إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

إستقصاء الإعتبار12%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52696 / تحميل: 5853
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٤-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولد نبيك وولد حبيبك محمّد الذي اصطفيته بالرسالة، وأتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين »(١) .

لقد قرأ أبو عبد اللهعليه‌السلام هذا الدعاء عندما أحاط به ثلاثون ألفاً، وربما يكونعليه‌السلام قد قرأه بعد أن وقع أصحابه وأهله صرعى مضرّجين بدمائهم على أرض كربلاء، ومع ذلك فقد كانت بصائر الإيمان تتلألأ وتتجلّى في ملامحه، فكان كلما ازدادت المصاعب عليه ازدادت طلعته بهاءً وانشراحاً؛ لأنه كان يعلم أنه قد نجح في أكبر تجربة، وأعظم بلاء فشل فيه الآخرون.

إن هذا الدعاء هو الذي جعل أبا عبد اللهعليه‌السلام مقياساً وإماماً لنا، وقدوة إلى الأبد، فمثل هذه الروح الإيمانية، والسمو المعنوي جعلا سيدنا أبا عبد اللهعليه‌السلام شعلة وقّادة في نفوس الملايين؛ بحيث إننا نجد اليوم ما نجده من بطولات وشجاعة المجاهدين المتّبعين لنهج الحسينعليه‌السلام .

ولسوف تمتلئ الأرض عدلاً وحقاً بسيف حفيد أبي عبد الله الإمام الحجة المنتظر عجّل الله فرجه الشريف؛ حيث سيخرج هذا الإمام حاملاً سيفه وهو يهتف:« يا لثارات الحسين » .

لا بدّ من صبغة ربّانية

ولذلك فإن نصرة الله تعالى للحسينعليه‌السلام سوف تتجلّى في هذا اليوم؛ لأنّه أعطى لله كل شيء، فهو تعالى الحبل الذي اعتصم به أبو عبد الله، ولا بدّ أن نعتصم به.

وإنّ أهم وصية أوصى بها أنبياء الله

____________________

(١) مقتل الإمام الحسينعليهم‌السلام للسيد المقرم / ٢٨٢.

٢١

وأوصياؤهم هي التقوى والتجرّد من الذات، وهذه الوصية هي أحوج ما نحتاج إليه في حياتنا، وبالذات لمن يعمل في الساحة السياسية؛ فالإنسان الذي دخل ساحة السياسة لا بدّ أن يدخل في لجج من الفساد الاجتماعي والمشاكل والقضايا المعقدة، فلا بدّ للإنسان الرسالي من أن يزداد اتّصالاً بالوحي والتعاليم الإلهية والرجال الربانيين.

ومن جهة اُخرى، إنّ الإنسان الرسالي الذي يخوض المعترك السياسي يواجه ضغوطاً كبيرة؛ فالمستكبرون يوجّهون إليه الضغوط من كل جانب، ومثل هذا الإنسان يختلف عن الإنسان العادي، إنه يحتاج إلى تقوى تحجزه من السقوط في مطبات كثيرة؛ ولذلك فإنّ الرساليين مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يجعلوا صبغتهم العامة صبغة ربانية من خلال اُسلوبين:

١ - الاتصال بالقرآن الكريم

٢ - البحث في سيرة أهل البيتعليهم‌السلام

فنحن كلما بحثنا في سيرتهمعليه‌السلام وازددنا اتصالاً بهم، وازداد تمسّكنا بنهجهم، بذلك يعصمنا الله من المشاكل والأزمات التي تحيط بنا.

هذه هي الوصية الاُولى، أمّا الوصية الثانية تتمثل في أننا - نحن المسلمين - ما نزال متخلّفين في الاستنارة بالشعلة الحسينيّة الوقّادة بالرغم من أن خطباءنا وكتّابنا الأماجد قد فعلوا الكثير في سبيل بث الروح الحسينيّة في نفوسنا، ولو أننا استفدنا من كل جوانب حياتهعليه‌السلام وجعلناه قدوة واُسوة لنا لاستطعنا أن نصل إلى أهدافنا بسرعة أكبر؛ لذلك فإننا مطالبون بإلحاح لدراسة حياة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، وحياة الطيبين من أبنائه، والسائرين على دربه.

٢٢

امتحان الاختيار في ثورة الحسينعليه‌السلام

ليست بطويلة تلك المسافة الزمنية التي تفصل بين ولادتين مباركتين كان فيهما مجد الأمة الإسلاميّة وعزّتها وحياتها الخالدة بخلود رسالتها الإلهية وامتدادها؛ إنهما ولادتان لإنسان واحد جسّد الكمال الذي تصبو إليه الإنسانيّة، ذلك هو السبط الشهيد الحسينعليه‌السلام . وتلكما الولادتان هما الولادة الحقيقية يوم خرج ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من رحم الرحمة المرضي، رحم الطهارة والنور فأنار الدنيا ومَن عليها بإطلالته، ثمّ الولادة المعنوية التي كتبت له الخلد في كل ضمير حيٍّ ينشد الصلاح والخير.

إنها لقصيرة تلك المسافة إذا ما قورنت بذلك الدور التاريخي العظيم الذي ينبغي أن يؤدّي في مثل هذا العمر الزمني. لقد ولد أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ، وفتح عينيه الشريفتين على نور الرسالة المباركة الذي ولد هو الآخر مع ولادته، فشاء الله تعالى أن يندمج نور الرسالة البهي بدم ولحم وروح هذا الوليد الطاهر، وأن يجعل بقاءها وخلودها في عمق الزمان رهن هذا الدم الزكي، وتلك الروح الطاهرة التي

٢٣

تجسدت بولادته وحياته الأبدية في يوم ذروة العطاء والتضحية، يوم كربلاء والشهادة.

سر عظمة وشموخ الحسينعليه‌السلام

وهنا يتبادر إلى أذهاننا السؤال المحوري التالي الذي يتضمّن عدّة تساؤلات: ما الذي جعل الإمام الحسين حسين الحق الشامخ الأبي؟ وما السر الذي جعل أئمة العصمة الهداة أئمة وقادة لنا نحن المسلمين؟ ثمّ ما السر في وقوع الاختيار الإلهي على هذه العصبة الطيّبة من الرجال الأفذاذ فأكرمهم بأنوار الرسالة بأن جعل منهم أئمة بعد أن اختار من اُصولهم الأنبياء والرُّسل؟

هناك تفسير غيبي لا اُريد تناوله؛ لما فيه من عمق واتساع وبحث طويل لا يتّسع له بحثنا هذا. فعلينا أن لا ننسى تلك الحقيقة الغيبيّة، وهي أن لله سبحانه وتعالى في خلقه شؤوناً نحن قاصرون وعاجزون عن الوصول إليها إلاّ بمقدار معرفتها ظاهرياً، والتسليم المطلق لها؛ ولذلك فإن السؤال المحوري الذي طرحناه سيدور جوابه حول ما نفهمه ونعيه ونستفيد منه عملياً.

وأود أن اُقدّم لجواب هذا السؤال مقدمة هي عبارة عن ملاحظة استوحيتها واستلهمتها من مجمل آيات الذكر الحكيم، وآثار العترة الطاهرة التي هي عِدل القرآن؛ هذه الملاحظة تتمثّل في أن الله تعالى خلق الأشياء يوم فطر السماوات والأرض خلقاً واحداً، في حين أنه خلق الإنسان خلقين، فبأمره سبحانه خُلقت الأشياء وصارت وجوداً بتلك القوة الأزلية كما عبّر عن ذلك (جلّت قدرته) بقوله:( إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (يس / ٨٢).

٢٤

فهذا الكون الذي نحسه ونبصره إنما كان رهن (كاف) و(نون) إلهية، ثمّ كانت التطورات والأشياء الاُخرى من صنع الله القدير بأسباب وعوامل وسنن خارجة عن الأشياء. فتحولات الكون وتطوراته ومستجدّاته إنما وجدت بفعل تلك القوانين والسنن الكونيّة التي أودعها الله تعالى في الوجود، هذا في حين أنه تعالى عندما خلق الإنسان وفطره فإنّ إرادته شاءت أن يكون هذا الخلق الواعي والناطق مرّة بيد قدرته وبصورة مباشرة؛ حيث قال جلّ وعلا:( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ ) (ص / ٧١)، ومرة اُخرى بيد الإنسان نفسه بعد أن منحه تعالى ميزة الاختيار وسمة الحرية.

ومنذ ذلك الوقت الذي أمضى فيه الصورة الثانية من الخلق كانت هذه الميزة والسمة الجليلة مشتقّة من اسمه المبارك، بل من أسمائه الحسنى، وهي: الحرية والاختيار والقدرة.

ولقد بلغت هذه القدرة درجة وعظمة مكّنته من أن يسمو ويرتفع إلى مقام ومنزلة من السمو والكمال تبلغ به قاب قوسين أو أدنى من الكمال إن شاء السمو والارتفاع وبلوغ الدرجات العُلا. أمّا إذا شاء هذا الإنسان - والعياذ بالله - أن ينحدر ويهوي إلى أسفل سافلين، والدرك الذي لا يمكن لنا أن نتصوره، فإن هذا بإمكانه أيضاً؛ لأنّ هذا يعود إلى حرية الاختيار والإرادة الممنوحة لهذا الإنسان بالفطرة.

