إستقصاء الإعتبار الجزء ٣

إستقصاء الإعتبار12%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-175-3
الصفحات: 483

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 483 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39836 / تحميل: 5663
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٥-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عِدّتهُم:

المسلمون في المدينة كانوا بدرجة من الضّعف والفاقة لا يتصورها إنسان؛ والسّبب في ذلك أزمة المهاجرين الّذين خرجوا من مكّة فراراً بدينهم وعقيدتهم نتيجة الاضطهاد الشّرْكي، تاركين أموالهم وبيوتهم. فلمّا توافدوا على المدينة شاطرهم الأنصار بأموالهم وبيوتهم. ولهذا السّبب ضُربت الفاقة على الجميع. إذاً فلم تكن لديهم العُدّة الكافية للوقوف بوجه الأعداء؛ ولهذا كانت عُدّتهم من المؤن والعتاد الحربي قليلة جداً، فإنّهم لا يملكون من وسائل النّقل أكثر من سبعين(70) بعيراً؛ عشرون منها زوّدهم بها سعد بن عبادة، وثلاثة من الخيل، قال الواقدي(1) :

فراح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيوت السّقا لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وخرج المسلمون معه ثلاثمائة وخمسة (305)؛ فكانت الإبل سبعين (70) بعيراً، وكانوا يتعاقبون الإبل الاثنين والثلاثة والأربعة، فكان

____________________

(1) المغازي، الواقدي، ص151.

٢١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومرثد بن أبي مرثد، يتعاقبون بعيراً واحداً مساوياً لجميع المسلمين(1) .

فقال عليّعليه‌السلام ومُرثد: «يا رسول الله نحن نمشي عنك».

فأجابهما النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:

«ما أنتما بأقوى منّي، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما».

فلمّا نظر الرّسول القائد إلى أصحابه، وهم يتعاقبون ركوباً وسيراً على الأقدام، توجّه إلى السّماء قائلاً:

«اللّهمّ إنّهم حُفاةٌ فاحملهم، وعراة فاكسهِم وجياعٌ فأشبعهم، وعالةٌ فاغنِهم من فضلك».

فاستجاب الله دعاءه، فما رجع أحد من أصحابه بعد انتهاء الحرب يريد أنْ يركب، إلاّ وجد ظهراً للرّجل البعير والبعيران، واكتسى من كان عارياً، وأصابوا

____________________

(1) شرح النّهج، ابن ابي الحديد، ص88 - 89.

٢٢

طعاماً من ازوادهم، وأصابوا فداء الأسرى، فأغنى كلَّ عائل(1) .

ب- قُوَّة الشِّرك :

القوّة الّتي استنفرتها قريش كانت تستهدف عدة أغراض؛ وهي مايلي:

1 - حماية القافلة الّتي كانت أكبر قافلة تجاريّة لقريش؛ وتعدُّ بحمولة ألف بعير.

2 - تأديب المسلمين واستئصال جذورهم، حتّى لا تقوم لهم قائمة، كما صرّح أبو جهل قائد المشركين، بقوله:

أيظنُّ محمد أنْ يصيب منّا ما أصاب بنخلة وأصحابه، سيعلم أَنمنع عيرنا أم لا!(2) .

3 - إبراز العضلات أمام القبائل العربيّة الأخرى، لتخويفها

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد، ص88 - 89.

(2) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،14، ص103.

٢٣

وفرض هيبة قريش عليها، لا سيما بعدما تعرّض المسلمون لقوافلها، كما صرّح أبو جهل بذلك حينما سلمت القافلة من الخطر وطُلب إليه الرجوع، قال:

والله لا نرجع حتّى نرد بدراً، فنقيم عَليه ثلاثاً، فننحر الجزر، ونطعم الطّعام، ونُسقي الخمر، وتُعزف علينا القيان، وتسمع بنا العربُ وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها، فامضوا(1) .

ولهذا بَذلتْ أقصى الجهد، في تجميع أكبر عدد ممكن في حملتها هذه؛ فكانت القوّة الّتي أرسلتْها تقدّر بألف فارس؛ بكامل عدتها وعتادها

عَددهَا وعِتادها :

وأخذت تستعد لهذه الحرب أياماً تعدُّ العدّة والسّلاح

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج3، ص270.

٢٤

وتحضُّ على جمع التّبرعات لشراء الأسلحة والذّخيرة الحربيّة، ذكر ابن أبي الحديد:

فأقامت قريش ثلاثاً تتجهّز، وأخرجت أسلحتها واشتروا سلاحاً، وأعان قويّهم ضعيفهم، وقام سهيل بن عمرو في رجال من قريش، فقال: يا معشر قريش، هذا محمّد والصّباة معه من شبّانكم، وأهل يثرب قد عرضوا لعيركم ولطيمتكم، فمن أراد ظهراً فهذا ظهر، ومن أراد قوّة فهذه قوّة.

وقام زمعة بن الأسود قائلاً:

إنّه، واللّات والعُزّى، ما نزل بكم من أمر أعظم من أنّ طمع محمّد وأهل يثرب أنْ يعرضوا ليعركم فيها خزائنكم، فأوعبوا ولا يتخلّف

٢٥

منكم أحد، ومن كان لا قوّة له فهذه قوّة، والله لئن أصابها محمّد وأصحابه، لا يروعكم منهم إلاّ وقد دخلوا عليكم بيوتكم(1) .

وتكلّم آخرون يحثّون النّاس على التّبرع، ويستنهضونهم على الخروج مع هذه الحملة التّأديبيّة، وأقبلت قريش تجمع التّبرعات، وتعدُّ الجيوش والسّلاح والرّجال، مع كامل عدّتهم وعددهم.

وهكذا تجمَّع ما يقرب من ألف رجل مع سبعمائة (700) بعير، ومن الخيل ما يقارب (100) رأس، فقد ذكر الواقدي:

وكانت الخيل لأهل القوّة منهم، وكان في بني مخزوم منها ثلاثون فرساً، وكانت الإبل سبعمائة بعير، وكان أهل الخيل كلّهم

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد، ص95 و103.

٢٦

دوارع، وكانوا مئة. وكان في الرّجّالة دوارع سوى ذلك(1) .

وبعث أيماء بن رحضة الغفاري إلى قريش حين مرّوا به، ابناً له مع عدّة ذبائح أهداها لهم، قائلاً:

إنْ أحببتم أنْ نمدَّكم بسلاح ورجال فعلنا.

فأرسلوا إليه مع ابنه:

(إنّ وصْلتك رحم، قد قضيتَ الّذي عليك، فلعمري، لئن كنّا إنّما نقاتل النّاس، فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنّا إنّما نقاتل الله، كما يزعم محمّد، فما لأحد بالله من طاقة(2) ).

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ص95 و103.

(2) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص273.

