مفاهيم القرآن الجزء ٨

مفاهيم القرآن14%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167181 / تحميل: 5805
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

المجال ، فإنّه لم يكن ينبغي جني الأرباح من وراء ذلك ، وإنّما كان يؤدي واجبا إلهيا ،( إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِ ) (١) .

وتضيف الآية( فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ) .

على أية حال ، فإنك لست مكلفا بإدخال الحق إلى قلوبهم بالإجبار ، وإنّما عليك إبلاغهم وإنذارهم فقط( وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ) .

هذه القاعدة بأنّ كلّ من اتبع طريق الحق عاد بالربح على نفسه ، ومن اتبع سبيل الضلال عاد بالخسارة على نفسه ، تكررت عدّة مرات في آيات القرآن الكريم ، كما أنّه تأكيد على حقيقة أنّ الله غير محتاج لإيمان عباده ولا يخاف من كفرهم ، وكذلك رسوله ، وإنّه لم يدفع عباده إلى عبادته كي يجني من وراء ذلك الأرباح ، وإنّما ليجود على عباده.

قوله تعالى :( وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ) ـ التي وردت فيها كلمة (وكيل) بمعنى الشخص المكلف بهداية الضالين وجعلهم يؤمنون بالله ـ وردت عدّة مرات في آيات القرآن ، وبنفس التعبير أو ما يشابهه ، والغرض من تكرارها هو بيان أنّ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس مسئولا عن إيمان الناس ، لأنّ أساس الإيمان لا يأتي عن طريق الإجبار ، وإنّه مكلّف بإبلاغ الأمر الإلهي إلى الناس من دون أن يظهر أدنى تقصير أو عجز ، فإمّا أن يستجيبوا لدعوته وإمّا أن يرفضوها.

ثمّ لتوضح أنّ الحياة والموت وكلّ شؤون الإنسان هي بيد الله سبحانه وتعالى ، قالت الآية :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ) (٢) .

وبهذا الشكل فإن (النوم) يعد شقيق (الموت) لكن بأحد أشكاله الضعيفة ، أي (أشكال الموت) ، لأن العلاقة بين الروح والجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء

__________________

(١) «بالحق» : من الممكن أن تكون حالا لـ (كتاب) أو للفاعل في( أَنْزَلْنا ) ، مع أنّ المعنى الأوّل أنسب ، ولذا فإنّ مفهوم الآية يكون : (إنا أنزلنا عليك القرآن مترافقا بالحق).

(٢) كلمة (توفى) تعني قبض الشيء بالتمام ، كلمة (أنفس) تعني الأرواح. وكلمة (منام) لها معنى مصدري وتعني النوم.

١٠١

النوم ، وتقطع الكثير من العلاقات والوشائج بينهما.

وتضيف الآية( فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) نعم( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

من هذه الآية يمكن استنتاج عدة أمور :

١ ـ إنّ الإنسان عبارة عن روح وجسد ، والروح هي جوهر غير مادي ، يرتبط بالجسد فيبعث فيه النور والحياة.

٢ ـ عند الموت يقطع الله العلاقة بين الروح ، والجسد ، ويذهب بالروح إلى عالم الأرواح ، وعند النوم يخرج البارئعزوجل الروح والجسد ، ولكن ليس بتلك الحالة التي تقطع فيها العلاقات بصورة كاملة. ووفقا لهذا فإنّ الروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد ، وهي : ارتباط كامل (حالة الحياة واليقظة) وارتباط ناقص (حالة النوم) وقطع الارتباط بصورة كاملة (حالة الموت).

٣ ـ النوم هو أحد الصور الضعيفة (للموت) ، و (الموت) هو نموذج كامل (للنوم).

٤ ـ النوم هو أحد دلائل استقلال وأصالة الروح ، خاصة عند ما يرافق بالرؤيا الصادقة التي توضح المعنى أكثر.

٥ ـ إنّ العلاقة التي تربط بين الروح والجسد تضعف أثناء النوم ، وأحيانا تقطع تماما ممّا يؤدي إلى عدم يقظة النائم إلى الأبد ، أي موته.

٦ ـ إنّ الإنسان عند ما ينام في كلّ ليلة يشعر وكأنّه وصل إلى أعتاب الموت ، وهذا الشعور بحد ذاته درسا يمكن الاعتبار منه ، وهو كاف لإيقاظ الإنسان من غفلته.

٧ ـ كلّ هذه الأمور تجري بقدرة البارئعزوجل ، وإن كان قد ورد في بعض الآيات ما يشير إلى أنّ ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح ، فهذا لا يعني سوى أنّه ينفّذ أوامر البارئعزوجل .

١٠٢

وعلى أية حال ، فإنّ المراد من قوله تعالى :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) هو إثبات دلائل قدرة البارئعزوجل ، ومسألة الخلق ، والمعاد ، وضعف وعجز الإنسان مقابل إرادة اللهعزوجل .

وبعد ما أصبحت ـ حاكمية ـ (الله) على وجود الإنسان وتدبير أمره عن طريق نظام الحياة والموت والنوم واليقظة ، أمرا مسلما من خلال الآيات السابقة ، تناولت الآية اللاحقة خطأ اعتقاد المشركين فيما يخص مسألة الشفاعة ، كي تثبت لهم أنّ مالك الشفاعة هو مالك حياة وموت الإنسان ، وليس الأصنام الجامدة التي لا شعور لها( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ ) (١) .

وكما هو معروف فإنّ إحدى الأعذار الواهية لعبدة الأوثان بشأن عبادتهم للأوثان ، هي ما ورد في مطلع هذه السورة( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى ) (٢) ، إذ أنّهم كانوا يعدونها تماثيل وهياكل للملائكة للأرواح المقدسة ، ويزعمون أنّ هذه الأحجار والأخشاب الميتة لها قدرة هائلة.

ولكون الشفاعة تحصل من الشفيع الذي هو ، أوّلا : يشعر ويدرك ويفهم ، وثانيا : قدير ومالك وحكيم ، فإن تتمة الآية تجيبهم( قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ ) (٣) .

إذا كنتم تتخذون من الملائكة والأرواح المقدسة شفعاء لكم ، فإنّهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ، لأن كلّ ما عندهم هو من الله ، وإذا كنتم تتخذون من الأصنام المصنوعة من الخشب والحجارة شفعاء لكم ، فإنّهم علاوة على عدم امتلاكهم شيئا لأنفسهم ، فهم لا يمتلكون أدنى عقل أو شعور ، فاتركوا هذه الأعذار ، وعودوا إلى الذي يملك ويحكم كلّ هذا العالم ، وإلى من إليه تنتهي كلّ الأمور.

__________________

(١) «أم» : هنا منقطعة وتعني (بل) ولو كانت متصلة ، لكان يجب تقدير القسم الثّاني لها ، وهذا خلاف الظاهر.

(٢) الزمر ، ٣.

(٣) عبارة( أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً ) فيها محذوف ، والتقدير : (أيشفعون لكم ولو كانوا لا يملكون شيئا).

١٠٣

لذا فإنّ الله جلّ وعلا يضيف في الآية التالية( قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً ) لأنّه( لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

وبهذا الشكل لم يبق لديهم شيء ، لأنّ النظام المسيطر والحاكم على كلّ العالم يقول : لا شفاعة هناك ما لم يأذن البارئعزوجل بذلك( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (١) .

أو كما يقول بعض المفسّرين : إنّ حقيقة الشفاعة ، هي التوسل بأسماء الله الحسنى ، التوسل برحمته وغفرانه وستره ، طبقا لهذا فإنّ كافة أشكال الشفاعة تعود في النهاية إلى ذاته المقدسة ، إذن كيف يمكن طلب الشفاعة من غيره وبدون إذنه(٢) .

وبشأن ارتباط عبارة( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) بما قبلها ، أظهر المفسّرون عدّة آراء مختلفة منها :

١ ـ هذه العبارة إشارة إلى أنّ شفاعة البارئعزوجل لا تقتصر على هذه الدنيا ، وإنّما تتعداها إلى الشفاعة في الآخرة ، ولذا يجب عدم اللجوء إلى غير الله لحل المشاكل ورفع المصائب كما كان يفعل المشركون.

٢ ـ هذه العبارة هي دليل ثان على اختصاص الشفاعة بالله ، لأنّ الدليل الأوّل اعتمد على (مالكية) الله ، وهنا تمّ الاعتماد على (عودة جميع الأشياء إليه).

٣ ـ هذه الجملة هي بمثابة تهديد للمشركين ، إذ تقول لهم : إنّكم سترجعون إلى الله ، وستشاهدون نتيجة أفكاركم وأعمالكم السيئة والقبيحة.

كلّ هذه التفاسير مناسبة إلّا أنّ التّفسيرين الأوّل والثّاني أنسب.

* * *

__________________

(١) البقرة ، ٥٧.

