إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

إستقصاء الإعتبار16%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52808 / تحميل: 5862
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٤-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الامور وهي بعينها فضيلة الصبر والاستقامة والتي تحدثنا عنها سابقاً ، وإذا ما اختار الإنسان طريق الباطل وسبيل الانحراف مع عدم المرونة للتغيير بحيث إنّه يعتبر الجميع على خطأ وهو وحده الصحيح ، ولا يتحرّك في سبيل تصحيح الخطأ وجبران الزيغ ، فيكون قد اختار طريق الّلجاج ، وهو من أسوأ الأخلاق.

طريقة العلاج :

بصورة عامّة وكما هو معلوم فإنّ طريق العلاج للإمراض الأخلاقية يتمثل في أمرين :

«الأول» : الطريق العلمي وذلك من خلال تحليل عواقب تلك الرذيلة الأخلاقية ، ومن هذا الطرق يمكن للشخص أن يعرف آثارها السلبية ، ويعلم أنّها ستبعده من الله تعالى والناس وتقف عقبة في طريق تكامله وتمنعه من إدراك الحقائق وتعزله عن الناس ، وتضع الحجب على القلب ، وحينئذٍ يتحرّك هذا الإنسان من موقع الابتعاد عن هذه الرذيلة ويقلع جذورها من نفسه.

اللجاج والمماراة لا ينسجم مع الإيمان كما قال الإمام الصادقعليه‌السلام :«سِتَّةٌ لا تَكُونُ فِي المُؤمُنِ قِيلَ وَما هِي؟ قَالَ العُسرُ وَالنَّكدُ وَاللّجاجَةُ وَالكِذبُ وَالحَسَدُ وَالبَغي» (١) .

و «الطريق الآخر» لمحاربة تلك الرذيلة هو الحلّ العملي والتصدي لها في ميدان الممارسة والعمل ، فعند ما يرى نفسه قد توفّرت على عناصر ومقدمات ظهور الرذيلة في دائرة الحوار والنقاش ، فعليه أن يُسلّم فوراً للحق ويشكر المتحدث ، وإذا ما عاند وشاكس فليعتذر ، ولا يعيد الكلام من لجاجةٍ أبداً ، وإذا ما تكلم سهواً فليسكت ويستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، وبتكرار هذا البرنامج العملي ستنكسر حدة اللجاج في نفسه وتندثر.

ثم عليه أن يبتعد عن الأفراد اللّجوجين ، ولا يترك الجدال والبحث أو المِراء ، وليقرأ عن العظماء كيف كانوا يقبلون الحق ولو من الصغير أو العبيد أو تلامذتهم ، ويجلّوهم ويحترمونهم لأنّهم قالوا الحق.

__________________

١ ـ بحار الانوار ، ج ٦٤ ، ص ٣٠١ ، ح ٢٩.

٤١

وبما أنّ من آثارها المباشرة هو الرياء والجهل فكلّما استطاع الإنسان أن يكسِر شوكة هاتين الصفتين في نفسه فستقل لجاجته ، وليتذكر حالات الأقوام السابقة وكفرهم ومقابلتهم للأنبياء واختيارهم الكفر على الإيمان واستحقاقهم العذاب الإلهي لا لشيء إلّا لأنّهم لجّوا في باطلهم وأصروا على زيفهم ، ولئلا يصاب بما أصاب اولئك القوم من قبل ، وكيف أن بني اسرائيل باعوا كل ما لديهم ليشتروا تلك البقرة بحيث أفضى بهم إلى الاستجداء وذهبوا لموسىعليه‌السلام ليساعدهم في التخلص من هذه الورطة ، فعلمهم دعاء يعينهم على دنياهم(١) ، وكل ذلك كان بسبب لجّتهم وعنادهم.

__________________

١ ـ بحار الانوار ، ج ١٣ ، ص ٢٧٢.

٤٢

٣

الشكر وكفران النعمة

تنويه :

«شكر النعمة» يمكن أن يكون باللسان أو بالعمل ، وعليه فإنّ «الكفران» هو عدم الاعتناء بالنعم وتحقيرها وتضييعها ، وهو أيضاً من الرذائل الأخلاقية ذات العواقب الوخيمة ، سواء كانت على الصعيد الفردي أو الاجتماعي ، والواقع أنّ الشكر يقرّب القلوب ويحكّم المحبّة في المجتمع ، والكفران يقطع أواصر المحبّة والوئام ويجعل من المجتمع جهنّماً لا يطاق يعيش فيه الانسان حالات من العداوة والبغض والحقد!

كفران النعمة مانع كبير أمام تكامل الروح الإنسانية وتهذيبها والسير إلى الله تعالى ، حيث يتسبب في ذبول عناصر الخير في الضمير ويطفيء النور الباطني الممتد في أعماق الوجدان ويلّوث الروح.

و «شكر النعمة» هو قضية فطرية ، اودعت في الإنسان لتفتح له آفاق التوحيد ومعرفة الله تعالى ، ولهذا نجد أنّ كثيراً من علماء العقائد يفتتحون بحوثهم بمسألة «ضرورة معرفة المنعم» ، وسيأتي شرحها في المستقبل إن شاء الله تعالى.

بهذه الإشارة نعود للقرآن الكريم لنستعرض فيه الآيات التي تذم حالة الكفران ، وتمدح حالة الشكر للنعمة :

٤٣

١ ـ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) (١) .

٢ ـ( وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) (٢) .

٣ ـ( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (٣) .

٤ ـ( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) (٤) .

٥ ـ( وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ) (٥) .

٦ ـ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ ) (٦) .

٧ ـ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ ) (٧) .

٨ ـ( لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) (٨) .

تفسير واستنتاج :

«الآية الاولى» تستعرض كلام النبي موسىعليه‌السلام مع بني اسرائيل ، حيث يذكرهم بأمر

__________________

١ ـ سورة ابراهيم ، الآية ٧.

٢ ـ سورة النمل ، الآية ٤٠.

٣ ـ سورة لقمان ، الآية ١٢.

٤ ـ سورة هود ، الآية ٩ و ١٠.

٥ ـ سورة الاسراء ، الآية ٦٧.

٦ ـ سورة ابراهيم ، الآية ٢٨ و ٢٩.

٧ ـ سورة النحل ، الآية ١١٢.

٨ ـ سورة السبأ ، الآية ١٥ ـ ١٧.

٤٤

إلهي مهم :( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) ، فذكّرهم النبيعليه‌السلام بقضية الشكر ومعطياته والكفران وآثاره السلبية وذلك بعد ما انتصروا على فرعون ونالوا الاستقلال وذاقوا طعم الحرية والعظمة وظهرت منهم بوادر كفران النعمة.

جملة( لَأَزِيدَنَّكُمْ ) فيها أنواع من التأكيدات ، فهي وعد إلهي قطعي للشاكرين ، بأنّه سيزيدهم من فضله ، واللطيف في الأمر أنّ الله تعالى لم يخاطب كفّار النعمة بالقول : «لُاعذّبنكم» بل قال :( إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) وهو نهاية اللطف والرحمة في دائرة التعامل المولوي تجاه المخلوقين ، وفي نفس الوقت تهديد شديد ووعيد مخيف لكفّار النعم بأنّ عليهم أخذ العبرة من قصة بني اسرائيل عند ما كفروا أنعُم الله «فتاهوا» في الصحراء أربعين سنة.

في«الآية الثانية» يدور الحديث عن النبي سليمانعليه‌السلام وقومه ، عند ما اقترح عليهم أن يأتوه بعرش ملكة «سبأ» ، فقال له أحد حواريه وكان عنده علم من الكتاب :( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ، فشعر سليمانعليه‌السلام بالفرح يغمر نفسه لوجود مثل هذه الشخصيات في بلاطه ولديهم الروحيات والمعنويات القوية ، فقرر أن يشكر الخالق تعالى ، فقال :

( وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) .

والجدير بالذكر أنّ ثواب الشاكر ذكر في هذه الآية بوضوح ، ولكن عقاب من يكفر بالنعمة ذكر بصورة غير مباشرة( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) حيث ركزت الآية على كرم الله تعالى ، وهو نهاية رحمة الله ولطفه في دائرة التخاطب مع الإنسان.

ويمكن استفادة نقطة مهمّة اخرى من الجملة الانفة الذكر ، وهي أنّ الله تبارك وتعالى يحذّر عباده من الكفر ويدعوهم للشكر لا لحاجة منه إليهم ، وحتى على فرض كفران النعمة فإنّه يفيض من كرمه ولطفه على الناس لعلّهم يرجعون عن غيّهم ولا يحرمون أنفسهم من أنعُم الله تعالى.

٤٥

وأساساً فإنّ الكتب الإلهية تعود بالنفع على العباد أنفسهم ، فهي بمثابة دروس لهم ، لتربية أنفسهم ، فالباري تعالى غنيٌّ بذاته ولا يحتاج إلى أحد ، لا لطاعة العباد ولا عصيانهم ولا يضرونه بالعصيان شيئاً.

«الآية الثالثة» تحمل مضمون الآية السابقة حيث تستعرض لنا قصة «لقمان الحكيم» :( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) .

الحكمة التي أتاها الله تعالى للقمان تشمل معرفة أسرار الكون والعلم بطرق الهداية والصلاح ، والطريقة المثلى للحياة الفردية والاجتماعية ، التي جاءت بصورة نصائح لقمان لابنه في سورة لقمان ، وهي موهبة إلهية ونعمة روحية أكّد الله تعالى على أهميّتها ، كما ذكر في الآية التي قبلها على أحدى النعم المعنوية ، حتى لا يغرق الناس في منزلقات النعم المادية ويتصورون أنّ النعم والمواهب الإلهية تنحصر في الماديّات فقط.

