إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

إستقصاء الإعتبار8%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52946 / تحميل: 5919
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٤-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

[ أيّام ](١) قال : « تدع الصلاة » قلت : فإنها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة [ أيام ](٢) قال : « تصلي » قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة [ أيام ](٣) قال : « تدع الصلاة ، تصنع ما بينها وبين شهر فإن انقطع عنها ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة ».

وما رواه سعد بن عبد الله ، عن السندي بن محمد البزاز ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام والطهر خمسة أيّام وترى الدم أربعة أيّام والطهر ستة أيام ، فقال : « إن رأت الدم لم تصلِّ وإن رأت الطهر صلّت ما بينهما وبين ثلاثين يوماً ، فإذا تمّت ثلاثون يوماً فرأت الدم دماً صبيباً(٤) اغتسلت واستثفرت(٥) واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة ، فإذا رأت صفرة توضّأت ».

فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على امرأة اختلطت عادتها في الحيض وتغيّرت عن أوقاتها وكذلك أيّام أقرائها واشتبه عليها صفة الدم فلا(٦) يتميز لها دم الحيض من غيره ، فإنّه إذا كان كذلك ففرضها إذا رأت الدم أن تترك الصلاة ، وإذا رأت الطهر صلّت إلى أن تعرف عادتها ، ويحتمل أن يكون هذا حكم امرأة مستحاضة اختلطت عليها أيّام الحيض ، وتغيّرت عادتها ، واستمر بها الدم وتشتبه (٧) صفة الدم‌

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٣.

(٢) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٣.

(٣) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٣.

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : صبياً.

(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : استشفرت.

(٦) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : ولا.

(٧) في « رض » و « د » : واشتبهت ، وفي « فض » : وسهت. وما أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤.

٣٢١

فترى ما يشبه دم الحيض ثلاثة [ أيام أو ] (١) أربعة أيّام ، وترى ما يشبه دم الاستحاضة مثل ذلك ، ولم يتحصل لها العلم بواحد منهما ، فإنّ فرضها أن تترك الصلاة كل ما رأت ما يشبه دم الحيض ، وتصلّي كل ما رأت ما يشبه دم الاستحاضة إلى شهر ، وتعمل بعد ذلك ما تعمله المستحاضة ، ويكون قوله : رأت الطهر ثلاثة أيام أو أربعة أيّام. عبارة عمّا يشبه دم الاستحاضة لأن الاستحاضة بحكم الطهر ، ولأجل ذلك قال في الخبر : « ثم تعمل ما تعمله (٢) المستحاضة » وذلك لا يكون إلاّ مع استمرار الدم ، وقد دل على ذلك الخبر الذي أوردناه في كتابنا الكبير عن غير واحد سألوا أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحيض والسنّة فيه (٣) .

السند‌

في الأوّل : موثق بيونس ( بن يعقوب )(٤) فإنّ النجاشي قال : إنّه كان أخصّ بأبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ، وكان يتوكّل لأبي الحسنعليه‌السلام ، ومات بالمدينة في أيّام الرضاعليه‌السلام فتولّى أمره ، وكان حَظيّا عندهم موثّقاً ، وقد قال بعبد الله ورجع(٥) .

والشيخ أيضاً في كتاب الرجال ذكره في رجال الكاظمعليه‌السلام وأنّه ثقة(٦) .

__________________

(١) ما بين أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤.

(٢) في النسخ : تعمل ، وما أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤.

(٣) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨١ أبواب الحيض ب ٥ ح ١.

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٥) رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧ ، بتفاوت يسير.

(٦) رجال الطوسي : ٣٦٣ / ٤.

٣٢٢

وابن بابويه في أسانيد الفقيه ذكر أنّه فطحي ولم يذكر الرجوع(١) .

وربما يحصل المعارضة لقول النجاشي بالرجوع ، إلاّ أن يحمل كلام الصدوق على ما قيل ، وعلى كل حال لا يفيد هذا فائدة.

والعلاّمة في الخلاصة قال : وروى الكشي أحاديث حسنة تدل على حسن عقيدة هذا الرجل والذي أعتمد عليه قبول روايته(٢) .

وهذا لا يخلو من غرابة ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخبار التي رواها الكشي ليس فيها حسن ولا صحيح ، إلاّ أن يريد غير المعنى المصطلح عليه.

وأما ثانياً : فلأن قبول روايته مع كونه فطحيّاً دون غيره كما يظهر منهرحمه‌الله غير ظاهر الوجه ، والرجوع غير معلوم التاريخ ، لتعلم الرواية قبل أو بعد ، وهو أعلم بمراده.

وأما الثاني : ففيه أبو بصير ، وقد تقدّم القول فيه(٣) ، والسندي بن محمد ثقة ويسمى أبان(٤) إلاّ أن وصفه بالبزّاز لم أره في الرجال.

المتن :

في الخبرين لا يخلو من غرابة ، وظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمضمون الرواية الثانية ، فإنّه نقل متنها في الكتاب.

وما ذكره الشيخ في التوجيه الأوّل ظاهره أنّه فهم من الروايتين أن الدم كان يوجد ثلاثة أيّام أو أربعة ثم ينقطع وهكذا ، والذي يقتضيه آخر‌

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١٠٥.

(٢) خلاصة العلاّمة : ١٨٥ / ٢.

(٣) راجع ص ٩٠ ٩٤ وج ١ ص ٧٢ ، ٨٣.

(٤) في النسخ : بنان ، وما أثبتناه من رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٧ ، وخلاصة العلاّمة : ٨٢ / ٢.

٣٢٣

الرواية الاولى من قوله : « فإن انقطع عنها وإلاّ فهي مستحاضة » أنّ الدم مستمر ، وإنّما كانت تراه بصفة دم الحيض أيّاماً وبصفة دم الاستحاضة أيّاماً كما يقتضيه التوجيه الثاني من الشيخ ، وإن أشكل التوجيه الثاني أيضا بأنّ الشيخ فهم من قولهعليه‌السلام : ثم تعمل ما تعمله المستحاضة ، أنّ المراد في الأيّام التي يشبه دمها دم الاستحاضة.

والذي أفهمه أنّ المراد كونها تعمل بعد الثلاثين إذا استمرّ الدم.

وفي المعتبر قال المحقق بعد نقل كلام الشيخ في هذا الكتاب : وهذا تأويل لا بأس به ، ثم قال : ولا يقال : إنّ الطهر لا يكون أقل من عشرة ، لأنّا نقول : هذا حق ، لكن ليس هذا طهراً على اليقين ولا حيضاً ، بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط(١) . انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ قوله : تعمل فيه بالاحتياط. خلاف مدلول الرواية.

ومن العجب أن العلاّمة في المختلف بعد نقل قول ابن بابويه ، وأنّه مناسب لما ذكره الشيخ في النهاية ، قال : والظاهر أنّ مراد ابن بابويه والشيخ أنها ترى الدم بصفة دم الحيض أربعة أيّام ، والطهر الذي هو النقاء خمسة ، وترى تتمة العشرة أو الشهر بصفة دم الاستحاضة ، فإنها تتحيّض بما هو صفة دم الحيض ولا يحمل ذلك على ظاهره(٢) .

ثم إنّه ذكر احتجاج الشيخ وابن بابويه بالروايتين المبحوث عنهما ولم يذكر الجواب عنهما ، ( فإن كان )(٣) ذلك بناءً منه على تأويل كلامهما ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٠٧.

(٢) المختلف ١ : ٢٠٤ وهو في الفقيه ١ : ٥٤ ، والنهاية : ٢٤.

(٣) في « رض » : فإنّ كل.

٣٢٤

فيكون التأويل في الروايتين أيضا ، فهو بمراحل عن الروايتين ، وبالجملة فالكلام في الروايتين لا يخلو من خطر ، ولعل من لا يعمل بالموثق في راحة من تكلّف التوجيه.

وأمّا الحديث الذي رواه الشيخ في كتابه الكبير(١) فالأمر في دلالته أشكل من التوجيه ، كما يعلمه من راجعه ، ولو لا أنّ سنده غير سليم حيث رواه محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن غير واحد ، لنقلته هنا.

وينبغي أن يعلم أنّ ظاهر الخبر الثاني حيث قال فيه : « فرأت الدم(٢) صبيباً اغتسلت واستثفرت(٣) واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة » وجوب جميع ما ذكر(٤) في وقت كل صلاة ، والحال أنّ الغسل لا يجب كذلك ، بل ولا غيره.

ويمكن الجواب بأنّ الخبر في حيّز الإجمال ، والمبيّن غيره من الأخبار ، كما أنّ قوله : « فإذا رأت صفرة توضّأت » لا يخلو من إشكال أيضاً ، إلاّ أنّ ضعف الرواية يسهل الخطب.

اللغة :

قال في النهاية : في الحديث أنّه أمر المستحاضة أن تستثفر ، هو أن تشد فخذها(٥) بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا وتوُثِق طرفيها في شي‌ء‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٧٦ أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ زيادة : دماً.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ : واستشفرت.