إرادة الإنسان فوق كلّ قوة

إنني وحسب معرفتي ومعلوماتي لم أعثر على قوة ما يمكن أن تسيطر على ذات الإنسان الإرادية وتفرض وجودها عليها، وبمعنى آخر ليست هناك قوة تجبر الإنسان على تغيير سلوكه وتصرفاته

٢٥

من خارج ذاته، بل إنّ هذا التغيير لا يحصل إلاّ من ذات الإنسان؛ فالقوى الخارجيّة إنما تؤثّر في الإنسان بصورة غير مباشرة، فهي تقصد التأثير على الذات أوّلاً، وعندها تقرر الذات هذا التغيير فيخرج إلى الفعل بقوّتها، أي قوة الذات العقلية عند الإنسان.

لقد خُلق الإنسان حين خُلق من مزيج الطين والنور، ومن قبضة التراب التي تغلغلت بين ذرّاته نفحة الروح فكان خلقاً من جنّة في جانب منه، ومن نار في جانب آخر. ويبقى مصيره حينئذ رهن اختياره وسلوكه؛ فإمّا أن يحوّل ذاته إلى السلب والنار، بأن يدس نفسه ويوغل ذاته في تراب الشهوات وأوحال الأهواء الضالة، فيضيع في ركام التيه والخرافة، فتصبح ذاته نارية بكل ما في الكلمة من معنى، فتُحشر مع أهل جهنم وأصحاب السعير.

أمّا عندما تسلك الذات الطريق الموجب؛ طريق الارتفاع والعلوّ والتزكية والسمو نحو الكامل المطلق، فإنها ستغدو حينئذ نوراً بإذن الله، فتنطلق مع أصحاب النور إلى المستقر الخالد والنعيم الأبدي في جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار.

طريقان لا ثالث لهما

فلتنظر الذات الإنسانيّة ولتبصر؛ فالطريق طريقان لا ثالث لهما؛ فإمّا إلى الأعلى مع العلي الأعلى، وإمّا إلى الأسفل مع الشيطان الأدنى. ولينظر الإنسان حينئذ في حياته وكدحه، وفي الطريق التي يسلكها:( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ ) (الانشقاق / ٦).

إنّ كل ما في القرآن وآثار العترة الطاهرة، بل إنّ جميع الرسالات التي حملها رُسل الله وأنبياؤه وأوصياؤه إنما تدور حول هذا المحور،

٢٦

فهي كلّها تؤكّد وتشير إشارات واضحة: أن يا أيها الإنسان، كن على يقظة وحذر، اصحَ من غفلتك، ابتعد عن مسالك الشيطان الكامنة في النفس الأمّارة.

إنّ جميع الرسالات السماوية تصرخ بالإنسان أن عد إلى ذاتك؛ فإنك وحدك القادر على أن تصنع تلك النفس وتخرجها من حالة الأمر بالسوء إلى الأمر بالخير والكمال، فالحركة إنما تنطلق بالإرادة الكامنة في الذات الإنسانيّة.

وهذه الحقيقة هي التي تؤكّدها المدرسة الحسينيّة، وتبثّها من عمق الزمان منذ يوم مصرعه الداميعليه‌السلام وحتى قيام الدولة الفاضلة المثلى على يد حفيده المهدي الموعودعليه‌السلام .

الإمام الحسينعليه‌السلام وامتحان الاختيار

والإمام الحسينعليه‌السلام بطبيعة تكوينه كأي مخلوق إنساني فُطر في خلقه الاختيار كأي إنسان، وقد امتحنعليه‌السلام بالتخيير في أوج حياته الرساليّة، ويا له من تخيير! إنه التخيير بين أمرين، حتّى إنهعليه‌السلام أكّد بنفسه هذه الحقيقة وأشار إليها بقوله:« ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك! هيهات مني الذلة؛ أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طهرت، وحجور طابت » (١) .

فالحسينعليه‌السلام قد تمّ تخييره هنا، وكان بإمكانه أن يختار ويسلك المسلك الذي يرتئيه، وهذا الواقع لا يمكن أن يفر منه إنسان؛ فكل واحد لا بدّ أن يمرّ بامتحان الاختيار هذا في حياته ويُعرّض لابتلاءاته وفتنه؛ بدءً من الرسل والأنبياء، وانتهاءً بمَن هم دونهم ودون

____________________

(١) بحار الأنوار٤٥ / ٨٣.

٢٧

دونهم، فجميعهم مروا بامتحان التخيير وعانوا فتنه ومصائبه، فكان عليهم في ذلك الخضم أن يختاروا ويقرّروا الاتجاه والمسلك.

وقد اجتاز الإمام الحسينعليه‌السلام هذا الامتحان بأعلى درجات التفوق عندما ابتلي بالاختيار، فأطلق ذلك الهتاف الخالد الذي دوّى في عمق التاريخ أن:« هيهات مني الذلة » . فهذه هي خيرة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، وهذا هو قراره التاريخي الذي بيّنه لكلِّ مَن أراد أن يعيش في الحياة حراً. ونحن الذين ندّعي حبَّ الحسينعليهم‌السلام وموالاته لا بدّ لنا من الاقتداء به؛ ليكون هذا الاقتداء مصداقاً للحب والموالاة هذين.

والاقتداء هو قرار ذلك الامتحان، امتحان الخيرة الذي لا مفرّ من التعرض له، فأنا أرى أنّ من المستحيل أن يولد الإنسان في هذا الدنيا وينمو وينضج من دون أن يتعرّض لفتن تقرر وترسم مصيره، فكل إنسان من ذكر واُنثى لا بدّ أن يمر بمواقف وساعات الاختيار.

كيف نختار، وما هي عوامل الاختيار؟

وهنا يبرز سؤال مهم في هذا الصدد، وهو: كيف لنا أن نختار؟ وما هي العوامل التي تكون في عوننا ساعة الاختيار، ولحظات اتخاذ القرار التي هي لحظات خطيرة ومصيرية، وتمتاز بكونها محدودة وخاطفة؟

من هذه العوامل عاملا التربية والوراثة اللذان تؤكّدهما تلك الصرخة الثوريّة التي أطلقها أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام في وجه الاستكبار والانحراف والاستبداد الاُموي.

وهناك عوامل اُخرى يمكن للإنسان الإمساك بزمامها والتحكم بها؛ منها عامل الثقافة، وعامل تاريخ الإنسان وماضيه؛ فالإنسان المنقاد إلى ربه بمواظبته على أداء الفرائض العبادية، والمنشغل ليله ونهاره بذكر الله العظيم، هذا

٢٨

الإنسان متوجّه بدمه ولحمه، وروحه ونفسه وعقله إلى الله سبحانه، لاهج لسانه بترديد الدعاء الشريف:« ربّي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً » (١) .

ولذلك فإنّ يد الرحمة الغيبيّة ستكون في عونه لإنقاذه في لحظة الاختيار، فتثبت قدمه، وتطمئن قلبه، لا تدعه يتزلزل وينهار، ولا تهجره ليصبح عرضة لفتن وابتلاءات الزمان.

ولا عجب من أن تمتد يد الرحمة الإلهية لعون هذا العبد؛ ذلك لأنه قد ذكر ربه في السرّاء من العيش فأجابه ربه، وذكره حين الضراء والشدة. قال الله تعالى:( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) (البقرة / ١٥٢).

وعندما نقرأ تاريخ الإمام الحسينعليه‌السلام قراءة واعية وموضوعية، نجد أنهعليه‌السلام ولد ثانية في كربلاء ساعة نيله تلك المنزلة الرفيعة التي لم ينلها أحد من قبل، وهي منزلة ربّانية اختارها الله تعالى له ليخلد مثالاً وضّاءً في قلب التاريخ لا ينقطع شعاعه، ولا يخمد وهجه رغم كل محاولات الاُمويّين على امتداد هذا التاريخ.

الإمام الحسينعليه‌السلام مجمع الكرامات والفضائل

ترى لِمَ هذا الاختيار الإلهي؟ ربما كان هناك مَن سبق الإمام الحسينعليه‌السلام من الأنبياء في الشهادة، وتلت قافلته مئات القوافل من المؤمنين الشهداء على طريقه، لكن شهادة الحسينعليه‌السلام تتجلى بنور خاص بها، إنها وسام ربّاني قلّ مَن نال شرفه.

____________________

(١) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي / ١٦.

٢٩

ولعلّ أقدس المكرمات التي اُعطيها الحسينعليه‌السلام أن جعل الله سبحانه منه استمرار ذرّيّة الهداية والعصمة الطاهرة، ومنهعليه‌السلام أيضاً ينحدر أصل الإمام الحجة القائم المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً، فهذه هي أعلى المكرمات بعد الشهادة.

