مفاهيم القرآن الجزء ٨

مفاهيم القرآن14%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167228 / تحميل: 5815
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80





الفصل السابع :

القرآن والمعاد الجسماني والروحاني

لقد تعرفنا على الملاكين اللّذين يناط بهما وصف المعاد بالجسمانية والروحانية، وإليك دراسة الآيات القرآنية حتى نستنتج منها ما هو موقف القرآن من جسمانية المعاد وروحانيته حيال كلا الملاكين.

المعاد الجسماني بالملاك الأوّل

قد عرفت أنّ الملاك الأوّل لكون المعاد جسمانياً هو حشر الأبدان لتعلّق النفوس بها.

فلو كان هذا هو المعيار، فقد تضافرت الآيات عليه وهي علىٰ طوائف.

الطائفة الأُولى: الآيات التي دلّت على إحياء الموتىٰ في هذه النشأة من باب الإعجاز والكرامة، وفي جميع تلك الآيات كان الحشر بعود البدن الدنيوي لا البرزخي، بل العنصري.

هذا من جانب، ومن جانب آخر ترى أنّ القرآن الكريم يصف الدار الآخرة بأنّها الحياة الواقعية، يقول سبحانه:( وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (١) فلابدّ من التوفيق بين هذين الأمرين.

__________________

١. العنكبوت: ٦٤.

٨١

وبعبارة أُخرىٰ: يبدو لأوّل وهلة أنّ ثمة تهافتاً وتناقضاً، فمن جانب يكون المحشور في الآخرة هو البدن الدنيوي، والحياة الدنيوية حياة غير كاملة، ومن جانب آخر تكون الحياة الأُخروية هي الحيوان، فكيف يمكن الجمع بين كون المحشور هو البدن الدنيوي العنصري وبين كون الحياة الأُخروية كاملة، فلا محيص من القول أنّ البدن المحشور مع أنّه عين البدن الدنيوي لكن يتمتع بكمال خاص.

ونحن مع الاعتراف بأنّ المحشور هو البدن الدنيوي، لا البدن البرزخي، ولا الصور المجردة عن المادة، إلّا أنّنا نعتقد بكمال هذا البدن.

وربما تتوهم وحدة الحياتين لأنّ نقص الحياة الأُولىٰ لتوقيتها بأمد محدود، وتمامية الحياة الأُخرى لدوامها.

يلاحظ عليه بأنّه لا يضفي على الحياة الأُخروية الكمال إذا كانتا متساويتين في الكمال ; مع أنّا نرىٰ أنّ القرآن يصف الحياة الدنيوية بالمجازية، والحياة الأُخروية بالحقيقية، وهذا لا يتماشىٰ إلّا إذا كانت الحياة الدنيوية حياة كاملة عالية.

وبعبارة أوضح لو كانت الحياة في النشأتين حقيقة واحدة وكان الاختلاف مختصاً بالتوقيت والدوام، لما كان هناك أيّ حاجة إلىٰ زوال السماوات والأرض وإيجاد نظام آخر، ولأجل ذلك نأخذ بكلا الأمرين :

أ. أنّ المحشور هو البدن الدنيوي العنصري لا البرزخي.

ب. أنّ المحشور يحظىٰ بدرجة عالية من الحياة.

نعم الوقوف علىٰ حقيقة الحياة الأُخروية وكمالها أمر مستور علينا.

الطائفة الثانية: الآيات التي تبيّن بدء الخلقة، وأنّ الإنسان خلق من تراب ويعاد إليها، ثمّ يخرج منها :

٨٢

يقول سبحانه:( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ) .(١)

ويقول سبحانه:( ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ) .(٢)

الطائفة الثالثة: الآيات التي تشرح كيفية الحشر وأنّ الناس يبعثون من القبور :

قال سبحانه:( فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ) .(٣)

وقال سبحانه:( يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ) .(٤)

الطائفة الرابعة: الآيات التي تدل على أنّ الأعضاء والجوارح تشهد على الإنسان :

يقول سبحانه:( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .(٥)

وقال سبحانه:( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .(٦)

الطائفة الخامسة: الآيات التي تدل علىٰ طروء التبدل والتغير على البدن الأُخروي الملازم لكون المحشور بدناً مادياً عنصرياً لا صورياً مجرداً عن المادة.

قال سبحانه:( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) .(٧)

ويقول أيضاً:( وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) .(٨)

__________________

١. طه: ٥٥.

٢. نوح: ١٨.

٣. يس: ٥١.

٤. القمر: ٧.

٥. النور: ٢٤.

٦. يس: ٦٥.

٧. النساء: ٥٦.

٨. محمد: ١٥.

٨٣

الطائفة السادسة: الآيات التي تبيّن شبهة المنكرين للمعاد من امتناع إحياء العظام البالية، وهي تدل على أنّ المدّعى كان هو إحياء البدن الدنيوي حسب ما كان.

قال سبحانه:( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) .(١)

وقال سبحانه:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .(٢)

إنّ هذه الطوائف من الآيات تعرب عن موقف القرآن حيال المعاد الجسماني بالملاك الأوّل وأنّ المعاد هو البدن الدنيوي حقيقة.

المعاد الروحاني بالملاك الأوّل

قد تعرفت على المعاد الجسماني بالملاك الأوّل، وإليك الكلام في المعاد الروحاني بنفس ذلك الملاك وهو حشر الإنسان مع روحه ونفسه، وثمة كلام وهو أنّه إن أُريد من المعاد الروحاني هو حشر البدن الدنيوي مع روحه ونفسه فليس ذلك معاداً روحانياً في الاصطلاح بل هو معاد جسماني، لأنّ من يصف المعاد بالجسماني لا يريد منه البدن المماثل للجماد بل البدن الذي نفخ فيه روحه وصار ذا حس وحركة وعقل وإدراك.

وإن أُريد منه حشر النفوس والأرواح مجردة عن البدن فيصحّ وصفه بالروحاني لكنّه يخالف صريح القرآن لما عرفت من تأكيده علىٰ حشر الأبدان الدنيوية بنحو يكون مناسباً للحشر الأُخروي.

__________________

١. يس: ٧٨.

٢. سبأ: ٧.

٨٤

المعاد الجسماني بالملاك الثاني

وثمّة ملاك ثان في وصف المعاد بالجسمانية أو الروحانية وهو الثواب والعقاب الذي يواجههما الإنسان.

فقسم لا يدرك إلّا بالحواس الظاهرية كأكثر ما وعد في سورتي الواقعة والرحمن.

وهناك ثواب وعقاب يدركهما الإنسان بعقله لا بحواسه ولا بقواه الجسمانية.

وبذلك يتضح أنّ جزاء الإنسان بما يدركه بالحواس الظاهرية تعبير عن كون المعاد جسمانياً كما أنّ جزاءه بما يدركه العقل والنفس في مقام التجرد تعبير عن كون المعاد روحانياً، وبما أنّ الآيات الواردة في أكثر السور الّتي ترجع إلى الجزاء بالأُمور الحسية، معلومة لدى القرّاء الأعزاء، فنعطف عنان القلم إلى المثوبات والعقوبات التي تدرك بالعقل والنفس.

١. رضوان الله

إنّه سبحانه بعد ما يذكر المثوبات المدركة بالحواس يعقبها بذكر جزاء عظيم لا يدرك إلّا بالعقل، قال سبحانه:( وَعَدَ اللهُ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .(١)

تجد أنّه سبحانه بعد ما يذكر الجنات والأنهار والمساكن الطيبة التي هي ملاكات لجسمانية المعاد يذكر رضوان الله تبارك وتعالى الذي هو جزاء روحاني

__________________

١. التوبة: ٧٢.

٨٥

عقلاني لا صلة له بالأدوات الحسية.

قال الإمام السجادعليه‌السلام في تفسير الآية :

« إذا صار أهل الجنّة في الجنة ودخل وليّ الله إلىٰ جنانه ومساكنه واتكأ كلّ مؤمن منهم على أريكته حفّته خدّامه. وتهدّلت عليه الثمار، وتفجّرت حوله العيون، وجرت من تحته الأنهار وبسطت له الزرابيّ، وصفّفت له النمارق، وأتته الخدّام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك، قال: ويخرج عليهم الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء الله.

