إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

إستقصاء الإعتبار16%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52930 / تحميل: 5908
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٤-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بشرط مقابلة كلّ صاع منها بدرهم والجمع بين هذين الأمرين عند الزيادة والنقصان محال.

والثاني : يصحّ ؛ لإشارته إلى الصبرة ، ويلغى الوصف ، فإن خرج ناقصاً ، فللمشتري الخيار. فإن أجاز فبجميع الثمن ؛ لمقابلة الصبرة به ، أو [ بالقسط ](١) ؛ لمقابلة كلّ صاع بدرهم؟ وجهان.

وإن خرج زائداً ، ففي مستحقّ الزيادة وجهان :

أظهرهما : أنّها للمشتري ؛ لأنّ جملة الصبرة مبيعة منه ، فلا خيار له.

وفي خيار البائع وجهان ، أصحّهما : العدم ؛ لأنّه رضي ببيع جميعها.

والثاني : أنّ الزيادة للبائع ، فلا خيار له. وفي المشتري وجهان ، أصحّهما : ثبوت الخيار ، إذ لم يسلم له جميع الصبرة(٢) .

ه- لو قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة سواء بسواء ، فإن علما القدر منهما ، صحّ ، وإلّا بطل ، خلافاً للجمهور.

و - إنّما يصحّ بيع الصبرة إذا تساوت أجزاؤها ، فإن اختلفت - كصبرة ممتزجة من جيّدٍ وردي‌ء - لم يصحّ إلّا بعد المشاهدة للجميع. ولو باعه نصفها أو ثلثها ، فكذلك. وبه قال بعض الحنابلة(٣) . وبعضهم سوّغه ؛ لأنّه اشترى جزءاً مشاعاً ، فاستحقّ من جيّدها ورديئها(٤) .

ز - لو اشترى الصبرة جزافاً ، قال مالك : يجوز له بيعها قبل نقلها ؛

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : بالبسط. ما أثبتناه من المصادر.

(٢) المجموع ٩ : ٣١٣ - ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٥ - ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٤) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

٨١

لأنّه مبيع متعيّن لا يحتاج إلى حقّ يوفّيه ، فأشبه الثوب الحاضر. وهو رواية عن أحمد(١) .

وله اُخرى : المنع ، لقول ابن عمر : كُنّا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ننقله من مكانه(٢) (٣) .

ح - مَنَع المجوّزون الغشَّ بأن يجعلها على دكّة أو حجر ينقصها أو يجعل الردي‌ء أو المبلول في باطنها ؛ لأنّهعليه‌السلام مرَّ على صُبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعُه بللاً ، فقال : « يا صاحب الطعام ما هذا؟ » فقال : أصابته السماء يا رسول الله ، قال : « أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ » ثمّ قال : « من غشّنا فليس منّا »(٤) .

فإن وجده كذلك ، فللشافعيّة(٥) طريقان :

أحدهما : أنّ فيها قولَيْ بيع الغائب ؛ لأنّ ارتفاع الأرض وانخفاضها يمنع تخمين القدر ، وإذا لم يُفد العيان إحاطة ، فكان كعدم العيان في احتمال الغرر.

والثاني : القطع بالبطلان ؛ لأنّا إذا صحّحنا بيع الغائب أثبتنا خيار الرؤية ، والرؤية حاصلة هنا ، فيبعد إثبات الخيار معها ، ولا سبيل إلى نفيه ؛ للجهالة.

واعترض بأنّ الصفة والقدر مجهولان في بيع الغائب ، ومع ذلك ففيه‌

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ ، المغني ٤ : ٢٤٦.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣١٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٧.

(٤) المغني ٤ : ٢٤٦ ، وانظر : صحيح مسلم ١ : ٩٩ / ١٠٢ ، وسنن الترمذي ٣ : ٦٠٦ / ١٣١٥.

(٥) في « ق ، ك » للشافعيّة.

٨٢

قولان ، فكيف يقطع بالبطلان هنا مع علم بعض الصفات بالرؤية!؟

وإذا ثبت الخيار - وهو قول أحمد(١) - فوقت الخيار معرفة مقدار الصبرة أو تخمينه برؤية ما تحتها.

وفيه طريق ثالث للشافعي : القطع بالصحّة ؛ اعتماداً على المعاينة ، وجهالة القدر معها غير ضائرة(٢) .

وأثبت أحمد الخيارَ بين الفسخ وأخذ تفاوت ما بينهما ؛ لأنّه عيب(٣) .

ولو كان تحتها حفرة أو كان باطنها أجود ، فلا خيار للمشتري ، بل للبائع إن لم يعلم ، وإلّا فلا.

ولو ظهر تحتها دكّة ، ففي بطلان البيع للشافعي وجهان :

البطلان ؛ لأنّه ظهر أنّ العيان لم يُفد علماً.

والأظهر : الصحّة ، وللمشتري الخيار ؛ تنزيلاً لما ظهر منزلة العيب والتدليس(٤) .

ط - لو علم قدر الشي‌ء ، لم يجز بيعه صبرة ، عندنا ، وهو ظاهرٌ - وبه قال أحمد(٥) - لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ عرف مبلغ شي‌ء فلا يبعه جزافاً حتى يبينه »(٦) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، المجموع ٩ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤ - ٣٥.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٦.

(٤) المجموع ٩ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٤٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٠.

٨٣

وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد وعكرمة ومالك وإسحاق وطاوس(١) .

وعن أحمد أنّه مكروه غير محرَّم(٢) .

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا بأس بذلك ؛ لأنّه إذا جاز مع جهلهما ، فمع علم أحدهما أولى(٣) .

ي - لو باع ما علم كيله صبرة ، قال أبو حنيفة والشافعي : يصحّ - وهو ظاهر قول أحمد - لأنّه لا تغرير فيه ، فأشبه مالو علما كيله أو جهلاه(٤) .

وقال مالك : إنّه تدليس إن علم به المشتري ، فلا خيار له ؛ لأنّه دخل على بصيرة ، وإن جهل مع علم البائع ، تخيّر في الفسخ ؛ لأنّه غشّ(٥) . وهو قول بعض الحنابلة(٦) .

وعند بعضهم أنّه فاسد(٧) ، وهو مذهبنا ؛ لما تقدّم.

يأ - لو أخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل ، صحّ عندنا ، فإن قبضه واكتاله ، تمّ البيع ، وإن قبضه بغير كيلٍ ، فإن زاد ، ردّ الزيادة ، وإن نقص ، رجع بالناقص. وإن تلف ، فالقول قول المشتري في قدره مع يمينه ، سواء قلّ النقص أو كثر.

والأقوى : أنّ للمشتري التصرّف فيه قبل كيله - خلافاً لأحمد(٨) - لأنّه سلّطه عليه.

احتجّ بأنّ للبائع فيه علقةً ، فإنّه لو زاد ، كانت له. قال : فلو تصرّف فيما يتحقّق أنّه حقّه أو أقلّ بالكيل ، فوجهان ، أحدهما : الصحّة ؛ لأنّه تصرّف في حقّه بعد قبضه. والمنع ؛ لانّه لا يجوز التصرّف في الجميع فلم يجز في البعض(٩) .

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٤ - ٩) المغني ٤ : ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١.

٨٤

يب - لو كال طعاماً وآخر ينظر إليه ، فهل لمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيلٍ؟ أمّا عندنا فنعم - وهو إحدى روايتي أحمد(١) - لانتفاء الجهالة.

وكذا لو كاله البائع للمشتري ثمّ اشتراه منه أو اشتريا طعاماً فاكتالاه ثمّ باع أحدهما حصّته قبل التفرّق.

واُخرى عنه بالمنع(٢) .

مسألة ٤٧ : لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة ، صحّ‌ - كالثوب والدار والغنم - بالإجماع. وكذا لو باع جزءاً منه مشاعاً ، كنصفه أو ثُلثه ، أو جزءاً معيّناً ، كهذا البيت ، وهذا الرأس من القطيع.

أمّا لو باع ذراعاً منها أو عشرةً من غير تعيين ، فإن لم يقصد الإشاعة ، بطل إجماعاً. وإن قصد الإشاعة ، فإن لم يعلما عدد الذُّرْعان ، بطل البيع إجماعاً ؛ لأنّ الجملة غير معلومة ، وأجزاء الأرض مختلفة ، فلا يمكن أن تكون معيّنةً ولا مشاعة.

وإن علم الذُّرْاعان ، للشيخ قولان :

البطلان(٣) - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ الذراع عبارة عن بقعة بعينها ، وموضعها مجهول.

