إستقصاء الإعتبار الجزء ١

إستقصاء الإعتبار11%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-173-7
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50008 / تحميل: 5372
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٣-٧
العربية

١
٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله الذي هدانا إلى مناهج الشريعة الغرّاء ، وجعلها ذريعة إلى نيل سعادَتَي الدنيا والأُخرى ، والصلاة والسلام على محمد أكمل الأنبياء قدراً ، وعلى آله الذين سَمَوا على العالم فضلاً وفخراً ، صلاة تكون لنا يوم القيامة شرفاً وذخراً.

[ وبعد ](١) .

فإنّ أولى ما رَتَعَتْ في رياض حدائقه الأفكار ، وأحقّ ما صرفت في اكتسابه آناء الليل والنهار ، هو العلم بالأحكام الشرعية بعد الإحاطة بما لا بدّ منه من الأُصول الدينية.

ولا ريب أنّ أساس قواعد الأحكام حديث أهل بيت النبوة عليهم أفضل السلام ، وقد ألّف جماعة من متقدّمي الأصحاب شكر الله سعيهم‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

٥

في ذلك جملة من الكتب والأُصول ، باذلين وسعهم في إثبات كل مسموع ومنقول ، غير أنّ أهل البغي لمّا قصدوا إطفاء نور الصواب ذهب كثير من الكتب المؤلّفة فيما مضى من الأحقاب ، وإن كان الله سبحانه متمّ نوره ولو كره المشركون ، فلا جرم بقي من ذلك مناهج يسلكها السالكون.

ولمّا كان كتاب الإستبصار في الجمع بين مختلف الأخبار من أجلّ كتب الحديث شأناً ، وأرفعها قدراً ومكاناً ، وأتمّها دليلاً وبرهاناً ، وكيف لا؟! وهو من مؤلّفات شيخ الطائفة ، وعماد الإيمان ، المستغني بوضوح كماله عن البيان ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدّس الله روحه ونوّر ضريحه.

ثم إنّ الكتاب لا تخلو عباراته غالباً من الإجمال على وجه لا يتضح منها للطالب حقيقة الحال.

فأحببت أنّ اكتب عليه شرحاً يوضح منه المرام ، ويكشف عن وجه حقائقه نقاب الإبهام ، ذاكراً فيه ما استفدته من مشايخي الأجلاّء المعاصرين ، وإن كنت أَعُدُّ نفسي بالنسبة إلى هذا المقصد من جملة القاصرين ، غير أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور كما هو بين الناس معدود من المشهور ، وأنا أتوسل إلى الله سبحانه أنّ يجعل أوقاتي مصروفة في موجبات ثوابه ، وأعمالي سالمة من التلبّس بأسباب عقابه ، وأنّ يوفّقني بمنّه لإتمام هذا الشرح على ما هو مقصودي ، ويجود عليّ بالجنة جزاء بذل مجهودي.

وقد رأيت أنّ أنظم ما أكتبه في سلك يقرّب المعاني إلى الأفهام ، ويبعّد الغموض الذي قد يسبق منه الشك إلى بعض الأوهام ، فابتدأت أوّلاً بالكلام في سند الأخبار ، ثم أتبعته بالقول في المتن موضحاً ما فيه من‌

٦

الأسرار ، ثم ذكرت ما وقفت عليه من معاني الألفاظ اللغوية اعتماداً على أنّ للكتب المشهورة نوع مزية ، وكلّ ما لم اشِر فيه إلى أحد من العلماء الأعلام فهو ممّا سنح به فكري الفاتر في كلّ مقام ، فإن يكن صواباً فهو من توفيق ذي الجلال ، وإن يكن خطأً فالعذر تراكم الأهوال ، وعلى الله سبحانه في جميع الأُمور الاتّكال.

ولنقدّم قبل الشروع كلاماً في فوائد الخطبة ، سوى ما ذكرناه في حواشي تهذيب الأحكام ، فإنّ في ذلك كفاية لمن طلب تحقيق المرام.

وجملة ما يحتاج إلى القول‌ اثنتا عشرة فائدة :

الأُولى : قال الشيخ قدّس الله سرّه : إنّ الأخبار على ضربين : متواتر وغير متواتر ، فالمتواتر منها ما أوجب العلم.

وقد اختلف العلماء على ما يظهر من كلام جدّيقدس‌سره في الدراية(١) في أنّ الخبر والحديث مترادفان أم لا ، ( وهذه عبارته على ما نقل عنه : )(٢) يخص الحديث بما جاء عن المعصوم كالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمامعليه‌السلام عندنا ، ويخص الخبر بما جاء عن غيره ، ومن ثَمّ قيل لمن يشتغل بالتواريخ وما شاكلها : الأخباري ، ومن يشتغل بالسنّة النبوية : المحدّث ؛ أو يجعل الحديث أعمّ من الخبر مطلقاً ، فيقال لكلّ خبر حديث من غير عكس ، وبكلّ واحد من هذه الترديدات قائل(٣) . انتهى.

وربّما يظهر من بعض أنّ الفارق بينهما غير موجود(٤) . وفيه ما فيه.

__________________

(١) في « فض » زيادة : على ما نقل عنه.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » : وهذا حاصل عبارته.

(٣) الدراية : ٦ ، بتفاوت.

(٤) انظر المعتمد في أُصول الفقه ٢ : ١٧٠.

٧

نعم لا يبعد ظهور الترادف.

أمّا ما قاله جدّيقدس‌سره ؛ من أنه يقال لمن يشتغل بالتواريخ ، إلى آخره ؛ فلا يخفى ما يتوجه عليه ، والأمر سهل.

وللعلماء اختلاف في تحديد الخبر وعدمه ، فقيل : ( لا يحدّ لعسره )(١) كما في العلم.

وقيل : لأنّه ضروري(٢) .

وكونه ضرورياً لوجهين :

أحدهما : أنّ كل أحد يعرف أنّه موجود ، وهذا خبر خاص ، وإذا كان الخاص ضرورياً كان العام ضرورياً ؛ لأنّه جزؤه.

وردّ بأنّه مبنيّ على أنّ تصور هذا الخبر بكنهه ضروري ، وكون العام أي مطلق الخبر ذاتياً له لا عرضيا ؛ فالإثبات غير ظاهر.

وفي كلام بعض المحققين الجواب بما حاصله : أنّه لا يلزم من حصول أمر تصوره ؛ إذ لا يلزم من الحصول التصور ، وقد يتقدم التصور على الحصول فيتصور وهو غير حاصل ، وإذا تغايرا فالمعلوم ضرورة هو نسبة الوجود إليه إثباتاً ، وهو غير تصور النسبة التي هي ماهيّة الخبر.

قيل : ومراد المجيب بالنسبة التي هي ماهية الخبر النسبة مع المنتسبين ؛ لأنّ النسبة والإضافة قد تطلقان على مجرد النسبة وقد تطلقان عليها مع معروضها ، ويسمى مضافاً غير حقيقي.

وقيل : إنّ حاصل ما ذكره أنّ الضروري هو العلم بحصول النسبة ،

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « فض » : لا يجد تفسيره.

(٢) كما في مبادئ الوصول للعلامة الحلي : ٢٠٠ ، وانظر الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ١ : ٢٤٨.

٨

لا بتصورها.

واعترض على الجواب : بأنّ الكلام في الحصول ذهناً ، ومغايرة مفهوم الحصول والتصوّر فيه غير ظاهر.

فإن أراد بقوله : لا يلزم من حصول أمرٍ تصوره أنّ الحصول تصوّر الأمر ، فيصير المعنى : لا يلزم من تصوّر أمر تصوّره ، وهو فاسد.

وإن أراد إذعان الأمر أي إذعان النسبة ، ويصير المعنى : لا يلزم من إذعان النسبة تصوّرها ، فهو خلاف الواقع ؛ لأنّ كل مُذْعَنٍ متصوّر.

فقوله : المعلوم ضرورةً نسبة الوجود ، أي المتصوَّر ضرورةً والمذعَن ضرورةً نسبة الوجود.