٢٧

أَهدافها :

أراد المسلمون في غزوتهم هذه، أن يستفيدوا منها النّقاط التّاليّة:

1 - أن يستردوا بعض أموالهم؛ الّتي تركوها في هجرتهم من مكّة إلى المدينة المنوّرة؛ لتساعدهم على الضنْك الّذي يعيشونه، ولا يمكن ذلك إلاّ بالتّعرض للقافلة القرشيّة؛ لتكون عوضاً عمّا تركوه في مكّة من أموال.

2 - إضعاف قريش من النّاحية الاقتصاديّة؛ ومن ثمَّ فرض الحصار الاقتصادي عليها، لأنّه لو سيطر المسلمون على القافلة؛ لحلّت بقريش كارثة اقتصاديّة عظيمة ولفقدت جلَّ ما تملُك.

3 - إضعاف معنوية قريش وكسر شوكتها وهيبتها في نفوس القبائل العربيّة الأخرى؛ حتّى يتمكن المسلمون أنْ يتَّصلوا بهذه القبائل وينشروا الإسلام وتعاليمه بين صفوفها.

٢٨

الرّسول( صلّى الله عليه وآله ) يستعدّ لهذه الغزوة :

هذه هي بعض الأهداف المستوحاة من هذه الغزوة، ولهذا لمّا سمع الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، برجوع القافلة من الشّام بقيادة أبي سفيان، ندب إليها المسلمين، قائلاً:

«هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعلّ ينفلكموها»(1) .

فاستجاب المسلمون لنداء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخرج النّبي يوم الاثنين لثمان ليال مضت من شهر رمضان بالعدد المذكور، وتخلّف بعض النّاس؛ وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ الرّسول يلقى حرباً؛ وإنّما هي غزوة تصدٍّ لقافلة لا أكثر، والتّصدّي لا يحتاج إلى كثير رِجال؛ ولهذا تخلّف غالبيّة المسلمين.

القافلةوأخبارها :

القافلة القرشيّة كانت جداً حذرة في سيرها ومسيرها،

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2،ص258.

٢٩

لأنّها تخشى من المسلمين وسيطرتهم عليها، ولهذا نرى قائد القافلة أبا سفيان يسير قبل القافلة بمسافة كبيرة؛ لأجل استخبار الوضع وتحصيل المعلومات عن تحرُّك المسلمين وتواجدهم، فلمّا وصل أبو سفيان ومعه عمرو ابن العاص إلى الزّرقاء، وقيل إلى تبوك، لقيه رجل من جذام، قائلاً:

قد كان عرض محمّد لكم في بدأتكم في أصحابه، فقلنا: ما شعرنا، قال: بلى، فأقام شهراً، ثمَّ رجع إلى يثرب، وأنتم يوم عرض محمّد لكم مُخفّون، فهو.. الآن أحرى أن يعرض لكم؛ إنّما يعُدُّ لكم الأيّام عدّاً، فاحذروا على عيركم، فو الله ما أرى من عدد ولا كراع ولا خلقة(1) .

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،ج14، ص92.

٣٠

ففكَّر أبو سفيان مع جماعته وقرَّ رأيهم؛ أنْ يرسلوا رسولاً إلى قريش يخبرهم بذلك. فبعثوا رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري، وأمروه أنْ يسير بالسّرعة القصوى، فإذا وصل إلى مكّة، أن يدخلها بهيئة مخصوصة ويستغيث بنداء يُثير الهِمم، فلمّا وصلها عمد إلى أنف بعيره فقطعه، وحوَّل رحله، وشق قميصه مِن قبل ودبر، وصرخ مستغيثاً منادياً:

يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمّد في أصحابه، لا أرى إلاّ أنْ تدركوها، الغوث، الغوث(1) .

فعندها تجهَّزت قريش سراعاً، فكانوا بين رجلين: إمّا خارج، وإما باعث مكانه رجلاً. ولم يتخلّف من أشرافها أحدٌ، وخرجوا مسرعين.

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص260.

٣١

أبو سفيان ينجو بقافلته :

ولمّا علم أبو سفيان بخروج محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في المدينة للسيطرة على القافلة، غيّر مسراه؛ وسار في طريق غير مسلوك سيراً لا يهدأ ليلاً ولا نهارا،ً حتّى أفلت من قبضة المسلمين. وأرسل رسولاً إلى قريش يُخبرهم بسلامته وسلامة قافلته، قائلاً:

إنّكم إنّما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجّاها الله، فارجعوا(1) .

الخلافيدبّ بين صفوف قريش :

ولمّا سمعت قريش بنجاة القافلة ووصولها سالمة، اختلفوا فيما بينهم، فبعضهم أراد الرّجوع، وعلى رأسهم الأخنس بن شريق بن عمرو الثّقفي، فإنّه قام خطيباً في بني زُهرة، وكان حليفاً لهم في منطقة الجُحفة، قائلاً:

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص270.

٣٢

يا بني زُهرة، قد نجّى الله لكم أموالكم، وخلّص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل - وكان مع القافلة -، وإنّما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جُبنها وارجعوا، فإنّه لا يصلح لكم بأنْ تخرجوا في غيرة صنيعة؛ أي منفعة، لا ما يقول هذا - ويعني بأبي جهل - فرجعوا فلم يشهدها زهريّ واحد.

ثُمَّ جاء حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة، قائلاً له:

يا أبا الوليد، إنّك كبيرُ قريش وسيِّدُها والمطاع فيها، هل لك أنْ لا تزال تُذكر فيها بخير إلى آخر الدّهر؟

فقال عُتبة:

وما ذاك يا حكيم؟، قال: ترجع

٣٣

بالنّاس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلتَ أنت عليّ بذلك، إنّما هو حليفي فعليَّ عقلهُ وما أُصيب من ماله، فأتِ بن الحنظليّة - ويعني بأبي جهل - فإنّي لا أخشى أنْ يشجر أمر النّاس غيرُه، ثم قام خطيباً، قائلاً:

يا معشر قريش، إنّكم والله ما تصنعون بأنْ تلقوا محمّداً وأصحابه شيئاً، والله لئن أصبتموه لا يزال الرّجلُ ينظر في وجه رجل يكره النّظر إليه، قَتَل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا، وخلّوا بين محمّد وبين سائر العرب، فإنْ أصابوه فذاك الّذي أردتم، وإنْ كان غير

٣٤

ذلك، ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.

أبو جهل رأس المعارضة:

ولمّا انتهى عُتبة من كلامه؛ وكان رجلاً منصفاً، سار حكيم بن حزام إلى أبي جهل، فقال له: يا أبا الحكم، إن عُتبة أرسلني إليك، وسرد عليه ما قاله عُتبة. فانتفخ سحرهُ غاضباً، قائلاً:

(كلا، والله لا نرجع حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، وما بعُتبة ما قال، ولكنّهُ رأى أنّ محمّداً وأصحابه أكلةُ جزور، وفيهم ابنه، فقد تخوّفكم عليه)(1) .