ثم إنّ من تلك الكرامات أيضاً أن جعل سبحانه في تربته الشفاء من الآلام والأسقام، ولعلنا كلّنا قد لمسنا وجرّبنا هذه الحقيقة؛ فالكثير منا يروي خلاصه من أخطار جمّة؛ لأنه كان يحمل معه حبّات من تلك التربة الطاهرة التي امتزجت بقطرات دم سيد الشهداء ودم أصحابه الأوفياء.

وأنا هنا لا اُريد أن أزجّ نفسي والقارئ في مخاض غيبي؛ ذلك لأنّ للغيب مقدماته واُصوله وحديثه المسهب. ثمّ إنّ كل امرئ ليس قادراً على استيعاب وتحمّل معاني الغيب وآفاقه الواسعة إلاّ ذلك الذي رُزق الحكمة، واُوتي البصيرة والتدبير والوعي، ولكني اُريد البحث هنا في المعاني البسيطة الظاهرة للأذهان، والمستلهمة من الظاهرة التاريخيّة.

وبعد أن انتهت فصول تلك الملحمة العظيمة في التاريخ البشري باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام وصحبه الأوفياء، همّ نجل الإمام الحسين الشهيد الإمام زين العابدينعليه‌السلام بحمل جثمان أبيه سيد الشهداء، فوجد على ظهره آثار جرح ليس كبقية الجراح، فقد كان يبدو عليه القدم، فقال الإمامعليه‌السلام :« حاشا لله أن يكون والدي قد جُرح من ظهره! » .

وقد صدق زين العابدينعليه‌السلام ؛ فالحسين ما ولّى ولم يولِّ ظهراً لعدوٍ طلبه

٣٠

حتّى يُصاب في ظهره، فهذا هو شأن الأئمةعليهم‌السلام ؛ لأنّ معنى الانهزام وتولية الأدبار لم يك يوجد في قاموس شجاعتهم وفروسيتهم، فمن أين مصدر الجرح هذا إذاً؟

إنه وكما تقول الروايات آثار ذلك الجُراب (الكيس) الذي كان يحمله في تلك الليالي المظلمة؛ فقد كانعليه‌السلام يحمل على ظهره تلك الجراب الملأى بالمساعدات، فيؤدّي خدمة للعباد ابتغاء مرضاة الله. فهذه الخدمات التي قد يستنكف بعضنا عن أدائها قد أدّاها أئمتنا المعصومونعليهم‌السلام ومنهم الإمام الحسينعليهم‌السلام .

إنّ هذه الأعمال الصالحة والخدمات الإسلاميّة العظيمة لا تضيع عند الله سبحانه، وحاشا له ذلك، إنها لا بدّ أن تتحول في يوم من الأيام إلى خدمة كبيرة، ومنزلة عظيمة، ودرجات علوية في الآخرة كما هي في الدنيا، فهذه هي مسيرة الكمال والرفعة؛ درجة بعد درجة حتّى بلوغ القمة.

ماذا نستلهم من شهادة الحسينعليه‌السلام ؟

فإذا كانت الشهادات أوسمة رفيعة على صدور أصحابها، يعلوها جميعاً وسام الإمام الحسين الأوّل، ترى ما الذي نستفيده ونستلهمه ونستوحيه من معانيها؟

إنّ مَن رام في حياته تحقيق أهداف سامية، وبلوغ نتائج عظيمة لا بدّ له من بذل الجهود، وترويض النفس على الإيمان كي تتهيّأ بذلك مقدمات بمستوى تلك الأهداف والنتائج السامية؛ فمن رام بلوغ القمم السامقة لا بدّ أن يوجد في نفسه العزيمة والحيوية الكافيتين، وبدون ذلك لا يمكن تحقيق النتائج العظمى.

٣١

والذي اُريد تأكيده هنا فيما يتعلق بنا - نحن المسلمين - في جميع أنحاء العالم، هو إننا لا ينبغي أن نركز ونؤكّد فقط على تلك اللحظات الأخيرة من حياة سيد الشهداءعليه‌السلام ؛ فعلينا اليوم أن نفهم وندرك معاني حركة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحياته وأهدافه، ونعي معها تلك البصائر التي وضع ورسم خطوطها أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام بدمه وجهاده ورسالته الثوريّة، فلا بدّ لنا من التركيز على هذه البصائر وامتداداتها وأبعادها الواسعة.

فنحن حينما نسأل الله وندعوه أن يرزقنا حسن العاقبة، ويوفقنا إلى عاقبة كعاقبة الحسينعليه‌السلام ، فعلينا أن نهتم بالبداية الحسنة، والبادرة الطيبة؛ وإلاّ فإنّ الهدف ليس سهل المنال كما قد يتصور أحياناً.

تربية الجيل الحسيني

وبمعنى آخر: إذا أردنا أن نبني مجتمعاً حسيني السمة والمنهج والمسيرة، ويتحدى الظلم، ويقارع الإرهاب، ويقاوم الاستبداد، ويقف متحدّياً كلّ المؤامرات والدسائس الاستعمارية، فليس لنا طريق إلى ذلك غير أن ننشأ ونربّي جيلاً حسينياً من كل جوانبه، متسلحاً بمبادئ الرسالة والثقافة الحسينيّة، ومستلهماً منها؛ فثقافة الحسينعليه‌السلام هي ثقافة القرآن أيضاً، وثقافة أبيه وجده (صلوات الله عليهما)، وهي تجسيد حي للثقافة التي تضمنها نهج الجهاد والرسالة والحياة.

ونحن اليوم إذا وجدنا أنّ هناك في بلد ما نظاماً طاغوتياً متسلّطاً، فلنعلم أنّ من المحال أن يكون هذا البلد قرآنياً، فلا بدّ أن تكون قد حدثت قطيعة بين شعب هذا البلد وبين القرآن الذي تراه مصفوفاً على الرفوف، يرقد عليه الغبار والتراب.

وهذا الواقع المأساوي

٣٢

المرفوض ليس ببعيد عنا، أفلا يكفي أن يكون القرآن في متناول أيدينا وأسماعنا ثمّ بعد ذلك كله تجد ثقافاتنا بعيدة كل البعد عن ثقافة القرآن؟ أفلا عدنا من جديد إلى ألف باء الإسلام، وإلى تلاوة جزء عمّ وتبارك؟ فالذي يقود حركة الشعوب ونهضتها نحو التحرر والاستقلال والكرامة هو البصائر والرؤى والثقافات التاريخيّة العريقة التي بنت أمجاد الأمم والتي لا نراها غير البصائر والثقافات القرآنية.

بعد هذا كلّه دعونا نعود إلى البداية وننطلق منها ثانية، هلموا بنا نربي وننشأ أجيالنا وأطفالنا على تلك الرؤى والبصائر القرآنية؛ على نهج النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وما رسموه لنا من خطوط في العمل والمواقف والسياسات.

إذاً لا بدّ لنا من أن ننهض نهضة قرآنية حسينيّة حقيقية تتجسد في واقع حياتنا المعاش، فعندما نتلو القرآن يجب أن نتلوه تلك التلاوة التي تحوّله إلى جزء من حياتنا وواقعنا. فهذا هو كله ما يجب أن نتّخذه محوراً في حياتنا كمسلمين حقيقيين، ومؤمنين رساليين، وبذلك تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات حسينيّة.

الشعارات وحدها لا تكفي

إنّ اُولئك الذين يريدون أن تبرز الثورات إلى الوجود بمجموعة من الشعارات والتظاهرات، فإنّ هؤلاء يتّصفون بنوع من السذاجة السياسية وتجاهل الحقائق، وقد آثروا نوعاً من العودة إلى حالة الراحة والاسترخاء، في حين أن الثورة هي مسيرة صعبة وعرة؛ لأنّ الذي يتصدّى لمسؤوليتها، وينطلق في ركابها، إنما يريد أن يحدث تغييراً وانقلاباً كبيرين.

٣٣

إنّ العالم الإسلامي يعيش اليوم صحوة إسلاميّة، وهو مستعد اليوم للقيام بالثورات، لكن هذا الاستعداد كما يبدو لي يشبه الذي حدث في سنة (١٩٢٠) من هذا القرن؛ فقد كانت هناك أيضاً صحوة إسلاميّة وربما على نطاق عالمي، لكن هذه الصحوة لا تبقى دائماً ولا تتوَّج بالانتصار في جميع الحالات.

فلا بدّ إذاً أن يكثف علماء ومفكّروا الاُمة الإسلاميّة من جهودهم، ولا بدّ أن يخططوا بكلِّ ثقة وجدّية وإخلاص، ويحشدوا طاقاتهم الفكرية في صياغة وبناء استراتيجيات ثقافية ثابتة لهذه الاُمة، أمّا إذا كانت المسيرة كلاسيكية منسجمة مع واقع تاريخ الأمس فإننا لن نجني إلاّ ما جنوا؛ أي أنّ الواقع السلبي سيتكرر بطريقة أو باُخرى.