ثمّ إنّ الجبّار يشرف عليهم فيقول لهم: أوليائي وأهل طاعتي وسكّان جنّتي في جواري ألا هل أُنبّئكم بخير ممّا أنتم فيه ؟ فيقولون: ربّنا وأيّ شيء خير ممّا نحن فيه ؟! نحن فيما اشتهت أنفسنا، ولذّت أعيننا من النّعم في جوار الكريم، قال: فيعود عليهم بالقول، فيقولون: ربّنا نعم فأتنا بخير ممّا نحن فيه، فيقول لهم تبارك وتعالى: رضاي عنكم ومحبّتي لكم خير وأعظم ممّا أنتم فيه، قال: فيقولون: نعم يا ربّنا رضاك عنّا ومحبّتك لنا خير لنا وأطيب لأنفسنا ». ثمّ قرأ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام هذه الآية:( وَعَدَ اللهُ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .(١)

٢. البعد عن رحمته

إذا كان نيل رضوانه سبحانه سبباً للّذة والثواب، يكون البعد عن رحمته سبباً للعذاب، يقول سبحانه:( وَعَدَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) .(٢)

__________________

١. البحار: ٨ / ١٤٠ ـ ١٤١.

٢. التوبة: ٦٨.

٨٦

إنّ هذه الآية ندُّ الآية السابقة، غير أنّ الأُولىٰ تعد المؤمنين والمؤمنات بالنعم الحسية ثمّ الروحية كما عرفت، وهذه الآية تعد المنافقين والمنافقات بالعذاب الحسي أعني قوله:( نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ ) والعذاب الروحي الذي يشير إليه بقوله:( وَلَعَنَهُمُ اللهُ ) واللعن عبارة عن البعد عن رحمة الله تبارك وتعالى. ويعقبه قوله:( وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) فيمكن أن يكون مشيراً إلىٰ خلودهم في النار أو مشيراً إلىٰ بعدهم الدائم عن رحمة الله، والمقايسة بين الآيتين وتطبيق كلّ على الأُخرى توقف الإنسان على اللّف والنشر اللافت.

٣. الحزن والحسرة

إذا كان البعد عن رحمته سبحانه عذاباً روحياً، فالحزن والحسرة على ما مضىٰ من العمر الذي أتلفه الإنسان مع ماله من القابليات يُعد عذاباً روحياً، وقد أشار إليه سبحانه في بعض الآيات بلفظ:( يَوْمَ الحَسْرَةِ ) و( حَسَرَاتٍ ) ، قال سبحانه:( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) .(١)

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا دخل أهل الجنّة الجنة وأهل النار النار، قيل: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، وقيل: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون فيجاء بالموت كأنّه كبش أملح، فيقال لهم تعرفون الموت، فيقولون: هذا وهذا وكلّ قد عرفه.

قال: فيقدم فيذبح، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، قال: وذلك قوله:( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ ) الآية.

ورواه أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ثمّ جاء في آخره فيفرح أهل

__________________

١. مريم: ٣٩.

٨٧

الجنّة فرحاً لو كان أحد يومئذٍ ميتاً لماتوا فرحاً، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتاً لماتوا.(١)

وقال تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) .(٢)

وقال الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام في تفسير قوله:( كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ) بقوله: « هو الرجل يكتسب المال ولا يعمل فيه خيراً فيرثه من يعمل فيه عملاً صالحاً فيرى الأوّل ما كسبه حسرة في ميزان غيره ».(٣)

٤. لقاء المحبوب

من المعارف القرآنية هي مسألة لقاء الله ولقاء الرب الذي جاء في غير واحد من السور بتعابير مختلفة :

فتارة يعبر عنه،( بِلِقَاءِ اللهِ ) ، قال سبحانه:( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ ) .(٤)

وأُخرى ب‍:( لِّقَاءِ رَبِّهِمْ ) ، يقول سبحانه:( أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ ) .(٥)

وثالثة:( بِلقاءِ رَبِّكُمْ ) ، قال سبحانه:( اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) .(٦)

__________________

١. مجمع البيان: ٣ / ٥١٥.

٢. البقرة: ١٦٧.

٣. مجمع البيان: ١ / ٢٥١.

٤. الأنعام: ٣١.

٥. فصلت: ٥٤.

٦. الرعد: ٢.

٨٨

ورابعة ب‍:( لِقَاءَنَا ) قال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ ) .(١)

وخامسة:( مُّلاقُو رَبِّهِمْ ) قال سبحانه:( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُو رَبِّهِمْ ) .(٢)

وهذه الآيات التي وردت في الذكر الحكيم يربو عددها علىٰ ١٨ آية، وقد اختلف المفسّرون في تفسير لقاء الله.

فقد فسّر بلقاء يوم القيامة تارة بشهادة قوله سبحانه:( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ) .(٣)

وأُخرى بلقاء الآخرة، قال سبحانه:( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) .(٤)

وأُخرى: بنيل الثواب والعقاب، قال سبحانه:( أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (٥) ، غير أنّ العرفاء الشامخين أخذوا بحرفية تلك الكلمة وقالوا بلقاء الإنسان ربّه لقاءً قلبياً شهودياً لا لقاءً حسياً بل لقاء يدرك ولا يوصف ولا يمكن التعبير عنه باللفظ والكلمة، وقد تبنىٰ ذلك المعنى العارف الحكيم الشيخ جواد الملكي التبريزي ( المتوفّى ١٣٤٣ ه‍ ) فقال في كتابه « لقاء الله » ما هذا مثاله :

ثمّ إنّ المفسّرين أمام تلك الآيات على أحد رأيين :

الرأي الأوّل: الأخذ بما دلّ علىٰ تنزيه الربّ من كلّ جسم وجسمانية ،

__________________

١. يونس: ٧.

٢. البقرة: ٤٦.

٣. السجدة: ١٤.

٤. الأعراف: ١٤٧.

٥. القصص: ٦١.

٨٩

وبالتالي تأويل ما دلّ من الآيات والروايات على اللقاء بوجه، وهو أنّ المراد هو الموت ولقاء الثواب والعقاب.

الرأي الثاني: حمل ما دلّ على التنزيه بالمعرفة الحسية أو المعرفة بالكنه، وحمل ما دلّ على اللقاء أو التشبيه على المعرفة الإجمالية، ومعرفة أسمائه وصفاته التي هي مجلىٰ ذاته سبحانه.

ولا يخفىٰ أنّ كلا التفسيرين تفسير مجازي فانّ حمل اللقاء بلقاء الثواب والعقاب مجاز لا دليل عليه، كما أنّ تفسيره بالمعرفة الإجمالية كمعرفة أسمائه وصفاته مجاز مثله، فأين معرفة أسمائه كالعالم والقادر على وجه يليق بالحكيم من لقائه سبحانه.

وهناك مسلك ثالث أدق من المسلكين تبنّاه بعض العارفين وهو أنّ للّقاء مراتب بين الإمكان والاستحالة، فيجوز للممكن في سيره وسلوكه لقاء واقعي، وإن كان بالنسبة إلى الدرجات المستحيلة لقاءً غير واقعي.

ثمّ أيّد ذلك بما ورد في القرآن والأدعية، فقد ورد فيهما كلمات تعرب عن تحقّق اللقاء حقيقة، نظير قول الإمام أميرالمؤمنينعليه‌السلام : « ولا يحرمني من النظر إلىٰ وجهك » وقوله: « ولكن تراه القلوب بحقائق الإيمان ». وقول الإمام الحسينعليه‌السلام في المناجاة الشعبانية: « وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفاً ».

وقولهعليه‌السلام : « وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حُجُبْ النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك »، وفي الدعاء الذي علمه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لكميل :

« فهبني صبرت علىٰ عذابك فكيف أصبر علىٰ فراقك ».

إلى غير ذلك من الألفاظ الدالة على اللقاء الحقيقي علىٰ وجه يلازم التنزيه

٩٠

ويفارق التشبيه، ومع ذلك يكون هناك لقاءٌ حسب ما يمكن تحقّقه للموجود الإمكاني.(١)

ومن أراد الوقوف على التفصيل فعليه الرجوع إلىٰ كتابه.

٥. عذاب فراق المحبوب

كما أنّ قرب المحبوب يلازم السرور والفرح، فهكذا فراقه يثير ألماً روحيّاً، وقد أشار إليه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في دعائه الذي علّمه لكميل بن زياد النخعي التابعي حيث يقولعليه‌السلام مخاطباً الله سبحانه: « فهبني صبرت على عذابك، فكيف أصبر علىٰ فراقك ».















__________________

١. رسالة لقاء الله، المقدمة.

٩١





الفصل الثامن :

المعاد الجسماني وآراء الحكماء والمتكلّمين

قد تعرّفت علىٰ تضافر الآيات علىٰ أنّ الحشر يتعلّق ببدن جسماني مرافق للروح والنفس، وأنّ ما خلق أوّلاً هو المعاد في الآخرة، غير أنّه اختلفت كلماتهم في واقع هذا البدن الجسماني الذي يتعلق به الروح، فها نحن نذكر بعض الآراء.