ثُمَّ بعث إلى عامر بن الحضرمي - وكان أخوه قتله المسلمون، فقال له:

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص275.

٣٥

هذا حليفك - يعني عُتبة - يريد أنْ يرجع بالنّاس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك.

فقام أخو القتيل منادياً صارِخاً:

واعمراه.. واعمراه.

فحميت الحرب، وفشلت مساعي السّلم، وأفسد على النّاس الرّأي الّذي دعاهم إليه عُتبة.

عَليٌّ يَرأسُ دَوريّة الاستِطلاع:

فلمّا وصل الرّسول الأعظم إلى قرب بدر، أرسل فرقة استطلاعية يرأسها عليّعليه‌السلام ؛ لاستكشاف الحال وجمع المعلومات عن تحرّكات الأعداء، فسار عليّ بفرقته الاستكشافيّة، حتّى وصل إلى ماء بدر، فظفر برجلين؛ أحدهما اسمه: اسلم، وهو مولى لبني الحجاج، والثّاني اسمه: عريض، أبو يسار، مولى لبني العاص بن سعيد؛ يستقيان الماء

٣٦

لجيش قريش، فأتى بهما مخفورين إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألهما قائلاً:

نحنُ سُقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء.

فقال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«اخبراني عن قريش؟»،

قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الّذي ترى بالعُدْوة القصوى - (وهم العَقَنْقَل) -، فقال لهما الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«كم القوم؟»،

قالا: كثير، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما عددهم؟»، قالا: لا ندري.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كم ينحرون كلَّ يوم؟»،

قالا: يوماً تسعاً، ويوماً عشراً.

٣٧

فقال رسول الله: «القوم فيما بين التّسعمائة والألف».

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟»، قالا:

(عُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختريّ بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنّضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأُميّة بن خلف، ونبيه ومُنبّه ابنا الحجّاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبدود(1) .

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص269.

٣٨

الرّسول يَسَتشيُر أصَحابُه

فلمّا علم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ قريشاً قد أعدّت العُدَّة الكافيّة لمحاربته، والقضاء على دعوته، ولم يكن هو مستعداً لهذا الجيش القادم؛ وإنّما كان استعداده لمقابلة قافلة تجاريّة، تحميها عشرات من الرّجال، كان أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدور بين أنْ يرجع وبين أنْ يقتحم المعركة ويقاتل بجيشه الصّغير عدَّة وعدداً، والكبير روحاً ومعنويّة. فعندها التفت إلى أصحابه ليستخبر نيّاتهم، ويستكشف غاياتهم، وهو في منطقة (وادي ذفران)، قائلاً: «أشيروا عليَّ، هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها».

فقام إليه المقداد بن عمرو (رضوان الله عليه)، قائلاً:

يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى، بل نقول:

اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما

٣٩

مقاتلون، فوالّذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى بَرك الغِماد(1) لجالدنا معك من دونه، حتّى تبلغه(2) .

فدعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيراً، ثم توجّه نحو الأنصار، قائلاً:

«أشيروا عليَّ أيها النّاس».

فأجابه سعد بن معاذ، قائلاً:

والله لكأنَّك تريدُنا يا رسول الله؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أجل!»، قال سعد: (فقد آمنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أنْ ماجئت به هو الحق،

____________________

(1) بَرك الغِماد: موضع بناحية اليمن، ويضرب به المثل لبُعده.

(2) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص266 و267.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الثوب إذا اصابه البول وكذلك رواية سماعة ، ورواية الحلبي شاملة للثوب وغيره ، ورواية السكوني تضمنت نفي الغَسل عن الثوب.

فلو نظرنا الى ظاهر ما ذكره الشيخ وغيره من الفرق بين الصب والغَسل يحتاج في رواية الحلبي إلى أنّ نبيّن الوجه في المغايرة ، وهي بما ذكر من العصر وعدمه منتفية في البدن ، فإمّا أنّ يقال : إنّ الغَسل يحتاج إلى كثرة الماء بخلاف الصبّ ، أو نقول بالدلك(١) ، كما ذكره العلاّمة في النهاية والتحرير(٢) .

إلاّ أنّ دليله على الدلك مدخول ، فإنّه استدل برواية عمار الساباطي الواردة في الإناء الذي يشرب فيه الخمر ، فإنّهعليه‌السلام قال : « لا يجزؤه الصب حتى يدلكه »(٣) .

ووجه الدخل أنّ في الرواية احتمال كون الدلك لذهاب أجزاء(٤) الخمر ، ولو فرض في البول وجود أجزاء أمكن القول به ، لا مطلقاً.

وفي رواية الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن البول يُصيب الجسد؟ قال : « صبّ عليه الماء مرّتين »(٥) ومثلها رواية لأبي إسحاق النحوي(٦) .

وأنت خبير بأنّ الظاهر من الروايتين الاكتفاء بالصبّ في البدن ، فالفرق المحتمل غير واضح.

__________________

(١) في « فض » : لدلك.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٧٨ ، تحرير الأحكام ١ : ٢٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(٤) في « رض » : آخر.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥ / ١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

(٦) التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٣.

١٦١

والمحققرحمه‌الله جعل غَسل الثوب من البول مرّتين غَسلاً ، وفي البدن صبّاً ، وجعل وجه الفرق أنّ الغَسل يتضمن العصر والصب لا عصر معه ، قال : وأمّا الفرق بين الثوب والبدن فلأنّ البول يلاقي ظاهر البدن ، ولا يرسب فيه ، فيكفي صبّ الماء ؛ لأنّه يزيل ما على ظاهره ، وليس كذلك الثوب ، لأنّ النجاسة ترسخ فيه فلا تزول إلاّ بالعصر(١) .

وأنت خبير بأنّ للمناقشة فيه مجالاً ، وما قاله من المرّتين في الثوب هو المشهور في غير بول الرضيع(٢) ، بل ظاهر كلامه في المعتبر أنّه لا خلاف فيه(٣) ، وقد صرح الشهيد في البيان بأنّ الخلاف متحقق بين الأصحاب فاكتفى بعض بالمرّة(٤) .

وبالجملة فالإشكال في تحقق الفرق بين الصبّ والغَسل واقع ، والله تعالى أعلم بالحال.

الثاني : ظاهر رواية سماعة لزوم غسل الثوب كله إذا لم يجد مكانه ، وغير خفيّ أنّ الحكم مقيّد بما إذا لم يُعلم انتفاء النجاسة في جانب.

وقوله : فإن لم أجد مكانه ، معلوم أنّ المراد به العلم بالإصابة مع جهل المكان ، والخبر وإنّ لم يكن معتبراً إلاّ أنّ الشيخ في التهذيب روى بطريق حسن في باب تطهير الثياب ما يدل على مضمونه في المني ، ونحو ذلك أخبار صحاح(٥) .