فيه : أنّ المستدلّ لا يريد غيره ؛ لأنّ حاصل دليله أنّ تصوّر هذه النسبة الخاصة أو إذعانها ضروري ، فيكون تصوّر النسبة المطلقة أو إذعانها أيضاً ضرورياً ؛ لأنّ المطلق جزء المقيّد ، فقوله : وهو غير تصوّر النسبة مسلم عند المستدلّ ؛ إذ الجزء غير الكل ، فالمغايرة لا يضرّ إثباتها.

وما قاله القائل في بيان الحاصل قد يقال عليه : إنّ تصوّر حصول النسبة يستلزم تصور النسبة ؛ إذ تصوّر المضاف يستلزم تصوّر المضاف إليه ، فإن أراد بالعلم تصوّر حصول النسبة فهو يفيد المدّعى ، وإن أراد الإذعان أي إذعان حصول النسبة فهو أيضاً يستلزم تصور النسبة.

وثانيهما : أنّ كل أحد يعلم أنّ الخبر يحسن في موضع ولا يحسن في آخر ، حتى أنّه يوقعه تارة ولا يوقعه اخرى ، وذلك يستلزم العلم بحقيقة الخبر ضرورة.

وأُجيب عنه : بأنّه يكفي في الحكم المذكور تصوّر الخبر بوجه ، ولا يستلزم ذلك بداهته بالكُنه ، حتى يستلزم بداهة الخبر المطلق بالكُنه.

٩

ثم النافون للضرورة في الخبر ، واحتياجه(١) إلى التعريف اختلفوا :

فقيل : إنه الكلام المحتمل للصدق والكذب(٢) .

وأراد باحتمالهما بالنظر إلى نفس مفهوم الخبر ، وفي هذا التعريف شبهات.

وعرّفه المحقق في كتاب الأُصول : بأنّه كلام يفيد بنفسه نسبة أمرٍ إلى أمرٍ نفياً أو إثباتاً(٣) .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر [ إمّا(٤) ] أن يكون متواتراً ، وهو خبر جماعة يفيد العلم بنفسه كما عرّفه بعض ـ(٥) وقيد « بنفسه » لإخراج خبر جماعة علم صدقهم بالقرائن الزائدة عما لا ينفكّ الخبر عنه عادة.

وأُورد على التعريف لزوم الدور.

وفي شرح الدراية : أنّه ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم على الكذب ، واستمرّ ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث تتعدد ، بأن يرويه قوم عن قوم وهكذا إلى الأوّل ، فيكون أوّله في هذا الوصف كآخره ، ووسطه كطرفيه(٦) .

والظاهر أنّه ليس بتعريف كما هو واضح.

وإفادة التواتر العلم لم ينكره غير السمنية والبراهمة(٧) ، وشُبهُهم‌

__________________

(١) أي القائلون باحتياجه.

(٢) الذريعة إلى أُصول الشريعة ٢ : ٢.

(٣) معارج الأُصول : ١٣٧.

(٤) ما بين المعقوفين في النسخ : إنّما ، غيّرناه لاستقامة المعنى.

(٥) انظر معالم الأُصول : ١٨٣. زبدة الأُصول : ٥٥.

(٦) الدراية : ١٢.

(٧) السمنية : فرقة تعبد الأصنام وتقول بالتناسخ وتنكر حصول العلم بالأخبار ، قيل

١٠

مردودة في محالّها.

وخبر الآحاد ما سواه كما سيأتي بيانه.

وقد أورد بعض الأفاضل على قول المصنِّف فالمتواتر منها ما أوجب العلم أنّه يُنقض بخبر المعصوم ، والخبر المحتفّ بالقرائن ، قال : ولعلّ مراده من المتواتر ما أوجب العلم مطلقاً ، متواتراً بالمعنى المصطلح عليه وغيره(١) .

واعترض شيخناقدس‌سره : بأنّه لا يخفى أنّ ما أوجب العلم من الأخبار أعم من المتواتر ؛ فإنّ خبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد العلم أيضاً ، إلاّ أنّ وقوع هذا القسم في أخبارنا نادر(٢) .

أقول : ويمكن دفع جميع ذلك عن الشيخ :

أمّا الأوّل : فلأنّ الظاهر من قوله : ما أوجب العلم ، من حيث كونه خبراً ، وقول المعصوم إنّما أفاد من حيث العصمة.

فإن قلت : المتواتر [ أيضاً ](٣) أفاد العلم من حيث التواتر ، فالإشكال باق.

قلت : المتواتر قد صار القيد والمقيّد فيه بمنزلة الشي‌ء الواحد ، نظراً [ إلى(٤) ] أنّه في مقابلة قسيمه وهو خبر الواحد ، فليتأمّل.

وأمّا الثاني : وهو اعتراض شيخناقدس‌سره فالجواب عنه كالأوّل.

ويزيد فيه : أنّ إفادة العلم محتملة لأن تكون من القرائن ، أو من‌

__________________

نسبة إلى سومنات بلدة من الهند على غير قياس المصباح المنير : ٢٩٠ ( سمن ) ، والبراهمة : قوم لا يجوّزون على الله بعثة الرسل مجمع البحرين ٦ : ١٧ ( برهم ).

(١) لم نعثر عليه.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

١١

الخبر بواسطة القرائن على وجه الخروج عنه ، أو منهما على سبيل الجزئية ، وفيما عدا الأوّل لا يصدق إفادة الخبر العلم ، بل وفي الجميع أيضاً بنوع من النظر ، وهذا بخلاف المتواتر ، لما أسلفناه ، والأمر في هذا سهل.

أمّا ما قاله الشيخرحمه‌الله من أنّ ما يجري هذا المجرى لا يقع فيه التعارض ولا التضاد في أخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام .

فأقول : إن فيه نظراً ؛ لأنّ تواتر الحديث عن الأئمّةعليهم‌السلام لا يمنع وقوع التعارض بعد تجويز التقية عندنا ، كما في غيره من الأخبار التي يجمع الشيخ بينها.

نعم في أخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقع التضاد ، كما هو واضح.

الثانية : قال الشيخ رحمه‌الله : وما ليس بمتواتر على ضربين ، فضرب منه يوجب العلم [ أيضاً ] (١) وهو كل خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم ، وما يجري هذا المجرى يجب أيضاً العمل به ، وهو لاحق بالقسم الأوّل.

وقد تقدّم منّا الكلام في احتمال إفادة العلم من الخبر أو القرينة أو هما ، وكلام الشيخ يعطي بظاهره أنّ القرينة توجب العلم ؛ وفيه ما فيه.

أما ما قالهرحمه‌الله من أنّ ما يجري هذا المجرى يجب العمل به ، إلى آخره.

فقد يتوجه عليه : أنّ إطلاق وجوب العمل مع عدم الفحص عن المعارض ، وبتقدير وجوده وكونه متساوياً له مشكل ، بل لا بدّ من وجه الجمع ، وإطلاق إلحاقه بالقسم الأوّل كذلك ، وقد ذكر المحققون(٢) : أن‌

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ٣.

(٢) انظر العدة ١ : ١٢٦ ، المعارج : ١٤١ ، تمهيد القواعد : ٢٤٨ ، المعالم : ١٨٦.

١٢

الخبر المحفوف بالقرائن يفيد العلم ، لكن لا مطلقا ، بل بالقرائن التامة التي لا يحتمل الغلط والخلاف فيها عادة.

وما اعترض على ذلك من أنّ العلم إنّما حصل من القرائن كالعلم بخجَلِ الخجِل ووجَلِ الوجِل وأمثال ذلك(١) .

قيل : يدفعه أنّ [ العلم(٢) ] حصل من نفس الخبر بالوجدان لكن بضمّ هذه القرائن(٣) . وفيه نوع تأمّل ؛ لأنَّ باب الاحتمال واسع ، ودعوى الوجدان غير مسلّمة ، إلاّ أنّ ثمرة هذا هيّنة.