الأوّل: المعاد الجسماني ورأي المعلم الثاني الفارابي ( المتوفّى ٣٣٩ ه‍ )

وحاصل كلامه: أنّ الناس علىٰ صنفين، فصنف بلغ من الكمال درجة استغنى بها عن البدن، ولا همّ لهم سوى الرغبة في إدراك حقائق العالم العلوي، وصنف يسمّيهم الفارابي « بالبدنيين » على عكس الصنف الأوّل، لا همّ لهم سوى إدراك البدن وما يترتبط بالعالم السفلي.

ويفسّره صدر المتألّهين بقوله: إنّ هؤلاء إذا فارقوا الأبدان وهم بدنيُّون وليس لهم تعلّق بما هو أعلىٰ من الأبدان، فيشغلَهم التزامَ النظر إليها والتعلّق بها عن الأشياء البدنية، وإنّما لأنفسهم إنها زينة لأبدانهم فقط ولا يعرف غير الأبدان والبدنيات، أمكن أن يعلقهم نوع تشوقهم إلى التعلّق ببعض الأبدان التي من شأنها أن تتعلق بها الأنفس لأنّها طالبة بالطبع ـ إلى أن قال: ـ ويجوز أنْ يكون هذا

٩٢

الجرم متولداً من الهواء والأدخنة ويكون مقارناً لمزاج الجوهر المسمّىٰ روحاً الذي لا يشك الطبيعيون أنّ تعلّق النفس به لا بالبدن. وانّه لو جاز أن لا يتحلل ذلك الروح مفارقاً للبدن والاخلاط ويقوم، لكانت النفس تلازمه الملازمة النفسانية.(١)

ثمّ إنّ الشيخ الرئيس استحسنه وقال في حقّه: ويشبه أيضاً أن يكون ما قاله بعض العلماء حقّاً، وهو: أنّ هذه الأنفس إن كانت زكية وفارقت البدن وقد رسخ فيها نحو من الاعتقاد في العاقبة التي تكون لأمثالهم علىٰ مثل ما يمكن أن يخاطب به العامة وتصور في أنفسهم عن ذلك، فانّهم إذا فارقوا الأبدان ولم يكن لهم معنى جاذب إلى الجهة التي فوقهم، لا كمال فيسعدوا تلك السعادة، ولا شوق كمال فيشقوا تلك الشقاوة، بل جميع هيئاتهم النفسانية متوجهة نحو الأسفل منجذبة إلى الأجسام، ولا منع من المواد السماوية عن أن تكون موضوعة لفعل نفس فيها.(٢)

إنّ من عجيب القول تفسير البدن بالبدن الناشئ من الهواء والأدخنة، مع أنّه يشترط أن يكون بين النفس والبدن نوع انسجام وإمكان تعلّق، فكيف يجوّز المعلم الثاني تعلّق النفس بهذا النوع من البدن ؟

وقد نقده صدر المتألّهين بقوله: إنّ القول بتجويز أن يكون موضوع تصور النفس وتخيلها بعد التجرّد عن هذا البدن متولداً من الهواء والدخان، كيف يصحّ من رجل ذي بضاعة من الفلسفة الطبيعية، فكيف من الفلسفة الإلهية، أليس مثل هذا الجسم الدخاني المتولّد من بعض المواد العنصرية، يتفرق ويتحلل بأدنى سبب إذا لم يكن له طبيعة حافظة إياه عن التبدد وعن التحلل شيئاً فشيئاً بإيراد

__________________

١. الأسفار: ٩ / ١٤٨ ـ ١٤٩.

٢. الإلهيات من الشفاء: ٤٧٢ ـ ٤٧٣، المقالة التاسعة، الفصل الثامن، منشورات مكتب الاعلام
الإسلامي.

٩٣

البدل كما في الروح الطبي حتى يبقىٰ تهيئه لتصرف النفس فيكون هو في ذاته نوعاً نباتاً بل حيواناً لكونه موضوع الإدراك التخيلي فإذاً أليس هذا عين التناسخ ؟! وأليس صار هذا الجرم الدخاني حيواناً غير إنسان تعلّقت به نفس الإنسانية فصار هذا الإنسان منسلخاً عن إنسانيته إلى حيوان آخر ؟!(١)

وأظن ـ وظن الألمعي صواب ـ أنّ الذي دعا المعلم الثاني والشيخ الرئيس إلى القول بتعلّق الروح بالبدن المتولّد من الهواء والدخان، أمران :

الأوّل: تصوّر أنّ تعلّق النفس بالبدن الدنيوي العنصري تناسخ وهو باطل.

الثاني: انّ الصور الحسية التي بها تلتذ النفس أو تتألم أُمور حسية، والنفس في إدراك هذا النوع من الأُمور رهن أدوات مادية أعني البدن، فلا مناص من تصوير بدن يكون أداة لتصور النفس تلك الصور الحسية الملذة أو المؤلمة، وحيث إنّ تعلّق النفس بالبدن الدنيوي تناسخ ممّا حدا إلى القول بخلق هذا البدن من الدخان والهواء.

الثاني: المعاد الجسماني ورأي صدر المتألّهين ( ٩٧٩ ـ ١٠٥٠ ه‍ )

ذهب صدر المتألّهين إلى المعاد الجسماني، وأنّ البدن المحشور في الآخرة هو البدن الدنيوي، ويصرُّ علىٰ هذا القول في أوائل البحث علىٰ نحو يذعن الإنسان بأنّه بصدد إثبات ما عليه المتشرعة من المعاد الدنيوي العنصري، هذا بالنظر البدوي، وأمّا حينما ينتقل إلى أواخر البحث فيذهب إلى تعلّق النفس ببدن مثالي برزخي، مطابق لما عليه الإشراقيون من الفلاسفة، بيد أنّهم عجزوا عن إثبات عينية البدن المثالي للبدن الدنيوي، ولكن صدر المتألّهين قام بهذا العمل الجبّار ورفض التعددية بين البدنين وأرجع الاختلاف بينهما إلى الاختلاف في الكمال والنقص.

__________________

١. الأسفار: ٩ / ١٤٩ ـ ١٥٠.

٩٤

توضيح النظريتين: إنّ الإشراقيين قالوا بوجود بدن مثالي للإنسان في عالم المثال، كما أنّ له بدناً طبيعياً مادياً في هذه النشأة، والنفس بعد مفارقتها البدن الدنيوي تتعلّق ببدن مثالي مستقل نشأ من ذي قبل.

ثمّ إنّ الدافع من وراء طرح هذه النظرية تصوّر أنّ تعلّق النفس بالبدن الدنيوي يعد تناسخاً وهو أمر باطل لا محالة، مضافاً إلىٰ أنّ النفس إنّما تلتذ أو تتألم بالصور الحسية، والنفس في إدراكها للصور الحسية بحاجة إلىٰ بدن، فمسّت الحاجة إلىٰ تصوير بدن للنفس حتى يتحقق به إدراك الصور الحسية جميلها وقبيحها، لذيذها ومؤلمها.

إلّا أنّ هذه النظرية لا تصمد أمام النقاش.

أمّا أوّلاً: إذا كان البدن المثالي مغايراً للبدن الدنيوي ومخلوقاً من ذي قبل، فكيف ينطبق على هذا النوع من الحشر، قوله سبحانه:( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) ؟(١)

وثانياً: أنّ البدن المثالي المخلوق من ذي قبل له استعداد لتعلّق النفس به، حينها يتهيأ لقبول الفيض الإلهي، من قبل الله سبحانه، فتتعلّق النفس بالبدن في ظرفها، فلو تعلّقت به نفس أُخرى بعد الموت يلزم اجتماع نفسين في بدن واحد، وهو عين التناسخ.

ولما أثارت هذه النظرية إشكالاً واضحاً عدل عنها صدر المتألّهين وذهب إلى الوحدة بين البدنين المادي والمثالي، وأنّ التفاوت بينهما بالكمال والنقص وانّ البدن المثالي هو عين البدن المادي لكن بنحو أكمل، وبذلك استطاع التخلّص من الإشكال الأوّل من لزوم كون المعاد في الآخرة هو البدن الدنيوي.

كما أنّه تخلّص من الإشكال الثاني بأنّ البدن المثالي لم يخلق من ذي قبل بل

__________________

١. يس: ٧٩.

٩٥

خلق مع البدن الدنيوي ويتكامل في ظل تكامله.

وقد استدل على وجود ذلك البدن بأُمور منها :

انّ النفس تفعل وتنفعل بهذا البدن المثالي في عالم النوم، واستقرب وجود ذلك البدن المثالي بوجهين: ذكرهما تلميذه عبد الرزاق اللاهيجي في كتابه :

١. انّ الإنسان في هذه النشأة يتصوّر جميع أجزاء بدنه وأعضائه ظاهرة وباطنة، والمتصوّر بالذات غير هذا البدن الدنيوي وليس إلّا البدن المثالي.