والصحّة(٥) - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - إذ لا فرق بين عُشْر الأرض وبين ذراع من عشرة على قصد الإشاعة.

وهو عندي أقرب. وليس الذراع بقعةً معيّنة ، بل هو مكيال.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٣ ، الخلاف ٣ : ١٦٤ ، المسألة ٢٦٤.

(٦) راجع المصادر في الهامش (٤).

٨٥

فروع :

أ - لو اتّفقا على أنّهما أرادا قدراً منها غير مشاع ، لم يصحّ البيع ؛ لاتّفاقهما على بطلانه. ولو اختلفا فقال المشتري : أردت الإشاعة فالبيع صحيح ، وقال البائع : بل أردت معيّناً ، فالأقرب تقديم قول المشتري ؛ عملاً بأصالة الصحّة وأصالة عدم التعيين.

ب - لو قال : بعتك من هذه الدار من هاهنا إلى هاهنا ، جاز ؛ لأنّه معلوم.

ج - لو قال : بعتك من هاهنا عشرة أذرع في جميع العرض إلى حيث ينتهي الذرع طولاً ، فالأقرب عندي : البطلان ؛ لاختلاف الذرع(١) ، والجهل بالموضع الذي ينتهي إليه.

وللشيخ قول بالجواز(٢) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

د - لو قال : بعتك نصيبي من هذه الدار ، ولا يعلم قدره ، أو : نصيباً أو سهماً أو جزءاً أو حظّاً أو قليلاً أو كثيراً ، لم يصحّ ، وإن علما نصيبه ، صحّ.

ه - لو قال : بعتك نصف داري ممّا يلي دارك ، قال الشافعي وأحمد : لا يصحّ ؛ لجهله بالمنتهى(٤) . وفيه قوّة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : الذراع.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٤ ، الخلاف ٣ : ١٦٤ ، المسألة ٢٦٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٦ - ٣١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١ ، وفيها قول أحمد فقط.

٨٦

و - لو قال : بعتك عبداً من عبدين أو أكثر ، أو : شاةً من شاتين أو أكثر ، لم يصحّ على الأشهر - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - للجهالة ، وبالقياس على الزائد على الثلاثة ، أو في غير العبيد ، كالثياب والدوابّ ، أو لم يجعل له الاختيارِ أو زاده على الثلاث ، أو على النكاح ، فإنّه لو قال : أنكحتك إحدى ابنتي ، بطل إجماعاً.

وفي روايةٍ لنا : يجوز(٢) ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في القديم في عبدٍ من عبدين أو من ثلاثة بشرط الخيار. ولأنّ الشرع أثبت التخيير مدّة ثلاثة أيّام بين العوضين ليختار هذا بالفسخ أو هذا بالإمضاء فجاز أن يثبت له الخيار بين عبدين ، وكما تتقدّر نهاية الاختيار بثلاثة تتقدّر نهاية ما يتخيّر فيه من الأعيان بثلاثة لا أزيد ؛ لدعاء الحاجة إليه ، وفي الأكثر يكثر الغرر ، والحاجة لا تنفي الغرر(٣) .

ويندفع بالتعيين. وما ذكروه من التخيير ضعيف.

ولو قال : بعتك شاةً من هذا القطيع ، بطل.

والأقرب : أنّه لو قصد الإشاعة في عبدٍ من عبدين أو في عشرة ، وفي شاةٍ من شاتين أو عشرة ، بطل ، بخلاف قصد الإشاعة في الذراع من الأرض.

ز - حكم الثوب حكم الأرض. ولو قال : بعتك من هاهنا إلى هاهنا ، صحّ إن كان ممّا لا ينقصه القطع ، وإن كان ممّا ينقصه القطع وشرطه ، جاز ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٦ - ٢٨٧ و ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٨٤ ، المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٠.

(٢) اُنظر : الكافي ٥ : ٢١٧ ، ١ ، والفقيه ٣ : ٨٨ / ٣٣٠ ، والتهذيب ٧ : ٧٢ / ٣٠٨.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٨٧ و ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١ - ٤٢ ، المغني ٤ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٨٧

وإلّا فالأقوى عندي : الجواز أيضاً ؛ لأنّه سلّطه على قطعه ببيعه إيّاه.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ، كما لو اشترى نصفاً معيّناً من الحيوان(١) .

وليس بجيّد ؛ لامتناع التسليم هنا ، بخلاف التسليم في الثوب ، فإنّ النقص لا يمنع التسليم إذا رضيه.

وكذا البحث لو باعه ذراعاً من اُسطوانة من خشب ، والخلاف بين الشافعيّة فيه كما تقدّم. قالوا : ولو كانت الاُسطوانة من آجُرٍّ ، جاز. قالوا : بشرط أن يكون انتهاء الذراع إلى انتهاء الآجُرّة ، فلا يلحق الضرر بذلك(٢) .

ح - الاستثناء كالمبيع يجب أن يكون معلوماً ، فلو استثنى جزءاً مجهولاً ، بطل ، كقوله : بعتك هؤلاء العبيد إلّا واحداً ، ولم يعيّنه ، سواء اتّفقت القِيَم أو لا. ولا فرق بين أن يقول : على أن تختار مَنْ شئت منهم أو لا ، ولا إذا قال ذلك بين أن يقدّر زمان الاختيار أو لا يقدّره.

ولو باع جملة الشي‌ء واستثنى جزءاً شائعاً ، كنصفٍ أو ثُلْثٍ ، جاز.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة إلّا صاعاً ، فإن كانت معلومة الصيعان ، صحّ ، وإلّا فلا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) - لأنّهعليه‌السلام نهى عن الثُّنْيا(٤) في البيع(٥) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٧.

(٢) المجموع ٩ : ٣١٧ - ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٤) هي أن يستثنى في عقد البيع شيء مجهول. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٢٢٤ « ثنا ».

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١١٧٥ / ٨٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٥ / ١٢٩٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، مسند أحمد ٤ : ٣٢٦ / ١٤٤٢٧.

٨٨

وقال مالك : يصحّ وإن كانت مجهولة الصيعان(١) . وهو القياس الذي يقتضيه جواز بيع الصبرة مع الجهالة ؛ إذ لا فرق بين بيعها بأسرها وبين استثناء صاعٍ معلوم منها.

أمّا نحن فلمـّا أبطلنا بيعها مع الجهل ، بطل مع الاستثناء المعلوم.

ط - لو باعه صاعاً من هذه الصبرة وهُما يعلمان العدد ، صحّ.

وهل ينزّل على الإشاعة بحيث لو تلف بعض الصبرة تلف بقسطه من المبيع ، أو لا ، بل المبيع صاع من الجملة غير مشاع ؛ لعدم اختلاف المقصود باختلاف أعيان الصيعان ، فيبقى المبيع ما بقي صاع؟ فيه احتمال.

وأظهرهما عند الشافعيّة : الأوّل(٢) .

ولو لم يعلما العدد ، فإن نزّلناه على الإشاعة ، فالأقرب : البطلان ، وهو قول بعض الشافعيّة(٣) .

وإن قلنا : المبيع صاع غير مشاع ، جاز - وهو أظهر وجهي الشافعي(٤) - فالمبيع أيّ صاع كان حتى لو تلفت الصبرة سوى صاعٍ ، تعيّن ، وللبائع أن يسلّم صاعاً من أسفلها وإن لم يكن مرئيّاً ؛ لعدم التفاوت.

وقال القفّال من الشافعيّة : يبطل ؛ لأنّه غير معيّن ولا موصوف ، فصار كما لو فرّقها وباعه واحداً منها(٥) .

ي - لو كان له عبد واحد فحضر في جماعة عبيد ، فقال سيّده : بعتك‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠ ، وانظر بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٢.

(٢ و ٣ ) المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣ و ٤٤ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩.

٨٩

عبدي من هؤلاء ، والمشتري يراهم ، بطل ؛ للجهالة ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والآخر : يكون كبيع الغائب(١) .

يأ - يجب في المستثنى إمكان انفراده للبائع ، فلو باع أمةً واستثنى وطئها مدّةً ، لم يصحّ. ولو استثنى الكافر خدمة العبد - الذي بِيع عليه لإسلامه - مدّةً ، فالأقرب : الجواز ما لم تُثبت الخدمة عليه سلطنة ، كالمتعلّقة بالعين.

مسألة ٤٨ : إبهام السلوك كإبهام المبيع‌ ، فلو باعه أرضاً محفوفة بملكه من جميع الجهات وشرط السلوك من جانبٍ ولم يعيّن ، بطل البيع ؛ لتفاوت الغرض باختلاف الجهات ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو عيّن السلوكَ من جانبٍ ، صحّ إجماعاً ، وكذا لو قال : بعتكها بحقوقها ، ويثبت للمشتري حقّ السلوك من جميع الجوانب.

