إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

إستقصاء الإعتبار12%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52883 / تحميل: 5894
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٤-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يوم الجمعة في المسجد لا يعيد الوضوء ، خوفاً من إنكارهم على ذلك ، ويكون قوله : « لأنه حال ضرورة » يراد به الخوف.

نعم : قد يتوجه عليه أنّ الاعتذار بعدم الوضوء ممكن ، إلاّ أن يقال : إنّ قبول هذا من أهل الخلاف غير معلوم ، ولعل الحمل المذكور أولى من حمل الشيخ ، وإن أمكن أن يوجّه التيمم بأنّه أولى من الصلاة بغيره ، وإن كان في البين إشكال.

أمّا ما اعترض به شيخناقدس‌سره في المدارك ، بعد نقله عن النهاية والمبسوط القول بالتيمم إذا منعه الزحام عن الخروج ، قائلاً : إنّه ربما كان مستنده رواية السكوني ، وهي ضعيفة السند جدّاً ، ثم قولهقدس‌سره : والأجود عدم الإعادة ، لأنه صلّى صلاة مأموراً بها ، إذ التقدير عدم التمكن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة(١) . ففيه نظر :

أمّا أوّلاً : فلأن رواية السكوني وإن كانت ضعيفة إلا أن ما نقله هنا من رواية ابن سنان لا يخلو من اعتبار ، والجمع بينهما وبين الأخبار الدالة على نقض الوضوء بالنوم يحتاج إلى ما قاله الشيخ ، فعدم الالتفات إلى ذكر مثل هذا لا يخلو من شي‌ء.

وأمّا ثانياً : فلأن رواية السكوني إذا رُدّت بالضعف ، فجواز التيمم والحال هذه مع عدم التمكن من الماء وصحة الصلاة يقتضي أنّ الجمعة صحيحة ، والجمعة المذكورة في رواية السكوني ظاهرها أنّها مع أهل الخلاف ، فلو كانت مع غيرهم فالضرورة بعيدة ، إلاّ أن يقال بالإمكان ، وهو كاف.

__________________

(١) مدارك الاحكام ٢ : ٢٤٠ ، وهو في النهاية : ٤٧ ، والمبسوط ١ : ٣١.

٢١

قال :

باب الديدان‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله ـ ، عن أحمد بن محمد ( عن أبيه )(١) ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن(٢) الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في الرجل يسقط منه الدواب وهو في الصلاة ، قال : « يمضي على صلاته ولا ينقض ذلك وضوءه ».

عنه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن ظريف ـ [ يعني ](٣) ابن ناصح عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الله ابن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس في حَبّ القَرْع والديدان الصغار وضوء ، إنّما هو بمنزلة القمل (٤) ».

السند‌

ليس في الأوّل : بعد ما قدمناه إلاّ الإرسال.

والثاني : فيه عبد الله بن يزيد ، وهو مشترك بين مهملين في الرجال(٥) ، وغيره قد كرّرنا القول فيه.

__________________

(١) ليس في « فض ».

(٢) في النسخ : و، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٥.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٦.

(٤) في الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٦ : ما هو إلاّ بمنزلة.

(٥) رجال الطوسي : ٢٦٦ / ٦١ و ٦٢.

٢٢

المتن :

واضح الدلالة ، وحَبّ القَرْع نوع من الدود يتولد في الإنسان وغيره.

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أخي فضيل(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : قال في الرجل يخرج منه مثل حَبّ القَرْع قال : « عليه وضوء ».

فالوجه فيه أن نحمله على أنّه إذا كان متلطّخا بالعذرة ولا يكون نظيفاً.

والذي يدل على هذا التفصيل :

ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن ( محمد بن أحمد )(٢) بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق ابن صدقة ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل (٣) يكون في صلاته فيخرج منه حَبّ القَرْع كيف يصنع؟ قال : « إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة ».

__________________

(١) في « فض » و « رض » : ابن أبي فضيل.

(٢) في « فض » : أحمد بن محمد.

(٣) في النسخ رجل ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٨.

٢٣

السند‌

في الأوّل : ابن أخي فضيل واسمه الحسن ، كما صرّح به في الكافي في باب ما ينقض الوضوء(١) ، إلاّ أنّه غير معلوم الحال.

والثاني : موثق كما تكرر القول فيه.

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه قد يتخيل عدم تماميّته ، لأنّ الخبر يفيد إطلاق الحكم فيقرب من الألغاز ، إلاّ أنّه مدفوع بما أسلفنا القول فيه ، من جواز حصول المبيّن عند وقت الحاجة للسائل ، كما في غيره من المطلقات ؛ وقد يحتمل الحمل على الاستحباب في الخبر الأوّل ، وأمّا الخبر الثاني فلا ريب في دلالته.

غير أنّه يبقى الإشكال في أنّه هل يحكم بعدم الانتقاض إلاّ إذا علم التلطخ(٢) ، أو يجب التفحص عن حال الدود ليعلم خلوّه؟ لم أجد في كلام الأصحاب تفصيل الحال ، ولعل الأوّل لا يخلو من وجه ، لتحقق الوضوء المتوقف زواله على العلم الشرعي بالرافع ، فتأمّل.

قال :

باب القي‌ء‌

أخبرني الشيخ : رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦ / ٥ ، الوسائل ١ : ٢٥٨ أبواب نواقض الوضوء ب ٥ ح ١.

(٢) في النسخ : عدم التلطّخ ، والظاهر ما أثبتناه.

٢٤

عن ابن أُذينة ، عن أبي أُسامة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القي‌ء هل ينقض الوضوء؟ قال : « لا ».

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن الحسن الكوفي(١) ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن روح بن عبد الرحيم ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القي‌ء ، قال : « ليس فيه وضوء وإن تقيّأ متعمّداً ».

وأخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد (٢) ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في القي‌ء وضوء ».

السند‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : كما ترى علي بن الحسن الكوفي ، وهو في النسخ التي رأيناها ، وفي التهذيب محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن علي الكوفي(٣) ، إلى آخره ، وهو الظاهر ؛ وفيه غالب بن عثمان ، والراوي عنه الحسن بن علي بن فضّال ، مهمل في الرجال(٤) ، وفي كتاب رجال الشيخ :

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٣ / ٢٦٠ : الحسن بن علي الكوفي.

(٢) في نسخة من الإستبصار ١ : ٨٣ / ٢٦١ زيادة : بن يحيى.

(٣) التهذيب ١ : ١٣ / ٢٧.

(٤) الفهرست : ١٢٣ / ٥٥١.

٢٥

غالب بن عثمان واقفي(١) ، ويحتمل الاتحاد ، والضرورة إلى الجزم غير داعية ؛ وفيه أيضا روح بن عبد الرحيم ثقة في النجاشي(٢) ؛ والحسن بن علي الكوفي هو ابن عبد الله بن المغيرة الثقة ؛ وابن فضّال حاله معلوم.

والثالث : لا يخفى حاله ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أن المعروف من ابن مسكان عند الإطلاق عبد الله الثقة ، ومحمد بن مسكان وإن كان مذكوراً في كتاب الشيخ مهملا(٣) ، إلاّ أن إرادته في غاية البعد ، بل يكاد أن يقطع النفي.

نعم : اتّفق لابن إدريس في آخر السرائر ، أنّه ذكر الأحاديث التي استطرفها من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، بهذه الصورة : أحمد بن محمد ، عن الحسن بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، قال محمد بن إدريس : واسم ابن مسكان الحسن ، وهو ابن أخي جابر الجعفي غريق في ولايته لأهل البيتعليهم‌السلام (٤) ، انتهى.

وهذا لا يخلو من غرابة ، لأنّ رواية الحسين بن عثمان عن الحسن بن مسكان لم نقف عليها في شي‌ء من الأحاديث ، والحسن بن مسكان غير موجود في الرجال على ما رأيناه.