٢. انّ الإنسان يفعل ويتفاعل في النوم ببدن غير مادي، فهو يتكلّم ويذهب ويقعد ويضرب، كلّ ذلك ببدن غير مادي، وليس هو إلّا البدن المثالي.

وعلى ذلك فالبدن المثالي ليس مخلوقاً من ذي قبل، وإنّما يخلق بالتكامل الذي يناله الإنسان.(١)

ثمّ إنّ صدر المتألّهين بنىٰ ما اختاره من المعاد على مقدمات كثيرة، ربت علىٰ إحدى عشرة مقدمة غير أنّ المهم منها لا يتجاوز عن ثلاث مقدمات، وإليك نقلها :

الأصل الأوّل: التشكيك في الوجود

إنّ الوجود حقيقة واحدة ولها مراتب ومظاهر، وليس التفاوت بينها إلّا بالشدّة والضعف، والكمال والنقص.

وبتعبير آخر: ليس في لوح الواقع إلّا شيءٌ واحدٌ وهو الوجود، فإذاً يرجع التفاوت بين الوجودات إلى الشدّة والضعف والنقص والكمال، وليست الشدة والضعف إلّا نفس الوجود، فلا الوجود الشديد مركب من وجود وشدة، ولا

__________________

١. گوهر مراد: ٣٧١.

٩٦

الوجود الضعيف مركب من وجود وعدم، بل كلّها وجود لكن بمراتب ودرجات متعددة.

الأصل الثاني: انّ هوية الإنسان بنفسه

إنّ هوية البدن وتشخصه إنّما يكون بنفسه لا بجرمه، فزيد مثلاً زيد بنفسه لا بجسده، ولأجل ذلك يستمر وجوده وتشخّصه مادامت النفس باقية فيه، وإنْ تبدّلت أجزاؤه وتحولت لوازمه، من أينه وكَمّه وكيفه ووضعه ومتاه، كما في طول عمره ; وكذا القياس لو تبدلت صورته الطبيعية بصورة مثالية، كما في المنام، وفي عالم القبر والبرزخ إلى يوم البعث، أو بصورة أُخروية كما في الآخرة، فانّ الهوية الإنسانية في جميع هذه التحوّلات والتقلّبات واحدة هي هي بعينها، لأنّها واقعة على سبيل الاتصال الوحداني التدريجي، ولا عبرة بخصوصيات جوهرية وحدود وجودية واقعة في طريق هذه الحركة الجوهرية، وإنّما العبرة بما يستمرّ ويبقىٰ وهي النفس لأنّها الصورة التمامية في الإنسان التي هي أصل هويته وذاته، ومجمع ماهيته وحقيقته.(١)

وعلى هذا فالإنسان في حركته الجوهرية من الجماد إلى النبات، ومنه إلى الحيوان، ثمّ الإنسان، وإن مرّت به تلك المراحل، لكنّها ـ في الواقع ـ علل إعدادية لحصول النفس الإنسانية، وعليه تكون واقعية نفسها وحقيقتها الكمال الذي وصلت إليه في نهاية الحركة، فالإنسان هو الإنسان وإن تجرّد عن الجرم والجسم والجسد والبدن، بشهادة أنّه قد مرّ عليه أبدان وأجساد وهو بعدُ شخص واحد ووحدته محفوظة، ولذا لو جنىٰ في شبابه ولاقىٰ جزاءه العادل في هرمه لا يكون ظلماً في حقّه.

__________________

١. الأسفار: ٩ / ١٩٠.

٩٧

الأصل الثالث: العوالم الثلاثة

إنّ أجناس العوالم والنشآت مع كثرتها منحصرة في ثلاثة، وإن كانت دار الوجود واحدة لارتباط بعضها مع بعض :

أدناها عالم الصور الطبيعية الكائنة الفاسدة.

وأوسطها عالم الصور الإدراكية الحسيّة المجرّدة عن المادة.

وأعلاها، عالم الصور العقلية والمثل الإلهية.

فاعلم أنّ النفس الإنسانية مختصة من بين الموجودات بأنّ لها هذه الأكوان الثلاثة مع بقائها بشخصها، فللإنسان كون طبيعي وهو بحسبه إنسان بشري. ثمّ يتدرج في هذا الوجود ويتكامل ويتلطف شيئاً فشيئاً في تجوهره إلىٰ أن يحصل له كون آخر مثالي، وهو بحسبه إنسان مثالي، وله أعضاء مثالية وهو الإنسان الثاني.

ثمّ قد ينتقل من هذا الكون أيضاً نتيجة تكامله فيحصل له كون عقلي، وهو بحسبه إنسان عقلي، وله أعضاء عقلية وهو الإنسان الثالث.

وهذه المراحل التي يمرّ بها الإنسان مختصة بنوعه. فإنّ الأشياء وإن كانت برُمَّتها سائرة إلى الحضرة الإلهية، لكن الذي يمرّ على الصراط المستقيم منتهياً إلىٰ غاية الغايات ليس هو إلّا النوع الإنساني.

فالإنسان بحسب فطرته الأصلية يتحرك نحو الآخرة بالتدريج ويرجع إلىٰ غاية مقصودة، فيبتدئ بوجوده الدنيوي المادي إلىٰ وجوده الأُخروي الصوري إذ نسبة الدنيا إلى الآخرة نسبة النقص إلى الكمال، ونسبة الطفل إلى البالغ، فإذا بلغ الوجود أشده الجوهري يخرج من هذا الوجود الدنيوي إلىٰ وجود أُخروي ويستعد للخروج من هذه الدار إلىٰ دار القرار.

ثمّ إنّهقدس‌سره استنتج من هذه الأُصول، وقال: من تدبّر في هذه الأُصول لم

٩٨

يبق له شكّ وريب في مسألة المعاد وحشر النفوس والأجساد، ويعلم يقيناً ويحكم بأنّ هذا البدن بعينه سيحشر يوم القيامة بصورة الأجساد، وينكشف له أنّ المعاد في المعاد مجموع النفس والبدن بعينهما وشخصهما وانّ المبعوث في القيامة هذا البدن بعينه لا بدن آخر مبائن له عنصرياً ـ كان كما ذهب إليه جمع من الإسلاميين ـ أو مثالياً ـ كما ذهب إليه الإشراقيون ـ فهذا هو الاعتقاد الصحيح المطابق للشريعة والملة الموافق للبرهان والحكمة. (١)

وإيضاحاً لمختاره نقول: إنّ مقتضى الأصل الأوّل أنّ الإنسان في حركته الجوهرية ينتقل من كمال إلى كمال، ومقتضى الأصل الثالث أنّ له نشاءات ثلاث :

طبيعية، ومثالية، وعقلية، وبحكم الأصل الثالث إنّ فعلية شيء بصورته لا بمادته، فالإنسان في النشأة المثالية هو الإنسان في النشأة الطبيعية، لأنّ الصورة محفوظة بكمالها لا بحدودها، ففعلية البدن هو صورته وهي محفوظة في عالم المثال، كما أنّ فعلية الإنسان نفسه وهي أيضاً محفوظة، فإذا حشر الإنسان بالبدن المثالي الذي كانت النفس تلازمه في عالم الطبيعة، يكون حشره حشر البدن العنصري لكن لا بحدوده.

هذه عصارة ما ذكره صدر المتألّهين في تفسير المعاد الجسماني وهو يختلف عن مسلك الإشراقيين في واقع البدن المثالي، فانّه على مسلكهم يكون بدناً مخلوقاً من ذي قبل تتعلّق به النفس بعد فراقه عن البدن، وعلى مسلكه يكون البدن المثالي مخلوقاً مع البدن العنصري وفي داخله وحالّة فيه ويتكامل مع تكامله على نحو لو تركت النفس تعلّقها بالبدن الدنيوي لبقيت متعلّقة بالبدن المثالي، وتمكث في عالم البرزخ إلىٰ يوم القيامة ثمّ تحشر معه متعلّقة به.

فهنا سؤال وهو أنّ حاجة النفس إلى البدن المثالي يدور حول أحد أمرين:

__________________

١. الأسفار: ٩ / ١٩٤ ـ ١٩٨.

٩٩

الأوّل: انّ تكامل النفس بعد تركها البدن الدنيوي رهن تعلّقها بذلك البدن حتى تتكامل تحت ظل ذلك التعلّق.

الثاني: انّ النفس بحاجة إلى ذلك البدن لأجل نيل الثواب والعقاب ولولاه لما تيسر لها نيلهما.