ولو أطلق ولم يعيّن جانباً ، فوجهان ، أظهرهما : ثبوت السلوك من الجميع ؛ لتوقّف الانتفاع عليه. وعدمه ؛ لسكوته عنه. وحينئذٍ هل هو بمنزلة نفي السلوك؟ احتمال.

وللشافعيّة كالوجهين(٣) .

ولو شرط نفي الممرّ ، فالوجه : الصحّة ؛ لإمكان الانتفاع بالإيجار وتوقّع تحصيل المسلك.

ويحتمل - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) - البطلان ؛ لتعذّر الانتفاع في الحال.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

٩٠

ولو كانت الأرض المبيعة الملاصقةَ للشارع ، فليس للمشتري السلوك في ملك البائع ، فإنّ العادة في مثلها الدخول من الشارع. وإن كانت ملاصقةً للمشتري(١) ، فليس له السلوك في ملك البائع ، بل يدخل في ملكه السابق إن جرى البيع مطلقاً. ولو قال : بحقوقها ، فله السلوك في ملك البائع. وهذا كلّه كقول الشافعيّة(٢) .

ولو باع داراً واستثنى لنفسه بيتاً ، فله الممرّ. وإن نفى الممرّ ، فإن أمكن اتّخاذ ممرّ آخر ، صحّ ، وإن لم يمكن ، فالأقرب الصحّة.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

مسألة ٤٩ : لو باع الدهن بظرفه وقد شاهده أو وصف له وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ‌ إذا عرف المقدار ، عندنا ، ومطلقاً عند مجوّزي بيع الجزاف(٤) . وكذا كلّ ما تتساوى أجزاؤه ، كالعسل والدبس والخلّ.

ولو باعه كلّ رطلٍ بدرهم ، فإن عرف الأرطال ، صحّ ، وإلّا فلا ، وحكمه حكم الصبرة. ولو باعه مع الظرف بعشرة ، صحّ ؛ لأنّه باع عينين يجوز العقد على كلّ واحد منهما منفرداً فجاز مجتمعاً.

فأمّا إن باع السمن مع الظرف كلّ رطل بدرهمٍ وعرفا قدر المجموع ، صحّ وإن جهلا تفصيله.

ومَنَع منه بعضُ الشافعيّة وبعض الحنابلة ؛ لأنّ وزن الظرف يزيد وينقص ولا يعلم كم بدرهمٍ منهما ، فيدخل على غرر(٥) .

____________________

(١) أي : لملك المشتري.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥ ، المجموع ٩ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠.

(٤) المغني ٤ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٥) حلية العلماء ٤ : ١١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٩ ، المغني ٤ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

٩١

والباقون جوّزوه - كما اخترناه - لصحّة بيع كلٍّ منهما منفرداً ، فصحّ مجتمعاً. ولأنّه رضي أن يشتري الظرف كلّ رطل منه بدرهم ويشتري السمن كذلك(١) .

ولا يضرّ اختلاف القيمة فيهما ، كما لو اشترى ثوباً مختلفاً أو أرضاً كلّ ذراع بدرهم ، فإنّ القيمة مختلفة ، ويكون ثمن كلّ ذراع درهماً ، ولا يحتاج أن يجعل بعض الذراع الجيّد وبعض الردي‌ء بدرهم.

وإن باعه كلّ رطل بدرهمٍ على أن يزن الظرف معه فيحسب عليه بوزنه ولا يكون مبيعاً وهُما يعلمان زنة كلّ واحد منهما ، صحّ ؛ لأنّه إذا علم أنّ الدهن عشرة والظرف رطلان ، كان معناه بعتك عشرة أرطال باثني عشر درهماً. ولو لم يعلما زنتهما ولا زنة أحدهما ، بطل ؛ لأدائه إلى جهالة الثمن في الحال في الجملة والتفصيل ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

مسألة ٥٠ : يجوز بيع النحل إذا شاهدها وكانت محبوسةً بحيث لا يمكنها الامتناع‌ - وبه قال الشافعي ومحمّد بن الحسن وأحمد(٣) - لأنّها معلومة يقدر على تسليمها ، فصحّ بيعها كغيرها.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز بيعها منفردةً ؛ لأنّه لا ينتفع بعينه ، فأشبه الحشرات(٤) .

والجواب : المنع من عدم الانتفاع ؛ لأنّها يخرج من بطونها شراب فيه‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١١٠ ، المغني ٤ : ٢٥١ و ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٢) المجموع ٩ : ٣٢٠ ، المغني ٤ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، المجموع ٩ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ١١٢ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

٩٢

منافع للناس ، فصارت كبهيمة الأنعام.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يجوز بيعها في كواراتها(١) - وبه قال بعض الحنابلة(٢) - لجهالتها.

وقال بعضهم : يجوز(٣) .

والضابط : العلم ، فإن تمكّن منه بأن يفتح رأس البيت ويشاهدها ويعرف كثرتها من قلّتها ، جاز ، وإلّا فلا.

مسألة ٥١ : ويجوز بيع دود القزّ - وبه قال الشافعي وأحمد‌(٤) - لأنّه حيوان طاهر معلوم يجوز اقتناؤه لتملّك ما يخرج منه ، فأشبه البهائم.

وقال أبو حنيفة في رواية عنه : إنّه لا يجوز بيعه. وفي رواية اُخرى : إن كان معه قزّ ، جاز بيعه ، وإلّا فلا ؛ لأنّه لا ينتفع بعينه ، فأشبه الحشرات(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ النفع بها ظاهر ، وهو ما يخرج منها ، كالبهائم التي لا ينتفع بها بشي‌ء غير النتاج ، بخلاف الحشرات التي لا نفع فيها البتة ، فإنّ هذه يخرج منها الحرير ، وهو أفخر الملابس.

وكذا يجوز بيع بزره.

ومَنَعه بعض الحنابلة(٦) . وهو خطأ ؛ لما مرّ.

____________________

(١) الكِوارة : شي‌ء يتّخذ للنحل من القُضْبان ، وهو ضيق الرأس. لسان العرب ٥ : ١٥٦ « كور ».

(٢ و ٣ ) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٢٧ و ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٤.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٢٧ و ٢٥٣ ، المحلّى ٩ : ٣١ ، المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

(٦) المغني ٤ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩.

٩٣

مسألة ٥٢ : المسك طاهر يجوز بيعه في الجملة‌ ، وبه قال عامّة الفقهاء(١) .

وحكي عن بعض الناس : المنع من بيعه ؛ لأنّه نجس ، لقولهعليه‌السلام : « ما اُبين من حيّ فهو ميّت »(٢) والميتة نجسة(٣) .

وقد قيل : إنّه دم(٤) .

وهو خطأ ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للأنصاريّة التي سألته عن غسل الحيض : « خُذي فِرصةً(٥) من مسك فتطهّري بها »(٦) .

ولا دلالة في الخبر ؛ لأنّ الغزال يلقيه كما يلقي الولدَ ، ويلقي الطير البيضَ. والدم المحرَّم هو المسفوح ، فإنّ الكبد حلال وهو دم ، وقد روي جواز بيعه عن الصادقعليه‌السلام (٧) .

إذا ثبت هذا ، فقد جوّز الشيخُ بيعَ المسك في فأرة وإن لم يفتق ، وفتقه أحوط(٨) ، وبه قال بعض الشافعيّة ؛ لأنّ بقاءه في فأرةٍ مصلحة له ، فإنّه يحفظ رطوبته وذكاء رائحته ، فأشبه ما مأكوله في جوفه(٩) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٠٦ وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ١١١ / ٢٨٥٨ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٣٤ نحوه.

(٣ و ٤ ) حلية العلماء ٤ : ١٠٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ ، وكما في الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٧.

(٥) الفِرْصة : قطعة من صوف أو قطن أو خرقة. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٤٣١ « فرص ».

(٦) صحيح البخاري ١ : ٨٥ - ٨٦ ، سنن النسائي ١ : ١٣٥ - ١٣٦ ، سنن البيهقي ١ : ١٨٣ ، معرفة السنن والآثار ١ : ٤٨٨ - ٤٨٩ / ١٤٦١ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣١٧.

(٧) اُنظر : الفقيه ٣ : ١٤٣ / ٦٢٨ ، والتهذيب ٧ : ١٣٩ / ٦١٥.

(٨) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٨ ، الخلاف ٣ : ١٧٠ ، المسألة ٢٧٨.

