مفاهيم القرآن الجزء ٨

مفاهيم القرآن14%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167053 / تحميل: 5788
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وأمّا اُمّ كلثوم بنت زينب فهي التي خطبها معاوية لولده يزيد كما ذكر ذلك ابن شهر آشوب (1) ، وذلك لما طلب معاوية بن أبي سفيان من مروان بن الحكم - وكان والياً على المدينة من قبله - أن يخطب اُمّ كلثوم بنت زينب، فقال أبوها عبد الله بن جعفر؛ إنّ أمرها ليس إليّ، إنّما هو إلى سيدنا الحسين عليه‌السلام ، وهو خالها.

فأخبر الحسين عليه‌السلام بذلك، فقال: (( استخير الله تعالى. اللهمَّ وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد )) .

فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل مروان حتّى جلس إلى الحسين عليه‌السلام ، وقال: إن أمير المؤمنين - يعني معاوية - أمرني بذلك، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، مع صلح ما بين هذين الحيِّين، مع قضاء دينه.

واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد [أكثر ممّن يغبطه بكم. والعجب كيف يستمهر يزيد] (*) وهو كفؤ من لا كفؤ له، وبوجهه يستسقى الغمام! فرد خيراً يا أبا عبد الله.

فقال الحسين عليه‌السلام : (( الحمد لله الذي اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه... إلى آخر كلامه عليه‌السلام ، ثمّ قال: يا مروان، قد قلت فسمعنا؛ أمّا قولك: مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بناته ونسائه وأهل بيته، وهو اثنتا عشرة أوقية، يكون أربعمئة وثمانين درهماً.

____________________

(1) انظر المناقب لابن شهر آشوب 2 / 171، الطبعة الاُولى.

(*) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وقد جئنا به من المناقب نفسها. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٤١

وأمّا قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا؟!

وأمّا قولك: صلح ما بين هذين الحيِّين، فإنّا قوم عاديناكم في الله، ولم نكن نصالحكم للدنيا؛ فلعمري لقد أعيا النسب، فكيف السبب؟!

وأمّا قولك: والعجب كيف يستمهر يزيد! فقد استمهر مَن هو خير من يزيد، ومن أبِ يزيد، ومن جدِّ يزيد.

وأمّا قولك: إنّ يزيد كفؤ مَن لا كفؤ له، فمَن كان له كفؤ قبل اليوم فهو كفؤه اليوم، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئاً.

وأمّا قولك: وجهه يستسقى به الغمام، فإنما كان ذلك وجه رسول الله.

وأمّا قولك: مَن يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا، فإنّما يغبطنا به أهلُ الجهل، ويغبطه بنا أهلُ العقل )).

ثمّ قال عليه‌السلام : (( فاشهدوا جميعاً أني قد زوّجت اُمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمِّها القاسم بن جعفر على أربعمئة وثمانين درهماً، وقد نحلتها ضيعتين بالمدينة - أو قال: أرضي بالعقيق ـ ، وإنّ غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار، ففيها لها غنى إن شاء الله تعالى )) (1) .

قال الراوي: فتغيّر وجه مروان، وقال: أغدراً يا بني هاشم؟ تأبون إلاّ العداوة!

فذكّره الحسين عليه‌السلام خطبة الحسن عائشة وفعله، ثمّ قال: (( فأين موضع الغدر يا مروان؟ )) .

____________________

(1) وروي أنّه أنحلها ( البغيبغات )، وهي ثلاث عيون في ينبع، يقال لإحداها: خيف ليلى، وللثانية: خيف الأراك، وللثالثة: خيف البعاس.

٤٢

فقال مروان:

أردنـا ودّكـمْ لـنجدّ ودّاً

قد اخلقهُ به حدثُ الزمانِ

فـلمّا جـئتكمْ فجبهتموني

وبحتم بالضمير من الشنانِ

فأجابه ذكوان مولى بني هاشم:

أمـاط اللهُ عنهم كلَّ رجسٍ

وطـهّرهم بذلك في المثاني

فـمالهمُ سـواهم من نظيرٍ

ولاكـفؤٍ هـناك ولا مداني

أتـجعل كـلَّ جـبّارٍ عنيدٍ

إلى الأخيار من أهل الجنانِ

فتزوّج اُمَّ كلثوم القاسمُ بن محمّد بن جعفر وأولدها فاطمة.

قال أحمد بن طيفور (1) : فاطمة بنت القاسم تزوجت طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر فولدت له رملة، تزوّجها هشام بن عبد الملك فلم تلد له، فقال لها هشام: أنت بغلة لا تلدين.

فقالت له رملة: يأبى كرمي أن يدنّسه لؤمك.

أسفارها

أجمع المؤرّخون على أنّ السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام سافرت أوّلاً مع أبيها أمير المؤمنين عليه‌السلام من المدينة إلى عاصمة حكمه الكوفة (العراق)، ورجعت إلى مسقط رأسها المدينة المنورة مع أخيها

____________________

(1) انظر أحمد بن أبي طاهر بن طيفور - بلاغات النساء / 143، طبع مصر.

٤٣

الحسن سيد شباب أهل الجنة وأول السبطين عليهما‌السلام .

وفي عام ستّين للهجرة سافرت مع أخيها الحسين عليه‌السلام ريحانة رسول الله إلى كربلاء - العراق - للمرة الثانية، واُخذت من العراق بعد واقعة الطفِّ إلى الكوفة أسيرة مع السجاد زين العابدين عليه‌السلام ، وعيالات الحسين ومَن معهنّ من نساء الهاشميِّين والأنصار، ومنها سيّرت إلى دمشق الشام، ومكثت بالشام أسيرة، وبعدها رجعت إلى العراق مع السجاد زين العابدين عليه‌السلام - إلى كربلاء - لتجديد العهد بزيارة أخيها الحسين والشهداء معه من آل رسول الله (صلوات الله عليهم أجمعين)، ورجعت منها إلى المدينة في حالة مشجية.

والسفرة الأخيرة كانت مع زوجها عبد الله بن جعفر (رحمه الله) حين جاء بها إلى دمشق ليتعاهد اُمور ملكه في قرية راوية، وفي هذه السفرة توفّيت ودفنت في راوية من أعمال دمشق، والتي تبعد عنها من الجهة الشرقية الجنوبية ما يقرب من سبعة كيلو مترات، وتُعرف اليوم بقرية قبر الست، ولم يحدّثنا التاريخ عن غير هذه السفرات للسيدة زينب عليها‌السلام .

٤٤

بعض ما قيل فيها شعراً

قصيدة للاُستاذ الكبير الشاعر الفحل السيد محمود الحبوبي نظمها أثناء طوافه حول ضريح السيدة الجليلة عقيلة الهاشميِّين زينب ابنة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، وذلك عام 1950 هـ.