أما الثاني فهو مخالف لمختاره في القوة الخيالية للنفس، فانّها قوة جوهرية معلولة للنفس قائمة بها قيام المعلول بالعلة، وليست حالَّة في البدن ولا في أعضائه، وعلىٰ هذا تكون الصور المخلوقة بتلك القوة مخلوقة للقوة قائمة بها، قيام المعلول بالعلة من دون أن تكون حالّة في الأعضاء.

فإذا كانت القوّة والصور القائمة بها، أُموراً جوهرية قائمة بالنفس فلا حاجة لها بالبدن المثالي.

نعم القوة الخيالية في النشأة الأُولىٰ لا تستطيع خلق الصور إلّا عن طريق إعمال القوى الحسية الموجودة في الأعضاء، فلا يُبصر إلّا بالعين، ولا يُسمع إلّا بالسمع، وحيث إنّ الصور في هذه النشأة تأتي إلى النفس والقوة من خارج ذاتهما فلا محيص من الاستعانة بالبدن العنصري، وهذا بخلاف الصور الجميلة أو المؤلمة في النشأة الأُخرىٰ فانّ الصور تبرز من داخل النفس والقوة إلىٰ خارجهما حسب الملكات التي يكتسبها الإنسان طيلة عمره، فالنفس ذي الملكة الحسنة تخلق صوراً جميلة يلتذ بها على خلاف الملكة السيئة، وعلىٰ ذلك فلا حاجة للنفس ولا للقوّة الخيالية في إيجاد الصور للبدن المثالي.

فتعين الوجه الأوّل، وهو أنّ النفس في تكاملها رهن البدن المثالي فعندئذٍ نطرح هنا أمرين :

الأوّل: انّ كثيراً من الناس يعوزهم الاستعداد اللازم للانتقال إلى عالم العقول، بل يبقوا في عالم المثال أبد الدهر، وعندئذٍ يكون استخدام البدن المثالي

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

تسعى، فلك بكل قدم رفعتها أو(٧) وضعتها كثواب المتشحط بدمه في سبيل الله، فإذا سلمت على القبر فالتمسه بيدك، وقل: السلام عليك يا حجة الله في سمائه وأرضه، ثم تمضي إلى صلاتك، ولك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب من حج واعتمر ألف عمرة(٨) واعتق الف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف مرة مع نبي مرسل، فإذا انقلبت من عند قبر الحسينعليه‌السلام ، ناداك مناد: لو سمعت مقالته لأقمت(٩) عند قبر الحسينعليه‌السلام ، وهو يقول: طوبى لك أيها العبد، قد غنمت وسلمت، قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل، فإن هو مات في عامه أو في ليلته أو يومه، لم يل قبض روحه إلا الله، وتقبل الملائكة معه يستغفرون له ويصلون عليه حتى يوافي(١٠) ، منزله وتقول الملائكة يا رب هذا عبدك وافى قبر ابن نبيك وقد وافى منزله فأين نذهب؟ فيناديهم(١١) النداء من السماء: يا ملائكتي قفوا بباب عبدي، فسبحوا وقدسوا واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم يتوفى، قال: فلا يزالون ببابه إلى يوم يتوفى، ويسبحون الله ويقدسونه ويكتبون ذلك في حسناته، وإذا توفى شهدوا جنازته وكفنه وغسله والصلاة عليه ويقولون: ربنا وكلتنا بباب عبدك وقد توفى، فأين نذهب؟ فيناديهم: ملائكتي قفوا بقبر عبدي، فسبحوا وقدسوا واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم القيامة ».

__________________

(٧) في المصدر: و.

(٨) في نسخة: مرة.

(٩) في المصدر زيادة: عمرك.

(١٠) في المخطوط: عليه، وما أثبتناه من المصدر.

(١١) في نسخة: فيأتيهم. ( منه قده ).

٣٠١

[١٢٠٥٥] ٣ - وعن حكيم بن داود، عن سلمة بن الخطاب، عن محمد بن أحمد الرازي، عن الحسن بن علي، مثله.

ورواه الكفعمي في البلد الأمين مرسلا، عن جابر، مثله(١) .

قال في البحار(٢) : لا يخفى ما في سند الخبر، لأنه أما أن يكون مكان المفضل رجل آخر، أو مكان عن في قوله عن جابر الواو، وإلا فلا يستقيم إلا بتكلف بعيد، وهو أن يقال: المفضل كان نسي الخبر ثم أخبره جابر به، انتهى.

ورواه الشيخ محمد بن المشهدي في المزار(٣) : عن الشيخ هبة الله بن نما، عن الحسين بن محمد بن طحال، عن السيد هبة الله بن ناصر بن الحسين بن نصر(٤) ، عن سعد بن وهب بن أحمد بن علي بن الحسين بن سلمان الدهقان، عن محمد بن علي بن خلف البزاز، عن علي بن الحسين بن كعب، عن إسماعيل بن صبيح، عن الحسن بن سعيد الأعمش، عن جابر الجعفي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام أنه قال(٥) : « كم بينكم وبين قبر الحسينعليه‌السلام ؟. وساق الحديث إلى آخر ما مر، ولم يذكر المفضل أصلا، ولكن بين ألفاظ ما أورده من الزيارة وبين ما في الكامل اختلاف يطلب من محله، والذي أظن أن الاشتباه من الراوي في قوله: يا

__________________

٣ - كامل الزيارات ص ٢٠٨.

(١) البلد الأمين ص ٢٨٠ بتفاوت، ورواه الكفعمي في المصباح ص ٤٩٩.

(٢) بحار الأنوار ج ١٠١ ص ١٦٤.

(٣) المزار للمشهدي ص ٦٢٥، وعنه في البحار ج ١٠١ ص ١٦٥ ح ١١.

(٤) في المصدر: نصير.

(٥) في المصدر زيادة: لجابر.

٣٠٢

مفضل، وأن الأصل يا جابر، والله العالم.

[١٢٠٥٦] ٤ - وعن الحسن بن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن جده، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : ما تقول في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ؟ فقال: « ما تقولون أنتم؟ » فقلت: بعضنا يقول حجة وبعضنا يقول عمرة، قال: فأي شئ تقول إذا أتيت؟ » فقلت: أقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله، أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وأشهد أن الذين سفكوا دمك واستحلوا حرمتك، ملعونون معذبون على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ».

[١٢٠٥٧] ٥ - وعن أبيه، عن موسى بن جعفر البغدادي، عمن حدثه، عن ابن أبي البلاد قال: قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : « كيف السلام على أبي عبد اللهعليه‌السلام ؟ » قال: قلت: أقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، وذكر مثله، وزاد في آخره قال: « نعم هو هكذا ».

[١٢٠٥٨] ٦ - وعن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن أبي نجران، عن عامر بن جذاعة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « إذا أتيت الحسينعليه‌السلام فقل: الحمد لله، وصلى الله على محمد وآله، والسلام

__________________

٤ - كامل الزيارات ص ٢٠٨.

٥ - كامل الزيارات ص ٢٠٩.

٦ - كامل الزيارات ص ٢١١ ح ٨.

٣٠٣

عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك يا أبا عبد الله، لعن الله من قتلك، من شارك في دمك، ومن بلغه ذلك فرضي به، أنا إلى الله منهم برئ ».

[١٢٠٥٩] ٧ - وعن أبيه، عن سعد والحميري معا، عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن سعيد، عن مصدق، عن عمار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « تقول إذا انتهيت إلى قبرهعليه‌السلام : السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا سيد شباب أهل الجنة ورحمة الله وبركاته ( السلام عليك )(١) يا من رضاه من رضى الرحمان، وسخطه من سخط الرحمان، السلام عليك يا أمين الله، وحجة الله، وباب الله، والدليل على الله، والداعي إلى الله، أشهد أنك قد حللت حلال الله، وحرمت حرام الله، وأقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وأشهد أنك ومن قتل معك شهداء أحياء عند ربكم ترزقون، وأشهد أن قاتلك(٢) في النار؟، أدين الله بالبراءة ممن قتلك وممن قاتلك وشايع عليك، وممن جمع(٣) عليك، وممن سمع صوتك ولم يعنك، يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما ».

[١٢٠٦٠] ٨ - وعن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن

__________________

٧ - كامل الزيارات ص ٢١٢.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في نسخة: قاتليك، ( منه قده ).

(٣) في نسخة: خرج، ( منه قده ).

٨ - كامل الزيارات ص ٢١٢.

٣٠٤

ابن أبي نجران، عن ابن أبي عمير، عن عامر بن جذاعة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « إذا أتيت الحسينعليه‌السلام (١) فقل: الحمد لله، وصلى الله على محمد و(٢) أهل بيت، ه والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا أبا عبد الله ( ورحمة الله يا أبا عبد الله، صلى الله عليك يا أبا عبد الله )(٣) ، لعن الله من قتلك، ومن شارك في دمك، ومن بلغه ذلك فرضي به، أنا إلى الله منهم برئ ».