علينا إذاً أن نطوي ذلك الماضي ونبدأ من جديد نهضة وانطلاقة جديدة من هذا المضمار؛ فها هي البصائر الإلهية التي يجب أن تترسّخ في قلوبنا، وتتكرّس في نفوسنا وأرواحنا، وإنّ ما يجري ويدور اليوم هنا وهناك من محاولات، وما يبذل من جهود لترقيع ولملمة الساحة دون الالتفات إلى ضرورة إيجاد محاور حقيقية تفجر الساحة وتحوّلها إلى ميدان حسيني، كل ذلك لا أراه إلاّ تضييعاً للجهود والفرص، وأعمالاً عابرة لا تجدي نفعاً، وهي إن أثمرت فإنّ ثمارها لا تُسمن ولا تغني من جوع.

إننا لا نستطيع أن نستجدي نصراً، أو نسترد حقوقاً من خلال اتّكالنا على منظمات حقوق الإنسان وغيرها، وهل تتوقع خيراً وفرجاً يحققه لنا اُولئك الذين فعلوا ما فعلوا بنا بالأمس القريب، اُولئك الذين قتلونا وعذّبونا، وأبعدونا عن ديارنا وأوطاننا، ومزّقونا

٣٤

كل ممزق، ثمّ بعد ذلك كله نطلب العون ونستجدي المناصرة منهم؟!

إنها سذاجة أن نفعل ذلك، وإنها لتعاسة نحن نعيش فيها عندما غدونا نتشبث بهؤلاء الشراذم فنهرب منهم إليهم، ونعوذ من غضبهم برحمتهم، وقد نسينا أنّ ربنا تعالى هو الأحق بالهرب منه إليه.

إنّ الموضوع المهم الذي اُريد الإشارة إليه هنا أنّ الحق يؤخذ ولا يُعطى، فنحن لا ننال الحق إلاّ بوعينا وتخطيطنا الهادف، وإستراتيجيتنا الحكيمة من خلال تفجير ثورة حقيقية.

إذاً فنحن بحاجة إلى عودة لتلك الجذور والأصول الخيرة، كما أنّ المسيرة بحاجة إلى جهود وطاقات لا تنضب ولا تكل من الحركة المستمرة والعطاء المتواصل.

٣٥

القمم الشامخة في النهضة الحسينيّة

مثل الناس في الحياة كمثل الجبل المرتفع الذي ترى فيه القمة العالية، والسفح العالي، ثمّ السفوح الواطئة حتّى تصل إلى الوادي السحيق. وهكذا الحال بالنسبة إلى الناس؛ فالبعض منهم يعيش في القمة، وآخرون يعيشون في أعالي السفح، وهكذا حتّى تصل إلى فريق من الناس يعيشون في مستوى متدنٍ.

كيف نعرف درجتنا الإيمانية؟

والمراقب الذي ينظر من بعيد إلى منظر كهذا، من السهل عليه أن يميّز درجات الناس، ولكن الذي يجلس في موقع من مواقع الجبل فإنّ من الصعب عليه أن يميّز موقعه، ربما يمكنه أن ينظر إلى مَن هو تحته فيدرك أنه أقل منه مستوى، ولكن هل يستطيع أن يميّز من هو فوقه؟

وفي الواقع فإنّ القليل من الناس يستطيعون ذلك، فالأمر ليس بهين؛ ذلك لأنّ حب الذات، والأنانية المقيتة، واعتقاد الإنسان بأنّ خطه هو السليم، كل ذلك لا يدعه أن يفكّر في موقعه الذي هو فيه.

٣٦

والذي يزيد الطين بلّة إن غالبية الناس يعلمون أنّ هناك اُناساً قد استقروا في أعالي القمم، وأنهم هم الحجة الذين ينبغي أن نحاول الوصول إلى مستويات قريبة من مستواهم، فنحن نعلم أن علينا الاقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث يقول تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب / ٢١)، وكذلك الحال بالنسبة إلى الاقتداء بالأئمة الأطهار والأولياء والصالحين.

نحن نعلم كل ذلك، ولكننا مع ذلك لا نعلم المستوى الذي نستقر فيه، وعليه فإننا لا نعلم حجم الجهد الذي يجب أن نبذله لنصل إلى تلك القمة.

فأنت - على سبيل المثال - تقف عند قبور أنصار الحسينعليه‌السلام وتقول: فيا ليتني كنت معكم فأفوز معكم(١) ، ولكن هل تدري معنى ما تقوله؟ وهل تعرف موقعك بالنسبة إلى من تريد أن تكون معهم؟ لو كُشف لك الغطاء لعلمت بأنهم في قمة شاهقة وأنك في السفح الداني، وأنّ عليك أن تصعد عالياً وطويلاً حتّى تصل إلى القمة؛ فقد كان الواحد منهم مثل حبيب بن مظاهر الأسدي يختم القرآن في ليلة واحدة؛ فقد كان يبدأ بقراءة سورة الحمد عند أول الليل وينتهي إلى كلمة الناس في ثانية المعوذتين عند طلوع الفجر أو قُبيله.

وأنا هنا أدعوك لأن تجرب هذا العمل ولو لمرة واحدة، وعند ذاك انظر هل تستطيع أن تكون معهم أم لا؟ فإن لم تستطع، ووسوسة

____________________

(١) مفاتيح الجنان - زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام - الزيارة السابعة.

٣٧

لك نفسك بأنك تريد أن تنام وترتاح، فعليك أن تفعل ذلك في ثلاث ليال، فإن لم تستطع ففي خمس أو عشر، وإن لم تستطع فاختم القرآن في ثلاثين ليلة، وهكذا فإنّ عليك أن تصعد ثلاثين درجة حتّى تحرز صفة من صفات حبيب بن مظاهر.

لنحاول أن نكون كأصحاب الحسينعليه‌السلام

حاول أن تصل إلى درجة الحر بن يزيد الرياحي مثلاً، فإن صممت على ذلك فعليك أن تجرب نفسك كقائد جيش أو ضابط فيه؛ حيث وسائل التضليل والتزوير، والترهيب والترغيب متوفرة، وحيث هناك عمليات منظمة لغسيل الدماغ سُلّطت عليك ليل نهار فصوّرت لك أنّ الحسينعليه‌السلام خارجي، وأن شريحاً قد أفتى، وخليفة المسلمين أمر، وأمير الكوفة نفّذ، والحسينعليه‌السلام خالف، كلّ هذه الأوضاع تدعوك إلى أن تتبع الأوامر لأنك عسكري، ولكن عليك كإنسان أن تتجاوز هذه الأوضاع، وتثور على هواك فتنتصر عليه، وتنضم إلى جانب الحق. وهذا هو ما فعله الحر، فإن أردت أن تكون معه فأفعل ما فعله.

وإذا ادّعيت أنك تستطيع أن تصل إلى درجة الأصحاب؛ لأنك رجل مؤمن، أو عالم دين، أو خطيب مقتدر، فجرّب نفسك إذا ذهبت مرة إلى مجلس ورأيت خطيباً يصعد المنبر وقد التفّ الناس من حوله، في حين أنّ منبرك لا يحضره إلاّ القليل، فقد تتساءل في هذه الحالة: لماذا التفّ الناس حول هذا الخطيب وتفرّقوا من حولي؟

وحينئذ ستوحي لك النفس الأمارة بالسوء بأنه ينتمي إلى الجماعة الكذائية،

٣٨

أو لأنه يكذب في كلامه، أو لأنه كذا وكذا … وهكذا يوسوس الشيطان في صدرك حتّى تكاد تصدق الأمر، ولكن - إذا كنت مؤمناً حقاً - سرعان ما يرد إلى ذهنك نداء يدعوك إلى العدول عما وسوسه لك الشيطان، والعودة إلى ما يأمرك به القرآن.

وهكذا فإنّ هداية الله تأتيك في لحظات، وتمرّ عليك كالبرق الخاطف في الليالي المظلمة، فإن كنت ذا إرادة قوية فإنك ستتمسّك بهذه الهداية، وتنقذ نفسك من الهلاك. وإذا ما نُصبت - على سبيل المثال - إماماً لجماعة في مسجد، ثمّ جاء آخر أفضل منك، فعليك أن تختار التنازل عن هذه الإمامة لذلك الرجل؛ لأنه أجدر بها، فهل لك القدرة والإرادة لأن تقوم بذلك؟ فأنت إذا ما تمسّكت بحبل الله المتين فسوف يطمئن قلبك، وتستطيع أن تزيل النواقص الموجودة فيك.

لنتجاوز نواقصنا البشرية

أرأيت كيف أنّ أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ضحّوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؟ إنّ هذه التضحية لم تكن في مقدورهم ما لم يتجاوزوا النواقص البشرية والوساوس الشيطانيّة في أنفسهم.

