مفاهيم القرآن الجزء ٨

مفاهيم القرآن14%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167185 / تحميل: 5808
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

در مدرسه مرحوم ثقة الاسلام عموى والد بزگوارشان وامام جماعت مورد وثوق قاطبهء طبقات اجتماع در مسجد نو بازار آثار زهد وتقوى از سيماى او نمودار كه « سيماهم في وجوههم من اثر السجود » متجاوز از چهل سال پس از فوت پدر در مسجد ايشان در ظهر وشب اقامهء جماعت مى نمود وعدهء كثيرى از مؤمنين حضور به جماعتش را غنيمت مى شمرند ».

مجالس درسه وبعض من استفاد منه :

كان يدرس مختلف العلوم الإسلاميّة من الفقه والاصول والحكمة والكلام والهيئة والرياضي واشتهر بالاخيرين اشتهاراً واسعاً.

كان يلقي دروسه في الرياضي في المسجد الجامع العباس ( مسجد الإمام ) سابقاً. ودروس الهيئة كانت بمسجد « نو بازار » والفقه بمدرسة عمه آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد علي النجفي الشهير بثقة الاسلام.

وقد حضر أبحاثه جمع من الآيات والحجج والأعلام، نذكر بعضهم على ترتيب الحروف من دون ذكر الألقاب مع الاعتذار منهم:

- السيّد أحمد الفقيه الامامي

- الشيخ أحمد المهديان

- الشيخ اسماعيل الغروي

- السيّد محمد باقر الأحمدي

- السيّد محمد تقي الموسوي البيد آبادي، صهره

- السيّد حسن الحسيني

- الشيخ حسن الدياني النجف آبادي

- السيّد حسن الفقيه الامامي

٢١

- الشيخ حسينعلي المنتظري

- الشيخ حيدر علي الجبل عاملي

- الشيخ رحمت الله الفشاركي

- الشيخ محمد رضا مداح الحسيني

- الشيخ عبد الرحيم الفضيلتي

- الشيخ علي أكبر الفقيه

- المرحوم الشيخ محمد علي الاقائي

- الشيخ علي الشمس

- الشيخ قاسم الكاظميني

- السيّد محمد الفقيه الاحمد آبادي

- السيّد محمود الإمام جمعه زاده

- الشيخ مرتضى التمنائي

- الشيخ مرتضى الشفيعي

- الشيخ مرتضى المقتدائي

- الشيخ مظفر الكاظميني

- الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي، نجله

- الشيخ هادي النجفي، حفيده

تأليفاته القيّمة :

له تأليفات قيمة في غاية الحسن والفصاحة كما ينبغي له، ألفها مع عدم تفرغه لهذا الشأن واشتغاله في أكثر الأوقات بالتدريس وتربية الطلاب، وتوليه للشؤون الاجتماعيّة وقضاء حوائج العامّة، وإليك سرد أسمائها:

٢٢

* - إيرادات وانتقادات على دائرة المعارف لفريد وجدي.

* - ترجمة « نقد فلسفة داروين » من العربية إلى الفارسية في مجلدين ضخمين.

* - حاشية الروضات: طبع بعض منها مع حاشية والده على الروضات.

* - حاشية « سمط اللئال في مسئلتى الوضع والاستعمال » طبعت.

* - حاشية « وقاية الأذهان » في علم الأصول: طبعت.

* - دروس في فقه الاماميّة ( كتاب الصلاة وكتاب الصوم ) وهي دروسه التي كان يلقيها على تلامذته في البحث المعروف بالخارج.

* - رسالتان في ترجمة والده ونفسه.

* - رسالة في ترجمة جده العلّامة الحاج الشيخ محمد حسين النجفي الاصفهاني « قده » كتبها بعنوان المقدمة لتفسيره ( طبعت ).

* - صرف أفعال، رسالة ألفها في صغره.

* - الفوائد الرضوية في شرح الفصول الغروية، أو حاشية على فصول عمه العلّامة الشيخ محمد حسين الاصفهاني في علم الأصول.

* - گل گلشن: انتخبها من منظومة ( گلشن راز ) للعارف المشهور الشيخ محمود الشبستري.

* - المختار من القصائد والاشعار، وهي الرسالة الثانية في هذه المجموعة.

* - مسائل العلوم.

* - اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرحمن، وهي الرسالة الأولى في هذه المجموعة.

نموذج من نثره :

هذا كتاب إلى نجله العلّامة الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي كتبه بتاريخ

٢٣

٢ / ١١ / ١٣٣٦ ش:

« ولدي العزيز، جعلني الله فداك وزرقك العزة والسعادة في آخرتك ودنياك وجعل من يحسدك وقاك وعمرك الله عمراً طويلا مع الصحة والسلامة وأبقاك. قد وصل كتابك وسررت كثيراً من بلاغة أسلوبه وفصاحة مرقومه، وخصوصاً الأشعار الرنانة التي كتبتم في الصفحة الثانية من كتابكم، ولاسيما أشعار أحمد شوقي وكذا ما ذكرتم في ترجمة الاشعار التي كتبتها إليكم، فقد أحسنتم كل الاحسان وأجدتم كل الاجادة، فلله دركم وعلى الله أجركم.

أمّا ماذكرتم في أوّل الكتاب من أن هذه الأشعار من لامية العرب فغير صحيح لأنها لاميّة العجم التي عارض بها لاميّة العرب. ولاميّة العجم للطغرائي وهو مؤيد الدين حسن بن علي بن محمد الطغرائي الاصفهاني المنشئ الدئلي من ولد أبي أسود الدئلي المقتول في سنة ٥١٥ خمس عشرة وخمسمائة بتهمة فساد العقيدة وقد جاوز ستين سنة في الحرب التي وقعت بين السلطان مسعود السلجوقي والسلطان محمود السلجوقي، فأخذ الطغرائي أسيراً وقتل صبراً وكان وزيراً للسلطان مسعود المذكور، وسمّي بالطغرائي لأنه كان متولياً ديوان الطغراء.

وأمّا ما ذكرتم في وصف لاميّة العرب وان قائلها الشنفري - إلى آخرما ذكرتم - فصحيح جداً وقد أجدتم في بيانها

وأرجو منك أن تبلغ سلامي وتحياتي إلى السيّدين السندين الموسوي(١) والنوربخش(٢) والشيخين الجليلين الحائري(٣) وابن الدين(٤) ».

__________________

١) هو السيّد مجتبى الموسوي صهر المصنف.

٢) هو العلّامة الاستاذ السيّد كمال الدين النور بخش.

٣) هو العلّامة الفيلسوف نجل المحقق الحائري الشيخ مهدي اليزدي.

٤) هو العلّامة الاستاذ الشيخ عبد الحسين ابن الدين.