والمحقق في المعتبر استدل على الحكم حيث إنّ ظاهر الأخبار‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٢) انظر الحبل المتين : ٩٥.

(٣) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٤) البيان : ٩٣.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥١ ، ٢٥٢.

١٦٢

غَسل ما يقع فيه الاشتباه بأنّ النجاسة موجودة على اليقين ، ولا يحصل اليقين بزوالها إلاّ بغَسل جميع ما وقع فيه الاشتباه(١) .

واعترض عليه بأنّ يقين(٢) النجاسة يرتفع بغَسل جزء ممّا وقع فيه الاشتباه وإنّ لم يحصل القطع بغَسل ذلك المحل بعينه(٣) .

وفي نظري القاصر أنّ هذا الاعتراض لا وجه له بعد ورود معتبر الأخبار بغَسل الثوب كله ، وقد أوضحت الحال في حاشية التهذيب بما حاصله : أنّا نمنع ارتفاع يقين(٤) النجاسة بما ذكر ، لأنّه لا معنى للنجاسة إلاّ المنع من العبادة بسبب وصول العين النجسة(٥) إلى الثوب على وجه خاص ، فزوال المنع يتوقف على إباحة الشارع ما منع منه ، ولم يعلم إلاّ بغَسله كلّه ، وعدم يقين بقاء العين بعد غَسل جزء لا يستلزم زوال المنع.

فإنّ قلت : الدليل الدال على أنّ النجاسة لا بدّ فيها من العلم موجود وبتقدير غَسل الجزء يزول اليقين(٦) ، فيزول المنع.

قلت : قد تقدم منّا جواب هذا بما يغني عن الإعادة تفصيلاً ، والإجمال أنّ يقين(٧) النجاسة لا يرفعه إلاّ ما أعدّه الشارع ، والمعدّ هنا غَسل ما يحصل فيه الاشتباه ، وحصول النجاسة حينئذ بالظن لا يضرّ ، لأنّ الممنوع منه على ما يستفاد من الأدلة عدم الاعتبار بظن النجاسة ابتداءً ، وبالجملة‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٨.

(٢) في « فض » و « رض » : تعين.

(٣) كما في المدارك ٢ : ٣٣٤.

(٤) في « فض » و « رض » : تعين.

(٥) في « فض » : النجاسة.

(٦) في « فض » : التعين.

(٧) في « فض » « رض » : تعين.

١٦٣

لا تعارض بين ما دل على العلم وبين ما نحن فيه.

فإنّ قلت : مقتضى الرواية المروية(١) في التهذيب(٢) أنّ غَسل الثوب كله أحسن ، والمطلوب وجوب الغَسل لا حسنة ، إذ الأكملية لا ريب فيها.

قلت : الأمر كما ذكرت إلاّ أنّ غيره من الأخبار أصرح منه ، وإنّ أردت تحقيق الحال فارجع إلى ما ذكرناه ثَمّ.

الثالث : ربما يستفاد من خبر الحسين بن أبي العلاء أنّ العصر لكون البول استنقع في الثوب كما يشعر به قوله : الصبي يبول على الثوب. وقد ذكر الشهيدرحمه‌الله في الذكرى : أنّ العلّة في العصر وجوب إخراج النجاسة(٣) . لكن لا يخفى أنّ الوجه المذكور يقتضي عدم لزوم العصر إذا علم انتفاء دخول شي‌ء من النجاسة في بطن الثوب ، والمدعى الوجوب مطلقاً ، والخبر المذكور لا يصلح للاعتماد عليه في إثبات الحكم ؛ لوجوه : أظهرها أنّ إطلاق الصب في الأخبار موجود مع قيام احتمال دخول النجاسة.

وما ذكره العلاّمة في التذكرة والنهاية(٤) : من أنّ وجه العصر نجاسة الغُسالة. ففيه : أنّ نجاسة الغسالة لا تختص بنجاسة دون نجاسة فيبقى العصر في نجاسة البول مطلقاً. ولا يقول به.

أمّا ما اعترض عليه به من أنّ اللازم من التوجيه الاكتفاء بما يحصل به الإزالة وإنّ كان بمجرّد الجفاف ، فلا يتعين العصر(٥) . ففيه نظر ؛ لأنّ الظن‌

__________________

(١) لفظة : المروية ، ليست في « رض ».

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٤.

(٣) الذكرى : ١٤.

(٤) التذكرة ١ : ٨٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٧٧.

(٥) كما في المدارك ٢ : ٣٢٦.

١٦٤

حاصل بانفصال النجاسة مع العصر دون الجفاف.

وما ذكره شيخناقدس‌سره : من أنّ هذا يعني الظن المذكور مجرّد دعوى خلية عن الدليل(١) . محل بحث.

نعم الأولى أنّ يقال : إنّ نجاسة الغُسالة على تقدير القول بها بعد الانفصال سواء كان بالعصر أو غيره ، فما يتخلف في الثوب لا يحكم بنجاسته كما تدل عليه الأدلة العامة المنبئة عن طهارته بالغَسل بصبّ الماء على المحل ، إلاّ أنّ في ثبوت ما يصلح للاستدلال بالاكتفاء بالصبّ على الإطلاق تأمّلاً ، فلا ينبغي الغفلة عن هذا كلّه.

اللغة :

قال في القاموس : عَصَرَ العِنَبَ ونحوَه يَعْصِرُه فهو مَعْصورٌ وعَصير ، واعْتَصَرَهُ اسْتَخْرَجَ ما فيه(٢) .

وعرّفه جدّيقدس‌سره بأنّه كبس الثوب بالمعتاد لإخراج الماء المغسول به(٣) . وأنت خبير بالمغايرة بين المعنى اللغوي والتفسير المذكور ، فتدبّر.

قوله :

باب المذي يصيب الثوب والجسد.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسن بن سعيد ، عن ابن أبي‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٢٦.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٩٣ ( العصر ).

(٣) الروضة البهية ١ : ٦١.

١٦٥

عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « ليس في المذي من الشهوة ، ولا من الإنعاظ ، ولا من القُبلة ، ولا من مسّ الفرج ، ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المذي يصيب الثوب؟ قال : « إن عرفت مكانه فاغسله وإنّ خفي مكانه عليك فاغسل الثوب كله ».

عنه ، عن علي ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المذي يصيب الثوب فيلتزق به؟ قال : « يغسله ولا يتوضّأ ».

فالوجه في قوله : « يغسله » ضرب من الاستحباب ، وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الباب في الكتاب الكبير ، وفيما ذكرناه ها هنا وفيما تقدم من الكتاب كفاية إنّ شاء الله ، وقد روى هذا الراوي بعينه ما ذكرناه.

روى أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المذي يصيب الثوب؟ قال : « لا بأس به » فلما رددنا عليه قال : « ينضحه ».