فالحرّ قد قتل نفسه الأمارة بالسوء في لحظة واحدة؛ فتقدم نحو نور الهداية تاركاً وراءه الحقد والحسد، وحب الرئاسة والانحرافات الاُخرى، وكذلك بقية أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ إذ إنهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، فالعباسعليه‌السلام كان راكباً فرسه ليل نهار يحمي أهل البيتعليهم‌السلام ، وعندما اقتحم بفرسه هذا المشرعة مد يده الكريمة ليغترف غرفة من الماء يشربها، فيدور في ذهنه ما يدور، ويلقي الماء ويقول:

٣٩

يا نفسُ من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنتِ أن تكوني

هذا الحسين شارب المنونِ

وتشربين بارد المعينِ

والله ما هذا فعال ديني

ولا فعال صادقِ اليقينِ

فهذه هي الإرادة المثلى، فقس إرادتك على ضوئها، فأنت عندما تصوم في أيام الصيف فإنك تذهب لتغسل وجهك عدّة مرات في اليوم، وتنام تحت المكيف، فهل يمكن أن تقاس إرادة العباسعليه‌السلام بإرادتك؟ ومع ذلك فإن من لطف الله تعالى أن لا يمتحن عباده بامتحانات صعبة دائماً، وذلك جاء في الدعاء القرآني:( رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) (البقرة / ٢٨٦)، كما جاء به الدعاء أيضاً:« اللّهمَّ إني أعوذ بك من جهد البلاء » (١) .

أما إذا كان إيمان الإنسان ضعيفاً، فإنه لا يستطيع أن يجتاز الامتحان وإن كان سهلاً.

أصحاب الحسينعليه‌السلام قمم شامخة

نحن حينما نقف أمام هذه القمم العالية لا بدّ أن نشحن إرادتنا وعزيمتنا بمزيد من القوة تمكّننا من أن نغذّي السير في مسيرة تكاملية مستمرة توصلنا إليهم، أو إلى القرب من درجاتهم، ولا نكن مثل ذلك الرجل الذي كان يقول في نفسه: مَن هم أصحاب الحسين؟ إنهم لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم قاوموا الأعداء ساعة واحدة ثمّ قتلوا، في حين أنني أفيد المجتمع.

____________________

(١) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي / ١٥٤.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل ، قال : « إن أنزلت فعليها الغسل ، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل ».

السند‌

في الأوّل : ظاهر الحال لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه ، إلاّ أنّه ينبغي أن يعلم أن عمر بن أُذينة الظاهر أنّه عمر بن محمد بن أُذينة كما هو في النجاشي(١) .

والشيخرحمه‌الله ذكر في أصحاب الصادقعليه‌السلام من كتاب الرجال عمر ابن أُذينة مهملاً(٢) ، وفي أصحاب الكاظمعليه‌السلام قال : عمر بن أُذينة ثقة له كتاب(٣) .

وفي الفهرست : عمر بن أُذينة ثقة له كتاب(٤) .

والكشي قال : ما روي في عمر بن أُذينة(٥) .

وابن داود جعل عمر بن أُذينة غير عمر بن محمد بن أُذينة(٦) .

وكتب جدّيقدس‌سره في بعض فوائده على كتابه : أن الحق أنهما واحد(٧) ، وأظنّ أنّ كلام ابن داود لا وجه له ، وما قد يتوهم من كلام‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٨٣ / ٧٥٢.

(٢) رجال الطوسي : ٢٥٣ / ٤٨٢.

(٣) رجال الطوسي : ٣٥٣ / ٨.

(٤) الفهرست : ١١٣ / ٤٩٢.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٢٦.

(٦) رجال ابن داود : ١٤٤ / ١١١١ و ١٤٦ / ١١٣١.

(٧) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ٢٠ ( مخطوط ).

١٦١

النجاشي يدفعه أنّه قال في آخر الطريق إليه : عن عمر بن أُذينة.

واتفق للعلاّمة في الخلاصة أنّه نقل عن الكشي أنّه قال : قال حمدويه : سمعت أشياخي منهم العبيدي وغيره أن ابن أُذينة كوفي وكان هرب من المهدي ومات باليمن ، فلذلك لم يرو عنه كثير(١) .

وابن طاوس نقل الحكاية وقال : لم يرو عنه كتبه(٢) . والعلاّمة كثير التبع لابن طاوس ، فربما احتمل كون لفظ « كثير » تصحيف « كتبه » إلاّ أن المنقول في كتاب شيخنا سلمه الله عن الكشي كما في الخلاصة(٣) .

وما قاله في الخلاصة : من أن عمر بن أُذينة يقال : اسمه محمد بن عمر بن أُذينة غلب عليه اسم أبيه(٤) . هو قول الشيخ في كتاب الرجال ، فإنه قال في موضع من رجال الصادقعليه‌السلام : محمد بن عمر بن أُذينة غلب عليه اسم أبيه(٥) .

وفي الثاني : لا يخلو من ارتياب في رواية أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير بغير واسطة كما قدمنا فيه كلاماً أيضاً ، إلاّ أن الغالب كونها الحسين بن سعيد ، والمرتبة لا تأبى رواية أحمد عن ابن أبي عمير.

ثم إن العدّة التي يروي عنها محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمد ما ذكره العلاّمة في الخلاصة نقلاً عن محمد بن يعقوب أنّه قال : والمراد بقولي : عدة من أصحابنا يعني عن أحمد بن محمد بن عيسى هو محمد ابن يحيى ، وعليّ بن موسى الكُميذاني ، وداود بن كورة ، وأحمد بن‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ١١٩ / ٢.

(٢) التحرير الطاووسي : ٤١٨.

(٣) منهج المقال : ٢٤٩.

(٤) خلاصة العلاّمة : ١١٩ / ٢.

(٥) رجال الطوسي : ٣٢٢ / ٦٨٢.

١٦٢

إدريس ، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم(١) .

وأنّه قال أيضاً : كلّما ذكرته في كتابي المشار إليه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي : فهم عليّ بن إبراهيم ، وعليّ بن محمد ابن عبد الله بن أُذينة ، وأحمد بن عبد الله بن أُميّة(٢) ، وعليّ بن الحسن.

وحينئذ فأحمد بن محمد المذكور في الحديث المبحوث إن كان ابن خالد أو ابن عيسى فالحال ما سمعته ، وإن كان الظاهر أنّه ابن عيسى ، وما قاله العلاّمة في الخلاصة لم نره في الكافي.

والنجاشي ذكر في ترجمة الكليني ما هذا لفظه : وقال أبو جعفر الكليني : كلما كان في كتابي عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى فهم(٣) . إلى آخر ما قاله العلاّمة في ابن عيسى.

نعم في الكافي ، في باب المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه : عدّة من أصحابنا عليّ بن إبراهيم ، ومحمد بن جعفر ، ومحمد بن يحيى ، وعليّ بن محمد بن عبد الله القميّ ، وأحمد بن عبد الله ، وعليّ بن الحسن جميعاً عن أحمد بن محمد بن خالد(٤) ، وفي أول حديث في الكافي عدّة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد(٥) .

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٢٧١ ، ٢٧٢.

(٢) في « فض » : زيادة : هكذا في الخلاصة وأظنه ابن ابنته أي ابن ابنة أحمد بن محمد بن خالد.

(٣) رجال النجاشي : ٣٧٧ / ١٠٢٦.

(٤) الكافي ٦ : ١٨٣ / ٥. إلاّ انه قال : عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد. ولم يصرح باسم العدّة. ولكن نقله عن نسخة من الكافي في الوسائل ٢٣ : ٣٧ أبواب العتق ب ١٨ ح ٥.

(٥) أصول الكافي ١ : ١٠ / ١.

١٦٣

ولا يبعد أن يكون هذا عاما لكل عدّة ، إلاّ أنّه خاص بأحمد بن محمد بن عيسى على ما في الخلاصة والنجاشي ، لأنّ محمد بن يحيى ليس في العدّة التي تروي عن أحمد بن محمد بن خالد على ما سمعته من نقلهما.

المتن :

ما ذكره الشيخ في الأوّل لا يخلو من وجه ، واستدلاله بالخبر الثاني غير محتاج إليه ، لكثرة الأخبار الدالة عليه كما لا يخفى.

اللغة :

قال ابن الأثير في أحكام الأحكام : الاحتلام في الوضع افتعال من الحُلْم بضم الحاء وسكون اللام ، وهو ما يراه النائم في نومه ، يقال منه حلم واحتلم ، واحتلمت به واحتلمته ، وأمّا في الاستعمال والعرف العام فإنه قد خصّ هذا الوضع اللغوي ببعض ما يراه النائم وهو ما يصحبه إنزال الماء ، فلو رأى غير ذلك لصح أن يقال له احتلم وضعاً ولم يصح عرفاً.

وفي النهاية : الهاء في « هراق » بدل من همزة أراق ، يقال : أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء ، وقد يقال فيه : أهرقت الماء اهرقه إهراقاً فيجمع بين البدل والمبدل(١) .

قال :

فأمّا ما رواه الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن نوح بن‌

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٥ : ٢٦٠.