٢٤

نموذج من شعره :

كان قليل الشعر انشاءاً وكثير الشعر نشاداً بحيث نقل عنه الشيخ محمد علي المعلّم الحبيب آبادي «ره» في كتابه « مكارم الاثار » أبياتاً لجدّه من طريق الأمّ السيّد محمد علي بن السيّد صدر الدين المعروف بآقا مجتهد ( ت ١٢٧٤ ) قال «ره» ما نصّه: « آقاى مجد العلماء (١٣٢٦) اين اشعار را از او نقل مى كرد:

محتسب مستان زمستان جام مى

تازه مستان از زمستان رسته اند

شيخ را از پارسائي چاره نيست

چون در ميخانه بروى بسته اند

باستشارهء مستان گسسته ام تسبيح

كجااست خوشه تاكى كه استخاره كنم(١)

وقال المترجم «ره» في بعض مصنفاته: « أيضا شعر عربى له طاب ثراه ( أي لشيخنا البهائي ):

قد صرفت العمر في قيل وقال

يا نديمى قم فقد ضاق المجال

وقد قلت في هذا المعنى على نهج شعره «ره»:

آنچه ندارد عوضى در جهان

عمر عزيز است غنيمت بدان

وترجم هذا البيت من لامية العجم:

لو كان في شرف المأوى بلوغ منى

لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل

بقوله:

اگر درمكان بود عزَّ وخوشى

هميشه بدى شمس أندر حمل

وترجم إلى الفارسية أيضا هذه الابيات من لامية العجم :

__________________

١) مكارم الاثار ٤ / ١٠٩٦.

٢٥

فان علاني من دوني فلا عجب

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فانما رجل الدنيا وواحدها

من لايعول في الدنيا على رجل

غاض الوفا وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

بقوله:

اگر برترى جست پستر زمن

مرا اسوه باشد به شمس وزحل

يگانه رجل در جهان آن كس است

كه تعويل نارد بديگر رجل

همانا وفا رفت وغدر آمده است

مسافت بود بين قول وعمل

راجع كتاب « المختار من القصائد والأشعار » للمترجم له.

إمامته للجماعة :

كان يقيم الجماعة في المسجدين الأعظمين المزدحمين « مسجد نو » في سوق إصبهان و « مسجد الإمام » أكثر من أربعين عاماً.

واقتدى به جماعة كبيرة من مختلف الطبقات من وجوه الفضلاء والمتدينين والوجهاء.

اخلاقه الفاضلة :

كان مؤدَّباً بالاخلاق الإسلاميّة والاداب القرآنيّة متبعاً للتعاليم النبوية متأدباً بالأخلاق المحمدية، كما وصف الله تعالى نبيه الأكرم في كتابه الكريم بقوله

٢٦

عزّ من قائل: «انك لعلى خلق عظيم »(١) وكما قال النبيصلّى الله عليه وآله : « بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ».

وهو من غير ملق ومجاملة اقتدى بالنبي الأكرم والأئمة الهداة المهديين عليهم صلوات رب العالمين، ولذا كان محبوب القلوب ووجيه الملة عند جميع الطبقات من الخواص والعوام.

أولاده :

له اربعة ابناء وخمس بنات:

أمّا أبناؤه فأكبرهم العلّامة آية الله الحاج الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي وهو امام الجماعة في المسجدين المذكورين اللذين أقام الجماعة فيهما والده والمدرس في مختلف العلوم الاسلامية.

وثانيهم: المهندس محمد رضا النجفي.

وثالثهم: المهندس محمد النجفي أدام الله تعالى ايامهم وتوفيقاتهم.

ورابعهم: حسين النجفي، توفى وهو طفل في عام ١٣٣٢ ش.

وفاته ومدفنه :

توفي رحمه الله تعالى في صبيحة يوم الأربعاء عشرين من ذي الحجّة سنة ١٤٠٣ ق المطابق لسادس شهر مهر ١٣٦٢ ش في طهران، ونقل جثمانه الشريف إلى اصبهان فوصل إليها يوم الخميس وغسل في بيته ثم شيع تشييعاً ضخماً إلى مسجد الإمام ومنها إلى مسجد « نو » ( الذي بناه جده الاكبر العلّامة الفقيه الرئيس آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد باقر النجفي الاصفهاني من تلاميذ الشيخ

__________________

١) سورة القلم: ٠٤.

٢٧

الاعظم الأنصاريرحمه الله ) بعد أن تعطلت الأسواق ودفن هناك في إيوان الشمال الشرقي، رحمة الله عليه رحمة واسعة.

ومن طريف البيان، ان سمع منه انه كان يقول: « نعم اليوم يوم الأربعاء » ولعله كان يشير إلى هذا البيت الفارسي:

خرم آن روز كه زين منزل ويران بروم

پى جانان طلبم در پى آنان بروم

تسلية المراجع بوفاته :

لما انتشر نبأ وفاته في البلاد بواسطة الراديو والتلفزيون والجرائد، انهالت برقيات كثيرة إلى نجله من علماء البلاد والمراجع العظام، تعزية بالمصاب الجلل وتسلية له ولسائر الاسرة، وممن أبرق:

١ - آية الله العظمى الإمام الخميني مد ظله العالي

٢ - آية الله العظمى السيّد ابوالقاسم الموسوي الخوئي مد ظله العالي

٣ - آية الله العظمى الحاج الشيخ حسينعلي المنتظري مد ظله العالي

٤ - آية الله العظمى السيّد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مد ظله العالي

٥ - آية الله العظمى السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي مد ظله العالي

٦ - آية الله العظمى المرحوم السيّد عبد الله الشيرازي طاب ثراه

مراثيه :

رثاه جمع من العلماء والشعراء بما جادته به قريحتهم من المراثي بالعربية والفارسية، وإليك نماذج من تلك المراثي:

٢٨

١ - منهم العلّامة الحجّة الحاج السيّد مجتبى الصادقي أدام الله ايامه بأبيات أرخ فيها سنة الوفاة ايضا:

لهفي لموت البطل العليم

ذي المجد ثم الحسب القديم

أف لدهر يقنطف ثمر الهدى

من دوحة العلم ذي النسب الكريم

فأردت ان اورخ عام وفاته

ليكون تذكرة الاخلاف والحميم

ألحق إلى المجموع سبعاً ثم قل

«نرجو لمجد العلم مثوى في النعيم»

( ١٣٦٢ش )

٢ - ومنهم الأديب الاستاذ علي المظاهري، قال في ابيات بالفارسية:

مجد العلماء ومجد دين رفت

آن عالم عالم يقين رفت

آن مظهر زهد وپارسائى

آن رهبر راه راستين رفت

از مجمع عالمان معلم

از حلقه زاهدان نگين رفت

محراب نشين مسجد نو

بر منبر عرش از زمين رفت

آن دم كه از اين جهان به جنت

آن پاك نهاد پاك بين رفت

تاريخ وفات او رقم شد

«رونق ده علم وحصن دين رفت»

(١٣٦٢ش)

والشطر الاخير الذي نظم فيه التاريخ هو للاستاذ الاديب السيّد قدرت الله الهاتفي وفقه الله تعالى.