ويجدر هنا الإشارة إلى نقطتين :

«الأولى» إنّ الشكر أتى بصورة الفعل المضارع ، والكفران بصيغة الماضي ، وهي إشارة إلى أنّ مسير التكامل والرقيّ والقرب إلى الله تعالى يحتاج إلى المداومة على الشكر في حين أنّ لحظة من كفران بإمكانها أن تفضي إلى نتائج وخيمة وعواقب مؤلمة.

و «الثاني» إنّ الآية ركّزت على صفتي (الغني الحميد) ، بينما كان التركيز في آية النبي سليمانعليه‌السلام على صفتي (الغني والكريم) وهذا الفرق يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الله تعالى غنيٌّ عن شكر المخلوقين ، فالملائكة تسبح بحمده وتقدسه على الدوام ، وإن كان غنيّاً عنهم أيضاً ، ولكن العباد بشكرهم يستوجبون المزيد من النعم عليهم.

«الآية الرابعة» انطلقت للحديث عن الأشخاص الذين يعيشون ضيق الافق وعدم الإيمان والتقوى ، فهم يعيشون الكفران للنعمة بكل وجودهم :

( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ

٤٦

بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) .

نحن نعلم أنّ القرآن الكريم عند ما يتحدث عن الإنسان في واقعه السيء ويصفه بصفات ذميمة بصورة مطلقة ، إنّما يقصد الإنسان المنفصل عن الله في حركة الحياة ومن يعيش عدم الإيمان أو ضعف الإيمان ، ولهذا ورد في الآية التي جاءت بعد الآيات مورد بحثنا :( إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) .

بهذا الاستثناء يتبيّن أنّ الأفراد الذين يعيشون حالة اليأس من رحمة الله والغافلين والكفورين ، أفراد لم يصلوا في واقعهم النفسي لمرحلة الإيمان بعد.

وعلى العموم يمكن أن نستنتج من الآيات الآنفة الذكر ، أنّ الكفران وعدم الشكر تؤدي بالإنسان إلى التلّوث بصفات سيئة اخرى تحرمه المغفرة والأجر الكبير.

تعبير «لئن أذقنا» تعبير لطيف في الموردين فيقول : إنّ ضعاف النفوس والإيمان إذا سلبت منهم نعمة من النعم ، فسرعان ما يجري على ألسنتهم الكفر ويدب اليأس في قلوبهم ، وإن جاءتهم نعمة إذا بهم يغترّون ويتحركون في أجواء الغفلة والطغيان ، والدنيا هي كلها شيء صغير وحقير ، وما يصل إلى الإنسان منها أصغر وأحقر ، ومع ذلك فإنّهم يتأثرون بسرعة لضعف نفوسهم وضيق آفاق إيمانهم.

ولكن الإيمان بالله تعالى ومعرفة ذاته المقدسة اللّامتناهية في القدرة والعلم ، تمنح الإنسان عناصر القوة والحركة وتعينه على مواجهة أكبر الحوادث السيئة والحسنة دون أن تؤثر في نفسه شيئاً.

وتنطلق«الآية الخامسة» لتشير إلى الأفراد الذين يتوجهون إلى الله تعالى عند وقوع المصيبة ويدعونه ويتوسلون بلطفه بكل وجودهم ، وبمجرّد انقشاع سحائب الأزمة ينسون كل شيء ويكفرون مرّة اخرى :

( وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً )

٤٧

وطالما جرّبنا هذا الأمر في حياتنا الشخصية وشاهدنا ضعيفي الإيمان عند ما يمحصون بالبلاء ، كالمرض والفقر والمصائب الاخرى ، يتوجهون باخلاص للباري تعالى وبمجرّد انكشاف تلك المصائب وعودة المياه إلى مجاريها تراهم يتغيّرون ويسلكون طريق الكفر والحال أنّ الإنسان في هذه الأحوال أيضاً يجب عليه التوجه والالتجاء إلى الذات المقدسة أكثر من ذي قبل.

وفي تكملة الآية الكريمة يعبّر القرآن الكريم بتعبير جميل جدّاً حيث يقول :( أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً ) .

فهنا إشارة إلى أنّه كيف يمكن أن تكفروا وتتغيّروا فأينما تذهبوا فأنتم تحت سلطته ، وبإمكانه أن يعذبكم في أي مكان كنتم فيه سواء في البرّ أو في البحر؟

ويجب التوجه إلى أنّ كلمتي«الخسف» و «الغرق» في هذه الآية لهما مفهوم مترادف فالأولى يراد بها الاختفاء في الأرض ، والثانية الاختفاء في البحر.

«الآية السادسة» من الآيات تتوجه بالخطاب إلى الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وتشرح عاقبة كفران النعم :

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ) وبعدها يضيف :( جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ ) .

هذه التعبيرات تبيّن أنّ كفران النعم الإلهية ، يمكن أن يؤدي بقوم أو بمجتمع بأكمله إلى قعر جهنّم ولا يستبعد نزول العذاب الدنيوي فيها حيث تبدل دنياهم إلى جحيم لا يطاق.

وقد اختلف المفسّرون في المقصود من النعمة في هذه الآية ، فبعض قال : إنّها بركة وجود الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فالعرب المشركون قد كفروا بالنعمة بانكارهم لدعوته ورفضهم الاذعان لرسالته فاحلّوا قومهم دار البوار ، وفسّرها البعض الآخر بأهل البيتعليهم‌السلام حيث كفر بهم البعض أمثال بني امية ، ولكن على الظاهر أنّ مفهوم الآية أوسع من هذه الدوائر والاطر

٤٨

في مصاديق الآية ويشمل جميع النعم الإلهية ، وما ذكر آنفاً يعدّ من مصاديقها الواضحة ، على الرغم من تصريح الآيات التي وردت بعدها بالأشخاص الذين تركوا الإسلام والتوحيد واختاروا الشرك وعبادة الأصنام ، ولكن هذه النماذج تعتبر أيضاً من مصاديقها البارزة.

وقال البعض الآخر : مثل الفخر الرازي والمرحوم الطبرسي في مجمع البيان ، إنّ سبب النزول لهذه الآية ناظر لأهل مكّة الذين أعطاهم الله تعالى أنواع النِعم وأهمها بعثة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله من بين ظهرانيهم ، ولكنهم لم يقدّروا تلك النعمة وكفروا بها ، فأصبحت عاقبتهم أليمة ، فكفرهم بنعمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو نفس كفرهم بالله والرسالة!

ولكننا نعلم أنّ شأن النزول لا يخصص مفهوم الآية بمورد خاص.

وتأتي«الآية السابعة» لتتحدث عن جماعة أنعم الله تعالى عليهم بنعمة ظاهرة وباطنة ، نعمة الأمان والرزق الكثير والنعم المعنوية والروحية التي نزلت عليهم بواسطة نبيّهم ولكنّهم كفروا تلك النعم فعاقبهم الله تعالى بعقاب الجوع والخوف :

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ )

اختلف المفسّرون بأن هذه الآية هل تشير إلى مكان بالخصوص أم إنّها مثال عام كلي ، فبعض يعتقد أنّها أرض مكّة ، وتعبير( يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ ) ، يقوي ذلك الاحتمال ، لأنّه ينطبق بالكامل على أحوال وشرائط مكّة ، إذ هي أرض جافة وصحراء قاحلة غير ذات زرع وماء ولكن الله سبحانه قد باركها وأنزل عليها النعم من كل مكان.

وتعبير( كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) هو قرينة اخرى على أنّها مكّة ، فأرض الحجاز غالباً ما كانت أرضاً غير آمنة إلّا مكّة وذلك ببركة وجود الكعبة الشريفة.

وعند ما وصلت النعم المادية على أهل مكّة إلى الذروة أتمها الله تعالى ببعثة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّهم كفروا النعم الماديّة والمعنوية ، فابتلاهم الله تعالى بالقحط والخوف ، وهذا هو مصير من كفر بأنعم الله تعالى.

٤٩

ومع ذلك فإنّ مفهوم الآية يمكن أن يكون أعم فيستوعب في مضمونه جميع من يكفر بالنعمة وأرض مكّة هي أحد مصاديق هذه الآية ، حيث ورد في الروايات أن القحط والجوع أخذ منهم مأخذاً كبيراً بحيث كانوا يتغذّون على أجساد الموتى لسدّ جوعهم ، وكذلك في الغزوات الإسلامية ، حيث أضرّت بهم كثيراً.

«الآية الثامنة» من الآيات ، تتطرق إلى قوم من أكفر الناس ، وهم (قوم سبأ) حيث حباهم الله تعالى : بأفضل النعم وأحسنها ، ولكن غرورهم وغفلتهم واتباعهم لأهوائهم ، أعماهم وأضلّهم ، فكفروا ، فأخذهم الله بذنوبهم ومحق تلك النعم من أيديهم ، فقال :

( لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) .

وقد ذكر المفسّرون أنّه على الرغم من أنّ أرض اليمن خصبة ولكن لفقدان الأنهار فيها ، كانت أغلب أراضيها بائرة لا يستفاد منها ، ففكر القوم ببناء سدّ يمنع السيول القادمة من الجبال ، فبنوا عدّة سدود وأهمها (سد مأرب) حيث كان يقف أمام السيول بين جبلي بلق العظيمين ، فتجتمع خلفه مياه كثيرة استطاعوا بواسطتها أن يزرعوا ويسقوا به جنائن وبساتين كثيرة قامت على طرفي السدّ ، ونشأت حولها القرى وأصبحت مركزاً عظيماً للنشاط التجاري وتجمع الناس ، فالقرى كانت متصلة ببعضها بحيث أن ظلال الأشجار كانت متصلة على طول الطريق ووفور تلك النعم كان مقترناً مع الأمان الاجتماعي والرفاه الاقتصادي ، فكانت حياتهم هانئة جدّاً ، اجتمعت فيها كل متطلبات الحياة آنذاك ومثل هذه الأجواء كان من شأنها أن تفضي لإطاعة الله تعالى والتكامل الروحي.