(٢) الميزان ، المجلد ١٧ ، الصفحة ٢٨٦.

١٠٤

ملاحظتان

١ ـ عجائب عالم الرؤيا؟

ما هي حقيقة النوم؟ وما سبب ميل الإنسان إلى النوم؟

بهذا الشأن كتب العلماء أبحاثا كثيرة :

فالبعض منهم قال : إنّه يأتي نتيجة انتقال جزء كبير من الدم الموجود في المخ إلى بقية أجزاء الجسم ، ولذا فإنّ السبب هنا (فيزياوي).

والبعض الآخر يعتقد أنّ النشاط الإضافي للجسم يؤدي إلى تجمع مواد سامّة معينة في الجسم ، وهذه الحالة تؤثر على الأنظمة العصبية وتدفع الإنسان إلى النوم ، وتستمر هذه الحالة عند الإنسان حتى تتمّ تجزئة تلك السموم وامتصاصها من قبل الجسد ، وبهذا يكون السبب هنا (كيمياويا).

مجموعة اخرى تقول : إن سبب النوم إنّما يعود لأسباب عصبية لأنّ هناك جهازا عصبيا نشطا في داخل مخ الإنسان ، وهذا الجهاز هو مصدر الحركة المستمرة لبقية أعضاء الجسم ، وهو يتوقف عن العمل إثر التعب الشديد الذي يصيبه فيحصل النوم.

النظريات المذكورة أعلاه عجزت عن إعطاء جواب مقنع فيما يخص مسألة النوم ، رغم أنّنا لا يمكن أن ننكر تأثير هذه الأسباب ولو بمقدار ضئيل. نحن نعتقد أنّ التفكير المادي لعلماء اليوم هو السبب الرئيسي الذي يمكن وراء عجزهم عن إعطاء تفسير واضح لمسألة النوم ، إذا أنّهم يريدون تفسير هذه المسألة من دون قبول أصالة واستقلالية الروح ، فالنوم قبل أن يكون ظاهرة جسدية هو ظاهرة روحية ، ومن دون معرفة الروح بصورة صحيحة ، فإنّ تفسير النوم حالة متعذرة.

القرآن المجيد وضّح من خلال آياته المذكورة أعلاه أدقّ التفاسير لمسألة النوم ، إذ يقول : إن النوم هو نوع من أنواع (قبض الروح) وانفصال الروح من الجسد ، ولكن هذا الانفصال ليس انفصالا كاملا.

١٠٥

وبهذا الشكل فعند ما يخفت شعاع الروح في الجسد بأمر من الله ، ولا يبقى غير شعاع خافت اللون يشع في ذلك الجسد ، يتعطل جهاز الإدراك والشعور عن العمل ، ويتوقف الحسّ والحركة عند الإنسان ، عدا بعض الأجزاء التي تبقى تواصل نشاطها لحفظ واستمرار الحياة عند الإنسان ، كضربات القلب ودوران الدم ونشاطات الجهاز التنفسي والغذائي.

وقد ورد في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «ما من أحد ينام إلّا عرجت نفسه إلى السماء ، وبقيت روحه في بدنه ، وصار بينهما سبب كشعاع الشمس ، فإن أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروح النفس ، وإن أذن الله في ردّ الروح أجابت النفس الروح ، فهو قوله سبحانه :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (١) .

وثمّة مسألة مهمّة اخرى هي مسألة (الرؤيا) لأنّ الكثيرين يرون في عالم الرؤيا أحلاما حدثت وقائعها أو ستحدث فيما بعد في الواقع ، مع اختلافات جزئية أو بدون أيّ اختلاف.

التفاسير المادية عاجزة عن توضيح مثل هذه الرؤيا والأحلام ، في حين أن التفاسير الروحية تستطيع بسهولة توضيح هذا الأمر ، لأنّه عند ما تنفصل روح الإنسان عن جسده وترتبط بعالم الأرواح ، تدرك حقائق كثيرة لها علاقة بالماضي والمستقبل ، وهذه الحالة هي التي تشكل أساس الرؤيا الصادقة ، وللتوضيح أكثر يراجع التفسير الأمثل) في نهاية الآية (٤) من سورة يوسف ، إذ أنّ هناك شرحا مفصلا بهذا الخصوص.

٢ ـ النوم كما ورد في الروايات الإسلامية :

يتضح جيدا من خلال روايات المفسّرين التي وردت في نهاية الآيات

__________________

(١) مجمع البيان ذيل آية البحث وتفسير الصافي. كلمة (روح) في هذه الرواية تعني (الروح الحيوانية) وعمل أجهزة الجسم الرئيسية ، وكلمة (نفس) تعني روح الإنسان.

١٠٦

المذكورة أعلاه ، أنّ النوم يعني في الإسلام حركة الروح نحو عالم الأرواح ، فيما تعني اليقظة عودة الروح إلى الجسد لبدء حياة جديدة.

ونقرأ في حديث ورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ضمن وصاياه لأصحابه :

«لا ينام المسلم وهو جنب ، لا ينام إلّا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد ، فإنّ روح المؤمن ترفع إلى الله تعالى فيقبلها ، ويبارك عليها ، فإن كان أجلها قد حضر جعلها في كنوز رحمته ، وإن لم يكن أجله قد حضر بعث بها مع أمنائه من ملائكته ، فيردونها في جسده»(١) .

وورد حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام جاء فيه : «إذا قمت بالليل من منامك فقل : الحمد لله الذي ردّ عليّ روحي لأحمده وأعبده»(٢) .

والأحاديث في هذه الشأن كثيرة.

* * *

__________________

(١) خصال الصدوق ، نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلد ٤ ، الصفحة ٤٨٨.

(٢) أصول الكافي ، نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلد ٤ ، الصفحة ٤٨٨.

١٠٧

الآيات

( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) )

التّفسير

الذين يخافون من اسم الله!

مرّة اخرى يدور الحديث عن التوحيد والشرك ، إذ عكست الآية الأولى إحدى الصور القبيحة والمشوهة للمشركين ولمنكري المعاد من خلال تعاملهم مع التوحيد ، قال تعالى :( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ

١٠٨

وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (١) .

فأحيانا يستحسن الإنسان القبائح ويستقبح الحسنات بحيث ينزعج إذا سمع اسم الحق ويستبشر إذا سمع اسم الباطل لا يسجد ولا يركع أمام عظمة الله جلّ وعلا خالق الكون ، إلّا أنّه يسجد ويركع تعظيما لأصنام صنعها من الحجارة والخشب أو لإنسان أو كائنات مثله.

ونظير هذا المعنى ورد في الآية (٤٦) من سورة الإسراء ، قال تعالى :( وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) .

وفي سورة نوح الآية (٧) عند ما شكى نبيّ الله نوحعليه‌السلام ممن يفكر بمثل هذا التفكير المنحرف إلى الله سبحانه وتعالى( وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ) .

نعم ، هذا هو حال المتعصبين اللجوجين والجهلة المغرورين.

من هذه الآية يتضح بصورة جيدة أنّ مصدر شقاء هذه المجموعة أمران : الأوّل : إنكارهم لأساس التوحيد ، والثّاني : عدم إيمانهم بالآخرة.

وفي المقابل نرى المؤمنين لدى سماعهم اسم الله ينجذبون إليه بدرجة أنّهم على استعداد لبذل كلّ ما لديهم في سبيله ، فاسم حبيبهم يحلّي أفواههم ويعطّر أنفاسهم ويضيء قلوبهم ، كما أن سماع أي شيء يرتبط ويتعلق بالله يبعث السرور والبهجة في قلوبهم.

نعود إلى المشركين مرّة اخرى لنقول : إن الصفة القبيحة التي ذكرناها في بداية البحث بشأن المشركين ، لا تخصّ مشركي عصر الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما في عصر وزمان هناك منحرفون ذوو قلوب مظلمة يفرحون ويستبشرون فور سماعهم أسماء أعداء الله وأصحاب المذاهب الإلحادية ، وسماعهم نبأ انتصار الظلم والطغيان ، أمّا سماع أسماء الطيبين والطاهرين ومناهجهم وانتصاراتهم فإنّه

__________________

(١) «اشمأزت» : من مادة (اشمئزاز) وتعني الانقياض والنور عن الشيء ، (وحده) منصوب حال أو مفعول مطلق.

١٠٩

يسبب لهم آلاما مبرحة ، بعض الرّوايات فسّرت الآية على أنّها تعني أولئك الذين ينزعجون من سماع فضائل أهل بيت النبوّة الأطهارعليهم‌السلام أو من يتبع نهجهم(١) .