الثالثة : قال الشيخ رحمه‌الله : والقرائن أشياء كثيرة ، منها : أنّ يكون مطابقاً لأدلّة العقل ومقتضاه.

ولا يخفى أنّ مطابقة الخبر لأدلّة العقل فيها نوع إجمال ؛ لأنّ دليل العقل على ما ذكره الشهيد في الذكرى أقسام :

منها : ما لا يتوقف على الخطاب ، كردّ الوديعة وقضاء الدين ، ومنها البراءة الأصلية ، ومنها الأخذ بالأقل عند فقد الدليل على الأكثر ، ومنها أصالة بقاء ما كان وهو الاستصحاب.

ومنها : ما يتوقف العقل فيه على الخطاب ، كمقدمة الواجب المطلق ، واستلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده ، وفحوى الخطاب وهو مفهوم الموافقة ، ولحن الخطاب وهو ما استفيد من المعنى ضرورة ، مثل قوله تعالى( اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ) (٤) أي فضرب فانفلق ، ودليل‌

__________________

(١) الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ١ : ٢٧٨.

(٢) في « فض ورض » : الحكم ، والظاهر ما أثبتناه.

(٣) انظر المعتمد في أصول الفقه ٢ : ٩٤.

(٤) سورة الشعراء : ٦٣.

١٣

الخطاب وهو المسمّى بالمفهوم(١) .

وإذا عرفت هذا ، فالمصنف إن أراد جميع ما ذكر لا يتم ؛ لذكر بعضها فيما بعد ولا يبعد أنّ يكون مراده بالأدلة غير ما يذكره من المفهوم ، أو يريد أدلّة العقل الغير المتوقفة على الخطاب.

ولا يظنّ أنّ المتوقف على الخطاب كيف يؤيّد الخبر ؛ لوضوح دفعه.

نعم ربما يستبعد بعض ما ذكره الشهيدرحمه‌الله كما يعرف بأدنى ملاحظة.

وما أورده شيخناقدس‌سره من أنّ اقتران هذه القرائن أو بعضها لا يوجب العلم ولا ممّا يجب العمل به ؛ إذ من الجائز كونه غير مطابق للواقع وإن اقترن بها ، نعم لمّا كان كل من هذه القرائن دليلاً شرعياً وجب العمل به ، سواء انضاف إليه ذلك الخبر أم لا.

أقول : فيه نظر ، أمّا أوّلاً : فلأنّ بعضَ المذكورات الخبرُ المطابق للسنّة المقطوع بها والإجماع ، ولا ينكر حينئذ إفادة الخبر [ العلم(٢) ] مع الانضمام إليهما ووجوب العمل به.

واحتمال أنّ يقال : إنّ وجوب العمل ليس بالخبر ، بل بالسنّة المقطوع بها والإجماع ، والانضمام ليس بمفيد حكماً.

له وجه ، إلاّ أنّ العبارة لا تدل عليه.

وأمّا ثانياً : فلأن احتمال عدم مطابقة الخبر للواقع مع موافقته للسنّة المقطوع بها أو الإجماع الحقيقي ، لا وجه له ؛ فإنّه يقتضي عدم القطع في السنّة والإجماع ، وهذا لا ينكر.

__________________

(١) الذكرى ١ : ٥٢.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

١٤

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الظاهر أنّ مراد الشيخ بهذا العلم هو الظنّ الراجح ؛ لأنّ العلم الحقيقي المطابق لما في نفس الأمر مشكل الحصول ، من حيث إنّ المطابقة في المحسوس تظهر في الحس ، أمّا في المعقولات فليست المطابقة إلاّ باعتقاد المطابقة ، واعتقاد المطابقة لا بد وأنّ يكون مطابقاً وهكذا ، فيلزم التسلسل أو الدور ، غاية الأمر أنّه يمكن تكلّف الجواب ، إلاّ أنّ [ عدم(١) ] الدخول في باب المضائقة(٢) مع إمكان الخروج بإرادة العلم الذي ذكرناه أولى.

وما يقال : إنّ العلم الشرعي يحصل من الخبر بدون القرائن ، فأيّ حاجة إليها؟.

جوابه : أنّ كلامنا في مرتبة أعلى من هذا ، وهو الظنّ الراجح ، وإن ذهب بعض من الأُصوليين إلى أنّ خبر الواحد مطلقاً يفيد العلم(٣) ؛ إلاّ أنّه إن أراد العلم الشرعي فلا نزاع معه ؛ وغيره محل الكلام ، بل لا وجه له.

وبالجملة : فالاحتمال في كلام الشيخ ممكن لولا قوله في أوّل الكلام : وهذا لاحق بالقسم الأوّل يعني المتواتر فإنّ الظاهر منه أنّه على نهجه.

وفيه : أنّه يجوز إرادة الإلحاق في وجوب العمل ، وأنت خبير بإمكان ردّ هذا من حيث إنه قائل فيما بعد : إنّ الخبر العاري عن القرائن والمعارض يجب العمل به ، فيتحد مع هذا.

وقد يقال بالفرق بين الخبرين ، من حيث إنّ الخبر المحفوف بالقرائن‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) في « رض » : المطابقة.

(٣) حكاه الشيخ في العدة عن قوم من أهل الظاهر ، ١ : ٩٧ ، والمحقق الحلي في معارج الأُصول : ١٤٠.

١٥

يعمل به من غير شرط ، بخلاف غيره ؛ لما سيأتي من الشروط ، فينبغي تأمّل هذا كلّه.

وأمّا رابعاً : فقولهقدس‌سره : نعم لمّا كان كل من هذه القرائن دليلاً شرعياً ، إلى آخره.

يريد به وجوب العمل بالقرائن ؛ لكونها أدلّة في نفسها كما تقتضيه العبارة ، وغير خفيّ أنّ هذا لا يأبى أنّ يكون الخبر معها دليلاً أيضاً باعتبار أنّها أفادته العلم ، إمّا بمعناه المتعارف ، أو الظنّ الراجح.

والوجه في جواز كونه دليلاً أنّ القرائن المذكورة وإن كانت أدلّة أيضاً يستغنى بها ، إلاّ أنّ المستدل لو أخذ الخبر دليلاً لا يكون فاعلاً لغير الجائز ، والمغايرة بالاعتبار كافية.

ولعل الجواب عن هذا غير خفي.

الرابعة : قال الشيخ : ومنها أن يكون مطابقاً لظاهر القرآن ، إمّا لظاهره ، أو عمومه ، أو دليل خطابه ، أو فحواه.

وهذا الكلام منهقدس‌سره يحتاج إلى مزيد بيان يندفع به عنه عدة إشكالات.

فاعلم أنّ المذكور في كلام جماعة من الأُصوليين أنّ القرآن ظنّي الدلالة وإن كان قطعي الأصل ، بخلاف الخبر(١) .

وهذا وإن كان في نظري القاصر لا يخلو من تأمّل ؛ من حيث إنّ الخبر لا يخلو من موجبات عدم القطع إلاّ نادراً ، ونقل الوالدقدس‌سره عن بعض الأُصوليين بأنّ ظاهر القرآن قطعي نظراً إلى مقدمة خارجية وهي امتناع أن يخاطب الله بشي‌ء ويريد خلاف ظاهره ـ(٢) وفي هذا كلام حرّرته‌

__________________

(١) منهم الحسن بن الشهيد الثاني في معالم الأُصول : ١٩٢.

(٢) معالم الأُصول : ١٩٣ ، وهو في فواتح الرحموت ( المستصفى ١ ) : ٣٤٩.

١٦

في محل آخر من الأُصول ، ولا يبعد أن يكون الشيخرحمه‌الله ناظراً إلى هذا القول ، أمّا على تقدير ظنّية الدلالة فإفادته حصول العلم بالخبر بعيدة.

إلاّ أنّه يقال نحو ذلك في أدلّة العقل ، فإنّ بعضها لا يفيد القطع ، والجواب الجواب.