ويستمر القرآن الكريم ، فيقول إنّ النعم أصبحت كثيرة جدّاً ممّا حدى بهم لأنّ تتحرك فيهم عناصر الطغيان فنسوا ذكر الله تعالى وأخذوا يتفاخرون ويقسّمون الناس إلى طبقات ، ولكنهم بالتالي ذاقوا وبال أعمالهم فأرسل الباري تعالى عليهم سيل العرم :( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ

٥٠

وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) .

ومن عجائب هذه القصّة أنّ المفسّرين ذكروا هجوم الجرذان الصحرواية على السدّ فأخذت تنخر فيه من الداخل دون أن يراها الناس المغرورون المشتغلون بالملذّات وكفران النعم ، وفجأة أمطرت السماء مطراً شديداً ، وتحرّك سيل عظيم وتجمعت المياه خلف السدّ ، ولكن جدران السد لم تتحمل كل هذا الضغط ، فانهارت وأخذ السيل طريقه للقرى والأراضي الزراعية ، فلم يُبق لها شيء ، لا مزارع ولا أنعام ، وتبدل كل شيء إلى صحراء قاحلة لا ينمو فيها سوى النباتات البرية ، ففرت الطيور الجميلة وحلّت محلّها الغربان والبوم ، وتفرق الناس إلى الأطراف وأصبحوا من أفقر الناس يأسفون على ماضيهم الجميل ، ولكن هيهات ، حيث لا تفيد ساعة ندم.

نعم فهذه هي حال الأقوام التي تغفل عن ذكر الله وتكفر بأنعمه.

والطريف في الأمر أنّ الأثرياء منهم اعترضوا على قرب المسافات بينهم ، حيث يستطيع أن يسافر كل أحد لقرب المسافة ووفرة الخير في الطريق ، فقالوا : أصبح بإمكان الفقير أن يسافر معنا أيضاً ، فطلبوا من الله تعالى أن يباعد بين أسفارهم حتى لا يستطيع الفقراء السفر معهم أيضاً ، نعم فقد وصلوا إلى أعلى مراتب الطغيان ، فعاقبهم الله تعالى بأشدّ العقاب ، فتفرق جمعهم وأصبحوا مضرباً للأمثال وخصوصاً في الفرقة ، فقالوا فيهم : (تفرقوا أيادي سبأ).

من مجموع الآيات محل البحث تتبين خطورة وبشاعة كفران النعم ، حيث تناولت الآيات هذه المسألة وآثارها السيئة على الفرد والمجتمع وخاصة ما أحلّ الكفران بالأقوام السابقة من نتائج مدمرة وعواقب مشؤومة في حركة الإنسان والحياة.

كفران النعم في الروايات الإسلامية :

تناولت الروايات الإسلامية هذه المسألة بصورة واسعة ومفصلّة وتكلّمت عن آثار حالة الكفران المشؤومة وأضرارها ، وكذلك تناولت بركات الشكر للنعم والمواهب الإلهية ، ومنها :

٥١

١ ـ جاء في حديث عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :«أَسرَعُ الذُّنُوبِ عُقُوبَةً كُفرانُ النِّعْمَةِ» (١) .

٢ ـ ونقرأ في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال :«سَبَبُ زَوالِ النِّعَمِ الكُفرانُ» (٢) .

٣ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :«كُفرُ النِّعْمَةِ مُزيلُها وَشُكرُها مُستَدِيمُها» (٣) .

٤ ـ في حديث آخر عنهعليه‌السلام :«كُفرانُ النِّعَمِ يُزِلُّ القَدَمَ وَيَسلُبُ النِّعَمَ» (٤)

٥ ـ وأيضاً عنهعليه‌السلام :«آفَةُ النِّعَمِ الكُفرانِ» (٥) .

٦ ـ وعنهعليه‌السلام أيضاً :«كافِرُ النِّعْمَةِ كافِرُ فَضلِ اللهِ» (٦) .

٧ ـ والاستدراج هو أحد عقوبات الباري تعالى ويعني أنّ الله تعالى يغدق على عبده الكافر نعمه ثم يسلبها منه حتى يحس بالألم والعناء الشديدين ، وقد جاء في حديث عن الإمام الحسينعليه‌السلام :«الإِستِدراجُ مِنَ اللهِ سُبحانَهُ لِعَبدِهِ أَنْ يُسْبِغَ عَلَيهِ النِّعَمَ وَيَسلُبَهُ الشُّكرَ» (٧) .

٨ ـ عن الإمام السجاد علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال :«الذُّنُوبُ الَّتِي تُغَيُّرُ النِّعَمَ البَغيُ عَلَى النّاسِ والزَّوالُ عَنِ العادَةِ فِي الخَيرِ واصطِناعُ المَعرُوفِ ، وَكُفرانُ النِّعَمِ وَتَركِ الشُّكْرِ» (٨) .

٩ ـ وفي حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال :«كُفرُ النِّعْمَةِ لُؤمٌ وَصُحْبَةُ الأحمَقِ شُؤمٌ» (٩) .

١٠ ـ وختاماً نختم بحثنا بهذا الحديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في معرض حديثه عن جنود العقل وجنود الجهل ، حيث أمر أصحابه بأن يتعرفوا على جنود العقل وجنود الجهل ، وعند ما سأله بعض أصحابه عنه قال :«إنّ اللهَ جَعَلَ للِعَقلِ خَمساً وَسَبعينَ جُندِياً وَضِدَّهُ

__________________

١ ـ بحار الانوار ، ج ٦٦ ، ص ٧٠.

٢ ـ غرر الحكم ، ج ٤ ، ص ١٢١.

٣ ـ المصدر السابق ، ٦٢٧.

٤ ـ المصدر السابق ، ص ٦٣٠.

٥ ـ بحار الانوار ، ج ٣ ، ٢٩٨.

٦ ـ المصدر السابق ، ج ٤ ، ص ٦٣٤.

٧ ـ المصدر السابق ، ج ٧٥ ، ص ١١٧.

٨ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٠ ، ص ٣٧٥.

٩ ـ غرر الحكم ، ج ٤ ، ص ٦٣٠.

٥٢

الجَهلُ إلى أن قال ـ والشُّكرُ وضِده الكُفرانُ» (١) .

ما ذكر في الروايات العشر السابقة ، يبيّن مدى خطورة هذه الرذيلة وآثارها السيئة على مستوى الحياة الفردية والاجتماعية وكيف أنّ الإنسان ينحدر من أوج الكرامة وذروة النعمة إلى قعر الذلّة والمسكنة ، وتسلب منه التوفيقات الإلهية ويبتعد عن الله تعالى ويقترب من الشيطان.

وهنا يجدر الإشارة إلى عدّة نقاط :

١ ـ معنى كفران النعمة

الكفر يعني في الأصل الإخفاء ، وبما أنّ الكافر يسعى في إخفاء وتغطية النعمة ، وقيمتها فسمّي عمله بالكفران.

ومن البديهي أنّ الكفران مرّة يكون بالقلب واخرى باللسان واخرى بالعمل.

ففي قلبه لا يستشعر الإنسان أهمية تلك النعمة ، ويصرّح بلسانه بقلّة النعمة وعدم أهميتها ، وفي العمل لا يتحرك من موقع الاهتمام بمواهب الله عليه ، وبدلاً من أن يستعملها بالخير ، يستعملها بالشر ولذلك قال كبار علماء الأخلاق :

«الشُّكْرُ صَرفُ العَبدُ جَمِيعَ ما أَنْعَمَهُ اللهُ تَعالى فِي ما خُلِقَ لأجلِهِ».

لذلك فالكفران هو استعمال النعم في غير محلها ، فالعين التي وهبها الله تعالى للإنسان ليرى بها طريق الحق والآيات الإلهية ويشخص بها الطريق السوي من البئر لئلا يقع فيه ، فإذا به يستعملها في موارد الحرام ، وكذلك اليد والاذن وغيرها من الجوارح أو المال والثروة.

وكأنّ هذا الكلام مقتبس من كلام الإمام الصادقعليه‌السلام ، حيث يقول :«شُكرُ النِّعمَةِ إجتِنابُ المَحارمِ» (٢) .

وبهذا يتبيّن لنا معنى الشكر وعدم الشكر.

__________________

١ ـ بحار الانوار ، ج ١ ، ص ١١٠ مع التلخيص.

٢ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٩٥ ، ح ١٠ ؛ نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٥٢٩.

٥٣

٢ ـ عواقب الكفران

الكفران بالنعمة يفضي إلى نتائج سيئة كثيرة في دائرة الماديات والمعنويات في حياة الإنسان فمن ذلك أنّه يتسبب في زوال النعم ، لأنّ الباري تعالى حكيم ، لا يعطي شخصاً شيئاً بدون حساب ولا يسلب أحداً شيئاً بلا مبرر ، فالذين يكفرون بالمنعم فلسان حالهم يقول :

بأننا لا نليق ولا نستحق هذه النعم ، فتوجب الحكمة الإلهية سلب تلك النعم منهم ، والذين يشكرون النعم فلسان حالهم يقول : إننا نستحق تلك النعم الإلهية وزد علينا يا ربّ ، مثلاً عند ما يرى الفلاح أنّ في بستانه أشجاراً مورقة أكثر من غيرها فسوف يعتني بها أكثر من غيرها حتى تنمو وتكبر بسرعة وتثمر ، وإذا شاهد أشجاراً لا تثمر ولا تورق ولا ظلّ لها مهما أهتم بها وبذل لها العناية في مجال السقي والتهذيب ، فكفران الأشجار للنعمة يدعو الفلاح لعدم الاعتناء بها وتركها لحالها.

وقد ورد في حديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال :

«مَنْ شَكَرَ النِّعَمَ بِجِنانِهِ استَحَقَّ المَزيدَ قَبْلَ أَن يَظهَرَ عَلَى لِسانِهِ» (١) .

