مفاهيم القرآن الجزء ٨

مفاهيم القرآن4%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167139 / تحميل: 5800
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

النار هوى، اليمين والشمال مضلّة والطريق الوسطى هي الجادة.(١)

ثمّ إنّ للسابقين إلى الخيرات ميزات ذكرها القرآن الكريم في غير واحد من الآيات :

أ. يخشون ربّهم قال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ) .

ب. يؤمنون بآيات ربّهم ولا ينكرونها قال:( وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) .

ج. لا يشركون بالله طرفة عين:( وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ ) .

د. يدفعون ما فرض الله في أموالهم يقول:( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) .

ثمّ إنّ جميع هذه الصفات من صفات السابقين بشهادة أنّه سبحانه يذكر بعد هذه الميزات، ويقول: إنّ الموصوفين بها هم المسارعون في الخيرات، يقول سبحانه:( أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) .(٢)

إلى هنا تمّ ما ذكره القرآن الكريم من صفات السابقين، وإليك ما ذكره القرآن في المنازل التي يفوزون بها في الجنّة.

إنّ السابقين إلى الخيرات هم المقرّبون، كما يقول سبحانه:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *أُولَٰئِكَ المُقَرَّبُونَ ) (٣) ولأجل مكانتهم الرفيعة عند الله تبارك وتعالى لهم من الأجر ما يحكي عنه القرآن الكريم في الآيات التالية :

__________________

١. نهج البلاغة: الخطبة ١٦.

٢. المؤمنون: ٥٧ ـ ٦١.

٣. الواقعة: ١٠ ـ ١١.

٣٦١

( فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ *ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ *وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ *عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ *مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ) .

( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ *بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ *لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ ) .

( وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ) .

( وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ) .

( وَحُورٌ عِينٌ *كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ ) .

وهذه الكرامة من الله سبحانه وتعالى لم تكن اعتباطية بل جزاء لعملهم في الدنيا، كما يقول:( جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا *إلّا قِيلا سَلامًا سَلامًا ) .(١)

هؤلاء هم السابقون وهذه مكانتهم عند الله تبارك وتعالى، وهذا جزاؤهم في الآخرة.

بقيت هنا نكتة أُخرى، وهي أنّه سبحانه وصف جماعة بالمقربين، وقال:( فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ *فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ) .(٢)

والمراد من المقرّبين هنا هم السابقون لما وصفه سبحانه في أوّل السورة بالمقرّبين، وقال:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *أُولَٰئِكَ المُقَرَّبُونَ ) .

وحيث إنّ المراد من السابقين، هم السابقون بالخيرات، وصف المسيح بأنّه من المقرّبين، وقال:( وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ ) .(٣)

__________________

١. الواقعة: ١٢ ـ ٢٦.

٢. الواقعة: ٨٨ ـ ٨٩.

٣. آل عمران: ٤٥.

٣٦٢

ثمّ إنّه سبحانه وصف المقرّبين في آية أُخرىٰ بأنّهم شهداء كتاب الأبرار، وقال:( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ *كِتَابٌ مَّرْقُومٌ *يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ ) .(١)

وعلىٰ هذا فالسابقون هم المقرّبون وهم شهداء كتاب الأبرار.

إلى هنا تمّ ما ورد في القرآن الكريم في حقّ السابقين، وحان البحث عن أصحاب اليمين وأصحاب الشمال.

أصحاب اليمين

أصحاب اليمين هم الطائفة الثانية ذكرهم سبحانه وتعالى، بقوله:( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) .(٢)

ثمّ ذكر أنّ أصحاب اليمين هم ثلّة من الأوّلين وثلة من الآخرين.

واختلف المفسّرون في المقصود من أصحاب اليمين والمعروف في المقام نظريتان :

الأُولى: انّ المراد منهم هم الذين يعطون كتابهم بيمينهم، وقد استدلّوا عليه بالآيات التالية :

( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) .(٣)



__________________

١. المطففون: ١٨ ـ ٢١.

٢. الواقعة: ٢٧.

٣. الإسراء: ٧١.

٣٦٣

( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) .(١)

( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) .(٢)

وعلى ذلك فهؤلاء الذين اتّسموا بأصحاب اليمين لأجل استلام كتبهم بيمينهم يتمتعون بمنزلة عظيمة عند الله سبحانه ذكرها سبحانه في غير واحد من الآيات بعد الحديث عن دفع كتبهم إلى يمينهم، يقول :

( وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) .(٣)

( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ) .(٤)

( فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ *قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ) .(٥)

( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ ) .(٦)

هذه هي النظرية الأُولى في تفسير أصحاب اليمين، وإليك الكلام في النظرية الثانية.