ولعل الأولى أن يراد من العلم الظنّ الراجح ، ولا ريب أن انضمام الظنّ الحاصل من القرآن إلى الظنّ الحاصل من الخبر يفيد الرجحان ، وهذا أحد الإشكالات ، وقد علمت الجواب عنه.

ومنها : أنّه جعل عموم القرآن قسيماً لظاهره.

وغير خفيّ بُعده عن المعروف.

وقد يقال : إنّ مراد الشيخ بالظاهر غير المحتمل ، والعموم لمّا كان قابلاً للتخصيص فإنّ ظنّ عدم خصوصه يبعد عن الظهور على وجه يصير قسيماً له.

وهذا لا يخلو من تكلّف ، إلاّ أنّ باب التوجيه واسع.

ومنها : أنّه جعل دليل الخطاب والفحوى قسمين.

والحال ( فيهما )(١) غير خفي.

ثم إنّ دلالة الفحوى ودليل الخطاب لا مجال لدعوى القطع فيها إلاّ بسلوك مناهج من التكلّف ، والظنّ الحاصل منها لا ريب أنّ القوة الحاصلة به للخبر ليست كقوة الظاهر ، وكأنّ الشيخرحمه‌الله لا يعتبر في رجحان الظنّ على تقدير إرادته أقوى مراتبه ، بل الأعم ، ويندفع به حينئذ بعض الإشكال مع نوع تأمّل في المقام.

الخامسة : قال الشيخ : ومنها أن يكون مطابقاً للسنّة المقطوع بها‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض » ، وفي « فض » : عنهما.

١٧

إمّا صريحاً أو دليلاً أو فحوًى أو عموماً.

وهذا الكلام منه ؛ من جهة ذكر الصريح قسيم الدليل ، والفحوى قسيم العموم ؛ لا نعلم وجهه(١) .

أمّا من جهة ذكر السنّة المقطوع بها ثم ذكر الفحوى والعموم ، فقد يتوجه عليه في نظري القاصر : أنّ السنّة المقطوع بها إنما يتحقق القطع في لفظها أو معنى اللفظ ، أمّا الفحوى فدخولها في القطع محل خفاء ، بل ربما يظنّ أنه عَسِر التحقق ، وأمّا العموم فتحقق لفظه بالقطع ممكن ، أمّا تحقق معناه بالقطع فله نوع وجه ، وإن كان نادراً ، من حيث وإن التنصيص على العموم وإنّه غير مخصوص ليكون عمومه(٢) قطعيّاً لم نره الآن ، وإن كان لا يضر بالحال.

وبهذا قد يتوجه على الشيخ إشكال ، ويتضح جوابه بما أسلفناه من جهة إرادة الظنّ الراجح ، فتأمّل.

السادسة : قال الشيخ : ومنها : أن يكون مطابقا لما أجمعت عليه الفرقة المحقّة ، فإنّ جميع هذه القرائن تُخرج الخبر من حيّز الإجمال (٣) ، وتدخله في باب المعلوم وتوجب العمل به.

وكأنّ مراده بوجوب العمل ثبوت العمل ، فإنّ الوجوب غير ظاهر ، وإن أوهم بعض أدلّة أهل الأُصول وجوب العمل ؛ إلاّ أنّا قد تكلّمنا في ذلك في محله ، وأظنّ الأمر لا يحتاج إلى زيادة البيان.

ثم(٤) ينبغي أن يعلم أن المحقق في المعتبر ذكر من جملة القرائن غير‌

__________________

(١) في « رض » : إلاّ لما سبق نقله من تقسيم الشهيد في الذكرى ، راجع ص ١٣.

(٢) في « رض » : العموم.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤ : الآحاد.

(٤) في « فض » و « رض » : نعم.

١٨

ما ذكره المصنف من إجماع الفرقة المحقّة على ما يفهم من ظاهر كلامه فإنّه قال في أوّل الكتاب :

أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا إلى كل خبر ، وما فطنوا لما تحته من التناقض ، فإنّ من جملة الأخبار قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ستكثر بعدي القالة عليّ »(١) ، وقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ لكل رجل منّا رجلاً يكذب عليه »(٢) .

واقتصر بعض عن هذا الإفراط ، فقال : كل سليم السند يعمل به ، وما علم أنّ الكاذب قد يصدق(٣) ، والفاسق قد يصدق ، ولم يتنبّه أنّ ذلك طعنٌ في علماء الشيعة وقدحٌ في المذهب ؛ إذ لا مصنف إلاّ وهو [ قد(٤) ] يعمل بخبر المجروح كما يعمل ( بخبر العدل )(٥) .

وأفرط آخرون في ردّ الخبر حتى أحال استعماله عقلاً ونقلاً.

واقتصر آخرون فلم يروا العقل مانعاً ، لكن الشرع لم يأذن في العمل به.

وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن ، والتوسط أقرب(٦) ، فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحته عمل به ، وما أعرض عنه الأصحاب أو شذّ يجب اطراحه(٧) . انتهى المراد من كلامه.

__________________

(١) لم نعثر على نصّه ، ولكن مضمونه موجود في : الكافي ١ : ٦٢ / ١ ، الاحتجاج ٢ : ٤٤٧ ، بحار الأنوار ٢ : ٢٢٥ / ٢.

(٢) لم نعثر على نصّه ، ولكن مضمونه موجود في : رجال الكشي ٢ : ٥٩٣ / ٥٤٩ ، بحار الأنوار ٢٥ : ٢٨٧ / ٤٢.

(٣) في المعتبر : يلصق.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) في المعتبر : بخبر الواحد المعدل.

(٦) في المعتبر : أصوب.

(٧) المعتبر ١ : ٢٩.

١٩

وأقول : إنّ الوجه المطلوب منه هو أنّ قبول الأصحاب يقتضي العمل بخبر الواحد ، لكن لما جعله قسيماً للقرائن علم أنّه ليس من جملتها.

فإن أُريد الأصحاب جميعهم كان إجماعاً ، والشيخ هنا عدّ الإجماع من جملة القرائن ، والأمر سهل.

وإن كان مراد المحقق الشهرة بين الأصحاب لا الإجماع كما هو الظاهر لا من حيث إنّ الإجماع إذا تحقق لا حاجة إلى الخبر ، لإمكان التسديد بما تقدم القول فيه ، بل لأنّ قبول الأصحاب جميعهم للخبر يخرج عن محل النزاع ، فإنّ محل النزاع خبر الواحد المختلف فيه بين العلماء.

فإنّ قلت : إذا وافق الخبر الإجماع ليس هو من قسم الخبر المجمع عليه ، فكيف يذكر أوّلاً ما يدل على ذلك؟!

قلت : لما ذكرت وجه ، إلاّ أنّ الحكم في العمل لا يختلف ، وإنّ تغاير في الاعتبار.

ثم إنّ كلام المحقق(١) إذا حمل على موافقة بعض العلماء ؛ على أن يكونوا أكثر ، ليفيد الظنّ الراجح بصحة الخبر ؛ أمكن ، لكن ينبغي أنّ يقيّد بمن قبل الشيخ ، فإنّ مَنْ بعد الشيخ لا تثمر شهرتهم(٢) نفعا ، كما يعلمه من وقف على كلام جديقدس‌سره في شرح البداية(٣) .

وما قاله من القرائن وإنّ أجمله في المقام ، إلاّ أنه في رسالة الأُصول ذكر أنّ القرائن أربع ، أحدها : الموافقة لدليل العقل ، وثانيها : الموافقة لنص الكتاب خصوصه أو عمومه أو فحواه ، وثالثها : الموافقة للسنّة المقطوع بها‌

__________________

(١) المتقدم في ص ١٩.

(٢) في « فض » زيادة : بهم.

(٣) الدراية : ٢٧.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولأنّها فُتحت عنوةً ؛ لقولهعليه‌السلام : « إنّ الله حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين ، وأنّها لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ، وإنّما اُحلّت لي ساعة من نهار »(١) .

