأوّل: الاصحاح الثاني: الجملة ٦، ط دار الكتاب المقدس.

٢. اشعيا: الاصحاح ٢٦: الجملة ١٩، ط دار الكتاب المقدس.

٣. انجيل متى: الاصحاح ١٦: الجملة ٢٧، ط دار الكتاب المقدس.

٤. انجيل متى: الاصحاح ١٣: الجملتان ٤٩ و ٥٠، ط دار الكتاب المقدس.

١٧

القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء ».(١)

وهذا يعرب عن كون المعاد عند كاتب الإنجيل روحانياً محضاً، لا جسمانياً وروحانياً كما عليه الذكر الحكيم.

٤. « وإن أعثرتك رجلك، فاقطعها، خير لك أن تدخل الحياة أعرج، من أن تكون لك رجلان وتطرح في جهنم في النار التي لا تطفأ * حيث دُوْدُهم لا يموت والنار لا تطفأ * وإن أعثرتك عينك فاقلعها خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار * حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ ».(٢)

٥. « وهذه مشيئة الأب الذي أرسلني، انّ كلّ ما أعطاني لا أتلف منه شيئاً بل أقيمه في اليوم الأخير * لأنّ هذه هي مشيئته الذي أرسلني انّ كلّ من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير ».(٣)

هذا، وفي العهدين جمل أُخرىٰ تصرح أو تشير إلى يوم القيامة، وقد اقتصرنا على ما ذكرنا روماً للاختصار.

وثمة نكتة جديرة بالاشارة وهي عدم اهتمام اليهود، والنصارىٰ، بالبعث ويوم القيامة وما فيها من الحساب والجزاء، وهذا هو الذي جرّأهم على اقتراف المعاصي، والمجون، والانحلال من كلّ القيم الأخلاقية، أعاذنا الله من ذلك.




__________________

١. انجيل متى: الاصحاح ٢٢: الجملات ٢٣ ـ ٣١، ط دار الكتاب المقدس.

٢. انجيل مرقس: الاصحاح ٩: لاحظ الجملات ٤٢ ـ ٤٩، ط دار الكتاب المقدس.

٣. انجيل يوحنا: الاصحاح ٦: الجملتان ٣٩ ـ ٤٠، ط دار الكتاب المقدس.

١٨





الفصل الثالث :

الدلائل الجلية على لزوم المعاد

يستدلّ القرآن الكريم علىٰ ضرورة إحياء الناس بعد موتهم ـ التي هي سنّة قطعية لا مناص عنها ـ بطرق مختلفة :

١. المعاد، رمز الخلقة.

٢. المعاد، مظهر العدل الإلهي.

٣. المعاد، مجلىٰ الوعد الإلهي.

٤. المعاد، مظهر رحمته الواسعة.

٥. المعاد، نهاية السير التكاملي للإنسان.

٦. المعاد، مظهر ربوبيته.

١. المعاد: رمز الخلقة

من الأسئلة المثارة عند كلّ إنسان هو السؤال عن أصل الخلقة وانّه لماذا خلق، وماذا أُريد من خلقه ؟

والناس أمام هذا السؤال على صنفين :

فصنف يرىٰ أنّ حظ الإنسان هو علّتان من العلل الأربع :

١٩

الف. العلّة المادية.

ب. العلة الصورية.

وكأنّ العالم بجزئياته وذراته تفاعلت فيما بينها وشكّلت صورة الإنسان، وليس وراء هاتين العلتين علّة أُخرى، فهم ينكرون العلة الفاعلية ( الخالق ) والعلّة الغائية ويقتصرون على العلّة المادية والصورية، وبذلك أراحوا أنفسهم من عناء الإجابة، بل أذعنوا بأنّه ليس وراء خلق الإنسان هدف ولا غاية.

وصنف آخر يرىٰ أنّ وراء العلّتين الماضيتين، علّتين أُخريين: أحدهما: العلّة الفاعلية، والأُخرى: العلة الغائية، والمراد من الأُولى ما يخرج المادة والصورة إلى الوجود، كما أنّ المراد من الثانية الغرض المترتب على الفعل، وحيث إنّ الفاعل موجود حكيم لا يفعل عبثاً دون غرض، فلفعله غرض مترتب عليه، وليس هو إلّا العبور من قنطرة الدنيا إلى الآخرة وانتقاله إلى نشأة أُخرى يُعد غرضاً أسمىٰ لفعله سبحانه.