وجاء في روايات اخرى نقلت عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه وبمجرّد الحمد والثناء يصدر الباري تعالى أمره بزيادة النعم على ذلك العبد ، فقال :«ما أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبدٍ مِنْ نِعمَةٍ فَعَرَفَها بِقَلبِهِ وَحَمِدَ اللهَ ظاهِراً بِلِسانِهِ فَتَمَّ كَلامُهُ حَتّى يُؤمَرَ لَهُ بِالمَزيدِ» (٢) .

وبديهي أنّ الكفران يفضي إلى نتائج معاكسة كذلك ، ويمكن أن يلطف به الله تعالى ويؤخر عنه سلب النعمة ولكن وعلى أية حال إذا لم يتنبه الإنسان وبقي على ما هو عليه في دائرة الغفلة والجحود للنعمة ، فستسلب منه بالتأكيد ، لأنّ ذلك من لوازم الحكمة الإلهية.

ومن جهة اخرى فإنّ الكفران يسبب البعد من الله تعالى وهو الخسران الأكبر ، فعظماء علماء الكلام في أول أبحاثهم ذهبوا إلى أن شكر المنعم هو من أول الدوافع لمعرفة الباري تعالى وأنّ شكر المنعم أمر وجداني ، فعند ما يرى الإنسان نفسه غارقاً بالنعم الظاهرة

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ، ج ٢ ، ص ٣٩٩.

٢ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٩٥ ، ح ٩.

٥٤

والباطنة ، وأنّها ليست منه فسيسعى لشكر المنعم من خلال البحث عن مصدر النعمة ، وهذا هو الذي يُمهد الطريق لمعرفة الله تعالى ، ولكنّ الناكرين لأنعم الله والذين لا يقدّرون المنعم فسيحرمون من معرفة الله تعالى ، بالإضافة إلى ذلك فإنّ عدم شكر الخالق يفضي بدوره إلى عدم شكر المخلوق ، فلا يقيم وزناً لجميل الآخرين ومعروفهم ، وكأنّه هو الذي له الحق عليهم ، ممّا يسبّب نفور الناس منه وكراهيتهم له ، وبالتالي سيؤدي إلى العزلة والانزواء في حركة الواقع الاجتماعي وقلّة الصديق والناصر في مقابل المشكلات وتحديات الواقع الصعبة.

أسباب ودوافع الكفران وطرق علاجه :

التقصير في الشكر ينشأ من عدم معرفة الإنسان بالمنعم بصورة كاملة ، وأساساً فانّه لا يتحرك في طريق التدبّر في النعم الإلهية ، فمثلاً عند ما ننظر إلى بدننا وما فيه من عجائب ودقائق وتفاصيل على مستوى الخلقة فسنتوجه إلى أهمية تلك النعم ويتحرك فينا حسّ الشكر لله تعالى.

وعلى سبيل المثال إذا استطاع البشر أن يصنع مثل الأجهزة الموجودة في الإنسان (مثل القلب والكبد والكلية والرئتين) فستكون قطعاً أقل كيفية من صنع خالقها ، وستكلفه الكثير جدّاً ، وعلى هذا فإذا أردنا حساب قيمة ما يوجد لدينا من أعضاء وجوارح بدنية فسيتبين أنّ لدينا وبحوزتنا ثروة كبيرة جدّاً.

أمّا النعم الخارجية ، فيمكن أن تكون جرعة ماء تساوي الدنيا بما فيها ، وقد نقل عن بعض العلماء أنّه دخل على أحد الملوك وكان بيد الملك قدح ماء فأراد أن يشرب فتوجه للعالم الكبير وقال له عِظني ، فقال له العالم : إذا كنت في يوم من الأيّام عطشاناً لدرجة الموت وجاءوك بالماء بشرط أن تتنازل عن الملك ، فهل ستتنازل؟ فقال نعم ، فلا حيلة في ذلك.

فقال له : كيف تتعلق بُملك وحكومة تساوي شربة ماء؟

٥٥

ويرى الإنسان حيناً آخر مريضاً يصرخ من شدّة الألم بحيث يتمنى الموت على هذا الألم ، فلو اعطيت للإنسان الدنيا بأسرها وهو على ذلك المرض ، فلن يقبل بذلك ، بل يرضى أن يأخذوا منه كلّ شيء إلّا العافية.

هناك نعمٌ ظاهرها غير مهم لكنّها إن فقدت فستتعرض حياة الإنسان للخطر ، مثل غدد اللّعاب التي ترطب الشفاه والفم وتلين الأكل وتسهل عملية البلع ، فإذا توقفت هذه الغدد في يوم ما فسيجف الفم ويعسر عليه الأكل ويتوقف عن الكلام وتصبح الحياة مستحيلة ، فذلك الجزء الصغير من بدن الإنسان أهم بكثير من ثروات الدنيا أجمع.

وكذلك في نعمة الشمس والهواء والنباتات والمواهب الاخرى العظيمة وعلى حدّ تعبير القرآن الكريم :( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١) .

ويجب التنبه أنّ كثيراً من النعم الإلهية لا يتسنى للإنسان معرفتها ، لأنّها لن تُسلب منه ، فبعض النعم والمواهب تعيش مع الإنسان فاذا سلبت منه عرفها وأقرّ بعظمتها ، وبعضها سيبقى في الكتمان وهي كثيرة جدّاً.

مثلاً مسألة الجاذبية فلم يكن أحد يعرف قبل السفر إلى الفضاء وفقدان الجاذبية هناك ، كم هي مهمّة هنا على الأرض ، إذ لولاها لما استطاع الإنسان أن يفعل شيئاً لا زراعة ولا صناعة ولا حركة ، فأقل حركة من الإنسان سيرتطم بالسقف والجدار وستتناثر الأطمعة والأشربة من المائدة ولن يستطيع الإنسان أن يأكل أو يشرب شيئاً ، فحركة الأرض تؤدي إلى قدف كل شيء في الفضاء لو لا الجاذبية وستتحول الأرض إلى صحراء قاحلة محرقة ، فتفكروا إننا لو قضينا العمر في شكر هذه النعمة فهل سنؤدّي شكرها؟

وإذا أضفنا إليها النعم المعنوية وهداية الأنبياء وكلام المعصومينعليهم‌السلام ونزول الكتب الإلهية ، والتي هي أعلى وأهم من النعم الماديّة ، فسنعرف مدى عظمة وقيمة مواهب الرحمن وسنعرف قدرتنا على الشكر كم هي ضعيفة وضئيلة.

فالتوجه لهذه الامور تقلع جذور الكفران وتحيي فيه روح الشكر.

__________________

١ ـ سورة النحل ، الآية ١٨.

٥٦

ومنها نعرف طريقة العلاج ، ولذلك قالوا : إنّ أول طريق للشكر هو المعرفة والتفكير بالمواهب والصنائع الإلهية وأنواع نعمه الظاهرة والباطنة(١) .

الطريقة الاخرى : هي النظر في دائرة النعم والمواهب المادية إلى المستويات الدنيا للناس ، فكلما فكّر الإنسان فيها فستبعث فيه روح الشكر ، ولكن إذا نظر إلى من هو أعلى منه من حيث الثروة والنعمة فسوف تستولي عليه الوساوس الشيطانية وتؤذيه.

ومن جهة ثالثة إذا ابتلي بمصائب الدنيا ، فليعلم أنّه يوجد مصائب أكبر من التي اصابته وليشكر الله أنّه لم يتورط بالأكبر والأشد منها.

وقد نقل عن شخص أنّه اشتكى عند أحد العظماء أنّ السارق قد أتى وسرق كل شيء ، فقال له : اذهب واشكر الله تعالى إذ لم يأت الشيطان الى بيتك بدلاً من السارق ، فلو أخذ منك إيمانك فما كنت تفعل؟(٢)

وقد ذكر الإمام الصادقعليه‌السلام في كتاب «التوحيد» المعروف بتوحيد المفضل حقائق توحيدية هامة من موقع تحليل ماهية النعم الإلهية في تفاصيلها الدقيقة ومن خلالها ينفتح الإنسان على المنعم الحقيقي.

ومن جملتها نعمة الكلام والكتابة وقد اعتبرها الإمام الصادقعليه‌السلام عمود الحضارة الإنسانية : وبعد شرح طويل لها قال :

«فَإنّه لَو لَم يَكُن لَهُ لِسان مُهيأ للكَلامِ وَذِهن يَهتَدِي بِهِ للُامورِ لَم يَكُن لِيتَكَلَّمَ أَبَداً ، وَلَو لَم يَكُن لَهُ مُهيأةً وَأَصابِعَ للِكِتابَةِ لِيَكتُبَ أَبداً ، واعتَبر ذَلِكَ مِنَ البَهائِمِ الّتي لا كَلامَ لَها ولا كِتابَةَ ، فَأصلِ ذَلِكَ فَطرَةِ الباري عَزَّ وجَلَّ وما تَفضل بِهِ عَلَى خَلقِهِ ، فَمن شَكَرَ اثِيبَ ، وَمَنْ كَفَرَ فإنَّ اللهَ غَنِيٌ عَنِ العالَمِينَ» (٣) .

__________________

١ ـ معراج السعادة ، ص ٨١٠.

٢ ـ المحجة البيضاء ، ج ٧ ، ص ٢٧٧.

٣ ـ بحار الانوار ، ج ٣ ، ص ٨٢.

٥٧

الشكر قناة موصلة للنعم الإلهية :

النقطة المقابلة للكفران ، هي شكر الإله ، ومفهومها تقدير النعم بالقلب واللسان والعمل ، أمّا التي بالقلب فهي معرفة الخالق والتسليم إليه والرضا بعطائه وذكر الامور التي تبيّن تقدير وشكر الخالق من قبل المخلوق في مقابل نعمه تبارك وتعالى ، أمّا من الناحية العملية فهو وضع النعم والمواهب الإلهية في المكان اللائق والذي خلقها الله تعالى لأجله.