السند :

في الأوّل معروف الحال ممّا تقدم(١) ، ومال بعض مشايخنا إلى عدّه من الصحيح(٢) ، وإنّ لم نقل بقبول مراسيل ابن أبي عمير ؛ لأنّ قوله : عن‌

__________________

(١) راجع ص ٥٤٣.

(٢) كصاحب المدارك ١ : ١٥٢.

١٦٦

غير واحد ، يفيد ذلك. ولا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ غير الواحد إذا لم يحصل فيهم الوصف المعتبر في القبول لا يفيد.

وكذلك حال الثاني ، غير أنّ علي بن الحكم قد أسلفنا أنّ الراوي عنه إذا كان أحمد بن محمد بن عيسى فهو الثقة(١) بتقدير الاشتراك.

ومرادنا بتقدير الاشتراك أنّ احتمال الاتحاد له نوع وجه ؛ لأنّ علي بن الحكم الكوفي الثقة ذكره الشيخ في الفهرست(٢) ، والنجاشي ذكر علي بن الحكم بن الزبير النخعي غير موثق(٣) . والكشي ذكر علي بن الحكم الأنباري(٤) ، فالعلاّمة ظن التعدد(٥) وكذلك ابن داود(٦) .

وربما كان الوجه في ذلك أنّ الكشي نقل عن حمدويه ، عن محمد بن عيسى : أنّ علي بن الحكم هو ابن أخت داود بن النعمان بيّاع الأنماط ، وهو نسيب بني الزبير الصيارفة ، وعلي بن الحكم تلميذ ابن أبي عمير(٧) . ولا يبعد أنّ يكون الضمير في « وهو نسيب بني الزبير » عائداً إلى داود بن النعمان كما ينبه عليه ذكر علي بن الحكم ثانياً ، فلا يتوهم التعدد.

وممّا يؤيّد عدم التعدد أنّ الشيخ ذكر الكوفي خاصّة ، والنجاشي النخعي خاصّة ، والكشي الأنباري خاصّة ، ولا مانع من اتصاف الرجل الواحد بأوصاف ، غير أنّ مجال الاحتمال واسع ، أمّا ما اتفق للعلاّمة وابن‌

__________________

(١) راجع ص ٨٤٧.

(٢) الفهرست : ٨٧ / ٣٦٦.

(٣) رجال النجاشي : ٢٧٤ / ٧١٨.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٨٤٠ / ١٠٧٩.

(٥) خلاصة العلاّمة : ٩٣ / ١٤ و ٩٨ / ٣٣.

(٦) رجال ابن داود : ١٣٨ / ١٠٤٤ ١٠٤٦.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٨٤٠ / ١٠٧٩.

١٦٧

داود من الاختلاف فأمره سهل كما لا يخفى.

والثالث كالثاني.

والرابع ليس فيه إلاّ الحسين بن أبي العلاء ممّا يوجب التوقف في الصحة على ما قدّمناه(١) .

المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة على طهارة المذي سواء حصل من الشهوة أو الإنعاظ أو القُبلة أو المسّ أو المضاجعة ، بقرينة قولهعليه‌السلام أخيراً : « ولا يغسل منه الثوب » وقد قدّمنا النقل عن العلاّمة في ما سبق أنّه استدل بهذا الخبر على نفي الوضوء بمسّ الفرج(٢) ، وبيّنا ما ذكرناه هنا.

والعجب من بعض المحقّقين سلّمه الله أنّه قال : قولهعليه‌السلام : « ولا من الإنعاظ » إمّا معطوف على قوله : « من الشهوة » أو على قوله : « في المذي » وعلى الأوّل يكون الكلام مقصوراً على ذكر عدم النقض بالمذي وحده سواء كان من الشهوة أو من الإنعاظ أو ما عطف عليه ، وعلى الثاني يكون الغرض عدم النقض بشي‌ء من الأُمور الخمسة ، قال ـ سلّمه الله ـ : وبهذا يظهر عدم صلاحيته للاستدلال على عدم النقض بمسّ الفرج ، فاستدلال العلاّمة وغيره على ذلك محل كلام(٣) ، انتهى.

وأنت خبير بأنّ ما ذكرناه من دلالة آخر الحديث لا ارتياب فيها واحتمال غيره خلاف الظاهر ، بل خلاف الصريح ، على أنّ العطف على‌

__________________

(١) في ص ١٥٠.

(٢) راجع ص ٣٩٤ ٣٩٩.

(٣) البهائي في الحبل المتين : ٣١.

١٦٨

قوله : « في المذي » يوجب سماجة(١) اللفظ كما هو واضح.

والخبر الثاني والثالث نقل العلاّمة في المختلف عن ابن الجنيد أنّه احتج بهما على نجاسة المذي بعد أن نقل عنه أنّه قال : ما كان من المذي ناقضاً لطهارة الإنسان غُسل منه الثوب والجسد ، ولو غُسل من جميعه كان أحوط(٢) . قال العلاّمة : وجَعَل المذي الناقض ما خرج عقيب شهوة لا ما كان )(٣) من الخلقة.

وأجاب العلاّمة عن الحديثين بالمنع من صحة السند أوّلاً ، وبالحمل على الاستحباب ثانياً.

وزاد في الحجّة أيضاً أنّ المذي خارج من أحد السبيلين فكان نجساً كالبول. وأجاب بما هذا لفظه : الجواب عن القياس بالفرق بما افترق به الأصل والفرع وإلاّ لاتّحدا وهو ينافي القياس ، على أنّ القياس عندنا باطل(٤) .

واعترض الوالدقدس‌سره على الحجّة بالخبرين أنّهما لا يناسبان قول ابن الجنيد ؛ لأنّه خصّ بالناقض ، وجعل الغَسل من الجميع أحوط ، قالقدس‌سره : وهذا يعني تخصيص قول ابن الجنيد وإنّ كان في موضع النظر من حيث إنّ المعروف من المذي ما كان عقيب الشهوة ، وقد فسّر به الناقض الذي جعله مناطاً لوجوب الغَسل ، إلاّ أنّه بعد فرضه صدق الاسم عليه وعلى غيره لا يناسبه التمسك بالحديثين ، قالقدس‌سره : وأمّا القياس على‌

__________________

(١) سَمج كَكَرُمَ سَماجَة قبُحَ ، القاموس المحيط ١ : ٢٠١ ( سمج ).

(٢) المختلف ١ : ٣٠٤.

(٣) بدل ما بين القوسين في « د » : إلاّ ما كان ، وفي « رض » : لا ما خرج.

(٤) المختلف ١ : ٣٠٥.

١٦٩

البول فلأنه يقتضي نجاسة الجميع والتفصيل ينافيه.(١) . انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ لابن الجنيد أنّ يقول في دفع الاعتراض : أما الأوّل فبأنّ ما دل على النقض تضمن التخصيص بما كان عن شهوة ، وهو خبر علي بن يقطين المعدود في الصحيح حيث قالعليه‌السلام فيه عن المذي : « إنّ كان عن شهوة نقض »(٢) .