الثانية: انّ المقصود من اليمين هو اليمن والبركة وهؤلاء هم الذين وصفهم سبحانه في صدر سورة الواقعة بأصحاب الميمنة، وقال:( وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً *فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ ) (٧) ، وبما أنّ أصحاب الميمنة يقابلون أصحاب المشأمة المأخوذ من الشؤم والشقاء، فيكون أصحاب الميمنة

__________________

١. الحاقة: ١٩.

٢. الانشقاق: ٧ ـ ٨.

٣. الانشقاق: ٩.

٤. الحاقة: ٢١.

٥. الحاقة: ٢٢ ـ ٢٣.

٦. الحاقة: ٢٤.

٧. الواقعة: ٧ ـ ٨.

٣٦٤

مقابلاً لهم، فهؤلاء غارقون في البركة والنعمة، كما أنّ الذين يقابلونهم غارقون في الشقاء والوصب.

وممّا يؤيد أنّ أصحاب اليمين هم المتمتعون بنعم الله في الآخرة، قوله سبحانه:( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ *فَكُّ رَقَبَةٍ *أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ *يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ *أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ *ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ *أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ ) .(١)

والإمعان في سورة الواقعة التي هي الأصل في تصنيف الناس يوم القيامة يعطي هذا الانطباع أنّ أصحاب الميمنة هم أصحاب اليمين لا صنفٌ آخر، والدليل على ذلك أنّ السورة تصنّف الناس إلىٰ أصناف ثلاثة :

أ.( فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ ) .

ب.( أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ ) .

ج.( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *أُولَٰئِكَ المُقَرَّبُونَ ) .

ثمّ يبدأ بذكر السابقين وما لهم من منزلة وكرامة وعندما ينتهي عن ذكر أوصافهم، يبتدئ بذكر أصحاب الميمنة، بقوله:( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) ويذكرهم إلى الآية الأربعين.

ثمّ يبدأ بأصحاب الشمال إلى الآية ٥٦.

وبذلك يعلم أنّ الأصناف لا تتجاوز عن الثلاثة، وأنّ المقرّبين مدرجون في السابقين وأصحاب الميمنة من أصحاب اليمين، ثمّ أصحاب الشمال وليس لهم اسم خاص، وبذلك تتكفّل الآية لبيان تفاصيل الأصناف الثلاثة، إلى قوله:( هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ) .(٢)

__________________

١. البلد: ١١ ـ ١٨.

٢. الواقعة: ٥٦.

٣٦٥

المحسنون

يصف سبحانه طائفة من المؤمنين بالمحسنين، وليس هؤلاء طائفة خاصة، وإنّما يدخلون امّا في السابقين أو في أصحاب اليمين، وقد وصفهم سبحانه بالصفات التالية :

( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) .

( وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) .

( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ ) .(١)

هذه هي صفاتهم البارزة التي يُعرفون من خلالها.

وأمّا ما وعدوا من الجزاء فيكفي في ذلك الآيات التالية :

( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) .(٢)

( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ ) .(٣)

( وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ ) .(٤)

( وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ ) .(٥)

( إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ ) .(٦)

__________________

١. الذاريات: ١٧ ـ ١٩.

٢. البقرة: ١٩٥.

٣. الأعراف: ٥٦.

٤. الحج: ٣٧.

٥. العنكبوت: ٦٩.

٦. التوبة: ١٢٠.

٣٦٦

الأبرار

الأبرار جمع بار، وهو المبالغة في الإحسان، فيكون مقام الأبرار فوق مقام المحسنين، فالمؤثرون على أنفسهم هم الأبرار ولكن المحسنين دونهم، ولذلك يكون الأبرار طائفة خاصة من المحسنين.

وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم وسرد أوصافهم في الآيات التالية :

( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ ) .

( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) .

[ يقولون ]( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) .

( رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ) .(١)

وظاهر الآيات أنّ الموصوفين في الآية هم المحسنون الذين يدعون الله سبحانه بغية الوصول إلى مقام الأبرار، فصح أن يقال: إنّ ما ذكر من صفات الأبرار.