وفي قولٍ لنا : الجواز - وبه قال طاوُس وعمرو بن دينار والشافعي وابن المنذر ، وعن أحمد روايتان(٢) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا قيل له : أين تنزل غداً؟ قال : « وهل ترك لنا عقيل من رِباع(٣) ؟»(٤) يعني أنّ عقيلاً باع رِباع أبي طالب ؛ لأنّه ورثه دون إخوته ، ولو كانت غير مملوكة لما أثّر بيع عقيل شيئا. وباع جماعةٌ من الصحابة منازلَهم ولم يُنكَر عليهم. ونزل سفيان بعض رِباع مكة فهرب ولم يُعطهم اُجرةً ، فأدركوه فأخذوها منه(٥) .

فروع :

أ - الخلاف في غير مواضع النسك ، أمّا بقاع المناسك - كبقاع السعي‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٩ ، و ٩ : ٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٨ و ٩٨٩ / ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن البيهقي ٨ : ٥٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٧٢ / ٧٢٠١ بتفاوت ، ونصّه في المغني ٤ : ٣٣٠ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٣.

(٢) المغني ٤ : ٣٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٢ - ٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٤٨ ، الوسيط ٧ : ٤٢ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥ - ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ٦٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٨٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٦ ، التفسير الكبير ٢٣ : ٢٤ ، الجامع لأحكام القرآن ١٢ : ٣٣.

(٣) الرَّبْعُ : الدار بعينها حيث كانت. وجمعها : رِباع ورُبوع وأرباع وأربُع. الصحاح ٣ : ١٢١١ « ربع ».

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٨١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٤ ، ١٣٥١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩١٢ / ٢٧٣٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٦٠٢.

(٥) المغني ٤ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣.

٤١

والرمي وغيرهما - فحكمها حكم المساجد.

ب - الوجه : أنّه يجوز إجارة بيوت مكة.

وقال الشيخ : لا يجوز لأحدٍ منع الحاجّ عن دُوْرها ؛ لقوله تعالى :( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (١) (٢) .

وفيه نظر.

ج - إذا بنى بمكة بآلة مجتلبة من غير أرض مكة ، جاز بيعها ، كما يجوز بيع أبنية الوقوف إجماعاً. وإن كانت من تراب الحرم وحجارته ، فعلى الخلاف.

مسألة ٢١ : ولا يجوز بيع الحُرّ بالإجماع ؛ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى ثمّ غدر ، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره»(٣) .

ولو سرقه فباعه ، قطع ( لإفساده ، لا حدّا )(٤) .

مسألة ٢٢ : يشترط في الملك التماميّة ، فلا يصحّ بيع الوقف ؛ لنقص الملك فيه ، إذ القصد منه التأبيد. نعم ، لو كان بيعه أعود عليهم ؛ لوقوع خُلْف بين أربابه ، وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه ، جوّز أكثر علمائنا بيعه ، خلافاً للجمهور ، وسيأتي.

ولا يصحّ بيع اُمّ الولد بالإجماع وعندنا إلّا في ثمن رقبتها إذا كان دَيْناً على مولاها ، ولا وجه له سواها. وفي اشتراط موته حينئذٍ خلاف ؛ لما رواه‌

____________________

(١) الحجّ : ٢٥.

(٢) النهاية : ٢٨٤ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٤.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٦ / ٢٤٤٢.

(٤) ما بين القوسين لم يرد في « ق ، ك »

٤٢

أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في رجل اشترى جاريةً فوطئها(١) فولدت له فمات ، قال : « إن شاؤا أن يبيعوها باعوها في الدَّيْن الذي يكون على مولاها من ثمنها ، فإن كان لها ولد قُوّمت على ولدها من نصيبه ، وإن كان ولدها صغيراً انتظر(٢) به حتى يكبر ثمّ يجبر على قيمتها ، فإن مات ولدها بِيعت في الميراث إن شاء الورثة »(٣) .

ولو مات ولدها ، جاز بيعها مطلقاً ؛ لهذه الرواية. وكذا لو كانت مرهونةً ، وسيأتي.

ولا يصحّ بيع الرهن ؛ لتعلّق حقّ المرتهن به ، ونقصان ملك الراهن ما لم يجز المرتهن ؛ لأنّ الحقّ لا يَعْدُوهما بلا خلاف.

ولو باع ولم يعلم المرتهن ففكّ ، لزم البيع ؛ لانتفاء المعارض ، ومَنْ أبطل بيع الفضولي لزمه الإبطال هنا.

مسألة ٢٣ : الأقوى بين علمائنا صحّة بيع الجاني‌ ، سواء كانت جنايته عمداً أو خطأً ، أوجبت القصاص أولا ، على النفس أو ما دونها - وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه(٤) - لأنّه حقّ غير مستقرّ في [ الجاني ](٥) يملك أداءه من غيره ، فلم يمنع البيع ، كالزكاة ، ولو أوجبت‌

____________________

(١) « ق ، ك » و الطبعة الحجريّة بدل « فوطئها » : « يطؤها » و ما أثبتناه من المصدر

(٢) في المصدر : ينتظر

(٣) التهذيب ٧ : ٨٠ / ٣٤٤.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٥٦ ، المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢ ، مختصر المزني : ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٤ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨ - ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨.

(٥) ورد في « ق ، ك » و الطبعة الحجرية بدل « الجاني » : « الحال » و ذاك تصحيف ، وما أثبتناه هو الصحيح

٤٣

قصاصاً ، فهو يرجى سلامته ويخشى تلفه ، فأشبه المريض.

وقال بعض علمائنا : لا يصحّ بيعه(١) . وهو القول الآخر للشافعي ؛ لأنّه تعلّق برقبته حقّ آدميّ فمنع صحّة بيعه ، كالرهن ، بل حقّ الجناية آكد ؛ لتقدّمها عليه(٢) .

والفرق : أنّ الحقّ منحصر في الرهن لا يملك سيّده إبداله ، ثبت فيه برضاه وثيقة الدّين ، فلو أبطله بالبيع ، بطل حقّ الوثيقة ، الذي التزمه برضاه.

وللشافعي قول ثالث : وقوعه موقوفاً إن فدى لزم ، وإلّا فلا(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإن باعه وأوجبت الأرش أو القود فعفي إلى مال ، فداه السيّد بأقلّ الأمرين عند أكثر علمائنا ، وعند الباقين بالأرش ، ويزول الحقّ عن رقبة العبد ببيعه ؛ لأنّ الخيار للسيّد ، فإذا باعه فقد اختار الفداء ، فيتعيّن عليه ، ولا خيار للمشتري ؛ لعدم الضرر ؛ فإنّ الرجوع على غيره.

هذا مع يسار المولى ، وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : لا يلزم السيّد فداؤه ؛ إذ أكثر ما فيه أنّه التزم الفداء ، فلا يلزمه ، كما لو قال الراهن : أنا أقضي الدَّيْن من غير(٥) الرهن(٦) .

والفرق : أنّه أزال ملكه عن الجاني ، فلزمه الفداء ، كما لو قتله ، بخلاف الرهن.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦.

(٤) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

(٦) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

٤٤

وإن كان معسراً ، لم يسقط حقّ المجنيّ عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أوّلاً ، فإنّ البائع إنّما يملك نقل حقّه عن رقبته بفدائه ولا يحصل من ذمّة المعسر ، فيبقى الحقّ مقدّماً على حقّ المشتري ، ويتخيّر المشتري الجاهل في الفسخ ، فيرجع بالثمن معه أو مع الاستيعاب ؛ لأنّ أرش مثل هذا جميع ثمنه. وإن لم تستوعب ، رجع بقدر أرشه. ولو علم تعلّق الحقّ به ، فلا رجوع.

ولو اختار المشتري الفداء ، فله ، والبيع بحاله ؛ لقيامه مقام البائع في التخيّر ، وحكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم قضاء الدَّيْن عنه.

وللشافعي في المعسر قولان : البطلان ؛ صيانةً لحقّ المجنيّ عليه ، وإثبات الخيار للمجنيّ عليه ، فينفسخ البيع ويُباع في الجناية(١) .