والمناقشة بأنّ المعروف في المذي ما كان عقيب الشهوة ، يدفعها الخبر المبحوث عنه فإنّه ذكر المذي من الشهوة وغيرها ، وفي خبر لعلي بن يقطين أنّ المذي من شهوة وغير شهوة منه الوضوء(٣) . وهذا وإنّ كان مخالفاً لقول ابن الجنيد ، إلاّ أنّه يدفع المناقشة ، ولابن الجنيد أنّ يوجّه ذلك ، وإن كان الحق اندفاع ما قاله من النقض بما ذكرناه في موضعه ، غاية الأمر أنّ ما ذكره الوالدقدس‌سره لا يخلو من غرابة.

ثم الاعتراض بعدم دلالة الخبرين على التفصيل له وجه إلاّ أنّ النظر الى الأخبار الدالة على النقض والدالة على الغَسل يوجب التقييد ، والاكتفاء بالإجمال اعتماداً على الظهور غير عزيز الوجود ، ومثل هذا القياس على البول.

وقد أجاب العلاّمة بضعف الخبرين(٤) ، إمّا للحسين بن أبي العلاء ، أو لاشتراك علي بن الحكم على ما ظنه ، فلا صراحة في كلامه على عدم توثيق الحسين بن أبي العلاء.

__________________

(١) معالم الفقه : ٢١٠.

(٢) التهذيب ١ : ١٩ / ٤٥ ، الوسائل ١ : ٢٧٩ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١١.

(٣) التهذيب ١ : ٢١ / ٥٣ ، الإستبصار ١ : ٩٥ / ٣٠٦ ، الوسائل ١ : ٢٨١ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ١٦ ، وفي الجميع : يعقوب بن يقطين بدل علي بن يقطين.

(٤) راجع ص ٨٥٣.

١٧٠

وقد اعترض الوالدقدس‌سره على جواب العلاّمة عن الحجّة الأُخرى بأنّ محاولته إبداء الفارق يشعر بكونه جواباً على طريق التنزل والتسليم ، لا سيما بقرينة قوله : على أنّ القياس. فإنّه ارتقاء من الأدنى يعني تجويز القياس إلى منع العمل ، به واعتبار الفرق الذي ذكره يقتضي نفي القياس رأساً ؛ إذ ما من قياس إلاّ يتأتّى فيه هذا الفرق ، ولو حمل على جعله وجهاً لإبطال أصل القياس لم يبق لقوله « على » معنىً ، هذا(١) . انتهى ملخصاً.

ولا يخفى وجاهته ، غير ان في نظري القاصر يمكن تكلّف الجواب بأنّ مراده أوّلاً بيان بطلان القياس على مذهب الخصم ، فلو رام دفع الجواب بأنّ الفرق بين الفرع والأصل لا يقتضي عدم صحة القياس يقال : إنّه عندنا باطل بالإجماع ، ويكون لفظة : عندنا ، دالاًّ على الإجماع ، والترقي من الأدنى إلى الأعلى ممكن بأنّ يقال : إنّ المراد ابطال القياس بوجهين : أدنى ، وهو لزوم عدم الفرق ، وأعلى وهو الإجماع ، ووجه كون الأوّل أدنى إمكان الدخل فيه بخلاف الثاني.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة قال في الاحتجاج للطهارة : لنا : الإجماع من الإمامية على طهارته ، وخلاف ابن الجنيد غير معتدٍّ به ، فإنّ الشيخرحمه‌الله لمّا ذكره في الفهرست وأثنى عليه قال : إلاّ أنّ أصحابنا تركوا خلافه لأنّه كان يقول بالقياس(٢) . انتهى.

ولقائل أنّ يقول : العجب منهرحمه‌الله أوّلاً : أنّ الإجماع لا يشترط فيه جميع الأعصار ليحتاج إلى الطعن في ابن الجنيد ، وثانياً : أنّه لو كان معتمداً لما ضرّ على تقدير اعتبار الجميع لمعلومية النسب ، وثالثاً أنّه في إيضاح‌

__________________

(١) معلم الفقه : ٢١١.

(٢) المختلف ١ : ٣٠٤ ، وهو في الفهرست : ١٣٤ / ٥٩٠.

١٧١

الاشتباه قال في ترجمة ابن الجنيد ما هذا لفظه ـ بعد نقل كلام لصفي الدين ابن معد يتضمن المدح لبعض مصنفات ابن الجنيد ـ : وأقول : وقع إليّ من مصنفات الشيخ المعظم الشأن كتاب الأحمدي في الفقه المحمدي ، وهو مختصر هذا الكتاب ، جيّد ، يدل على فضل هذا الرجل وكماله وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره ، وأنا ذكرت خلافه وأقواله في كتاب مختلف الشيعة(١) . انتهى.

وأنت خبير بأنّ هذا الكلام مناف لما قاله في المختلف.

وربما يمكن الجواب عن الأوّل : بأنّ الإجماع وإن لم يعتبر فيه جميع الأعصار إلاّ أنّه إذا اتفقت فيه جميع الأعصار كان أولى بالاستدلال.

وعن الثاني : بأنّ معلومية النسب وإن كانت غير قادحة في الإجماع عنده إلاّ أنّه إذا انضمّ إليها ما يزيد الدليل قوة كان أحرى بالقبول ، على أنّ في عدم القدح بالمعلوم نوع كلام ، لاحتمال وجود المشارك كما ذكره بعض مشايخنا(٢) ، وإن كان فيه نظر ؛ لأنّ المفروض انحصار المخالف في المعلوم ، والاحتمال البعيد لا يقدح ، غير أنّ تحقق الإجماع الحقيقي على تقدير الإمكان في بعض الأزمان في غاية البعد ، هذا.

وما ذكره الشيخ من الحمل على الاستحباب ظاهر الوجاهة ، وقد يحتمل التقية لولا نفي الوضوء في الخبر الثالث.

بقي فيه شي‌ء وهو أنّ قوله : قال : « ينضحه » كما يحتمل أنّ يكون من الإمامعليه‌السلام حين ردّد عليه الحسين أبي العلاء يحتمل أنّ يكون من الحسين والرادّ عليه علي بن الحكم ، ووجه الرّد أنّهم رووا عنه أنّه سمع‌

__________________

(١) إيضاح الاشتباه : ٢٩١.

(٢) لم نعثر عليه في المدارك والحبل المتين.

١٧٢

خلاف ذلك ، فقال عوض لا بأس به » « ينضحه » لكن لا يخفى بُعد هذا ، فتأمّل.

اللغة :

قد قدّمنا تفسير المذي عن بعض(١) ، والإنعاظ قال في القاموس : إنّه قيام الذكر(٢) . وفيه أيضاً : نضح البيت ينضحه : رشّه(٣) .