يقول الراغب في المفردات : الشكر هو بمعنى التصور للنعمة واظهارها ، وقال البعض أن الكلمة في الأصل كانت «كشر» بمعنى الإظهار والابراز (والدابة الشكورة) تطلق على الحيوان الذي يواظب ويهتم بالزرع والماء وتسمن يوماً بعد يوم ، و «العين الشكراء» بمعنى العين المليئة بالماء ولذلك فإنّ الشكر بمعنى امتلاء وجود الإنسان من ذكر المنعم للنعم.

والشكر على نوعين : شكر تكويني وشكر تشريعي ، الشكر التكويني هو شكر المخلوق للمواهب والنعم التي بحوزته وتحت تسلطه ، لتنمو كالشجر والورد والثمرة تكون تحت إشراف الفلّاح الخبير الذي يعرف كيف تثمر الثمار الجيدة ، والكفران هو عدم ظهور أثر للمحافظة والمراقبة فيها من قبل الفلّاح.

لذلك فإنّ الذي يستعمل النعم الإلهية في طريق العصيان فقد كفرها تكوينيّاً.

الشكر التشريعي هو أن يقوم الإنسان بشكر الخالق بالقلب واللسان.

وذكرنا سابقاً أنّ الإنسان لا يستطيع أن يؤدّي شكر الخالق ونعمه ، لأنّ نفس هذا التوفيق للشكر هو نعمة منه تعالى وهو نفسه يحتاج لشكر آخر ، ولذلك جاء في رواياتنا الإسلامية أنّ أفضل شكر الإنسان هو أظهار العجز عن شكر الله في مقابل نعمه والمعذرة عن ذلك التقصير ، لأنّه لا يستطيع أحد أن يؤدّي ما يستحقه الباري تعالى.

وذكرنا سابقاً الكثير من مطالب الشكر وما يقابلها من الكفران ، ولتكميل هذا البحث نذكر بعض من الآيات والروايات عن المعصومينعليهم‌السلام ، ونكتفي بهذا القدر منها :

( وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ* إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) (١) .

__________________

١ ـ سورة الشورى ، الآية ٣٢ و ٣٣.

٥٨

وشبيه لهذا التعبير جاء في آيات اخرى.

ومرّة يشير إلى العين والسمع والعقل فإنّها أهمّ وسيلة للمعرفة الإنسانية فيقول :

وأمّا القرآن الكريم فقد جعل الصبر والشكر أحدهما قرين للآخر وهما وسيلتان لتفتح العلم والإيمان في قلب الإنسان فقال :

( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .

فالقرآن الكريم أشار في موارد عديدة لوجود هذه الفضيلة (فضيلة الشكر عند الأنبياء العظام) ، وأمرهم بالشكر(٢) ومرّة يخاطب آل داود :

( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) (٣) .

ويقول في مكان آخر أنّ شرط رضا الباري تعالى هو الشكر :( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) (٤) .

الآيات حول الشكر في القرآن الكريم كثيرة وتصل إلى حوالي ال ٧٠ آية ، والجدير بالذكر أنّ صفة الشكور نسبت لله تعالى في سورة النساء الآية ١٤٧ :

( ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً ) .

مفهوم الآية يبيّن أنّ الشكر إذا صدر بصورة ومعنى حقيقي فإنّ العذاب الإلهي سيرتفع بالكامل ، علاوة على أنّ صفة الشكور نسبت لله تعالى ، فإنّ الشكر هو من الصفات المشتركة مع الباري تعالى ، والفرق أن الإنسان بوضع النعمة في موضعها السليم يكون قد أدّى شكرها ، وفي المقابل يكون شكر الباري تعالى بزيادة المواهب لعباده.

وجاء في بعض الآيات القرآنية أن التوجه والانتباه للنعم الإلهية هو السبب في حثّ الإنسان على الشكر ويكون هو الرادع عن الذنوب ، ونقرأ في سورة الأعراف في خطابه للاقوام السابقة ، الآية ٧٤ :( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) .

__________________

١ ـ سورة النحل ، الآية ٧٨.

٢ ـ راجع الآيات ، النحل ، ٢١٢ ؛ الاسراء ، ٣ ؛ لقمان ، ١٢ ؛ سبأ ، ١٣.

٣ ـ سورة سبأ ، الآية ١٣.

٤ ـ سورة الزمر ، الآية ٧.

٥٩

وفي الآية ٦٩ من نفس السورة يقول :( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .

وهذا التعبير صريح بأن الشكر يكون سبباً للفلاح.

خلاصة القول ، أنّ أساس كل سعادة وبركة إلهية هو الشكر ، لأنّه يقرّب الإنسان يوماً بعد يوم من الله تعالى ، ويحكم أواصر المحبّة بين العباد وخالقهم ، وهو طريق التقوى والفلاح.

فلسفة الشكر :

الإنسان المنعم قد يتوقع الشكر من الطرف الآخر ، أو ربّما يحتاجه في بعض الأحيان ، سواء كان احتياجاً مادياً أو معنوياً ، أو لأجل موقعه ومركزه الإجتماعي.

ولكن الباري تعالى ، هو الغني عن العالمين ، حتى ولو كفر الناس جميعاً ، فهو لا يحتاج لشكرهم ، ومع ذلك فقد أكد على الشكر ، فمثله كمثل باقي العبادات ، ونتيجته تعود على نفس الإنسان ، وإذا ما دققنا النظر قليلاً فستتوضح فلسفته.

إذا قدّر الشخص النعم الإلهية سواء كان بالقلب أو اللسان أو بالعمل ، فهو يستحق تلك النعمة ، والله سبحانه وتعالى هو الحكيم لا يسلب النعمة من أحد من دون دليل ولا يعطي لأحد من دون دليل ، فعند ما يشكر الإنسان النعم فلسان حاله يقول إنني مستحق للنعم ، وحكمة الباري لا توجب له النعمة فقط بل تزيده أيضاً.

ولكن لسان حال الكافر يقول : إننّي غير مستحق للنعمة وحكمة الباري تعالى توجب سلب تلك النعمة منه ، وإذا شكر يوماً وكفر يوماً ، فسيتعامل معه كالتالي :

( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

وعند ما نقول أنّ الشكر سبب في دوام النعمة فدليله هذا بعينه ، وفي حديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :«بِالشُّكرِ تَدُومُ النِّعَمِ» (٢) .

__________________

١ ـ سورة الانفال ، الآية ٥٣.

٢ ـ غرر الحكم.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

والأوّل يقتضي أنّ المبدأ المغرب ، فلا يتم قول الأصحاب : إنّ المبدأ الفجر.

والذي يقتضيه النظر أن قولهعليه‌السلام : « فإن كان الدم إذا أمسكت » لا تعلق له بما تقدم من الحالة التي بينه وبين المغرب ، بل هو بيان لحال المستحاضة من حيث هي ، إلاّ أنّ قوله : « فإنّ عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرّات ثم تحتشي وتصلّي وتغتسل للفجر » إلى آخره ، لا يخلو من إجمال ، إذ يحتمل أن يراد بقوله : « وتغتسل للفجر » إلى آخره ، بيان أغسال اليوم والليلة على تقدير وجود الدم من الفجر.

ويحتمل أن يكون من(١) تتمّة بيان أحكام من نظرت ما بينها وبين المغرب ، ويفيد أنّ الغسل لازم لها على الوجه المذكور في جميع الصلوات ، فإذا بدأت الكثرة من المغرب واستمرت عليها الغسل للفجر بعد غسل المغرب والعشاء ، وغسل للظهرين ، وغسل للمغرب ، وهكذا ، ويؤيّده قوله : « وهكذا تفعل المستحاضة » فإنّ هذا يدل على أنّ الحكم المذكور للحائض المستمر دمها إلى أن تصير مستحاضة ، وحكم المستحاضة غير حكمها.

وإنّما قلنا : إنّه مؤيّد مع أنّه ظاهر في تعيّن الاحتمال لإمكان أن يقال : إنّ المراد : وهكذا حكم كل مستحاضة.

لكن لا يخفى أنّ تحقيق الحال في هذا موقوف على ثبوت اعتبار أوقات الصلوات والاستمرار ، وإن لم يثبت ذلك فالخبر باق على إجماله ، ولم أَرَ من أوضح الحال في جميع ما ذكرته ، ولا أشار إلى بعضه ، والله وليّ التوفيق.

__________________

(١) في « رض » : في.

٣٨١

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبي المغراء(١) ، عن إسحاق بن عمار ، قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال : « إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذلك(٢) اليومين ، وإن كان(٣) صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين ».

فلا ينافي(٤) ما قدمناه من أنّ أقل الحيض ثلاثة أيّام ، لأنّ الوجه فيه أن ترى اليوم واليومين دماً متوالياً وترى تمام الثلاثة في مدّة العشرة ، لأن الحائض متى رأت الدم في مدّة العشرة أيّام ثلاثة أيّام كانت حائضا وإن لم يكن ذلك متوالياً حسب ما رويناه في كتاب تهذيب الأحكام في رواية يونس (٥) .

السند‌

ليس فيه ارتياب إلاّ من جهة إسحاق بن عمار ، حيث إنّ الشيخ قال : إنّه فطحي(٦) . فالحديث موثّق ، وقد قدّمنا كلاماً في هذا(٧) ، وأنّه لا يبعد‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ ، ورجال الطوسي : ١٧٩ / ٢٤٨ ، والفهرست : ٦٠ / ٢٢٦ : أبو المعزى ، ولعل الصحيح ما أثبتناه بتقديم الغين المعجمة على الراء المهملة. راجع رجال النجاشي : ١٣٣ / ٣٤٠ ، وإيضاح الاشتباه : ١٣٨ ، ومجمع الرجال ٢ : ٢٤٦.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ : ذينك.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ : كانت.

(٤) في الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ زيادة : هذا الخبر.

(٥) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٧ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٦) الفهرست : ١٥ / ٥٢.

(٧) ج ١ ص ١٠٨ ١١١ ، ٢٤١ ٢٤٢.