١٦٤

شعيب ، عمّن رواه ، عن عبيد بن زرارة قال : قلت له : هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟ قال : « لا ، وأيّكم يرضى أن يرى و(١) يصبر على ذلك ، أن يرى ابنته أو أُخته أو امّه أو زوجته أو أحداً(٢) من قرابته قائمة تغتسل فيقول : مالك ، فتقول : احتلمت ، وليس لها بعل » ثمّ قال : « لا ليس عليهن ذاك وقد وضع الله ذلك عليكم(٣) ، قال الله تعالى( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٤) ولم يقل ذلك لهنّ ».

فهذا خبر مرسل لا يعارض به ما قدّمناه من الأخبار ، ويحتمل أن يكون الوجه فيه ما قدمناه في الخبر الأوّل سواء.

ويزيد ذلك بياناً :

ما رواه أحمد بن محمد ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال : سألت الرضاعليه‌السلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر ، يعبث بها(٥) بيده [ حتى تنزل ](٦) قال : « إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل ».

عنه(٧) ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت الرضا عليه‌السلام

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٧ / ٣٥٣ : أو.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٧ / ٣٥٣ : واحدة.

(٣) في « فض » و « د » : عنكم ، وفي « رض » : وقد وضع ذلك عنهم ( عنكم ) ، والصحيح ما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٧ / ٣٥٣.

(٤) المائدة : ٦.

(٥) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٤.

(٦) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٤.

(٧) في الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٥ : وعنه.

١٦٥

عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج فتنزل المرأة هل(١) عليها غسل؟ قال : « نعم ».

الحسين بن سعيد ، عن محمد بن إسماعيل(٢) قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن المرأة ترى في منامها فتنزل أعليها(٣) غسل؟ قال : « نعم ».

أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة ترى أن الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتى تنزل ، قال : « تغتسل ».

السند‌

في الأوّل : كما قال الشيخ مرسل ، والإشكال في كلام الشيخ قد تقدم القول فيه ، وينبغي أن يعلم أن نوح بن شعيب قد ذكره العلاّمة في الخلاصة قائلاً : إنّه البغدادي ، وإنّه من أصحاب أبي جعفر محمد بن عليّ الثانيعليه‌السلام ، ونقل عن الفضل بن شاذان : أنّه كان فقيها(٤) .

وذكر أيضاً نوح بن صالح البغدادي ، قال : وذكر الكشي عن أبي عبد الله الشاذاني ، عن أبي محمد الفضل بن شاذان ما يشهد أنّه من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام (٥) .

والذي وجدناه في الكشي صورته : نوح بن صالح البغدادي ، سأل

__________________

(١) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٥.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٦ : بن بزيع ، زيادة من « د ».

(٣) في النسخ : عليها ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٦.

(٤) خلاصة العلاّمة : ١٧٤ / ١.

(٥) خلاصة العلاّمة : ١٧٥ / ٢.

١٦٦

أبو‌عبد الله الشاذاني أبا محمد الفضل بن شاذان. وذكر ما يدل على أنّه فقيه ، وأنّه يقال له : نوح بن شعيب(١) . وظاهره أن ابن صالح هو ابن شعيب ، فالتعدد لا وجه له.

ثم الجزم بأنّ القول من ابن شاذان في نوح بن شعيب ، والحكاية عن أبي عبد الله الشاذاني في ابن صالح غريب ، فإنّ الحكاية واحدة كما ذكرناه ، وأبو عبد الله الشاذاني محمد بن نعيم غير معلوم الحال.

ثم إن في كتاب رجال الشيخ في أصحاب الجوادعليه‌السلام ، نوح بن شعيب البغدادي ، ذكر الفضل بن شاذان أنّه كان فقيهاً عالماً صالحا مرضيّاً ، وقيل : إنّه نوح بن صالح(٢) .

وهذا من الشيخ أيضاً لا يخلو من غرابة ، لأن الظاهر أنّه من الكشي ، واستفادة ما قاله منه بعيدة ، إلاّ أن قول الشيخ : « وقيل » لا يلائم قول الكشي ، وكذلك الزيادة الواقعة فيه ، ولعلّه من غير الكشي ، وشيخنا أيّده الله لم يذكر في كتاب الرجال كلام الشيخ(٣) ، فلعلّه ليس في نسخته ، والله تعالى أعلم بالحال.

والثاني : لا ارتياب فيه.

وكذلك الثالث : إلاّ أن ضمير « عنه » راجع إلى أحمد بن محمد ، وروايته عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قد يحصل فيها نوع شك ، لأن الرواية عن الحسين بن سعيد عنه بكثرة كما في الرابع ، إلاّ أنّه لا يضر بالحال مع وجود المرتبة ، واحتمال سقوط الحسين بن سعيد لا يضر أيضاً.

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٢ / ١٠٥٦.

(٢) رجال الطوسي : ٤٠٨ / ١.

(٣) منهج المقال : ٣٥٤.

١٦٧

والخامس : واضح كالرابع.

المتن :

في الأوّل : لا وجه لردّه إلاّ بالإرسال ، وما قاله الشيخ : من أن الوجه فيه ما قاله في الخبر الأول. لا يحوم حوله التسديد ، بعد صراحة الخبر في المنافي له.

ثمّ إنّ الرواية لا تخلو من تهافت في المتن من حيث ذكر الزوجة ثمّ قوله : « وليس لها بعل » وإن أمكن عود الضمير لغير الزوجة ، إلاّ أن وقوع مثل هذا من الإمامعليه‌السلام يكاد أن يقطع بنفيه.

ثم قوله : «( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ولم يقل ذلك لهن » لا يخلو من شي‌ء ، إلاّ أن يقال في هذا : إنّ وجوب غسل الجنابة على المرأة بالإجماع لا من القرآن.

وما تضمنه الخبر الثاني من قوله : « إن أنزلت من شهوة » فقد قدّمنا فيه القول من حيث الاكتفاء بالشهوة.

وقول السائل في الخبر الثالث : فيما دون الفرج. يحتمل أن يراد به ما يعمّ الدبر ، إلاّ أن كلام السائل ( لا يفيد حكماً )(١) ولا تقرير الإمامعليه‌السلام في مثل هذا ، كما يعرف بالتأمّل في الحديث حق التأمّل.

اللغة :

قال في النهاية في حديث أبي جعفر الأنصاري : فملأت ما بين‌

__________________

(١) في « رض » : لا يعتد به.

١٦٨

فروجي ، جمع فرج ، وهو ما بين الرِّجلين ، إلى أن قال : وبه سمي فرج الرجل والمرأة ، لأنهما بين الرِّجلين(١) .

وقال في كتاب أحكام الأحكام : إن صيغة الفرج لها وضعان لغوي وعرفي ، فأمّا اللغوي فهو مأخوذ من الانفراج فعلى هذا يدخل فيه الدبر ، وأمّا العرفي فالغالب استعماله في القبل من الرجل والمرأة.

وفي القاموس : الفرج العورة(٢) .

إذا عرفت هذا فما وقع في بعض هذه الأخبار من الفرج لا يبعد أن يكون المراد به القبل إلاّ أن باب الاحتمال واسع ، وستظهر فائدة الخلاف فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

قال :

باب أن التقاء الختانين يوجب الغسل

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : سألته متى يجب(٣) الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : « إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم ».

وبهذا الاسناد عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل قال : سألت‌

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٢٣ ( فرج ).

(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٠٩ ( فرج ).

(٣) في الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٨ : يوجب.

١٦٩

الرضاعليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » فقلت(١) : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : « نعم ».

وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين بن علي ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها أعليها غسل؟ قال : « إذا وضع الختان على الختان فقد وجب الغسل ، البكر وغير البكر ».

السند‌

في الجميع واضح بعد ما قدمناه.

المتن :

في الأوّل : كما ترى ظاهره أن الإدخال موجب للثلاثة المذكورة ، وهو متناول للقبل والدبر ، إلاّ أن يقال بالانصراف إلى القبل ، أو يخصّ بغيره ، كما في الخبر الثاني ، فإن التقاء الختانين لا يتصور في غير القبل ، وقول السائل : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة. وإن احتمل أن يكون المراد به أن هذا اللفظ علم على غيبوبة الحشفة سواء كان في القبل أو الدبر ، إلاّ أن ظهور إرادة كون مجرّد الالتقاء غير كاف في وجوب الغسل بل لا بد من الغيبوبة في القبل لا ريب فيه.

وما تضمنه الخبر الثالث : من أن مجرد الوضع كاف في وجوب الغسل لا يخلو من منافاةٍ للخبرين الأوّلين ، فالعجب من عدم تعرّض الشيخ‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٩ / ٣٥٩ : قلت.

١٧٠

له ، سيّما وفي الحديث « البكر » والغيبوبة فيها غير ظاهرة إلاّ على احتمال.

وأعجب من ذلك قول بعض محققي المتأخرين : إنّ قوله في الحديث : لا يفضي إليها. إما بمعنى لا يولجه بأجمعه ، أو بمعنى أنه لا ينزل(١) . فليتأملّ.

نعم احتمال إرادة عدم إدخال الجميع لها وجه وإن بَعُد ، لضرورة الجمع ، وعدم العلم بالقائل بمضمونه.