وتدل على تلك الغاية طائفتان من الآيات :

الأُولى: ما تدل علىٰ أنّ إنكار المعاد يلازم العبث.

الثانية: ما تصف فعله سبحانه ( الإيجاد ) بالحق المطلق الذي لا يدانيه الباطل، وما هو كذلك يمتنع أن يكون عبثاً بلا غرض.

أمّا ما يدل على الطائفة الأُولىٰ فلفيف من الآيات :

١.( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) .(١)

ولأجل أنّ العبث لا يدبُّ إلى فعله ولا يتسرب إلى إيجاده، يصفه بعد تلك الآية بالملك الحق، ويقول:( فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ

__________________

١. المؤمنون: ١١٥.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

تاريخ بغداد للخطيب :

حدّثنا الحسن بن أحمد بن سليمان السراج ، حدّثنا عبد السلام بن صالح ، حدّثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، عن أبي سعيد التميمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : ( دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً ، وقالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة )(1) .

مجمع الزوائد :

( فإنّي سمعت : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق ، أو : الحق مع علي حيث كان. قال : من سمع ذلك؟ قال : قاله في بيت أم سلمة ، قال : فأرسل إلى أم سلمة فسألها ، فقالت : قد قاله رسول الله في بيتي ، فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قط ألوم منك الآن ، فقال ولم؟ قال : لو سمعت هذا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت )(2) .

( وعن أم سلمة أنّها كانت تقول : كان علي على الحق ، من اتّبعه اتّبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهد معهود قبل يومه هذا )(3) .

الإمامة والسياسة :

__________________

1 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 14 / 321 ، ونحوه في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب tat من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 3 / 119 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 tat / 73 ، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 / 177 ، أرجح المطالب لعبيد الله الحنفي ص tat 598 ط لاهور.

2 ـ مجمع الزوائد 7 : 235.

3 ـ مجمع الزوائد 9 : 134.

٢٢١

( فدخل [ محمّد بن أبي بكر ] على أخته عائشة ، قال لها : أما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : علي مع الحق والحق مع علي )(1) .

ربيع الأبرار للزمخشري :

( استأذن أبو ثابت مولى علي على أم سلمة رضي الله عنها فقالت : مرحباً بك يا أبا ثابت ، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال : تبع علي بن أبي طالب. قالت : وفقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )(2) .

تفسير الرازي :

( وأمّا أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه السلام : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار )(3) .

مناقب ابن مردويه :

__________________

1 ـ الإمامة والسياسة : 73.

2 ـ ربيع الأبرار للزمخشري ، وبهذا اللفظ أخرجه الخوارزمي في ( المناقب ) من طريق tat الحافظ ابن مردويه ، والحموي في ( فرائد السمطين ) في الباب السابع والعشرين عن tat طريق الحافظين أبي بكر البيهقي والحاكم أبي عبد الله النيسابوري.

3 ـ تفسير الرازي 1 : 205 ، ومستدرك الحاكم 3 ص 125 ، جامع الترمذي 2 ص 213 ، tat كنز العمال 6 ص 157 ، نزل الأبرار 24 ، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 7 ص 35 ، tat وقال : رواه أبو يعلى ، ورجاله ثقات.

٢٢٢

( عن أبي ذر أنّه سئل عن اختلاف الناس فقال : عليك بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار علي )(1) .

ولا عجب أن يكون الحقّ معه يدور حيثما دار ، وهو من وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه بمنزلة رأسه من بدنه وأنّه كنفسه ، وأنّه معيار الحقّ ولو كان لوحده وكلّ الناس في صفّ آخر و

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي منّي بمنزلة رأسي من بدني )(2) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ، ولتؤتن الزكاة ، أو لأبعثن إليكم رجلاً منّي أو كنفسي فأخذ بيد علي فقال هو هذا )(3) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي ، ودع الناس ، فإنّه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من

__________________

1 ـ انظر : مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه : 113 ـ 118.