٣٨٢

كون الحديث صحيحا ، وأبو المغراء اسمه حميد ابن المثنى ، وهو ثقة.

فإن قلت : قد ذكر النجاشي(١) أنّ الحسن بن سعيد شارك أخاه الحسين في كتبه وكان شريك أخيه في جميع رجاله إلاّ زرعة بن [ محمد(٢) ] الحضرمي وفضالة بن أيوب ، فإنّ الحسين كان يروي عن أخيه عنهما. وهذه الرواية وكثير من أمثالها تقتضي رواية الحسين عن فضالة بغير واسطة.

قلت : الأمر كما ذكرت إلاّ أنّ ( النجاشي ذكر ذلك رواية عن غير معلوم الحال(٣) ، والعلاّمة في كلامه ما يحتمل ان لا يكون منه على سبيل الجزم كما يعلم من مراجعته ، على أنّ في قوله : زرعة بن مهران وهماً كما لا يخفى ، وعلى كل حال لا يبعد أن يقال : إنّ )(٤) هذا لا يضرّ بالحال لعدالة الواسطة ومعلوميّتها بالاختصاص.

وما قد يتخيل : من أن الرواية إذا كانت بالواسطة فتركها نوع من التدليس.

يمكن الجواب عنه : بأنّ المعلوميّة اقتضت الترك ، وإن كان في البين كلام ، لأنّ ذكر فضالة في الرواية عن زرعة يقتضي عدم الالتفات إلى المعلوميّة إلاّ أن يفرق بين الرجلين ، ( ولا يخلو من إشكال ، إلاّ أنّ المتأخّرين لم يلتفتوا إلى ذكر هذا على ما رأيت ، ولعل الأمر ليس بعسر بعد ما سمعته.

__________________

(١) في « د » : العلاّمة.

(٢) في النسخ : مهران ، والصحيح : محمد ، كما أثبتناه وسيشير إليه راجع الخلاصة : ٣٩.

(٣) رجال النجاشي : ٥٨ / ١٣٦ ، ١٣٧.

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » و « رض ».

٣٨٣

وقد يقال : إنّ كلام النجاشي محتمل لأن يريد أنّ الحسين يروي عن جميع رجال الحسن إلاّ في الرجلين )(١) المذكورين ، فإنّه يروى عنهما بواسطة أخيه ، لا أنّه لا يروي عنهما إلاّ بواسطة أخيه ، ويجوز أن يكون راوياً عنهما بغير واسطة إلاّ في بعض الأخبار(٢) ، فإنّه يرجّح الرواية عنهما بواسطة ، وهذا كثير في الرواية بالنسبة إلى رواية الشخص تارة بواسطة وأُخرى بعدمها ، فليتأمّل.

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه وإن بَعُد ، إلاّ أنّه وجه للجمع إذا ثبت مذهب الشيخ بعدم اشتراط التوالي ، وقد تقدم في خبر عبد الرحمن بن الحجاج اشتراط الدوام في الدم من الحبلى ، وبيّنا أنّ الظاهر منه اعتبار التوالي ، فيفيد اختصاص الحبلى بالتوالي إذا لم نقل به في غيرها ، وكان على الشيخ التنبيه ( عليه ببيان )(٣) احتمال الدوام لغير التوالي ، ولا يبعد توجيهه لو ثبتت الأدلة على عدم التوالي ، وما أشار إليه الشيخ من رواية يونس له وجه لو صحت الرواية.

ويمكن أن تحمل الرواية المبحوث عنها على أنّ الحبلى تترك الصلاة(٤) في اليوم واليومين من غير انتظار مضي الثلاثة كما في بعض النساء ، وهذا الوجه وإن بَعُد ليس بأبعد من توجيه الشيخ ، ولا بدّ للعامل بالموثّق القائل بالتوالي من هذا التوجيه ، إلاّ أن يذكر غيره.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) في « رض » : الأحيان.

(٣) في « رض » : على بيان.

(٤) في « فض » : الصلوات.

٣٨٤

وما تضمنه الحديث : من أنّه مع الصفرة تغتسل عند كل صلاتين. ولا ينافي ما دل على التفصيل بالقلة وعدمها ، لإمكان حمل المطلق على المقيد.

أمّا ما يقتضيه الخبر من أنّ الدم إذا كان عبيطاً لا تصلّي ، وإن كانت صفرة تصلّي بالغسل ، قد يتوهم منه أن لا واسطة بين الدم العبيط والصفرة والحال أنّها موجودة ، ويمكن التوجيه بأنّ الغرض من الصفرة عدم كون الدم عبيطاً ، ولئن استبعد ذلك أمكن استفادة حكم الواسطة من دليل آخر ، وعدم ذكر الإمامعليه‌السلام له في الرواية على نحو غيره من الأحكام الحاصلة من المقيد والمطلق والعام والخاص ، غير أنّ الحكمة لا نعلمها ، والتوجيه واسع الباب.

اللغة :

قال في القاموس : دم عبيط بيّن العُبطة بالضم طريّ(١) .

وفي النهاية : فقأت لحماً عبيطاً ، العبيط : الطَّريّ(٢) ، وفي الحبل المتين : إنّه الخالص الطري(٣) .

قال :

باب الحائض تطهر عند وقت الصلاة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٣٨٦ ( عبط ).

(٢) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٧٢.

(٣) الحبل المتين : ٤٧.

٣٨٥

محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن معمر بن يحيى قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلّي الاولى؟ قال : « [ لا ، إنّما ](١) تصلّي الصلاة التي تطهر عندها ».

وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الفضل بن يونس ، قال : سألت أبا الحسن الأوّلعليه‌السلام قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلاّ العصر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلّي الظهر ، وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر » قال : « وإذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض الظهر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي طاهرة ، وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهرة ، فضيّعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها ».

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن علي بن أسباط ، عن علاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : قلت : المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر ، قال : « تصلّي العصر وحدها ، فإن ضيّعت فعليها صلاتان ».

__________________

(١) أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٤.

٣٨٦

السند‌

في الأوّل : الحجال ، والعلاّمة في الخلاصة ذكر أنّ الحجال عبد الله ابن محمد(١) . وفي النجاشي : عبد الله بن محمد الأسدي مولاهم كوفي الحجال ، إلى أن قال : ثقة ثقة(٢) . ويؤيّد إرادة المذكور أنّ النجاشي قال في ترجمة ثعلبة بن ميمون : إنّ الراوي عنه عبد الله بن محمد الحجال(٣) .

وأمّا ثعلبة فقد قدّمنا فيه القول(٤) ، وما قد يتخيّل من أنّ ثعلبة لا يتعيّن كونه ابن ميمون ، ليدل على ما ذكر ، جوابه يعلم من ممارسة الرجال.

وأمّا معمر بن يحيى فهو وإن كان مشتركاً بين الثقة وغيره(٥) إلاّ أنّ الراوي عن الثقة ثعلبة ، وقد ذكرنا ظهور ثعلبة في ابن ميمون ، وفي الإيضاح : مَعْمَر بفتح الميم وإسكان العين وتخفيف الميم(٦) .

وفي الثاني : الفضل بن يونس ، والنجاشي وثقه(٧) . وقال الشيخ : إنّه واقفي(٨) . وقد كرّرنا(٩) القول في مثل هذا من حيث إنّ النجاشي مقدّم على جرح الشيخ ، كما يقتضيه الاعتبار ، وما ظنّه بعض المتأخّرين من أنّه لا منافاة‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ١٠٥ / ١٨.

(٢) رجال النجاشي : ٢٢٦ / ٥٩٥.

(٣) رجال النجاشي : ١١٧ / ٣٠٢.

(٤) راجع ج ١ ص ٣٧٩ ٣٨٠.

(٥) هداية المحدثين : ٢٦١.

(٦) إيضاح الاشتباه : ٣٠٣.

(٧) رجال النجاشي : ٣٠٩ / ٨٤٤.

(٨) رجال الطوسي : ٣٥٧ / ٢.

(٩) في « فض » : ذكرنا ، راجع ص : ٧٨ و ٧٩.

٣٨٧

بين الوقف والتوثيق(١) يدفعه التأمّل في كتاب النجاشي والتدبر في تثبّت مؤلّفه وتحقيقه.

والثالث : لا يخفى حاله بعد ما تقدم.

المتن :

في الأوّل : ظاهره لا يخلو من إجمال : لأن الصلاة التي تطهر عندها محتملة لإرادة وقت الفضيلة أو وقت الإجزاء.

والخبر الثاني : ظاهر الدلالة على أنّ الطهر إذا وقع بعد أربعة أقدام ( لا تصلي إلاّ العصر ، والتعليل فيه يدل على أنّ الوقت يراد به الأربعة أقدام )(٢) وحينئذ فهو بيّن الخبر الأوّل على تقدير العمل بهما.

فإن قلت : ما تضمنه الخبر الثاني من اعتبار أربعة أقدام لا يتمّ إرادة وقت الفضيلة منه ولا وقت الإجزاء ، أمّا الأوّل : فلأنّ فضيلة الظهر لا تنحصر في الأربعة كما يستفاد من الأخبار وسيأتي ، وأمّا الثاني : فلأن الإجزاء لا ريب في امتداد وقته.

قلت : لما ذكرتَ وجه إلاّ أنّ إرادة الفضيلة لا ارتياب فيها ، غاية الأمر أنّ الأخبار مختلفة في ذلك ، ( وهذا لا يضرّ بالحال على تقدير العمل بالخبر.

وما ذكره بعض محققي المعاصرين سلّمه الله من أنّ خبر معمر بن يحيى لعله محمول )(٣) على ما إذا لم يبق من الوقت سوى ما يخص‌

__________________

(١) كالجزائري في الحاوي ٣ : ٢٢٥.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٣٨٨

العصر(١) ، لا يخلو من وجه على تقدير عدم العمل بالخبر الثاني ، لكن الخبر موثق على تقدير قبول قول الشيخ بالوقف ، والمعلوم من عادة القائل العمل بالموثق ، فعدم النظر إلى الحديث ونقله لا يخلو من غرابة.