(٩) المجموع ٩ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

٩٤

ومَنَع أكثر أصحاب الشافعي وأصحاب أحمد ؛ لبقائه خارج وعائه من غير ضرورة ، وتبقى رائحته [ فلم يجز ](١) بيعه مستوراً ؛ لجهالة صفته ، كالدرّ في الصدف(٢) .

والوجه : الصحّة ؛ لأنّ صفة المسك معلومة ، فيشتريه بشرط الصحّة ، كالمذوق قبل ذوقه.

مسألة ٥٣ : لا يجوز بيع البيض في بطن الدجاجة ولا النوى في التمر‌ - وهو وفاق - للجهالة.

ولو باع لؤلؤةً في صدفٍ ، لم يجز أيضاً ؛ للجهالة ، وبه قال محمّد(٣) .

وقال أبو يوسف : يجوز ، وله الخيار إذا رآه ؛ لأنّه كالحقّة(٤) .

ونحن نمنع من حكم الأصل ؛ لعدم ضبط اللؤلؤ.

مسألة ٥٤ : قد بيّنّا أنّ جهالة الاستثناء تُبطل البيع‌ ، وكذا المنفصل المعلوم إذا جُهلت نسبته إلى المستثنى منه ، فلو باعه بعشرة إلّا ثوباً وعيّنه ، لم يصحّ. وكذا لو باعه بثوب إلّا درهماً مع جهل النسبة.

ولو استثنى جزءاً معلوماً مشاعاً ، كثُلْثٍ أو ربع من الصبرة أو الحائط ، أو جزءين وأزيد ، كتُسْعين أو ثلاثة أثمان ، صحّ البيع ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لانتفاء الجهالة.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : فلم يقع. وما أثبتناه - كما هو الصحيح - من المغني والشرح الكبير.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٤ - ٣٣٥ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

(٣ و ٤) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥.

٩٥

وقال أبو بكر وابن أبي موسى : لا يجوز(١) . وليس بمعتمد.

وكذا يجوز أن يستثني المشاع من الحيوان ، كثُلْثه أو ربعه ؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع.

وقال بعض الحنابلة : لا يجوز ؛ قياساً على استثناء الشحم(٢) .

وهو خطأ ؛ لجهالة الشحم.

ولو قال : بعتك قفيزاً من هذه الصبرة إلّا مكّوكاً(٣) ، صحّ.

فروع :

أ - لو باع قطيعاً واستثنى شاةً معيّنة ، صحّ البيع ، وإن لم تكن معيّنةً ، بطل - وهو قول أكثر العلماء(٤) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الثُّنْيا إلّا أن تعلم(٥) . ونهى عن الغرر(٦) . ولأنّه مبيع مجهول فلم يصحّ ، كما لو قال : إلّا شاة مطلقة.

وقال مالك : يصحّ أن يبيع مائة شاة إلّا شاة يختارها ، أو يبيع ثمرة حائطه ويستثني ثمرة نخلاتٍ يعدّها(٧) .

ب - لو قال : بعتك هذا بأربعة دراهم إلّا بقدر درهم ، أو : إلّا ما يخصّ درهماً ، صحّ ؛ لأنّ قدره معلوم من المبيع وهو الربع ، فكأنّه قال : بعتك ثلاثة أرباعه بأربعة. ولو قال : إلّا ما يساوي درهماً ، صحّ مع العلم‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥.

(٣) المكّوك : ميكال معروف لأهل العراق. لسان العرب ١٠ : ٤٩١ « مكك ».

(٤) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٢ / ٣٤٠٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٥ / ١٢٩٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٤٨ ، الهامش (٢).

(٧) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٩٦

لا مع الجهالة ؛ إذ ما يساوي الدرهم قد يكون الربع وقد يكون أكثر وأقلّ.

ج - لو باعه سمسما واستثنى الكسب(١) ، لم يجز ، لأنّه قد باعه الشيرج بالحقيقة ، وهو غير معلوم. وكذا لو استثنى الشيرج. وكذا لو باعه قطناً واستثنى الحبّ أو بالعكس ، وبه قال الشافعي(٢) .

مسألة ٥٥ : لو باعه حيواناً مأكولاً واستثنى رأسه وجلده ، فالأقوى بطلان البيع - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(٣) - لأنّه لم يجز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه ، كالحمل ، ولأنّه مجهول.

وفي قولٍ لنا : الشركة بقيمة ثُنْياه(٤) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « اختصم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيراً واستثنى البيّعُ الرأسَ والجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال للمشتري : هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد »(٥) .

وقال مالك : يكون له ما استثناه ، ويصحّ البيع في السفر دون الحضر ؛ لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط. فجوّز له شراء اللحم دونها(٦) .

وليس بجيّد ؛ لتساوي السفر والحضر في الحكم.

وقال أحمد : يصحّ الاستثناء مطلقاً ؛ لأنّ المستثنى والمستثنى منه معلومان ، فصحّ ، كما لو استثنى نخلةً معيّنة(٧) .

____________________

(١) الكُسْب : عصارة الدهن. لسان العرب ١ : ٧١٧ « كسب ».

(٢) المجموع ٩ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٤) من القائلين بذلك : المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٥٧.

(٥) الكافي ٥ : ٣٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٨١ / ٣٥٠.

(٦) المدونّة الكبرى ٤ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

(٧) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦.

٩٧

وليس بجيّد ؛ للعلم هنا.

فروع :

أ - لو باع الرأس والجلد أو شارك فيهما ، فالوجه عندي : البطلان ؛ للجهالة وتعذّر التسليم.

وفي قولٍ لنا : إنّه يكون للشريك بقدر نصيبه(١) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رجلٍ شهد بعيراً مريضاً وهو يباع ، فاشتراه رجل بعشرة دراهم وأشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضي أنّ البعير بري‌ء فبلغ ثمانية دنانير ، قال : فقال : « لصاحب الدرهمين خُمس ما بلغ ، فإن قال : أريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد اُعطي حقّه إذا اُعطي الخُمس »(٢) .

ب - لو امتنع المشتري من ذبحها ، قال أحمد : لم يجبر عليه ، ويلزمه قيمة ذلك ؛ لما روي عن عليّعليه‌السلام أنّه قضى في رجلٍ اشترى ناقةً وشرط ثُنْياها ، فقال : « اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثُنْياها من ثمنها »(٣) .

وقد بيّنّا أنّ الأقوى بطلان البيع.

ج - لو استثنى شحم الحيوان ، لم يصحّ البيع - وبه قال أحمد(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الثُّنْيا إلّا أن تعلم(٥) . ولأنّه لا يصحّ إفراده بالبيع ؛

____________________

(١) قال به المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٥٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٩/ ٣٤١ ، وبتفاوت في الكافي ٥ : ٢٩٣ / ٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١ - ٢٢.

(٤) المغني ٤ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٩٥ ، الهامش (٥).

٩٨

لجهالته.

مسألة ٥٦ : لو استثنى الحملَ ، صحّ عندنا - وبه قال الحسن والنخعي‌ وإسحاق وأبو ثور وأحمد في روايةٍ(١) - لأنّ نافعاً(٢) روى عن ابن عمر أنّه باع جاريةً واستثنى ما في بطنها(٣) .

ولأنّه يصحّ استثناؤه في العتق فصحّ في البيع.

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في اُخرى ، والثوري : لا يصحّ ، لأنّه مجهول لا يصحّ إفراده بالبيع ، فلا يصحّ استثناؤه. ولأنّهعليه‌السلام نهى عن الثّنيا إلّا أن تعلم(٤) (٥) .

ونحن نقول بالموجب ، فإنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، والبيع إنّما تناول الاُمّ دون الحمل ، وإطلاق الاستثناء عليه مجاز ، بل نقول نحن : إنّه لو باع الامّ ولم يستثن الحمل ، لم يدخل في البيع ، وكان للبائع ، والاستثناء هنا مؤكّد لا مخرج.

تذنيب : لو باع أمةً حاملاً بحُرٍّ ، جاز البيع عندنا ؛ للأصل‌ ، خلافاً للشافعي ؛ لأنّ الحمل لا يدخل في البيع ، فصار كأنّه مستثنى ، فلا يصحّ بيعها(٦) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ - ٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « نافع » غير منصوب.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٩٥ ، الهامش (٥).

(٥) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦ - ٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١.

(٦) المجموع ٩ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، المغني ٤ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧.

٩٩

ونمنع بطلان الاستثناء.