هذا ضريحكِ يابنتِ الزهراءِ

أم روضــةٌ قـدسـيةُ الأشـذاءِ

جـئـنا لــه مـتبرّكين بـلثمهِ

وبـه حـططنا الـيوم كلَّ رجاءِ

حـرمٌ عـليه مـن الـنبوة هيبةٌ

تـحنى لـديها أرؤسُ الـعظماءِ

مـهـما سـعينا حـوله فـكأننا

نـسعى حـيال الكعبةِ الـغرّاءِ

ولـقد نـجا الـمتمسكون بـبابهِ

مـن كـلِّ شـرٍّ طـارقٍ وبلاءِ

٤٥

غـمرت جوانبَه القداسةُ فاعتلى

شـرفاً تـجاوز موطن الجوزاءِ

نـورُ الـرسالة والإمامة ساطعٌ

مـنه سـطوعُ الكوكب الوضّاءِ

طـفنا به فأعاد ذكرى كربلا

مـخضوبة مـنكم بـخير دماءِ

لـله يـوم الطفِّ قلبك بعدما

شـاهدتِ مـصرع سيّدَ الشهداءِ

وبـجـنبه أبـناؤه وصـحابه

كـالبدر حـاطته نـجوم سماءِ

وحُملتِ بعدُ إلى دمشق أسيرةً

وأجـلّ مـن اُنـجبن من حواءِ

ولـقيتِ صـابرةً أمضّ فجيعة

بـالإخـوة الأطـهار والأبـناءِ

خُلقٌ من الهادي الأمينِ ورثتِهِ

ومـن الوصي وآلك الاُمناءِ

فتركتِ يا فخر العقائلِ في الملا

أسـمى فـخارٍ خـالدٍ وعـلاء

ترعاه عينُ الله فهو على المدى

بــاقٍ بـروعته بـقاء ذُكـاءِ

وعـليك مـنه صلاتُه وسلامُه

فـي كـلِّ صبحٍ مشرق ومساءِ

٤٦

تيهي جلالاً يا بقاع الراوية

تـيـهي جـلالاً يـا بـقاع ( الـراويه)

وتـطاولي شـرفاً بـمثوى ( الـزاكيه)

أدريــتِ مَـن حـلّت ربـاكِ فـطهّرتْ

مـنك الربوعَ مـن الـكلابِ الـعاويه

تـلـك مـن حـلت العقيلة «زيـنب »

تنمى إلى شرف يطول على السماء الساميه *

فـلَـبضعة الـزهراء كـانت اُمّـها

حـدبت عـليها وهـي تُـدعى الـحانيه

وإلـى عـليٍّ وهـو خـيرُ اُرومـةٍ

نـسـبٌ تـبـلّج كـالـسماء الـضاحيه

والـجدّ أحـمدُ مـن أتـى بـشريعةٍ

تـهـدي الـبـرايا لـلـقيامة بـاقـيه

____________________

(*) هكذا ورد البيت في النسخة التي بين أيدينا، ولا يخفى ما فيه من خلل عروضي واضح. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٤٧

اِروي الـحديث وأنت بعضُ شهودِه

فـالقول منك مصدّق يا «راويه»

وتـحدّثي لـلجيل عن قومٍ مضوا

فـالجيل هـذا العصر اُذنٌ صاغيه

كـم بـالشئام عـجائبٌ مرت بها

بـالنافعات عـن القرون الماضيه

تـلك اللـظات تقصّ بعض حديثها

عـن زمـرةٍ حكمت فكانت طاغيه

قـرن مـن الأعـوام أثقل كاهلي

بـالفادحات فـعدتُ مـنها خـاويه

كـم ذا لـقيت مـن الإساءة والعنا

مـن صـبية ذرئـت لـنار حاميه

فـالخمرة الـصهباء مـلءُ بطونِها

وأكـفّها خـضبت دمـاءً زاكيه

نـزو القرود على منابر أحمدٍ

جهدت تـعيد الـشرك فيهم ثـانيه

قصرت بها الأنساب أقصى فخرها

شـيخٌ كـفور أو عـجوزٌ زانيه

صـخر وهـند والـفروع بأصلِها

هذا النجار وذي الاُصول كما هيه

يـا «راويـة» فاروي الحديثَ لاُمّةٍ

مـكبوتةٍ وتـعيش ظـمأى صاديه

٤٨

وتـحدّثي عـن ذي القصور ولهوِها

أيـن الـقصورُ مضت وأين اللاهيه

قـالت مـعالمها دويـنك مـا ترى

يـكـفيك مـنّي مـا تـراها بـاقيه

فـاضرب بـطرفك أين بانيَ مجدها

ثــاوٍ بـأيـةِ حـفرة أو زاويه

فـإذا الـقصور ولا بـقاء لـرسمها

وإذا الــرؤوس ولا رمـيم بـاليه

وانـظر إلى القبر المشيد ضريحه

سامي الضراح علا بمثوى الزاكيه

ذيّــاك حـكـمُ الله يـأبي عـدله

إلاّ الإطـاحة بـالعروش الـخاويه

وتـكون عـقبى الـدار تـبقى دائماً

لـلـمـتّقين ولـلـعتاة الـهـاويه

* * *

يـا« راويـة» والقلب ماضٍ جرحُه

بـالفادحاتِ مـن الـمآسي الـقاسيه

وأشـدها وقـعاً مـصائب كـربلا

شــمُّ الـجبال لـهولها مـتداعيه

شاد الحسينُ صروح دين هُدّمت

وزيـنبٌ أوصـت تـتم الـباقيه!

٤٩

فشقيقة السبطين خفّت بالذي

عن حمله كلُّ الرواسي واهيه

قد قابلت كلَّ الخطوب بصبرها

مهما تحيط بها الظروف العاتيه

وأتـمّت الـصرح الذي لبناتهُ

قـامت عليها فهي اُسُّ الزاويه

بـدماء زمـرتها تـشيّد اُسّه

وتـشيد أعـلاه دموعٌ جاريه

فـمحت بـها أثـار ملك أميةٍ

من دارها طرّاً فأضحت خاليه

كم موقفٍ بالشام لم تضرع به

صكّت به أسماع ذاك الطاغيه

وأذلّـت الـنفر الـلئام بقيلها

فـعنت لها بالذلِّ تلك الناصيه

وسـمتهمُ الـعار الشنار بسبّةٍ

حتّى هووا أعجاز نخلٍ خاويه

فصل الخطاب ويا له من حجةٍ

صـعقت لها تلك الجباه العاتيه

فحروف خطبتِها حروفٌ زاهية

وبـليغ حجتها صواعقُ داويه

٥٠

إيها ربوع الشام هذي زينبٌ

وطئت ثراك وهي ليست راضيه

فـتعجّلت كـفُّ المنون بقبضها

لـمّا دعـت أن لا تـراكِ ثانيه

فـتُعيدي للنفس الجريحة مشهداً

يـحكي لها ذكرى المآسي الداميه

لـكنّ ربّـك وهـو عـدلٌ حاكمٌ

يقضي لتقضي في جوارك ناحيه

كـم حـكمةٍ لـله فـي تـقديرِه

فـتبين واضـحة واُخرى خافيه

فـأسيرة الـماضي تحطّم هيكلاً

ذرّ الـرماد فـماله مـن بـاقيه

وتـقـيم قـبّتها بـرغمِ اُنـوفهمْ

في أرضهم حيث القطوف الدانيه

وتدرّ زينب حيث يهمي فضلها

ثـرّاً عليك فعدت منها «راويه»

وتخط زينبُ للخلود سطورَها

ومـدادها تـلك الـدموع الغاليه

وطـوت يـدٌ بيضاء كلَّ صحيفةٍ

لاُمـيةٍ قـد سـوّدتها عـاصيه

هـذا هـو الفتح المبين بنصرةِ الـ

ـدين الحنيف وتلك عقبى الباقيه

٥١

وختامُ شعري في نشيد القافيه

تيهي جلالاً يا بقاع «الراويه»

٥٢

كلمة الاُستاذ الكبير أحمد فهمي محمّد المصري وشعره

السيدة زينب بنت علي عليهما‌السلام ، العقيلة الطاهرة، والزهرة الناضرة، والكريمة الباتعة، والروضة اليانعة، سبطة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبضعة البتول، ونجيبة سيف الله المسلول، السيدة المباركة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم‌السلام .