وفي مدارك شيخناقدس‌سره بعد نقل رواية معمر بن يحيى : ويمكن حملها على ( ما إذا لم تدرك من آخر الوقت إلاّ مقدار أربع ركعات ، فإنّه يختص بالعصر كما سيجي‌ء بيانه(٢) . انتهى.

وأشار بقوله كما سيجي‌ء إلى )(٣) ما ذكره في المواقيت(٤) ، والمذكور فيها لا يخلو من نظر ، كما ستعلمه إن شاء الله. وعلى تقدير تمامية دليل الاختصاص فعموم دليل الاشتراك بين الفرضين لا يمنع التخصيص.

ثم إنّ الخبر المبحوث عنه ربما يتناول إدراك الركعة من العصر ، لأنّ قولهعليه‌السلام : « إنّما تصلّي التي تطهر عندها » يتناول الجميع والبعض. وفيه : أنّ المتبادر جميع الوقت وسيجي‌ء إنشاء الله تعالى بيان ما لا بدّ منه في موضعه.

وما تضمنه الخبر الثاني من قوله « وما طرح الله عنها من الصلاة » إلى آخره ، لعلّ المراد به أنّ ما فاتها من الصلاة في حال الحيض أكثر من الصلاة الفائتة حال مضيّ أربعة أقدام.

ثم ما يفيده الخبر من حكم المرأة إذا رأت الدم بعد ما يمضي من الزوال أربعة أقدام ، لو صح الحديث لا مجال للتوقف فيه بسبب الشك في‌

__________________

(١) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٩.

(٢) المدارك ١ : ٣٤٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) المدارك ٣ : ٩٢ ٩٤.

٣٨٩

بعض المقدمات ، وستسمع القول في المسألة عن قريب إن شاء الله.

وما تضمنه الخبر الثالث من قولهعليه‌السلام : « فإن ضيّعت فعليها صلاتان » لعلّ المراد به أنّ دخول وقت العصر إن كان في غير زمان اشتغالها بمقدمات الصلاة ، بل اتفق دخوله حال تركها كذلك فعليها صلاة الظهر والعصر ، غير أنّ المقام لا يخلو بعد من إجمال ، لأنّ وقت العصر الداخل إن كان المراد به المختص ، يشكل الحال بأنّ عدم الاشتغال في المقدمات لا يقتضي وجوب قضاء الظهر مطلقا ، بل إذا علم أن الوقت يتّسع فعل الظهر مع المقدمات أو فعل بعضها معها على المشهور ، وإن كان المراد ما يعم المشترك يشكل الحكم بصلاة العصر وحدها ، إلاّ أن يقال : إنّ هذا الحكم مفاد الخبر الأوّل بإطلاقه. وفيه : أن الخبر الأوّل في ظاهره ما يدفع هذا الحكم بعد التأمّل فيه.

على أنّ مفاد الخبر المبحوث عنه أنّ عدم الاشتغال بالمقدمات المعتبر عنه بالتضييع على الظاهر من الكلام يفيد لزوم الصلاتين ، وعلى تقدير إرادة المشترك يشكل فعل العصر وحدها على قول(١) المتأخّرين(٢) وظاهر الشيخ(٣) .

فإن قلت : ما وجه حمل قوله : « فإن ضيّعت » إلى آخره ، على ما ذكرت مع إمكان الحمل على أنها لو تركت الصلاة عليها القضاء؟

قلت : هذا الاحتمال يدفعه التأمّل الصادق في مدلول الخبر ، والله تعالى أعلم بالحال.

__________________

(١) في « فض » و « د » : قوانين.

(٢) منهم العلاّمة في المنتهى ١ : ١١٤ ، ٢١٠ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٢٣٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٦ ١٤٧.

(٣) المبسوط ١ : ٧٣ ، كتاب الخلاف ١ : ١٧٣.

٣٩٠

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن(١) ، عن محمد بن الربيع ، عن سيف ابن عميرة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر ».

فلا ينافي الخبر الأوّل ، لأن قوله : إذا طهرت قبل وقت العصر ، يجوز أن يكون ذلك وقت الظهر فلأجل ذلك وجب عليها قضاء الظهر والعصر ، ولو كان وقت العصر لا غير لما وجب عليها إلاّ صلاة العصر.

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب ، عن أبي همام ، عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر : « تصلي العصر ثم تصلي الظهر ».

فلا ينافي أيضا ما قدّمناه ، لأنه إنّما أخبر عمّن تغتسل في وقت العصر ، ويجوز أن يكون(٢) طهرت في وقت الظهر وأخّرت الغسل إلى أن اغتسلت في وقت قد يضيق للعصر ، فلأجل ذلك أمرها بالظهر بعد أن تصلّي العصر.

السند‌

في الأوّل : قد تقدم القول في رجاله ، سوى محمد بن الربيع وهو مشترك في الرجال بين مهملين.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٤٢ / ٤٨٧ : الحسين.

(٢) في الاستبصار زيادة : قد.

٣٩١

ويعقوب في الثاني محتمل لابن يزيد الثقة ، وابن يقطين المذكور في رجال الرضاعليه‌السلام مهملا(١) ، إلاّ أن المتكرّر في الكتاب رواية محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد ، ففي باب صلاة المغمى عليه : محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد(٢) ، وكذلك في باب صلاة الخوف(٣) ، وغير ذلك ، وحينئذ فالظاهر ظهور ابن يزيد.

المتن :

في الأوّل : لا يخرج عن الإطلاق بالنسبة إلى قوله : « إذا طهرت قبل العصر » إلاّ أنّ قوله : « فإن طهرت في آخر وقت العصر » ربما يفيد تقييده بإدراك غير المختص بالعصر على تقدير أن يراد بآخر وقت العصر المختص كما هو الظاهر.

والخبر المتقدم الدال على أنّ المرأة إذا رأت الطهر بعد أربعة أقدام تصلّي العصر فقط ، صريح المنافاة لهذا الخبر حينئذ.

والحمل المذكور من الشيخ على أنّ المراد وقت الظهر. إن أُريد به المختص بالظهر أشكل بأنّ الرواية تضمّنت آخر وقت العصر ، فلو كان المراد وقت الظهر المختص بقي الوقت المشترك مسكوت الحكم ، والمطلوب في الرواية بيانه. إلاّ أن يقال بعدم معلوميّة إرادته من الإمامعليه‌السلام .

ولو أراد الشيخ بوقت الظهر الأعم من المختص ، بل وقت الفضيلة أو المشترك كما يقتضيه قوله : ولو كان وقت العصر لا غير ، أشكل بما تقدم‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٩٥ / ١٢ ، ١٣.

(٢) الاستبصار ١ : ٤٥٨ / ١٧٧٧.

(٣) الاستبصار ١ : ٤٥٦ / ١٧٦٧.

٣٩٢

من الخبر المتضمن لأربعة أقدام ، فما ظنّه الشيخ من انتفاء المنافاة بجميع ما تقدم محل كلام ، ومن توقف عمله على الخبر الصحيح قد يخفّ عنه الإشكال.

( وأمّا الخبر الثاني : ) ) فما ذكره الشيخ فيه لا يخلو من وجه ، إلاّ أنّ قوله : قد ( تضيق العصر )(٢) . في الظاهر يريد به الوقت المختص بالعصر ، ووجوب الصلاة حينئذ مبني على أنّ إدراك(٣) شي‌ء من الوقت يقتضي وجوب الصلاة ، إذ الغسل في المختص لا بدّ أن يقصر الوقت معه عن الفعل ، والأخبار الدالة على ذلك لا يخلو من قصور في السند ، إلاّ أنّ العلاّمة في المنتهى قال : إنّه لا خلاف فيه بين أهل العلم(٤) . ولعل ضميمة هذا إلى الأخبار تسهل الخطب ، وسيأتي تفصيل القول في بابه إن شاء الله.

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء الآخرة ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر ».

عنه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د ».

(٢) في « رض » : يضيق للعصر.

(٣) في « رض » : من أدرك.

(٤) المنتهى ١ : ٢٠٩.

٣٩٣

فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء ».

عنه ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن ثعلبة ، عن معمر بن يحيى ، عن داود الزجاجي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « إذا كانت المرأة حائضا وطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة ».

عنه ، عن محمد بن علي ، عن أبي جميلة. ومحمد أخيه ، عن أبيه ، عن أبي جميلة ، عن عمر بن حنظلة ، عن الشيخعليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء الآخرة ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر ».

فالوجه في الجمع بين هذه الأخبار أن نقول : إنّ المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي منه أربعة أقدام فإنّه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معاً ، وإذا طهرت بعد مضي أربعة أقدام فإنّه يجب عليها قضاء العصر لا غير ، ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها إلى مغيب الشمس ، وكذلك يجب عليها قضاء المغرب والعشاء إلى نصف الليل ، ويستحب لها قضاؤهما إلى عند طلوع الفجر ، وعلى هذا الوجه لا تنافي بين الأخبار.

السند‌

في الأوّل : قد قدّمنا ما في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن من الجهالة ، وكذلك ذكرنا حال محمد بن عبد الله بن زرارة من أنّه لا يخلو من‌

٣٩٤

مدح في الرجال ، وأمّا محمد بن الفضيل فهو مشترك بين ثقة وغيره(١) ، وأبو الصباح هو إبراهيم بن نعيم الثقة.

والثاني : ضمير عنه فيه يرجع إلى علي بن الحسن ، وقد علمت حال الطريق إليه ، وحال علي بن الحسن مشهور بالفطحية.

والثالث : فيه مع ما تقدم عن قريب وبعيد داود الزجاجي وهو مذكور في رجال الباقر والصادقعليهما‌السلام من كتاب الشيخ مهملا(٢) ، والذي رأيته في النسخة بالدال المهملة ، وفي نسخة الاستبصار بالزاي ، والأمر سهل.