ولا يخفى أنّه يستلزم ضعف الأخبار الواردة عن الحسين بن عثمان عن ابن مسكان ، ولم أر من ذكر ذلك غيره ، ولا يبعد أن يكون الوهم من ابن إدريس ، وفي الرجال الحسين بن مسكان(٥) ، فيحتمل أن يكون الحسن‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٥٧ / ١.

(٢) رجال النجاشي : ١٦٨ / ٤٤٤.

(٣) رجال الطوسي : ٣٠٢ / ٣٥٠.

(٤) مستطرفات السرائر : ٩٨ / ١٨.

(٥) خلاصة العلاّمة : ٢١٧ / ١٣.

٢٦

سهواً ، إلاّ أن إرادته من رواية الحسين بن عثمان في غاية البعد ، بل يكاد أن يقطع نفيها من تتبّع الأحاديث ، والحسين بن مسكان غير معتبر في الرجال.

وذكر العلاّمة في الخلاصة عن ابن الغضائري أنّه قال : إن جعفر بن محمد بن مالك ، روى عنه أحاديث فاسدة(١) ، وجعفر بن محمد بن مالك متأخّر ، والحسين بن عثمان متقدم ، إذ هو من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، واحتمال إرادة الرواية بالإرسال أو بإسناده بعيد عن المساق ؛ وهذا الذي ذكرناه وإن لم يكن له فيما نحن فيه فائدة ، إلاّ أنّ الغرض التنبيه على حقيقة الحال ، ويظهر فائدته في موضع آخر ، فلا ينبغي الغفلة عنه.

المتن :

في الأخبار ظاهر الدلالة.

قال : فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عما ينقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلاّ شي‌ء تصبر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقي‌ء ».

وما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن صفوان ، عن منصور ، عن‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٢١٧ / ١٣.

٢٧

أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « الرعاف والقي‌ء(١) والتخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئاً ينقض الوضوء ، وإن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء ».

فهذان الخبران يحتملان وجهين ، أحدهما : أن يكونا وردا مورد التقية ، لأن ذلك مذهب بعض العامة ، والثاني : أن يكونا محمولين على ضرب من الاستحباب لئلاّ تتناقض الأخبار.

السند‌

في الأوّل : موثّق على ما قدّمناه ، والحسن فيه أخو الحسين.

والثاني : كذلك.

المتن :

لا يخفى أن الأوّل لا يخلو من إجمال ، من حيث قوله : « والقرقرة في البطن إلاّ شي‌ء تصبر عليه » فإن ظاهره أن القرقرة التي لا تصبر عليها قسيمة للحدث ، والحال أنها متحدة إن خرجت ، ومع عدم الخروج فالصبر عليها غير واضح المعنى.

ثم الضحك في الصلاة لا يخلو إمّا أن يراد به أنّه ناقض للوضوء ، وحينئذ لم يتقدم له معارض ، وإن أُريد به نقض الصلاة لم يناسب ذكره مع غيره ، بل يحتمل كون القي‌ء مثله في إبطال الصلاة ، وحمل الشيخ له على الاستحباب يقتضي الشمول للضحك وهو غير واضح ؛ فلعل الاقتصار على الحمل على التقية فيه أولى.

__________________

(١) ليس في « رض ».

٢٨

ثمّ إن القرقرة في البطن ورد في معتبر الأخبار ما ينافي حكمها(١) ( وهو ما رواه الفضيل بن يسار قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام )(٢) : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني ، أو أذى أو ضرباناً فقال : « انصرف ثم توضّأ فابنِ على ما مضى من صلاتك ، ما لم تنقض الصلاة بالكلام » الحديث(٣) . وقد ذكرنا ما لا بد منه في موضعه ، وكان على الشيخ أن يذكره في مقام المعارضة.

وكذلك ورد في حسنة زرارة أنّ : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة »(٤) .

وأمّا الخبر الثاني : فحمله على التقية مع قوله فيه « إن استكرهت شيئاً » غير واضح ، إلاّ أن يكون موافقاً لهم في ذلك ؛ وذكر شيخنا المحقق سلّمه الله في فوائده على الكتاب أنّ حمل الخبر الثاني على التنظيف أولى ، كما ينبّه عليه الاستكراه ، وربما حمل الأوّل على قهقهة وقي‌ء تغيّب(٥) عنه نفسه. انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ التنظيف في الرعاف والتخليل الذي يسيل منه الدم لا يخلو من خفاء ، والحمل المذكور للأول في غاية البعد ، وسيأتي من الشيخ ذكره في الباب الآتي ، وسنبيّن القول فيه.

__________________

(١) في « فض » و « رض » : الخبر ، بدل : حكمها.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٧٠ ، الوسائل ٧ : ٢٣٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٤ ، الوسائل ١ : ٢٦١ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٤.

(٥) في « رض » : تغيّر.

٢٩

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنّه قال : من قهقه في صلاته متعمداً لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوءه ، ثم حكى احتجاجه برواية سماعة ، وأجاب بأن سماعة وزرعة في طريق الحديث وهما وإن كانا ثقتين إلاّ أنهما واقفيان ، ومع ذلك. أن سماعة لم يسنده إلى إمام(١) ؛ وأنت خبير بأن عدم الإسناد إلى إمام غير وارد ، لما قررناه سابقا من أن مثل هذا الإضمار غير مضر بالحال.

قال :

باب الرعاف‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل ، فقال : « ليس في هذا وضوء ، إنّما الوضوء من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك ».

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي عبد الله ( عن أبيه )(٢) عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لو رعفت دورقاً ما زدت على أن أمسح منّي الدم وأُصلّي ».

__________________

(١) المختلف ١ : ٩٣ ، ٩٤.

(٢) أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٥.

٣٠

وبهذا الاسناد : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن القي‌ء والرعاف والمدّة أينقض الوضوء أم لا؟ قال : « لا » (١) .

السند‌

في الأوّل : واضح الضعف.

والثاني : فيه عمرو بن شمر وقد ضعّفه النجاشي(٢) وغيره(٣) ؛ وجابر هو ابن يزيد بقرينة رواية عمرو بن شمر عنه ، وقد ذكر النجاشي أنّه مختلط(٤) ، ومن غيره لم يثبت توثيقه ولا مدحه(٥) ، والأخبار التي في الكشّي غير سليمة الطرق(٦) ، كما يعلم من مراجعتها.

ومن غريب ما اتفق للعلاّمة أنّه قال : جابر بن يزيد روى الكشّي فيه مدحاً وبعض الذم ، والطريقان ضعيفان.

ثم نَقلَ عن العقيقي رواية عن أبيه ، عن أبان ، أن الصادقعليه‌السلام ترحّم عليه ، وقال : « إنّه كان(٧) يصدق علينا » ونقل عن ابن عقدة نحو ذلك.

وعن ابن الغضائري أن جابر ثقة في نفسه ، ولكن جُلّ من روى عنه ضعيف ، فممّن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٦ زيادة : ينقض شيئاً.

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٥.

(٣) كالعلاّمة في خلاصته : ٢٤١ ٢٤٢.

(٤) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢ ، وفي « فض » و « د » : مخلط.

(٥) كالطوسي في رجاله : ١١١ / ٦ و ١٦٣ / ٣٠.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٤٣٦ ٤٤٩.

(٧) لفظة : كان ، ليست في « رض » و « د ».

٣١

السكوني ، ومنخل بن جميل الأسدي ، وأرى الترك لما روى هؤلاء عنه والتوقف في الباقي إلاّ ما خرج شاهداً.

إلى أن قال العلاّمة : والأقوى عندي التوقف فيما يرويه هؤلاء عنه كما قاله الشيخ ابن الغضائري(١) .

وأنت خبير بأنّ قول ابن الغضائري ترك ما روى هؤلاء والتوقف في الباقي ، لا ما قاله العلاّمة من التوقف فيما روى هؤلاء ، فإنه يقتضي قبول قول جابر على تقدير رواية غير هؤلاء.