2 ـ المناقب للخوارزمي ص 87 و 91 ط الحيدرية ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 92 حديث 135 و 136 ، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 56 ط الميمنية ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30 ، الرياض النضرة للطبري ج 2 / 172 و214 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 7 / 12 ط السعادة بمصر ، ذخائر العقبى للمحب الطبري ص 63.

3 ـ المستدرك على الصحيحين ج 2 / 120 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ج 2 / 368 ح 867 ، مجمع الزوائد ج 9 / 163 ، الصواعق المحرقة ص 75 ط الميمنية ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 40 ، 285 ط اسلامبول ، كنز العمال ج 15 / 144 حديث 412 ط 2 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 89 ط الحيدرية وص 32 ط بيروت ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 40 ط الحيدرية ، المناقب للخوارزمي الحنفي ص 81.

٢٢٣

هدى )(1) .

وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، يا عمار ، إنّ طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله عزّ وجلّ.

وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدّوه ، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدو علي عليه ، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار ، فقال علقمة والأسود لأبي أيوب : يا هذا حسبك! حسبك رحمك الله! حسبك رحمك الله )(2) .

هذه كلمات عربية يفهمها كلّ من عرف العربية ، وهي عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى ، فلابدّ من أخذ كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجدّية وتدبّر ؛ لأنّه كلام مرشد الأمّة.

وقفة مع بعض العبارات في النصوص السابقة :

1 ـ قول عائشة : فأقبل عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم غضباناً محمرّاً وجهه ، فقال : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي وغيرهم إلّا خرج من الإيمان ، وإنّه مع الحق والحق معه.

2 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أعيذك بالله أن تكوني منبحة كلاب الحوأب ).

3 ـ أترين يا حميراء أنّي لا أعرفك إن لأمتي منك يوماً مراً.

__________________

1 ـ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج 3 / 170 ح 1208 ، المناقب للخوارزمي ص 57 وص 105 ح 110.

2 ـ تاريخ بغداد 13 / 186 ، كنز العمال 12 / 212 ، فرائد السمطين 1 / 178 ، مناقب الخوارزمي : 57 و 124 رواه ابن عساكرعن أبي صادق ، والخطيب البغدادي في البداية والنهاية : 7 / 307 ، وابن جرير في كنز العمال : 11 / 352.

٢٢٤

4 ـ أما أنّي قد أرى مكانه ولو فعلت لنفرتم عنه كما نفرت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران.

5 ـ شهادة أم سلمة وعمار وسعد و بمقام عليعليه‌السلام .

6 ـ ألا وأنّه ليس أحد أفقه في دين الله ، ولا أعلم بكتاب الله ، ولا أقرب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فانفروا إلى أمير المؤمنين وسيّد المسلمين

7 ـ لو سمعت هذا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت.

8 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي مع الحق.

علي مع القرآن.

علي نفسي.

علي بمنزلة رأسي من بدني.

يا عمار ، إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي.

طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله

إذن ثبت أنّ علياًعليه‌السلام هو ممثل الحق ، وفرقته هي صاحبة الحق في كلّ عصر ، وقد بيّنا أنّ أتباعه من نصروه في الجمل وصفين والنهروان ، ومن وفى له في ذريته في كربلاء وغيرها ، ومن نهج نهجه ، وأخذ عنه ومنه ، وتمسّك بحبله عبر الخط الرسالي المستمر في ذرّيته الذين لا تخلو الأرض من حجّة منهم كي لا تبطل

٢٢٥

حجج الله وبيّناته :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم ) (1) .

__________________

1 ـ الأنفال : 47.

٢٢٦
٢٢٧

الدليل الثاني عشر : آية المباهلة

قوله تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) .

المباهلة : مفاعلة من البهلة ، وهي : اللعنة ، ومأخذها من الإبهال ، وهو : الإهمال والتخلية ؛ لأن اللعن والطرد والإهمال من واد واحد ، ومعنى المباهلة أنّ يجتمعوا إذا اختلفوا ، فيقولوا بهلة الله على الظالم منّا )(2) .