(٤) في « فض » زيادة : و.

(٥) في النهاية : فرجها.

٣٢٥

تشدّه على وسطها فتمنع بذلك سيل الدم ، مأخوذ من ثَفَر الدابة الذي جعل(١) تحت ذنبها(٢) .

قال :

باب ما يجب على من وطئ امرأة حائضا من الكفّارة‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن عبد الله ابن سنان ، عن حفص ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عمّن أتى امرأته وهي طامث ، قال : « يتصدق بدينار ويستغفر الله تعالى ».

وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عيسى ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به ».

وبهذا الاسناد عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عبد الله ابن زرارة ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد الله بن علي الحلبي : عن الرجل يقع على امرأته وهي حائض ما عليه؟ قال : « يتصدق على مسكين بقدر شُعبة ».

وأخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان ، عن أبان ، عن‌

__________________

(١) في النهاية : يجعل.

(٢) النهاية لابن الأثير ١ : ٢١٤ ( ثفر ).

٣٢٦

عبد الكريم بن عمر وقال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل أتى جاريته وهي طامث ، قال : « يستغفر الله » قال عبد الكريم فإنّ الناس يقولون : عليه نصف دينار أو دينار؟ قال(١) عليه‌السلام : « فليتصدّق على عشرة مساكين ».

قال(٢) محمد بن الحسن(٣) : الوجه(٤) في الجمع بين هذه الأخبار أن نحمل الوطء إذا كان في أول الحيض يلزمه دينار ، وإذا كان في وسطه نصف دينار ، وإذا كان في آخره ربع دينار ، وربما كان ( قيمته مقدار الصدقة )(٥) على عشرة مساكين ، ومتى عجز عن ذلك أجزأه الصدقة على مسكين(٦) بقدر شبعه ، لتلائم الأخبار.

والذي يدل على هذا التفصيل :

ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد(٧) بن يحيى ، عن بعض أصحابه (٨) ، عن الطيالسي ، عن أحمد بن محمد ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كفارة الطمث أنه : « يتصدق إذا كان في أوله بدينار ، وفي أوسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار » قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ : فقال أبو عبد الله.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة : الشيخ أبو جعفر.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة :رحمه‌الله .

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ : فالوجه.

(٥) في « فض » و « د » : قيمة مقدار الصدقة ، وفي « رض » : مقدار قيمة الصدقة ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨.

(٦) في الاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ زيادة : واحد.

(٧) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩ زيادة : بن أحمد.

(٨) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩ : أصحابنا.

٣٢٧

قال : « فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلاّ استغفر الله ولا يعود ، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لكل من لم يجد السبيل إلى شي‌ء من الكفارة ».

السند‌

في الأوّل : قد تكرر القول في رجاله ، غير أنّ الحسن بن علي الوشّاء قد وقع للعلاّمة فيه شي‌ء لم يتقدّم ذكره ولا بأس بالتنبيه عليه ، فاعلم أنّ النجاشي قال : قال أبو عمرو : يكنى بأبي محمد الوشّاء ، وهو ابن بنت إلياس الصيرفي خزاز من أصحاب الرضاعليه‌السلام (١) .

والعلاّمة في الخلاصة قال : قال الكشي : يكنى بأبي محمد الوشاء وهو ابن بنت إلياس الصيرفي خيّران من أصحاب الرضاعليه‌السلام (٢) . وقال في باب إلياس : إنّه خيّر(٣) .

وفي الظنّ أنّ قول العلاّمة : خيّران. تصحيف لفظ خزاز في كلام النجاشي ، إما لكونه منقولاً عن الكشي ، أو أنّه من كلامه ، والعلاّمة أخذ كلامه من النجاشي ولسرعة(٤) العجلة فعل ما فعل ، أو أنّه نقله من الكشي وهو مصحّف(٥) فيه ثم سرى الوهم إلى أن قال في اليأس : إنّه خيّر(٦) . فليتأملّ.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٩ / ٨٠.

(٢) خلاصة العلاّمة : ٤١ / ١٦ ، إلاّ أنّ فيه : خيّر من أصحاب الرضاعليه‌السلام ، وفي حاشية الكتاب : في نسخة : خيران.

(٣) خلاصة العلاّمة : ٢٣ / ٢.

(٤) في « فض » : والسرعة.

(٥) في « رض » : تصحيف.

(٦) خلاصة العلاّمة : ٤١ / ١٦.

٣٢٨

ثم إنّ حفص المذكور في السند مشترك بين من هو ثقة وغيره(١) .

والثاني : رجاله قد تكرّر أيضا القول فيهم بما يغني عن الإعادة ، ويحيى بن عمران الحلبي ثقة.

والثالث : كذلك.

والرابع : فيه عبد الكريم بن عمرو(٢) في النسخ التي رأيناها ، وفي(٣) التهذيب عبد الملك بن عمرو(٤) .

وقال(٥) شيخنا أيّده الله في فوائده : وكلاهما موجودان في الرجال ، وعبد الكريم واقفي. انتهى. والذي في النجاشي كما قال أيّده الله وفيه : أنّه ثقة ثقة وكان واقفيا(٦) . وكذلك في الكشي عن أشياخ حمدويه(٧) ، ونقل في الخلاصة عن الشيخ أنّه قال ذلك أيضا(٨) .

وأمّا عبد الملك بن عمرو فقد روى الكشي عن حمدويه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك ابن عمرو ، قال : قال(٩) أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إنّي لأدعو(١٠) لك حتى اسمّي دابّتك » أو قال : « أدعو لدابّتك »(١١) .

__________________

(١) هداية المحدثين : ٤٦.

(٢) في « رض » زيادة : و.

(٣) في « رض » : في.

(٤) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٥٧٤ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٢.

(٥) في « فض » : قال.

(٦) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٠.

(٨) خلاصة العلاّمة : ١١٥ / ٧.

(٩) في المصدر زيادة : لي.

(١٠) في المصدر زيادة : الله.

(١١) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٠.

٣٢٩

ولجدّيقدس‌سره في فوائد الخلاصة على هذا الحديث ما هذه صورته : السند صحيح ولكنه ينتهي إلى الممدوح ، فهو شهادة لنفسه ، ( ومع ذلك )(١) فهو مرجّح بسبب المدح ، فيلحق بالحسن لولا ما ذكرناه(٢) . انتهى.

وقد يقال : إنّه لولا ما قاله لكان أعلى من الحسن ، وإن أمكن المناقشة في ذلك ، إلاّ أنّ الأمر سهل ، حيث إن الراوي غير معلوم الحال.

والخامس : فيه مع الإرسال الطيالسي ، ولا يبعد أن يكون محمد بن خالد ، وهو مذكور في رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهمعليهم‌السلام مهملاً ، وذكر أنّ الراوي عنه سعد بن عبد الله وعلي بن الحسن بن فضال(٣) ، والمرتبة قريبة ، وفي الخلاصة لم يذكره في بابه ، ولكن في ترجمة صائد النهدي : محمد بن خالد لا يحضرني حاله(٤) .

وقد يأتي الطيالسي للحسن بن أبي العرندس ، وهو مذكور في رجال الكاظمعليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملا(٥) .

وداود بن فرقد هو داود بن أبي يزيد ، كما صرّح به الشيخ في هذا الكتاب ، وهو ثقة. والنجاشي صرّح بأن فرقد يكنى أبا يزيد(٦) . والشيخ في كتاب الرجال ذكره في رجال الصادقعليه‌السلام بهذه الصورة : داود بن فرقد‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ٢٦ ( مخطوط ).

(٣) رجال الطوسي : ٤٩٣ / ١١.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٢٣٠ / ١.

(٥) رجال الطوسي : ٣٤٨ / ٢٢.

(٦) رجال النجاشي : ١٥٨ / ٤١٨.

٣٣٠

أبو يزيد(١) . وابن داود قال : إنّ داود يكنى أبا زيد وفرقد أبا يزيد(٢) .

وبالجملة : فالأسانيد كلّها غير سليمة.

المتن :

في الأخبار المذكورة غير الرابع والخامس كما ترى تضمّن الدينار والنصف والصدقة على مسكين بقدر شبعه.

[ والرابع ](٣) : تضمّن نفي النصف والدينار والأمر بالصدقة على عشرة مساكين ، وهو كالصريح في عدم وجوب الدينار والنصف ، فإمّا أن يحمل على الاستحباب في الجميع كما قد يستفاد من الأخبار حيث لم يتعيّن المقدار ، ويكون المنفي في الرابع التعين ، أو يحمل على التقية ما دل على الدينار والنصف ، فقد صرّح بعض العامة بما هذه صورته : ويستحب لمن وطئ في الحيض عالماً بالحال والتحريم أن يتصدّق بدينار خالص إن كان في أوله وقوّته ، ونصف دينار إن كان في ضعفه(٤) .

وربما كان في قول الراوي في الحديث الرابع : إنّ الناس يقولون ، إلى آخره ، إشارة إلى أهل الخلاف.