[١٢٠٦١] ٩ - وعن أبيه وغير واحد، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن موسى الوراق، عن يونس عن عامر بن جذاعة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « إذا أتيت الحسينعليه‌السلام - يعني قبره - فقل: السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا أبا عبد الله، لعن الله من قتلك، ولعن الله من بلغه ذلك فرضي به، أنا إلى الله منهم برئ ».

٤٦ -( باب استحباب التسليم على الحسينعليه‌السلام والصلاة عليه، من بعيد وقريب، كلّ يوم)

[١٢٠٦٢] ١ - جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة: عن محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن عبد الله بن محمد، عن منيع، عن

__________________

(١) في المصدر: الحائر.

(٢) في نسخة: وعلي، ( منه قده ).

(٣) ما بين القوسين ليس في المصدر.

٩ - كامل الزيارات ص ٢١٥.

الباب ٤٦

١ - كامل الزيارات ص ٢٨٨.

٣٠٥

حنان، عن أبيه قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا سدير تكثر زيارة قبر الحسين بن عليعليهما‌السلام ؟ » قلت: إنه من الشغل، فقال: « ألا أعلمك شيئا إذا أنت فعلته كتب(١) لك بذلك الزيارة؟ » فقلت: بلى جعلت فداك، فقال لي: « اغتسل في منزلك، واصعد إلى سطحك، وأشر إليه بالسلام، تكتب لك بذلك الزيارة ».

[١٢٠٦٣] ٢ - وعن علي بن الحسين وأخيه علي بن محمد بن قولويه عن محمد بن يحيى العطار، عن حمدان بن سليمان، عن عبد الله بن محمد، عن منيع بن الحجاج، عن يونس بن عبد الرحمان، عن حنان بن سدير، عن أبيه - في حديث طويل - قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا سدير وما عليك أن تزور قبر الحسينعليه‌السلام في كلّ جمعة خمس مرات، وفي كلّ يوم مرة، قلت: جعلت فداك، ان بيننا وبينه فراسخ كثيرة، فقال: تصعد فوق سطحك، ثم تلتفت يمنة ويسرة، ثم ترفع رأسك إلى السماء، ثم تحول(١) نحو قبر الحسينعليه‌السلام ، ثم تقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، تكتب لك زورة والزورة حجة وعمرة » قال سدير: فربما فعلته في النهار أكثر من عشرين مرة.

ورواه الشيخ محمد بن المشهدي في المزار(٢) ، بإسناده عن سدير، وفيه: « السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ».

__________________

(١) في المصدر: كتب الله.

٢ - كامل الزيارات ص ٢٨٧.

(١) في نسخة: تنحو، تتحرى.

(٢) مزار المشهدي ص ٦٣٠، في البحار ج ١٠١ ص ٣٦٦ ح ٣.

٣٠٦

[١٢٠٦٤] ٣ وعن حكيم بن داود، عن سلمة، عن ( عبد الله بن الخطاب )(١) عن عبد الله بن محمد، عن منيع، عن يونس، عن حنان، عن أبيه قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا سدير تزور قبر الحسينعليه‌السلام في كلّ يوم » قلت: جعلت فداك لا، قال: « ما أجفاكم! فتزوره في كلّ شهر » قلت: لا، قال: فتزوره في كلّ سنة » قلت: قد يكون ذلك، قال: « يا سدير ما أجفاكم بالحسينعليه‌السلام ! أما علمت أن لله ألف ألف ملك، شعثا غبرا يبكون ويزورون لا يفترون؟ وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسينعليه‌السلام في كلّ جمعة خمس مرات؟ » وذكر مثل الحديث الأول.

[١٢٠٦٥] ٤ - وعن محمد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه رفعه(١) قال: دخل حنان بن سدير على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وعنده جماعة من أصحابه، فقال: « يا حنان بن سدير، تزور أبا عبد اللهعليه‌السلام في كلّ شهر مرة » قال: لا، قال: « ففي كلّ شهرين(٢) . قال: لا، قال: « ففي كلّ سنة(٣) ». قال: لا، قال: « ما أجفاكم بسيدكم! » قال: يا بن رسول الله، قلة الزاد وبعد المسافة، قال: « ألا أدلكم على زيارة مقبولة وإن بعد النائي؟ » قال: فكيف أزوره يا بن رسول الله؟ قال: « اغتسل يوم الجمعة أو أي

__________________

٣ - كامل الزيارات ص ٢٨٧.

(١) أثبتناه من المصدر، ومن معاجم الرجال راجع ( معجم رجال الحديث ج ١٠ ص ١٨٠ ).

٤ - كامل الزيارات ص ٢٨٩.

(١) في المصدر زيادة: إلى أبي عبد الله.

(٢، ٣) وفيه زيادة: مرة.

٣٠٧

يوم شئت، والبس أطهر ثيابك، واصعد إلى أعلى موضع من دارك أو الصحراء فاستقبل(٤) القبلة بوجهك، بعد ما تبين أن القبر هنالك، يقول الله تبارك وتعالى:( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ ) (٥) ثم قل: السلام عليك » الزيارة.

[١٢٠٦٦] ٥ - المزار القديم: عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال: « من أراد زيارة الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، فيظل فيه باكيا متفجعا حزينا، لقي الله عز وجل بثواب الفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كلّ حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع الأئمة ( صلوات الله عليهم أجمعين ) » قال علقمة بن محمد الحضرمي: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : جعلت فداك، فما يصنع من كان في بعد البلاد وأقاصيها، ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟ قال: « إذا كان في ذلك اليوم - يعني يوم عاشوراء - فليغتسل من أحب من الناس أن يزوره من أقاصي البلاد أو قريبها، فليبرز إلى الصحراء أو يصعد سطح داره، فليصل(١) ركعتين خفيفتين يقرأ فيهما سورة الاخلاص، فإذا سلم أومأ إليه بالسلام، ويقصد إليه بتسليمه وإشارته ونيته إلى الجهة التي فيها أبو عبد الله الحسين ( صلوات الله عليه )، ثم تقول وأنت خاشع مستكين: السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن البشير النذير. وساق(٢) زيارة تشبه الزيارة المعروفة في غالب الفقرات

__________________

(٤) وفي نسخة: واستقبل، منه قده.

(٥) البقرة ٢: ١١٥.

٥ - المزار القديم.

(١) في نسخة: فيصلي.

(٢) جاء في هامش الطبعة الحجرية: ولما كانت نسخة هذا المزار قليلة الوجود تقريبا نرفع كلفة الطلب عن الناظر الراغب في هذه الزيارة فأخرجنا تمامها في

٣٠٨

وليس فيها الفصلان اللذان في اللعن والسلام، إلى أن قال قال علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفرعليه‌السلام : « إن استطعت يا علقمة أن تزوره في كلّ يوم، بهذه الزيارة في دارك وناحيتك وحيث كنت من البلاد في أرض الله فافعل ذلك، ولك ثواب جميع ذلك، فاجتهدوا في الدعاء على قاتله وعدوه، ويكون في صدر النهار قبل الزوال. الخبر.

قلت: ما تضمن هذا الخبر من النعم الجسيمة، فإن العمل المذكور تمام وعد ضمن للزيارة الشريفة المعروفة، هو في غاية السهولة فخذه واغتنم، وكن لله من الشاكرين.

٤٧ -( باب استحباب زيارة الحسين حبا لرسول الله وأميرالمؤمنين وفاطمة ( صلوات الله عليهم )، ورحمة له وتشوقا إليه واحتسابا، ولوجه الله والدار الآخرة)

[١٢٠٦٧] ١ - جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة: عن الحسن بن عبد الله بن محمد، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: « لو يعلم الناس ما في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام من الفضل، لماتوا شوقا وتقطعت أنفسهم عليه حسرات » قلت: وما فيه؟ قال: « من أتاه تشوقا كتب الله له ألف حجة متقبلة وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظا سنته من كلّ آفة أهونها الشيطان، ووكل به ملك كريم يحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه، فإن مات سنته حضرته ملائكة الرحمة، يحضرون غسله وأكفانه

__________________

باب النوادر راجيا من الله تعالى ان يشاركنا في أجور المتوسلين بها. منه ( قدس سره ).

الباب ٤٧

١ - كامل الزيارات ص ١٤٢.