ولو أراد بالتوقف الرد كما يظهر منه في الخلاصة فلا يدفع الإيراد عنه ، على أن قبول قوله في عدا المذكورين إن كان لتوثيق ابن الغضائري كما هو الظاهر إذ لا وجود لتوثيقه في كلام غيره وقد عدّه العلاّمة في القسم الأوّل ، ففيه دلالة على ما قدمناه من العمل بقول ابن الغضائري ، وهو توثيق له ، غير أن ابن الغضائري قد توقف بعد ذكر التوثيق ، فلا وثوق بتوثيقه ولا وجه لعدّه في القسم الأوّل ، وإن كان من جهة انضمام ( القرائن من الإخبار التي في الكشي )(٢) وغيرها ، أمكن إلاّ أنّه كان ينبغي التنبيه عليه ، فليتأمّل.

والثالث : لا ارتياب فيه ، وأحمد هو بن محمد بن عيسى ، لأنه هو الراوي عن إبراهيم بن أبي محمود ، ولا ضير في رواية محمد بن يحيى عنه بواسطة ، وإن كان تركها في بعض الطرق بل أكثرها موجوداً.

المتن :

في الجميع ظاهر في عدم نقض الوضوء بالرعاف ، وفي الأوّل زيادة :

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٣٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٣٢

كل دم سائل ؛ وفي الثالث زيادة : عدم نقض القي‌ء والمدّة ، فيتعين حمل ما يخالف على الاستحباب أو التقية.

وما تضمنه الأوّل من حصر الناقض في الخارج من الطرفين قد تقدم فيه القول ، ويزيد أن قوله : « اللذين أنعم الله بهما عليك » ربما دل على ما أشرنا إليه سابقاً ، لولا الإجماع وضعف الحديث ، إلاّ أن له مساعداً من الأخبار.

اللغة :

قال في القاموس : الدورق الجرّة ذات عروة(١) . وفي الصحاح : الدورق مكيال للشراب فارسي معرّب(٢) ، والمدّة بالكسر والتشديد ما يجتمع في الجروح من القيح على ما في الحبل المتين(٣) ، معرّب.

قال :

فأمّا ما رواه أبو عبيدة الحذّاء في الخبر الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا(٤) ، من قوله : إذا استكره الدم نقض وإن لم يستكره لم ينقض.

وما رواه أيوب بن الحرّ ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل (٥) أصابه دم سائل قال : « يتوضّأ ويعيد » قال‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٣٨ ( درق ).

(٢) الصحاح ٤ : ١٤٧٤ ( درق ).

(٣) الحبل المتين : ٣٢.

(٤) راجع ص ٢٥.

(٥) في الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٦٧ : عن رجل.

٣٣

« وإن لم يكن سائلاً توضّأ وبنى » قال : « ويصنع ذلك بين الصفا والمروة ».

أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس ، قال : سمعته يقول : « رأيت أبيعليه‌السلام وقد رعف بعد ما توضّأ دماً سائلاً فتوضّأ ».

فيحتمل وجوها ، أحدها : أن تحمل على ضرب من التقية على ما قدمنا القول فيه.

والثاني : أن نحملها على الاستحباب دون الوجوب.

والثالث : أن نحملها على غسل الموضع ، لأنّ ذلك يسمّى وضوءاً على ما بيّناه في كتاب تهذيب الأحكام(١) ، ويدل على هذا المعنى :

ما أخبرني به الشيخقدس‌سره ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن أبي حبيب الأسدي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول في الرجل يرعف وهو على وضوء قال : « يغسل آثار الدم ويصلّي ».

وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سمعته يقول : « إذا قاء الرجل وهو على طهر فليتمضمض ، وإذا رعف وهو على وضوء فليغسل أنفه ، فإنّ ذلك يجزيه ولا يبعد وضوءه ».

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣.

٣٤

السند‌

في الأوّل : قد تقدم(١) .

والثاني : لم يعلم الطريق من الشيخ إلى أيوب بن الحر ؛ إذ ليس في المشيخة ، وفي الفهرست طريقه إلى كتابه غير سليم(٢) ، ولا ينفع بتقدير صحته هنا ، إلاّ إذا علم أنّ الحديث من الكتاب.

وقد اشتبه على بعض الأصحاب الحال في طرق الفهرست ، فظن أنّ الطريق في الفهرست كاف لما هنا ، والحق أنّ ما يذكره الشيخ في الفهرست إن ورد بلفظ جميع روايات الرجل يشمل ما يذكره هنا ، وإلاّ فالمشمول غير واضح.

فإن قلت : ما وجه عدم الوضوح؟

قلت : لأنّ الشيخ في المشيخة لهذا الكتاب قال : وكنت سلكت في أول الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها ، وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأوّل والثاني ، ثم اختصرت في الجزء الثالث وعوّلت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه وأصله(٣) .

وهذا كما ترى يدل على أنّه في هذا الجزء الأوّل لم يعتمد على ذكر الرجل الذي أخذت الحديث من كتابه ، وإذا لم يكن ذلك ، لم يعلم أنّ الحديث من كتاب الرجل ، فإذا قال في الفهرست : له كتاب ، وذكر الطريق إليه ، لم يدخل ما في الجزء الأوّل والثاني من الكتاب إذا بدأ بالرجل.

__________________

(١) راجع ص ٢٨.

(٢) الفهرست : ١٦ / ٥٠.

(٣) الاستبصار ٤ : ٣٠٤.

٣٥

فإن قلت : الحكم غير مطرد في الجزءين الأولين ، لأن الشيخ كثيراً ما يبدأ بالرجل الذي لم يلقه ، وقد صرح في المشيخة بذكر الأحاديث بأسانيدها في الجزءين.

قلت : هذا كثيراً ما يخطر بالبال ولم أعلم وجهه ، إلاّ أنّه ليس بنافع في الاكتفاء بالطريق الذي في الفهرست إلى كتاب الرجل ، على أنّ الذي نجده في الجزء الثالث على نحو ما في الأولين.

نعم : ربما يقال إنّ قول الشيخرحمه‌الله في آخر المشيخة : ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس للشيوخ ، ربما يدل على أنّ الطرق في الفهرست مشتركة ، فإذا أخبر بأنّ فلاناً مثل أيوب بن الحرّ له كتاب وذكر الطريق إليه ، قد يظن منه أنّ الحديث من كتابه ، لكن لا يخفى أنّ للكلام فيه مجالاً واسعاً ، فينبغي التأمّل في ذلك.

والثالث : حسن بالحسن على ما أظن.

والرابع : فيه جهالة أبي حبيب.

والخامس : فيه عثمان بن عيسى على الظاهر ، وأبو بصير وسماعة ، حالهما على ما قدمناه(١) .

المتن :

في الأوّل : قد سبق فيه القول.

والثاني : ظاهر في الفرق بين السيلان وعدمه بالنسبة إلى إعادة الصلاة والبناء ، إلاّ أنّه واضح الدلالة على نقض الوضوء في الحالتين.

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٧٢ ، ٨٣ ، ١٠٨ ١١١ ، ١٢٥.

٣٦

والشيخ في التهذيب ادعى الإجماع على عدم البناء مع نقض الوضوء ، لأنّه قال في باب التيمم : لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه(١) . وهذا وإن كان محل كلام ذكرناه في موضعه ، إلاّ أنّ إطلاق القول هنا بالحمل على الاستحباب في جملة الوجوه لا يخلو من إشكال.

وأمّا الخبر الثالث : فقد أوضحت القول فيه في حاشية التهذيب ، والحاصل من الكلام فيه الحمل على التقية ، غير أنّ القول لا يخرج عن مطابقة الواقع ، إذ لا مانع من وقوع الوضوء بعد الرعاف لكن لا بسبب الرعاف ، وحكايته عن أبيهعليه‌السلام لأنّ الواقع ذلك ( وإلاّ لما )(٢) احتاج إلى النقل عن أبيه كما لا يخفى.