٣ - ومنهم الاديب الاستاذ الجمشيدى بقوله بالفارسية:

عالمى چون بگذرد از روزگار

عالمى گريان شود بى اختيار

از وجود عالمان دين بود

نظم اين گردنده گيتى بر قرار

هر كه شد با عالمان دين قرين

شد بدور زندگانى كامكار

٢٩

ملت ايران از اين دانشوران

يافت در دور جهانى اقتدار

رهبران دين ز جانبازى خويش

خوش بر آوردند از دشمن دمار

مجد دين مجد شرف مجد كمال

بود عمرى در ره حق استوار

تا كه از جمع عزيزان شد جدا

قلب أهل دين شد از غم داغدار

گرچه آن بحر كمال ومعرفت

رفته او از عالم ناپايدار

مانده از او شاخه هاى بارور

در جهان علم ودانش يادگار

اين مصيبت را به أهل علم ودين

خاصه بر آن رهبر والا تبار

تسليت گوييم وداريم آرزو

عمرشان باشد به گيتى پايدار

خاندانش را بخواهم تا ابد

در پناه حضرت پروردگار

٤ - ومنهم الشاعر البارع الاستاذ فضل الله اعتمادى ( برنا ):

مجد العلماء كه مجد دين نامش بود

حب حق وحب دين مى جامش بود

آن حبر كه كسب فضل وتدريس علوم

رسم وروش وسيرت مادامش بود

آن عالم عاملى كه روحانيت

سنخيت خاندان واقوامش بود

آن مجتهد مسلمى كاندر فقه

داراى اجازات ز اعظامش بود

هم زاده از كياى دانش بابش

هم وارث رهبران دين مامش بود

هم حب بتول ومرتضى داشت بدل

هم حامى مصطفى واسلامش بود

٣٠

مهر حسن وحسين واولاد حسين

چون جان وروان بجسم واندامش بود

در بندگى خدا لياليش گذشت

تعليم وهدايت كار ايامش بود

در هر عمل خير كه ميكرد قيام

كوشا زدل وجان پى اتمامش بود

نه فكر فريب خلق در سر پرورد

نه ميل به پيرروى اوهامش بود

نه ظلم وستم كسى در اعمالش ديد

نه نقص وخلاف وغش در احكامش بود

هر جا كه شدى ز كثرت حسن سلوك

هر كس پى احترام واكرامش بود

گفت ارجعى دعوت حق را لبيك

چون وقت فرا خواندن واعزامش بود

برنا پى تاريخ وفاتش بنوشت

بيتى كه بشمسى جمع ارقامش بود

(مجد العلماء كه مجد دين نامش بود

حب حق وحب دين مى جامش بود)

( ١٣٦٢ ش )

٣١

مصادرالترجمة :

ترجمته بقلمه - امجدية. الطبعة الثالثة / ١١ - ٣٤.

تاريخ علمى واجتماعى اصفهان در دو قرن اخير (بيان سبل الهداية فى ذكر أعقاب صاحب الهداية) المجلد الثانى والثالث.

دانشمندان وبزرگان اصفهان / ٣٢٩.

گنجينهء دانشمندان ٥ / ٣٨٤ - ٣٨٦.

مكارم الاثار ٤ / ١٠٩٦.

نقباء البشر ٢ / (ع)٥٣.

جريدة (عرفان) شهر فروردين ١٣٢٢ ش.

٣٢

٣٣

اليواقيت الحسان

في تفسير سورة الرحمن

٣٤

٣٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله بارىء النسَم وخالق العالم، الذي أوجدنا من كتم العدم، والصّلاة والسّلام على المنقذ الأعظم، والنبى الأفخم، والرسول الأكرم، سيّد ولد آدم، وعلى إله الأئمّة الأطهار، هداة الأمم ومفاتيح الظلم.

وبعد: يقول المفتقر إلى رحمة ربِّ العالمين العبد المسكين مجد الدين ابن العلّامة جامع المعقول والمنقول أبي المجد الشيخ محمد الرضا النجفي طاب الله ثراه وجعل الجنّة مثواه:

سألني بعض الاخوان عن سرّ تكرير الآية الشريفة في سورة الرحمن، فأجبته جواباً كافياً بازاحة ما خلج بباله شافياً - فالتمس مني أن أذكر ذلك في كتاب، وأن أضيف إليه تفسير هذه السورة المباركة في ضمن فصول وأبواب، فنكلت عن ذلك زمانا وأخرت الاقدام على ذلك أوانا، علما مني بأنّا في زمان كثر فيه العناد وظهر فيه الفساد واتخذ أهله اللغو عادة واللهو سعادة والجهل علما والخديعة فخرا، وسكن الأفاضل زوايا الخمول وقربت شمس الهداية على الأفول.

٣٦

لما رأيت الجهل في الناس فاشيا

تجاهلت حتّى ظن أني جاهل

فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص

ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل

ولما طال الحافه في ذلك واصرّ على ذلك أجبته إلى مسئوله في نيل مأموله وسميته ( اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرّحمن ).

ونسأل الله الكريم المنّان بحرمة رسوله نبي الرحمة وآله البررة أولياء الرحمن صلوات الله عليهم والرضوان أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وذخري ليوم الدين، وأن ينفعني به واخواني المؤمنين، إنّه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير، عليه توكّلت وإليه أنيب.

وهذا أوان الشروع في المقصود متوكّلا على الله الملك المعبود:

٣٧

مقدمة

( في إعجاز القرآن )

القرآن العظيم والفرقان الكريم امتاز عن سائر معجزات نبينا المنقذ الأعظم صلّى الله عليه وآله - على كثرتها - بأنّه المعجزة الباقية على مر الدهر وصفحات الأيّام، فهو باق في كل زمان ومكان، ولايختص بعصر الرسالة كما لا اختصاص له بقرن دون قرن ومكان دون مكان، ينادي اليوم كما نادى أوّلا في الجوامع والمجامع التى اجتمعت الإنس والجن «على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا »(١) .

وتحدّى المرسل به صلّى الله عليه وآله ودعا فصحاء العرب من مصفى خطبائها وفحوا شعرائها، فقال بتعليم الله تعالى له: «فأتوا بسورة من مثله »(٢) «فأتوا بعشر سور مثله مفتريات »(٣) ، فنكصوا على أعقابهم خائبين وظهر عجزهم للعالمين، واختاروا اللئام على الكلام والقتال على المقال، لعلمهم بأنّه معجز للبشر

__________________

١) سورة الاسراء: ٨٨.

٢) سورة البقرة: ٢٣.

٣) سورة هود: ١٣.

٣٨

ولجأوا إلى الافتراء فقالوا: «ان هذا الا سحر يؤثر »(١) .

القرآن أكبر معجزة باقية إلى الان في جميع الأصقاع والبلدان، معجزة من الوجهة التاريخية، معجزة من جهة الاحتجاج، معجزة من وجهة التشريع العادل ونظام المدنية، معجزة من وجهة الاستقامة والسلامة من الاختلاف والتناقض، معجزة من الوجهة الاخلاقية، معجزة في اخباره عن المغيبات، معجزة من الوجهة العلمية(٢) .

فان الفلكي لما يتلو قوله تعالى «الم نجعل الأرض مهادا »(٣) أو قوله تعالى «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرمر السحاب »(٤) يتعجب كيف قال القرآن العظيم بتحرك الأرض ودورانها على نفسها منذ أربعة عشر قرنا تقريبا بينما كانت الهيئة البطلميوسية قائلة بسكون الأرض ودوران الأجرام. وكذلك المجسطي المرجع الوحيد والمعوّل عليه في تعليم الهيئة والفلك قبل ذهاب غاليلة وكبرنيك وأضرابهما إلى ذلك الرأي بقرون وأجيال، وقد حبس غاليلة في أروبا لقوله بتحرّك الأرض وحكم البابا بكفره لقوله بذلك وأنّ زعمه ينافي العهدين القديم والجديد.