أمّا ما قاله الشيخ في الجمع : من الربع دينار. ففيه أنّه لم يتقدم ما يدل على الربع ، وكأنّه اعتمد على الخبر الآتي ، ولا يخفى عليك الحال.

فإن قلت : الشيخ إنّما ذكر الربع دينار لما تضمّنه الخبر الرابع من‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٨٩ / ٤.

(٢) رجال ابن داود : ٩١ / ٥٩٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : والخامس ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) انظر المجموع ٢ : ٣٥٩.

٣٣١

الصدقة على عشرة مساكين ظنّاً منه أنّ الربع قيمته تفي بذلك ، كما ينبه عليه قوله : وربما كانت قيمة مقدار الصدقة.

قلت : كلام الشيخ لا يخلو من إجمال ، إذ لم يعلم عوده إلى ماذا(١) ، فيحتمل أن يعود إلى المجموع من الدينار أو النصف أو الربع ، والمراد أنّ الصدقة على عشرة تتحقّق في بعض الأحيان(٢) بكل ما ذكر ، ويحتمل أن يعود إلى الربع ، ولا ريب أنّه من البُعد بمكان ، سيّما وقوله : ومتى عجز عن ذلك. لا يلائمه ، إذ لو عاد إلى الربع يصير المعنى : متى عجز عن هذا القدر أجزأه الصدقة على مسكين. وأنت خبير بما فيه.

ثم إنّ الخبر الذي استدل به ( يدل على أنّ الصدقة على مسكين بعد العجز عن المذكور جميعه ، فيؤيّد عدم العود إلى الربع ، والحاصل أنّ الحديث المستدل به ) ](٣) محتمل(٤) لأن يراد به أنّ من عجز عن [ الدينار(٥) يتصدّق على مسكين ، ومن عجز عن النصف كذلك ، ومن عجز عن الربع كذلك ، ولو فرض اجتماع الثلاثة على الفاعل فإشكال ، غير أنّ عدم صحة الرواية تخفّف الإشكال ، وإنّما ذكرنا ما ذكرناه ليعلم أن كلام الشيخ غير واف بتحقيق الحال ، ولا فيه كمال الجمع بين الأخبار ، ولو قيل بالاستحباب سهل الخطب ، وسيأتي من الأخبار ما يؤيد ذلك.

وفي المعتبر بعد أن ذكر الأخبار : ولا يمنعنا ضعف طريقها عن تنزيلها على الاستحباب ، لاتفاق الأصحاب على اختصاصها بالمصلحة‌

__________________

(١) في « فض » : إذا.

(٢) في « فض » : الأخبار.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) في « فض » : محمل.

(٥) في النسخ : الدرهم. والظاهر ما أثبتناه.

٣٣٢

الراجحة إمّا وجوباً أو(١) استحباباً ، فنحن بالتحقيق عاملون بالإجماع لا بالرواية(٢) . وهذا الكلام كما ترى غير مفيد بعد الترديد بين الاستحباب والوجوب.

وينقل عن السيد المرتضى في الانتصار أنّه قال : يمكن أن يكون الوجه في ترتيب هذه الكفّارة أنّ الواطئ في أول الحيض لا مشقّة عليه في تركه الجماع(٣) لقرب عهده فغلظت كفّارته ، والواطئ في آخره مشقّته شديدة لتطاول عهده فكفّارته أنقص ، وكفّارة الواطي في نصفه متوسطة(٤) .

ونقل عن الراوندي القول(٥) بالتفصيل بالمضطر وغيره والشاب وغيره(٦) ، ولا نعلم وجهه.

وذكر بعض المتأخّرين أنّ الأوّل والوسط والآخر يختلف بحسب عادة المرأة ، فالأول لذات الثلاثة اليوم الأوّل ، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني ، ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ، ولذات الستّة اليومان الأولان ، وعلى هذا القياس الوسط والأخير(٧) .

ونقل في المختلف عن سلار قولا(٨) غير واضح الوجه.

قيل : والدينار : المثقال الخالص من الذهب المضروب ، وقيمته عشرة‌

__________________

(١) في المعتبر ١ : ٢٣٢ : وإما.

(٢) المعتبر ١ : ٢٣٢.

(٣) في « رض » : للجماع.

(٤) نقله عنه في المدارك ١ : ٣٥٤ وهو في الانتصار : ٣٤.

(٥) في « رض » : أنّه قال.

(٦) نقله عنه في الذكرى ١ : ٢٧١.

(٧) المدارك ١ : ٣٥٤.

(٨) المختلف ١ : ١٨٨ وهو في المراسم : ٤٤.

٣٣٣

دراهم ، وجزم العلاّمة : بعدم إجزاء القيمة ، ومصرف هذه الكفّارة مصرف غيرها(١) . والله أعلم بالحال.

اللغة : الشبْع بالفتح وكعِنَب ضدّ الجوع ، والشبْع بالكسر وكعِنَب اسم ما أشبَعَك ، وشُبْعَةٌ من طعام بالضم قدر ما يُشْبَع به مرّة ، قاله في القاموس(٢) .

قال :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن صفوان ، عن عيص ابن القاسم قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل ( وقع على )(٣) امرأته وهي طامث ، قال : « لا يلتمس بعد(٤) ذلك فقد نهى الله تعالى أن يقربها » قلت : فإن فعل عليه(٥) كفّارة؟ قال : « لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله ».

وما رواه علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي جميلة ، عن ليث المرادي قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأ؟ قال : « ليس عليه شي‌ء وقد عصى ربه ».

__________________

(١) قال به في المدارك ١ : ٣٥٥ ، وهو في المنتهى ١ : ١١٧ والتحرير ١ : ١٥.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٤٤ ( شبع ).

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : واقع.

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : فعل.

(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ : أعليه.

٣٣٤

عنه ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : سألته عن الحائض يأتيها زوجها؟ قال : « ليس عليه شي‌ء يستغفر الله ولا يعود ».

فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها على أنّه إذا لم يعلم الرجل من حالها أنّها كانت حائضاً لم يلزمه شي‌ء ، فأمّا مع علمه بذلك فإنّه يلزمه الكفّارة حسب(١) ما ذكرناه ، وليس لأحد أن يقول : لا يمكن هذا التأويل لأنّه لو كانت هذه الأخبار محمولة على حال النسيان لما قال عليه‌السلام : « يستغفر ربه ممّا فعل » ولا أنّه « عصى ربه » لأنّه لا يمتنع إطلاق القول عليه بأنه عصى ولا الحثّ على الاستغفار من حيث إنّه فرّط في السؤال عن حالها وهل هي طامث أم لا؟ مع علمه أنّها (٢) لو كانت طامثاً لحرم عليه وطؤها ، فبهذا التفريط يكون عاصياً ويجب (٣) الاستغفار ، والذي يكشف عن هذا التأويل خبر ليث المرادي المتقدم (٤) ذكره قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطاءً ، فقيّد السؤال بأنّ مواقعته لها كانت (٥) خطاءً ، فأجابه عليه‌السلام : « ليس عليه شي‌ء وقد عصى ربه ».

السند‌

في الأوّل : ليس فيه ارتياب.

__________________

(١) في « رض » : حيث.

(٢) في النسخ : بها ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ زيادة : عليه.

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ : المقدم.

(٥) ليست في النسخ ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢.

٣٣٥

والثاني : فيه الطريق إلى علي بن الحسن وقد تقدم مراراً(١) ، وفيه أبو جميلة وهو ضعيف ، وأما محمد بن الحسن فالظاهر أنّه ابن فضال ( ويحتمل أن يكون محمد بن الحسن بن سعيد ، وعلى كل حال فالرجل ضعيف )(٢) واحتمال ثقة غيرهما ممكن ، لكن لا يفيد كما لا يخفى ، على أنّه بعيد.

والثالث : حال رجاله لا يخفى بعد ما قدّمناه ، غير أنّ أحمد بن الحسن على الظاهر ابن فضال ، ويحتمل أن يكون أحمد بن الحسن بن سعيد ، وهو ضعيف.

المتن :

في الأوّل : ظاهره العموم من حيث عدم الاستفصال من الإمامعليه‌السلام عن العمد وغيره ، وحينئذ يؤيّد حمل ما دلّ على الكفّارة على الاستحباب ، ويكون قولهعليه‌السلام : « لا أعلم فيه شيئا » يراد به عدم العلم بوجوب شي‌ء ، ولا يعترض : بأنّ نفي العلم بشي‌ء أعم من الواجب والمستحب ، لإمكان الجواب بأنّ إثبات الاستحباب للعارض.

ثم إنّ الخبر قد يستفاد منه أنّ النهي عن القرب يراد به الجماع ، فيؤيّد ما قاله العلاّمة كما نقلناه عنه سابقا. وفيه : أنّه لا مانع من إرادة النهي عن القرب الشامل للجماع وغيره ، فليتأملّ. أمّا حمل الشيخ فلا يخفى ما فيه بالنسبة إلى هذا الخبر.

وأمّا الخبر الثاني : ففيه دلالة على ما قاله ، فيمكن أن يقال : بحمل‌

__________________

(١) راجع ص ٦٥ وج ١ ص ١٤٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د ».