وما قاله الشيخرحمه‌الله هنا من الحمل على التقية مجمل ، أمّا في الحديث الأوّل فلما قدمناه من أنّ الفرق بين الاستكراه وعدمه مبني على موافقة أهل الخلاف ، ليتم الحمل فيه على التقية.

وأمّا الثاني فلما ذكرناه هنا.

وأمّا الحمل على غَسل الموضع فمستبعد في الأخير ، لأن قوله : « بعد ما توضأ » يدل بظاهره على أنّ الوضوء واحد في الموضعين ، غير أن استعمال كل من أفراد المشترك مع اللفظ الموضوع له لا ريب فيه ، والإجمال فيه بسبب التقية ، فهو راجع في الحقيقة إليها ، أو أن السائل فهم ذلك بقرينة ، وكان على الشيخ أن ينبه على ذلك.

والخبران المذكوران واضحا الدلالة على عدم النقض ، فإن أراد الشيخ‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٥.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٣٧

دلالتهما على الغَسل فلا ريب فيه ولا احتياج إلى الخبرين ، وإن أراد الدلالة على عدم النقض فليس بمطلوب ، وإن أراد الدلالة على إطلاق الوضوء على الغَسل فلا يخلو من خفاء ، غير أنّه يمكن توجيهه بأنّ الخبرين إذا دلاّ على عدم النقض بل الغَسل علمنا أن المراد بالوضوء الغَسل ، وأنت خبير بأنّ الأولى بيان صحة إطلاق الوضوء على الغَسل مع الخبرين ، بل إذا ثبت ذلك يستغنى به عن الخبرين ، والأمر سهل.

قال :

باب الضحك والقهقهة‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن سالم أبي الفضل(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « ليس ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك ».

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل ، عن زكريا بن آدم ، قال : سألت الرضاعليه‌السلام عن الناصور (٢) ، قال (٣) : « إنّما ينقض الوضوء ثلاثة : البول ، والغائط ، والريح ».

__________________

(١) في بعض نسخ الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٧١ : سالم أبي الفضيل.

(٢) النّاصُور : علة تحدث في البدن من المقعدة وغيرها بمادة خبيثة ضيقة الفم يعسر برؤها ـ المصباح المنير : ٦٠٨ ( نصر ).

(٣) في الاستبصار ١ : ٨٦ / ٢٧٢ : فقال.

٣٨

السند‌

في الأوّل : قد ذكرنا القول فيه ، وسالم أبو الفضل فيه ثقة ، وقد يصغّر الفضل ، وظن بعض المغايرة بين أبي الفضل وأبي الفضيل ، كما يعلم من كتاب شيخنا المحقق ـ سلمه الله ـ في الرجال(١) .

والثاني : فيه محمد بن سهل ، وهو ابن سهل بن اليسع ، بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه ، كما قال في الفهرست(٢) ، وما في النجاشي من أن الراوي عنه أحمد بن محمد عن أبيه(٣) ، ربما يقال : إنّه لا مانع من رواية أحمد عنه كأبيه.

واحتمال أن يكون الشيخ في الفهرست قد سها قلمه عن ذكر أبيه ممكن ، إلاّ أن وجود رواية أحمد عنه في هذه الرواية قرينة الصحة ، واحتمال كون محمد بن سهل غير ابن اليسع لما ذكر بعيد ، وعلى كل حال ، محمد المذكور مهمل في الرجال ؛ وأمّا زكريا بن آدم فقد وثّقه النجاشي(٤) .

المتن :

ظن الشيخ منه أنّ الحصر المستفاد من الخبرين يفيد نفي الوضوء من القهقهة والضحك ، وقد يتوجه عليه أنّ الحصر لا بُدّ من كونه إضافياً ، وحينئذ لا ينافي ما دل على أنّ الضحك والقهقهة تنقضان الوضوء ، كما ثبت‌

__________________

(١) منهج المقال : ١٥٧.

(٢) الفهرست : ١٤٧ / ٦٢٠.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٧ / ٩٩٦.

(٤) رجال النجاشي : ١٧٤ / ٤٥٨.

٣٩

النقض بغيرهما في الأخبار ، وحينئذ لا يتم الحمل الآتي منه في المعارض ، وستسمع القول في ذلك مع الجواب.

وما تضمنه الخبر الأوّل من قوله : « اللذين أنعم الله بهما عليك » يؤيّده غيره من الأخبار الدالّة عليه ، كما تقدم عن قريب ، فإذا خرج من هذا ما انعقد عليه الاتفاق وهو ما اعتاد من غيرهما ، أو انسد الطبيعي ، بقي الإشكال في خروج الغائط والبول من غير ما ذكر ، بل ربما يرجح عدم النقض حينئذ ـ وإن ظن بعض كالشيخ أنّ خروج الغائط من تحت المعدة ناقض(١) ـ لأنّ مطلق الأخبار الدالة على ذلك بل والقرآن يقيد بمثل هذا الخبر ، كما ذكرنا مفصّلاً في حاشية التهذيب ، فليتأمّل.

فإن قلت : هذا الخبر حاله بمحمد بن إسماعيل غير خفية ، وغيره ممّا تقدم ليس بسليم السند.

قلت : قد روى الشيخ في التهذيب بسند لا ارتياب فيه عند الأصحاب عن زرارة قال : قلت : لأبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام ما ينقض الوضوء؟ فقالا : « ما خرج من طرفيك الأسفلين » الحديث(٢) .

على أنّ رواية محمد بن اسماعيل ؛ لا أرى فرقاً بينها وبين رواية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الواقع في طريق رواية زرارة المذكورة ، وكذلك : أحمد بن محمد بن يحيى ، وما ضاهاهما ممّن لم ينص أصحاب الرجال على توثيقهما ، فالحكم بصحة ما رواه أحمد بن محمد بن الوليد ونحوه ، دون ما رواه محمد بن إسماعيل غير واضح‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧ ، الخلاف ١ : ١١٥.

(٢) التهذيب ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

٤٠

هكذا كانت الصورة ، وهي لا تحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتعليق ؛ معاول الفتنة والهدم تضرب جسد الأُمّة من كلّ جانب

الأمراض الفكرية والأخلاقية تنهش فيها ، وقد اجتمع الدعاة إلى دولة القردة والخنازير على كلمة سواء ، هي هدم دولة أئمّة الحق من آل محمد بكلّ ما لديهم من وسائل الإقناع والتشويه والتمويه والإغراء والاغتيال والفساد

والآن لا مفرّ من هدنة ، والصراع سيمتد قروناً وقروناً ، ولم يأتِ بعد أوان حسم الصراع ، والمهمّة العاجلة أمام أئمّة الحق من آل محمد في هذه اللحظة هي إمامة الخط الإلهي الرباني داخل جسد الأُمّة ، والحفاظ على مَنْ يمثّلون هذه الرؤية لينقلوها إلى مَنْ بعدهم ، لا إهلاكهم في جولة صراع معلومة النتائج سلفاً

ــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ تفسير الطبري ‏٩ / ١١٣ ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٨٨

٢ ـ الدرّ المنثور ـ للسيوطي‏ ٥ / ٣٠٩ طبع دار الفكر ، بيروت ، ‏١٩٩٣م

٣ ـ المصدر نفسه

٤ ـ المصدر نفسه

٥ ـ ينابيع المودّة ‏٢ / ١٤٢ ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت

٦ ـ الإصابة في تمييز الصحابة ـ للحافظ بن حجر العسقلاني ١ / ١٧٠ ـ ٢٧١ ، رقم ٢٦٦ (أنس بن الحارث) مطبعه دار الكتب العلمية بيروت ، ط‏١ ، سنة ١٩٩٥

٧ ـ الصواعق المحرقة ـ لابن حجر / ٢٩٢ ، ح‏٢٨ ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط‏٣ / ١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٣ م