ومن صفاتهم البارزة أيضاً ما ورد في سورة الدهر حيث يطرح فيها موضوع الأبرار ويقول:( إِنَّ الأَبْرَارَ ) ثمّ يسرد صفاتهم، ويقول :

( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) .

( وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) .

( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) .

( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا ) .

__________________

١. آل عمران: ١٩١ ـ ١٩٣.

٣٦٧

( إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) .(١)

ومن صفاتهم أيضاً ما ذكر في سورة البقرة :

( وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) .

( وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ) .

( وَأَقَامَ الصَّلاةَ ) .

( وَآتَى الزَّكَاةَ ) .

( وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) .

( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ) .

( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) .

( وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ) .(٢)

هذا بعض ما ورد من أوصافهم.

وأمّا جزاؤهم في الآخرة فتحكي عنه الآيات التالية :

( فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ ) .(٣)

( إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ) .(٤)

( وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً ) .(٥)

__________________

١. الدهر: ٧ ـ ١٠.

٢. البقرة: ١٧٧.

٣. الدهر: ١١.

٤. الدهر: ٥.

٥. الدهر: ١٧.

٣٦٨

( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ) .(١)

( لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا *وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا ) .(٢)

( وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ) .(٣)

( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ) .(٤)

( وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا *قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) .(٥)

( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ) .(٦)

( وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ) .(٧)

( إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) .(٨)

( إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) .(٩)

( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ *عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ) .(١٠)

( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ) .(١١)

( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ *خِتَامُهُ مِسْكٌ ) .(١٢)

إلى هنا تمّ بيان حال السعداء في القرآن الكريم بأصنافهم المختلفة ; بقي بيان حال أصحاب الشمال.

__________________

١. الدهر: ٢١.

٢. الدهر: ١٣ ـ ١٤.

٣. الدهر: ١٤.

٤. الدهر: ١٩.

٥. الدهر: ١٥ ـ ١٦.

٦. الدهر: ٢١.

٧. الدهر: ٢١.

٨. الدهر: ٢٢.

٩. المطففون: ١٨.

١٠. المطففون: ٢٢ ـ ٢٣.

١١. المطففون: ٢٤.

١٢. المطففون: ٢٥ ـ ٢٦.

٣٦٩

أصحاب الشمال

قال سبحانه:( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ) .(١) والقرآن يصف تارة أحوالهم في الدنيا وموقفهم من الشرع والشريعة وأُخرى أحوالهم في الآخرة.

أمّا صفاتهم في الدنيا فيصفهم بالأوصاف التالية :

( إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ ) .

( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنثِ الْعَظِيمِ ) .

( وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ) .(٢)

ويصفهم في سورة أُخرى، بقوله :

( إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ ) .

( وَلا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ المِسْكِينِ ) .(٣)

إنّ التدبر في هذه الآيات يستشف منها خلاصة صفاتهم وهي الإتراف أوّلاً، ونقض العهد ثانياً، وإنكار المعاد ثالثاً، وعدم الإيمان بالله الواحد رابعاً، وعدم الحض على طعام المسكين خامساً.

ولعلّ لهم أوصافاً أُخرى في القرآن غير ما ذكرنا.

وأمّا أحوالهم في الآخرة فيكفي في ذلك الآيات التالية :

( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ *وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ) .(٤)

__________________

١. الواقعة: ٤١.

٢. الواقعة: ٤٥ ـ ٤٧.

٣. الحاقة: ٣٣ ـ ٣٤.

٤. الحاقة: ٢٥ ـ ٢٦.

٣٧٠

فهو لأجل سوء المصير يتمنّىٰ عدم حشره، كما قاله سبحانه :

( يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ) .(١)

فهو يدرك بأنّ ما جمعه من المال والنفوذ ما منعه من عذاب الله، فيقول كما قال سبحانه :

( مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ *هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) .(٢)

ولكن تمنّيه وصراخه لا يفيده شيئاً فيأخذه الموكلون يغلّونه فيصلونه الجحيم، كما يقوله سبحانه :

( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ *ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ *ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) .(٣)

وفي سورة الواقعة يذكر حالهم في الآخرة بنحو آخر :

( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ *فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ *وَظِلِّ مِّن يَحْمُومٍ ) (٤) أي تهب عليهم ريح حارة تدخل مساماتهم ويصبّ عليهم ماء مغلي.