٣٣٦

المطلق على المقيّد ، إلاّ أنّ التقييد بالخطاء من كلام السائل ، وتأثيره في تقييد الأخبار لا يخلو من نظر ، بل الظاهر أنّه لا وجه له ، لأنّ السؤال إذا وقع عن أحد الأفراد لا يفيد تخصيصاً ، والتقرير من الإمامعليه‌السلام في مثل هذا لا يحوم حوله التوجيه ، كما لا يخفى على من أمعن نظره.

وكذلك القول في الخبر الثالث.

فإن قلت : الخبر الثالث لا ريب أنّه يفيد العموم بسبب ترك الاستفصال من الإمامعليه‌السلام .

قلت : الأمر كما ذكرت ، إلاّ أنّه ربما يدّعى أنّه لا يخرج عن قبول التقييد بغير العمد ، لدلالة الأخبار السابقة على الكفّارة ، فتحمل على العمد وهذا على الخطاء ، غير أن الحمل على الاستحباب ممكن ، فالترجيح يتوقف على موجبه.

وما قاله الشيخ لا يخلو من نظر في مواضع :

الأوّل : قوله : إنّا نحملها على أنّه إذا لم يعلم الرجل من حالها أنّها كانت حائضا.

وفيه : أنّ الحمل على عدم العلم بالتحريم أقرب من الوجه المذكور ، لأنّ قوله : فأمّا مع علمه فإنّه يلزمه الكفّارة. لا يتم على الإطلاق ، إذ مع الجهل بالتحريم لا يخلو وجوب الكفّارة من نظر.

الثاني : قوله : لأنّه لو كانت هذه الأخبار محمولة على حال النسيان ، لا وجه له فإنّ النسيان لم يتقدم من الشيخ ، بل كلامه إنّما كان في عدم العلم بكونها حائضاً ، وإدراج النسيان لا يخلو من اضطراب في التوجيه.

الثالث : قوله : إنّ الاستغفار والعصيان لكونه فرّط في السؤال ، فيه : أنّ السؤال غير واجب ليكون تركه تفريطاً موجباً للاستغفار ، إلاّ أن يقال : إنّ‌

٣٣٧

الجماع لمّا كان مشروطاً بعدم الحيض فلا بدّ من العلم بالشرط قبله ، فإذا لم يسأل فقد فرّط. وفيه : أنّه يجوز أن يكون الجماع جائزاً ما لم يعلم بالحيض ، نعم لو قرب إبّان(١) الحيض أمكن أن يقال : بحصول الظن بالحيض فيحتاج إلى السؤال. وفيه ما لا يخفى ( ولم أَرَ تحرير المقام في كلام الأصحاب )(٢) .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يبقى في المسألة أُمور لا بدّ من التنبيه عليها :

الأوّل : قد قدّمنا في الأخبار السابقة أنّ النهي عن الإيقاب لا معارض له ، غير أن الإيقاب محتمل لأن يراد به في القبل أو الدبر ، فلا يكون نصّاً في المنع من الدبر ، إلاّ أن يقال : إنّه عام ، لأنّ النهي عن إيجاد ماهيّة الإيقاب يقتضي عدم إيجادها في فرد ، فيؤول إلى العموم.

ومن هنا يظهر أنّ ما قاله بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ : من أنّ الحديث بظاهره يدل على المنع من وطء المرأة في دبرها. محل بحثأما أولاً : فلأنّ الدلالة إنّما تستفاد على الوطء في الحيض لا مطلقا ، وأمّا ثانياً : فلأنّ التناول للدبر إنّما يتم بالتقريب الذي ذكرناه ، ومع ذلك فيه نوع بحث ، فليتأملّ.

الثاني : قال الشيخ في التهذيب بعد رواية عبيد الله الحلبي الدالة على أنّه يتصدّق على كل مسكين بقدر شبعه : إذا كانت قيمته ما يبلغ الكفّارة(٣) ، ثم قال : والذي يكشف عن ذلك ، وذكر رواية عبد الملك بن عمرو الدالة‌

__________________

(١) إبّان الشي‌ء بالكسر : حينه القاموس المحيط ٤ : ١٩٦ ( أبَنَهُ ).

(٢) بدل ما بين القوسين في « فض » : ولم أرَ تحرير الأصحاب ، وفي « رض » : ولم أرَ تحرير الأصحاب المقام في كلام.

(٣) التهذيب ١ : ١٦٣ / ٤٦٩ ، الوسائل ٢ : ٣٢٨ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٥.

٣٣٨

على الصدقة على عشرة مساكين ، ثم قال : هذا محمول على أنّه إذا كان الوطء في آخر الحيض ، لأنّه لو كان في أوله أو في وسطه لما عدل عن كفّارة دينار أو نصف دينار ، ولمّا كان آخر الحيض ورأى أنّ(١) ما يلزمه من الكفّارة الاولى أن يفضّه على عشرة مساكين أمره بذلك. انتهى(٢) .

وأنت خبير بأنّ هذا الكلام يقتضي أن يكون ما قدّمناه في كلامه هنا : من أنّه مجمل ، مندفعاً بأنّ مراده الربع ، فهو مبيّن لكلامه هنا على تقدير الإجمال ، لكن لا يخفى أنّ الإيراد السابق يتوجّه على كلام التهذيب أيضاً ، فإنّ دلالة الرواية على ما قاله في غاية البعد ، كما يعرف بأيسر نظر ، لكن منه يعلم أنّ ما قاله البعض : من عدم إجزاء القيمة(٣) . محل كلام ، وقد تقدم نقله ، إلاّ أنّ الشأن في الثبوت ، فينبغي تأمّل هذا كله.

( الثالث : ينقل عن المرتضى وابن إدريس دعوى الإجماع على وجوب الكفّارة(٤) . وفي المعتبر قال : )(٥) وأمّا احتجاج الشيخ وعلم الهدى بالإجماع فلا نعلمه ، وكيف يتحقّق الإجماع فيما يتحقّق فيه الخلاف ، ولو قال : المخالف معلوم ، قلنا : لا نعلم أنّه لا مخالف غيره ، ومع الاحتمال لا يبقى وثوق بأنّ الحق في كلامه(٦) . انتهى.

ولقائل أن يقول : إنّ مدّعي الإجماع إذا كان معلوم العدالة فاحتمال وجود مخالف غير المعلوم لا يوافق العدالة ، وقد ادّعى العدل عدم‌

__________________

(١) ليست في التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٣٢٧ أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٢.

(٣) راجع ص ٣٠٥.

(٤) نقله عنهما في الحبل المتين : ٥١ وهو في الانتصار : ٣٤ والسرائر ١ : ١٤٤.

(٥) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٦) المعتبر ١ : ٢٣٠ وهو في الخلاف ١ : ٢٢٥.

٣٣٩

المخالف المضرّ بالإجماع ، بل مثل هذا يوجب القدح في العدل ، إذ هو في قوّة الإخبار عن العلم بقول المعصوم ، فكيف يجوز عدمه عليه(١) ، ومجرد الاستبعاد لا يضر بالحال على تقدير ثبوت العدالة.

واحتمال إرادة معنى آخر من الإجماع كما ظنه الشهيد في الذكرى ـ(٢) يشكل بأنّه لا يصلح لإثبات حجّية مثله ، ومجرد التسديد غير كاف مع ما ذكرناه.

والاحتمال هو أن يراد بالإجماع الشهرة ، وأنت خبير بأنّ هذا لا يتمّ في مثل دعوى الشيخ الإجماع والمرتضى الإجماع على خلافه.

وبالجملة : فإذا ثبت الإجماع على وجه النقل بخبر الواحد فالقائل بالاستحباب إن كان لمجرد الاحتمال الذي قاله المحقق فالأمر لا يخلو من إشكال ، نعم يتم إشكال المحقق في مثل الشيخ فإنّه نقل الإجماع كما حكاه البعض عنه(٣) ، مع أنّ العلاّمة نقل عنه في المختلف القول بالاستحباب والقول بالوجوب(٤) ، ثم ما قدّمناه عن المحقق سابقاً قد عرفت القول فيه ، ومنافرته لردّ الإجماع هنا غير خفيّة.

قال :

باب الرجل هل يجوز له وطء المرأة

إذا انقطع عنها دم الحيض قبل أن تغتسل أم لا؟

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن‌

__________________

(١) في « فض » زيادة : وعلى هذا.

(٢) انظر الذكرى ١ : ٤٩.

(٣) كالمحقق في المعتبر ١ : ٢٣٠ ، والشهيد في الذكرى ١ : ٢٧١.

(٤) المختلف ١ : ١٨٦.

٣٤٠

علي بن الحسن بن فضال ، قال : حدثني أيوب بن نوح ، عن الحسن ابن محبوب ، عن علاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها ، فقال : « إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ثم يمسّها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل ».

وبهذا الاسناد عن علي بن الحسن(١) ، عن أحمد ومحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء ».