وعند ما يصل الأمر إلى درجة أنّ مجموعة من اللجوجين والجهلة المغرورين ينفرون ويشمئزون حتى من سماع اسم الله ، يوحي البارئعزوجل إلى نبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتركهم ويتوجه الى الباريعزوجل ويشتكي إليه من هؤلاء بلحن مليء بالعواطف الرفيعة والعشق الإلهي لكي يبعث على تسكين قلبه المليء بالغم من جهة ، وعلى تحريك العواطف الهامدة عند أولئك من جهة اخرى :( قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (٢) .

نعم أنت الحاكم المطلق في يوم القيامة الذي تنتهي فيه الاختلافات وتظهر فيه كلّ الحقائق المخفية ، لأنك خالق كلّ شيء في الوجود وعالم بكل الأسرار فتنتهي الاختلافات بحكمك العادل ، وهناك يدرك المعاندون مدى خطئهم ، ويفكرون في إصلاح ما مضى ، ولكن ما الفائدة؟

الآية التالية تقول :( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) ولكن هذا الأمر غير ممكن.

«الظلم» : هنا له معان واسعة تشمل الشرك أيضا وبقية المظالم.

ثم تضيف الآية( وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) .

وسيرون العذاب بأعينهم ، العذاب الذي لم يكن يتوقعه أحد منهم ، لأنّهم كانوا مغرورين بلطف الله ، في حين كانوا في غفلة عن غضبه وقهره. وأحيانا كانوا يقومون بأعمال يتصورونها حسنة ، في حين أنّها كانت من الذنوب الكبيرة.

على أيّة حال ، تظهر لهم في ذلك اليوم أمور لم يكن يتصور أحد ظهورها.

__________________

(١) صول الكافي ، وروضة الكافي ، نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلد ٤ ، الصفحة ٤٩٠.

(٢) «فاطر السموات» منصوب بعنوان منادى مضاف.

١١٠

ذلك الوعيد يأتي في مقابل الوعود الطيبة التي قطعت للمؤمنين ، قال تعالى :( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) (١) .

وقد نقل أنّ أحد المسلمين جزع عند الموت ، فقيل له : أتجزع ، فقال : أخذتني هذه الآية( وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) (٢) .

الآية التالية توضيح أو تتمة لموضوع طرحته الآية السابقة ، إذ تقول :( وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

في الحقيقة هناك أربعة مواضيع تتعلق بالمشركين والظالمين طرحت في هذه الآيات :

أوّلا : إنّ هول ورهبة العذاب الإلهي في ذلك اليوم ستكون من الشدّة بحيث تجعلهم يتمنون لو أنّ لديهم في تلك الساعة ضعف الثروات والأموال التي كانوا يمتلكونها في عالم الدنيا ليفتدوا بها من سوء العذاب ، ولكن من المستحيل أن يحدث مثل هذا الأمر في يوم القيامة.

ثانيا : تظهر أمامهم أنواع من العذاب الإلهي الذي لم يكن أحد يتوقعه ولا يتصوره.

ثالثا : حضور أعمالهم السيئة أمامهم وتجسيدها لهم.

رابعا : مشاهدتهم حقيقة المعاد الذي لم يأخذوه مأخذ الجد ، ومن ثمّ انغلاق كلّ أبواب النجاة أمامهم.

الآية التي تقول :( بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ) والتي وردت آنفا ، هي دليل آخر على مسألة تجسيد الأعمال.

* * *

__________________

(١) الم سجدة ، ١٧.

(٢) تفسير مجمع البيان وتفسير القرطبي ذيل آية البحث.

١١١

الآيات

( فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) )

التّفسير

في الشدائد يذكرون الله ، ولكن

الآيات هنا تتحدث مرّة اخرى عن المشركين والظالمين ، وتعكس صورة اخرى من صورهم القبيحة.

في البداية يقول( فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ) فذلك الإنسان الذي كان ـ وفق ما جاء الآيات السابقة ـ يشمئز من ذكر اسم الله. نعم ، هو نفسه يلجأ إلى ظلّ

١١٢

الله عند ما يصيبه الضرّ ويتعرض للشدائد. لكن هذا اللجوء مؤقت ، إذ ما إن يتفضّل عليه البارئعزوجل ويكشف عنه الضر والشدائد ، حتى يتبجح ناكرا لهذه النعم ، وزاعما بأنّه هو الذي أنقذ نفسه من ذلك الضر( ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ ) (١) .

نظير هذا الكلام نقله القرآن في الآية (٧٨) من سورة القصص عن لسان «قارون» عند ما نصحه علماء بني إسرائيل بأن ينفق ممّا منّ الله به عليه في سبيل الله ، إذ قال :( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ) .

إنّ أمثال هؤلاء الغافلين لا يتصورون أنّ العلوم والمعارفة التي يمتلكها الإنسان إنّما هي نعمة إلهية ، فهل أنّ هؤلاء اكتسبوا العلم الذي كان يدرّ عليهم الأموال الطائفة من ذاتهم؟ أم أنّه كان في ذاتهم منذ الأزل؟

بعض المفسّرين ذكروا احتمالا آخر لتفسير هذه العبارة ، وقالوا : إنّ النعم التي منّ بها البارئعزوجل علينا إنّما منّ بها علينا لعلمه بلياقتنا واستحقاقنا لها.

ومع أنّ هذا الاحتمال وارد بشأن الآية مورد بحثنا ، لكنّه غير وارد بشأن الآية الآنفة التي تحدثت عن قارون ، خاصة مع وجود كلمة (عندي) وهذه أحد القرائن لترجيح التّفسير الأوّل للآية التي هي مورد البحث.

ثم يجيب القرآن الكريم على أمثال هؤلاء المغرورين ، الذين ينسون أنفسهم وخالقهم بمجرّد زوال المحنة وتوفّر النعمة ، قائلا :( بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

فالهدف من ابتلائهم بالحوادث الشديدة والصعبة ، ومن ثمّ إغداق النعم الكبيرة عليهم هو اظهار خباياهم والكشف عن بواطنهم.

__________________

(١) «خول» : من مادة (تخويل) وتعني الإعطاء على نحو الهبة ، وقد شرحت بالتفصيل في ذيل الآية الثامنة من هذه السورة (الزمر) ، ضمير (أوتيته) رغم أنّه يعود على (نعمة) فقد جاء بصيغة المذكر ، لأنّ المقصود منه (شيء من النعمة) أو (قسم من النعمة).

١١٣

هل ييأس الإنسان عند المصيبة ويغترّ ويطغى عند النعمة؟

هل أنّه يزداد تفكيرا باللهعزوجل عند ما يحاط بهذه النعم ، أم أنّه يغرق في ملذات الدنيا؟

هل ينسى ذاته ، أو أنّه يلتفت إلى نقاط ضعفه ويعود إلى ذكر الله أكثر؟

ممّا يؤسف له أنّ أكثر الناس مبتلون بالنسيان ، وغير مطلعين على الحقائق التي تكررت مرات عديدة في آيات القرآن المجيد ، وهي أنّ العزيز الحكيم يجعل الإنسان أحيانا محاطا بالمشاكل والابتلاءات الشديدة ، وأحيانا يغدق عليه النعم ، وذلك ليمتحنه ويرفع من شأنه وليعرفه بأن كلّ شيء في هذه الحياة هو من الله سبحانه وتعالى.

ومن الطبيعي أنّ الشدائد تهيء الأرضيه لتفتتح الفطرة ، كما أنّ النعم مقدمة للمعرفة (وفي هذا الخصوص أوردنا بحثا آخر في تّفسيرنا الأمثل في نهاية الآية (٦٥) من سورة العنكبوت).

وممّا يدعوا إلى الانتباه تأكيد الآية على كلمة (إنسان) التي عرفته بأنّه كثير النسيان والغرور ، وهذه إشارة إلى الذين لم يتربوا وفق ما جاء في الشرائع والسنن الإلهية ، والذين لم يكن لهم أيّ مربّ ومرشد الذين أطلقوا لشهواتهم العنان واستسلموا لأهوائهم ، نعم فهؤلاء هم الذين يلجؤون إلى البارئعزوجل كلّما مسّهم الضرّ وكلمّا ابتلوا بالشدائد والمحن ، ولكن عند ما تهدأ أعاصير الحوادث ويشملهم لطف البارئ وعنايته ، ينسونه وكأنّهم لم يدعوه إلى ضرّ مسّهم. ولمزيد من الاطلاع راجع موضوع : الإنسان في القرآن الكريم. في نهاية الآية (١٢) من سورة يونس.

وتضيف الآية التالية( قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (١) .

__________________

(١) ضمير (قد قالها) راجع إلى القول السابق باعتبار أنّه مقالة أو كلمة ، والمراد منها عبارة( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ ) .

١١٤

نعم ، فقارون وأمثاله من المغرورين يتصورون أنّهم حصلوا على الأموال بسبب لياقتهم وغفلوا عن أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي منّ بهذه النعم عليهم وأنّه المصدر الأصل للنعم والواهب الحقيقي لها ، وأنّهم كانوا ينظرون فقط للأسباب الظاهرية ، لكن التاريخ بيّن أنّه عند ما خسف البارئعزوجل الأرض بأولئك لم يسرع أحد إلى مساعدتهم ، ولم تنفعهم أموالهم ، كما ورد في سورة القصص الآية (٨١)( فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ ) .