٨ ـ المصدر نفسه / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، ح‏٣٠

٩ ـ تفسير ابن كثير ٢ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٤ م

١٠ ـ المصدر نفسه ٢ / ٤٥٤

١١ ـ المصدر نفسه

٤١

ــــــــــــــــــــــــــ

١٢ ـ تاريخ الأمم والملوك ـ للطبري ٣ / ٥٦١ ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت

١٣ ـ المصدر نفسه ٣ / ٥٥٩ ـ ٥٦٠

١٤ ـ مقاتل الطالبيين / ٧٦ ـ ٧٧ ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، ١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٧ م

١٥ ـ تاريخ الطبري ٣ / ٥٥٢ ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت

١٦ ـ المصدر نفسه ٣ / ٥٥٢ ـ ٥٥٣

١٧ ـ المصدر نفسه ٣ / ٥٥٤

١٨ ـ المصدر نفسه

١٩ ـ المصدر نفسه ٤ / ١٠٣

٢٠ ـ المصدر نفسه

٢١ ـ تاريخ الأمم والملوك ـ لابن جرير الطبري ٤ / ١٠٤

٢٢ ـ المصدر نفسه ٤ / ١٠٧

٢٣ ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ٥ / ١٨١ ، الطبعة الأولى ، دار الجيل ، بيروت ، ‏١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م

٢٤ ـ المصدر نفسه ٥ / ١٨٩ ـ ١٩٠

٢٥ ـ المصدر نفسه ٥ / ١٩٠

٢٦ ـ المصدر نفسه ٥ / ٢٥٦ ـ ٢٥٨

٢٧ ـ تاريخ الأمم والملوك ـ للطبري ٤ / ٣٤

٢٨ ـ المصدر نفسه

٢٩ ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ٢ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، ط‏١ ، دار الجيل ، بيروت ، ‏١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م

٣٠ ـ المصدر نفسه

٣١ المصدر نفسه ‏٢ / ٢١٧ ـ ٢٢٠

٣٢ ـ علي وبنوه ـ لطه حسين / ٨٠ ـ ٨١ ، طبع دار المعارف ، مصر

٣٣ ـ شرح نهج البلاغة ‏٢ / ١٨٣ ، دار الهدى الوطنية ، بيروت

٣٤ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ١٤ نقلاً عن أبي الفرج

٣٥ ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ١٦ / ٤٠ ـ ٤٢ ، دار الجيل ، بيروت

٤٢

والأهم من هذا أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) لا ينطلقون في قراراتهم من رؤية آنية ، وإنّما من رؤية كونية تحدّد مهامّهم بدءاً من بعثة محمد (صلّى اللّه عليه وآله) إلى ظهور المهدي المنتظر (جعلنا اللّه من أنصاره وجنده)

هؤلاء ، أي الرسول والأئمّة (عليه السّلام) لم تحمّلهم الأُمّة المسؤولية ، وإنّما حملوها بأمر من اللّه (عزّ وجلّ) ، فكان إمداد السماء لهم بالتسديد والتأييد والتعزية والتسلية أمراً ضرورياً

من هنا كانت رؤية رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) لأولئك القردة الذين كانوا ينزون على منبره ، ونزول قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ )(سورة الإسراء / ٦٠) ، ثمّ تعزيته من قبل جبرائيل (عليه السّلام) بمقتل الحسين (عليه السّلام) في كربلاء ، ولم يكن شيئاً من هذه السياقات محجوباً لا عن الإمام علي (عليه السّلام) الذي ما فتى‏ء يتعجّل أشقاها أن يأتي ليضربه على رأسه فيستريح من هذه الأُمّة التعسة ، ولا كانت غائبة عن الإمام الحسن (عليه السّلام) حين عقد صلحاً مع إمام البغاة وهادنه(١)

ولكن هذا لا يغني عن إيراد شروط الصلح والمهادنة ، فهي كما أوردها الشيخ الصدوق في كتاب (علل الشرائع) قال : بايع الحسن بن علي (صلوات اللّه عليه) معاوية على ألاّ يسمّيه أمير المؤمنين ، ولا يقيم عنده شهادة ، وعلى ألاّ يتعقّب على شيعة علي شيئاً ، وعلى أن يفرّق في أولاد مَنْ قُتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد مَنْ قُتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم ، وعلى أن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد

٤٣

لم يكن ذلك الصلح شيئاً سارّاً لخواص أصحاب الإمام علي الذي أمضّهم هذا فدخل أحدهم على الإمام الحسن (عليه السّلام) قائلاً : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين

فقال الحسن : (( اجلس يرحمك اللّه ! إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) رُفع له ملك بني أُميّة فنظر إليهم يعلون منبره واحداً واحداً فشقّ ذلك عليه ؛ فأنزل اللّه في ذلك قرآناً قال له : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) ، وسمعت أبي علياً (رحمه اللّه) يقول : سيلي أمر هذه الأُمّة رجل واسع البلعوم ، كبير البطن ، فسألته : مَنْ هو ؟ فقال : معاوية ، وقال لي : إنّ القرآن قد نطق بملك بني أُميّة ومدّتهم ، قال تعالى : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )(سورة القدر / ٣) ، قال أبي : هذا ملك بني أُميّة ))(٢)

٤٤

الفصل الثاني

تحقّق

الرؤيا وقيام مُلْك أرباب السوء

١ ـ مسؤولية مَنْ أرادها أمويّة وكرهها إسلامية

قام مُلْك (بني فلان) الذين رأى النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّهم ينزون على منبره نزو القردة

ولا نعفي أحداً من المسؤولية ، لا الذين أضعفوا سلطان آل محمد على قلوب الناس وجعلوا منهم مستشارين عند الضرورة ، ولا الذين جعلوا الإمام علياً سادساً في ما أسموه بالشورى ، وقد قال (عليه السّلام) في ذلك : (( متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ؟! ))

ولا الذين مهّدوا لمعاوية سلطانه في الشام ، ولمّا رأوا ما هو فيه من الأُبّهة والسلطان قالوا : (لا نأمرك ولا ننهاك)

كان ابن آكلة الأكباد استثناءً ، ولا الذين حرصوا على سلب أهل البيت أموالهم التي أُعطيت لهم من قبل السماء ، فأخذوا فدكاً من الزهراء ، وحرموا آل محمد حقّهم في الخمس ، ولا الذين حرصوا على إعطاء بني أُميّة ما يتقوون به لإقامة دولتهم ، فأعطوا مروان بن الحكم وابن أبي سرح خمس غنائم أفريقيا ، ولا الذين أشعلوا نار الفتنة في موقعة الجمل الخ

كلّهم مسؤولون وشركاء في هذه الكارثة : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لاَ َتَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ )(سورة الصافات / ٢٤ ـ ٢٦) ، كلّهم أرادوها أمويّة وكرهوها إسلامية خالصة للّه

٤٥

٢ ـ خطبة الافتتاح وشريعة ملوك السوء

ولنسمع خطبة الافتتاح من ابن آكلة الأكباد : ما قاتلتكم لتصلّوا ، ولا لتصوموا ، ولا لتحجّوا ، ولا لتزكّوا ، إنّكم لتفعلون ذلك ، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني اللّه ذلك وأنتم كارهون

كلّ شي‏ء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين ، لا أفي به(٣)

ولا بأس بأن نورد نماذج من تطبيق الشريعة الإسلامية على الطريقة الأُمويّة ، وهو ما يتمنّاه بعض المخدوعين في هذا الزمان :

أوّلاً : النهج الأُموي يُبيح شرب الخمور

روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد اللّه بن بريدة قال : دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ، ثمّ أُتينا بالطعام فأكلنا ، ثمّ أُتينا بالشراب فشرب معاوية ، ثمّ ناول أبي ، ثمّ قال : ما شربته منذ حرّمه رسول اللّه(٤)

ثانياً : النهج الأُموي يُبيح الربا

أخرج مالك والنسائي وغيرهما من طريق عطاء بن يسار أنّ معاوية باع سقاية من ذهب ، أو ورق بأكثر من وزنها ، فقال له أبو الدرداء (رضى اللّه عنه) : سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ينهى عن مثل هذا إلاّ مثلاً بمثل