مسألة ٥٧ : لا يكفي في العلم مشاهدة وجه الدابّة‌ ، بل لابُدّ من النظر إلى مؤخّرها - وبه قال أبو يوسف(١) - لأنّ المؤخّر موضع مقصود منها ، فيشترط رؤيته.

وقال محمّد بن الحسن : لا يشترط ؛ لأنّ الأصل في الحيوان الوجه ، فتكفي رؤيته ، كالعبد والأمة(٢) .

ونحن نمنع المقيس عليه ، ونوجب المشاهدة لجميع الأجزاء الظاهرة في المبيع كلّه ، سواء كان حيواناً أو غيره ، أو نثبت خيار الرؤية لو ظهر البعض على الخلاف.

ولو اشترى دارا فرأى خارجها ، لم يصحّ ، إلّا إذا وصف الباقي وصفاً يرفع الجهالة ، ويثبت خيار الرؤية ، وبه قال زفر(٣) .

وقال أبو حنيفة وصاحباه : إذا رأى خارجها ، كان رؤية لها(٤) . وليس بجيّد.

مسألة ٥٨ : وكما أنّ الجهالة في الموضعين مبطلة فكذا في صفاتهما ولواحق المبيع‌ ، فلو شرطا شرطاً مجهولاً ، بطل البيع. ولو شرطا تأجيل الثمن ، وجب أن يكون معلوماً ، فلو أجّله إلى الحصاد ونحوه ، بطل البيع ؛ للجهالة.

فإن أسقط الأجل ، لم ينقلب جائزاً عندنا - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّه‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٣.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٣.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٤.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٢٧.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

بعد الموت قبل أن يبرد أو بعد الغسل لم يجب فيه الغسل ، على ما بينّاه في خبر عبد الله بن سنان ، وذلك مفصّل ، وهذان الخبران مجملان ، والحكم بالمفصّل أولى منه بالمجمل.

ولا ينافي ذلك :

ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « يغتسل الذي غسّل الميت ، وكل من مسّ ميتاً فعليه الغسل وإن كان الميت قد غُسّل ».

لأن ما يتضمن هذا الخبر من قوله : « وإن كان الميت قد غُسّل » محمول على ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب ، وقد استوفينا ما يتعلق بذلك في كتاب تهذيب الأحكام(١) ، وفيه كفاية إن شاء الله تعالى.

السند‌

في الأوّل : ليس فيه ارتياب بعد ما قدمناه.

والثاني : فيه السكوني وهو عامي ، كما صرّح به العلاّمة في الخلاصة(٢) ، وابن إدريس في السرائر ، فإنه قال في فصل ميراث المجوس : إسماعيل بن أبي زياد السكوني بفتح السين منسوب إلى قبيلة من العرب عرب اليمن ، وهو عامي المذهب بغير خلاف ، وشيخنا أبو جعفر موافق على ذلك(٣) .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٣ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب غسل المس ب ٣ ح ٣.

(٢) خلاصة العلاّمة : ١٩٩ / ٣.

(٣) السرائر ٣ : ٢٨٩.

١٢١

وينقل عن المحقّق في جواب المسائل العزّية توثيق السكوني وإن كان عامّياً ، وأنّه قال : قال شيخنا أبو جعفررحمه‌الله في مواضع من كتبه : والإمامية مجمعة على العمل بما يرويه السكوني وعمار ومن ماثلهما من الثقات.

وأظنّ أن توثيق السكوني أُخذ من قول الشيخ : ومن ماثلهما من الثقات. واحتمال أن يريد(١) : ومن ماثلهما من مخالفي المذهب الثقات ، لا أن السكوني ثقة ، يمكن وإن بعد.

والثالث : موثق.

المتن :

لا يخفى دلالته في الخبرين الأولين على جواز القُبلة ، أما على(٢) عدم الغسل فلا ، فالاحتياج إلى حمل الشيخ غير واضح.

وأمّا الخبر الثالث فالاستحباب متوجه في تأويله ، ويؤيّده ما قدّمناه من دلالة الخبر المذكور في التهذيب لتعداد الأغسال المسنونة(٣) .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن رجل حدّثه قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني (٤) ميت‌

__________________

(١) في « رض » : يراد.

(٢) ليست في « رض ».

(٣) في ص ٩٤.

(٤) في « رض » : والآخر.

١٢٢

والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء ويغتسل به وكيف يصنعون؟ قال : « يغتسل الجنب ، ويدفن الميت ، ويتيمم الذي عليه وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنّة ، والتيمم للآخر جائز ».

فما تضمّن هذا الخبر من أن غسل الميت سنّة لا(١) يعترض ما قدمناه (٢) من وجوه : أحدها : أن هذا الخبر مرسل ، لأن ابن أبي نجران قال : عن رجل. ولم يذكر من هو ، ولا يمتنع أن يكون غير موثوق به ، ولو سلّم لكان المراد في إضافة هذا الغسل إلى السنّة أنّ فرضه عرف (٣) من جهة السنّة ، لأن القرآن لا يدل على ذلك وإنمّا علمناه بالسنّة (٤) ، وقد قدمنا في الباب الأوّل رواية أنّ في الأغسال ثلاثة فرض منها غسل الميت.

السند‌

كما ترى مرسل ، إلاّ أنّه في الفقيه مروي بطريقه عن عبد الرحمن بن أبي نجران(٥) ، وطريقهُ إليه ليس فيه ارتياب ، نعم قد يتوقف في ذلك من حيث أن ابن أبي نجران تارة يرويه بواسطة كما هنا ، وتارة بغيرها كما في الفقيه ، ولا بعد فيه ، وما ذكره الشيخ : من أن الرجل لا يمتنع أن يكون غير موثوق به ، لا يخلو من تأمّل ، لأن المعروف من الشيخ عدم الاعتبار بالسند والطعن من جهته إنّما يلتزم به إذا لم يمكن التأويل ، فليتدبر.

__________________

(١) في النسخ : فلا ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠١ / ٣٢٩.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠١ / ٣٢٩ : قلناه.

(٣) في « رض » : علم.

(٤) في « رض » : من السنة.

(٥) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢٢ ، الوسائل ٣ : ٣٧٥ أبواب التيمم ب ١٨ ح ١.

١٢٣

المتن :

ظاهر في أنّ الميت يدفن من غير تيمم.

وقوله : « إنّ التيمم للآخر جائز » كأنّ المراد به الاستحباب ، وإلاّ فالجواز بغير هذا المعنى لا يتحقق في العبادة.

وما ذكره الشيخ : من أن المراد بالسنّة ما يثبت بالسنة. صحيح ، إلاّ أن التعليل لسقوط الغسل بأنه سنة غير واضح المعنى ، ولأن الوضوء أيضاً فريضة لثبوته من القرآن ، وقد حكم في الحديث بأن المحدث جائز له التيمم.

وما قاله الشيخ : من أن الرواية السابقة في أوّل الباب دالة على أن غسل الميت فريضة ، موهوم ؛ لأن الرواية دلّت على غسل المس.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ بعض الأصحاب قال في المقام : إذا اجتمع ميّت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ، فإن كان ملكاً لأحدهم اختص به ولم يكن له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله ، ولو كان مباحاً وجب على كل من المحدث والجنب المبادرة إلى حيازته ، فإن سبق أحدهما وحازه اختص به ، ولو توافيا دفعةً اشتركا ، ولو تغلّب أحدهما أثم وملكه ؛ وإن كان ملكاً لهم جميعاً أو لمالك يسمح ببذله فلا ريب أنّ لملاّكه الأحياء مع وارث الميت الخيرة في تخصيص من شاؤوا به ، وإنّما الكلام في مَن الأولى؟ فقال الشيخ في النهاية : إنّه الجنب. وقيل : الميت. وقال الشيخ في الخلاف : إن كان الماء لأحدهم فهو أحقّ به ، وإن لم يكن لواحد بعينه تخيّروا في التخصيص ، لأنها فروض اجتمعت وليس بعضها أولى من بعض فتعين التخيير ، ولأن الروايات اختلفت على وجه لا ترجيح ؛ فتحمل على التخيير(١) .

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٥٠.

١٢٤

وفي نظري القاصر أن المقام بعد لا يخلو من نظر ، لأن الصورة المذكورة وهي ما إذا كان ملكاً لهم جميعاً أو لمالك يسمح ببذله ، إلى آخر ما قيل غير تامة على الإطلاق ، لأن الماء إذا كان ملكاً للميت مع الأحياء فالوارث في تحقق ملكه له مع احتياج الميت إليه نظر ، إلاّ أن يقال : إن حصته لمّا لم تكفه للغسل فقد سقط غسله ويملكه الوارث حينئذ.