ثم قولهعليه‌السلام : « البكر وغير البكر » محذوف الخبر : أي سواء.

إذا عرفت هذا فاعلم أن العلاّمة في المختلف استدل بالأخبار المذكورة على أن الغسل واجب لنفسه ، قال : وتقرير الاستدلال من وجهين : الأوّل : أنّه علّق وجوب الغسل بالإدخال فلا يكون معلّقاً بغيره ، وإلاّ لم يكن معلّقاً على مطلق الإدخال.

الثاني : أنّه علّق وجوب المهر والرجم على الإدخال ، ولا خلاف في أنّهما غير مشروطين بشرط عبادة من العبادات ، وكذا الغسل قضيةً للعطف(٢) . انتهى.

وقد يقال على الأول : إنّ ما قاله حق إذا لم يوجد المعارض والحال أنّه موجود ، وهو ما استدل به لابن إدريس من رواية عبد الله بن يحيى الكاهلي الموصوفة بالصحة منه ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض في المغتسل فتغتسل أم لا؟ قال : « قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل »(٣) .

__________________

(١) هو الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٣٨.

(٢) المختلف ١ : ١٦٠.

(٣) المختلف ١ : ١٦١.

١٧١

وجواب العلاّمة عن الرواية : بأن الغسل إنّما يجب إذا كان رافعاً للحدث ، وهو غير متحقق في الحائض فلا يجب عليها(١) . محل نظر ، لأنه قرّر أوّل المسألة في تحرير محل الخلاف : أن الجنب إذا خلا من عبادة تجب فيها الطهارة كالطواف والصلاة الواجبين ومسّ كتابة القرآن وقراءة العزائم الواجبين ودخول المساجد الواجب إذا أوقع الغسل هل يوقعه على جهة الوجوب أو الندب ، ثم قال : والأقرب الأول(٢) .

وهذا الكلام وإن ظن منه حيث قيّد بالواجب في الجميع أن اعتبار الندب من العبادة لا بد منه ، إلاّ أنّه لا دليل على اعتباره على القول بالوجوب لنفسه.

وحينئذ نقول : إنّ اعتبار رفع الحدث إن أراد به رفع الحدث المانع من استباحة الصلاة ونحوها المندوبة فهو مطالب بدليله على تقدير الوجوب لنفسه ، وإن أراد به رفع الحدث من حيث هو فكذلك.

فإن قلت : لا معنى لوجوب الغسل إلاّ هذا.

قلت : أيّ مانع من كون الغسل واجبا من حيث هو ، كما في غسل المسّ على القول بأنّ المسّ غير ناقض ، وكالغسل المندوب في الجمعة والإحرام ، وحينئذ فإذا دل الخبر على عدم الوجوب لنفسه أمكن حمل الأخبار على الوجوب إذا حصل المشروط به ، وكون المهر والرجم‌

__________________

(١) المختلف ١ : ١٦١.

(٢) المختلف ١ : ١٥٩.

١٧٢

لا يتوقف على مشروط بهما بالإجماع هو الذي أخرجهما.

وما قد يقال : إنّ الرجم يتوقف على ثبوت الحدود مع عدم ظهور الإمامعليه‌السلام ، والخلاف واقع في ذلك ، قد يجاب عنه بأن الوجوب لا يتوقف بالإجماع ، نعم الفعل يتوقف على الخلاف.

ويمكن أن يقال نحو ذلك في الغسل ، فإنه يجب بمجرّد الإدخال ، لكن الفعل مشروط بالصلاة كما في نفس الصلاة ، فإن الشروط لفعلها غير الشروط لوجوبها ، إلاّ أن للكلام مجالاً في المقام.

هذا على تقدير صحة الخبر المذكور من العلاّمة ، وإلاّ ففي الصحة بحث ، على أنّه ربما يقال ـ بتقدير الصحة ـ : إنّها محتملة لأن يراد أنّ المرأة قد جاءها ما يفسد الصلاة التي هي أعظم الواجبات ، فغسل الجنابة الذي واجب أدنى يفسد بطريق أولى ، فليتأملّ.

أمّا ما استدل به ابن إدريس من الآية الشريفة على ما حكاه العلاّمة موجّهاً له بأنّه سبحانه عطف الجملة على جملة الوضوء فتشتركان في الحكم و ( لمّا لم يجب الوضوء لغير الصلاة فكذا الغسل ، [ وجواب ](١) العلاّمة عنه : بمنع المساواة في الحكم في )(٢) عطف الجمل بعضها على بعض ، سلّمنا لكن الآية تدلّ على وجوب الغسل عند إرادة الصلاة ولا تنفي الوجوب عند عدم الإرادة(٣) .

فلي(٤) فيه بحث : أمّا أوّلاً : فلأنه إن أُريد بعطف الجملة على الجملة أن الجملة( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) معطوفة على جملة( إِذا قُمْتُمْ ) فلا وجه للمشاركة في إرادة الصلاة إلاّ على احتمال لا يخلو من تكلّف ، بل أظنّ عدم القائل به ؛ وإن أُريد أن جملة( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) معطوفة على جملة‌

__________________

(١) في النسخ : فجواب ، غيرناه لاستقامة العبارة.

(٢) ما بين القوسين ساقط من « رض ».

(٣) المختلف ١ : ١٦١.

(٤) في « فض » : ولي.

١٧٣

( فَاغْسِلُوا ) فالمشاركة في الحكم المتوقفة عليه الاولى لا وجه لمنعه ، وحينئذ فمنع العلاّمة المساواة في الحكم على الإطلاق غير تام ، بل الأولى تفصيل ما قلناه.

ولا يبعد أن يدعى ظهور العطف على جملة( فَاغْسِلُوا ) ويكون هو مراد ابن إدريس ؛ لأنّ جملة( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) معطوفة على جملة( فَاغْسِلُوا ) من حيث إنّ المعروف بين الأصحاب كون التيمم يجب لغيره ، ولو لا الاتحاد في الحكم مع الوضوء لم يتم ذلك ، وعلى هذا فتوافق [ الجُمَل(١) ] يقتضي المشاركة في الغسل.

وما قد يقال : إنّ التيمم فيه الخلاف أيضا ، كما حكاه الشهيد في الذكرى على ما نقله شيخناقدس‌سره من أن الطهارات كلها واجبة لأنفسها عند بعض(٢) .

يمكن الجواب عنه باحتمال أن يوجد القائل بالعطف على جملة( إِذا قُمْتُمْ ) وكلامنا على تقدير القول بوجوب التيمم لغيره ، فإنه لا بد أن يقال في الآية بالعطف على جملة( فَاغْسِلُوا ) إلاّ أن يقال : إن العطف على جملة( إِذا قُمْتُمْ ) ممكن والدليل خص التيمم بدخول الوقت ، وتكون الآية من قبيل المجمل بسبب العطف المذكور ، وبيانها من غيرها ، والقائل بكون الطهارات واجبة لأنفسها لا بد له في آية الوضوء من التوجيه فله أن يقول مثله في التيمم ، فليتأملّ.

وأمّا ثانياً : فما ذكره العلاّمة من تسليم كون الآية تدل على وجوب الغسل عند إرادة الصلاة. ففيه : أن التسليم إن كان مع عطف جملة( وَإِنْ

__________________

(١) في النسخ : الحمل ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ١٠ ، وهو في الذكرى ١ : ١٩٦.

١٧٤

كُنْتُمْ ) على قوله( إِذا قُمْتُمْ ) فالوجه فيه غير ظاهر ، بل على ( توجه الإجمال الذي أشرنا إليه و)(١) عدم معلومية القائل به في عطف الجمل ، ومثله يشكل الحكم به ، وبتقدير القول به فآية الوضوء تدل بمفهوم الشرط على نفي الضوء عند عدم إرادة الصلاة ، ومثله يقال في الغسل ، فإن مفهوم الشرط حجّة عند العلامة ، فقوله : إنّه لا ينفي الوجوب. محل بحث.

إلاّ أن يقال : إن مفهوم الشرط حجّة إذا لم يعارضه المنطوق ( وما دل على وجوب الغسل بمجرد الإدخال معارض له.

وفيه : أن المفهوم بتقدير الحجية إذا تعارض مع المنطوق )(٢) يرجح المنطوق عليه إذا لم يكن للمنطوق معارض ، والحال أنا قد ذكرنا المعارض له ، وهو الخبر المحكوم بصحته عند المصنف ، فلا يتم القول منه ، نعم من لا يقول بصحّة الخبر يمكنه توجيه الاستدلال.

وما قاله في المختلف : من أنّه ذكر المسألة في المنتهى مطولة(٣) . لم أقف عليه ، وإنّما ذكرت ما خطر في البال ، إلى أن يوفّق الله سبحانه لرؤية ما ذكره.

أمّا استدلاله في المختلف(٤) على الوجوب لنفسه بصحيح زرارة عن الباقرعليه‌السلام إنّه قال : « جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ، فقال عمر‌

__________________

(١) في « رض » : الاحتمال الذي أشرنا إلى ، وفي « فض » الإجمال الذي أشرنا إليه في.