بهل : أصل البهل كون الشيء غير مراعى ، والباهل البعير المخلى عن قيده أو عن سمة أو المخلّى ضرعها عن صرار. قالت امرأة : أتيتك باهلاً غير ذات صرار ، أي : أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم استأثر بشيء دونه ، وأبهلت فلاناً خليته وإرادته تشبيهاً بالبعير الباهل.

والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال فيه والتضرّع ، نحو قوله عزّ وجلّ :( ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) ، ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن ، قال الشاعر : نظر الدهر إليهم فابتهل ، أي : استرسل فيهم فأفناهم )(3) .

__________________

1 ـ آل عمران (3) : 61

2 ـ الفائق في غريب الحديث 1 : 125.

3 ـ مفردات غريب القرآن : 63.

٢٢٨

قصّة المباهلة :

نصّ ماجاء في معرفة علوم الحديث للنيسابوري :

حدّثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ، قال : حدّثنا الحسين ابن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال ثنا حبّان بن علي العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وفي قوله عزّ وجلّ :( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) إلى قوله( الكاذبين ) نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى نفسه ، ونساءنا ونساءكم في فاطمة ، وأبناءنا وأبناءكم في حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيّد وعبد المسيح وأصحابهم.

قال الحاكم : وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين ، وجعلوا فاطمة وراءهم ، ثمّ قال هؤلاء أبناءنا وأنفسنا ونساءنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ، ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )(1) .

أحكام القرآن للجصّاص :

ونصّه مايلي : ( مطلب : في المباهلة وما رواه أصحاب السير في شأنها.

قوله تعالى( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) الاحتجاج المتقدّم لهذه الآية على النصارى في قولهم : إنّ المسيح هو ابن الله ، وهم وفد نجران ، وفيهم السيّد والعاقب قالا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل رأيت ولداً من غير ذكر؟ فأنزل الله تعالى( إن مثل عيسى عند الله

__________________

1 ـ معرفة علوم الحديث : 49.

٢٢٩

كمثل آدم ) ، روي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة.

وقال قبل ذلك فيما حكي عن المسيح( ولأحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم ) إلى قوله تعالى :( إنّ الله ربي وربكم فاعبدوه ) ، وهذا موجود في الإنجيل ؛ لأنّ فيه : ( إنّي ذاهب إلى أبي وأبيكم ، وإلهي وإلهكم ). والأب السيّد في تلك اللغة ألا تراه قال : ( وأبي وأبيكم ) فعلمت أنّه لم يرد به الأبوّة المقتضية للبنوّة فلمّا قامت الحجّة عليهم بما عرفوه واعترفوا به وأبطل شبهتهم في قولهم : إنّه ولد من غير ذكر بأمر آدم عليه السلام ، دعاهم حينئذ إلى المباهلة ، فقال تعالى :( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية ، فنقل رواة السير ونقلة الأثر لم يختلفوا فيه : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم ، ثمّ دعا النصارى الذين حاجّوه إلى المباهلة ، فأحجموا عنها ، وقال بعضهم لبعض : ( إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً ، ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة ).

وفي هذه الآيات دحض شبه النصارى في أنّه إله أو ابن الإله ، وفيه دلالة على صحّة نبوّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لولا أنّهم عرفوا يقيناً أنّه نبي ما الذي كان يمنعهم من المباهلة؟ فلمّا أحجموا وامتنعوا عنها دلّ أنّهم قد كانوا عرفوا صحّة نبوّته بالدلائل المعجزات ، وبما وجدوا من نعته في كتب الأنبياء المتقدّمين.

وفيه الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال :( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) ولم يكن هناك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ، وقد

٢٣٠

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : ( إن ابني هذا سيّد ). وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : ( لا تزرموا ابني ). وهما من ذريته أيضاً ، كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام بقوله تعالى :( ومن ذريته داود وسليمان ) إلى قوله تعالى :( وزكريا ويحيى وعيسى ) وإنما نسبته إليه من جهة أمّه ؛ لأنه لا أب له.

مطلب : في أنّ ولد البنت هل ينسب إلى قوم أبيه أو قوم أمّه.