هـي زيـنب الـمفاخر والـعلا (*)

وكـريـمةٌ آبـاؤهـا كُـرمـاءُ

هي ربّة الشورى وغوث ضريعها

وهـي الـعياذ ولـلعفاة رجـاءُ

وله أيضاً:

لـذ بالعقيلة بضعة الزهراءِ

مـتـوسّلاً بـكريمة الآبـاءِ

فهناك مهبطُ رحمة تحظى بها

وهـناك ما ترجو من الآلاءِ

____________________

(*) لا يخفى ما في المصراع من خلل عروضي بيّن. (موقع معهد الإمامين الحسنين)

٥٣

وافتح بفاتحةِ الكتاب ضريحَها

واقـرأ سلامك ضارعاً بدعاءِ

حـتّى تنال الخير من نفحاتها

وتـرى شـعاعَ جلالةٍ وبهاءِ

فمزارها حرمٌ ومهبطها حمىً

وهـي الـلياذ لنا من اللأواءِ

فجوارحي تصبو لزورة قبرِها

وجـوانحي تـهفو لها بولاءِ

فالله شـرّف قـدرها ومقامَها

والله يـوفي الـخير للسعداءِ

وله أيضاً:

نـورُ الـعقيلة في الآفاق وضّاءُ

حـلّت دمشق فعم القطر أضواءُ

نـورُ الـنبوّة موصولٌ بمهبطها

والـنور فـي جنبات القبرِ لألاءُ

حـفّت بـه بركاتٌ فاض صيّبها

ونـفحةُ الله بـالروضات فيحاءُ

يا ساكني الشام بشراكمْ بمهبطِها

فـفي حـفافـيه لـلعافين آلاءُ

وقـبرُها حـرمٌ من يستجير به

تـنجاب عـنه بفضلِ الله لأواءُ

* * *

٥٤

ولبعضهم:

هـذا ضـريح شقيقةِ القمرينِ

بـنتِ الإمـامِ شريفة الأبوينِ

وسـليلةِ الزهراء بضعة أحمدٍ

نـورُ الـوجود وسيّد الثقلينِ

نـسبٌ كريم للفصيحة زينبٌ

شمس الضحى وكريمة الدارينِ

* * *

للمرحوم الشيخ حسن سبتي:

عـيـبةُ عـلمٍ غـير أنّ عـلمَها

غـريـزةٌ ولـم يـكن مـكتسبا

عـالـمـةٌ عـامـلـةٌ لـربِّـها

طول المدى سوى التقى لن تصحبا

تـقيةٌ مـن أهـل بـيت عصمةٍ

شـقيقةُ الـسبط الحسينِ المجتبى

صـدّيقةٌ كـبرى وجـمّ عـلمِها

طـاشت بـها الألبابُ والفكر لبا

فـيا لـها داعـيةٌ إلى الـهدى

فـي حـلِّ كـلِّ مشكلٍ قد صعبا

ذات فـصـاحةٍ إذا مـا نـطقتْ

حـيناً تـخال المرتضى قد خطبا

٥٥

سـل مجلس الشام وما حلَّ به

مُذ خطبت ماج بهم واضطربا

* * *

وللمرحوم الشيخ أحمد الكناني من مقطوعة:

لـذ فـي الـشدائد بابنةِ الزهراءِ

واقـصد حـماها فـوق كلِّ عناءِ

هـي زيـنبٌ ذات المقامات العلا

وكـريـمةُ الأجــداد والآبــاءِ

هي ربةُ الشورى وغوث مَن التجى

بـنت الإمـام وفـارس الـهيجاءِ

اُخـت الحسين وجدُّها خيرُ الورى

وهـمُ إذا عـزَّ الـرجاءُ رجـائي

* * *

للمغفور له الشيخ حسن سبتي:

لما أصابت ( يثرباً) مجاعةٌ

وشـدةٌ وعـامهم قـد قطبا

فسار عبد الله ينحو الشام في

عـياله يـحملهم و (زينبا )

لـكنّ وعثاءَ الطريق أثّرت

بـها فـكابدت عناءً نصبا

٥٦

وعـنـدما تـذكّـرت دخـولَها

للشام حسرى وهي في أسر السبا

حـمت ومـا زالت تعاني سقماً

وسـقمها فـي جسمها قد نشبا

وعـام خـمسةٍ وخمسين قضت

صـابرةً بـالصبر حـازت رتبا

وقـد قـضت في رجب بنصفِه

يـاليت أنّـا لـم نـشاهد رجبا

* * * *

ولبعضهم:

نـفسي الفداء لمشهدٍ أسرارُه

مـن دونها سترُ النبوّة مسبلُ

ورواقُ عـزٍّ فيه أشرف بقعةٍ

ظلت تحار لها العقولُ وتُذهلُ

تغضي لبهجته النواظر هيبةً

ويـردّ عـنه طرفه المتأمّلُ

حسدت مكانته النجوم فودّ لو

أمسى يجاوره السماك الأعزلُ

وسـما عـلوّاً أن تقبّل تربَه

شـفةٌ فـأضحى بالجباه يُقبّلُ

٥٧

للعلامة السيد مسلم الحلي (أيّده الله):

أزيـنب هـذي نـدبةٌ عزّ وقعها

على منطقي إذ موقع الرزء هائلُ

أذاقـكِ أنـواعَ المصائب موقفٌ

بـه الـسبط مـثكولٌ وإنك ثاكلُ

فـيا مـوقفاً ما كان أسماه موقفاً

بـه لـذوي الألباب لاحت دلائلُ

جـهادُ لـسانٍ قد حكى في جلالِه

جـهادَ سـنان والـجهادُ مراحلُ

رميت بني حرب بحرب صواعقٍ

قـنابلُ قـولٍ دونـهنّ الـقنابلُ

تـحطّم فـيه عـرشُهم وعريشهمْ

وهُـدّت حـصونٌ منهمُ ومعاقلُ

كـذا فليكن مَن كان للدين ناصراً

تـهونُ عـليه نـفسه والعواملُ

* * * *

للعلامة الشيخ حسن نجل الحجة الشيخ مرتضى أسد الله الكاظمي:

زينب بنت علي عليهما‌السلام

تسيل دموعُ العين حزناً وتسكبُ

إذا ذُكـرت اُمُّ المصائب زينبُ

٥٨

هـي الـمثل الأعـلى لـكلِّ فضيلةٍ

وفي فضلها الأمثال في الناس تضربُ

تـقـوم لـها الـعليا وتـقعد كـلّما

تـبين لـها الـذكر الـحميد وتعربُ

وكـم حـيّرت فـي ذكرها كلَّ كاتبٍ

ومَـن أخـذته حـيرةٌ كـيف يكتبُ

وكـم أعـجزتْ في مدحها كلَّ شاعرٍ

وإن كـان يـحلو الشعر فيه ويعذبُ

فـمَن جـدّها أو مَـن أبـوها واُمّها

ومَـن أخـواها حـين تنمى وتنسبُ

قــد اكـتسبت أخـلاقها وتـأدّبتْ

بـآدابـهم يـا نـعم هـذا الـتأدّبُ

مـبـاركةٌ فـي كـلِّ أرض تـحلّها

فـتخضرّ منها الأرض يمناً وتخصبُ

وعـالـمةٌ لـكـن بـغـيرِ تـعـلّمٍ

وذا خـبرٍ يـروى ولـيس يُـكذّبُ

لـقـد أودعـت أسـرار آل محمّدٍ

فـتأخذ مـنها كـلَّ عـلم وتـكسبُ

وتـحبو بـها عـلماً وتوهب حكمةً

وطـوبى لـمن يُـحبا بهذا ويوهبُ

تـفـوق نـساء الـعالمين شـجاعةً

ومـنها رجـال الـعالمين تـعجبّوا

٥٩

فـمـا تـرتاب الـبلايا جـميعها!

ولا هـي من أعيائها تتهيبُ

تـشقّ عـلى الـناس الـصعاب وإنّما

يهون عـليها ما يشقّ ويصعبُ

ألـمّت بـها الأرزاء وهي كثيرةٌ

كـقطر السما ليست تُعدّ وتحسبُ

ولـله مـن قـلبٍ تـحمّل ثـقلَها

ولـو حـلّ قـلباً دونـه يتشعبُ

وما حُصرت في خطبة يوم روعِها

ويحصر يوم الروعِ مَن فيه يخطبُ

لـقد حـملت يوم الطفوفِ رسالةً

يـنوء بـها حـملاً سواها وينصبُ

فـأعطت جميعَ الواجبات حقوقَها

ومـا قـصرت فيها يحقُّ ويوجبُ

فـقامت بـأعباء الـرعاية كـلِّها

ومـا فـاتها فـي الأمر ما يتطلّبُ

لـها وقـفاتٌ صـامداتٌ صـليبةٌ

أشـد مـن الطود العظيم وأصلبُ

ولـيست تـبالي لـو تلوم عدوَّها

ولـو هـو مغتاظ عليها ومغضبُ

ومـا أظهرت شكوى إلى أحد ولو

ألـمّ بـها مـا لا يظن ويحسبُ

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

لله عزّ وجلّ علىٰ خلقه »(١) .

روى عبد الأعلى مولى آل سام، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، يقول: « يؤتىٰ بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها، فتقول: يا ربِّ حسنت خلقي حتى لقيت ما لقيت، فيجاء بمريمعليها‌السلام ، فيقال: أنت أحسن أو هذه ؟ قد حسّنّاها فلم تُفتتن، ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه، فيقول: يا ربّ حسّنتَ خلقي حتى لقيتُ من النساء ما لقيتُ، فيجاء بيوسفعليه‌السلام ، فيقال: أنت أحسن أو هذا ؟ قد حسنّاه فلم يفتتن، ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه، فيقول: يا ربّ شددت عليّ البلاء حتى افتتنت، فيجاء بأيوبعليه‌السلام ، فيقال: أبليّتك أشد أو بلية هذا ؟ فقد ابتلي فلم يفتتن ».(٢)

١٠. الاعتراف بالذنوب ورجاء العفو والمغفرة

يظهر من غير واحد من الروايات أنّ كثيراً من الناس يعترفون بذنوبهم مع حسن الظن بربّهم ويكون ذلك سبباً لمغفرتهم، وقد وردت في ذلك روايات نذكرها تباعاً لتكون حسن ختام لهذا الفصل.

روى علي بن رئاب قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « يؤتىٰ بعبد يوم القيامة ظالم لنفسه، فيقول الله له: ألم آمرك بطاعتي ؟ ألم أنهك عن معصيتي ؟ فيقول: بلىٰ يا ربِّ، ولكن غلبت عليَّ شهوتي، فان تعذّبني فبذنبي لم تظلمني، فيأمر الله به إلى النار، فيقول: ما كان هذا ظني بك، فيقول: ما كان ظنك بي ؟ قال: كان ظنّي بك أحسن الظن، فيأمر الله به إلى الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى: لقد

__________________

١. بحار الأنوار: ٧ / ٢٨٥، الباب ١٣ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ١.

٢. بحار الأنوار: ٧ / ٢٨٥، الباب ١٣ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٣.

٢٤١

نفعك حسن ظنك بي الساعة ».(١)

وروى سليمان بن خالد، قال: قرأت على أبي عبد اللهعليه‌السلام هذه الآية:( إلّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) (٢) ، فقال: هذه فيكم، إنّه يؤتىٰ بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عزّ وجلّ، فيكون هو الذي يلي حسابه فيوقفه على سيئاته شيئاً شيئاً، فيقول: عملتَ كذا في يوم كذا في ساعة كذا، فيقول: أعرف يا ربِّ، قال: حتى يوقفه على سيئاته كلّها، كلّ ذلك يقول: أعرف، فيقول: سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، أبدلوها لعبدي حسنات، قال: فترفع صحيفته للناس، فيقولون: سبحان الله، أما كانت لهذا العبد سيئة واحدة ؟ وهو قول الله عزّوجلّ:( أُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) .(٣)












__________________

١. بحار الأنوار: ٧ / ٢٨٨، الباب ١٤ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٤.

٢. الفرقان: ٧٠.

٣. بحار الأنوار: ٧ / ٢٨٨، باب ١٤ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٥.

٢٤٢





الفصل الثامن عشر :

مواقف القيامة وطول يومها

دلّت الآيات الكريمة على طول يوم القيامة وأنّ للإنسان فيه مواقف يُعبَّر عنها بالعقبات.

أمّا طول يومها فيدل ظاهر بعض الآيات على أنّ مقداره خمسون ألف سنة، وفي الوقت نفسه يستظهر من بعض الآيات أنّ طوله ألف سنة، فكيف يمكن التوفيق بينهما ؟

أمّا ما يدل على أنّ طوله خمسون ألف سنة فقوله سبحانه:( تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .(١)

والمراد من يوم هو يوم القيامة بشهادة قوله سبحانه بعده:( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا *وَنَرَاهُ قَرِيبًا *يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالمُهْلِ *وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالْعِهْنِ ) .(٢)

وما يدل على أنّ طول يومها ألف سنة قوله سبحانه:( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) .(٣)

__________________

١. المعارج: ٤.

٢. المعارج: ٦ ـ ٩.

٣. السجدة: ٥.

٢٤٣

وقوله سبحانه:( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) .(١)

فقوله:( مِّمَّا تَعُدُّونَ ) شاهد صدق على أنّ المقياس لهذا العدد هو السنين الدنيوية، وعليه يختلف مضمون الآيات بين ما يعد طوله ٥٠ ألف سنة من السنين الدنيوية وألف سنة كذلك.