ثم قوله : وإنّما الكلام في مَن الأولى ، بعد القول : بأن لمُلاّكه الأحياء مع وارث الميت الخيرة في تخصيص من شاؤوا. لا يخلو من تأمّل ، لأن الأولوية إن أُريد بها الاستحباب على معنى أنّه يستحب بذل بقيّة الحصص للجنب فلها نوع وجه ، إلاّ أن المحدث قد يكفيه حصته للوضوء وجواز البذل حينئذ محل إشكال ، وإن لم يكفه أمكن الاستحباب ، إلاّ أنّه غير واضح الدليل ، لما ستسمعه من الأخبار في الباب ؛ وإن أُريد(١) بالأولوية التعيّن كما يستفاد من ظاهر الخبر المعتبر لا يتم التفصيل وإن وافق الدليل.

والقول المنقول عن الشيخ بالتخيير لأنها فروض اجتمعت. محل كلام أيضاً ، لأن الحصص إذا لم تفِ بالطهارات لا يتم تحقق اجتماع الفروض.

ولعلّ الأولى ما قيل : إن الماء إذا كان مع غيرهم والتمس الأولى أو أوصى بصرفه إلى الأولى دفعه إلى الجنب ، ولو كفى المحدث خاصة اختص به ، وربما احتمل دفعه إلى الجنب فيصرفه في بعض أعضائه ويتوقع الباقي(٢) .

وقد يقال : إن في الميت على تقدير ملك الحصة أن يصرف في بعض غسله فلا يتم جواز البذل لغيره ، فليتأملّ.

__________________

(١) في « رض » أراد.

(٢) المدارك ٢ : ٢٥٢.

١٢٥

قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن التفليسي قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن ميت وجنب اجتمعا ومعهما من الماء ما يكفي أحدهما ، أيّهما يغتسل؟ قال : « إذا اجتمعت سنّة وفريضة بدئ بالفرض ».

عنه ، عن الحسن بن النضر الأرمني قال : سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميت [ ومعهم جنب ](١) ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما ، أيّهما يبدأ به؟ قال : « يغتسل الجنب ويُترك الميت ، لأن هذا فريضة وهذا سنّة ».

فالوجه في هذين الخبرين ما قدمناه في الخبر الأوّل سواء ، على أنه روي : أنّه إذا اجتمع الميت والجنب غسّل الميت ويتيمّم الجنب :

روى ذلك عليّ بن محمد القاشاني(٢) ، عن محمد بن عليّ ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : الميت والجنب(٣) يتّفقان في مكان لا يكون الماء إلاّ بقدر ما يكتفي به أحدهما ، أيّهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال : « يتيمّم الجنب ويغسّل الميت بالماء ».

والوجه في الجمع بينهما أن يكون على التخيير ، لأنهما جميعاً واجبان فأيّهما غسل بما معه من الماء كان ذلك(٤) جائزاً.

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣١.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٢ : القاساني.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٢ : الجنب والميت.

(٤) أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٢.

١٢٦

السند‌

في الأوّل : الحسن بن علي ، والظاهر أنّه ابن فضال ، لأنّ الراوي عنه أحمد بن محمد بن عيسى ، وحاله مشهور ؛ وأحمد بن محمد الراوي عنه الحسن كأنه ابن أبي نصر ؛ وأمّا الحسن التفليسي فهو مذكور في رجال الرضاعليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً(١) .

والثاني : فيه الحسن بن النضر الأرمني ، وهو بهذا الوصف مجهول الحال ، وفي التهذيب رواها عن الحسين بن النضر الأرمني(٢) ، والذي في الرجال الحسن بن النضر بغير الوصف(٣) ، وقد نقل العلاّمة في الخلاصة عن الكشي أنّه من أجلّة إخواننا(٤) ، والذي رأيناه في الكشي في أحمد بن إبراهيم أبي حامد المراغي ما قاله العلاّمة عنه بطريق الرواية(٥) ، وعلى كل حال فالرجل لا يلحق حديثه بالصحيح ، فما في شرح جدّيقدس‌سره للإرشاد : من وصف الخبر بالصحة(٦) . هو أعلم بوجهه.

والثالث : فيه أن الطريق إلى عليّ بن محمد القاساني غير مذكور في المشيخة ، بل ولا في الفهرست ؛ وعلي بن محمد ليس بثقة(٧) ، ومحمد بن علي مشترك(٨) ؛ والإرسال كاف في الرد.

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٧١ / ٦.

(٢) التهذيب ١ : ١١٠ / ٢٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٧٦ أبواب التيمم ب ١٨ ح ٤.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨١٥.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٤١ / ١٥.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٨١٥.

(٦) روض الجنان : ١٣١.

(٧) رجال الطوسي : ٤١٧ / ١٠ ، الخلاصة : ٢٣٢ ، رجال ابن داود : ٢٦٢.

(٨) هداية المحدثين : ٢٤٤.

١٢٧

المتن :

في الأوّلين لا إشكال فيه كما قاله الشيخ.

أمّا الأخير فما قاله الشيخ من التخيير محل نظر ، لأنّ قوله : « إنّهما جميعاً واجبان » ينافيه صريح الأخبار السابقة الدالة على أن ما ثبت بالقرآن مقدم ، اللهم إلاّ أن يحمل الأخبار الأوّلة على الأولويّة ، ويكون أصل التخيير من هذا الخبر على تقدير العمل به. وفيه : أن كثرة الأخبار لها رجحان عند التعارض كما لا يخفى ، على أن الخبر الأوّل الصحيح في الفقيه مقتضاه دفن الميت من غير غسل ولا تيمم(١) ، وخبر الحسن بن النضر يؤيّده وإن أمكن أن يوجّه بأن المراد بترك الميت عدم غسله ، بل الأوّل لا يمكن توجيهه بعد قوله في المحدث : « والتيمم للآخر جائز » إلاّ بتأويل متكلّف ، بل تركه أولى.

وينقل عن بعض القول بتقديم الميت كما تقدم ـ(٢) والاحتجاج بهذه الرواية ، وبأن الجنب تستدرك طهارته والميت لا استدراك لطهارته.

وأُجيب عن الرواية بالضعف والإرسال والإضمار ، وعن التوجيه بأنه لا يعارض النص ، مضافاً إلى المعارضة بأن الجنب يتعبد بطهارته بخلاف الميت.

وبالجملة فالحكم بوجوب تيمم الميت بعيد عن الأدلة ، والاستحباب أيضاً لا يخلو من إشكال إن لم ينعقد الإجماع ، والله تعالى أعلم بحقائق الأُمور.

__________________

(١) المتقدم في ص ١١١.

(٢) في ص ١١٢.

١٢٨

قال :

باب الأغسال المسنونة‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين(١) ، عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الأوّل(٢) عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : « سنّة ليس بفريضة ».

وبهذا الاسناد عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن(٣) ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن غسل الجمعة؟ قال : « سنة في السفر والحضر إلاّ أن يخاف المسافر على نفسه القُرّ ».

وبهذا الاسناد عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم ، عن علي ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن غسل العيدين أواجب هو؟ قال : « (٤) سنة » قلت : فالجمعة؟ قال (٥) : « هو سنة ».

السند‌

في الأوّل والثاني : لا ارتياب فيه.

__________________

(١) في النسخ : عن الحسين بن علي بن يقطين عن أخيه الحسن ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٣ ، وهو الصحيح ، راجع معجم رجال الحديث ٥ : ٣١٧.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٣ لا يوجد : الأول.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٤ : زيادة : محمد.

(٤) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ : هو.

(٥) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ : فقال.

١٢٩

والثالث : فيه القاسم ، وهو ابن محمد الجوهري ، لأنّه يروي عن عليّ بن أبي حمزة ، وهو واقفيّ غير موثق ، وربما توهّم توثيقه ؛ وعلي بن أبي حمزة واقفيّ أيضاً ، ثم إنّ رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه لا يخلو من شي‌ء ، لأن النجاشي ذكر أن الراوي عنه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عنه(١) . والأمر سهل.

المتن :

ذكر شيخناقدس‌سره في فوائده على الكتاب : أن الخبر الأوّل واضح الدلالة على الاستحباب ، لأن المتبادر من السنّة المستحب ، ومن الفريضة الواجب ، خصوصاً مع وقوع السنة خبراً عن غسل الفطر والأضحى مع استحبابهما اتفاقاً ، وحمل ما تضمن الوجوب لو ثبت كونه حقيقة في المعنى الاصطلاحي على تأكّد استحبابه. انتهى.