السند‌

في الخبرين تكرّر القول في رجاله سوى أنّه ينبغي أن يعلم أن العلاّمة في الخلاصة قال في أيوب بن نوح : ثقة ، له كتب وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالثعليه‌السلام ، وكان وكيلا لأبي الحسن وأبي محمدعليهما‌السلام ، عظيم المنزلة عندهما ، مأمونا شديد الورع كثير العبادة ثقة في رواياته(٢) .

وهذا التكرار في التوثيق لا يخلو من غرابة ، والظاهر أنّ سببه كون العلاّمة نقل كلام الشيخ في الفهرست وكلام النجاشي ، ولم يتفطّن لتكرار التوثيق ، إلاّ أنّ فيه زيادة عن عبارة الشيخ أيضاً ، وكل هذا من شدّة العجلة.

وما قاله العلاّمة : من أنّ أيوب بن نوح وكيل لأبي محمد. هو عبارة النجاشي ، والشيخ لم يذكره في كتاب الرجال في رجال أبي محمدعليه‌السلام ، بل ذكره في رجال الجواد(٣) والهاديعليهما‌السلام (٤) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٣٥ / ٤٦٤ زيادة : بن فضال.

(٢) خلاصة العلاّمة : ١٢ / ١.

(٣) رجال الطوسي : ٣٩٨ / ١١.

(٤) رجال الطوسي : ٤١٠ / ١٣.

٣٤١

ثم إنّ عبد الله بن بكير اتفق للعلاّمة أنّه نقل عن الشيخ الطوسي أنّه فطحي المذهب إلاّ أنّه ثقة ، قال : وقال الكشي : قال محمد بن مسعود : عبد الله بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا ، وذكر جماعة منهم عمار الساباطي ، وعلي بن أسباط ، وبنو الحسن بن علي بن فضال علي وأخواه ، وقال في موضع آخر ـ يعني الكشي ـ : إنّ عبد الله بن بكير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وأقرّوا له بالفقه. فأنا أعتمد على روايته ، وإن كان مذهبه فاسداً(١) . انتهى.

وكتب جدّيقدس‌سره على الخلاصة : هذا الرجل ضعيف ، وقد عدّه جماعة في قسم الضعفاء وسيأتي في القسم الثاني ، فلا وجه لذكره هنا ، وكأن الحامل على ذكره حكم الشيخ بأنّه ثقة ، ولكن قد ذكر من المضعفين في القسم الثاني [ من ](٢) هو أجلّ من هذا الرجل وأشهر(٣) . انتهى.

ولا يخفى ما في هذا الكلام ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الحكم بضعف عبد الله إن أُريد به عدم كونه إماميّا ثقة فهو صحيح ، إلاّ أن العلاّمة اعتماده عليه للإجماع المنقول من الكشي ، فله جهة ضعف وجهة قبول ، والعلاّمة لم يعتمد في القسم الأوّل على الإمامي الثقة كما يعلم من عادته. وأمّا ثانيا : فلأن المذكور في القسم الثاني عبد الله بن بكير الأرجاني ، والظاهر أنّه غيره ، لأنّه قال فيه : إنّه مرتفع القول ضعيف(٤) . وعبد الله المذكور في القسم الأوّل قد وثّقه الشيخ في الفهرست(٥) . وقال في كتاب الرجال في‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ١٠٦ / ٢٤.

(٢) في النسخ : ما ، والأنسب ما أثبتناه.

(٣) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ١٨ ( مخطوط ).

(٤) خلاصة العلاّمة : ٢٣٨ / ٣٢.

(٥) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢.

٣٤٢

أصحاب الصادقعليه‌السلام : عبد الله بن بكير بن أعين الشيباني(١) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على جواز الوطء مع الشبق وغسل الفرج ، غير أنّ الحديث كما ترى من جهة السند.

وقال شيخنا أيّده الله في فوائده على الكتاب : إنّ هذه الرواية في الكافي في كتاب النكاح مروية في الصحيح ، ولم يحضرني الآن.

أمّا شيخناقدس‌سره في المدارك فقد أسند الرواية عن محمد بن مسلم إلى الشيخ واصفاً لها بالصحة(٢) . ولم أقف عليها في التهذيب إلاّ بهذا الطريق المذكور هنا ، فلعلّها في غير محلّها.

والخبر الثاني : يمكن حمله على الأوّل ، لأنّ الثاني لا يخرج عن المطلق ، والأوّل عن المقيد ، واحتمال أن يقال : بأنّ الأُولى لرفع الكراهة والثانية لبيان الجواز مع الكراهة. بعيد ، وستسمع الكلام في جمع الشيخ إن شاء الله تعالى.

والمنقول عن الصدوق القول بالتحريم قبل الغسل(٣) .

وفي الفقيه قد ذكر مضمون رواية محمد بن مسلم ](٤) [ وظاهره(٥) العمل بذلك ، ولعلّ القول المنقول عنه في غير الفقيه.

قيل : والمشهور جواز وطء الحائض إذا طهرت قبل الغسل على‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٢٤ / ٢٧.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٨.

(٣) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٣٥.

(٤) الفقيه ١ : ٥٣.

(٥) في « فض » : وظاهر ، وفي « رض » و « د » : وظاهرها ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٤٣

كراهة واستدل بأصالة الإباحة ، وقوله تعالى( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (١) بالتخفيف كما قرأ به السبعة ، أي يخرجن من الحيض ، يقال : طهرت المرأة إذا انقطع حيضها ، جعل سبحانه غاية التحريم انقطاع الدم ، فيثبت الحل بعده عملاً بمفهوم الغاية ، لأنّه حجّة ، بل صرح الأُصوليّون بأنه أقوى من مفهوم الشرط.

وأمّا قراءة التشديد في : « ولا تقربوهن حتى يطّهّرن » فلا ينافي ذلك ، لأنّ تَفَعَّل قد جاء بمعنى فَعَلَ كَتَبسَّم وَتبيّن بمعنى بان وبسم ، والحمل على هذا المعنى أولى ، صونا للقراءتين عن التنافي ، أو يقال : إنّ النهي محمول على الكراهة توفيقاً بين القراءتين ، فيكون المنهي عنه المباشرة بعد انقطاع الدم ، لسبق العلم بالتحريم حال الدم من قوله تعالى( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٢) (٣) .

ولي في هذا نوع تأمّل ، لأنّ مراد هذا القائل أنّ قراءة التشديد تحمل على ظاهرها من دون جعلها بمعنى يَطْهُرن مخفّفاً ، ويكون النهي للكراهة لئلاّ ينافي قراءة يطهرن بالتخفيف ، إذ مقتضاها الجواز إذا طَهُرن والكراهة لا تنافي الجواز ، فيتم عدم التنافي.

وفيه أولاً : أنّ التوفيق بين القراءتين لم يحصل ، لأنّ قراءة التشديد يكون النهي فيها عن القرب بعد انقطاع الدم ، وقراءة التخفيف تقتضي أنّ النهي عن القرب في حال الحيض ، فيتغاير المعنى وإن اتحد المآل والمفهوم من توافق القراءتين معنىً ومآلاً.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

(٣) قال به صاحب المدارك ١ : ٣٣٦.

٣٤٤

وثانيا : أنّ التشديد إذا وقع بمعنى عدمه كان أقرب لتوافق القرائتين معنًى ، من حيث كون النهي عن حالة المحيض في القرائتين ، ويؤيّد بأنّ سبق العلم بالتحريم وإن حصل بالأمر بالاعتزال ، إلاّ أنّ تأكيده يفيد(١) المبالغة المطلوبة في عدم المباشرة ، وإن كان التأسيس خيراً منه في بعض الأحيان ، لا مطلقا.

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله المحقق في المعتبر : من أنّه لو قيل : قد قُرئ بالتضعيف في( يَطْهُرْنَ ) قلنا : فيجب أن يحمل على الاستحباب توفيقاً بين القراءتين ودفعاً للتنافي بينهما(٢) . ( إن كان غرضه ما قررناه أوّلاً كما هو الظاهر محل بحث ، ويمكن الجواب بأنّ القراءتين إذا اتحدتا مآلاً كفى والأمر متحقق )(٣) .

ثم إنّ المستدل بما قدّمناه نفى المعارضة بقوله تعالى( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (٤) حيث شرط في إباحة الوطء التطهير الذي هو الغُسل ، بأنّ مفهومه انتفاء رجحان الوطء مع عدم التطهير ، وهو أعمّ من التحريم ، فيحتمل الإباحة.

سلّمنا أنّ الأمر هنا للإباحة لكن يمنع إرادة الغُسل من التطهير بل يحمل على الطهر ، لوروده بمعناه كما تقدم. أو على المعنى اللغوي المحقق بغَسل الفرج.

سلّمنا أنّ المراد بالتطهير الغُسل ، لكن نقول : مفهومان تعارضا ، فإن‌

__________________

(١) في « فض » : يقيد ، وفي « رض » : بعيد.

(٢) المعتبر ١ : ٢٣٥.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) البقرة : ٢٢٢.

٣٤٥

لم يترجّح أقواهما تساقطا ويبقى حكم الأصل سالماً من المعارض.