هذا في أرقى ممالك ذلك العصر، أعني المملكتين الشرقية والغربية ( الفرس والروم )، وأمّا الجزيرة العربية فلم تعرف حتّى هذه الفلسفة ولاعلمت حتّى هذه النظريّة ولاسمعت إسم بطلميوس ولا جالينوس ولا أفلاطون وأرسطاطاليس، ولاعرفت من الظواهر الطبيعية إلّا أنَّ الحرّ في الصيف شديد وفي الشتاء تقل حرارة الهواء، يغزو أهلها بعضهم بعضا ويقتل ويسلب بعضهم بعضا، يوؤدون البنات ويأكلون

__________________

١) سورة المدثر: ٢٤.

٢) راجع لتفصيل البحث إلى مقدمات آلاء الرحمن فى تفسير القرآن.

٣) سورة النبأ: ٦.

٤) سورة النمل: ٨٨.

٣٩

الحيات يقال: إنّه سئل بعضه عن مأكله ومشربه؟ فأجاب بأنّاً نأكل كلّما دبّ ودرج إلّا [ ](١) أوالجبل.

نعم، برع بينهم في العصر الجاهلي شعراء أذكياء، ولكن في الفصاحة الطبيعية والمعاني الساذجة ووصف الغمراء والبيداء ومدح المرأة الحسناء، لا في المعاني الدقيقة والحقائق العلميّة.

أمّا في الدولتين السابقتين الحكمة على المسكونة فقد ظهر فيهم أيضا ما يشين وجه التاريخ من العادات الفاسدة والاراء الكاسدة، ولا نطول الكلام بالتفصيل بل نقنع بالاشارة إليها.

في ذلك الظلام الدامس والوحشية السوداء وتلك الجزيرة البعيدة عن المدنية والبلاد القاحلة، نزل القرآن المبين على قلب سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الطاهرين، ناطقا بالحقائق العلمية وادق الاراء الفلسفية واصح المذاهب النظرية والحق الأبلج من المطالب الدينية، فنهضت تلك الأمّة المغلوبة على أمرها ببركة القرآن [ ](٢) وفتحت الشرق والغرب والشمال والجنوب، ووصلت جنودها واعلامها إلى حدود الصين من جهة والى المحيط [ الأطلسي ] من جهة أخرى، فتحوا البلاد الأندلسية والممالك الساحلية على المحيط الغربى وفتح المسلمون بعد ذلك بلاد روسيا وممالك بلغانيا والقسم الاعظم من أروبا، فصارت تلك الأمّة الوحشية أرقى الأمم وسيد العالم، ونبغ بينهم علماء وفلاسفه أذكياء، واسسوا المجامع العلمية والمعاهد المدرسية ومدنية راقية، وعلى أثره والاقتباس منه ظهر التمدن الحديث على أعلامها، ولكن تلك كانت خالية من هذه الويلات وتلك العيوبات و(٣) .

نعم، ان القرآن أوحي على محمد النبي صلّى الله عليه وآله وكانت معجزته

__________________

١ و ٢ ) كلمات لاتقرأ.

٣ ) خرجنا عما هو المقصود والشىء يذكر. منهرحمه الله .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

إلى موته، يقول سبحانه:( لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ ) (١) ويقول أيضاً:( إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (٢) ، وفي آية ثالثة:( فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ ) (٣) .

ولا غرو في ذلك فهو سبحانه محيط بالإنسان وهو معه أينما كان يراه ليلاً ونهاراً، ويقف على ظواهر أعماله سرائرها وما يكمن في ضميره.

٢. أنبياء الله

الشاهد الثاني من الشهود هم أنبياء الله تبارك وتعالى، يقول سبحانه:( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلاءِ شَهِيدًا ) .(٤)

والآية تتضمن أمرين :

الأوّل: انّ لكلّ أُمّة شهيداً، وأمّا من هو ؟ فالآية ساكتة عنه، ويمكن استظهار أنّ المراد من الشهيد هو نبي كلّ أُمّة، بشهادة أنّه سبحانه صرّح بانّ المسيحعليه‌السلام يكون شهيداً على أُمّته، قال سبحانه:( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) .(٥)

الثاني: انّ النبي الخاتم بحكم الآية الأُولى شهيد علىٰ هؤلاء، إنّما الكلام في تعيين المشار إليه، فهل المراد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد على الأنبياء الذين هم شهود ؟ أو شاهد على أُممهم ؟ هناك احتمالان :

__________________

١. آل عمران: ٩٨.

٢. الحج: ١٧.

٣. يونس: ٤٦.

٤. النساء: ٤١.

٥. النساء: ١٥٩.

٢٦١

وثمّة نكتة جديرة بالإشارة وهي أنّ شهادة النبي والأنبياء عليهم وعلى أُممهم رهن علم وسيع بأحوال الأُمّة، فانّ أداء الشهادة فرع تحمّلها، وتحمُّلها فرع حضور الشاهد الواقعة حضوراً يرى الواقع على نحو يصح له أن يشهد. ومن الواضح بمكان أنّ العلوم التي ينالها الإنسان لا تغني عن هذا النوع من الشهادة وذلك لبعد الشاهد زماناً ومكاناً عن المشهود له أو المشهود عليه، وهذا يدل على أنّ لهم إحاطة علمية بما يجري على أُممهم من الأعمال والأفعال.

ولا غرو في ذلك فانّه تبارك وتعالى إذا أراد أن يتخذ منهم شهوداً يمدّهم بالعلم الكافي في عالم الشهادة حتى يقفوا علىٰ ما يجري في أذهانهم ونفوسهم من الأفكار والآراء الصحيحة والباطلة، وهذا إن دل على شيء فإنّما يدل على سعة علمهم.

٣. النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله

يظهر من غير واحد من الروايات أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الخاتم شاهد على أعمال أُمّته، وقد ورد في ذلك غير واحد من الآيات، يقول سبحانه:( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) .(١)

وفي آية أُخرى:( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) .(٢)

وقد وصفت بعض الآيات نبي الإسلام بأنّه شاهد، قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) .(٣)

__________________

١. الحج: ٧٨.

٢. البقرة: ١٤٣.

٣. الأحزاب: ٤٥ والفتح: ٨.

٢٦٢

وفي آية أُخرى( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ ) (١) .

والمراد شهادته على أعمال أُمّته من خير وشر وصلاح وفساد، وأداء الشهادة فرع تحمّلها ولا يتحمله إنسان إلّا بعد العلم بظواهر أعمالهم وبواطنها، وخير نياتهم وشرّها، وهذا يدل على سعة علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالظواهر والبواطن، والحقائق والدقائق.

٤. المثاليّون من الأُمة الإسلامية

قال سبحانه:( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) .(٢)

فيقع الكلام في تعيين ما هو المقصود من المخاطبين، فهل المراد الأُمّة الإسلامية قاطبة ؟ وعلى هذا يكون المشهود عليهم هم الأُمم السالفة، أو المراد شهادة بعض الأُمّة على بعض ؟

والظاهر أنّ الثاني هو المتعيّن، إذ لو كانت الأُمّة الإسلامية أُمّة صالحة برُمَّتها لصحت شهادتهم، وأمّا إذا كانت غالبية الأُمة غير شاكرين، كما يقول سبحانه:( وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) (٣) فكيف تكون تلك الأُمة بعامتهم شهداء ؟!