وقد اختلف المفسّرون في التوفيق بين الآيتين، وأحسن ما ذكر هو أنّ للناس يوم القيامة « ٥٠ » موقفاً يلبث الإنسان المحاسب في كلّ واحد ألف سنة، فيكون مجموع لبثه فيها خمسين ألف سنة.

روى المفيد في أماليه، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام : « ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فانّ في القيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدون » ثمّ تلا هذه الآية( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٢) .(٣)

وهنا سؤال يطرح نفسه وهو: هل تعم تلك المدة جميع المحشورين، أو أنّها تختلف ؟

يظهر من بعض الروايات أنّها تخفف عن المؤمن.

روى أبو سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله ما أطول هذا اليوم ؟ فقال: « والذي نفس محمد بيده انّه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا ».(٤)

__________________

١. الحج: ٤٧.

٢. المعارج: ٤.

٣. بحار الأنوار: ٧ / ١٢٦، الباب ٦ من أبواب كتاب العدل والمعاد، الحديث ٣.

٤. مجمع البيان: ٥ / ٣٥٣، تفسير سورة المعارج.

٢٤٤

وعلىٰ ضوء هذا فليوم القيامة خمسون موقفاً يقف عندها الإنسان للسؤال والحساب فمن ثقلت موازينه فهو يجتازها بسرعة، وأمّا من خفت موازينه فيلبث فيها مدة طويلة تدوم إلى خمسين ألف سنة، وقد مرَّ على أنّ المؤمن الفقير يحاسب بأسرع مما يحاسب به المؤمن الثري وهكذا، وسيوافيك في فصل الصراط ما يدل على أنّ الصراط أحدّ من السيف وأدق من الشعرة إنّما هو بالنسبة إلى غير المؤمن، وأمّا بالنسبة إلى المؤمن فهو عريض وغير حاد.

إلى هنا تبيّن طول يوم القيامة وقصرها إلى الكافر والمؤمن، وإليك البحث في مواقفها.

مواقف يوم القيامة

دلّت الروايات الماضية علىٰ أنّ ليوم القيامة مواقف تقف فيها العصاة ويعبّر عنها بالقنطرة تارة، والعقبة أُخرى، والمواقف ثالثة.

يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيته لابنه الحسنعليه‌السلام : « واعلم أنّ أمامك عقبة كؤوداً، المخف فيها أحسن حالاً من المثقل، والمبطئ عليها أقبح حالاً من المسرع، وانّ مهبطك بها لا محالة إمّا على جنة أو على نار ».(١)

نعم اختلف العلماء في حقيقة تلك المواقف والعقبات ففسّرها الصدوق بظواهر ما ورد في الروايات وأنّ لكلّ عقبة اسماً من الفرائض يقول: اعتقادنا في العقبات التي على طريق المحشر أنّ كلّ عقبة منها اسمها اسم فرض وأمر ونهي، فمتى انتهى الإنسان إلىٰ عقبة اسمها فرض وكان قد قصر في ذلك الفرض حبس عندها وطولب بحقّ الله فيها، فإن خرج منها بعمل صالح قدّمه أو برحمة تداركه نجا منها إلى عقبة أُخرى، فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة، ويحبس عند كلّ عقبة

__________________

١. نهج البلاغة، قسم الرسائل رقم ٣١.

٢٤٥

فيسأل عمّا قصر فيه من معنى اسمها، فإن سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء فيحيا حياة لا موت فيها أبداً، وسعد سعادة لا شقاوة معها أبداً، وسكن في جوار الله مع أنبيائه وحججه والصدّيقين والشهداء والصالحين من عباده، وإنْ حبس على عقبة فطولب بحقّ قصر فيه فلم ينجه عمل صالح قدّمه ولا أدركته من الله عزّوجلّ رحمة زلت به قدمه عن العقبة فهوى في جهنم ـ نعوذ بالله منها ـ وهذه العقبات كلّها على الصراط، اسم عقبة منها الولاية، يوقف جميع الخلائق عندها فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أتى بها نجا وجاز، ومن لم يأت بها بقي فهوى، وذلك قول الله عزّوجلّ:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) وأهمّ عقبة منها المرصاد وهو قول الله عزّوجلّ:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ ) ويقول عزّ وجلّ: وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم. واسم عقبة منها الرحم، واسم عقبة منها الأمانة، واسم عقبة منها الصّلاة، وباسم كلّ فرض أو أمر أو نهي عقبة يحبس عندها العبد فيسأل.(١)

وقد اكتفى الصدوق بظواهر الروايات، فزعم أنّ هناك عقبة واقعية لكلّ اسم من أسماء الفرائض وغيرها وأنّ أهمّ العقبات عقبة المرصاد، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « وإن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه وهو له بالمرصاد علىٰ مجاز طريقه ».(٢)

ويدل على ما ذكره الصدوق لفيف من الروايات :

١. ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ ) قال: « قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة ».(٣)

__________________

١. بحار الأنوار: ٧ / ١٢٨، الحديث ١١.

٢. نهج البلاغة: الخطبة ٧١.

٣ ـ بحار الأنوار: ٨ / ٦٦، الباب ٢٢ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٦.

٢٤٦

٢. روى ابن عباس في تفسير قوله:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ ) ، قال: « إنّ علىٰ جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد عند أوّلها عن شهادة أن لا إله إلّا الله، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني، فيسأل عن الصلاة، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث، فيسأل عن الزكاة، فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع، فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تاماً جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحج، فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة، فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم، فإن خرج منها و إلّا يقال: انظروا، فإن كان له تطوّع أكمل به أعماله فإذا فرغ انطلق به إلى الجنّة ».(١)

وحصيلة هذه الروايات أنّ هناك مواقف وقناطر على الصراط سمّي كلّ واحد بواحد من أسماء الفرائض يوقف فيها الإنسان ويُسأل عنها.

هذا تفسيرٌ وللشيخ المفيد تفسير أفضل من تفسير الصدوق، وحاصل ما أفاده هو: أنّ المراد من العقبات هي الفرائض، فيسأل الإنسان عنها، دون أن يكون في البين جبال وعقبات يعبرها الإنسان حتى يصل إلى الجنة أو النار، وإنّما سمّيت الفرائض بالعقبات لأنّ إطاعتها لا تخلو عن صعوبة ومشقة، يقول الشيخ المفيد :

العقبات عبارة عن الأعمال الواجبة والمساءلة عنها والمواقفة عليها، وليس المراد به جبال في الأرض تقطع، وإنّما هي الأعمال شبّهت بالعقبات، وجعل الوصف لها يلحق الإنسان في تخلصه من تقصيره في طاعة الله تعالى، كالعقبة التي تجهده صعودها وقطعها قال الله تعالى:( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ *فَكُّ رَقَبَةٍ ) فسمّى سبحانه الأعمال التي كلّفها العبد عقبات تشبيهاً بالعقبات والجبال، لما يلحق الإنسان في أدائها من المشاق، كما يلحقه في صعود العقبات

__________________

١. مجمع البيان: ٩ ـ ١٠ / ٧٣٩، تفسير سورة الفجر.