قوله :

باب المقدار الذي يجب إزالته من الدم وما لا يجب

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : « إنّ رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، فإنّ لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم [ وإنّ كان أقل(٤) ] من ذلك فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره ، فاذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم وضيّعت غَسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه ».

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ،

__________________

(١) راجع ص ٨٥٣.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٤١٤ ( نعظ ).

(٣) القاموس المحيط ١ : ٢٦٢ ( نضح ).

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٧٥ / ٦٠٩.

١٧٣

عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسين بن الحسن ، عن جعفر بن بشير ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام (١) قال في الدم يكون في الثوب : « إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة ».

وأخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار(٢) ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول في دم البراغيث؟ قال : « ليس به بأس » قال ، قلت : إنّه يكثر ، قال : « وإن كثر » قال : قلت : فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى(٣) أن يغسله فيصلّي ثم يذكر بعد ما صلّى أيعيد صلاته؟ قال : « يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة ».

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن ابي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّهما قالا : « لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقاً شبه النضح ، فإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم ».

__________________

(١) في « د » : أبي عبد اللهعليه‌السلام .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ زيادة : عن أحمد بن محمد.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ : فنسي.

١٧٤

السند‌ :

في الأوّل : لا ارتياب فيه على ما قدّمناه ، وحمّاد هو ابن عيسى كما صرّح به الصدوق في الفقيه حيث قال في إسناده إلى وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام لابنه محمد بن الحنفية : عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، ويغلط أكثر الناس فيجعلون مكان حماد بن عيسى : حمّاد بن عثمان ، وإبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان(١) . والعلاّمة في الخلاصة ذكر ذلك تبعاً(٢) . وما قد يظن من ( إمكان ذلك للتصريح في )(٣) كتب الرجال حيث ذكر إبراهيم وحمّاد بن عثمان في أصحاب الرضا(٤) ، يدفعه أنّ اللقاء أمر آخر كما لا يخفى.

والثاني : فيه الحسين بن الحسن على ما وقفت عليه من النسخ ، ولا يبعد كونه ابن أبان ، وقد أسلفنا بيان حاله(٥) .

وفي فوائد شيخنا المحقق أيّده الله على الكتاب ما هذا لفظه : قيل : لعلّ الصواب : الحسن بن الحسين ، وهو اللؤلؤي ؛ لما تقدم في باب من دخل في الصلاة بتيمم من رواية محمد بن علي بن محبوب ، عنه ، عن جعفر بن بشير. وفيه نظر ، وكأنّ الحسين هو ابن الحسن بن أبان والحديث صحيح ، أو هو ابن الحسن الفارسي المذكور مهملاً. انتهى كلامه أيّده الله.

وكأنّ وجه النظر أنّه لا يلزم من تلك الرواية كونه مطّرداً ، وهو كذلك ،

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١٢٥.

(٢) الخلاصة : ٥٦ / ٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٤) راجع رجال الطوسي : ٣٦٩ / ٣٠ و ٣٧١ / ١.

(٥) في ص ٢٧.

١٧٥

إلاّ أنّ الظن يقرب إلى ترجيح ما ذكره القائل لولا اتفاق النسخ ، وبالجملة فللكلام مجال في صحة الحديث بالنسبة إلى الرجل المبحوث عنه بعد وجود من ذكر مهملاً.

وأمّا إسماعيل الجعفي فهو وإنّ كان مشتركاً بين ابن جابر وبين ابن عبد الرحمن المذكور في رجال الباقر والصادقعليهما‌السلام من كتاب الشيخ : إنّه كان فقيهاً(١) . إلاّ أنّ الظاهر كونه ابن جابر وقد وقع فيه نوع اضطراب ؛ لأن النجاشي ذكره من غير توثيق(٢) ، والعلاّمة وثّقه(٣) .

والذي وجدناه في كتاب الشيخ من رجال الباقرعليه‌السلام إسماعيل بن جابر الخثعمي وقال إنّه ثقة ممدوح(٤) . والعلاّمة قال بعد لفظ ثقة : ممدوح ، وهو قرينة على أنّ الأخذ من كلام الشيخ ، فيكون الخثعمي في النسخ ، وممّا يؤيّد ذلك أنّ النجاشي قال في : إنّه روى حديث الأذان(٥) ، والحديث في كتابي(٦) الشيخ بلفظ الجُعفي.

وفي رجال الصادقعليه‌السلام من كتاب الشيخ : الخثعمي أيضاً من غير توثيق(٧) .

والثالث : فيه أنّ الصواب رواية الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٠٤ / ١٥ و ١٤٧ / ٨٤.

(٢) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٣) خلاصة العلاّمة : ٨ / ٢.

(٤) رجال الطوسي : ١٠٥ / ١٨.

(٥) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٦) في « د » و « رض » : كتاب. والحديث موجود في التهذيب ٢ : ٥٩ / ٢٠٨ ، والاستبصار ١ : ٣٠٥ / ١١٣٢.

(٧) رجال الطوسي : ١٤٧ / ٩٣.

١٧٦

علي بن الحكم ، كما في التهذيب(١) . وزياد بن أبي الحلال وعبد الله حالهما في الجلالة غني عن المقال.

والرابع : ضعيف بعلي بن حديد والإرسال ، وأبو جعفر هو أحمد بن محمد بن عيسى على ما ذكره العلاّمة في الخلاصة(٢) ، والاعتبار يساعده ، إلاّ أنّا قدّمنا ما يوجب نوع ريب في ذلك ، وأمره سهل(٣) .

والعجب من العلاّمةرحمه‌الله في الخلاصة أنّه قال في ترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي الذي أشرنا إلى احتماله سابقاً ما هذا لفظه : إسماعيل ابن عبد الرحمن الجُعفي الكوفي تابعي من أصحاب أبي عبد الله الصادق سمع من أبي الطفيل مات في حياة أبي عبد اللهعليه‌السلام وكان فقيهاً وروى عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، ونقل ابن عقدة أنّ الصادقعليه‌السلام ترحّم عليه ، وحكي عن ابن نمير أنّه قال : إنّه ثقة ، وبالجملة إنّ حديثه اعتمد عليه(٤) . انتهى.

وأنت خبير بأنّ ما ذكره لا يصلح للاعتماد إلاّ أن يكون له وجه آخر مخفي ، ومثل هذا يوجب التعجب.

المتن :

في الأوّل : يدل صدره على أنّ الدم إذا رئي في الثوب في أثناء الصلاة وكان على المصلّي ثوب غير الذي فيه الدم فليطرح الثوب وليصلّ ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ١.

(٢) الخلاصة : ٢٧١.

(٣) في « د » زيادة : حاصل ما ذكرناه أنّ العلاّمة في فوائد الخلاصة جزم بأنّ ما يذكره الشيخ وغيره عن سعد بن عبد الله عن أبي جعفر ، فالمراد بأبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى والحال أنّ في الكافي في تاريخ مولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سعد بن عبد الله عن أبي جعفر محمد بن عمرو بن سعيد ، نعم الشيخ صرّح بأنه أحمد بن محمد في التهذيب في كتاب الطهارة في سؤر الكلب ، فتأمل.