وليس قارون ـ وحده ـ ابتلي بهذا العذاب ، وإنّما أقوام عاد وثمود وسبأ وأمثالهم ابتلوا ـ أيضا ـ وكان لهم نفس المصير.

ثم يقول :( فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ) .

فكل واحد منهم ابتلي بنوع من العذاب الإلهي وهلك ، كابتلائهم بالطوفان والسيل والزلزال والصيحة السماوية.

ويضيف : إنّ هذا المصير لا ينحصر بأولئك الأقوام وحسب بل إنّ مشركي مكّة سيبتلون في القريب العاجل بعواقب أعمالهم السيئة ، ولا يستطيع أحد منهم أن يفرّ من قبضة العذاب الإلهي الذي سينزل بهم جميعا( وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

وسينال هذا العذاب والابتلاء كلّ الطغاة والمغرورين والمشركين ، وفي كلّ العصور والقرون.

ومن جهة اخرى ورد احتمالان في هل أنّ المراد من عبارة( سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ) هو العذاب الدنيوي أم العذاب الاخروي ، ولكن بقرينة( فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ) فإنّ التّفسير الأوّل أنسب.

القرآن الكريم أجاب على ادعاءات الذين يزعمون أنّهم حصلوا على النعم الدنيوية بعلمهم وقدرتهم ، عند ما دعاهم إلى مراجعة تأريخ الأولين للاطلاع على أنواع الابتلاءات والعذاب الذي ابتلوا به بسبب مزاعمهم الباطلة ، وهذا هو ردّ

١١٥

تأريخي وواقعي.

ثمّ يرد القرآن الكريم عليهم بردّ عقلي ، إذ يقول :( أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ) .

فالكثير من الأشخاص الكفوئين نراهم يعيشون حياة المستضعفين والبسطاء ، في حين نرى أنّ الكثير من الأشخاص غير الكفوئين يعيشون أثرياء ومتنعمين من كلّ النواحي ، فلو كان الظفر الماديّ كلّه يأتي عن طريق جهد وسعي الإنسان إضافة إلى كفاءته ، لما كنّا نرى مثل هذه المشاهد. إذن فمن هنا يستدل على وجود يد قوية اخرى خلف عالم الأسباب تدير الشؤون وفق منهج محسوب.

صحيح أنّه يجب على الإنسان أن يبذل الجهد والسعي في حياته ، وصحيح أنّ الجهاد والسعي هما مفتاح حلّ الكثير من المشاكل ، ولكن إغفال مسبب الأسباب والنظر إلى الأسباب فقط ، واعتبار الكفاءة هي المؤثر الوحيد يعد خطأ كبيرا.

فإحدى أسرار إحاطة الفقر والحرمان بمجموعة من العلماء المقتدرين ، وإحاطة الغنى بمجموعة من الجهلة غير الأكفاء هو تنبيه لكلّ الناس التائهين في عالم الأسباب بأن لا يعتمدوا فقط على قواهم الذاتية. لذا تضيف الآية( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

الآيات التي وضحها أمير المؤمنينعليه‌السلام عند ما قال : «عرفت الله بفسخ العزائم وحل العقود الهمم»(١) . وهي كلمة سامية تدلّ على ضعف وعجز الإنسان كي لا يتيه ولا يبتلى بالغرور والتكبر.

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، قصار الكلمات ، الكلمة ٢٥٠.

١١٦

الآيات

( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) )

إنّ الله يغفر الذنوب جميعاعليهم‌السلام

بعد التهديدات المتكررة التي وردت في الآيات السابقة بشأن المشركين والظالمين ، فإنّ آيات بحثنا فتحت الأبواب أمام المذنبين وأعطتهم الأمل ، لأنّ الهدف الرئيسي من كلّ هذه الأمور هو التربية والهداية وليس الانتقام والعنف ، فبلهجة مملوءة باللطف والمحبة يفتح البارئ أبواب رحمته أمام الجميع ويصدر أوامر العفو عنهم ، عند ما يقول :( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) .

التدقيق في عبارات هذه الآية يبيّن أنّها من أكثر آيات القرآن الكريم التي

١١٧

تعطي الأمل للمذنبين ، فشموليتها وسعتها وصلت إلى درجة قال بشأنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : «ما في القرآن آية أوسع من يا عبادي الذين أسرفوا ...»(١) .

والدليل على ذلك واضح من وجوه :

١ ـ التعبير بـ( يا عِبادِيَ ) هي بداية لطف البارئعزوجل .

٢ ـ التعبير بـ (إسراف) بدلا من (الظلم والذنب والجريمة) هو لطف آخر.

٣ ـ التعبير بـ( عَلى أَنْفُسِهِمْ ) يبيّن أنّ ذنوب الإنسان تعود كلّها عليه ، وهذا التعبير هو علامة اخرى من علامات محبّة الله لعباده ، وهو يشبه خطاب الأب الحريص لولده ، عند ما يقول : لا تظلم نفسك أكثر من هذا!

٤ ـ التعبير بـ( لا تَقْنَطُوا ) مع الأخذ بنظر الاعتبار أن «القنوط» يعني ـ في الأصل ـ اليأس من الخير ، فإنّها لوحدها دليل على أن المذنبين يجب أن لا يقنطوا من اللطف الإلهي.

٥ ـ عبارة( مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) التي وردت بعد عبارة( لا تَقْنَطُوا ) تأكيد آخر على هذا الخير والمحبّة.

٦ ـ عند ما نصل إلى عبارة( إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ) التي بدأت بتأكيد ، وكلمة «الذنوب» التي جمعت بالألف واللام تشمل كلّ الذنوب من دون أيّ استثناء ، فإنّ الكلام يصل إلى أوجه ، وعندها تتلاطم أمواج بحر الرحمة الالهية.

٧ ـ إنّ ورود كلمة (جميعا) كتأكيد آخر للتأكيد السابق يوصل الإنسان إلى أقصى درجات الأمل.

٨ و ٩ ـ وصف البارئعزوجل بالغفور والرحيم في آخر الآية ، وهما وصفان من أوصاف الله الباعثة على الأمل ، فلا يبقى عند الإنسان أدنى شعور باليأس أو فقدان الأمل.

__________________

(١) مجمع البيان وتفسير القرطبي وتفسير الصافي ذيل الآية مورد البحث.

١١٨

نعم ، لهذا السبب فإنّ الآية المذكورة أعلاه من أوسع وأشمل آيات القرآن المجيد ، حيث تعطي الأمل بغفران كلّ أنواع الذنوب ، ولهذا السبب فإنّها تبعث الأمل في النفوس أكثر من بقية الآيات القرآنية. وحقّا ، فإنّ الذي لا نهاية لبحر لطفه ، وشعاع فيضه غير محدود ، لا يتوقع منه أقل من ذلك.

وقد شغلت أذهان المفسّرين مسألتان ، رغم أن حلهما كامنة في هذه الآية والآية التي تليها :

الأولى : هل أنّ عمومية الآية تشمل كلّ الذنوب حتّى الشرك والذنوب الكبيرة الأخرى ، فإذا كان كذلك فلم تقول الآية (٤٨) من سورة النساء : إنّ الشرك من الذنوب التي لا تغتفر( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) .

والثّانية : هل أنّ الوعد الذي أعطاه الله بغفران الذنوب مطلق أم مشروط بالتوبة ونظير ذلك؟

وبالطبع فإنّ السؤال الأوّل مرتبط بالسؤال الثّاني ، والجواب عليهما سيتّضح خلال الآيات التالية بصورة جيدة ، لأنّ هناك ثلاثة أوامر وردت في الآيات التالية وضحت كلّ شيء( أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ ) والثّانية( وَأَسْلِمُوا لَهُ ) والثّالثة( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) .

هذه الأوامر الثّلاثة تقول : إنّ أبواب المغفرة والرحمة مفتوحة للجميع من دون أي استثناء ، ولكن شريطة أن يعودوا إلى أنفسهم بعد ارتكاب الذنب ، ويتوجهوا في مسيرهم نحو البارئعزوجل ، ويستسلموا لأوامره ، ويظهروا صدق توبتهم وإنابتهم بالعمل ، وبهذا الشكل فلا الشرك مستثنى من المغفرة ولا غيره ، وكما قلنا فإنّ هذا العفو العام والرحمة الواسعة مشروطان بشروط لا يمكن تجاهلها.