(٢) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

(٣) المختلف ١ : ١٦٢.

(٤) المختلف ١ : ١٦٠.

١٧٥

لعليّعليه‌السلام : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال عليّعليه‌السلام : أتوجبون عليه الرجم والحدّ ولا توجبون عليه صاعاً من ماء ، إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل »(١) .

ثمّ قال العلاّمة : ووجه الاستدلال أنّهعليه‌السلام أنكر إيجاب الحدّ والرجم ونفي إيجاب الغسل بأن إيجاب أصعب العقوبتين يقتضي إيجاب أسهلهما ، ولمّا كان إيجاب الأصعب غير مشروط بعبادة فكذلك وجوب الأدنى(٢) .

ففيه : أنّه لا يخرج عن الكلام الذي قلناه في استدلاله بحديث : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » وإن كان ظاهر قول عليّعليه‌السلام الإيجاب على الإطلاق ، إلاّ أن الخلاف الواقع بين المهاجرين والأنصار لم يعلم أنه على الإطلاق أو حال وجوب العبادة ، وكلام عليّعليه‌السلام تابع لذلك ، فالاستدلال به محل كلام.

وللعلاّمة استدلال بوجهين آخرين : أحدهما قولهعليه‌السلام : « إنّما الماء من الماء »(٣) (٤) وفيه نحو ما قدّمناه.

وثانيهما لا يصلح أن يذكر ، بل العجب من وقوع مثله من مثله ، كما يعرف من راجع كلامه. والله تعالى أعلم بحقيقة الأحوال.

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٩ / ٣١٤ ، الوسائل ٢ : ١٨٤ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٥.

(٢) المختلف ١ : ١٦٠ بتفاوت يسير.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢١٩ / ٨١ ، سنن أبي داود ١ : ٥٦ / ٢١٧.

(٤) المختلف ١ : ١٦٠.

١٧٦

عن عنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « كان عليّعليه‌السلام لا يرى في شي‌ء الغسل إلاّ في الماء الأكبر ».

فالوجه في هذا الخبر أنّه إذا لم يلتق الختانان لا يجب الغسل إلاّ في الماء الأكبر ، لأنه ربما رأى الرجل في النوم أنّه جامع فلا يرى إذا انتبه شيئاً فلا يجب عليه الغسل إلاّ إذا انتبه ورأى الماء.

يدل على ذلك [ من ](١) أنّه مخصوص بهذه الحال :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يرى في المنام حتى يجد الشهوة وهو يرى أنّه قد احتلم ، فإذا استيقظ لم ير في ثوبه الماء ولا في جسده ، قال : « ليس عليه الغسل » وقال : « كان عليّ عليه‌السلام : إنّما الغسل من الماء الأكبر ، فإذا رأى في منامه ولم ير الماء الأكبر فليس عليه غسل ».

السند‌

في الأوّل : ليس فيه ارتياب إلاّ من جهة أبان ، والّذي قال : إنه كان ناووسيّاً(٢) ، عليّ بن الحسن بن فضال(٣) ، وهو فطحيّ ثقة ، فمن يعمل بالموثق يلتزم بأن أبان ناووسيّ ثقة ، فحديثه من الموثق ويلزمه العمل به ،

__________________

(١) أضفناه من الاستبصار.

(٢) النّاووسية فرقة قالت : إنّ جعفر بن محمدعليه‌السلام حيّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر النّاس وهو القائم المهدي ، سميت بذلك لرئيس كان لهم يقال له : فلان بن الناووس. المقالات والفرق : ٧٩ ، ورجال الكشي ٢ : ٦٥٩.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٤٠.

١٧٧

مضافاً إلى تأييد الإجماع على تصحيح ما يصح عنه ، كما نقله الكشي(١) ، ومن لم يعمل بالموثق فليس أبان بداخل في ما قيل فيه.

وما يوجد في كلام بعض المتأخّرين من تصحيح حديث أبان للإجماع على تصحيح ما يصح عنه مع عمله بالموثق(٢) ، لا يخلو من خروج عن اصطلاح المتأخّرين في تصحيح الأحاديث ، والوالدقدس‌سره لا يعمل بالموثق واتفق له ما يوجب الإشكال في كلامه كما نبّهنا عليه في مواضع ممّا كتبناه.

وأمّا عنبسة بن مصعب : فقد قال الكشي نقلاً عن حمدويه : إنه ناووسي واقفي(٣) ، وذكر في رواية عن عليّ بن الحكم ، عن منصور بن يونس ، عن عنبسة بن مصعب إلى آخر الرواية(٤) ، والشيخ في التهذيب في باب الأذان روى عن منصور بن يونس ، عن عنبسة العابد(٥) ، وعنبسة العابد هو ابن بجاد على قول النجاشي ، وهو ثقة وكان قاضياً كما ذكره النجاشي أيضا(٦) .

والكشي نقل عن حمدويه عن أشياخه أن ابن بجاد كان خيراً فاضلاً(٧) ، وعلى مقتضى ما قدمناه الاتحاد ، إلاّ أن يقال بجواز رواية منصور‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٦.

(٣) أي وقف على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وليس بمعناه المصطلح. رجال الكشي ٢ : ٦٥٩.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٥٩.

(٥) لم نعثر عليها في باب الأذان ، وهي موجودة في باب المواقيت من التهذيب ٢ : ٢٧٥ / ١٠٩٣ ، الوسائل ٤ : ٢٧٥ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٢.

(٦) رجال النجاشي : ٣٠٢ / ٨٢٢.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ / ٦٩٧.

١٧٨

ابن يونس عن الرجلين ، وهو غير بعيد ، أو الوهم من الشيخ في الرواية أو من الكشي ، وعلى كل حال فعنبسة بن مصعب مع القول بالوقف فيه لا يكون حديثه من الصحيح ، إلاّ على تقدير تقديم قول النجاشي الذي ظاهره التوثيق من غير ذكر الوقف والحكم بالاتحاد ، والإشكال فيه واضح.

فما في كلام شيخناقدس‌سره من أن الشيخ روى في الصحيح عن عنبسة ابن مصعب(١) ، محل كلام ، إلاّ أن تكون الصحة إضافية ، وقد قدّمنا فيه قولا(٢) ، والإعادة لأمر ما غير خفي.

والثاني : فيه الحسين بن أبي العلاء ، ولا أعلم إلاّ كونه ممدوحاً بتقدير استفادته من قولهم : إنّه أوجه من أخويه(٣) ، وثقة أحد الأخوين(٤) في استفادة توثيقه منها تأمّل ، وكذلك من توثيق ابن طاوس له في البشرى ، وقد تقدم أيضاً(٥) .

وعليّ بن الحكم لا ارتياب فيه بعد رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه ، والظاهر أن أحمد هو المذكور لا ابن خالد ليتوجه نوع سؤال.

المتن :

ما قاله الشيخ في الأوّل واستدلاله بالثاني لا يخلو من تأمّل ، لأن حاصل كلامه القول بخروج وجوب الغسل إذا التقى الختانان ، وخصوص هذا الخبر بمن رأى في النوم وانتبه فلم ير شيئاً ، فإن أراد به ثبوت‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٦.

(٢) راجع ج ١ ص ١١٨.

(٣) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٧.

(٤) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٧.

(٥) راجع ج ١ ص ١٤٦ ١٤٧.

١٧٩

مخصّص لما قاله ، ففيه : أنّ بيان صحة الحصر(١) هي المهمة ، وإن أراد أن الحصر إضافيّ بالنسبة إلى غير الماء الأكبر من مثل المذي فهو صحيح إلاّ أنه لا يلائم الاختصاص بمن رأى في النوم ، فإن الماء الأكبر يتحقق فيه الحصر بمن ذكره وغيره ، والخبر المستدل به لا يدل على الحصر بل هو في الحصر المذكور في كلام عليّعليه‌السلام .

فإن قلت : أيّ فرق بين عدم الدلالة على الحصر والدخول في الحصر؟.

قلت : الفرق ظاهر ، فإنّ مقتضى قول الشيخ أنّ كلام عليّعليه‌السلام خاص بمورد الرواية المذكورة للاستدلال من الشيخ ، والحال أنّ الرواية من جملة أفراد مدلول الحصر ، كما يعرف بأيسر نظر في الرواية.

وبالجملة : فالأولى أن يقال : إنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى غير الماء الأكبر من المذي ونحوه ، وحينئذ لا يضر بالحال ، وقد قدّمنا القول في كلام عليّعليه‌السلام (٢) فيما سبق ، فليتأملّ.

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللاً قليلاً ، قال : « ليس بشي‌ء إلاّ أن يكون مريضاً فإنه يضعف فعليه الغسل ».

فلا ينافي الخبر الأوّل أن الغسل يجب من الماء الأكبر ، لأنه لا يمتنع أن يكون هذا الماء هو الماء الأكبر إلاّ أنّه يخرج ( قليلاً من‌

__________________

(١) في « رض » : الخبر.

(٢) في ص ٥٦ ٥٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469