٣٠٩

والاستغفار له، ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له، ويفسح له في قبره مد بصر(١) ، ويؤمنه الله من ضغطة القبر، ومن منكر ونكير أن يروعانه، ويفتح له باب إلى الجنة، ويعطى كتابه بيمينه، ويعطى له يوم القيامة نورا يضئ لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي مناد: هذا من زوار(٢) الحسين بن عليعليهما‌السلام شوقا إليه، فلا يبقى أحد يوم القيامة الا تمنى يومئذ أنه كان من زوار الحسين بن عليعليهما‌السلام ».

[١٢٠٦٨] ٢ - وعن الحسن بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: قلت له: ما لمن أتى ( قبر )(١) الحسين بن عليعليهما‌السلام زائرا عارفا بحقه غير مستنكف ولا مستكبر(٢) ؟ قال: يكتب له ألف حجة مقبولة وألف عمرة مبرورة، وإن كان شقيا كتب سعيدا، ولم يزل يخوض في رحمة الله ».

[١٢٠٦٩] ٣ - وعن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن منيع بن الحجاج، عن صفوان بن يحيى، عن صفوان بن مهران، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « من زار قبر الحسينعليه‌السلام وهو يريد الله عز وجل، شيعه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل حتى يرد إلى منزله ».

[١٢٠٧٠] ٤ - وعن عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال، عن عبد الرحمان، عن

__________________

(١) في المصدر: بصره.

(٢) في المصدر: زار.

٢ - كامل الزيارات ص ١٤٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في نسخة. مستنكر.، ( منه قده ).

٣، ٤ - كامل الزيارات ص ١٤٥.

٣١٠

سعيد بن خيثم، عن أخيه معمر، قال: سمعت زيد بن عليعليه‌السلام يقول: من زار قبر الحسين بن عليعليهما‌السلام لا يريد به إلا وجه الله، غفر الله له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، فاستكثروا من زيارته يغفر الله لكم ذنوبكم.

٤٨ -( باب استحباب اختيار زيارة الحسينعليه‌السلام على جميع الاعمال)

[١٢٠٧١] ١ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « زيارة قبر الحسين بن عليعليهما‌السلام من أفضل ما يكون من الاعمال ».

٤٩ -( باب استحباب البكاء لقتل الحسينعليه‌السلام وماأصاب أهل البيتعليهم‌السلام ، خصوصا يوم عاشوراء، واتخاذه يوم مصيبة، وتحريم التبرك به)

[١٢٠٧٢] ١ - جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن أبان الأحمر، عن محمد بن الحسين الخزاز، عن ابن خارجة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: كنا عنده فذكرنا الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وعلى قاتله لعنة الله، فبكى أبو عبد اللهعليه‌السلام وبكينا، قال: ثم رفع رأسه فقال: « قال الحسين بن عليعليهما‌السلام : أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلا بكى » وذكر الحديث.

__________________

الباب ٤٨

١ - كتاب الغايات ص ٧١.

الباب ٤٩

١ - كامل الزيارات ص ١٠٨.

٣١١

[١٢٠٧٣] ٢ - وعن جماعة من مشايخه، عن محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن عبيد الله، عن ابن أبي عثمان، عن الحسن بن علي بن عبد الله، عن أبي عمارة المنشد، قال: ما ذكر الحسين بن عليعليهما‌السلام عند أبي عبد اللهعليه‌السلام في يوم قط، فرئي أبو عبد اللهعليه‌السلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل، وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول: « الحسينعليه‌السلام عبرة كلّ مؤمن ».

وعن محمد بن جعفر، عن ابن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي عمير، عن علي بن المغيرة، عن أبي عمارة، مثله إلى قوله: في ذلك اليوم(١) .

[١٢٠٧٤] ٣ - وعن حكيم بن داود، عن سلمة، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن بكر بن محمد، عن فضيل، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب، غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ».

وعن محمد بن عبد الله، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، مثله(١) .

[١٢٠٧٥] ٤ - وعن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن عبد الجبار، عن أبي سعيد، عن الحسين بن ثوير، عن يونس وأبي سلمة السراج، والمفضل قالوا: سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام ، يقول: « لما مضى أبو عبد الله الحسين بن علي

__________________

٢ - كامل الزيارات ص ١٠٨.

(١) نفس المصدر ص ١٠١.

٣ - كامل الزيارات ص ١٠٣ ح ٣.

(١) نفس المصدر ص ١٠٤، ذيل الحديث ٨.

٤ - كامل الزيارات ص ٨٠ ح ٣.

٣١٢

عليهما‌السلام ، بكى عليه جميع ما خلق الله، إلا ثلاثة أشياء: البصرة، ودمشق، وآل عثمان ».

[١٢٠٧٦] ٥ - وعن أبيه ( وعلي بن الحسين ومحمد بن الحسن رحمهم الله جمعيا )(١) عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن الحسين بن ثوير، قال: كنت أنا وابن ظبيان والمفضل وأبو سلمة السراج جلوسا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فكان المتكلم يونس وكان أكبرنا سنا - وذكر حديثا طويلا - يقول: ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إن أبا عبد اللهعليه‌السلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع ( والأرضون السبع )(٢) وما فيهن وما بينهن، وما ينقلب(٣) في الجنة والنار من خلق ربنا، وما يرى وما لا يرى، بكى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه، قلت: جعلت فداك، ما هذه الثلاثة أشياء؟ قال: لم تبك عليه البصرة، ولا دمشق، ولا آل عثمان بن عفان ».

[١٢٠٧٧] ٦ - وعن محمد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمان الأصم، عن أبي يعقوب، عن أبان بن عثمان، عن زرارة قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا زرارة إن السماء بكت على الحسينعليه‌السلام أربعين صباحا بالدم، وإن الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف والحمرة، وإن الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت، وإن الملائكة بكت أربعين صباحا على الحسينعليه‌السلام ، وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا

__________________

٥ - كامل الزيارات ص ١٩٧.

(١ و ٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر: ومن ينقلب.

٦ - كامل الزيارات ص ٨١.

٣١٣

اكتحلت ولا رجلت، حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد لعنة الله، وما زلنا في عبرة من بعده، وكان جديعليه‌السلام إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه، وان الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء من الملائكة - إلى أن ذكرعليه‌السلام ، غيظ جهنم على قاتليه وقال - وإنها لتبكيه وتندبه وإنها لتتلظى على قاتله، ولولا من على الأرض من حجج الله لنقضت الأرض وأكفأت ما عليها، وما تكثر إلا عند اقتراب الساعة، وما عين وأكفأت ما عليها وما تكثر الزلازل إلا عند اقتراب الساعة، وما عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدى حقنا، وما من عبد يحشر إلا وعيناه باكية إلا الباكين على جدي ( الحسينعليه‌السلام )(١) فإنه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور ( بين )(٢) على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسينعليه‌السلام تحت العرش وفي ظل العرش، لا يخافون سوء ( يوم )(٣) الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه، وإن الحور لترسل إليهم: إنا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين، فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسه(٤) عليه‌السلام من السرور والكرامة » الخبر.

[١٢٠٧٨] ٧ - وعن محمد بن عبد الله، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمان الأصم، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام أحدثه فدخل عليه ابنه، فقال له: « مرحبا » وضمه وقبله وقال: « حقر الله من حقركم، وانتقم الله ممن وتركم، وخذل الله من

__________________

(١ و ٢ و ٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) في المصدر: مجلسهم.

٧ - كامل الزيارات ص ٨٢ ح ٧.

٣١٤

خذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم وليا وحافظا وناصرا، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء » ثم بكى وقال: « يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسينعليه‌السلام ، أتاني ما لا أملكه بما أتى(١) إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمةعليها‌السلام لتبكيه وتشهق، فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك، مخافة أن يخرج منها عنق - إلى أن قال - فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون لبكائها، ويدعون الله ويتضرعون إليه - إلى أن قال - قلت: جعلت فداك إن هذا الامر عظيم، قال: غيره أعظم منه ما لم تسمعه، ثم قال: يا با بصير، أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمةعليها‌السلام ؟! فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق، وما قدرت على كلامي من البكاء » الخبر.

[١٢٠٧٩] ٨ - وعن حكيم بن داود وغيره، عن محمد بن موسى الهمداني، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة معا، عن علقمة بن محمد الحضرمي، ومحمد بن إسماعيل ( عن صالح )(١) بن عقبة عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال: « من زار الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء، ( إلى أن قال )(٢) ثم ليندب الحسينعليه‌السلام ويبكيه، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبة باظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضا في البيوت، وليعز بعضهم بعضا بمصاب الحسينعليه‌السلام ، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله عز وجل جميع هذا الثواب - اي ألفي ألف حجة

__________________

(١) في المخطوط: أوتي، وما أثبتناه من المصدر.