٤٦

فقال له معاوية : ما أرى بمثل هذا بأساً(٥)

ثالثاً : استلحاق زياد

وصّى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) : (( أنّ الولد للفراش ، وللعاهر الحجر )) متّفق عليه

وقال (صلّى اللّه عليه وآله) : (( مَنْ ادّعى إلى غير أبيه ، وهو يعلم أنّه غير أبيه ، فالجنة عليه حرام ))

رواه البخاري ومسلم وأبو داود

أمّا ابن آكلة الأكباد فجاء بزياد ، وكان يُدعى زياد ابن أبيه ، وتارة زياد ابن أُمّه ، وتارة زياد بن سُميّة ، وأقام الشهادة أنّ أباه أبا سفيان قد وضعه في رحم سُميّة ، وكانت بغياً ، وسمّاه زياد بن أبي سفيان ؛ ليستخدمه في قمع المسلمين الشيعة وقتلهم

رابعاً : قتل الأحرار من أصحاب محمد (صلّى اللّه عليه وآله)

قال تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )(سورة المائده / ٣٢)

روى الطبري في تاريخه : استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة وأوصاه : لا تتحمَ عن شتم علي وذمّه ، والترحّم على عثمان والاستغفار له ، والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم ، وترك الاستماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان (رضوان اللّه عليه) والإدناء لهم والاستماع منهم

٤٧

وأقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شي‏ء سيرة ، وأشدّه حبّاً للعافية غير أنّه لا يدع ذمّ علي والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه ، فكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك قال : بل إيّاكم فذمم اللّه ولعن

ثمّ قام فقال : إنّ اللّه (عزّ وجلّ) يقول : ( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ )(سورة النساء / ١٣٥) ، وأنا أشهد أنّ مَنْ تذمّون وتعيّرون لاحق بالفضل ، وأنّ مَنْ تزكّون وتطرون أولى بالذم(٦)

واستمرت هذه الحال حتى ولي زياد الكوفة فقال مثلما كان يقول المغيرة ، وردّ عليه حجر (رضوان اللّه عليه) بمثل ما كان يردّ على المغيرة ، فأرسل زياد إلى أميره معاوية فأمر باعتقاله (وفقاً لقانون طوارئ بني أُميّة) ، وأُرسل إلى ابن آكلة الأكباد مشدوداً في الحديد فأمر بقتله

فقال حجر للذين يلون أمره : دعوني حتى أُصلّي ركعتين

فقالوا : صلِّ فصلّى ركعتين خفّف فيهما ، ثمّ قال : لولا أن تظنّوا بي غير الذي أنا عليه لأحببت أن تكونا أطول ممّا كانتا

ثمّ قال لمَنْ حضره من أهله : لا تطلقوا عنّي حديداً ، ولا تغسلوا عنّي دماً ؛ فإنّي أُلاقي معاوية غداً على الجادة ثمّ قُدّم فضُربت عنقه

لم يكن حجر بن عدى النموذج الوحيد الدالّ على ظلم هذه الدولة الجائرة التي يزعم جاهلو أمرها وحدهم أنّها كانت تحكم ، أو تحكم بشريعة الإسلام

٤٨

لقد كان بنو أُميّة يدأبون ليل نهار لإطفاء نور اللّه ، وفي الوقت نفسه كان خطّ الأئمّة (عليهم السّلام) قد تحوّل إلى مشروع تأسيس لإقامة دولة المهدي المنتظر وإن تأخّر ذلك قروناً وقروناً

أمّا بنو أُميّة فيجهدون لإحداث أكبر قدر من الدمار بالأُمّة الإسلامية وبرجالاتها وبقيمها

وفي الوقت نفسه كان خطّ آل بيت محمد حريصاً على إبقاء قيم الإسلام الرسالي الأصيل حيّة ومتوهجة ، والتأكيد على أنّ مرحلة التمهيد وتأسيس دولة الإمام المهدي ليست مرحلة هدنة سلبية ، وليست إيثاراً للإبقاء على حياة مجموعة من البشر ، وإنّما إبقاء للقيم وإمدادها بكلّ ما يبقيها متألّقة وحيّة حتى زمن الظهور

٣ ـ مواجهة التزييف ، وإحياء قيم الإسلام

لم تتوقّف المواجهة بين أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) وبين بني أُميّة خلال هذه المرحلة ، وإن ابتعدت عن المعارك العسكرية الكبرى ، فقد سال الكثير من الدماء في هذه المرحلة ، ومنها دماء حجر بن عدي وأصحابه ، وعمرو بن الحمق الخزاعى وغيرهم من خواص أصحاب الإمام علي (عليه السّلام)

وفي مواضع أُخرى كان الأئمّة (عليهم السّلام) يتصدّون لعمليات التزييف التي تمارسها الدعاية الأُمويّة ، ويدعون الناس إلى الحقّ وتغيير الباطل وعدم السكوت عليه

ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك من تاريخ الإمام الحسن (عليه السّلام) قبيل استشهاده ، ثمّ من تاريخ الإمام الحسين (عليه السّلام)

٤٩

يروى أبو الفرج قال : خطب معاوية بالكوفة حين دخلها والحسن والحسين (عليهما السّلام) جالسان تحت المنبر ، فذكر علياً (عليه السّلام) فنال منه ، ثمّ نال من الحسن

فقام الحسين ليردّ عليه ، فأخذه الحسن بيده فأجلسه ، ثمّ قام فقال : (( أيّها الذاكر عليّاً ، أنا الحسن ، وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأُمّي فاطمة وأُمّك هند ، وجدّي رسول اللّه وجدّك عتبة بن ربيعة ، وجدّتي خديجة وجدّتك قتيلة ، فلعن اللّه أخملنا ذكراً ، وألأمنا حسباً وشرّنا قديماً وحديثاً ، وأقدمنا كفراً ونفاقاً ))

فقال طوائف من أهل المسجد : آمين(٧)

روى أبو الحسن المدائني قال : سأل معاوية الحسن بن علي بعد الصلح أن يخطب الناس فامتنع ، فناشده أن يفعل ، فوضع له كرسي فجلس عليه ، ثمّ قال : (( الحمد للّه الذي توحّد في ملكه ، وتفرّد في ربوبيته ، يؤتي الملك مَنْ يشاء ، وينزعه عمّن يشاء ، والحمد للّه الذي أكرم بنا مؤمنكم ، وأخرج من الشرك أوّلكم ، وحقن دماء آخركم ، فبلاؤنا عندكم قديماً وحديثاً أحسن البلاء ، إن شكرتم أو كفرتم

أيّها الناس ، إنّ ربّ علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه ، وقد اختصه بفضل لم تعتادوا مثله ، ولم تجدوا سابقته ، فهيهات هيهات ! طالما قلبتم له الأمور حتى أعلاه اللّه عليكم وهو صاحبكم ، وعدوّكم في بدر وأخواتها ، جرّعكم رنقاً ، وسقاكم علقاً ، وأذلّ رقابكم ، وأشرقكم بريقكم ، فلستم بملومين على بغضه ، وأيم اللّه لا ترى أُمّة محمد خفضاً ما كان سادتهم وقادتهم في بني أُميّة ، ولقد وجّه اللّه إليكم فتنة لن تصدروا عنها حتى تهلكوا ؛ لطاعتكم طواغيتكم ، وانضوائكم إلى شياطينكم ، فعند اللّه احتسب ما مضى وما يُنتظر من سوء دعتكم ، وحيف حكمكم ))(٨)

٥٠

يقول أبو الفرج : لمّا أراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن عليه شي‏ء أثقل من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقّاص فدسّ إليهما سمّاً فماتا

استشهد الإمام الحسن (عليه السّلام) في ربيع الأوّل عام تسعة وأربعين ، وحمل الإمام الحسين (عليه السّلام) عب‏ء مواجهة الأمويين طوال هذه المرحلة حتى استشهاده(عليه السّلام) في واقعة كربلاء