( لاَّ بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) .(٥)

لا بارد يستراح إليه لأنّه دخان جهنم، ولا كريم فيشتهىٰ مثله.

( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ المُكَذِّبُونَ *لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ *فَمَالِئُونَ

__________________

١. الحاقة: ٢٧.

٢. الحاقة: ٢٨ ـ ٢٩.

٣. الحاقة: ٣٠ ـ ٣٢.

٤. الواقعة: ٤١ ـ ٤٣.

٥. الواقعة: ٤٤.

٣٧١

مِنْهَا الْبُطُونَ *فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَمِيمِ *فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ ) .(١)

فهؤلاء يأكلون من شجر من زقوم وهو ثمر شجر شديد المرارة، فيملأون منها بطونهم، ثمّ يشربون عليه شرب الحميم وهو الماء الحار فيكون شربهم كشرب الإبل التي أصابها الهيام وهي شدة العطش فلا تزال تشرب الماء حتى تموت، و( هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ) أي منزلهم الذي ينزلون عليه وهذا طعامهم وشرابهم وهذا مكانهم.

إلى هنا تمّ بيان الأصناف الثلاثة الواردة في القرآن الكريم، أعني: السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال.

وإليك البحث في سائر الأصناف :

أ. الفسّاق

إنّ ظاهر سورة الواقعة هو تصنيف جميع المحشورين في الأصناف الثلاثة الماضية، وينحصر السعداء في السابقين وأصحاب اليمين، والأشقياء في أصحاب الشمال مع أنّ هناك قسماً رابعاً أو خامساً وهم المؤمنون غير المشركين والكافرين الذين خالفوا الله باقترافهم الكبائر ( الفسّاق ) فهم يستحقون العذاب مع أنّهم ليسوا من أصحاب الشمال.

والجواب: انّ كل من يدخل النار، فهو من أصحاب الشمال، وتخصيص الكافر والمشرك والمنافق والمترف بالذكر لا يعني اختصاص أصحاب الشمال بهم، وانّما يعني أنّهم من المصاديق البارزة لأصحاب الشمال.


__________________

١. الواقعة: ٥١ ـ ٥٥.

٣٧٢

وعلى ذلك تكون هذه الطوائف الأربع من أصحاب الشمال، وفي الوقت نفسه المؤمن المرتكب للكبيرة أيضاً منهم، ولكن كما أنّ في الجنّة درجات فانّ في النار دركات أيضاً، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار بخلاف المؤمن المرتكب للكبيرة.

ب. الظالمون

البحث عن الظلم والظالمين وما لهم من الأوصاف والحالات في الدنيا والآخرة، رهن دراسة مبسطة، ونقتصر في المقام على ذكر بعض أوصافهم وأحوالهم على وجه الإيجاز.

إنّ الذكر الحكيم يصفهم بالأوصاف والحالات التالية :

ليس لهم ناصر وَلا شفيع( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) .(١)

( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) .(٢)

أعدّ لهم العذاب الأليم:( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .(٣)

لَهم مثوى السوء:( وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) .(٤) ( وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) .(٥)



__________________

١. البقرة: ٢٧٠.

٢. غافر: ١٨.

٣. إبراهيم: ٢٢.

٤. آل عمران: ١٥١.

٥. غافر: ٥٢.

٣٧٣

اليأس من رحمة الله( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) .(١)

سرادق من النار تحيط بهم:( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) .(٢)

عض الأيدي من الحسرة:( يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ ) .(٣)

لا يقبل منهم عذر:( فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) .(٤)

يذوقون عذاب الخلد:( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ) .(٥)

يسلب عنهم القدرة على النطق:( وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ ) .(٦)

يساقون مع أزواجهم وما يعبدون إلى النار:( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ *مِن دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الجَحِيمِ ) .(٧)

ج. الكافرون والمشركون

الكافر والمشرك إذا ماتا بلا توبة يخلّدون في النار، كما قال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) .(٨)

إنّ السمع والبصر واللسان وغيرها من الأعضاء من نعم الله سبحانه على عباده ليشكروه، وليس معنى الشكر إلّا استعمالها في طاعة الله ومعرفته، ولكن

__________________

١. الأعراف: ٤٤.

٢. الكهف: ٢٩.

٣. الفرقان: ٢٧.

٤. الروم: ٥٧ ولاحظ المؤمن: ٥٢.

٥. يونس: ٥٢.