وإذا كانت الآية (٤٨) من سورة النساء تستثني المشركين من هذا العفو

١١٩

والرحمة ، فإنّها تقصد المشركين الذين ماتوا على شركهم ، وليس أولئك الذين صحوا من غفلتهم واتبعوا سبيل الله ، لأنّ أكثر مسلمي صدر الإسلام كانوا كذلك ، أي أنّهم تركوا عبادة الأصنام والشرك بالله ، وآمنوا بالله الواحد القهار بعد دخولهم الدين الإسلامي.

إذا طالعنا الحالة النفسية عند الكثير من المجرمين بعد ارتكابهم للذنب الكبير ، نرى أن حالة من الألم والندم تصيبهم بحيث لا يتصورون بقاء طريق العودة مفتوحا أمامهم ، ويعتبرون أنفسهم ملوثين بشكل لا يمكن تطهيره ، ويتساءلون : هل من الممكن أن تغفر ذنوبنا؟ وهل أن الطريق إلى الله مفتوح أمامنا؟ وهل بقي خلفنا جسر غير مدمّر؟

إنّهم يدركون معنى الآية جيدا ، ومستعدون للتوبة ، ولكنّهم يتصورون استحالة غفران ذنوبهم ، خاصّة إذا كانوا قد تابوا مرات عديدة من قبل ثمّ عادوا إلى ارتكاب الذنب مرّة اخرى.

هذه الآية تعطي الأمل للجميع في أنّ طريق العودة والتوبة مفتوح أمامهم. لذا فإنّ (وحشي) المجرم المعروف في التأريخ الإسلامي والذي قتل حمزة سيد الشهداءعليه‌السلام ، كان خائفا من عدم قبول توبته ، لأنّ ذنبه كان عظيما ، مجموعة من المفسّرين قالوا : إن هذه الآية عند ما نزلت على الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتحت أبواب الرحمة الإلهية أمام وحشي التائب وأمثاله!

ولكن لا يمكن أن تكون هذه الحادثة سبب نزول هذه الآية ، ولأن هذه السورة من السور المكّية ، ولم تكن معركة أحد قد وقعت يوم نزول هذه الآيات ، ولم تكن أيضا قصة شهادة حمزة ولا توبة وحشي ، وإنّما هي من قبيل تطبيق قانون عام على أحد المصاديق ، وعلى أية حال فإنّ شمول معنى الآية يمكن أن يشخص هذا المعنى.

يتضح ممّا تقدم أنّ إصرار بعض المفسّرين كالآلوسي في تفسيره (روح

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ولكن بعض الآيات تشير إلى أنّ المحاسب هو نفس الإنسان من خلال قراءة كتابه الّذي( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إلّا أَحْصَاهَا ) (١) ، قال سبحانه:( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا *اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) .(٢)

إلّا أنّ هذه الآيات لا تعارض الآيات الآنفة الذكر، لأنّ حساب العباد أنفسهم في طول محاسبته سبحانه لأعمالهم، فانّ الكتاب الذي في عنق الإنسان مكتوب بأمره سبحانه، وهو أيضاً قارئ بأمره، فلا تكون تلك المحاسبة مغايرة لمحاسبته سبحانه.

وأمّا الروايات فطائفة منها تؤيد الأوّل.

قال أمير المؤمنين في حقّ عائشة: « وأمّا فلانة فأدركها رأي ( رائحة ) النساء، وَضِغنٌ غلا في صدرها كَمِرْجَلِ القَيْنِ، ولو دعيت لِتَنالَ من غيري ما أتت إليَّ، لم تفعل، ولها بعد حرمتها الأُولى. والحساب على الله تعالى ».(٣)

والظاهر من بعض الروايات أنّه سبحانه فوض أمر الحساب إلى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

روى عبد الله بن سنان عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال: إذا كان يوم القيامة وكلنا الله بحساب شيعتنا.(٤)

وقد ورد في تفسير قوله سبحانه:( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ) (٥) أنّ الإمام

__________________

١. الكهف: ٤٩.

٢. الأسراء: ١٣ ـ ١٤.

٣. نهج البلاغة: الخطبة١٥٦، ط صبحي الصالح.

٤. البحار: ٧ / ٢٦٤.

٥. الغاشية: ٢٦.

٢٢١

الصادقعليه‌السلام قال: « إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شيعتنا إلينا ».(١)

وفي الزيارة الجامعة قوله: « وَإِيابُ الخَلْقِ إِلَيْكُمْ وَحِسابهُ عَلَيْكُمْ ».

ولو صحت تلك الروايات فلا تنافي حصر الحساب في الله سبحانه، لأنّ محاسبتهم لحسنات شيعتهم أو ذنوبهم بأمر من الله سبحانه، فكما أنّ الملائكة لو قامت بحساب الأعمال بأمر من الله سبحانه لم يكن مخالفاً لحصر الحساب فيه سبحانه، وكذا غيرهم ممن لهم مقام شامخ يوم القيامة ولنبينا مقام محمود آتاه الله له فهو يشفع بإذن الله سبحانه لمن ارتضاه.

٣. ما هي الأعمال التي يحاسب عليها ؟

الآيات الواردة في هذا الصدد علىٰ صنفين :

أ. ما يدل على أنّه يسأل عن عامّة الأفعال، قال سبحانه :

( وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) .(٢)

( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) .(٣)

( ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) .(٤)

( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) .(٥)


__________________

١. البحار: ٧ / ٢٧٤.

٢. النحل: ٩٣.

٣. الأنبياء: ٢٣.

٤. الزمر: ٧.

٥. الزلزلة: ٦.

٢٢٢

ب. ما يدل على أنّه يسأل عن بعض الأُمور، وهذه الأُمور عبارة عن :

ـ النعم الإلهية: قال سبحانه:( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (١) ويمكن عدّ هذه الآية من الصنف الأوّل الذي دل علىٰ أنّ السؤال يتعلّق بجميع النعم، لأنّ كلّ ما يقوم به الإنسان من الأعمال حسناً كان أم قبيحاً، حلالاً أو حراماً، إنّما هو تصرف في نعمه سبحانه، فالسؤال عن النعم سؤال عن جميع الأفعال.

ـ القرآن الكريم: قال سبحانه:( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) .(٢)

وقال أيضاً:( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ *فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .(٣)

ـ الشهادة: قال سبحانه:( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) .(٤)

ـ المؤودة: قال سبحانه:( وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ *بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) .(٥)

ـ الكذب والتهمة: قال سبحانه:( تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ ) .(٦)

ـ الصدق: قال سبحانه: ( لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ) .(٧)

غير أنّ تخصيص هذه الأُمور بالسؤال عنها لا ينافي تعلّق السؤال بعامّة

__________________

١. التكاثر: ٨.

٢. الزخرف: ٤٤.

٣. الحجر: ٩١ ـ ٩٣.

٤. الزخرف: ١٩.

٥. التكوير: ٨ ـ ٩.

٦. النحل: ٥٦.

٧. الأحزاب: ٨.

٢٢٣

الأفعال، فكأنّها من باب ذكر الخاص بعد العام.

وقد نشاهد هذا النوع من التقسيم في الروايات، حيث ورد فيها تعلّق السؤال بأُمور خاصة.

فصنف يدل على تعلّق السؤال بعامة الأفعال.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « وأعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم ».(١)

وكتبعليه‌السلام إلى بعض عمّاله الذي خانه واستولى على بيت المال وذهب به إلى الحجاز: « فكأنّك قد بلغت الـمَدَى، ودفنت تحت الثرى، وعرضت عليك أعمالك بالمحلِّ الذي ينادي الظّالم فيه بالحسرة، ويتمنّىٰ المضيّع فيه الرجعة، ولات حين مناص ».(٢)

وصنف آخر يخصص السؤال ببعض الأُمور.

ويستفاد من جملة من الأخبار أنّ الأُمور التالية يُسأل عنها بعينها :

١. التوحيد، ٢. النبوة، ٣. الولاية، ٤. القرآن الكريم، ٥. محبة أئمّة أهل البيت:، ٦. الصّلاة، ٧. عمر الإنسان، ٨. شبابه، ٩. أعضاؤه، ١٠. الثروة، التي اكتنزها، وفي أي شيء صرفها.

روى الصدوق في الخصال والأمالي بسنده عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام عن آبائه، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت ».(٣)

__________________

١. نهج البلاغة: قسم الحكم، برقم ٦.

٢. نهج البلاغة: قسم الرسائل، برقم ٤١.

٣. البحار: ٧ / ٥٨، باب محاسبة الأعمال، الحديث ١.