وكما أسلفنا كانت هذه المرحلة مرحلة مواجهة (غير مسلحة) ، وهي كلمة غير دقيقة ، وإلاّ فبماذا نصف قتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما ، ومئات غيرهم ممّن لم تشتهر أسماؤهم على يد شرطة معاوية وزياد وابن زياد وسمرة بن جندب وغيرهم

وإذا قلنا غير مسلحة فإنّنا نعني عدم حدوث معارك كبرى فقط

كانت هذه المرحلة التي امتدّت من عام تسع وأربعين حتى هلاك الطاغية مرحلة تسابق

إنّ الطاغية يحاول تكريس نهج الدولة الأُموية وتحويله إلى قدر أبدي (وهو ما نجح في بعضه) ، والإمام الحسين (عليه السّلام) يحاول إحياء موات هذه الأُمّة وردّهم إلى الدين الصحيح ، دين محمد وعلي

٤ ـ محاولة تحويل (النهج الأُموي) إلى قدر أبدي

نفّذ معاوية سياسة واضحة المعالم ، من أبرز معالمها :

٥١

ا ـ لعن آل البيت (عليهم السّلام) ، وخاصة إمام الأئمّة علي بن أبي طالب (عليه السّلام) على منابر الأُمّة ، صباح مساء

ب ـ العمل على رفع مكانة مناوئي أهل البيت ومنافسيهم باختلاق الروايات المنسوبة إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)

ج ـ القضاء على خطوط الدفاع بقتل رجال الشيعة واغتيالهم ، مثل حجر وعمرو بن الحمق كما أسلفنا ، بل وحتى قتل أيّ معارض آخر له وزن وإن لم يكن من شيعة أهل البيت (عليهم السّلام) ، ومثال ذلك : سعد بن أبي وقّاص وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد

د ـ استعمال سياسة الرشوة وإفساد الذمم لاستماله مَنْ تبقّى

وهذه السياسات نفسها هي التي بدا بها تمدّده السرطاني في جسد الأُمّة

٥ ـ امتداد المُلك يزيد ولّي عهد

أراد ابن آكلة الأكباد أن يمهّد الأمر ليزيد ابنه ؛ ليمتدّ المُلك في عقبه حتى قيام الساعة

ومَنْ يتتبّع أخبار الرواة في هذا الصدد يجد تبايناً ، فمن قائل يقول : إنّ هذا الأمر كان بمبادرة من المغيرة بن شعبة ليمدّ له معاوية في ولايته على الكوفة ، ومن قائل يقول : إنّ هذا كان بأمر من معاوية ، واتفاق مع الضحّاك بن قيس

وما أعتقده أنّ هذه أمور واحدة ؛ كلّ المنافقين يعلمون رغبة سيّدهم ، والكلّ يتبارى في اختيار الأُسلوب الملائم للتنفيذ ، ولا بأس بإيراد بعض النماذج التي توضّح طبيعة المُلك الأُموي وسياسته :

٥٢

أوفد المغيرة بن شعبة عشرة من شيعة بني أُميّة إلى معاوية ليطالبوا ببيعة يزيد ، وعليهم موسى بن المغيرة ، فقال معاوية : لا تعجلوا بإظهار هذا ، وكونوا على رأيكم

ثمّ قال لموسى : بكم اشترى أبوك هؤلاء من دينهم ؟

قال : بثلاثين ألفاً

قال : لقد هان عليهم دينهم

لمّا اجتمعت عند معاوية وفود الأمصار بدمشق بإحضار منه ، دعا الضحّاك بن قيس ، فقال له : إذا جلست على المنبر ، وفرغت من بعض موعظتي وكلامي فاستأذنّي للقيام ، فإذا أذنت لك فاحمد اللّه تعالى ، واذكر يزيد ، وقل فيه الذي يحقّ له عليك من حسن الثناء عليه ، ثمّ ادعني إلى توليته من بعدي ؛ فإنّي قد رأيت وأجمعت على توليته ، فأسأل اللّه في ذلك وفي غيره الخيرة وحسن القضاء

ثمّ دعا عدّة رجال فأمرهم أن يقوموا إذا فرغ الضحّاك ، وأن يصدّقوا قوله ، ويدعو إلى يزيد

ثمّ خطب معاوية فتكلّم القوم بعده على ما يروقه من الدعوة إلى يزيد ، فقال معاوية : أين الأحنف ؟ فأجابه ، قال : ألا تتكلّم ؟

٥٣

فقام الأحنف ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وقال بعد مقدّمة : إنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً

فغضب الضحّاك وردّ غاضباً : ما للحسن وذوي الحسن في سلطان اللّه الذي استخلف به معاوية في أرضه ؟ هيهات ! ولا تورث الخلافة عن كلالة ولا يحجب غير الذكر العصبة ، فوطّنوا أنفسكم يا أهل العراق على المناصحة لإمامكم وكاتب نبيّكم وصهره ، يسلم لكم العاجل وتربحوا من الآجل

ثمّ قام الأحنف بن قيس فحمد اللّه وأثنى عليه فقال : قد علمت أنّك لم تفتح العراق عنوة ، ولم تظهر عليها قصعاً ، ولكنّك أعطيت الحسن بن علي من عهود اللّه ما قد علمت ليكون له الأمر بعدك(٩)

أمّا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وكان من خواص أصحاب معاوية فقد لقى حتفه مسموماً حيث حدّثته نفسه بالسلطة والإمارة بدلاً من يزيد

جاء في تاريخ الطبري : إنّ عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام ، أو مال إليه أهلها لِما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد ، ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه حتى خافه معاوية وخشي على نفسه منه ؛ لميل الناس إليه ، فأمر ابن آثال أن يحتال في قتله وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش ، وأن يولّيه جباية خراج حمص

فلمّا قدم عبد الرحمن بن خالد لحمص منصرفاً من بلاد الروم دسّ إليه ابن آثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات بحمص(١٠)

٥٤

ويحكي لنا التاريخ صورة أُخرى من مشاورات معاوية في خلافة يزيد ، ومن بينها كلمات ذلك الأحمق الذي قام فقال : هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى سيفه ـ قال معاوية : اجلس فأنت سيّد الخطباء(١١)

لم يكن عبد الرحمن بن خالد وحده هو الذي طمع في الخلافة بعد معاوية ، فهناك سعيد بن عثمان بن عفان الذي وجد له أنصاراً من أهل المدينة يقولون : واللّه لا ينالها يزيد حتى يعضّ هامة الحديد ، إنّ الأمير بعده سعيد ، ولكن كان أمره هيّناً ؛ حيث خرج من حلبة المنافسة راضياً بولاية خراسان(١٢)

من الواضح أنّ الصراع السياسي كان دائراً على أشدّه حول قضية خلافة معاوية ، وقد هدّدت هذه القضية الصف الأُموي بالتفكّك والانهيار ، وإنّ الخلافة اليزيدية لم تكن أمراً مستقراً حتى في داخل البيت الأُموي نفسه ؛ حتى إنّ معاوية اضطر لتأجيل إعلان هذا الأمر إلى ما بعد هلاك زياد ، وإنّ مروان بن الحكم والي معاوية على المدينة عارض هذا الأمر بشدّة ؛ ممّا اضطر معاوية إلى إعفائه من منصبه

ويمكننا أن نرجع هذه المعارضة الداخلية لعدّة أسباب منها :

أ ـ إنّ انتقال السلطة إلى يزيد من طريق ولاية العهد كان اقتباساً من النظام السياسي البيزنط‏ي الذي لم يعرفه العرب في سابق تاريخهم ، ولعلّ قرب موقع معاوية من دولة الروم كان مصدر معرفته بهذا النظام الملكي الإمبراطوري الذي صار هو النظام السياسي في الأُمّة الإسلامية في ما بعد

ب ـ إنّ هذا الأسلوب كان إهداراً لنظام الشورى الذي توهّم المسلمون أنّه القانون الأساسي للمسلمين