وإن أوجبت قصاصاً ، تخيّر المشتري الجاهل بين الردّ والأرش ، فإن اقتصّ منه ، احتمل تعيّن الأرش ، وهو قسط قيمة ما بينه جانياً وغير جانٍ ، ولا يبطل البيع من أصله - وبه قال أحمد وبعض الشافعيّة(٢) - لأنّه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه ، فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن ، كالمريض والمرتدّ.

وقال أبو حنيفة والشافعي : يرجع بجميع الثمن ؛ لأنّ تلفه لمعنىً استحقّ عليه عند البائع ، فجرى مجرى إتلافه(٣) .

وينتقض بالردّة والمرض ، والتلف غير الإتلاف.

ولو أوجبت قطع عضو فقُطع عند المشتري ، فقد تعيّب في يده ؛ فإنّ‌

____________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨.

(٣) المغني ٤ : ٢٧٤ - ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨.

٤٥

استحقاق القطع دون حقيقته.

وفي منع ردّه بعيبه إشكال.

وعن أحمد روايتان(١) .

ولو اشتراه عالماً بعيبه ، فلا ردّ ولا أرش ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

مسألة ٢٤ : المرتدّ إن كان عن فطرة ، ففي صحّة بيعه نظر‌ ينشأ من تضادّ الحكمين ، ومن بقاء الملك ، فإنّ كسبه لمولاه. أمّا عن غير فطرة ، فالوجه : صحّة بيعه ؛ لعدم تحتّم قتله ، لاحتمال رجوعه إلى الإسلام.

وكذا القاتل في المحاربة إذا تاب قبل القدرة عليه ، فإن لم يتب إلّا بعدها ، فالأقرب : صحّة بيعه ؛ لأنّه قِنٌّ يصحّ إعتاقه ويملك استخدامه ، فصحّ بيعه ، كغير القاتل. ولإمكان الانتفاع به إلى حين القتل ويعتق فينجرّ ولاء أولاده ، فصحّ بيعه ، كالمريض المأيوس من برئه.

ويحتمل العدم ؛ لتحتّم قتله وإتلاف ماليّته وتحريم إبقائه ، فصار بمنزلة ما لا نفع فيه ، والمنفعة [ المفضية ](٣) إلى قتله لا يتمهّد بها محلّاً للبيع ، كمنفعة الميتة في سدّ بَثْقٍ(٤) وإطعام كلبٍ.

والأقوى الأوّل ؛ لثبوت أحكام الحياة ، ووجوب القتل غير مانع ، كمرض المأيوس من بُرئه ، والميتة لم يكن لها نفعٌ سابقٌ ولا لاحقٌ.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

(٣) ورد بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : التامة. ولم نتحصّل لها معنىً هنا. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) كذا ، والظاهر : « رمق » بدل « بثق ». والبثق : موضع كسر شطّ النهر لينشقّ الماء. لسان العرب ١٠ : ١٣ «بثق ».

٤٦

وللحنابلة قولان(١) كالوجهين.

مسألة ٢٥ : لا يجوز بيع المكاتب‌ ؛ لانتفاء السلطنة عليه إلّا بالاستيفاء ، سواء كان مطلقاً أو مشروطاً ما لم يعجز المشروط ، فإن عجز ، ففي اشتراط تقديم الفسخ إشكال.

ويصحّ بيع المدبَّر ؛ لبقاء الملك فيه ، ويبطل تدبيره حينئذٍ ، خلافاً للشيخ(٢) ، وسيأتي.

وكذا يصحّ بيع الموصى به.

أمّا الموهوب مع جواز الرجوع وذو الخيار : فإنّه يوجب فسخ السابق.

وهل يصحّ؟ قال بعض علمائنا : نعم(٣) . وهو الأقوى ، وإلّا لم يكن مبطلاً ؛ إذ لا أثر للفاسد ، فيتضمّن الحكمين.

وقال بعضهم بالنفي ؛ لعدم مصادفة الملك(٤) .

مسألة ٢٦ : العبد إن لم يكن مأذوناً له في التجارة ، لم يمض بيعه ولا شراؤه بعين المال‌ ؛ لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

وهل يقع باطلاً أو موقوفاً على رضا السيّد؟ الأقرب عندي : الثاني - وهو أحد وجهي الحنابلة(٥) - كالفضولي.

والآخر : البطلان ؛ لأنّه تصرّف من المحجور عليه(٦) .

وأمّا الشراء بثمن في الذمّة : فالأقوى المنع ، لأنّه لو صحّ ، فإمّا أن‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٦ : ١٧١.

(٣) كما في شرائع الإسلام ٢ : ٢٣١.

(٤) انظر : شرائع الإسلام ٢ : ٢٣١.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٣٢٢.

٤٧

يثبت الملك له ، وهو ليس أهلاً له ، أو لسيّده فإمّا بعوضٍ على السيّد وهو لم يرض به ، أو على العبد فكيف يحصل أحد العوضين لغير مَنْ يلزمه الثاني!؟

ويحتمل الصحّة ؛ لتعلّقه بالذمّة ولا حجر على ذمّته.

وللشافعي قولان(١) .

فإن قلنا بها ، احتمل أن يكون للسيّد ؛ لأنّه أحقّ بما في يد عبده منه ، كالصيد. والبائع إن علم رقّه ، انتظر العتق ، وليس له الرجوع في العين فيكون كهلاكه في يد العبد. وإن جهل فإن شاء صبر ، وإن شاء فسخ ، ورجع في العين ؛ لإعساره. وأن يكون للعبد ، فللسيّد إقراره عليه وانتزاعه ، وللبائع الرجوع في عين المبيع ما دام في يد العبد. وإن تلف في يد العبد ، صبر إلى العتق. وإن انتزعه السيّد ، ملكه ؛ لما مرّ.

وهل يرجع البائع؟ وجهان للشافعي(٢) .

والأقرب عندي : الرجوع مع الجهل برقّه لا مع العلم.

وإن تلف ، استقرّ الثمن في ذمّته دون السيّد مع العلم بالرقّ. وفي الجهل إشكال.

وإن قلنا بالبطلان ، فللبائع أخذه من يد السيّد أو العبد. وإن كان تالفاً ، فله القيمة أو المثل ، فإن تلف في يد السيّد ، رجع عليه ؛ لتلف ماله في يده ، وإن شاء انتظر العتق ؛ لأنّه الآخذ.

وإن تلف في يد العبد ، فالرجوع عليه يتبع به بعد العتق ، وبه قال الشافعي(٣) ، وهو إحدى روايتي أحمد. وفي الاُخرى : يتعلّق برقبته(٤) .

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣.

(٤) المغني ٤ : ٣٢٣.

٤٨

واقتراض العبد كشرائه.

وأمّا المأذون له فيصحّ تصرّفه فيما أذن له فيه ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

الشرط الرابع : القدرة على التسليم.

وهو إجماع في صحّة البيع ليخرج البيع عن أن يكون بيعَ غررٍ.

والقدرة قد تنتفي حسّاً كالآبق ، وشرعاً كالرهن.

والمشهور عند علمائنا أنّه لا يصحّ بيع الآبق منفرداً وإن عرفا مكانه - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي(١) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الغرر(٢) ، وهذا غرر.

وفي الصحيح عن رفاعة عن الكاظمعليه‌السلام ، قلت له : يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة فاُعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ فقال : « لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري معها منهم شيئاً ثوباً أو متاعاً فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً ، فإنّ ذلك جائز»(٣) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٥٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ٤١ ، مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ / ٧٥ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ١٣٢ / ٥٥٠ و ٥٥٣ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ / ٢٧٤٧ ، و ٢ : ٣١٢ / ٦٢٧١ و ٣٣٢ / ٦٤٠١.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ / ٥٤١.

٤٩

ولأنّه غير مقدور على تسليمه ، فأشبه الطير في الهواء.

وقال بعض علمائنا بالجواز(١) ، وبه قال شريح وابن سيرين(٢) - واشترى ابن عمر من بعض ولده بعيراً شارداً(٣) - لأنّه مملوك ، فصحّ.