ومن الناس من يقول : إنّ هذا مخصوص في الحسن والحسين رضي الله عنهما أنّ يسمّيا ابني النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيرهما ، وقد روي في ذلك خبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يدلّ على خصوص إطلاق اسم ذلك فيهما دون غيرهما من الناس ؛ لأنه روي عنه أنّه قال : ( كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي ). وقال محمّد فيمن أوصى لولد فلان ولم يكن له ولد لصلبه وله ولد ابن وولد ابنة : ( إنّ الوصيّة لولد الابن دون ولد الابنة ). وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنّ ولد الابنة يدخلون فيه. وهذا يدّل على أنّ قوله تعالى وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك مخصوص به الحسن والحسين في جواز نسبتهما على الإطلاق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيره من الناس لما ورد فيه من الأثر ، وأنّ غيرهما من الناس إنّما ينسبون إلى الآباء وقومهم دون قوم الأم ، ألا ترى أنّ الهاشمي إذا استولد جارية رومية أو حبشية أنّ ابنه يكون هاشمياً منسوباً إلى قوم أبيه دون أمّه ، وكذلك قال الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فنسبة الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبنوة

٢٣١

على الإطلاق مخصوص بهما لا يدخل فيه غيرهما ، هذا هو الظاهر المتعارف من كلام الناس فيمن سواهما )(1) .

شواهد التنزيل :

ونصّه ما يلي : ( قوله عزّ اسمه :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) .

حدّثني الحاكم الوالد رحمه الله ، عن أبي حفص بن شاهين في تفسيره ، [ عن ] موسى بن القاسم ، [ عن ] محمّد بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني أبو عبد الله محمّد بن عمر بن واقد الأسلمي ، عن عتبة بن جبيرة ، عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن سعد بن معاذ قال قدم وفد نجران العاقب والسيد فقالا : يا محمّد إنك تذكر صاحبنا؟ فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ومن صاحبكم؟ قالوا : عيسى بن مريم. فقال النبي : هو عبد الله ورسوله. قالا : فأرنا فيمن خلق الله مثله وفيما رأيت وسمعت. فأعرض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عنهما يومئذ ونزل [ عليه ] جبرئيل [ بقوله تعالى ] :( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) (2) الآية.

فعادا وقالا : يا محمّد هل سمعت بمثل صاحبنا قط؟ قال : نعم. قالا : من هو؟ قال : آدم ، ثمّ قرأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) الآية. قالا : فإنّه ليس كما تقول. فقال لهم رسول الله [ صلّى

__________________

1 ـ أحكام القرآن 2 : 18.

2 ـ آل عمران (3) : 59.

٢٣٢

الله عليه وآله وسلم ] :( تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، فأخذ رسول الله بيد علي ومعه فاطمة وحسن وحسين [ و ] قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا. فهمّا أنّ يفعلا ، ثمّ إنّ السيّد قال للعاقب : ما تصنع بملاعنته؟ لئن كان كاذباً ما تصنع بملاعنته ، ولئن كان صادقاً لنهلكن!! فصالحوه على الجزية ، فقال النبي [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] يومئذ : والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد )(1) .

فتح الباري :

( ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ، فذكر هذا الحديث [ حديث المنزلة ] وقوله : لأعطين الراية رجلاً يحبّه الله ورسوله ، وقوله لما نزلت :( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي )(2) .

تفسير ابن كثير :

( قال : ( والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرّة الأولى وإنّ إبليس لمعهم ) ، ثمّ سألهم وسألوه ، فلم تزل به وبهم المسألة حتّى قالوا له : ما تقول في عيسى فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرّنا إن كنت نبيّا أنّ نسمع ما تقول فيه؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( ما عندي فيه شيء يومي هذا ، فأقيموا حتّى

__________________

1 ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت 1 : 155.

2 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 7 : 60.

٢٣٣

أخبركم بما يقول لي ربّي في عيسى ).

فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الآية :( إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم ـ إلى قوله ـ الكاذبين ) فأبوا أنّ يقرّوا بذلك.

