إستقصاء الإعتبار الجزء ٣

إستقصاء الإعتبار8%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-175-3
الصفحات: 483

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 483 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39840 / تحميل: 5667
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٥-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

التأمّل وجهه ، هذا.

وقد اتفق للعلاّمة في المختلف الاحتجاج برواية إسماعيل الجعفي للقول بمساواة الدرهم للزائد عنه ، واقتصر منها على الشرط الأول(١) ، وهو غريب.

وفي المنتهى ذكرها في حجة مساواته للناقص(٢) ، ولا يخلو من تأمّل ؛ لأنّه وإن استفيد من الشرط الثاني إلاّ أنّ معارضة من الشرط الأول موجود في الرواية.

وقد أجاب العلاّمة عن خبر محمد بن مسلم بأنّه لم يسنده إلى إمام قال : وعدالته وإنّ كانت تقتضي الإخبار عن الإمام إلاّ أنّ ما ذكرناه يعني حديث ابن أبي يعفور لا لبس فيه(٣) .

وأنت خبير بأنّ مثل هذا الإضمار لا يضر في الاخبار لا سيّما من مثل محمد بن مسلم ، كما أوضحه الوالدقدس‌سره (٤) وأشرنا إلى ذلك في موضعه(٥) .

وللشهيدرحمه‌الله في الذكرى كلام على خبر ابن أبي يعفور(٦) ، وأجاب عنه الوالدقدس‌سره (٧) ولي في الجواب بحث وقد ذكرت جميع ذلك في حاشية التهذيب.

__________________

(١) المختلف ١ : ٣١٩.

(٢) المنتهى ١ : ١٧٢.

(٣) المختلف ١ : ٣٢٠.

(٤) راجع ص ٨٥٩.

(٥) راجع ص ٨١٢.

(٦) الذكرى : ١٦.

(٧) معالم الفقه : ٢٩٣ ٢٩٤.

١٨١

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر الأخير تضمن السؤال عن الدم المتفرق ، والجواب منهعليه‌السلام كما ترى يدل على أنّه لا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم ، وهو مؤيّد لعدم العفو عن مقدار الدرهم المجتمع.

والأصحاب مختلفون في الدم المتفرّق إذا كان لا يبلغ كل موضع منه قدر الدرهم ، فذهب سلاّر(١) من المتقدّمين وأكثر المتأخرين(٢) إلى أنّ حكمه حكم المجتمع فيجب إزالته إنّ بلغ المجموع على تقدير الاجتماع قدر الدرهم ، وإلاّ فلا.

ونقل عن ظاهر الشيخ في النهاية عدم وجوب الإزالة مطلقاً إلاّ أن يتفاحش(٣) . وحكى الوالدقدس‌سره عن ظاهر المحقّق في المعتبر وفاق الشيخ في النهاية ، واحتج لعدم وجوب الإزالة وإنّ بلغ ( الدم )(٤) الدرهم لو جمع بقولهعليه‌السلام في خبر عبد الله بن أبي يعفور : « إلاّ أنّ يكون مقدار الدرهم مجتمعاً »(٥) .

وأجاب العلاّمة عن ذلك بأنّ الحديث كما يحتمل أنّ يكون قوله فيه : « مجتمعاً » خبراً بعد خبر لـ « يكون » فيدل على أنّ الاجتماع شرط في وجوب الإزالة يحتمل كونه حالاً مقدّرة فيصير المعنى إلاّ أنّ يكون مقدار الدرهم لو كان مجتمعاً(٦) .

__________________

(١) المراسم : ٥٥.

(٢) كالعلاّمة في المختلف ١ : ٣٢٠.

(٣) النهاية : ٥١.

(٤) زيادة من « رض ».

(٥) معالم الفقه : ٢٩٥ ، ٢٩٦ وهو في المعتبر ١ : ٤٣٠.

(٦) المختلف ١ : ٣٢٢.

١٨٢

وناقش بعض المتأخرين العلاّمة في الجواب بأنّ الحال المقدّرة هي التي زمانها غير زمان عاملها كالمثال المشهور من قولهم : مررت برجل معه صقر صائداً به غداً ، والزمان فيما نحن فيه متّحد ، فبتقدير كونه حالاً يكون من قبيل المحققة لا المقدّرة(١) .