٢٤٧

وقطعها، وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: « إنّ أمامكم عقبة كؤوداً، ومنازل مهولة لابدّ من الممرّ بها، والوقوف عليها، فإمّا برحمة الله نجوتم، وإمّا بهلكه ليس بعدها انجبار ». أرادعليه‌السلام بالعقبة تخلّص الإنسان من العقبات التي عليها، وليس كما ظنه الحشوية من أنّ في الآخرة جبالاً وعقبات يحتاج الإنسان إلى قطعها ماشياً وراكباً، وذلك لا معنى له فيما توجبه الحكمة من الجزاء، ولا وجه لخلق عقبات تسمّى بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من الفرائض يلزم الإنسان أن يصعدها، فإن كان مقصراً في طاعة الله، حال ذلك بينه وبين صعودها، إذ كان الغرض في القيامة المواقفة على الأعمال والجزاء عليها بالثواب والعقاب، وذلك غير مفتقر إلى تسمية عقبات، وخلق جبال وتكليف قطع ذلك وتصعيبه أو تسهيله، مع أنّه لم يرد خبر صحيح بذلك على التفصيل فيعتمد عليه وتخرج له الوجوه، وإذا لم يثبت بذلك خبر كان الأمر فيه ما ذكرناه.(١)

ويدل على صحة ما ذكره المفيد هو أنّه سبحانه أسمى بعض الفرائض بالعقبات، فقد سمّى فكُّ الرقبة أو الإطعام في يوم المسغبة عقبة، فقال سبحانه:( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ *فَكُّ رَقَبَةٍ *أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ *يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ *أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) .(٢)

فقد شبّه القيام بالفرائض بمن يقطع العقبات في الصعوبة والمشقة من دون أن تكون هناك جبال ومنعرجات، فمن استقبل الفرائض برحابة صدر فقد قطع العقبات بسرعة وأمّا من لم يستقبلها أبداً أو استقبل بعضها دون بعض فهو مثل من يقطع العقبات بشق الأنفس.

والذي يدل على ما ذكرنا قوله سبحانه بعد تلك الآية:( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ

__________________

١. بحار الأنوار: ٧ / ١٢٩.

٢. البلد: ١١ ـ ١٦.

٢٤٨

آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ *أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ *وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ *عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ ) .(١)

وحصيلة المعنى بعد جمع الآيات الواردة في سورة البلد هو أنّ شقاء الإنسان وسعادته في الآخرة رهن عبور تلك العقبات وماهي إلّا فك الرقبة أو إطعام الأيتام والفقراء والمساكين والأمر بالصبر والرحمة إلىٰ غير ذلك من الفرائض، فينتهي أمره إلىٰ أن يكون من أصحاب الميمنة كما أنّ عكسه ينتهي إلى أن يكون من أصحاب المشئمة دون أن تكون هناك عقبات ومنعرجات صعبة العبور يؤمر أهل المحشر بطيّها وعبورها.

والذي يدلّك علىٰ صحّة ما ذكره الشيخ المفيد أنّ طي العقبات الدنيوية رهن الكفاءات الذاتية، دون العقبات الأُخروية فانّها رهن الإيمان والعمل الصالح، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّ العقبات كناية عن العمل بالفرائض التي يتوقف العمل بها على الصبر والإيمان الراسخ بالله والصبر على طاعته.










__________________

١. البلد: ١٧ ـ ٢٠.

٢٤٩





الفصل التاسع عشر

ميزان الأعمال

دلّت الآيات والروايات علىٰ وجود الميزان يوم القيامة الذي تُوزن به الأعمال، إنّما الكلام في واقع هذا الميزان، والآيات الواردة في هذا الصدد علىٰ صنفين، فصنف يذكر أصل وجود الميزان، وصنف آخر يتعرض لنتائجه، وإليك بعض ما يدل على الصنف الأوّل :

١.( وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ) .(١)

الموازين جمع الميزان، والآية صريحة في أنّ نصبه يوم القيامة مظهر عدله وقسطه.

٢.( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) .(٢)

فقوله:( فَلا نُقِيمُ ) بمعنى أنْ لا نقيم لهم ميزاناً توزن به أعمالهم، وذلك لأنّهم حبطت أعمالهم فلم يبق في صحيفة أعمالهم شيء حسن حتى يوزن به، وهذه

__________________

١. الأنبياء: ٤٧.

٢. الكهف: ١٠٥.

٢٥٠

الآيات ناظرة إلىٰ أصل وجود الميزان.

وإليك ما يدل على الصنف الثاني :

١.( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ *وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) .(١)

٢.( فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ *وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ *فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) .(٢)

٣.( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ *وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) .(٣)

هذه هي الآيات الواردة في أصل الميزان ونتائجه :

وإليك البحث في محورين آخرين :

الأوّل: نظرية المفسّرين والمتكلّمين في حقيقة الميزان.

الثاني: الميزان من منظار القرآن والحديث.

وإليك البحث في المحور الأوّل.

قد فسّر الميزان بتفاسير مختلفة نذكر منها ما يلي :

١. الميزان يوم القيامة كموازين الدنيا

ذهب بعض المتكلّمين من المعتزلة وقاطبة أهل الحديث إلىٰ أنّه ينصب يوم القيامة ميزان كموازين الدنيا وتوضع الأعمال الصالحة في كفة والطالحة في كفة

__________________

١. المؤمنون: ١٠٢ ـ ١٠٣.

٢. القارعة: ٦ ـ ٩.

٣. الأعراف: ٨ ـ ٩.

٢٥١

أُخرى، فيوزن، فلو رجحت كفّة الأعمال الصالحة على الطالحة فهو سعيد، و إلّا فهو شقي.

قال العلّامة في كشف المراد :

قال شيوخ المعتزلة: إنّه يوضع ميزان حقيقي له كفتان يوزن به ما يتبيّن من حال المكلّفين في ذلك الوقت لأهل الموقف، إمّا بأن يوضع كتاب الطاعات في كفة الخير ويوضع كتاب المعاصي في كفة الشر ويجعل رجحان أحدهما دليلاً على إحدى الحالتين، أو بنحو من ذلك، لورود الميزان سمعاً، والأصل في الكلام الحقيقة مع إمكانها.(١)

وقد اعترض على هذا الوجه جماعة من المتكلّمين، بقولهم: إنّ الأعمال من مقولة الأعراض وهي تفقد الثقل فكيف توزن ؟

وقد حكىٰ عنهم صاحب المقاصد هذا الاعتراض بقوله: إنّ للميزان كفتين ولسان وساقين عملاً بالحقيقة لإمكانها، وأنكره بعض المعتزلة ذهاباً إلى أنّ الأعمال أعراض لا يمكن وزنها فكيف إذا زالت وتلاشت، وأجاب عنه الآخرون بأنّ المراد توزين صحائف الأعمال أو جعل الحسنات أجساماً نورانية والسيّئات أجساماً ظلمانيّة.(٢)

والأولى أن يقال: إنّ هذا النوع من التفسير أخذ بحرفية النص دون التدبّر في مغزاه، فانّ للكلام ظهورين :

أ. ظهور تصوّري بدوي.