وبعض محققي المعاصرين أيّده الله اعترض في المقام بأن حمل السنة على ما ثبت في السنّة فلا ينافي الوجوب ليس بأبعد من حمل الوجوب على المبالغة في الاستحباب ، ومنع كون الوجوب حقيقة في معنى المصطلح عليه يتأتّى مثله في السنّة(٢) .

وفي نظري القاصر أنّ الاعتراض لا وجه له بعد ما قرّره شيخناقدس‌سره من وقوع السنّة خبراً عن الفطر والأضحى ، فإن الأقربية بحمل السنة على المستحب لا مرية فيها ، وقد ذكرت ذلك في حاشية التهذيب وغيرها قبل أن أقف على كلام شيخناقدس‌سره .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣١٥ / ٨٦٢.

(٢) الحبل المتين : ٧٩.

١٣٠

وما عساه يقال : إنّه لا مانع من خروج الفطر والأضحى للإجماع ووجود المعارض الدال على الوجوب في الجمعة يتوجه عليه :

أوّلاً : أنّ من المستبعد إرادة المعنيين المتغايرين في خبر واحد.

وثانياً : أن الوجوب قد استعمل أيضاً في المستحب كما في الفقيه في خبر سماعة : حيث قالعليه‌السلام : « وغسل يوم عرفة واجب ، وغسل الزيارة واجب ، وغسل دخول البيت واجب ، وغسل المباهلة واجب »(١) .

( وأمّا ثالثاً : فإن الظاهر من السؤال في الخبر الأوّل عن غسل الجمعة أواجب هو أو مستحب؟ لا عن كون وجوبه من القرآن أو من السنة ، ( إذ لو كان السؤال عن هذا لكان ذكر العيدين لغواً من السائل ، فإن المستحب لا معنى لكونه من القرآن أو من السنّة )(٢) . والخبر الأخير مؤيّد لإرادة المستحب إذا تأمّله المتأمّل )(٣) .

وأمّا رابعاً : فلأنّ استعمال الوجوب في الاستحباب الكامل موجود بكثرة ، ووجود السنة بمعنى ما ثبت بالسنّة كذلك ، وترجيح أحدهما على الآخر إذا لم يمكن فالأصل يعمل مقتضاه(٤) إلى أن يثبت ما يقتضي الخروج عنه.

وأمّا الخبر الثاني : فالأمر فيه بعد ما قرّرناه واضح ، إلاّ أنّ قوله : « إلاّ أن يخاف المسافر على نفسه القُرّ » لا يخلو من إجمال ، فإن خوف القُرّ لا يختص بالمسافر ، ولعلّ المراد أن المسافر مجرد خوفه القُرّ يسقط‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٥ / ١٧٦ ، الوسائل ٣ : ٣٠٣ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

(٢) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

(٣) ما بين القوسين ساقط من « رض ».

(٤) في « رض » : لمقتضاه.

١٣١

الاستحباب عنه أو الوجوب ، بخلاف الحاضر ، فإنّه لا بد من ظنٍّ أقوى ، والله أعلم بالحال.

اللغة :

قال في القاموس : القُرّ ، بالضم : البرد ، أو يخصّ بالشتاء(١) .

قال :

فأمّا ما روي من أن غسل الجمعة واجب فأُطلق(٢) عليه لفظ الوجوب فالمعنى فيه تأكد(٣) السنّة وشدة الاستحباب فيه ، وذلك يعبر عنه بلفظ الوجوب ، فمن ذلك :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : سألته عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال : « واجب على كل ذكر وأُنثى من عبد وحرّ ».

وبهذا الاسناد عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن عبد الله قال : سألت الرضاعليه‌السلام عن غسل يوم الجمعة؟ فقال : « واجب على كل ذكر وأُنثى من حرّ وعبد ».

السند‌

في الأوّل : حسن.

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١١٩ ( القر ).

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ : وأُطلق.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٥ : تأكيد.

١٣٢

والثاني : فيه سهل بن زياد وقد تقدم القول فيه(١) ؛ ومحمد بن عبد الله مشترك(٢) ، ولا يخفى ما في قول الشيخ : وبهذا الاسناد عن محمد ابن يعقوب.

المتن :

ما ذكره الشيخ في حمل الوجوب على تأكّد الاستحباب ، قد تقدم الوجه فيه ، غير أنّه يبقى أن يعلم أن أهل الخلاف رووا في كتب حديثهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « غسل الجمعة واجب على كل محتلم »(٣) .

وذكر بعض الشراح للحديث : أن بعض الناس قال بالوجوب لظاهر الخبر ، وخالف الأكثر فقالوا بالاستحباب ، قال : وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر ، فأوّلوا صيغة الوجوب على التأكيد كما يقال : حقك واجب عليّ(٤) .

وهذا كما ترى يقرّب أن يكون الأخبار الواردة بالوجوب عندنا محمولة على التقية ، وإن كان بعضهم قائلاً بالاستحباب ، لأن التقية لا تقتضي إجماعهم على مقتضاها ، بل مخافة القائل إذا كان من أهل الشر بالوجوب كافية في التقية ، كما يعلم من أخبارنا الواردة بالتقية.

وما ذكره الشارح لحديثهم : من التمثيل بقوله : حقك واجب عليّ. يدل على أنّ الوجوب يراد به المبالغة ، وحينئذ يتم حمل الشيخ وغيره على‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ١٢٩ ١٣٠.

(٢) هداية المحدثين : ٢٤١.

(٣) سنن الدارمي ١ : ٣٦١ ، صحيح البخاري ٢ : ٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٦ / ١٠٨٩.

(٤) نقله في فتح الباري ٢ : ٢٨٩.

١٣٣

إرادة تأكّد الاستحباب ، لا أنّ المراد بالوجوب المعنى اللغوي وهو الثبوت ، إذ ليس له كثير فائدة ، فليتأمّل ، هذا.

قال :

فأما(١) ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن ابن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلّى ، قال : « إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب(٢) ، وكذلك ما روي في قضاء غسل الجمعة من الغد وتقديمه يوم الخميس إذا خيف الفوت ، فالوجه(٣) فيه الاستحباب.

روى ما ذكرناه أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يدع الغسل يوم الجمعة ناسياً أو غير ذلك؟ فقال : « إن كان ناسياً فقد تمت صلاته ، وإن كان متعمداً فالغسل أحبّ إليّ ، فإن هو فعل فليستغفر الله تعالى ولا يعود ».

محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جعفر بن عثمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار ، قال : « يقضيه من‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٨ : وأمّا.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٨ زيادة : دون الفرض والإيجاب.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٣ / ٣٣٨ : الوجه.

١٣٤

آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت ».

وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الباب في كتابنا تهذيب الأحكام(١) ( وفيه كفاية إن شاء الله تعالى ) (٢) .

السند‌

في الأوّل : موثق.

والثاني : فيه محمد بن سهل ، وهو ابن اليسع من رجال الرضاعليه‌السلام مذكور مهملاً(٣) ، وأبوه ثقة ثقة(٤) ، وإنّما كان ابن اليسع لأنّ الراوي عنه أحمد ابن محمد بن عيسى كما ذكره شيخنا المحقق سلّمه الله في فوائد الكتاب.

والثالث : فيه جعفر بن عثمان وهو ابن شريك ، أخو الحسين بن عثمان بقرينة رواية ابن أبي عمير عنه كما في النجاشي(٥) ، وهو مذكور مهملاً ، ولا يبعد أن يكون هو الرواسي ، لأنّ الكشي قال : عن حمدويه : سمعت أشياخي يذكرون أنّ حماداً وجعفراً والحسين بن عثمان بن زياد الرواسي وحماد يلقب بالناب كلّهم فاضلون خيار ثقات(٦) . غير أنّ التوثيق من شيوخ حمدويه ، وهم غير معلومي الحال ، إلاّ أنّ الظاهر كونهم من أهل الاعتبار كما في غيرهم من شيوخ الأجلاّء ، وحمدويه منهم ، فقد‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٠ ١١٣.

(٢) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٠.

(٣) رجال الطوسي : ٣٨٨ / ٢٥.

(٤) رجال النجاشي : ١٨٦ / ٤٩٤ ، والموجود فيه توثيقه مرّة واحدة ، رجال ابن داود : ١٠٨ / ٧٤٧ ، منهج المقال : ١٧٧.

(٥) رجال النجاشي : ١٢٤ / ٣٢٠.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠.

١٣٥

وثّقه الشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام (١) .