٥٥

والواقع أنّ الشورى لم تكن قد مورست بصورة جيّدة في الحقب السابقة ممّا يسمح باستقرار معالمها وأساليب ممارستها

فإن يأتي معاوية لينقل المداراة إلى ديكتاتورية صريحة كان هذا أمراً ثقيلاً على كثيرين ، وخاصّة على أولئك الذين توهّموا أنّهم أهل الحل والعقد ، ولم يكن معاوية ليبقى على نفوذهم ولا على وجودهم نفسه إذا تعارض ذلك مع رغباته السلطوية الجامحة

ج ـ صفات يزيد الشخصية وافتقاده الحدّ الأدنى من المقوّمات جعلت زياداً ـ وهو مَنْ هو في بغيه وعدوانه ونسبه ـ كارهاً لبيعته وإمارته قائلاً : ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد(١٣) ، وكتب إلى معاوية يأمره بالتؤدة(١٤) وألاّ يعجل

لم تستعصِ الأغلبية على معاوية ولا على أساليبه ؛ فهناك المتطوّعون السابقون إلى مرضاة الطواغيت ، مثل الضحّاك بن قيس ، والمغيرة بن شعبة ، وسمرة بن جندب ، ولا بأس هنا بأن نورد بعضاً من منجزات سمرة ، هذا (الصحابي) الذي استخلفه زياد على الكوفة ثمّ عاد إليه فوجده قد قتل ثمانية آلاف من الناس ، فقال له : هل تخاف أن تكون قد قتلت أحداً بريئاً ؟

قال : لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت

أو كما قال ، وعن أبي سوار العدوي قال : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً كلّهم قد جمع القرآن(١٥)

ثمّ عزله معاوية فقال سمرة : لعن اللّه معاوية ؛ واللّه لو أطعت اللّه كما أطعت معاوية ما عذّبني أبداً(١٦)

٥٦

لقد أجاد معاوية سياسة (فرّق تسد) ، فلمّا أحسّ أنّ رجالات المدينة يمتنعون من بيعة يزيد راسلهم أوّلاً ، ثمّ ذهب إليهم بنفسه في عام خمسين للهجرة ، مستخدماً سياسة المخادعة ، عازفاً على أوتار النفوس ومكامن الأهواء ، عالماً أنّ الأُمّة التي أسلمت علياً والحسن لن تجتمع كلمتها خلف الحسين (عليه السّلام) ، ومن ثمّ فإنّ المطلوب هو كسب الوقت وتفتيت المعارضة ، وضرب الناس بعضهم ببعض ؛ حتى يصل المُلك إلى يزيد غنيمة باردة

٥٧

الفصل الثالث

الثورة الحسينية : النهوض بمهمّة حفظ الدين

كانت للحسين بن علي (عليه السّلام) وهو الإمام المنصوب من السماء خطّته ، وهي خطّة تهدف إلى انتصار الحقّ وإبقائه حيّاً متوهّجاً

كان الحسين (عليه السّلام) عالماً بأنّ شجرة الحق لكي تنبت أغصاناً تبقى مدى القرون ، ولكي تضرب جذورها في عمق الأرض فتقضى على جذور الشجرة الخبيثة ، لا بدّ لها من أن تُروّى بدماء الحسين وعترته الطاهرة ؛ كي يعلم الجميع إلى قيام الساعة أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) هم قادة السيف والعلم والزهد ، وأنّ دماءهم رخيصة في مرضاة اللّه ، والإمام الحسين (عليه السّلام) هو القاتل : ( إذا كان دين جدّي لا يستقيم إلاّ بقتلي فيا سيوف خذيني )

لم يكن بنو أُميّة يفهمون هذا ، ولا يملكون القدرة حتى على الاقتراب من فهمه ؛ الحياة عندهم متعة وخداع وقتل وسفك دماء ، وصولاً إلى أهداف حيوانية يتمّ تغليفها بعد هذا بشعارات دينية ، ولا مانع لديهم أن يصعد إلى المنبر مَنْ يحدّث الناس عن الدين والزهد ، ويفاخر بصحبته لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) طالما أنّه ينهي الخطبة بلعن إمام الهدى علي بن أبي طالب ، فأيّ دين هذا ؟!

وقد أسلفنا في قصّة حجر بن عدي وأسباب مقتله ، وقد امتلأت كتب الروايات بهذه القصّة الفاجرة : (ما لكَ ألاّ تسبّ أبا تراب؟) ، ولمّا أُبطل السبّ يوماً قال قائلهم : (لا صلاة إلاّ بلعن أبي تراب)

٥٨

لم يكن هناك نفوذ غربي ولا شرقي آنئذٍ ، ولا كانت القارة الأمريكية قد اكتُشفت يومها حتى تبرّر لنا هذه الحالة المزرية بالقول بأنّ معاوية كان عميلاً أمريكياً ، أو أنّ هذا مخطّط صهيوني

إنّهم يقولون عنه : إنّه كاتب الوحي ، وخال المؤمنين ، ومؤسس الدولة الإسلامية يقولون أيّ شي‏ء إلاّ الحقيقة التي قلنا طرفاً منها هنا ، وسنقولها يوماً ما إن شاء اللّه بمزيد من التفصيل

١ـ نهج الثورة الحسينية ‏والقول الفصل

الآن وفي هذه اللحظات ، وعلى وجه التحديد ، ومنذ استشهاد الإمام الحسن (عليه السّلام) ، ومحاولة أخذ البيعة ليزيد ، بدأت الثورة الحسينية واستمرت حتى كان عرس الدم في كربلاء عام واحد وستين

أيضاً لا بدّ أن نؤكّد على حقيقة أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) لم تكن ميزتهم الوحيدة أنّهم أقدر من غيرهم على فهم حقائق الإسلام والنطق بها ، وإنّما كانوا هم الأقدر من غيرهم على تجسيد هذه المفاهيم وتحويلها إلى واقع وإلى تطبيق ونموذج في وقت كثر فيه المتكلّمون وقلّ فيه الفاعلون

ولنتأمّل هذه الرواية التي أوردها أصحاب الصحاح ، وننقلها عن النسائي في كتابه (خصائص الإمام علي) : (( إنّ منكم مَنْ يُقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله ))

قالوا : مَنْ يا رسول اللّه ؟

قال : (( هذا ـ وأشار إلى علي عليه السّلام ـ ))

نعم ، لقد نزل القرآن على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ، وبلّغه للأُمّة كاملاً غير منقوص ، مشفوعاً بسنته (صلّى الله عليه وآله) ، وبقي باب التطبيق مفتوحاً بتطوّر الحوادث والأيام من خلال إقامة المجتمع المسلم ومعايشته لكثير من المستجدّات

٥٩

فقط أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) كانوا وحدهم قادرين على الفعل الصحيح في كلّ موقف ، لا في موقف دون موقف ، كما قال عنهم رسولنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ورواه أصحاب الصحاح : (( إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به بعدي لن تضلّوا أبداً ؛ كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ))

إنّهم حملة النصّ الصحيح والتطبيق الصحيح ، وما أحوجنا إليهم وإلى نهجهم (سلام اللّه عليهم)

وما أحوج الأُمّة وسط هذا الظلام الأُموي ، وهذه الفتنة العمياء إلى موقف حسيني يبدّد الظلمات موقف حسيني لا يتحدّث عن الحقّ وإنّما يفعله ، ولا يفعله فعلاً يراه بعض الناس ويغفل عنه بعضهم الآخر ، وإنّما يفعله فعلاً يبقى مسطوراً ومحفوراً في عمق الأرض وفي عمق الوجدان البشري

ما أحوج الأُمّة الإسلامية والبشرية كلّها إلى هذا النور المتوهّج لتبقى شمس الحسين تهدي الحائرين ، وتدلّ السائلين على الحدود الفاصلة بين الحقّ والباطل ، بين مرضاة اللّه وسخطه

هكذا كانت ثورة الحسين (عليه السّلام)

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469