٦. النمل: ٨٥.

٧. الصافات: ٢٢ ـ ٢٣.

٨. البينة: ٦.

٣٧٤

هؤلاء استعملوها في غير الطاعة فيحشرون في الآخرة عمياً وبكماً وصمّاً فكأنّ الآخرة انعكاس عميهم وبكمهم وصمهم في الدنيا، قال سبحانه:( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا *ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا ) .(١)

ويزاد في عذابهم بجعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم، قال سبحانه:( وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (٢) وقال:( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ) .(٣)

وقال:( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا ) .(٤)

بل يكون عذابهم أشدّ من ذلك فيقطع لهم ثياب من نار، قال:( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ) .(٥)

ولأجل أنّ الكافر يواجه بعذاب شديد في ذلك اليوم، وصف ذلك اليوم بأنّه عسير عليهم، حيث قال:( وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ) ،(٦) وقال:( فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ *عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) .(٧)

وصفوة القول: إنّ الله سبحانه أعدّ لهم عذاباً مهيناً وشديداً وعذاب من رجز أليم.

قال سبحانه :

( وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) .(٨)

( الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) .(٩)

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ) .(١٠)

__________________

١. الإسراء: ٩٧ ـ ٩٨.

٢. سبأ: ٣٣.

٣. يس: ٨.

٤. الإنسان: ٤.

٥. الحجر: ١٩.

٦. الفرقان: ٢٦.

٧. المدثر: ٩ ـ ١٠.

٨. النساء: ٣٧.

٩. فاطر: ٧.

١٠. الجاثية: ١١.

٣٧٥

د. المكذّبون

إنّ الأشقياء هم الذين يكذّبون بآيات الله ورسله ويوم الدين، وقد عرفوا في سورة الواقعة بأصحاب الشمال، قال سبحانه:( وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ *فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ *وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) .(١) والمراد من المكذبين في هذه الآية هو من يكذب القرآن الكريم بسياق الآيات المتقدمة عليها، قال سبحانه:( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ *لاَّ يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ *تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ *أَفَبِهَٰذَا الحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ) .(٢)

وقد ذكر سبحانه جزاء الذين يكذبون بيوم الدين، وقال:( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ *الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ) .(٣)

وقال:( فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ *الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ) (٤) . ومتعلّق التكذيب بحكم سياق الآيات هو يوم الدين.

ولأجل بشاعة جريمتهم لا يؤذن لهم بالنطق بل يرسلون إلى الجحيم الذي كانوا يكذبون به، وإلى النار التي ترمي بشرر كالقصر، وليس لهم غذاء إلّا الأكل من شجرة الزقوم، وهذه الأُمور نقرأها في الآيات التالية :

( هَٰذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ *وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) .(٥)

( انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ) .(٦)

__________________

١. الواقعة: ٩٢ ـ ٩٤.

٢. الواقعة: ٧٧ ـ ٨١.

٣. المطففون: ١٠ ـ ١١.

٤. الطور: ١١.

٥. المرسلات: ٣٥ ـ ٣٦.

٦. المرسلات: ٢٩.

٣٧٦

( انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ *لاَّ ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ) .(١)

( إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ *كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ) .(٢)

( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ المُكَذِّبُونَ *لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ *فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَمِيمِ ) .(٣)

ه‍. المجرمون والفجار

إنّ المجرمين من أصناف الأشقياء، وليس مصيرهم بأقل قسوة من مصير الظالمين والمكذبين ويعرف أحوالهم ممّا يطرأ علىٰ وجوههم، لأنّ المجرم حينما يواجه جزاءه، فالندم على عمله، يظهر علىٰ ملامح وجهه، ولذلك نجد انّه سبحانه عندما يذكر المجرمين يركز علىٰ بيان الحالات الطارئة على وجوههم، وهذا من لطائف كلامه.

فالقرآن تارة يشير إلى يأسهم يوم القيامة أو تحيّرهم، يقول سبحانه:( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ المُجْرِمُونَ ) (٤) ، أي ييأسون من رحمة الله ونعمه التي يفيضها على المؤمنين، أو يتحيّرون وتنقطع حججهم بظهور جلائل الآيات الباهرة التي يقع عندها علم الضرورة.

وأُخرى إلى وجوههم وأنّه يعلوها غبار الغم والحزن ثمّ يعلوها سواد من كثرة الغم، ويقول:( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ *تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ *أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) .(٥)

__________________

١. المرسلات: ٣٠ ـ ٣١.