فروع :

أ - لو باع الآبقَ على مَنْ هو في يده أو على مَنْ يتمكّن من أخذه ، صحّ ؛ لانتفاء المانع.

ب - لو باع الآبقَ منضمّاً إلى غيره ، صحّ ، فإن لم يظفر به ، لم يكن له رجوع على البائع بشي‌ء ، وكان الثمن في مقابلة الضميمة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه »(٤) .

ج - الضالّ يمكن حمله على الآبق ؛ لثبوت المقتضي ، وهو : تعذّر التسليم. والعدم ؛ لوجود المقتضي لصحّة البيع ، وهو العقد. فعلى الأوّل يفتقر إلى الضميمة ، ولو تعذّر تسليمه ، كان الثمن في مقابلة الضميمة.

وعلى الثاني لا يفتقر ، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلّمه أو يسقط عنه.

ومَنَع الشافعي من بيع الضالّ كالآبق ؛ لتعذّر التسليم(٥) (٦) .

____________________

(١) السيّد المرتضى في الانتصار : ٢٠٩.

(٢) المحلّى ٨ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧ ، حلية العلماء ٤ : ٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦.

(٣) المحلّى ٨ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٤) الفقيه ٣ : ١٤٢ / ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ / ٥٤٠.

(٥) في « ك » زيادة : حسّاً.

(٦) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣.

٥٠

مسألة ٢٧ : لا يصحّ بيع السمك في الماء‌ ، وهو قول أكثر العلماء ، كالإماميّة والشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد والحسن والنخعي وأبي يوسف وأبي ثور(١) ، ولا نعلم لهم مخالفاً.

وإنّما يصحّ بشروط ثلاثة : كونه مملوكاً ، وكون الماء رقيقاً لا يمنع المشاهدة ، وإمكان صيده.

فإن كان في بِرْكَة لا يمكنه الخروج منها وهي صغيرة ، صحّ البيع - وبه قال الشافعي(٢) - لإمكان التسليم فيه.

ولو كانت البِرْكَة كبيرةً واحتيج في أخذه إلى تعبٍ شديد ، فالأقوى صحّة البيع ، وهو أضعف وجهي الشافعي(٣) .

والأظهر عنده : المنع كالآبق(٤) .

والفرق : علم القدرة مع المشقّة هنا.

ولو كان في أجَمَة ، لم يجز بيعه ، عند أكثر العلماء(٥) .

وقال ابن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز فيمن له أجَمَة يحبس السمك فيها : يجوز بيعه ؛ لأنّه يقدر على تسليمه ظاهراً ، فأشبه ما يحتاج إلى مؤونة في كيله ونقله(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، الجامع الصغير - للشيباني - : ٣٢٨ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧ - ٢٨ ، الخراج - لأبي يوسف - : ٨٧.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٧ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦.

(٣ و ٤ ) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

(٥) المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٦) المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨.

٥١

وهو خطأ ؛ لأنّه مجهول ، فأشبه بيع اللبن في الضرع.

ولو ضمّه مع القصب ، فأقوى الوجهين لنا : البطلان ، إلّا مع العلم بهما وإمكان التسليم.

وروي لنا : الجواز(١) .

مسألة ٢٨ : لا يصحّ بيع الطير في الهواء ، سواء كان مملوكاً أو غيره‌ إجماعاً ؛ لأنّه في المملوك وغيره غرر وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر(٢) ، وفُسِّر بأنّه بيع السمك في الماء والطير في الهواء(٣) .

ولو باع الحمام المملوك وهو طائر ، فإن كان يألف الرجوع ، فالأقوى : الجواز - وهو أضعف وجهي الشافعي(٤) - للقدرة على التسليم ، كالعبد المنفذ في شغلٍ.

والأقوى عنده : المنع - وبه قال أحمد - إذ لا قدرة في الحال ، وليس له وازع يوثق به(٥) .

وينتقض بالغائب ؛ فإنّه غير مقدور عليه في الحال.

وإن كان في البُرْج ، قال الشيخ : إن كان مفتوحاً ، لم يصحّ بيعه ؛ لأنّه إذا قدر على الطيران لم يمكن تسليمه - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - وإن كان مغلقاً ، جاز(٧) إجماعاً.

____________________

(١) كما في المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٧ ، والسرائر : ٢٣٣.

(٢) اُنظر : المصادر في الهامش (٢) من ص ٤٨.

(٣) كما في المغني ٤ : ٢٩٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٦) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٧.

٥٢

مسألة ٢٩ : لو باع ماله المغصوب ، فإن كان يقدر على استرداده وتسليمه ، صحّ البيع‌ - كالوديعة - إجماعاً. وإن لم يقدر ، لم يصحّ بيعه ممّن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب - وبه قال الشافعي(١) - لعدم القدرة على التسليم.

ولو باعه ممّن يقدر على انتزاعه من يده ، فالأقوى عندي : الصحّة - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّ القصد الحصول للمشتري.

والأضعف : البطلان ؛ لعجز البائع(٣) .

وعلى قولنا إن علم المشتري حال البيع ، فلا خيار له. وبه قال الشافعي(٤) .

ولو عرض له عجز ، فكذلك - وهو أحد وجهي الشافعي(٥) - لسقوطه حال البيع ، فلا يتجدّد بعده ؛ لعدم موجبه.

والآخر : الثبوت(٦) .

وإن جهل ، فله الخيار ؛ إذ ليس عليه تحمّل كلفة الانتزاع.

ولو علم بالغصب وعجز البائع فاشتراه كذلك ، فالوجه عندي : الصحّة ، ولا خيار له ، سواء قدر على انتزاعه أو لا.

مسألة ٣٠ : لو باع عضواً من عبد أو شاة ، لم يصحّ ؛ لتعذّر التسليم حسّاً ؛ إذ لا يمكن إلّا بفصله ، وهو يفسد ماليّته أو ينقصها. وكذا لو باع‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٥ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٤ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ - ٩٥.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٨٥.

(٤ - ٦) المجموع ٩ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

٥٣

نصفاً معيّناً من سيفٍ أو إناءٍ ؛ لأنّ التسليم لا يمكن إلّا بالقطع والكسر ، وفيه نقص وتضييع للمال ، وهو ممنوع منه. وكذا قال الشافعي(١) .

والوجه : اعتبار المصلحة ، فإن اقتضت فعله بأن يحتاج البائع إلى الثمن ، فيجوز أن ينقص ماليّة نفسه لمصلحته.

ولو باع نصفاً معيّناً من ثوبٍ ينقص قيمته بالقطع ، فالأقوى عندي : الجواز - وهو أضعف وجهي الشافعيّة(٢) - كما لو باع ذراعاً معيّناً من أرض.

وأظهرهما : المنع ؛ لحصول الضرر في التسليم(٣) .

ولو كان لا ينقص بالقطع ، جاز - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) - لزوال المانع.

الشرط الخامس : العلم بالعوضين.

مسألة ٣١ : أجمع علماؤنا على أنّ العلم شرط فيهما ليعرف ما الذي ملك بإزاء ما بذل‌ فينتفي الغرر ، فلا يصحّ بيع الغائب ما لم تتقدّم رؤيته مع عدم تغيّره أو وصفه وصفاً يرفع الجهالة - وبه قال الشعبي والنخعي والأوزاعي والحسن البصري وعبيد الله بن الحسن العنبري ومالك وإسحاق والشافعي في أصحّ القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لنهيهعليه‌السلام عن‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥.

(٤) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

(٥) المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، =

٥٤

الغرر(١) .

ولأنّه باع ما لم يره ولم يُوصف فلم يصحّ ، كبيع النوى في التمر.

ولأنّه نوع بيع فلم يصحّ مع الجهل بصفة المبيع ، كالسلم.

وقال أبو حنيفة والشافعي في القول الثاني ، وأحمد في الرواية الثانية بالصحّة ، لقوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) .

ولأنّه عقد معاوضة ، فلا تفتقر صحّته إلى رؤية المعقود عليه ، كالنكاح(٣) .