وفي نظري القاصر أنّ هذا محل نظر ، لأنّ ما ذكر من أنّ المفهوم انتفاء الرجحان مع عدم التحريم فيحتمل الإباحة إن كان مع قراءة التخفيف ، والتشديد على تقدير كون تطهّر بمعنى طهر ، فلا بد من إرادة الإباحة ، لا مجرد احتمال الإباحة ، وعلى تقدير إرادة الإباحة يكون تأكيداً ، والتأسيس بأن يراد الرجحان على تقدير التطهير أولى ، وحينئذٍ فلا بد من بيان رجحان التأكيد على التأسيس ، والتسليم المذكور يأتي فيه الكلام بعينه ، ويزيد أنّ الحمل على المعنى اللغوي يدل على زيادةٍ على الإباحة المستفادة من مفهوم الغاية ، فلا يتّحد الحكم ، وإن أُريد أنّ الطهارة بالمعنى اللغوي في الأوّل والأخير ويكون تطهّر بمعنى طَهُر رجع إلى الأوّل من جهة الاتّحاد ويخالف المطلوب أوّلاً من إرادة الخروج من الحيض.

ثم التسليم الثالث لا يتم ، لأنّ التطهير إذا أُريد به الغُسل والطهر الأوّل يراد به الخروج من الحيض فلا تعارض ، ولو أُريد بالأوّل الغُسل لم يتم ، كما لا يخفى.

فإن قلت : على تقدير أن يراد الأوّل ويرجّح التأكيد على التأسيس لتوافق القراءتين أيّ مانع منه؟

قلت : ما ذكرت له وجه ، إلاّ أنّه لا بدّ من بيانه في المعارضة ، على أنّه ربما يشكل بأنّ المتقدم كون قراءة التشديد محتملة لكونها بمعنى التخفيف ، ولكون النهي بعد الخروج عن الحيض والنهي للكراهة ، وعلى تقدير الأوّل يمكن تمام ما ذكرت ، أمّا على التقدير الثاني فتكون الكراهة منتفية بعد الغُسل ، فإمّا أن يباح الوطء بمعنى تساوي الطرفين ، أو يكون راجحاً ، لكن الثاني لا وجه له لعدم ما يدل عليه ، فيكون مباحاً متساوي‌

٣٤٦

الطرفين ، ومفهوم الشرط يفيد الرجحان بعد الغُسل فلا يتمّ المطلوب.

وعلى تقدير أن يكون الأمر للإباحة يندفع هذا ، لكن يلزم تعين إرادة مورد التسليم ، ويلزم حصول التأكيد ، والتأسيس خير منه ، فيرجع الكلام الأوّل ، وإرادة غَسل الفرج يزيد معها الإشكال.

ثم إنّ تعارض المفهومين إمّا أن يكون مع التغاير بإرادة الغُسل من التطهير ، أو مع الاتحاد بأن يكون بمعنى طَهُر ، فإن كان مع التغاير فالتعارض غير واضح ، وإن كان مع الاتحاد فيحتاج إلى الترجيح ، وينبغي تأمّل هذا كله ، فإنّه حريٌّ بالتأمل التام ، لأنّي لم أجده في كلام الأعلام.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ جديقدس‌سره في شرح الإرشاد أورد على الاستدلال أوّلاً : أنّ حمل التطهير على انقطاع الدم مع أنّه حقيقة شرعية في أحد الثلاثة يعني الوضوء والغسل والتيمم لا يتم ، وغاية ما ذكروه أن يكون ثابتاً في اللغة ، والحقائق الشرعية متقدمة.

وثانياً : أنّ حمل قراءة التشديد على التخفيف حملاً على الشواهد المذكورة مع ما هو معلوم من قواعد العرب أنّ كثرة المباني تدل على زيادة المعاني ، وهذا هو الكثير الشائع ، وما وقع نادر ، مشكل أيضا.

وثالثاً : أنّ صدر الآية وهو قوله تعالى( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) إنّما دل على تحريم الوطء في وقت الحيض ، ولا يلزم منه اختصاص التحريم بوقته ، إذ لا يلزم من تحريم شي‌ء في وقتٍ أو مكانٍ مخصوص اختصاص التحريم به ، لأنّه أعم ولا دلالة للعام على أفراده المعيّنة.

ورابعاً : أنّ قولهم : قد تعارض مفهومان ، إلى آخره ، لا يتم ، لأنّه لو حمل الجميع على الطهارة الشرعية أعني الغُسل لم يقع تنافٍ أصلا‌

٣٤٧

واستغنى عن التكلّف ، ويؤيّده قوله في آخر الآية( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) فإن الموصوف بالمحبة [ من ](٢) فعل الطهارة بالاختيار.

وخامساً : أن حمل قراءة التضعيف على الاستحباب بمعنى توقف الوطء على الغُسل استحباباً عدول عن الحقيقة ، والظاهر من صدر الآية النهي ، وهو دال على التحريم(٣) . ( انتهى ملخّصاً )(٤) .

وقد ذكرت في حاشية الروضة إمكان الجواب عن الأوّل : بأنّه مبني على ثبوت الحقيقة الشرعية ، وإثباتها مشكل ، ويقال هنا أيضا : إنّ الاعتراف بإرادة الغُسل من التطهير لا يدل على ثبوت الحقيقة الشرعية ، بل يجوز أن يكون مجازاً وقرينته تعارض المفهومين ، إلاّ أن يقال : إنّ احتمال إرادة غَسل الفرج ممكنة فلا يتم المطلوب ، وفيه ما تقدم ، إلاّ أنّه لا يدفع الإيراد عند التحقيق ، ولعلّ الأولى الجواب بأنّ اللغة استعملت الطهارة بمعنى الغسل ، كما في القاموس(٥) ، فليتأملّ.

وعن الثاني : بأنّه إنّما يتم إذا كان الحمل لغير ضرورة ، والحال أنّ ضرورة الجمع اقتضته ، وأصل التجويز كاف للضرورة ، وقد صرحوا بأنّ كثرة المباني إنّما تدل على زيادة المعاني غالباً.

وعن الثالث : بأنّ الاختصاص لا ريب فيه ، إلاّ أن يدل دليل على خلافه ، ولا دليل هنا ، وهذا واضح.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) أثبتناه من روض الجنان : ٧٩.

(٣) روض الجنان : ٧٩.

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٨٢ ( طهر ).

٣٤٨

وعن الرابع : أنّه موقوف على ثبوت الحقيقة الشرعية ، وفيه ما فيه ، والحق اندفاع هذا بما قدّمناه من احتمال المجاز وقرينته ما ذكرناه.

وقد يقال : إنّ الاندفاع إنّما يتم لو تعين إرادة المعنى الشرعي لدفع المنافاة ، والحال أنّه غير منحصر لما سبق من الاحتمالات ، وبهذا قد يتوجه جواب ما قدّمناه أيضاً من إيراد نحو ما قاله جدّيقدس‌سره إلاّ أنّ الحق وجود مخلص عنه باحتمال اندفاع التنافي بأيّ وجه كان ، وذلك كاف ، فليتأملّ.

وعن الخامس : بأنّ العدول عن الحقيقة لا نزاع للخصم فيه ، وإنّما الضرورة اقتضته ، وفي المقام مزيد بحث إلاّ أن المهمّ ما ذكرناه.

اللغة :

الشبق شدّة الغلمة كما في الصحاح والقاموس(١) ، ثم في القاموس غَلِمَ كفَرِحَ غُلمةً بالضم واغتلم غُلِبَ شهوةً(٢) .

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا حتى تغتسل » قال : وسألته عن امرأة حاضت في السفر ثم طهرت فلم تجد ماءً يوماً أو يومين (٣) ، يحل (٤) لزوجها أن يجامعها قبل أن‌

__________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٠ ( شبق ) ، القاموس المحيط ٣ : ٢٥٧ ( شبق ).

(٢) القاموس المحيط ٤ : ١٥٨ ( غلم ).

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٥ : اثنين ، بدل يومين.

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٥ : أيحل.

٣٤٩

تغتسل؟ قال : « لا يصلح حتى تغتسل ».

وعنه ، عن أيوب بن نوح وسندي بن محمد جميعاً ، عن صفوان ابن يحيى ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل فلزوجها(١) أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا حتى تغتسل ».

فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها على ضرب من الكراهية دون الحظر ، والأولة على الجواز ، يدل على ذلك :

ما أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي ابن الحسن بن فضال ، عن معاوية بن حكيم ، وعمرو بن عثمان ، عن عبد الله ابن المغيرة(٢) ، عن العبد الصالحعليه‌السلام : « في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم(٣) تمسّ الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل ، وإن فعل فلا بأس به » وقال : « تمسّ الماء أحبّ إليّ ».

وعنه ، عن أيوب بن نوح(٤) ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع بها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا بأس وبعد الغُسل أحب إليّ ».

السند‌

في الجميع غير سليم ، وقد كرّرنا القول في المهم من رجاله ، غير أنّه‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٦ : أفلزوجها.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٧ زيادة : عمن سمعه.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٧ : فلم.