فلمّا أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ، فقال شرحبيل لصاحبيه : لقد علمتما أنّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلّا عن رأيي ، وإنّي والله أرى أمراً ثقيلا ، والله لئن كان هذا الرجل مبعوثاً فكنّا أوّل العرب طعناً في عينيه وردّاً عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتّى يصيبنا بجائحة وأنا لأدنى العرب منهما جواراً ، ولئن كان هذا الرجل نبيّاً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى منّا على وجه الأرض شعر ولا ظفر إلّا هلك ، فقال صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال : أرى أنّ أحكمه فإنّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً ، فقالا له : أنت وذاك.

قال : فتلّقى شرحبيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : إنّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك فقال : ( وما هو )؟ فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( لعلّ وراءك أحداً يثرب عليك )؟ فقال شرحبيل : سل صاحبي ، فسألهما فقالا : ما يرد الوادي ولا يصدر إلّا عن رأي شرحبيل ، فرجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يلاعنهم حتّى إذا كان من الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كلّ ثمرة وكلّ صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل

٢٣٤

عليهم وترك ذلك كلّه لهم على ألفي حلّة ، في كلّ رجب ألف حلّة ، وفي كلّ صفر ألف حلة. وذكر تمام الشروط وبقية السياق.

والغرض أنّ وفودهم كان في سنة تسع لأنّ الزهري قال : كان أهل نجران أوّل من أدّى الجزية إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآية الجزية إنّما أنزلت بعد الفتح وهي قوله تعالى :( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية.

وقال أبو بكر بن مردويه : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن داود المكي ، حدّثنا بشر بن مهران ، حدّثنا محمّد بن دينار ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم العاقب والطيّب فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه على أنّ يلاعناه الغداة. قال : فغدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أنّ يجيبا ، وأقرّا له بالخراج. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( والذي بعثني بالحق لو قالا : لا ، لأمطر عليهم الوادي ناراً ).

قال جابر : وفيهم نزلت( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) قال جابر( أنفسنا وأنفسكم ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي طالب ،( وأبناءنا ) الحسن والحسين( ونساءنا ) فاطمة.

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه ، عن علي بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن الأزهري ، عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند به بمعناه. ثمّ قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا )(1) .

__________________

1 ـ تفسير القرآن العظيم 1 : 379.

٢٣٥

جامع البيان ، الطبري :

عن قتادة في قوله :( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : بلغنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ليلاً عن أهل نجران ، فلمّا رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا. قال معمر ، قال قتادة : لما أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة : ( اتّبعينا ) ، فلمّا رأى ذلك أعداء الله رجعوا.

حدّثنا الحسن بن يحيى ، قال : ( أخبرنا ) عبد الرزاق ، قال : ( أخبرنا ) معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لو خرج الذين يباهلون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً.

حدّثنا أبو كريب ، قال : ثنا زكريا ، عن عدّي قال : ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله.

حدّثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلّا أهلك الله الكاذبين ).

حدّثني يونس ، قال : ( أخبرنا ) ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت( أبناءنا وأبناءكم ) ؟ قال : ( حسن وحسين ).

حدّثني محمّد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر بن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الآية :( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود :

٢٣٦

ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا! فانتهوا )(1) .

صحيح مسلم :

( ولما نزلت هذه الآية( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي )(2) .

وقفة مع شاهد في كلامهم يجب الالتفات إليه :

1 ـ عبارة : ( الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال تعالوا : ندع أبناءنا وأبناءكم ، ولم يكن هناك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ).

2 ـ عبارة : ( وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : إنّ ابني هذا سيّد وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : لا تزرموا ابني. وهما من ذريته أيضاً كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام ).

3 ـ قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسبّ أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ( معاوية يأمر بسبّ علي ، وعليك التعليق ).

4 ـ( أنفسنا وأنفسكم ) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي

__________________

1 ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري3 : 409.

2 ـ صحيح مسلم 7 : 120 ، باب فضائل عليعليه‌السلام ، مسند أحمد 1 : 185 ، مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص.

٢٣٧

طالب( وأبناءنا ) الحسن والحسين( ونساءنا ) فاطمة.