ب. ظهور تصديقي.

__________________

١. كشف المراد: ٢٩٧، ط مؤسسة الإمام الصادقعليه‌السلام .

٢. شرح المقاصد: ٢ / ٢٢٣، ط آستانة.

٢٥٢

والمراد من الأوّل هو ما يفهمه الإنسان عند سماع اللفظ دون تدبّر في القرائن الحافة به.

والمراد من الثاني هو ما يذعن به الإنسان بعد الإحاطة بالقرائن الحافّة بالكلام. فربما يكون المتبادر عندئذ من الكلام غير ما هو المتبادر من الظهور الابتدائي، وهذا ما نوضحه بمثال :

قد اشتهرت الكناية عن السخاء والجود بقولهم فلان باسط اليد، ولا يغلق بابه، فالظهور البدوي منه عبارة عمّا يتبادر من ظاهر اللفظ وهو كون يده المحسوسة مبسوطة لا تجمع، وأنّ بابه لا يغلق، ولكنّه ليس بمراد قطعاً، وإنّما المراد هو الظهور التصديقي، وهو التأمّل في مفهوم هذه الجمل والانتقال إلى ما صيغ لأجله الكلام، وهو أنّه سخي، وبابه مفتوح لكلّ من يحلّ ضيفاً عليه وآفة أهل الحديث أنّهم يفسّرون الآيات الراجعة إلى المعارف بحرفيتها ولا يتأملون في القرآئن الحافة بالكلام حتى يقفوا على ما أُريد من الآيات.

٢. الميزان هو العدل الإلهي

يقول صاحب المقاصد: المراد به العدل الثابت في كلّ شيء، ولذا ذكره بلفظ الجمع.(١)

وحاصل هذه النظرية: أنّه سبحانه يتعامل مع عباده بالعدل والقسط ويقضي به، وهذا هو المراد من نصب الموازين.

أقول: إنّ النظرية الأُولىٰ نظرية بعيدة عن الصواب، وأمّا الثانية فهي تتعرض إلى نتيجة الميزان من دون أن تشير إلىٰ واقعه، وأنّه بعدما تم التوزين يتعامل سبحانه في قضائه بالعدل والقسط، فلابدّ قبل القضاء والتعامل من أداة تبيّن

__________________

١. شرح المقاصد: ٢ / ٢٢٣، ط آستانة.

٢٥٣

حال العباد من حيث الطاعة والعصيان، حتى تصل النوبة إلى قضائه سبحانه، فما هي تلك الأداة التي تكون معياراً لكثرة الطاعات أو قلتها ؟ وهذا ما سنتناول البحث فيه ضمن أُمور :

أ. الميزان واستعمالاته في القرآن

إنّ للميزان معناً واحداً وله تطبيقات مختلفة :

ـ الميزان الذي يوزن به المتاع، قال سبحانه:( وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ) .(١)

ـ الميزان: هو الانسجام والنظم السائدة في عالم الخلق، قال سبحانه:( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ ) .(٢)

فقوله:( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا ) قرينة علىٰ أنّ المراد من الميزان هو منح النظم التي بها قامت السماوات والأرض فمنظومتنا الشمسية قائمة على أساس التعادل والموازنة بين الجاذبية المركزية للشمس، والقوى الطاردة لسائر السيارات، ولولا هذا التعادل الذي عبر عنه القرآن الكريم بالميزان لما قامت لمنظومتنا الشمسية دعامة.

ـ الميزان: هو القوانين العادلة التي تقنّن في سبيل خدمة الإنسان والمجتمع، قال سبحانه:( وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (٣) فالمراد من الميزان بقرينة قوله:( أَنزَلْنَا ) هو التشريع السماوي الذي أنزله سبحانه بإنزال كتابه، كما يحتمل أن يكون المراد من الميزان هو قضاء العقل

__________________

١. هود: ٨٥.

٢. الرحمن: ٧.

٣. الحديد: ٢٥.

٢٥٤

الحصيف، ولا غرو في أنّ الميزان بهذا المعنى منزلٌ كإنزال الحديد، قال سبحانه:( وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) .(١)

هذه هي تطبيقات لمفهوم الميزان في القرآن.

ب. لكلّ شيء ميزان يوزن به

الألفاظ الواردة في القرآن الكريم التي تصف مشاهد القيامة لها حقائق غيبية غير معلومة لنا، ومن هذه الألفاظ لفظ « الميزان » الذي نحتمل أن يكون له واقعية غير ما نشاهد من الموازين العرفية، ويتضح ذلك من خلال البيان التالي :

كان الميزان يطلق قبل فترة طويلة على ما يوزن به المتاع بشيء له كفتان ولسان وساقان، وظلّ البشر يستعمل الميزان في ذلك المصداق ولكن الثورة الصناعية التي اجتاحت الغرب كشفت عن موازين لم تكن موجودة من ذي قبل، فأخذ يوزن استهلاك الماء والكهرباء والغاز والهاتف وغيرها، بل أحدث ميزاناً يوزن به حرارة الهواء وضغط الجو والدم الذي يجري في عروق الإنسان وقلبه، كما أنّه نجح نجاحاً باهراً في صناعة الكامبيوتر فأحدث تحولاً جذرياً في حياته، حتى عرف هذا العصر بعصر الكامبيوتر، فأصبح كمعيار لتصحيح الأغلاط التي يقع الإنسان فيها.

كلّ ذلك يعرب عن أنّ لكلّ شيء ميزاناً خاصاً يناسب وجود الشيء وليس الميزان منحصراً بماله كفتان ولسان وساقان، وعندئذ يصحّ أن نقول: إنّ الميزان المنصوب يوم القيامة شيء أعظم ممّا وصل إليه الفكر البشري.

وخلاصة القول فيه: إنّه شيء يعلم به صالح الأعمال عن طالحها، قلّتها

__________________

١. الحديد: ٢٥.

٢٥٥

عن كثرتها، والعقائد الصحيحة والباطلة، وإن لم يعلم لنا ما هي خصوصيات ذلك الميزان.

إذا علمت ذلك فلنرجع إلى تفسير قوله سبحانه:( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ *وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) .(١)

وقد اختلفت كلمة المفسّرين في تفسير الآية، نذكر منها ثلاثة احتمالات :

الأوّل: أنّ الوزن مصدر بمعنى التوزين، وهو مبتدأ خبره الحق، والمراد أنّ توزين الأعمال ومحاسبتها أمر حقّ لا سترة فيه.

الثاني: أنّ الوزن بمعنى الميزان أي ما يوزن به، ويكون المراد أنّ ما يوزن به هو الحقّ، فالحقّ هو الذي يعرف به حقائق الأعمال عند قياسها إليه. فكلّ عمل تمتع بقسط وافر من الحقّ ثقل الميزان عندئذٍ في مقابل عمل لا يتمتع بقسط من الحقّ أو يتمتع بشيء قليل فيخفف ميزانه. فيصبح الحقّ مثل الثقل في الموازين العرفية غير أنّ الثقل فيها يوضع في كفة والمتاع في كفة أُخرى.

وأمّا الحقّ فلا يكون شيئاً منفكَّاً عن العمل، بل بمقدار ما يتمتع به ترجح كفته.