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٨ زيادة : عن أحمد ، وكذا في « د ».

٣٥٠

ينبغي أن يعلم أنّ علي بن أسباط الواقع في الأوّل قال النجاشي في شأنه : إنّه كوفي ثقة وكان فطحياً ، جرى بينه وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول وتركه ، وقد روى عن الرضاعليه‌السلام من قبل ذلك ، وكان أوثق الناس(١) .

وقال الكشي : إنّه كان فطحيا ، ولعلي بن مهزيار إليه رسالة في النقض عليه مقدار جزء صغير ، قالوا : فلم ينجع ذلك ومات على مذهبه(٢) .

وأنت خبير بأنّ كلام الكشي لا يقتضي أنّ القول بعدم الرجوع ( منه ، بل أسنده إلى الغير ، وهو غير معلوم ، والنجاشي قوله لا معارض له يعتدّ به ، غير أنّ الروايات لا يعلم كونها بعد الرجوع )(٣) أو قبله ، أمّا لو روى عن الرضاعليه‌السلام فهو قبل الرجوع على قول النجاشي ، وحينئذٍ لو روى عن الجواد يمكن القبول ، إلاّ أن يقال : إنّه روى عن الرضا فقط قبل الرجوع ، وبعده روى عن الرضا والجوادعليهما‌السلام ، وهو بعيد.

أمّا ما يقال : من أنّه إذا روى عن الجواد فالأصل عدم السبق. ففيه نظر واضح ، وبالجملة فرواياته الخالية من القدح في غيره لا تخلو من إشكال.

أمّا قول ابن داود : إنّ الكشي قال بعدم رجوعه(٤) . فمن جملة الأوهام.

وأمّا سعيد بن يسار الواقع في الخبر الثاني فهو ثقة ، وضبط العلاّمة‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٥٢ / ٦٦٣.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦١.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) رجال بن داود : ٢٦٠ / ٣٣٣.

٣٥١

في الإيضاح يسار بالياء المنقطة تحتها نقطتين والسين المهملة المخففة والراء أخيراً(١) .

المتن :

قد استدل القائل بتحريم الوطء قبل الغُسل بالخبر الأول والثاني. كما حكاه في المختلف ، وأجاب بالحمل على الاستحباب جمعاً بين الأدلّة والروايتين(٢) ، والشيخ ذكر الكراهة والمآل واحد ، غير أنّه لا يخفى أنّ الخبر الدال على التفصيل بالشبق وعدمه لا وجه لعدم التعرض له ، بل إمّا أن يحمل مطلق الأخبار عليه ، أو يقال مع الشبق لا كراهة ، هذا على تقدير الإغماض عن الخبر الصحيح الذي ذكره شيخنا أيّده الله ولو التفتنا إليه فالمعارض لا يصلح لذلك لعدم المكافأة في الإسناد ، وبه يترجّح ما قاله الصدوق لولا احتمال ما(٣) (٤) .

أمّا ما في ظاهر الخبر الأوّل من الدلالة على الكراهة من قوله : « لا يصلح » فهو مؤيّد.

وما تضمنه الثاني من قوله : فتتوضّأ ، لعلّ المراد به الاستنجاء ، ويحتمل الوضوء الشرعي على بُعد.

ثم الخبر الأوّل المستدل به الشيخ على الجمع لا يخلو من إجمال بالنسبة إلى قوله : فلم تمسّ الماء ، إذ يحتمل أن يراد به غَسل الفرج ويفيد‌

__________________

(١) إيضاح الاشتباه : ١٩٤.

(٢) المختلف ١ : ١٨٩ ، ١٩٠.

(٣) في « فض » : احتماله.

(٤) الفقيه ١ : ٥٣.

٣٥٢

حينئذ أنّ غَسل الفرج أولى ، وبدونه يجوز الوطء على كراهية ومعه تخفّ الكراهة ولا تزول إلاّ بالغُسل ، ويحتمل أن يراد به الغُسل.

فإن قلت : لا وجه لاحتمال غَسل الفرج بعد قوله : « فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل » لأنّه صريح في أنّ المراد لم تغتسل.

قلت : كلام الإمامعليه‌السلام لا تعلّق له بقول السائل ، على معنى أنّه لا يقيده ، بل الجواب منه علّة بعد سؤاله عمّن لم تغسل فرجها أنّه لا يقع عليها حتى تغتسل ، سواء مسّت الماء بغَسل الفرج أم لا.

وقولهعليه‌السلام : « تمسّ الماء أحب إليّ » يراد به أنّ مع عدم الغُسل غَسل الفرج أحبّ إليّ ، وإن احتمل أن يراد به الغسل في الثاني ، إلاّ أنّ الاحتمال الذي ذكرناه قائم ، كما لا يخفى على من أعطى الرواية حق التأمّل.

وحينئذ فمطلوب الشيخ في الجمع مجمل ، وكان حقه التفصيل بالشبق وعدمه ، ثم غَسل الفرج وعدمه ، وترتيب الكراهة.

إذا عرفت هذا فاعلم أن العلاّمة في المختلف نقل عن ابن بابويه القول بأنّه لا يجوز الوطء حتى تغتسل ، فإن غلبته الشهوة أمرها بغَسل فرجها ، وحكى عنه الاستدلال مع الروايتين بالآية ، ووجه الاستدلال بها أنّه تعالى علّق الإتيان بفعل الطهارة والمراد بها الغُسل أو غَسل الفرج مع الشبق.

وأجاب عن الروايتين بما سمعته ، وعن الآية بالمنع من إرادة فعل الطهارة من التطهير ، فإنّ لقائل أن يقول : يحتمل أن يريد فإذا طَهُرنَ ، لأنّ تفعّل بمعنى فعل ، يقال : تطعّمت الطعام وطعمته بمعنى واحد ، سلّمنا لكنه مستأنف ولا يكون شرطاً ولا غاية لزمان الحظر ، سلّمنا لكن المراد به غَسل الفرج. انتهى(١) .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٨٩ و ١٩٠ وهو في الفقيه ١ : ٥٣.

٣٥٣

وفي نظري القاصر أنّ الاستدلال من الصدوق يمكن أن يوجّه بأنّ التطهّر يدل بظاهره على الزيادة ، وليست إلاّ الغُسل أو غَسل الفرج مع الشبق ، كما تدل عليه الرواية لا من مجرّد الآية ، كما هو واضح ، وعلى هذا تكون الآية عنده لها ظهور في الزيادة مع بقاء نوع إجمال تبيّن بالخبر ، أمّا كون الآية بمجرّدها تدل على ما قاله فدفعه أظهر من أن يخفى على الصدوق ، وجواب العلاّمة حينئذ غير تامّ ، أمّا أوّلاً : فلأنّ مجي‌ء تطهّر بمعنى طهر لا ينافي ظهور دلالة تطهّر على الزيادة.

نعم لمّا تحققت المعارضة في الآيتين ذكر البعض مجي‌ء تطهّر بمعنى طهر لتحقيق الجمع ، وهذا أمر زائد على دلالة الظاهر ، فكأنّ العلاّمة نقل هذا في الجواب ولم يتفطّن للفرق بين الأمرين.

ثم احتمال الاستئناف الذي ذكره لم أفهم وجهه ، لأنّ دلالة مفهوم الشرط حاصلة إن كان الاستئناف(١) أو عدمه ، فإذا لوحظ أوّل الآية بالنسبة إلى مفهوم الغاية حصل التعارض ، وقوله : ولا يكون شرطاً ولا غاية. لا يخلو من غرابة على ما أظن ، وهو أعلم بمراده.

ثم قوله : سلّمنا لكن المراد به غَسل الفرج. فيه : أنّ الجزم بإرادته غير معلوم الوجه مع احتمال غيره.

وبالجملة : فعدم تعرض العلاّمة لرواية محمد بن مسلم الدالة على التفصيل في الاستدلال للصدوق هو الموجب للإشكال في جوابه.

بقي شي‌ء وهو أنّ شيخناقدس‌سره بعد أن ذكر الاستدلال على مختاره من الكراهة على الإطلاق بالآية قال : ويدلُّ على الجواز أيضا ما رواه الشيخ‌

__________________

(١) في « رض » : بالاستيناف.

٣٥٤

في الصحيح عن محمد بن مسلم ، وذكر الرواية الأُولى متناً(١) . أمّا السند فلا أعلمه الآن كما قدّمت القول فيه(٢) ، وأنت خبير بأنّ الرواية تضمنت التفصيل فكيف يستدل بها على الجواز بالإطلاق؟ ( وذكر بعدها موثّقة علي ابن يقطين المذكورة هنا أخيراً »(٣) والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

قال :

باب المرأة ترى الدم أول مرة وتستمرّ بها‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن حسن بن علي ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيّام ثم تصلّي عشرين(٤) ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام وصلّت سبعة وعشرين يوما » قال الحسن(٥) : وقال ابن بكير : هذا ممّا لا يجدون منه بدّاً.

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد واحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ، قال : « في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي‌

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٣٨.

(٢) في ص ٣١١ ٣١٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د ».