٢٢٤

روى المفيد بسنده عن ابن عيينة، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، يقول: « ما من عبد إلّا ولله عليه حجّة، إمّا في ذنب اقترفه، وإمّا في نعمة قصّر عن شكرها ».(١)

روى الشيخ في التهذيب، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: « أوّل ما يحاسب به العبد الصّلاة فإن قبلت قبل ما سواها ».(٢)

روى الصفّار في بصائر الدرجات، عن أبي شعيب الحداد، عن أبي عبد الله، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أوّل قادم على الله، ثمّ يقدم عليَّ كتاب الله، ثمّ يقدم عليَّ أهل بيتي، ثمّ يقدم عليَّ أُمّتي فيقفون فيسألهم في كتابي وأهل بيت نبيكم ».(٣)

روى القمّي في تفسيره، عن جميل، عن أبي عبد الله، قال: قلت قول الله( لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) ، قال: « تسأل هذه الأُمّة عمّا أنعم الله عليهم برسول الله، ثمّ بأهل بيته ».(٤)

روى الصدوق في عيون أخبار الرضا، عن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليُّ ! إنّ أوّل ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّك وليُّ المؤمنين بما جعله الله وجعلته لك، فمن أقرَّ بذلك وكان يعتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له ».(٥)

النعم الدنيوية والسؤال عنها

إنّ الروايات الواردة في هذا المقام على أصناف :

__________________

١. البحار: ٧ / ٢٦٢، باب محاسبة الأعمال، الحديث ١٣.

٢. المصدر نفسه، الحديث ٣٣.

٣. المصدر نفسه، الحديث ٢٢.

٤. المصدر نفسه، الحديث ٣٩.

٥. المصدر نفسه، الحديث ٤١.

٢٢٥

١. ما دلّ على أنّ النعم الدنيوية يُسأل عن حلالها وحرامها، قال أمير المؤمنين: « ما أصف من دار أوّلها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب ».(١)

٢. ويُسأل عن كلّ شيء حتى البقاع والبهائم، قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : « إتّقوا الله في عباده وبلاده، فانّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشرّ فأعرضوا عنه ».(٢)

٣. يُسأل عن كلّ شيء سوى ما صرف في سبيل الله، قال: « كلّ نعيم مسؤول عنه يوم القيامة إلّا ما كان في سبيل الله ».(٣)

٤. لا يُسأل عن الطعام الذي أكله، والثوب الذي لبسه، والزوجة الصالحة، قال الصادقعليه‌السلام : « ثلاثة أشياء لا يحاسب العبد المؤمن عليهنَّ، طعام يأكله، وثوب يلبسه، وزوجة صالحة تعاونه ويحصن بها فرجه ».(٤)

هذه هي الروايات الواردة في المقام.

أمّا الأُولى والثانية فتدلّان علىٰ سعة المسؤولية حتى يُسأل عن البقاع المتروكة والبهائم المرسلة في البيداء.

وأمّا الثالثة فلأنّ عدم السؤال عمّا صرف في سبيل الله، فهو أمر مرغوب إليه لا حاجة إلى السؤال. وأمّا عدم السؤال عن المأكل والملبس وغيرهما التي تعد من لوازم الحياة فلكرمه سبحانه علىٰ عباده، وتكون النتيجة السؤال عن كلّ شيء إلّا ما صرف في سبيل الله أو ما تتوقف عليه ضرورة الحياة.

__________________

١. نهج البلاغة: الخطبة ٨٢.

٢. نهج البلاغة: الخطبة ١٦٧.

٣. البحار: ٧ / ٢٦١، الباب الحادي عشر من كتاب العدل والمعاد، الحديث ١٠.

٤. المصدر نفسه: الحديث ٢٣.

٢٢٦

٤. هل الحساب يعمّ الجميع ؟

هل الحساب يعمّ جميع أفراد الإنسان حتى الأنبياء والمرسلين، وكلّ من وضع عليه قلم التكليف أم لا ؟ فالآيات الواردة في هذا المجال علىٰ أصناف :

أ. ما دلّ على أنّ السؤال يعمّ الجميع حتى العلماء والصديقين، قال سبحانه:( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ ) .(١)

وهذه الآية أوضح ما في الباب في عموم السؤال، ويؤيده ما روي عن أمير المؤمنين، أنّه قال: « وذلك يوم يجمع الله فيه الأوّلين والآخرين لنقاش الحساب وجزاء الأعمال ».(٢)

ب. ما دلّ على أنّ السؤال مرفوع عن الجميع، قال سبحانه:( فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ ) .(٣)

وقال:( وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ ) .(٤)

ج. ما دلّ على سؤال المجرمين، قال سبحانه:( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ *مِن دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الجَحِيمِ *وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) .(٥)

د. ما دلّ على أنّ الصابرين يجزون بلا حساب، قال سبحانه:( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا

__________________

١. الأعراف: ٦.

٢. نهج البلاغة: الخطبة ١٠٢.

٣. الرحمن: ٣٩.

٤. القصص: ٧٨.

٥. الصافات: ٢٢ ـ ٢٤.

٢٢٧

يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .(١)

فهل كلمة( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قيد للفعل، بمعنىٰ يوفّى الصابرون بغير حساب ؟ أو قيد لقوله: أجرهم، أي يوفّى الصابرون أجراً هو بغير حساب ؟

فعلى الأوّل: فالصابرون غير مسؤولين أبداً، فانّ من يوفّى أجره توفية بغير حساب فهو يلازم عدم المحاسبة إذ لو كان هناك حساب لكانت التوفية بمقداره.

روى العيّاشي، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ولم ينشر لهم ديوان، ثمّ تلا هذه الآية:( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .(٢)

الحساب التكويني والتدويني

يُصنّف الحساب إلى تكويني وتدويني، والمراد من الأوّل أنّ عالم الكون خلق على نظم خاصة لا تتخلف، فحركة الشمس والقمر، بزوغ النجوم وأفولها، مهبّ الرياح وهبوط الأمطار، واخضرار الأشجار، إلى غير ذلك من الآيات الكونية، قد خلقت على نظام معين، يقول سبحانه:( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) (٣) ،( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .(٤)

وليس هذا من خصائص الظواهر الطبيعية فحسب، بل تتعدّاها إلى الحوادث الاجتماعية التي لها ارتباط وثيق بحياة الإنسان والمجتمع.

__________________

١. الزمر: ١٠.

٢. مجمع البيان: ٤ / ٤٩٢.

٣. الرحمن: ٥.

٤. يس: ٣٨.

٢٢٨

وهذه هي التي يعبر عنها القرآن الكريم في غير واحدة من الآيات :

قال سبحانه:( سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (١) .(٢)

فكلّ ما يصدر من الإنسان من الأعمال الحسنة والسيئة فهو ذو تأثير علىٰ مصير الفرد والمجتمع يسوقهما إلى السعادة والتكامل أو إلى الشقاء والانحطاط، أو إلى غير ذلك من الآثار.

بل تؤثر في الحياة الأُخروية ومصير الإنسان فيها، ولذلك قالوا: الدنيا مزرعة الآخرة، فما يزرعه فيها يحصده في الدار الآخرة.

وعلىٰ ضوء ذلك فلو كان المراد من الحساب المحاسبة التكوينية، فالأعمال كلّها تُحاسب بمعنى انّها تؤثر في مصير الإنسان وحياته الأُخروية حسنها وسيّئها ولا يغادر فعل في ذلك المقام.

ولأجل ذلك يفترق الإنسان إلىٰ أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. لأجل جزاء أعماله ولا يتطرق التخصيص إلى المحاسبة الكونية، فانّ التكوين لا يقبل التخصيص.

هذا كلّه حول الحساب التكويني، وأمّا الحساب التدويني فهو أمر راجع إلى الأفراد والحكومات، فكلّ فرد يوازن بين دخله ومصرفه كما تفعل ذلك كافة الدوائر والمؤسسات الحكومية والمالية وغيرها.

وهل الحساب في الدار الآخرة بهذا النحو الذي يمارسه الإنسان في دار الدنيا فتفتح الدواوين والكتب التي هي اضبارة لأعماله فتجمع الحسنات في

__________________

١. الأحزاب: ٦٢.

٢. ولاحظ فاطر: ٤٣ ;غافر: ٨٥ ; الفتح: ٢٣ ; الإسراء: ٧٧.

٢٢٩

قائمة والسيّئات في قائمة أُخرى ثمّ يوازن بينها فإن رجحت حسناته علىٰ سيئاته، فيعطى كتابه بيمينه، وإن رجّحت سيئاته على حسناته فيعطىٰ كتابه بشماله، قال سبحانه :

( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) .(١)

( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ) .(٢)

دراسة الآيات السالفة الذكر

إنّ الاختلاف في شمولية الحساب وعدمها راجع إلى الحساب التدويني، وأمّا الحساب التكويني فشموليته أمر لا خلاف فيه، لأنّ مرجع الحساب التكويني يعود إلى الآثار الواقعية للعمل التي لا تنفك عنه، ولذلك يعم الجميع من دون فرق بين صالح وصالح أو طالح وطالح.