٢. المرسلات: ٣٢ ـ ٣٣.

٣. الواقعة: ٥١ ـ ٥٤.

٤. الروم: ١٢.

٥. عبس: ٤٠ ـ ٤٢.

٣٧٧

وثالثة إلى أنّهم يعرفون بسيماهم وأنّهم يحشرون زرق العيون، يقول سبحانه:( يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ) .(١)

ويقول:( وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ) .(٢)

ورابعة إلى إشفاقهم عندما يواجهون صحيفة الأعمال، يقول سبحانه:( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إلّا أَحْصَاهَا ) .(٣)

وخامسة إلى شقائهم الذي ربما يصير سبباً إلى نكووس رؤوسهم، يقول:( وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) .(٤)

وعندما يتم حسابهم عند الله يجزون بالسَّحْب في النار على وجوههم، يقول سبحانه:( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ) .(٥)

وسادسة إلى تمنّيهم الخلاص من العذاب بفداء كلّ من كانوا يحبّونه في الدنيا من الأولاد والأزواج، يقول سبحانه:( يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ *وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ *وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ *وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ) .(٦)

ولكن ذلك لا ينجع، لأنّ سنّته جرت علىٰ ألا تزر وازرة وزر أُخرى، فيؤخذ المجرم ويعلّق بالأصفاد، يقول سبحانه:( وَتَرَى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ) (٧) ، ولا يقتصر على ذلك فيلبسون سرابيل من قطران مع غشاء الوجوه بالنار، يقول سبحانه:( سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) .(٨)

__________________

١. الرحمن: ٤١.

٢. طه: ١٠٢.

٣. الكهف: ٤٩.

٤. السجدة: ١٢.

٥. القمر: ٤٨.

٦. المعارج: ١١ ـ ١٤.

٧. إبراهيم: ٤٩.

٨. إبراهيم: ٥٠.

٣٧٨

سمات المجرمين في القرآن

إنّ الذكر الحكيم يعرّفهم بميزات كثيرة :

السخرية من المؤمنين، قال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ) .(١)

التكذيب بيوم الدين، قال سبحانه:( هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا المُجْرِمُونَ ) .(٢)

وقد عرّف المجرمون أنفسهم عند السؤال عن سبب إقحامهم في النار، بالأُمور التالية :

( وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ ) .

( وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ ) .

( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ) .(٣)

وعلىٰ كلّ حال فالمجرم في مقابل المسلم، فالثاني يسلم الأمر إلى الله سبحانه، والآخر يسلم الأمر إلى هواه، يقول سبحانه:( أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ ) .(٤)

ولأجل غرورهم وتكبّرهم على الأنبياء والمؤمنين عادوهم، يقول سبحانه:( وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ ) .(٥)

__________________

١. المطففون: ٢٩.

٢. الرحمن: ٤٣.

٣. المدثر: ٤٣ ـ ٤٦.

٤. القلم: ٣٥.

٥. الفرقان: ٣١.

٣٧٩

وقال سبحانه:( ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ) (١) .

فالمجرم ليس هو الضال بل يكون مضلاً أيضاً، وثمة طائفة من الظالمين ينسبون ضلالهم إلى المجرمين يقول سبحانه:( وَمَا أَضَلَّنَا إلّا المُجْرِمُونَ ) .(٢)

المنافقون

البحث عن النفاق والمنافقين بحث مسهب لا سيّما فيما يرجع إلى أحوالهم في هذه النشأة وتعاملهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين، وهذا ما خصصنا له جزءاً خاصاً من هذه الموسوعة وإنّما نقتصر في البحث علىٰ بعض الأُمور :

١. صلتهم بالله ورسوله.

٢. صلتهم بالمؤمنين.

٣. صلتهم بالكافرين والمشركين.

١. صلتهم بالله ورسوله

المنافق من يبطن الكفر ويظهر الإسلام، ولذلك تنقطع صلته بالله والرسول لتظاهره بالإيمان ولنسيانه الله سبحانه، فيجزى بنسيانه، يقول سبحانه:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ) .(٣)

( إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ ) .(٤)

__________________

١. يونس: ٧٥، ولاحظ الدخان: ٢٢.

٢. الشعراء: ٩٩.

٣. البقرة: ٨.

٤. النساء: ١٤٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403