وفي نظري القاصر أنّ المقام لا يخلو من إجمال ، وقد اتفق للوالدقدس‌سره وشيخناقدس‌سره فيه نوع اضطراب ، والحال قد فصّلتها في حاشية الروضة غير أنّي أذكر هنا ما لا بدّ منه.

فاعلم أنّ الظاهر من خبر ابن أبي يعفور مطابقة الجواب للسؤال ، ولمّا كان السؤال عن المتفرق من الدم فالجواب في قوّة أنّ الدم المتفرق إذا كان مقدار الدرهم مجتمعاً فيه البأس.

واحتمال الحال المقدرة كما ذكره العلاّمة نوع وجه بالنسبة إلى كون المورد الدم المتفرق.

والاعتراض عليه بأنّ الزمان متحد لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ المعترض إنّ أراد باتحاد الزمان زمان تقدير المتفرق مجتمعاً فإنّه واحد ، ففيه : أنّ هذا يستلزم عدم تحقق الحال المقدرة إلاّ بتكلّف ، على أنّ احتمال كونه خبراً بعد خبر له وجه أيضاً ، وفيه تأييد لما ذكرناه ؛ إذ هو في قوّة أنّ الدم المتفرق إذا كان مقدار الدرهم أو كان الدم مجتمعاً فيه البأس.

وفي النظر أنّ في هذا بحثاً ؛ لأنّ الجواب لا يصير مفيداً ، إذ حاصل الجواب أنّ المتفرّق إذا كان مقدار الدرهم به البأس ، لكن مقدار الدرهم مع التفرق إمّا أنّ يراد به كل قطعة منه أو المجموع بتقدير الاجتماع.

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ١ : ١٧٢ ، ومعالم الفقه : ٢٩٦.

١٨٣

ثم إنّ قوله : « مجتمعاً » على تقدير كونه خبراً كما هو المفروض يصير مجملاً أيضاً ، إذ يحتمل أنّ يراد عدم العفو عنه مطلقاً أو مقدار الدرهم أو أزيد.

ولعلّ الجواب عن هذا ممكن ، بأنّ يقال : خرج الأقل بالإجماع ، ومقدار الدرهم يكتفى في الاستدلال له بذكر الدرهم في الخبر الأوّل.

وقد ينظر في هذا بأنّ مقدار الدرهم في المتفرق لا يدل على المجتمع ، إلاّ أنّ يقال : إنّ تركه في المجتمع دليل الاتحاد.

وفيه : أنّ هذا إنّما يتم لو انحصر الاحتمال والحال ما ترى ، على أنّ في النظر عدم مطابقة هذا لكونه خبراً بعد خبر لـ « يكون » إذ الاسم مختلف ، ومعه كيف يكون خبراً بعد خبر ، الاّ أنّ يجوز مثل هذا في العربيّة ، ولا أعلمه الآن ، فينبغي التأمّل فيه.

وإذا عرفت هذا فلا يخفى عليك حينئذ أنّه لا تعارض بين رواية محمد بن مسلم ورواية ابن ابي يعفور ، لأنّ المورد مختلف على بعض الاحتمالات ، وذلك كافٍ ، فإطلاق التعارض في كلام مشايخنا٥ محلّ بحث.

وكذلك ما اعترض به شيخناقدس‌سره في المدارك على جواب العلاّمة : بأنّ تقدير الاجتماع هنا لا يدل عليه اللفظ ، ولو كانت الحال هنا مقدرة لكان الحديث مختصاً بما قدر فيه الاجتماع لا بما حقّق ، وهو خلاف الظاهر ، ولو جعل « مجتمعاً » حالاً محقّقة أفادت اشتراط الاجتماع أيضاً ؛ إذ يصير المعنى : إلاّ أنّ يكون الدم مقدار الدرهم حال كونه مجتمعاً ، وكيف‌

١٨٤

كان فدلالة الرواية على المطلوب واضحة(١) . انتهى.

وحاصل البحث في هذاأوّلاً : أنّ ما ذكره من كون تقدير الاجتماع لا يدل عليه اللفظ محل كلام ؛ لأنّ السؤال صريح في الدم المفرق ، والمطابقة للسؤال يقتضي ذلك ، والظهور واضح ، غاية الأمر أنّ الاحتمال(٢) الذي أسلفناه ممكن لكن لا ينافي الظهور.