الثالث: انّ الحقّ بمنزلة الثقل في الموازين العرفية، ويكون له تجسّم واقعيٌّ يوم القيامة، فبمطابقته وعدمها يعرف صلاح الأعمال عن غيرها.

والفرق بين الثاني والثالث واضح، فإنّ الحقّ على المعنى الثاني يكون داخلاً في جوهر الأعمال فبمقدار ما يوصف به العمل من الحقّ، وأمّا الاحتمال الثالث فالحقّ بالذات هو الموجود المجسَّم يوم القيامة، ولا يعلم صلاح الأعمال عن

__________________

١. الأعراف: ٨ ـ ٩.

٢٥٦

ضدها، إلّا بعرضها على الحقّ المجسَّم فبمقدار ما يشبهه ويناسبه يكون موصوفاً بالحقّ، دون مالم يكن كذلك فيوصف بالباطل.

وهذا المعنى الثالث هو المستفاد من بعض الروايات، قال الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير قوله:( وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَ ) هم الأنبياء والأوصياء(١) ، ولعلّ أعمال كلّ أُمّة تعرض على أنبيائهم فبالمطابقة مع أعمالهم ومخالفتها معهم يعلم كونه سعيداً أو شقياً، ويؤيد ذلك ما نقرأه في زيارة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث ورد فيه، « السّلام علىٰ يعسوب الإيمان وميزان الأعمال ».(٢)

وكأنّ الإمام أمير المؤمنين حقّ مجسّم فمن شابهه فهو ممن ثقلت موازينه، ومن لم يشابهه فهو ممن خفت موازينه.

وإن شئت قلت: إنّ الإنسان المثالي أُسوة في الدنيا والآخرة يميّز به الحقّ عن الباطل، بل الطيب عن الخبيث، وهذا أمر جار في الدنيا والآخرة.

وبذلك تقف على إتقان ما روي عن الإمام زين العابدين، وقد قال فيما كان يعظ به الناس: « ثمّ رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب، فقال عزّ وجلّ:( وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) (٣) ، فإن قلتم أيّها الناس، إنّ الله عزّوجلّ إنّما عني بهذا أهل الشرك فكيف ذلك، وهو يقول:( وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ) (٤) واعلموا عباد الله أنّ أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنّما يحشرون إلى

__________________

١. بحار الأنوار: ٧ / ٢٤٩، الباب العاشر من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٦.

٢. مفاتيح الجنان، الزيارة الرابعة للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٣. الأنبياء: ٤٦.

٤. الأنبياء: ٤٧.

٢٥٧

جهنم زمراً، وإنّما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام ».(١)

ويؤيد ذلك أيضاً ما نقل عن الإمام السجادعليه‌السلام أنّه قال: « ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق ».(٢)

وبما أنّ حسن الخلق من أبرز صفات الأنبياء فمن تمتع به فهو أشبه بالأنبياء من غيرهم فيكون عمله عملاً قيماً له أثره الخاص.

وللمحقّق الكاشاني كلام في تفسير الملكين المعروفين بمنكر ونكير يناسب ذكره في المقام لصلته بما ذكرنا، يقول: ويخطر بالبال أنّ المنكر عبارة عن جملة الأعمال المنكرة التي فعلها الإنسان في الدنيا فتمثلتا في الآخرة بصورة مناسبة لها مأخوذ مما هو وصف الأفعال في الشرع، أعني: المذكور في مقابلة المعروف.

والنكير هو الإنكار لغة ولا يبعد أن يكون الإنسان إذا رأى فعله المنكر في تلك الحال أنكره ووبخ نفسه عليه فتمثل تلك الهيئة الإنكارية أو مبدؤها من النفس بمثال مناسب لتلك النشأة فانّ قوى النفس ومبادئ آثارها كالحواس ومبادئ اللجم تسمّى في الشرع بالملائكة.

ثمّ إنّ هذا الإنكار من النفس لذلك المنكر يحملها على أن تلتفت إلى اعتقاداتها وتفتش عنها، أهي صحيحة حسنة حقّة أم فاسدة خبيثة باطلة ؟ ليظهر نجاتها وهلاكها ويطمئن قلبها.

وذلك لأنّ قبول الأعمال موقوف على صحّة الاعتقاد بل المدار في النجاة علىٰ ذلك كما هو مقرر ضروري من الدين، وإليه أُشير بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حبُّ عليٍّ حسنة لا تضرّ معها سيئة، وبغض عليٍّ سيئة لا تنفع معها حسنة ».(٣)

__________________

١. بحار الأنوار: ٧ / ٢٥٠، الباب العاشر من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٨.

٢. بحار الأنوار: ٧ / ٢٤٩، الباب العاشر من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٧.

٣. الحقائق في محاسن الأخلاق: ٤٤٦.

٢٥٨

ويقول الحكيم عبد الرزاق اللاهيجي ما هذا تعريبه: إنّ المفاهيم الكلية ذات مصاديق مختلفة عبر الزمان، فهذا لفظ القلم كان يطلق على القلم المنحوت من القصب، ولكن تلك الخصوصية لم تؤخذ في ماهيته ولذلك يطلق على ما إذا كان من حديد وغيره.

ونظيره الميزان فانّ منه ما يوزن به المتاع ومنه ما يوزن به الوقت ومنه ما يوزن به الأشكال الهندسية كالفرجال والمسطرة والقوس، ومنه ما يوزن به الأشعار كعلم العروض ومنه ما يوزن به خطأ الإدراكات وصحتها كالمنطق، وعلى هذا فلا مانع من أن يكون نفس الأنبياء موازين الأعمال، فكل عمل يشبه أعمالهم فهو حقّ وكلّ عمل يخالف أعمالهم فهو باطل.

فكلّ عمل عند المقايسة إلىٰ أعمالهم يعلم كونه صالحاً أو طالحاً، صحيحاً أم فاسداً.(١)

ويؤيده الحديث التالي :

عن هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) قال: « هم الأنبياء والأوصياء ».(٢)






__________________

١. گوهر مراد: ٤٧٨.

٢. بحار الأنوار: ٧ / ٢٤٩، باب الميزان، الحديث ٦.

٢٥٩





الفصل العشرون

الإشهاد يوم القيامة

إنّ القضاء في المحاكم العرفية يبتني أحياناً علىٰ شهادة شهود لصالح شخص أو ضدّه، فإذا كانت الشهادة حائزة للشرائط يُصدر القاضي رأيه علىٰ وفقها، والقرآن الكريم يحكي عن وجود شهود يوم القيامة فيقومون ويشهدون، يقول سبحانه:( وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) (١) ، ويقول في آية أُخرىٰ:( يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَٰؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ) .(٢)

غير أنّ الشهود يوم القيامة على صنفين :

١. الشهود، ٢. شهود الأعضاء.

ولنتناول الصنف الأوّل بالبحث.

إنّ القرآن الكريم يخبر عن وجود شهود، يشهدون على عمل الإنسان خيره وشرِّه، ويذكرهم بالنحو التالي :

١. الله سبحانه

انّه سبحانه أكبر وأصدق شاهد على عمل الإنسان لإحاطته به منذ نشوئه

__________________

١. غافر: ٥١.

٢. هود: ١٨.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403