فلا محيص عن كون المراد بعض الأُمّة لا جميعهم، وليس هذا البعض إلّا من اختارهم الله سبحانه أئمّة على الأُمّة وحكّاماً على البلاد.

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : فإن ظننت أنّ الله عنىٰ بهذه الآية جميعَ أهل القبلة من الموحدين، أفترىٰ أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا علىٰ صاع من تمر ،

__________________

١. المزمل: ١٥.

٢. البقرة: ١٤٣.

٣. الأعراف: ١٧.

٢٦٣

يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأُمم الماضية ؟! كلّا لم يعن الله مثل هذا في خلقه.(١)

ويبقى ثمة سؤال، وهو أنّه إذا كان المراد بعض الأُمّة الذين شملتهم العناية الإلهية وجعلتهم صفوة عباده، فلماذا ينسب الحكم إلى الجميع ؟

والجواب: انّ ذلك ليس بغريب، فقد ورد نظير ذلك في الذكر الحكيم حيث وصف جميع بني إسرائيل بجعلهم ملوكاً مع أنّ البعض القليل منهم قد تصدّوا لمنصة الحكم كداود وسليمان وغيرهما، يقول سبحانه:( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا ) (٢) وهذا يدل على أنّه تصحّ نسبة الحكم إلى الجميع وإن كان الحكم خاصّاً ببعضهم. والقدر المتيقن من شهداء الأُمة الذي يخبر عنه قوله سبحانه:( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٣) هم الأئمّة المعصومون قرناء الكتاب وأعداله بنصِّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي ».

وقال سبحانه:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) .(٤)

دلت الآية علىٰ أنّه سبحانه أورث علم الكتاب المصطفين من عباده لا جميع عباده، وثمة سؤال أنّه لماذا لم يورث علم الكتاب جميع عباده ؟ وتجيب الآية بأنّهم علىٰ ثلاثة أصناف، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، وهاتان الطائفتان لا تستحقان وراثة علم الكتاب، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، فهؤلاء هم الذين اصطفاهم الله من عباده ورزقهم فضلاً كبيراً، كما يقول في ذيل الآية( ذَٰلِكَ هُوَ

__________________

١. تفسير البرهان: ١ / ١٦٠.

٢. المائدة: ٢٠.

٣. البقرة: ١٤٣.

٤. فاطر: ٣٢.

٢٦٤

الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ، فهذه الفضيلة الكبيرة إنّما هي للمصطفين من عباده سبحانه لا لجميعهم. فعلى المفسّر الخبير، أن يتعرف على هؤلاء الذين اصطفاهم الله من عباده، ويُنيخ مطيّته على عتبة أبوابهم.

٥. الملائكة

دلّت غير واحدة من الآيات علىٰ أنّ الملائكة من شهداء الأعمال، وهم الذين يستنسخون ما يقوم به الإنسان من أعمال ثمّ يشهدون عليه يوم القيامة، وربّما يسوقون المشهود عليه إلى المحشر، يقول سبحانه:( وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ *لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ *وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ) .(١)

يقول الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : « وانتفعوا بالذكر والمواعظ، فكأن قد علقتكم مخالب المنيّة، وانقطعت منكم علائق الأُمنيّة، ودهمتكم مفظعات الأُمور، والسِّياقة إلى الورد المورود ف‍:( كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) سائق يسوقها إلى محشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها ».(٢)

وقد ذكرنا أنّ الملائكة الشهود هم الذين يكتبون أعمال الإنسان ويسجّلونها، ويدل عليه قوله سبحانه:( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٣) ، وقال عزّ من قائل:( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَامًا كَاتِبِينَ *يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (٤) وطبيعة الحال تقتضي أن يكون كتّاب الأعمال هم الشهود عنده في المحشر ولعلهم هم الساقة أيضاً إلى النار أو الجنة.

__________________

١. ق: ٢١ ـ ٢٣.

٢. نهج البلاغة: الخطبة ٨٥.

٣. ق: ١٨.

٤. الانفطار: ١٠ ـ ١٢.

٢٦٥

٦. الأرض

أخبر سبحانه بأنّ الأرض تحدّث أخبارها عند قيام القيامة، يقول سبحانه:( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا *بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ) (١) وليس في الآية ما يدل على تعيين ما يخبر عنه غير أنّ مناسبة المقام تقتضي علىٰ أنّ المراد التحدّث بالأعمال التي اقترفها الإنسان سواء أكانت خيراً أم شراً، ولأجل ذلك أردفه بجزاء الإنسان بأعماله، قال سبحانه:( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ *فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) .(٢)

وقد روي في السنّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « أتدرون ما أخبارها ؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: « أخبارها أن تشهد على كلّ عبد بما عمل علىٰ ظهرها تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، وهذه أخبارها ».(٣)

وأمّا البحث في أنّ الأرض كيف تتحمل تلك الشهادة وتؤدّيها يوم القيامة فهو خارج عن موضوع بحثنا، وقد قلنا في محله: إنّ كلّ موجود ـ وإن بلغ من الضعف بمكان ـ له نصيب من العلم والإدراك، وانّ الوجود في جميع المراتب يساوق العلم والقدرة، غاية الأمر علماً وقدرة يناسبان مقام الوجود المفروض له، قال سبحانه:( وَإِن مِّن شَيْءٍ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) .(٤)

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أما إنّ الله عزّ وجلّ كما أمركم أن تحتاطوا لأنفسكم

__________________

١. الزلزلة: ٤ ـ ٥.

٢. الزلزلة: ٦ ـ ٨.

٣. مجمع البيان: ٩ ـ ١٠ / ٧٩٨، تفسير سورة الزلزلة.

٤. الإسراء: ٤٤.

٢٦٦

وأديانكم وأموالكم باستشهاد الشهود العدول عليكم، فكذلك قد احتاط على عباده ولكم في استشهاد الشهود عليهم، فلله عزّوجلّ على كلّ عبد رقباء من كلّ خلقه ومعقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ويحفظون عليه ما يكون منه من أعماله وأقواله وألفاظه وألحاظه والبقاع التي تشتمل عليه شهود ربّه له أو عليه، والليالي والأيام والشهور شهوده عليه أو له، وسائر عباد الله المؤمنين شهوده عليه أو له، وحفظته الكاتبون أعمالَه، شهود له أو عليه ».(١)

سأل أبو كهمس أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال: يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرّقها ؟ قال: « لا، بل هاهنا وهاهنا فانّها تشهد له يوم القيامة ».(٢)

٧. الزمان

إذا كانت الأرض تحدّث أخبارها يوم القيامة، فهكذا الزمان يشهد على ما عمل به الإنسان، روى الكليني في الكافي باسناده أنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إنّ النهار إذا جاء قال يابن آدم إعمل في يومك هذا خيراً أشهد لك به عند ربّك يوم القيامة، فانّي لم آتك فيما مضى ولا آتك فيما بقي، وإذا جاء الليل قال مثل ذلك ».(٣)

كما روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام ، قال: « الليل إذا أقبل نادى مناد بصوت يسمعه الخلائق إلّا الثقلين: يابن آدم إنّي علىٰ ما فيّ شهيد فخذ منّي، فانّي لو طلعت الشمس لم تزدد فيّ حسنة ولم تستعتب فيَّ من سيئة، وكذلك يقول النهار إذا أدبر اللّيل ».(٤)

__________________

١. بحار الأنوار: ٧ / ٣١٥، الباب ١٦ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ١١.