(٤) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩ زيادة : يوماً.

(٥) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩ زيادة : بن علي.

٣٥٥

أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيّام فعلت ما تفعل المستحاضة ثم صلّت فمكثت تصلّي بقية شهرها ، ثم تترك الصلاة في المرّة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيّام ، فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصلاة التي صلّت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر وتركها الصلاة أقل ما يكون من الحيض ».

ولا ينافي هذين الخبرين خبر يونس(١) الطويل الذي أوردناه في كتابنا (٢) من أنّ من هذه حالتها (٣) تترك الصلاة سبعة أيّام في الشهر وتصلي باقي الشهر ، لأنّه يجوز أن يكون ذلك عبارة عمّا يصيب كل واحد من شهر إذا اجتمع شهران ، فإنّها إذا تركت في الشهر الأوّل عشرة أيّام وفي الثاني ثلاثة أيّام كان نصف ذلك نحواً من سبعة أيّام على التقريب ، فيكون مطابقاً لما تضمنته رواية عبد الله بن بكير ، وهو مطابق للأُصول كلّها.

السند‌

في الأول : يحتمل أن يكون موثّقا ، لأنّ حسن بن علي إمّا ابن فضال على الظاهر ، وإمّا الوشّاء على بُعدٍ ، واحتمال غيرهما في غاية البُعد ، إلاّ احتمال ابن النعمان الثقة ولا يضر بالحال ، وشيخناقدس‌سره في المدارك جزم بأنّه الحسن بن علي بن فضال(٤) . وهو غير بعيد.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ زيادة : الكبير.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ : حالها.

(٤) المدارك ٢ : ١٦.

٣٥٦

والثاني : قد تكرّر القول في رجاله.

المتن :

لا تخفى دلالة الخبر الأوّل على أنّ أوّل ما تترك الصلاة عشرة أيّام من الشهر ثم الثلاثة من الثاني ، والخبر الثاني دال على ذلك وزيادة الاستمرار على الثلاثة في جميع الأشهر الذي يستمرّ فيه الدم.

أمّا قول ابن بكير في الأوّل : وهذا ممّا لا يجدون منه بدّاً. محتمل أن يعود إلى ما ذكر من أخذ العشرة من الأوّل والثلاثة من الثاني.

ويحتمل أن يعود إلى أنّ الثلاثة لا بدّ من أخذها إذا استمرّ الدم لا العشرة ، ويؤيّد الثاني الخبر الثاني ، واحتمال أن يراد أخذ عشرة من الأوّل وثلاثة من الثاني دائماً ممكن لولا الترجيح بالخبر الثاني.

فإن قلت : أيّ فرق بين الاحتمال الأخير والأوّل؟

قلت : الفرق هو أنّ الأوّل لمجرد أخذ العشرة في الأوّل والثلاثة في الثاني ( من دون التفات إلى ما بعد ذلك ، والاحتمال الأخير أن تكون العشرة في الأوّل والثلاثة في الثاني )(١) دائما مع الاستمرار.

ومن هنا يعلم أنّ قول الشيخ : لأنّه يجوز أن يكون عبارة عمّا يصيب كل واحد من شهر ، محل تأمّل ، لأنّ الخبرين كما عرفت فيهما احتمالات بعضها ينافي ما قاله الشيخ ، إلاّ أن يريد الحكم بالنسبة إلى الشهرين الأولين ، وفيه : أنّ خبر يونس يدل على السبعة من كل شهر ، على أنّ خبر يونس تضمن الستّة أو السبعة فلا وجه لعدم(٢) التعرض لذلك.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٢) في « رض » و « فض » : فلا وجه للتعرض.

٣٥٧

واحتمال أن يقال : إنّ خبر يونس يؤيّد أنّ المراد عشرة من شهر وثلاثة من آخر دائما فيتم مطلوب الشيخ.

فيه : أن خبر يونس إنّما يدل على مطلوب الشيخ ويبين بعد أن يعلم أنّ المراد ما قاله الشيخ ، وهو عن ذلك بمراحل ، إذا عرفت هذا(١) فما ذكره المتأخّرون تبعاً للشيخ من جواز أخذ عشرة من شهر وثلاثة من آخر دائماً(٢) ، لا يخفى ما فيه على تقدير الإغماض عن الأسانيد.

والمحقق قال في المعتبر بعد أن حكم بضعف الروايات : والوجه عندي أن تتحيّض كل واحدة منهما يعني المبتدأة والمضطربة بالتفسير الذي ذكره ثلاثة أيّام ، لأنّه المتيقّن في الحيض ، وتصلّي وتصوم بقية الشهر استظهاراً وعملاً بالأصل في لزوم العبادة(٣) .

وهذا الكلام وإن كان لا يخلو من نظر ، فإنّ الأصل في لزوم العبادة محل كلام ، إلاّ أنّ فيه اعترافاً بضعف الروايات.

وكذلك العلاّمة في المختلف(٤) .

وفي فوائد شيخنا أيّده الله على الكتاب ما هذه صورته بعد الروايتين : هذا إذا جاء على وجه يحكم بكونه حيضاً ودام ، وإلاّ احتمل أن تستظهر بيوم أو يومين ، فتحتاط للصلاة في الأوّل ، وفي الشهر الثاني تترك الصلاة ثلاثة أيّام لا أكثر احتياطاً لها ، حيث إنّ تركها في الأوّل عشرة ، وقول‌

__________________

(١) ليست في « فض » و « د ».

(٢) النهاية : ٢٥ ، المهذب ١ : ٣٧ ، المدارك ٢ : ٢١.

(٣) المعتبر ١ : ٢١٠.

(٤) المختلف ١ : ٢٠٣.

٣٥٨

ابن بكير جاز أن يكون إشارة إلى الحكمين جميعاً وإلى الأخذ فقط ، وجاز إلى الأخير من غير اعتبار نفي الزائد ، هذا مع عدم النساء لها أو كنّ مختلفات. انتهى. ولا يخفى عليك حقيقة الحال.

ثم إنّ حديث يونس الذي أشار إليه الشيخ قد تضمن التخيير بين الستّة والسبعة من كل شهر ، ولو لا ضعف سنده لنقلناه ، غير أنّ جماعة من المتأخّرين حكموا به(١) .

ونقل عن العلاّمة في النهاية وجوب العمل بما يؤدّي اجتهادها إليه ، لئلاّ يلزم التخيير في السابع بين وجوب الصلاة وعدمه(٢) ، واعترض عليه بأيّام الاستظهار(٣) .

والمحقق في المعتبر قال : إنّه لا مانع من ذلك ، إذ قد يقع التخيير في الواجب كما يتخيّر المسافر بين الإتمام والقصر في مواضع التخيير(٤) .

وفي نظري القاصر أنّ هذا غريب من المحقق ، فإنّ تخيير المسافرين فردي الواجب ، والتخيير هنا بين الفعل والترك لا إلى بدل ، فتعريف الواجب لا ينطبق على الصلاة الواقعة ، نعم أيّام الاستظهار مثله ، والسكوت عن هذا بالنسبة إلى تعريف الواجب إمّا للاعتراف به أو لغير ذلك ، وقد يحتمل أن يجاب بأنّ التخيير في الاستظهار وعدمه ، لا في فعل الصلاة ، فإن اختارت الطهر كانت الصلاة واجبة وإلاّ فلا ، لا أنّ التخيير في الصلاة بين فعلها وعدمه ، وهكذا في السادس والسابع من الشهر إن اختارت السابع‌

__________________

(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٢١١ والشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٠٤.

(٢) نقله عنه في المدارك ٢ : ٢١ وهو في نهاية الإحكام ١ : ١٣٨.

(٣) كما في المدارك ٢ : ٢١.

(٤) المعتبر ١ : ٢١١.

٣٥٩

وجبت الصلاة وإلاّ فلا ، وهذا وإن كان متكلّفا(١) إلاّ أنّه لا يخرج الصلاة عن تعريف الصلاة(٢) الواجب في الجملة ، فليتأمّل.

وفي فوائد شيخنا أيده الله أنّ العادة لما كانت أكثر ما تكون ستّة أو سبعة فجاز أن يكون ذلك لأنّ عادة نسائها دائرة بينهما ، أو بناء ذلك على الظاهر من عادة نساء أهل المدينة ، أو قراباتها ، وجاز أن يكون ذلك أولى فيما بعد الشهر والشهرين ، أو لم يكن وقع السؤال إلاّ بعد مضيّ ذلك. انتهى كلامه سلّمه الله فليتدبّر.

قال :

فأمّا ما رواه زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها؟ قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وأقلّه ثلاثة أيّام ».

وروى علي بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس ، عن جميل بن دراج ومحمد بن حمران جميعاً ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم ».

فلا ينافي الأخبار الأوّلة فإنّ هذا حكم من لها نساء ، فأمّا من ليس لها نساء أو كنّ مختلفات كان الحكم ما ذكرناه ، ولأجل ذلك قال في آخر الخبر : « فإن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والأولى : تكلفاً.

(٢) ليست في « فض ».

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469