إنّما الكلام في شمولية الحساب التدويني بالمعنى الذي عرفت، فقد مرّ أنّ بعض الآيات تثبت الشمولية لكافة الناس دون فرق بين الرسول والذين أرسل إليهم.(٣)

كما أنّ بعض الآيات تنفي السؤال عن الإنس والجن(٤) الذي يلازم نفي الحساب عنهم، فما هو وجه الجمع بين الطائفتين ؟

وقد اختلفت كلمة المفسّرين في الجمع بين الآيات بوجوه :

الأوّل: انّ الآيات النافية للسؤال لا تنفيه بتاتاً، بل تنفي السؤال على غرار

__________________

١. الانشقاق: ٧ ـ ٨.

٢. الحاقة: ٢٥.

٣. لاحظ الأعراف: ٦.

٤. لاحظ الرحمن: ٣٩.

٢٣٠

السؤال في المحاكم.

حيث يُسأل الشخص عن الأعمال التي اقترفها ولِمَ فعلها ؟ بيد أنّ السؤال في المحكمة الإلهية ليس على هذا الغرار، بل إنّ آثار الجرائم والذنوب تتجلّىٰ في وجوده على وجه لا يمكن التملص منها، ولذلك نرى أنّه سبحانه أردف قوله:( فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ ) (١) بقوله:( يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ) .(٢)

الثاني: إزاحة الاختلاف بين الطائفتين باختلاف المواقف في يوم القيامة، حيث يُسأل الإنسان في موقف ولا يُسأل في موقف آخر.

الثالث: حمل الآيات النافية للسؤال، على السؤال عن طريق اللسان حيث تتكلم الأعضاء مكان الإجابة باللسان، قال سبحانه:( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .(٣)

الرابع: الآيات المثبتة للسؤال ناظرة إلى الأحوال التي يمرّ بها الإنسان في غضون محاكمته، كما أنّ الآيات النافية ناظرة إلى المواقف التي ختمت فيها محاكمته واتضح مصيره من الجنة والنار. ولعلّ هذا الوجه يرجع إلى الوجه الثاني.

وعلى ذلك فتوفية الصابرين أُجورهم بغير حساب استثناء من الآيات المذكورة.

دراسة شمولية الحساب في الروايات

إنّ الروايات الواردة في هذا المضمار علىٰ طوائف :

__________________

١. الرحمن: ٣٩.

٢. الرحمن: ٤١.

٣. يس: ٦٥.

٢٣١

الأُولى: شمولية الحساب للجميع.

الثانية: شمولية الحساب للجميع عدا المشركين الذين يدخلون الجحيم بلا حساب.

الثالثة: شموليته لهم عدا بعض المؤمنين الذين يدخلون الجنة بلا حساب.

وإليك بعض ما روي في المقام.

أ. روى الإمام الباقرعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « يا معاشر قرّاء القرآن، اتّقوا الله عزّ وجلّ فيما حملكم من كتابه فانّي مسؤول وأنّكم مسؤولون، إنّي مسؤول عن تبليغي، وأمّا أنتم فتسألون عمّا حملتم من كتاب ربّي وسنتي ».(١)

ويصف الإمام عليّعليه‌السلام يوم القيامة في بعض خطبه، ويقول: « وذلك يوم يجمع الله فيه الأوّلين والآخرين لنقاش الحساب ».(٢)

ب. وقال الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : « إعلموا عباد الله أنّ أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنّما تنشر الدواوين لأهل الإسلام ».(٣)

روى الصدوق عن الإمام عليّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن آبائه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إنّ الله عزّ وجلّ يحاسب كلّ خلق إلّا من أشرك بالله عزّوجلّ فانّه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار ».(٤)

ج. روى المفيد في أماليه بسنده، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن عليّ الباقر، عن آبائه، عن رسول الله: « إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في

__________________

١. أُصول الكافي: ٢ / ٦٠٦.

٢. نهج البلاغة: الخطبة ١٠٢.

٣. بحار الأنوار: ٧ / ٢٥٨، الباب ١١ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٢.

٤. المصدر السابق: الحديث ٧.

٢٣٢

صعيد واحد ونادى مناد من عند الله يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، يقول: أين أهل الصبر ؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون لهم: ماكان صبركم هذا الذي صبرتم ؟ فيقولون: صبرنا أنفسنا علىٰ طاعة الله، وصبرناها عن معصيته، قال: فينادي مناد من عند الله: صدق عبادي خلّوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب ; قال: ثمّ ينادي مناد آخر يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، فيقول: أين أهل الفضل ؟ فيقوم عنق من الناس فتستقبلهم الملائكة، فيقولون: ما فضلكم هذا الذي ترديتم به ؟ فيقولون: كنا يجهل علينا في الدنيا فنحتمل، ويساء إلينا فنعفو، قال: فينادي مناد من عند الله تعالى صدق عبادي، خلّوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب ; قال: ثمّ ينادي مناد من الله عزّ وجلّ يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، فيقول: أين جيران الله جلّ جلاله في داره ؟ فيقوم عنق من الناس فتستقبلهم زمرة من الملائكة، فيقولون لهم: ما كان عملكم في دار الدنيا فصرتم به اليوم جيران الله تعالى في داره ؟ فيقولون: كنّا نتحاب في الله عزّوجلّ، ونتباذل في الله، ونتوازر في الله، قال: فينادي مناد من عند الله تعالى: صدق عبادي خلّوا سبيلهم لينطلقوا إلىٰ جوار الله في الجنّة بغير حساب، قال: فينطلقون إلى الجنة بغير حساب ». ثمّ قال أبو جعفرعليه‌السلام : « فهؤلاء جيران الله في داره يخاف الناس ولا يخافون، ويحاسب الناس ولا يحاسبون ».(١)

إنّ الطائفة الأُولى من الروايات تتفق مع الطائفة الأُولىٰ من الآيات في شمولية الحساب، كما أنّ الطائفة الثالثة من الروايات تتفق مع ما جاء في الطائفة الثالثة من الآيات في استثناء الصابرين من الحساب، وإن كانت الروايات أوسع شمولاً من الآيات حيث عطف على الصابرين المخلصين والعافين عن الناس.

__________________

١. بحار الأنوار: ٧ / ١٧١ ـ ١٧٢، باب أحوال المتقين والمجرمين في القيامة من كتاب العدل والمعاد،
الحديث ١.

٢٣٣

ثمّ إنّ عدم سؤال المؤمنين نوع تكريم لهم، ولكن عدم سؤال المشركين نوع إهانة لهم، ولا غروة في أن يكون عملٌ واحدٌ تكريماً لقوم واهانة لقومٍ آخرين.

وعلى أيّة حال فالسؤال ونفيه يرجعان إلى السؤال التدويني لا التكويني فانّها عامة قطعاً.

٥. ما معنى كونه سبحانه سريع الحساب ؟

إنّ الذكر الحكيم يصف الله سبحانه بأنّه سريع الحساب، يقول:( الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ ) (١) وقد ورد ذلك الوصف في غير واحد من السور.(٢)

وفي الدعاء المعروف بالجوشن الكبير: « يا من هو سريع الحساب ».

وحينها يطرح هذا السؤال وهو ما معنىٰ وصفه سبحانه بأنّه سريع الحساب ؟

قد ذكر المفسّرون في تفسير ذلك الوصف وجوهاً :

الوجه الأوّل: أنّه سبحانه سيجزي المؤمنين والكافرين.

والوصف كناية عن اقتراب الساعة، قال سبحانه:( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إلّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) .(٣)

وربما يطلق الحساب ويراد منه الجزاء.

الوجه الثاني: انّ سريع الحساب كناية عن أنّ العباد سيحاسبون في أسرع

__________________

١. غافر: ١٧.

٢. لاحظ البقرة: ٢٠٢; آل عمران: ١٩، ١٩٩; المائدة: ٤; الأنعام: ٦٢; الرعد: ٤١; إبراهيم: ٥١ ;
النور: ٣٩.

٣. النحل: ٧٧.

٢٣٤

وقت دون أن يظلم أحد منهم.

روي عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: « إنّه يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة ».(١)

الوجه الثالث: انّ الحساب لا يختص بالآخرة بل يشمل الدنيا أيضاً، سواء أكان العمل حسناً أم قبيحاً، فيحاسب كلّ إنسان حسب عمله ويجزى علىٰ وفقه. ويجزى المحسن بتوفيقه للطاعة والإحسان ويجزى المجرم بخذلانه وحرمانه من الخير.

فكلّ عمل أعمّ من الخير والشر يعقبه الجزاء، بيد أنّ الإنسان العادي لا يدرك الجزاء، ولكن العارف الواعي الذي يحاسب نفسه كلّ يوم يقف علىٰ جزاء عمله، ولذلك ورد في الحديث: « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ».(٢)

هذه هي الوجوه المذكورة في تفسير ذلك الوصف، والوجهان الأوّلان ناظران إلى أنّ ظرف الحساب هو النشأة الآخرة، والوجه الأخير ناظر إلى أنّ ظرفه هو النشأة الدنيوية، ولكلّ دليل يدعمه.