(٤) الخلاصة : ٨ / ٣.

١٧٧

وإن لم يكن غيره فليمض في الصلاة ، وقوله : « ما لم يزد » هكذا فيما وقفت عليه ، لكنه في التهذيب : « وما لم يزد »(١) والمعنى على ما في التهذيب أوضح ، لكن الظاهر ارتباطه بالسابق أيضاً على معنى أنّ وجوب الطرح إنّما هو إذا زاد على مقدار الدرهم.

وقد يشكل الارتباط بأنّ الزيادة إنّما ذكرت لما بعدها من جهة الفرق بين الرؤية وعدمها. ويمكن أن يقال : إنّه لا منافاة فيجتمع الأحكام.

وأنت خبير بأنّ الإطلاق في صدره يشمل ما لو استلزم الطرح فعلاً كثيراً وعدمه ، وبعض المتأخّرين قيّد الحكم بغير الفعل الكثير(٢) .

ثم إنّ الإطلاق في المضيّ يتناول الضرورة وعدمها ، وفيه أيضاً كلام ذكرناه في محلّه.

ثم إنّ ما يقتضيه هذه العبارة من قوله : « ما لم يزد » من دون الواو لو كان مرتبطاً بما قبله إمّا بالإعادة ، أو بالمضي في الصلاة ، أو بالطرح والصلاة لم يبق لقوله : « فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره » مناسبة كما لا يخفى ، بل يضر بحال ما تقدم ؛ لأنّه إذا كان ليس بشي‌ء فلا وجه لبعض ما تقدّم إلاّ بالحمل على الاستحباب في بعض ، ويلزم نوع اضطراب في المتن.

ولا يخفى دلالة عجز الخبر على اعتبار كون الدم أكثر من درهم ، لكن يدل على أنّ الدم رئي لتكون الصلاة وقعت نسياناً أو جهلاً على احتمال لا يخلو من تأمّل ، والرؤية المذكورة لا تخلو من شمول بحسب الإطلاق لما قبل الصلاة أو في أثنائها ، وقد يظن ظهور تضييع الغَسل بما‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٦ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦ وفيه : ما لم يزد.

(٢) كما في المدارك ٢ : ٣٥٣.

١٧٨

قبل الصلاة كما يعرف بالتأمّل ، كما يظهر منه وجه التأمل في تناول الجاهل ، وإن أمكن أن يكون من أسباب التضييع عدم السؤال عن حكمه.

وأنت خبير بأنّ الظاهر أيضاً من التضييع ينافي النسيان ، ولعل التوجيه غير عسر.

والخبر الثاني : له تأييد لما تضمنه العجز ، والكلام في الرؤية فيه كالأوّل ، إلاّ أنّ له ظهوراً أزيد من الأوّل في الدلالة على ما قبل الصلاة ، واحتمال أنّ يقال بصراحته ، لما يفهم من قوله : « حتى صلّى » يدفعه التأمّل الصادق.

وقد نقل العلاّمة(١) والمحقّق(٢) في المعتبر الإجماع على وجوب إزالة ما زاد على الدرهم ، كما ادّعيا الإجماع على أنّ الأقل من الدرهم لا تجب إزالته ، وإنّما الخلاف في مقدار الدرهم ، فذهب البعض إلى عدم العفو عنه(٣) ، وينقل عن السيّد المرتضى وسلاّر عدم وجوب الإزالة(٤) .

والخبر الثالث : كما ترى يدل على اعتبار مقدار الدرهم مجتمعاً.

وقيل في توجيه دلالته : إنّه لو كان العفو عن مقدار الدرهم حاصلاً لما وجب إعادة الصلاة مع النسيان(٥) .

والخبران الأوّلان يدلان على اعتبار الزيادة ، والمفهوم منهما العفو عن المساوي ، إلاّ أنّ بعض القائلين بالعفو عن المساوي قال : إنّه لا يعارض الخبران(٦) الخبر الثالث لاعتضاد الخبرين بأصالة البراءة ، والقائلون بعدم العفو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٧٣ والمختلف ١ : ٣١٩.

(٢) المعتبر ١ : ٤٢٩.

(٣) اختاره في المختلف ١ : ٣١٩.

(٤) نقله عنهما في المختلف ١ : ٣١٨ ، وهو في الانتصار : ١٣ ، والمراسم : ٥٥.

(٥) قال به العلاّمة في المختلف ١ : ٣١٩ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣١٢.

(٦) في « فض » زيادة : مفهوم.

١٧٩

عن المساوي أيّدوا الخبرين بالأخبار المطلقة الدالة على إزالة الدم كيف كان ، خرج ما وقع الاتفاق عليه ، وهو الناقص ، فبقي الباقي ، وللكلام في المقام مجال وقد بسطنا القول فيه في حاشية الروضة غير أنّا نذكر هنا ما لا بدّ منه.

( فنقول : لا ريب في تعارض خبري محمد بن مسلم وابن أبي يعفور عند من يعمل بالحسن على ما ذكره من رأينا كلامه )(١) من الأصحاب(٢) أمّا خبر الجعفي فالعمل به غير واضح الوجه ، ومع التعارض فالأولى الاعتماد على أنّ ذكر الزيادة في خبر ابن مسلم تنبيه على أن اتفاق كون الدم بمقدار الدرهم بعيد ، والغالب فيه الزيادة والنقصان ، ويؤيّد ذلك ما في رواية إسماعيل الجعفي من ذكر الأقل والأكثر من دون ذكر المساوي ، وعلى هذا فالمفهوم الحاصل من رواية محمّد بن مسلم يقيد برواية ابن أبي يعفور ، كما أنَّ مفهوم الشرط الأوّل في رواية الجعفي يقيّد الثاني فيها.

وإنّ لم يعمل بالحسن فخبر ابن ابي يعفور لا معارض له ، نعم فيه نوع إجمال وسنذكره إنّ شاء الله.

وفي نظري القاصر أنّ المفهوم في خبر محمد بن مسلم وإنّ ذكره والديقدس‌سره (٣) أيضاً لا يخلو من تأمّل ؛ لاحتماله أمرين : أحدهما عدم الرؤية وهو أكثر من مقدار الدرهم ، وثانيهما الرؤية وهو مساوٍ ، وخبر ابن أبي يعفور تضمن النسيان ، وهو مخصوص بالرؤية ، إذ النسيان لا يكون إلاّ معها ، فإطلاق تقييد كل من الروايتين بالأخرى محل بحث يظهر بمزيد‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « رض ».

(٢) معالم الفقه : ٢٩٣ ٢٩٤.

(٣) معالم الفقه : ٢٩٣ ٢٩٤.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483