٢. بحار الأنوار: ٧ / ٣١٨، الباب ١٦ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ١٥.

٣ و ٤. بحار الأنوار: ٧ / ٣٢٥، الباب ١٦ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٢٢.

٢٦٧

٨. القرآن

تدلّ بعض الآيات على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يشتكي من أُمّته لهجرهم القرآن( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) .(١)

والآية بما أنّها مصدرة بالفعل الماضي أعني: « قال » يمكن أن يقال إنّ الرسول يشتكي في هذه النشأة كما يحتمل أن ترجع شكايته إلى النشأة الأُخرى وأنّ استعمال الفعل الماضي فيما لم يتحقق لأجل كونه محقّق الوقوع.

وعلىٰ كلّ حال فالروايات تدل على أنّ نفس القرآن يشتكي يوم القيامة.

روى سعد الخفّاف، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: « انّه سبحانه يخاطب القرآن الكريم، ويقول: يا حجّتي في الأرض كيف رأيت عبادي ؟ فيقول: منهم من صانني وحافظ عليَّ ولم يضيع شيئاً، ومنهم من ضيّعني واستخف بحقّي وكذب وأنا حجّتك على جميع خلقك، فيقول الله تبارك وتعالى: وعزَّتي وجلالي وارتفاع مكاني لأُثيبنَّ عليك اليوم أحسن الثواب ولأُعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب ».(٢)

٩. صحيفة الأعمال

إنّ من الشهود الصحف التي تكتبها الملائكة الموكّلون على أعمال الإنسان ليلاً ونهاراً فلا يفترون عن كتابة كلّ صغير وكبير، وقد دلت الآيات على ذلك وإليك بعض ما ورد.

( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) .(٣)

__________________

١. الفرقان: ٣٠.

٢. بحار الأنوار: ٧ / ٣١٩ ـ ٣٢٠، الباب ١٦ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ١٦.

٣. يونس: ٢٠.

٢٦٨

( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) .(١)

والآيتان صريحتان في أنّ الملائكة الموكّلين يكتبون الأعمال ظاهرها وخفيّها، ولكن ليس فيها تصريح بالاحتجاج بهما يوم القيامة، وبما أنّ كتابة الأعمال يجب أن تكون مقترنة بالغرض ليخرج عن كونه عبثاً، فلا محيص من القول بأنّ الكتابة مقدمة للاحتجاج بها على العباد، وهذا ( أي الاحتجاج بصحائف الأعمال ) هو الظاهر من الآيات التالية :

قال سبحانه:( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ) .(٢)

وليس إشفاقهم إلّا لأجل أنّهم يجدون فيه جليل أعمالهم ودقيقها، كما يقول سبحانه حاكياً عن لسان المشركين:( مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إلّا أَحْصَاهَا ) .(٣)

ويقول سبحانه:( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ *وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا *هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالحَقِّ ) (٤) .

ويستفاد من بعض الآيات أنّ صحيفة الأعمال تُعلَّق على عنق الإنسان، يقول سبحانه:( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ) .(٥)

وثمة سؤال، وهو أنّ ما جاء في تلك الصحف لا يتجاوز عن كونها صحفاً نسب فيها إلى الإنسان عدّة جرائم، فكيف يمكن أن يحتج بها على الإنسان ؟

__________________

١. الزخرف: ٨٠.

٢. الكهف: ٤٩.

٣. الكهف: ٤٩.

٤. الجاثية: ٢٧ ـ ٢٩.

٥. الإسراء: ١٣.

٢٦٩

والجواب: انّ واقع هذه الصحف غير معلوم لنا، ونحن نتصوّر أنّها صحف كصحف الدين وأنّ صحيفة عمل كلّ إنسان كاضبارة المحاكم، فعندئذٍ يطرح السؤال التالي: كيف يمكن، أن يحتج بالصحيفة المجردة عن الاعتراف بالذنب ؟

والجواب: يمكن أن تكون واقع الصحف على نحو لا يمكن للإنسان إنكار ما سجِّل فيها ; ولأجل ذلك يقول سبحانه:( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) .(١)

وقد تقدّم في آية أُخرى أنّ المجرم حينما يرىٰ صحيفة أعماله يعترف بأنّه ما غادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها.

وهذا السؤال ونظائره ناجم من قياس حال هذه النشأة بالنشأة الأُخرى، مع أنّ النشأتين متشابهتان لا متماثلتان، ولا يمكن إجراء حكم هذه النشأة في الآخرة.

وتشير بعض الروايات إلىٰ محاولة الشغب التي يثيرها بعض المجرمين بغية إنكار ما سجِّل في صحيفة أعمالهم، وربَّما يحلفون بأنّهم لم يفعلوا ذلك فعندئذٍ تشهد عليهم أعضاؤهم وجوارحهم على ما اقترفوه فيُفحمون.

روى القمّي في تفسير قوله سبحانه:( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .(٢)

قال: « إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كلّ إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنّهم عملوا من ذلك شيئاً، فيشهد عليهم الملائكة فيقولون: يا ربّ ملائكتك يشهدون لك، ثمّ يحلفون أنّهم لم يعملوا من ذلك شيئاً وهو قوله:

__________________

١. الإسراء: ١٤.

٢. يس: ٦٥.

٢٧٠

( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) (١) فإذا فعلوا ذلك ختم على ألسنتهم وينطق جوارحهم بما كانوا يكسبون ».(٢)

وروى أيضاً:( حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .(٣)

فانّها نزلت في قوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها، فيقولون: ما عملنا منها شيئاً، فيشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم.

فقال الصادقعليه‌السلام : « فيقولون لله: يا ربّ هؤلاء ملائكتك يشهدون لك، ثمّ يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئاً، وهو قول الله:( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) (٤) وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين، فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم وينطق جوارحهم، فيشهد السمع بما سمع ممّا حرّم الله، ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرّم الله، وتشهد اليدان بما أخذتا، وتشهد الرجلان بما سعتا ممّا حرم الله، وتشهد الفرج بما ارتكب ممّا حرّم الله، ثمّ أنطق الله ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم:( لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ) فيقولون:( أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ ) (٥) أي من الله( أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ) والجلود الفروج( وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) .(٦)

__________________

١. المجادلة: ١٨.

٢. بحار الأنوار: ٧ / ٣١٢، الباب ١٦ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٣.

٣. فصلت: ٢٠ ـ ٢١.

٤. المجادلة: ١٨.

٥. فصلت: ٢١ ـ ٢٢.

٦. بحار الأنوار: ٧ / ٣١٢، الباب ١٦ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٤.