والرابع : فيه مع ما تقدم محمد بن علي ، ولا يبعد أن يكون ابن محبوب ، إلاّ أن احتمال غيره قائم ، ومحمد فيه معطوف على محمد بن علي ، وضمير أخيه لعلي ، ومحمد مذكور في الكشي عن محمد بن مسعود : أنّه من الفطحية من غير توثيق(٣) . وأبو جميلة هو المفضل بن صالح ، وقد ضعّفه العلاّمة في الخلاصة قائلا : إنّه كان يضع الحديث(٤) ، وعمر بن حنظلة قدمنا القول فيه(٥) .

المتن :

ما قاله الشيخ من الجمع لا يخلو من نظر ، لأنّ مفاد الأخبار المذكورة لا يخرج من الإطلاق ، والسابق من الأخبار مقيد ، لكن التقييد خاص بالظهر والعصر ، أمّا المغرب والعشاء فلا ذكر لهما فيها ، فإن كان الشيخ نظر إلى أنّ‌

__________________

(١) هداية المحدثين : ٢٤٩.

(٢) رجال الطوسي : ١٢٠ / ٦ ، ١٩١ / ٢٤.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٣٥.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٢٥٨ / ٢.

(٥) في ص ٥٥.

٣٩٥

الحكم في الجميع واحد نظراً إلى إمكان جريان التعليل ، أشكل بأنّ التقييد(١) بنصف الليل لا يناسب ذلك ، لأنّ وقت الظهر لا يعتبر آخره ، كما صرح به الشيخ تبعاً للنص ، وحينئذ لا يتم إطلاق القول في المغرب والعشاء ، ولا مانع من حمل الأخبار فيهما على امتداد الوقت إلى الفجر ويكون من [ قبيل ](٢) وقت المضطر ، وسيأتي من الشيخ ذكر ذلك.

إلاّ أن يقال : إنّ الأخبار إذا دلّت على اتحاد حكم المغرب والعشاء والظهر والعصر كان الفرق بين كل من المغرب والعشاء والظهر والعصر غير مناسب للحكمة من إطلاق الإمامعليه‌السلام ، فلا بد على تقدير الاستحباب في الظهرين القول به في العشاءين ، وفيه ما قدّمناه ، فليتأمّل.

ثم ما ذكره الشيخ : من أنّ قضاء الظهر مستحب إلى غياب الشمس. لا يخلو من تسامح ، بل الظاهر أنّه لا يخلو من خلل ، إذ الدليل على استحباب القضاء للظهر على تقدير إدراك المختص بالعصر غير واضح.

ولو حملت الأخبار الدالة على أنّ الطهر قبل الغروب يقتضي صلاة الفرضين على الاستحباب زاد الإشكال ، أوّلاً : في ذكر الظهر فقط ، وثانياً : إنّ المطلوب وجوب قضاء العصر واستحباب قضاء الظهر ، وبالجملة فالكلام واسع البحث والمحصّل ما قلناه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن الشيخ في المبسوط أنّه قال فيه : إذا طهرت بعد زوال الشمس إلى دخول وقت العصر قضت الصلاتين معاً وجوباً ، ويستحب لها قضاؤهما إذا طهرت قبل مغيب‌

__________________

(١) في « رض » : التعليل.

(٢) في النسخ : قبل ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٩٦

الشمس بمقدار ما تصلّي خمس ركعات. وكذلك نقل عن ابن البراج(١) .

ثم قال العلاّمة : والصحيح أنّها إذا اتسع زمانها للطهارة وأداءِ خمس ركعات وجب عليها فعل الصلاتين معاً كما قال يعني الشيخ بعد ذلك : فإن لحقت قبل المغيب ما تصلّى فيه ركعة لزمها العصر. لنا ما رواه الشيخ ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وذكر الرواية السابقة المشتمل سندها هنا على محمد بن الربيع.

ثم قال العلاّمة عقيب الرواية : قال الشيخ عقيب الأخبار التي أوردها : والذي أُعوّل عليه في الجمع أنّ المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي أربعة أقدام فإنّه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معاً. إلى آخر ما هنا ، وإن كان ظاهر أوّل الكلام أنّه من غير الكتاب.

ثم إنّ كلام العلاّمة لا يخلو من نظر في مواضع.

أمّا أولاً : فالاستدلال بالرواية لا يخفى حاله.

وأمّا ثانياً : فعدم ذكر الأخبار المعارضة والاقتصار على نقل كلام الشيخ أغرب.

وأمّا ثالثاً : فما ذكره من أنّ إدراك الركعة من الظهر يوجب إدراك الصلاة ، لا يخلو دليله من الأخبار من قصور كما سبقت إليه الإشارة ، والإجماع في المقام منتف مع خلاف الشيخ ، إلاّ أن يكون الإجماع بعد الشيخ ، وكلام المنتهى السابق نقله يدل على خلاف ذلك(٢) ، ولا يخفى أنّ كلام الشيخ يخالف القول في العصر أيضاً ، كما يعلم بالتأمّل الصادق ، ولم أر تحقيق الحال في المقام.

__________________

(١) المختلف ١ : ١٩٧ ، وهو في المبسوط ١ : ٤٥ ، والمهذب ١ : ٣٦.

(٢) المتقدم في ص ٣٦١.

٣٩٧

والعلاّمةرحمه‌الله لم يلتفت إلى تحقيق أمثال هذه المواضع ، والظاهر أنّ سبب ذلك العجلة كما هي عادته في مصنفاته.

قال :

باب المرأة تحيض بعد أن دخل عليها وقت الصلاة‌

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : في امرأة دخل وقت الصلاة وهي طاهرة فأخّرت الصلاة حتى حاضت قال : « تقضي إذا طهرت ».

أحمد بن محمد ، عن شاذان بن خليل النيسابوري ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : « نعم ».

السند‌

في الأوّل : قد تقدّم بيان رجاله ، وأمّا محمد بن الوليد فهو الخزاز على الظاهر ، لأنّ النجاشي قال : إنّه يروي عن يونس بن يعقوب. ولا يضر كون الراوي عنه في النجاشي أحمد بن محمد بن خالد(١) ، لأنّ مرتبة علي ابن الحسن لا تأبى ذلك. وذكر الكشي إنّه فطحي في جملة آخرين(٢) . والنجاشي قال : إنّه ثقة عين(٣) ، ولم يذكر إنّه فطحي.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٢.

(٣) رجال النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١.

٣٩٨

والعلاّمة في الخلاصة قال بعد نقل كلام الكشي وكلام النجاشي(١) : والذي يظهر لي أنّه الذي ذكره الكشي.

والشيخ في الفهرست ذكره مرّتين من غير ذكر التوثيق وأنّه فطحي(٢) ، وحينئذ يبقى الكلام في ترجيح قول النجاشي على كلام الكشي لما يعلم من شأن النجاشي ( في كتابه وزيادة تثبّته )(٣) .

وما يوجد في كلام جماعة من الأصحاب أنّ الترجيح هنا لا حاجة إليه ، لإمكان الجمع بين الثقة وكونه فطحيا ، محل بحث لما ذكرناه ، والأمر هنا سهل ، لضعف الخبر بغيره أو عدم صحته.

والثاني : فيه شاذان بن الخليل ، وهو مذكور في رجال الجوادعليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً(٤) .

المتن :

في الخبرين لا يخلو من إجمال ، أمّا الأوّل : فلأنّ دخول وقت الصلاة يحتمل(٥) أن يراد به المختص أو المشترك أو هما ، وقد تقدّم في خبر الفضل بن يونس أن المرأة إذا رأت الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض الظهر ، لأن وقت الظهر دخل عليها وهي طاهرة وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهرة‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ١٥١ / ٦٩.

(٢) الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٥ و ١٥٤ / ٦٨٤.

(٣) في « فض » : في كفاية زيادة تثبته.

(٤) رجال الطوسي : ٤٠٢ / ١.

(٥) ليست في « فض ».

٣٩٩

فضيّعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها(١) .

والمستفاد من الرواية أنّه إذا لم يمض مقدار أربعة أقدام ورأت الدم لا يجب عليها قضاء الظهر ، والأربعة أقدام ليست وقت الظهر المختص دائماً ، ولا المشترك على الإطلاق ، وحينئذ بتقدير العمل بالخبرين لا بدّ من تقييد أحدهما بالآخر ، ولا أدري الوجه في عدم تعرض الشيخ لذلك مع كونه مهماً بالنسبة إليه.

ثم إنّ خبر الفضل تضمن أنّ موجب القضاء كون المرأة ضيّعت ، والتضييع محتمل لأن يراد به عدم فعل الصلاة بمجرّده ، ويحتمل أن يراد به التخصيص بصورة التمكن من الشروط والأفعال المعتبرة ، إلاّ أنّ الأوّل له ظهور من الرواية.

والثاني فيه إطلاق من حيث إنّ قوله : بعد ما تزول الشمس. يتناول مضي أربعة أقدام وعدمه ، فالتقييد بالخبر السابق كالأول لا بدّ منه.

وربما يستفاد من حديث الفضل خروج وقت الظهر بالأربعة أقدام. واحتمال الاختصاص بالحائض ممكن ، إلاّ أنّ الشيخ قائل في بعض كتبه : بأنّ وقت الظهر يخرج بالأربعة أقدام لغير المضطرّ. لكن دليله محل كلام ، وسيأتي إن شاء الله تعالى إمكان حمل ما دل على خروج الوقت بذلك على تقدير سلامة سنده على خروج الفضيلة في الجملة.

وأمّا في خصوص الرواية المبحوث عنها فالأمر مشكل ، غير أنّ عدم الصحة يخفّف الإشكال ، وعلى تقدير الصحة يمكن القول بالاختصاص بموردها.

__________________

(١) في ص ٣٥٤ ٣٥٥.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469