أمّا الوجهان الأوّلان، فيدل عليهما الآيات التالية التي تنص على أنّ ظرف الحساب هو النشأة الآخرة.

١.( وَتَرَى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ ) .(٣)

٢.( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ أَلا لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ ) .(٤)

__________________

١. مجمع البيان: ١ / ٢٩٨ ; الكشاف: ١ / ٢٤٨.

٢. تفسير الصافي: للفيض الكاشاني.

٣. إبراهيم: ٤٩ ـ ٥١.

٤. الأنعام: ٦٢.

٢٣٥

٣.( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ ) .(١)

غير أنّ بعض الآيات يستظهر منها الإطلاق والشمولية للدنيا والآخرة، يقول سبحانه :

( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ ) .(٢)

والدليل على إطلاقه وشموليته الآية التالية بعدها، يقول :

( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) .(٣)

وجه دلالته: أنّه سبحانه يحكم في هذه الدنيا بحبط أعمالهم في النشأتين، ولا يحكم بالحبط إلّا بعد الحساب.

وممّا يؤيد الشمول قوله سبحانه:( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ ) .(٤)

وظاهر الآية أنّه سبحانه تبارك وتعالى يوصي في الصيد بالتقوىٰ والإعراض عن اللهو والهوىٰ وأن يكون الصيد لأجل سدّ العيلة، وما ذلك إلّا لأنّه سبحانه بالمرصاد لهم وهو سريع الحساب.

فتحصل ممّا ذكرنا أنّ الآيات علىٰ طائفتين :

__________________

١. النور: ٣٩.

٢. آل عمران: ١٩.

٣. آل عمران: ٢٢.

٤. المائدة: ٤.

٢٣٦

الأُولى: ما هي صريحة أو ظاهرة في أنّ ظرف الحساب هي النشأة الأُخرى.

الثانية: ما هي ظاهرة في أنّ ظرفه هي النشأة الدنيوية، أو مطلقة تعم النشأتين.

وعلى ضوء هذا التقسيم يكون المعنى الثاني والثالث أوفق بتفسير « سريع الحساب ».

وأمّا المعنى الأوّل الذي يفسّر الحساب بالجزاء فهو أبعد من ظاهر الآية فانّه يجعل الوصف كناية عن اقتراب الساعة وهو في غاية البعد.

ولا غرو في أن يكون سبحانه سريع الحساب، فكما هو يسمع دعاء الجميع في آن واحد ويرزقهم مجتمعين يحاسبهم كذلك.

سئل عليٌّعليه‌السلام كيف يحاسب الله الخلق علىٰ كثرتهم ؟ فقالعليه‌السلام : « كما يرزقهم علىٰ كثرتهم » فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه ؟ فقالعليه‌السلام : « كما يرزقهم ولا يرونه ».(١)

٦. ما هو المقصود من سوء الحساب ؟

إنّ الذكر الحكيم يصف الحساب في موارد بالسوء، ويقول:( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) .(٢) وفي آية أُخرى:( أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الحِسَابِ ) .(٣)

وعندئذٍ يطرح السؤال التالي نفسه :

إذا كان الموكلون للحساب أُمناء صادقين فما هو الوجه في وصف الحساب بالسوء ؟

__________________

١. نهج البلاغة: قسم الحكم، برقم ٣٠٠.

٢. الرعد: ٢١.

٣. الرعد: ١٨.

٢٣٧

والجواب: انّ المراد من سوء الحساب هو الحساب الصادق الذي يسيء صاحبه، لأنّه يرى كلّ صغير وكبير من أعماله فيه مستتراً وعند ذلك تثور ثورته ويناله ذلك الحساب الصادق.

روى هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في تفسير قوله تعالىٰ:( وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) ، انّه قال: « الاستقصاء والمداقة » وقال: « يحسب عليهم السيئات ولا يحسب لهم الحسنات ».(١)

روى حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لرجل: « يا فلان مالك ولأخيك ؟! » قال: جعلت فداك كان لي عليه حقّ فاستقصيت منه حقّي، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أخبرني عن قول الله:( وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) أتراهم خافوا أن يجور عليهم أو يظلمهم ؟ لا والله خافوا الاستقصاء والمداقة ».(٢)

وروى محمد بن عيسى(٣) عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لرجل شكاه بعض إخوانه: « ما لأخيك فلان يشكوك » فقال: أيشكوني أنْ استقصيت حقّي ؟! قال: فجلس مغضباً، ثمّ قال: « كأنّك إذا استقصيت لم تسئ، أرأيت ما حكى الله تبارك وتعالى:( وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) أخافوا أن يجور عليهم ؟ لا والله ما خافوا إلّا الاستقصاء. فسمّاه الله سوء الحساب، فمن استقصى فقد أساء ».(٤)

٧. من هم الذين يحاسبون حساباً يسيراً ؟

انّه كما يذكر سبحانه سوء الحساب يذكر يسر الحساب أيضاً، يقول

__________________

١ و ٢. بحار الأنوار: ٧، الباب ١١ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٢٧ و ٢٨.

٣. المراد به محمد بن عيسى العُبيد.

٤. المصدر السابق، الحديث ٢٩.

٢٣٨

سبحانه:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) (١) غير أنّ المهم هو الوقوف على من يحاسب بهذا النوع من الحساب.

ويستفاد من الآية التالية: أنّ صلة الرحم توجب يسر الحساب، قال سبحانه:( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) .(٢) وهذا يوحي إلى أنّ قطع الرحم يوجب سوء الحساب ووصلها يوجب يسره، وقد ورد في بعض الروايات أنّ صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة، ثمّ قرأ:( يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) .

٨. اختلاف العباد عند الحساب

انّه سبحانه كما يحاسب بعض العباد بالدقة والاستقصاء، يحاسب بعضهم بالعفو والإغماض، فمن بلغ في العقل والوعي مرتبة سامية يحاسب حساباً دقيقاً، بخلاف من لم يبلغ تلك المرتبة من العقل والوعي فانّه يحاسب دون ذلك.

يقول الإمام الباقرعليه‌السلام : « إنّ ما يداقّ الله العباد في الحساب يوم القيامة علىٰ قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا ».(٣)

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: « إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان، للحساب كلاهما من أهل الجنة، فقير في الدنيا، وغني في الدنيا، فيقول الفقير: يا ربّ علىٰ ما أوقف ؟ فوعزتك إنّك لتعلم أنّك لم تولّني ولاية فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالاً فأُؤدّي منه حقّاً أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها

__________________

١. الانشقاق: ٧ ـ ٨.

٢. الرعد: ٢١.

٣. بحار الأنوار: ٧ / ٢٦٧، الباب ١١ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٣٢.

٢٣٩

إلّا كفافاً علىٰ ما علمت وقدّرت لي، فيقول الله جلّ جلاله: صدق عبدي خلّوا عنه يدخل الجنّة. ويبقى الآخر حتّى يسيل منه من العرق ما لو شربه أربعون بعيراً لكفاها، ثمّ يدخل الجنة، فيقول له الفقير، ماحبسك ؟ فيقول: طول الحساب، مازال الشيء يجيئني بعد الشيء يغفر لي، ثمّ أُسأل عن شيء آخر حتى تغمّدني الله عزّوجلّ منه برحمة وألحقني بالتائبين، فمن أنت ؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفاً، فيقول: لقد غيّرك النعيم بعدي ».(١)

٩. إتمام الحجّة على العباد عند الحساب

إنّ الحساب علىٰ أصناف :

أ. إذا كان جاهلاً وكان جهله عن قصور، فترك الواجب أو اقترف الحرام من دون أن يحتمل كون المتروك واجب الفعل، والمأتي واجب الترك، فهذا هو الجاهل القاصر الذي يكون معذوراً سواء أكان بين العلماء ولم يحتمل كون المتروك واجباً أو المفعول حراماً، أو لم يكن بينهم بل كان يقطن في بيئة نائية عن العلم.

ب. إذا اقترف المحرمات أو ارتكب الواجبات عن تقصير، بأن كان جاهلاً ولم يتعلّم، وهذا نظير القسم الثالث أي العالم بالأحكام.

فربما يعتذر ذلك الجاهل بجهله ويتترّس به، فيخاطب لماذا لم تتعلم ؟

روى هارون، عن ابن زياد، قال: سمعت جعفر بن محمدعليهما‌السلام يقول وقد سئل عن قوله تعالى:( قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) ؟ فقال: « إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالماً ؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت ؟ وإن قال كنت جاهلاً، قال له: أفلا تعلَّمت حتى تعمل ؟ فيخصم، فتلك الحجّة

__________________

١ ـ بحار الأنوار: ٧ / ٢٥٩، الباب ١١ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٤.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403