٢٧١

١٠ ـ ١١. شهادة الأعضاء والجلود

يذكر القرآن الكريم أنّ الجوارح والجلود تشهد علىٰ ما اقترفه المذنبون، يقول سبحانه:( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) ، فالآية صريحة في شهادة اللسان علىٰ ما فعله ولعلّه في موقف خاص من مواقف القيامة بشهادة أنّ القرآن يذكر أنّه يختم على أفواههم فلا تتكلّم ألسنتهم وإنّما تتكلّم أيديهم وأرجلهم، كما قال سبحانه:( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .(٢)

وأمّا شهادة الجلود فيدل عليه قوله سبحانه:( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ *حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .(٣)

فالآية صريحة على شهادة الجلود بما اقترفه، وربّما يقال من أنّ المراد من الجلود هو خصوص الفروج، وإنّما كني بها صيانة لحسن التعبير، ولكنّه غير ظاهر لوروده في القرآن الكريم، قال سبحانه:( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) .(٤)

بقي هنا سؤال وهو أنّ المذنبين يعترضون على خصوص شهادة الجلود ولا يعترضون علىٰ شهادة سائر الأعضاء والجوارح، فما هو وجهه ؟

والجواب: انّ الجلود تشهد علىٰ ما يصدر عنها بالمباشرة، بخلاف السمع

__________________

١. النور: ٢٤.

٢. يس: ٦٥.

٣. فصلت: ١٩ ـ ٢١.

٤. المؤمنون: ٥.

٢٧٢

والبصر فانّها كسائر الشهود تشهد بما ارتكبه غيرها.(١)

والمقصود أنّ الأعضاء والجوارح كسائر الشهود الذين يشهدون على ما صدر عن غيرهم فلا يعترض عليهم بشيء، وهذا بخلاف الجلود فانّها تشهد على ما صدر عنهم مباشرة فتستحق أن يعترض على شهادتها، لأنّ الفعل قد صدر عنها.

إلى هنا تمّ ما نرمي إليه من البحث في الشهود يوم القيامة، ولو أُضيف إليه تجسّم الأعمال الذي هو شاهد صدق علىٰ صلاح الأعمال وطلاحها لبلغ عدد الشهود إلى اثني عشر شاهداً، وسنعقد فصلاً خاصاً للبحث في تجسم الأعمال إن شاء الله.















__________________

١. الميزان: ١٧ / ٣٧٩.

٢٧٣





الفصل الواحد والعشرون

القيامة والصراط

الصراط في اللغة هو الطريق، وقد استعمل في الذكر الحكيم في هذا المعنى، قال سبحانه:( وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (١) ، وقد أطلق الصراط على الطريق الذي ينتهي إلى الجحيم، قال سبحانه:( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ *مِن دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الجَحِيمِ ) .(٢)

قال الراغب: الصراط الطريق المستسهل.

ولعلّ وجه إطلاقه على الطريق المنتهي إلى الجحيم والجنة هو سهولة سلوك طريقهما، أمّا طريق الجنة فسلوكه رهن العمل بالشرائع السماوية الموافقة للفطرة، وأمّا سلوك طريق الجحيم فهو رهن الاستجابة لميول الغرائز الحيوانية ; وربّما يطلق الصراط على الجسر الذي يوصل بين ضفَّتي النهر.

الصراط: معبر عام

دلّت الآيات والروايات على أنّ الصراط معبر عام تجتازه الخلائق برمتها دون

__________________

١. البقرة: ٢١٣.

٢. الصافات: ٢٢ ـ ٢٣.

٢٧٤

فرق بين المتقين والفجار، قال سبحانه:( وَإِن مِّنكُمْ إلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا *ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) .(١)

والضمير في قوله:( وَارِدُهَا ) يرجع إلى جهنم التي ذكرت قبل هذه الآية، قال سبحانه:( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) (٢) إلى أن قال:( وَإِن مِّنكُمْ إلّا وَارِدُهَا ) .

وعلى ضوء هذا فالناس قاطبة يردون جهنم، فهل المراد من الورود هو الاقتراب والإشراف، أو المراد هو الدخول والاقتحام ؟ وجهان.

يشهد على الوجه الأوّل أنّ القرآن يستعمل الورود بمعنى الإشراف والاقتراب، يقول سبحانه:( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ) .(٣)

ومن الواضح أنّ موسى لم يطأ الماء بقدميه وإنّما اقترب منه، بشهادة أنّه سبحانه يردفه بقوله:( وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) .(٤)

ولا شكّ أنّ الناس لا سيما المرأتين لم يدخلوا المشرعة بل أشرفوا عليها.

ونظيره قوله سبحانه في قصة يوسف:( وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلامٌ ) .(٥)

والمراد من الوارد هو الساقي الذي يدخل الدلو في البئر لإخراج الماء، وعلىٰ ضوء هذا، فالمراد من قوله سبحانه:( وَإِن مِّنكُمْ إلّا وَارِدُهَا ) هو أنّ أهل الجنة

__________________

١. مريم: ٧١ ـ ٧٢.

٢. مريم: ٦٨.

٣. القصص: ٢٣.

٤. القصص: ٢٣.

٥. يوسف: ١٩.

٢٧٥

والجحيم يشرفون عليها دون أن يدخلوها، غير أنّ من كتب عليه النجاة سيغادرها إلى الجنة وأمّا من كتب عليه الشقاء فيلقىٰ في النار.

ويشهد علىٰ الوجه الثاني أنّ المتبادر من الورود هو الدخول، والمتبادر من الآية أنّ كلتا الطائفتين سيدخلون الجحيم ثمّ ينجو منها السعداء ويمكث فيها الأشقياء.

وقد استدل على هذا الوجه ببعض الآيات:( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ المَوْرُودُ ) .(١)

فقوله سبحانه( يَقْدُمُ قَوْمَهُ ) يحكي عن تجسّم ما كان عليه فرعون في نشأة الدنيا وأنّه كان يتزعم قومه فيها، وهكذا الحال في يوم المحشر يتزعمهم فيقودهم ويدخلهم النار.

فلفظة « أورد » في الآية بمعنى أدخل، نظير الآية التالية:( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *لَوْ كَانَ هَٰؤُلاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) .(٢)

فقد استدل سبحانه بورود معبود المشركين في النار علىٰ عدم ألوهيته. فقد استخدم لفظة الورود في الآيتين بمعنى الدخول.

وأمّا استعمال الورود بمعنى الاقتراب والإشراف في قصة يوسف، فإنّما هو من باب المجاز دلَّت عليه القرائن.

فلو تعبدنا بظاهر الآية فلا مناص من الأخذ بهذا الوجه، وأنّ المؤمنين والكافرين يدخلون النار ثمّ ينجِّي الله الذين آمنوا ويترك المشركين فيها.

__________________

١. هود: ٩٨.

٢. الأنبياء: ٩٨ ـ ٩٩.

٢٧٦

الصراط في الروايات

١. روى علي بن إبراهيم، عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، في تفسير قوله سبحانه:( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ ) .(١)

قال: « سئل عن ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أخبرني الروح الأمين أنّ الله لا إله غيره إذا برز الخلائق وجمع الأوّلين والآخرين أتى بجهنم تقاد بألف زمام، يقودها مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد لها هدّة وغضب وزفير وشهيق ـ إلىٰ أن قال: ـ ثمّ يوضع عليها الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف ».(٢)

٢. وروى المفضّل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصراط، قال: « هو الطريق إلىٰ معرفة الله عزّوجلّ وهما صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدىٰ بهداه، مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّىٰ في نار جهنم ».(٣)

ويستفاد من هاتين الروايتين أنّ الصراط جسر ممدود على جهنم، وقد وصف في الحديث الثاني بأنّه أحد من السيف وأدق من الشعرة.