وثانياً : أنّ قوله : ولو جعل مجتمعاً حالاً ، إلى آخره ، محل نظر أيضاً ؛ لأنّ الدلالة على المعنيين معاً أعني المجتمع والمتفرق المسئول عنه بعيد التصور إلاّ على ما قدّمنا(٣) ، وظاهر كلامهقدس‌سره غير ما ذكرناه.

وثالثاً : أنّ قوله : دلالة الرواية على المطلوب واضحة ، غريب بعد ما قلناه. ( هذا كله فإني لا أعلم أحداً حام حول هذا المبحث )(٤) .

ويبقى الكلام فيما خطر بالبال على مشايخنا ٠ في بيان مراد المحقّق من الاستدلال برواية ابن أبي يعفور كما أشرنا إليه سابقاً(٥) ، ففي المدارك بعد نقل الاحتجاج عن المحقق ( بالرواية )(٦) لعدم وجوب الإزالة إلاّ مع التفاحش ، قال : وهو حسن لكن لا دلالة في الرواية على ما اعتبره من القيد(٧) ، وأجاب العلاّمة في المختلف(٨) ، وذكر ما قدّمناه عن العلاّمة‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣١٩.

(٢) في « فض » الإجمال.

(٣) راجع ص ٨٦٠.

(٤) ما بين القوسين ليس في « د » ، وفي « رض » : لا أعلم أحداً حام حول هذا المبحث.

(٥) راجع ص ٨٦٠.

(٦) بدل ما بين القوسين في « فض » : جاعلاً الدليل من الرواية.

(٧) المدارك ٢ : ٣١٩‌

(٨) مختلف الشيعة ١ : ٣٢٢.

١٨٥

وتنظّر فيه بما سبق بيانه(١) .

وهذا كلّه إذا تأمّله المتأمّل يعطي أنّ مراد المحقق الاستدلال لعدم وجوب إزالة المتفرّق مطلقاً إلاّ أن يتفاحش ، سواء كان درهماً بتقدير الاجتماع أو أكثر ، إلاّ أن يتفاحش ، لأنّ العلاّمة فهم أن يكون مراده الاجتماع المحقّق في مقدار الدرهم ، فيكون المفرّق مطلقاً ثابتاً له حكم العفو ، وإلاّ لما حسن الجواب باحتمال الحال المقدرة ، وعلى هذا فهو منافٍ لما صرّح به شيخناقدس‌سره قبل ذلك بأنّ محل الخلاف ما إذا كان بحيث لو جمع بلغ الدرهم ، على أنّه نقل القول بالعفو مطلقاً إلاّ مع التفاحش ، ولو كان غرض المحقّق هذا أعني كونه لو جمع بلغ الدرهم فلا وجه لاعتراض العلاّمة ، لموافقة المحقّق عليه.

والوالدقدس‌سره في المعالم نقل احتجاج المحقق كما أسلفناه(٢) ولم يذكر اعتبار التفاحش عنه في الدليل ، بل(٣) إنّما نبّه على أنّه وإن بلغ الدرهم لو جمع ، ولم يفهم منه المنع من الزائد عن الدرهم ، لكن الرواية كما علمت إذا صارت مطلقة في المتفرق أفادت العفو مطلقاً ، فالمنع من الزائد عن الدرهم يحتاج إلى الوقوف على ما يقتضي المنع منه في المتفرق ، وللكلام في المقام تتمّة تطلب ممّا أشرنا إليه أوّلاً والله ولي التوفيق.

بقي في المقام شي‌ء وهو أنّ الأخبار المذكورة خاصة بالثوب إذا كان فيه الدم ، لكن نقل الإجماع على مساواة البدن له في بعض الأحكام المذكورة(٤) .

__________________

(١) في ص : ١٨٢.

(٢) في ص : ١٨١.

(٣) ليست في « رض ».

(٤) نقله في معالم الفقه : ٣١٢.

١٨٦

اللغة :

قدّمنا عن القاموس أنّ النضح الرشّ(١) .