والآية ليست للعموم ؛ إذ ليست من صِيَغهِ. سلّمنا ، لكنّه مخصوص بما تقدّم.

والنكاح لا يقصد فيه المعاوضة ، ولا يفسد بفساد العوض ولا بترك ذكره ، ولا يدخله شي‌ء من الخيارات ، وفي اشتراط لزومه مشقّة على المخدّرات وإضرارٌ بهنّ.

فروع :

أ - القائلون بالجواز اختلفوا ، فأثبت أبو حنيفة للمشتري خيار‌

____________________

= المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ و ٣٠١ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٤٨ الهامش (٢).

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المحلّى ٨ : ٣٤٢ ، المغني ٤ : ٧٧ - ٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، المجموع ٩ : ٣٠١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥.

٥٥

الرؤية ، وهو رواية عن أحمد(١) . وفي الاُخرى : لا يثبت(٢) ، أمّا البائع فلا يثبت له عند أبي حنيفة خيار(٣) .

ب - من الشافعيّة مَنْ طرّد القولين فيما إذا لم يره البائع ، لأنّه المالك للتصرّف ، واجتناب هذا الغرر يسهل عليه(٤) .

والقولان في البيع والشراء يجريان في إجازة الغائب ، والصلح عليه ، وجَعْله رأسَ مال السَّلَم ، وفي صحّة إصداقه والخلع عليه ، وفي هبة الغائب ورهنه ، وهما أولى عندهم بالصحّة ؛ إذ ليسا من عقود المغابَنات(٥) .

وفي بيع الأعمى وشرائه طريقان ، أحدهما : أنّه على قولين. والثاني : القطع بالمنع(٦) . وقد تقدّم(٧) .

ج - يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع ، كداخل الثوب ، فلو باع ثوباً مطويّاً أو عيناً حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله ، كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفاً يرفع الجهالة ، وهو قول المشترطين(٨) .

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٢ ، المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٨٨ ، المجموع ٩ : ٣٠١.

(٢) المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٣ ، المغني ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٤) المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٧.

(٧) تقدّم في ص ٢٤ ، المسألة ٧.

(٨) المغني ٤ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

٥٦

ولو كان ممّا يستدلّ برؤية بعضه على الباقي ، كظاهر صُبْرة الحنطة والشعير ، صحّ البيع ؛ لأنّ الغالب عدم تفاوت أجزائها.

ثمّ إن خالف الظاهرُ الباطنَ ، فله الخيار ، وهو قول الشافعي(١) تفريعاً على اشتراط الرؤية.

وعنه قول آخر : إنّه لا تكفي رؤية ظاهر الصُّبْرة ، بل يجب تقليبها ليعلم حال باطنها(٢) .

وكذا صُبْرة الجوز واللوز والدقيق والمانعات في الظروف.

ولا تكفي رؤية ظاهر صُبْرة البطّيخ والرمّان وأعلى سلّة العنب والخوخ ؛ للتفاوت غالباً.

د (٣) - لو أراه أنموذجا وقال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل ، إذ لم يعيّن مالا ولا وصف ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم ، وهو أصحّ وجهي الشافعي(٤) .

ه- لو أراه أنموذجاً وبنى أمر البيع عليه ، نُظر‌ إن قال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل؛ لأنّه لم يعيّن مالاً و [ لا ](٥) راعى شروط السَّلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السَّلم - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٦) - لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ - ٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٦ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٣) لاحظ فرعي « د » و « ه » فإنّ الظاهر إنّهما متّحدان.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « لو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) اُنظر المصادر في الهامش (٤).

٥٧

اللفظ والوصف يمكن الرجوع إليه عند الإشكال.

ولو قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الاُنموذج منها ، فإن لم يدخل الاُنموذج في البيع ، لم يصحّ - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لأنّ المبيع غير مرئيّ ، ولا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال ، بخلاف استقصاء الأوصاف.

والثاني : الصحّة ؛ تنزيلاً له منزلة استقصاء الوصف(٢) .

وإن أدخله ، صحّ على أصحّ وجهي الشافعي ، كما لو رأى بعض الصُّبْرة(٣) .

وعندي في الفرق إشكال.

و - لو كان البعض المرئي لا يدلّ على الباقي‌ لكن كان صُواناً(٤) له خلقةً ، كقشر الرمّان والعَفْص ، كفَتْ رؤيته وإن كان المقصود مستوراً ؛ لأنّ صلاحه في بقائه فيه.

وكذا الجوز واللوز في قشرهما الأعلى - وهو قول الشافعي(٥) - ويباع بشرط الصحّة ، فإن ظهر معيباً بعد كسره ، فإن كان له حينئذٍ قيمة ، فللمشتري الأرش خاصّة ، وإلّا فله الثمن أجمع.

وهل يصحّ بيع اللبّ وحده؟ الأقرب عندي : جوازه ؛ للأصل السالم عن معارضة الغرر ؛ لأنّا إنّما نُجوّزه على تقدير ظهور الصحّة.

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٤) الصوان - بالضمّ والكسر - الوعاء الذي يُصان فيه الشيء لسان العرب ١٣ : ٢٥٠ « صون »

(٥) الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨ - ٣٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

٥٨

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ إذ لم يمكن تسليمه إلّا بكسر القشر ، وفيه تغيير عين المبيع(١) . وليس بجيّد.

ز - لا تكفي رؤية المبيع من وراء زجاجة مع قصور الرؤية ؛ إذ لا يتعلّق صلاحه بكونه فيها. ويجوز بيع الأرض المغشيّة بالماء إذا لم يمنع مشاهدتها.

مسألة ٣٢ : يشترط رؤية البائع والمشتري جميعاً أو وصفه لهما أو لأحدهما ورؤية الآخر‌ ، فلو لم يرياه أو أحدهما ولا وصف له ، بطل.

والقائلون بصحّة البيع مع عدم الرؤية والوصف اختلفوا.

فذهب الشافعي إلى ثبوت الخيار للبائع ؛ لأنّه جاهل بصفة العقد ، فأشبه المشتري ، وبه قال أحمد(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا خيار له ؛ لأنّا لو جعلنا له الخيار لثبت لتوهّم الزيادة ، والزيادة في المبيع لا تُثبت الخيار(٣) .

فروع :

أ - كلّ موضع يثبت الخيار‌ إمّا مع الوصف عندنا أو مطلقاً عند المجوّزين فإنّما يثبت عند رؤية المبيع على الفور ؛ لأنّه خيار الرؤية ، فيثبت عندها ، وبه قال أحمد(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٨٨ ، المغني ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٣ ، حلية العلماء ٤ : ٨٩ ، المغني ٤ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٤) المغني ٤ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

٥٩

وله آخر : أنّه يتقيّد بالمجلس الذي وُجدت الرؤية فيه ؛ لأنّه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط ، فيقيّد بالمجلس ، كخيار المجلس(١) .

والوجهان للشافعيّة ، وأصحّهما عندهم : الثاني(٢) .

ب - لو اختار الفسخ قبل الرؤية مع الوصف عندنا ، لم يكن له ذلك ؛ إذ الفسخ منوط بالمخالفة بين الموجود والموصوف.

ومَنْ جوّز بيعه من غير وصف قال أحمد منهم : انفسخ ؛ لأنّ العقد غير لازم في حقّه ، فملك الفسخ ، كحالة الرؤية. وهو أصحّ وجهي الشافعي. وفي الآخر : لا ينفسخ(٣) .

ج - إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية ، لم يلزم ؛ لتعلّق الخيار بالرؤية ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين(٤) .

د - لو تبايعا بشرط عدم الخيار للمشتري ، لم يصحّ الشرط ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين(٥) .

وهل يفسد البيع؟ الأقوى عندي : ذلك ، وسيأتي.

مسألة ٣٣ : يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع‌ وصفاً يكفي‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٣) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢.

(٤) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، وانظر : المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٥) المغني ٤ : ٨١ - ٨٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، ولم نعثر على قول الشافعي فيما بين أيدينا من المصادر.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501