قال الشيخ المفيد: الصراط في اللغة هو الطريق، فلذلك سمِّي الدين صراطاً لأنّه طريق إلى الصواب، وله سمِّي الولاء لأمير المؤمنين والأئمّة من ذريته صراطاً. ومن معناه، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنا صراط الله المستقيم وعروته الوثقى التي لا انفصام لها » يعني أنّ معرفته والتمسك به طريق إلى الله سبحانه ،

__________________

١. الفجر: ٢٣.

٢. بحار الأنوار: ٨ / ٦٥، باب ٢٢ من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٢.

٣. المصدر نفسه، الحديث ٣.

٢٧٧

وقد جاء الخبر بأنّ الطريق يوم القيامة إلى الجنة كالجسر يمرُّ به الناس وهو الصراط الذي يقف عن يمينه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن شماله أمير المؤمنينعليه‌السلام ويأتيهما النداء من قبل الله تعالى:( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) (١) .(٢)

وقال التفتازاني: الصراط جسر ممدود علىٰ متن جهنم يرده الأوّلون والآخرون، أدق من الشعر وأحدُّ من السيف على ما ورد في الحديث الصحيح، ويشبه أن يكون المرور عليه هو المراد بورود كلّ أحد النار علىٰ ما قال تعالى( وَإِن مِّنكُمْ إلّا وَارِدُهَا ) (٣) .(٤)

هذه طائفة من الروايات وكلمات العلماء الواردة حول الصراط.

وخلاصة القول: إنّ الصراط عبارة عن الطريق الممدود علىٰ متن الجحيم يجتازه المؤمنون والمشركون علىٰ حدّ سواء، غير أنّ الفئة الأُولى تجتازه بإذنه سبحانه، والفئة الثانية تسقط في هاوية جهنم. ومع أنّ هذا هو الظاهر المتبادر، إلّا أنّ ثمة احتمالاً آخر وهو أنّ الصراط كناية عن الطريق الذي يختاره كلّ من المؤمن والكافر في هذه الدنيا فالطريق الذي اختاره المؤمن يوصله إلى الجنة، والطريق الذي اختاره الكافر ينتهي به إلى نار جهنم، والمعنى الأوّل هو الأوفق بالظواهر، ولكن المعنى الثاني أيضاً محتمل، ويؤيد الاحتمال الثاني ما روي عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال: « ألا وإنّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لُجُمُها فتقحَّمت بهم في النار، ألا وإنّ التَّقوى مطايا ذُلُل حمل عليها أهلها وأُعطُوا أزمّتها فأوردتهم الجنة ».(٥)

__________________

١. ق: ٢٤.

٢. تصحيح الاعتقاد: ٥٠، ط. تبريز.

٣. مريم: ٧١.

٤. شرح المقاصد: ٢ / ٢٢٣، ط. آستانه.

٥. نهج البلاغة: الخطبة ١٦.

٢٧٨

وهذا التعبير من الإمام يؤيد الاحتمال الثاني وهو أنّ الطريق الذي يسلكه كلٌّ من المؤمن والفاجر هو صراطهما في النشأة الأُخرى، فيوصل أحدهما إلى الغاية المنشودة والآخر إلى النار. فكلّ من اختار طريق الطاعة فهو يوصله إلى الجنة، ومن اختار طريق العصيان فهو يوصله إلى الجحيم.

فصراط كلّ إنسان هو الطريق الذي يسلكه في نشأة الدنيا، ثمّ يتجسد في الآخرة فيجتازه إمّا إلى الجنة أو إلى النار.

ومع ذلك كلّه فالاحتمالان علىٰ حد سواء عندنا دون أن نجزم بأحدهما.

أوصاف الصراط

قد وصف الصراط في الروايات بأوصاف عديدة نذكرها تباعاً :

أ. انّه أدق من الشعرة وأحدُّ من السيف.

ب. فمنهم من يمرّ مثل البرق، فيمضي أهل بيت محمد وآله زمرة على الصراط مثل البرق الخاطف.

ج. ثمّ قوم مثل الريح.

د. ثمّ قوم مثل عَدْو الفرس.

ه‍. ثمّ يمضي قوم مثل المشي.

و. ثمّ قوم مثل الحبو.

ز. ثمّ قوم مثل الزحف.

ح. ويجعله الله علىٰ المؤمنين عريضاً وعلى المذنبين دقيقاً.(١)

إنّ الأعمال والأفعال التي يقوم بها البشر في نشأة الدنيا تتبلور في النشأة الأُخرى بشكل حقائق أُخروية، فالإنسان المثالي الذي ينهج الشريعة في سلوكه

__________________

١. انظر بحار الأنوار: ٨ / ٦٧، باب الصراط من كتاب العدل والمعاد، الحديث ٨.

٢٧٩

ويتناوب معها، فهو يمرُّ كالبرق الخاطف على الصراط، وأمّا الإنسان الذي يلبي كافة غرائزه الحيوانية الجامحة ولا يولي أهمية للشريعة فهو يسقط في هاوية الجحيم ولا يجتاز الصراط، وبينهما مراتب متفاوتة حسب اختلاف سلوك الإنسان في العمل بالشريعة.

وأمّا كون الصراط أحدُّ من السيف وأدقّ من الشعرة، فقد فسّره الشيخ المفيد بقوله: أنّ المراد لا يثبت لكافر قدم على الصراط يوم القيامة من شدّة ما يلحقهم من أهوال يوم القيامة، ومخاوفها فهم يمشون عليه كالذي يمشي على الشيء الذي هو أدقُّ من الشعرة وأحدُّ من السيف، وهذا مثل مضروب لما يلحق الكافر من الشدة في عبوره على الصراط، وهو طريق إلى الجنة وطريق إلى النار يشرف العبد منه إلى الجنة ويرى من أهوال النار وقد يمر به عن الطريق المعوج، فلهذا قال الله تعالى:( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ) .(١)

فميّز بين طريقه الذي دعا إلى سلوكه من الدين وبين طرق الضلال، وقال الله تعالى فيما أمر به عباده من الدعاء وتلاوة القرآن:( اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) (٢) فدلّ على أنّ سواه صراط غير مستقيم وصراط الله تعالى دين الله. وصراط الشيطان طريق العصيان، والصراط في الأصل ـ علىٰ ما بيناه ـ هو الطريق والصراط إلىٰ يوم القيامة، هو الطريق المسلوك إلى الجنة أو النار.(٣)

وعلىٰ ضوء هذا فالعمل بالحقّ والحقيقة والسير على ضوء البعد الملكوتي للإنسان هو الصراط الذي يسير عليه المؤمن وينتهي به إلى الجنة، كما أنّ الجنوح إلى الشهوات والانقياد للبعد الحيواني طريق إلى النار، فالأوّل صراط المؤمن ،

__________________

١. الأنعام: ١٥٣.

٢. الحمد: ٦.

٣. تصحيح الاعتقاد: ٥١.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403