٨ - كامل الزيارات ص ١٧٤.

(١) أثبتناه من المصدر، ومعاجم الرجال راجع ( معجم رجال الحديث ج ٩ ص ٧٦ ).

(٢) في المصدر الحديث طويل وما أثبتناه لسياق العبارة.

٣١٥

وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة، إلى آخر تقدم في باب زيارته في يوم عاشوراء(٣) - فقلت: جعلت فداك وأنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك والزعيم به؟ قال: أنا الضامن لهم ذلك، والزعيم لمن فعل ذلك، قال قلت: فكيف يعزي بعضهم بعضا؟ قال: يقولون: عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسينعليه‌السلام ، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمدعليهم‌السلام ، فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل، فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير رشدا، ولا تدخرن لمنزلك شيئا فإنه من ادخر لمنزله شيئا في ذلك اليوم لم يبارك له فيما يدخره ولا يبارك له في أهله، فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة، وألف ألف عمرة، وألف ألف غزوة، كلها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان له ثواب مصيبة كلّ نبي ورسول وصديق وشهيد، مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى ( يوم القيامة )(٤) ».

[١٢٠٨٠] ٩ المزار القديم: عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفرعليه‌السلام - في حديث تقدم صدره - قال: قال: « يا علقمة واندبوا الحسينعليه‌السلام وابكوه وليأمر أحدكم من في داره بالبكاء عليه، وليقم عليه في داره المصيبة باظهار الجزع والبكاء، وتلاقوا يومئذ بالبكاء بعضكم إلى بعض في البيوت وحيث تلاقيتم، وليعز بعضكم بعضا بمصاب الحسينعليه‌السلام ، قلت: أصلحك الله كيف يعزي بعضنا بعضا؟ قال: تقولون: أحسن الله أجورنا بمصابنا بأبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، وجعلنا من الطالبين بثأره مع الإمام المهدي إلى الحق من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم أجمعين، وإن استطاع أحدكم أن لا

__________________

(٣) ما بين الفاصلتين من كلام المصنف ( قده ) توضيحا للعبارة وقد ورد في هامش المخطوط.

(٤) في المصدر: أن تقوم الساعة.

٩ - المزار القديم.

٣١٦

يمضي يومه في حاجة فافعلوا، فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، وإن قضيت لم يبارك فيها ولم يرشد، ولا يدخرن أحدكم لمنزله في ذلك اليوم شيئا، فإنه من فعل ذلك لم يبارك فيه، قال الباقرعليه‌السلام : أنا ضامن لمن فعل ذلك، له عند الله عز وجل ما تقدم به الذكر من عظيم الثواب، وحشره الله في جملة المستشهدين مع الحسين ( صلوات الله عليه ) » الخبر.

[١٢٠٨١] ١٠ - الشيخ الطوسي في المصباح: عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام في يوم عاشوراء، فألفيته كاسف اللون الحزن، ودموعه تنحدر عن عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: يا بن رسول الله، مم بكاؤك لا أبكى الله عينيك؟ فقال لي: « أو في غفلة؟ أما علمت أن الحسين بن عليعليهما‌السلام أصيب في مثل هذا اليوم؟ » الخبر.

ورواه ابن طاووس (ره) في الاقبال(١) : باسناده إلى عبد الله بن جعفر الحميري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن الحسن بن محمد الحضرمي، عن عبد الله بن سنان، مثله باختلاف في بعض الألفاظ.

[١٢٠٨٢] ١١ - الشيخ المفيد في أماليه: عن أبي بكر محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن أحمد بن عبد الحميد بن خالد، عن محمد بن عمرو بن عتبة، عن حسين الأشقر، عن محمد بن أبي عمارة الكوفي قال: سمعت جعفر بن محمدعليهما‌السلام يقول: « من دمعت عينه فينا دمعة، لدم سفك لنا، أو حق لنا نقصناه، أو عرض انتهك لنا أو لاحد من شيعتنا،

__________________

١٠ - مصباح المجتهد ص ٧٢٤.

(١) الاقبال ص ٥٦٨.

١١ - أمالي المفيد ص ١٧٤.

٣١٧

بوأه الله تعالى في الجنة حقبا(١) ».

[١٢٠٨٣] ١٢ - جامع الأخبار: عن أنس بن مالك، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « يقوم فقراء أمتي يوم القيامة وثيابهم خضر، وشعورهم منسوجة بالدر والياقوت، وبأيديهم قضبان من نور يخطبون على المنابر، فيمر عليهم الأنبياء فيقولون: هؤلاء من الملائكة، وتقول الملائكة: هؤلاء الأنبياء، فيقولون: نحن لا ملائكة ولا أنبياء، بل نفر من فقراء أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقولون: بما نلتم هذه الكرامة؟ فيقولون: لم تكن أعمالنا شديدة، ولم نصم الدهر، ولن نقم الليل، ولكن أقمنا على الصلوات الخمس، وإذا سمعنا ذكر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاضت دموعنا على خدودنا ».

[١٢٠٨٤] ١٣ - مجموعة الشهيد: نقلا من كتاب الأنوار لأبي علي محمد بن همام، حدثنا أحمد بن أبي هراسة الباهلي قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الأحمري قال: حدثنا حماد بن إسحاق الأنصاري، عن ابن سنان، عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، قال: « نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا، ثم قالعليه‌السلام بأبي قتيل كلّ عبرة، قيل: وما قتيل كلّ عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلا بكى ».

[١٢٠٨٥] ١٤ - الشيخ فخر الدين الطريحي في مجمع البحرين: وفي حديث

__________________

(١) الحقبة من الدهر: مدة لا وقت لها. وقيل: السنة، والجمع حقب.

وقيل ثمانون سنة وقيل أكثر ( لسان العرب ج ١ ص ٣٢٦ ).

١٢ - جامع الأخبار ص ١٢٩.

١٣ - مجموعة الشهيد: مخطوط.

١٤ - مجمع البحرين ج ٣ ص ٤٠٥.

٣١٨

مناجاة موسىعليه‌السلام وقد قال: « يا رب لم فضلت أمه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على سائر الأمم؟ فقال الله تعالى: فضلتهم لعشر خصال، قال موسى: وما تلك الخصال التي يعملونها حتى آمر بني إسرائيل يعملونها؟ قال الله تعالى: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والجمعة، والجماعة، والقرآن، والعلم، والعاشوراء، قال موسىعليه‌السلام : يا رب وما العاشوراء؟ قال: البكاء والتباكي على سبط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى، يا موسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان، بكى أو تباكى وتعزى على ولد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : إلا وكانت له الجنة ثابتا فيها، وما من عبد أنفق من ماله في الدرهم بسبعين درهما، وكان معافا في الجنة، وغفرت له ذنوبه، وعزتي وجلالي، ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره، قطرة واحدة إلا وكتب له أجر مائة شهيد ».

٥٠ -( باب حد حرم الحسينعليه‌السلام الذي يستحب التبرك بتربته)

[١٢٠٨٦] ١ - جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة، عن القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: قبر الحسين بن عليعليهم‌السلام عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسر، روضة من رياض الجنة، منه معراج ( إلى )(١) السماء، فليس من ملك

__________________

(١) في المصدر زيادة: أو دينارا.

الباب ٥٠

١ - كامل الزيارات ص ١١٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

٣١٩

مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله أن يزوره، ففوج يهبط وفوج يصعد ».

[١٢٠٨٧] ٢ - وعن أبيه وجماعة مشايخه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن محمد بن إسماعيل البصري، عمن رواه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « حرمة قبر الحسينعليه‌السلام فرسخ في فرسخ من أربعة جوانب القبر ».

[١٢٠٨٨] ٣ - وعن حكيم بن داود عن سلمة، عن منصور بن العباس يرفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « حريم قبر الحسينعليه‌السلام خمس فراسخ من أربعة جوانب القبر ».

[١٢٠٨٩] ٤ - وعن أبيه وجماعة مشايخه، عن سعد، عن هارون بن مسلم، عن عبد الرحمان بن الأشعث، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: « قبر الحسينعليه‌السلام عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسرا، روضة من رياض الجنة » وذكر الحديث.

وعن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن إسحاق بن عمار، عنهعليه‌السلام ، مثله.

[١٢٠٩٠] ٥ - وعن محمد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمان البصري، عن رجل من أهل الكوفة قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « حريم قبر الحسينعليه‌السلام فرسخ في فرسخ في

__________________

٢ - كامل الزيارات ص ٢٧١.

٣ - كامل الزيارات ص ٢٧٢.

٤ - كامل الزيارات ص ٢٧٢.

٥ - كامل الزيارات ص ٢٨٢.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403