5 ـ فقال اللهم هؤلاء أهلي.

6 ـ عبارة : ( وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ).

7 ـ لو لم يكن من دليل إلّا احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من احتجاجه آية المباهلة ، وهذه القصّة مشهورة ، وكلّهم أقروا بما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام وصدقوه في ما قال ، وهذا الاحتجاج في الشورى مروي من طرق السنة أنفسهم ، كما في الصواعق المحرقة لابن حجر : ( أخرج الدارقطني ان علياً يوم الشورى احتجّ على أهلها ، فقال لهم : أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرحم منّي ، ومن جعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري؟ قالوا : اللهم لا )(1) .

وكذلك هناك روايات كثيرة في احتجاج أبناء الإمام عليعليه‌السلام ، ومن ذلك ما روي أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضاعليه‌السلام بقوله : هل لك دليل من القرآن الكريم على إمامة علي ، أو أفضلية علي؟ فذكرله الإمامعليه‌السلام آية المباهلة ، واستدل بكلمة :( وأنفسنا ) ، كما جاء في الفصول المختارة للشيخ المفيد ما هذا نصّه.

وحدّثني الشيخ أدام الله عزّه أيضاً قال : قال المأمون يوماً للرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدلّ عليها القرآن قال : فقال له الرضا عليه السلام : فضيلته في المباهلة ، قال الله جلّ جلاله :( فمن حاجّك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا

__________________

1 ـ الصواعق المحرقة 2 : 454 ، الباب الحادي عشر ، الآية التاسعة.

٢٣٨

ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذببن ) ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين عليهما السلام فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة عليها السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان نفسه بحكم الله عزوجل ، وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأفضل فوجب أنّ لا يكون أحد أفضل من نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحكم الله عزّ وجلّ.

قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنيه خاصّة ، وذكر النساء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته وحدها ، فلم لا جاز أنّ يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل؟ قال : فقال له الرضا عليه السلام : ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين ؛ وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً لغيره ، كما يكون الآمرآمراً لغيره ، ولا يصح أنّ يكون داعياً لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً في المباهلة إلّا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله. قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال )(1) .

8 ـ اعتراف ابن تيمية ـ الذي من طبيعته تكذيب فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ـ بعدم خروج أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية المباهلة غير هؤلاء

__________________

1 ـ عن الفصول المختارة للشيخ المفيد : 38.

٢٣٩

الأربعة إلّا أنّه يقول بأن عادة العرب في المباهلة كانت أنّ يخرجوا الأقرب نسباً وإن لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإن لم يكن ذا منزلة خاصّة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى. لكنه يعترض على نفسه ويقول : إن كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمه معه ، والعباس أقرب إلى رسول الله من علي؟ ويقول في الجواب على نفسه : بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لأن يحضر مثل هذه القضية ، فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة(1) .

ونجيبه على قوله : إنّ العرب تأخذ الأقرب في المباهلة بقولنا :

أوّلاً : أنّ الرسول هو القدوة الحسنة لكلّ مسلم ، وكلامه وفعله ليس عن الهوى ، ولا يقلّد العرب ، ولا غيرهم في شيء ، وأنّ كلامه وأفعاله ما هي إلّا وحي يوحى.

ثانياً : أنّ العباس ( رضي الله عنه ) هو أقرب من عليعليه‌السلام ، إذ بالإجماع أنّ العم أقرب من ابن العم ، فلِمَ لم يأخذ إلّا عليعليه‌السلام ؟ وقد اعترف بذلك بنفسه.

ثالثاً : أنّ الإمام عليعليه‌السلام له فضائل ودلائل غير آية المباهلة تدلّ على أولويته بالخلافة ، بل ثبت وجوب اتّباعه من الصحاح والمسانيد والتفاسير السنية المعتبرة ، مضافاً إلى اجماع الشيعة.

رابعاً : يعترض ابن تيمية بقوله : ( لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختص هذه الفضيلة بعلي ).

نقول : إنّ البحث لم يكن في تفضيل علي على فاطمة والحسنين عليهم

__________________

1 ـ منهاج السنّة 7 : 122 ـ 130.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403