وما يقال(٢) من أن في شيوخ حمدويه ما(٣) هو ثقة والإضافة في شيوخه تفيد العموم فيدخل فيهم الثقة لم أعلم وجهه إلاّ من كون حمدويه يروي عن يعقوب بن يزيد وهو ثقة ، فيكون من جملة الشيوخ ، وهو غير بعيد ، وفي بعض المواضع من الكشي نقل حمدويه عن أشياخه وقال : منهم العبيدي وغيره(٤) . والعبيدي على ما أظن ثقة.

نعم قد يحصل التوقف في الاتحاد مع ابن شريك ، لأن مقتضى كون الجدّين زياداً المغايرة لابن شريك ، إلاّ أن يقال : إنّ شريكاً جدّ أعلى [ لجعفر(٥) ].

والحق أنّ كلام الكشي(٦) إنّما يقتضي أنّ الحسين بن عثمان هو ابن زياد ، لا أنّ الجميع بنو زياد ، إلاّ أن يقال : إنّ العبارة بنى زياد ، كما هو الظاهر من أنّ الكلام في بيان حال الإخوة الثلاثة ، وفيه : أنّ ظهور كون النقل لبيان الإخوة محل كلام ، بل يجوز أنّ المقصود ذكر الأخوين مع ذكر حمّاد الرواسي والمناسبة لذكره معهما لاقتضاء المقام ذلك في الوقت ، كما ينبئ عنه الوصف بالرواسي دون من معه ، بل المذكور في جعفر بن عثمان أنّه الكلابي.

والحسين بن عثمان قد وقع فيه الاضطراب كما يعرف من كلام‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤٦٣ / ٩.

(٢) في « رض » : قد يقال.

(٣) كذا في النسخ ، والأولى : من.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٢٦.

(٥) في النسخ : لعثمان ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) في النسخ : النجاشي ، والصحيح ما أثبتناه.

١٣٦

العلاّمة في الخلاصة(١) وكلام غيره(٢) ، فإن [ الكشي(٣) ] لم يذكر الحسين بن عثمان بن شريك ، والنجاشي ذكره(٤) وذكر الأحمسي(٥) .

ولا يبعد أن يكون الحسين بن عثمان الواقع في عبارة الخلاصة ابتداء كلام لذكر رجل ثالث ، وهو الذي ذكره الكشي ، وهو ابن عثمان بن زياد ، فيكون العلاّمة ذكر ثلاثة رجال كل واحد اسمه الحسين بن عثمان وكلمة « عن » الواقعة في كلام العلاّمة قبل لفظ الحسين سهو وصوابه إلحاق الهاء به ، والمعنى : أن الحسين بن عثمان بن شريك له كتاب يرويه محمد بن أبي عمير عنه كما في النجاشي(٦) .

وهذه عبارة الخلاصة : الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ، له كتاب يرويه محمد بن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان ، قال الكشي : عن حمدويه عن أشياخه أن الحسين بن عثمان خير فاضل ثقة(٧) .

وبالجملة : فالمقام لا يخلو من إشكال كما يعلم من ملاحظة كتب الرجال.

وأمّا سماعة فحاله قد تقدم(٨) .

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٥١ / ١٥.

(٢) منهم ابن داود في رجاله : ٨١ / ٤٨٦.

(٣) في النسخ : العلاّمة ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) رجال النجاشي : ٥٣ / ١١٩.

(٥) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢٢.

(٦) رجال النجاشي : ٥٣ / ١١٩.

(٧) خلاصة العلاّمة : ٥١ / ١٥.

(٨) راجع ج ١ ص ١٠٨ ١١١.

١٣٧

المتن :

في الأوّل : ما ذكره الشيخ فيه من الحمل على الاستحباب ، الظاهر أنّ مراده به فعل الغسل لما تقدم من أنّه غير واجب. ولا يخفى عليك أنّ ظاهر الخبر أنّه إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ، والوقت المذكور هو وقت الصلاة ، إذ لو أُريد به وقت الغسل لم يتم ، لأنّ وقته قبل الزوال(١) في المشهور ، وإذا كان قد صلّى فقد فات وقت الغسل وبقي قضاؤه ، وحينئذ فوجوب القضاء وعدمه لم يتقدم ما يدل عليه ليحمل الخبر على الاستحباب ، إلاّ أن يكون مقصود الشيخ أن الأداء إذا لم يجب لا يجب القضاء ، وفيه أنّه لا ملازمة بين الأداء والقضاء ، بل هو حكم آخر.

ولو أراد الشيخ استحباب إعادة الصلاة أشكل أوّلاً بأن الصلاة إن كانت جمعة فاستحباب قضائها أشدّ إشكالاً ، وإن كانت ظهراً أمكن ، وكذلك إعادة الجمعة ظهراً ، إلاّ أن المقام مقام إعادة الغُسل استحباباً لمعارضة الأخبار ، إلاّ أن يقال : إن الخبر تضمّن أمرين : إعادة الصلاة والغسل ، فلا يضر بالحال زيادة الحكم فيه.

وممّا يؤيّد إرادة الشيخ استحباب الغسل قوله : وكذلك ما روي في قضاء غسل يوم الجمعة إلى آخره. وبالجملة فالمقام(٢) لا يخلو من إجمال ، ومن لم يعمل بالموثق في راحة من ذلك.

وأمّا الخبر الثاني : فهو دال على تأكّد الاستحباب ، إلاّ أن في متنه‌

__________________

(١) ممّن قال به الشيخ في المبسوط ١ : ٤٠ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ١٢٤ ، والمحقق في المعتبر ١ : ٣٥٤ ، وصاحب المدارك ٢ : ١٦١.

(٢) في « فض » : والكلام.

١٣٨

نوع إجمال كما يعرف من مراجعته ، وذكر الاستغفار فيه لا يدل على الوجوب لوجود المعارض ، وربما دلّ على عدم إعادة الصلاة مع تعمّد ترك الغسل ، أمّا مع النسيان فمفهومه الإعادة.

والثالث : فيه دلالة على القضاء آخر النهار ، وفي بعض الأخبار ما يدل على فعله بعد الزوال إلى الليل من غير ذكر القضاء ، إلاّ أن المحقق في المعتبر ادّعى الإجماع على أن وقته قبل الزوال(١) ، وربما كان المراد أن الوقت قبل الزوال مجمع عليه ، لا أن الإجماع على عدم الوقت بعده. وفيه بُعدٌ ، وعلى تقدير الانتفاء بعد الزوال فلعلّ المطلق من الأخبار محمول على المقيد.

واحتمال أن يراد بالقضاء في هذا الخبر فعل الغُسل لوجود إطلاق القضاء على ذلك في الأخبار ممكن ، لولا الإجماع ، وقوله : « فليقضه يوم السبت » وفي بعض الأخبار المعتبرة دلالة على عدم القضاء ، ويمكن حمله على عدم اللزوم ، وكان على الشيخ أن يذكره هنا ، والله تعالى أعلم بالحال.

قال :

أبواب الجنابة وأحكامها‌

باب أن خروج المني يوجب الغسل على كل حال‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المفخّذ أعليه (٢) غسل؟ قال : « نعم إذا أنزل ».

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٥٤.

(٢) في النسخ : عليه ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤١.

١٣٩

فأمّا ما رواه عليّ بن جعفر ، [ عن أخيه موسىعليه‌السلام ](١) قال : سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبّلها فيخرج منه المني ما عليه؟ قال : « إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنّما هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس ».

فلا ينافي ما قدّمناه : من أن خروج المني يوجب الغسل على كلّ حال ، لأن قولهعليه‌السلام : « إن (٢) كان هو شي‌ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » معناه إذا لم يكن الخارج منيّاً ، لأن المستبعد في العادة والطبائع أن يخرج المني من الإنسان ولا يجد له شهوة ولا لذة ، وإنما (٣) أراد به إذا اشتبه على الإنسان فاعتقد أنّه مني وإن لم يكن في الحقيقة منيّاً يعتبره بوجود الشهوة من نفسه ، فإذا وجد وجب عليه الغسل ، فإذا لم يجد علم أن الخارج منه ليس بمني.

السند‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : صحيح على ما قدّمناه ، لأن الطريق في المشيخة إلى عليّ بن جعفر : الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه محمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي النيشابوري البوفكي(٤) ، عن عليّ بن جعفر(٥) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين ليس في النسخ ، أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٢.

(٢) في النسخ : إذا ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٤ / ٣٤٢.

(٣) في النسخ : إنما ، وما أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٠٥ / ٣٤٢.

(٤) في « رض » : البرفكي ، وفي « فض » : النوفلي.

(٥) مشيخة التهذيب ( التهذيب ١٠ ) : ٨٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469