قوله(٢) :

فأمّا ما رواه معاوية بن حكيم ، عن ابن المغيرة ، عن مثنى بن عبد السلام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : إني حككت جلدي فخرج منه دم فقال : « ان اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الإيجاب ، ولا ينافي في ذلك :

ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن إسماعيل الجعفي قال : رأيت أبا جعفرعليه‌السلام يصلّي والدم يسيل(٣) من ساقيه(٤) .

لأنّ هذا الخبر محمول على ما يشق التحرّز منه من الجراحات اللازمة والدماميل التي لا يمكن معها الاحتراز.

السند‌ :

في الأوّل : فيه معاوية(٥) ، وقد قدّمنا نقل كونه فطحياً عن الكشي(٦) ،

__________________

(١) راجع ص : ١٧٣.

(٢) في « رض » : قال.

(٣) في « فض » يسأل.

(٤) في « فض » و « رض » : ساقه.

(٥) في « فض » زيادة : بن حكيم.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٣٥ / ٦٣٩ ، وراجع ج ١ : ٤٤٥.

١٨٧

وظاهر المتأخرين عنه من مصنّفي الرجال عدم الالتفات إلى ذلك ، بل النجاشي وثّقه ساكتاً على التوثيق(١) ، وسيأتي إنّ شاء الله في كتاب الطلاق من هذا الكتاب كلام الشيخ في مسألة عدّة الآئسة والصغيرة أنّ الذي اختاره الشيخ مذهب معاوية بن حكيم من متقدّمي فقهاء أصحابنا(٢) ، وهذا لفظ الشيخ ، وهو كما ترى ظاهر في عدم كون الرجل فطحياً.

وما قد يقال : إنّهرحمه‌الله ذكر أيضاً قريباً من هذه المسألة مسألة أُخرى وقال فيها : إنّه مذهب الحسن بن محمد بن سماعة وهو(٣) من الواقفة : يمكن الجواب عنه بتكلّف ، إلاّ أنّ العبارة في معاوية بن حكيم أظهر دلالة في كونه غير فطحي.

وأمّا ابن المغيرة فهو عبد الله ، والنجاشي قال : إنّه ثقة ثقة لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه(٤) ، والشيخ ذكره من غير توثيق في رجال الصادق والكاظمعليهما‌السلام (٥) ، والعلاّمة حكى عن الكشي أنّه قال : روى أنّه كان واقفياً ثم رجع(٦) .

والذي وقفت عليه من كتاب الكشي صورته : وجدت بخط أبي عبد الله بن محمد الشاذاني قال العبيدي محمد بن عيسى : حدثني الحسن بن علي بن فضال ، قال : قال عبد الله بن المغيرة : كنت واقفاً فحججت على‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٢ / ١٠٩٨.

(٢) الاستبصار ٣ : ٣٣٨.

(٣) الاستبصار ٣ : ٣٢٨.

(٤) رجال النجاشي : ٢١٥ / ٥١٦.

(٥) رجال الطوسي : ٣٥٥ / ٢١ ، ٣٥٦ / ٣٢ ، ٣٧٩ / ٤ ، في أصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام ولم يذكره في أصحاب الصادقعليه‌السلام .

(٦) خلاصة العلاّمة : ١٠٩ / ٣٤.

١٨٨

تلك الحالة(١) ، وذكر الرواية الدالة على رجوعه. والرواية ضعيفة ، وتصرّف العلاّمة لا يخفى ما فيه.

وأمّا مثنّى بن عبد السلام فالنجاشي اقتصر على أنّ له كتاباً(٢) ، والعلاّمة عدّه في القسم الأوّل ناقلاً عن الكشي ، عن محمد بن مسعود ، عن علي بن الحسن ، أنّه كوفي حنّاط(٣) لا بأس به(٤) . ولا يخفى عليك الحال.

والثاني معروف ممّا قدمناه سابقاً.

المتن :

في الأوّل ظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمضمونه ، إلاّ أنّه قيّده بأن لا يكون دم حيض(٥) ، وحكى الوالدقدس‌سره ذلك عن والده أيضاً في الرسالة ، وذكر الوالدقدس‌سره أنّ هذا الخبر لو كان صحيحاً لكان حجة فيما ذهب إليه الصدوق ، لكنه غير صحيح(٦) . وأنت خبير بإمكان أنّ يقال نحو ما قدّمناه في اعتماد الصدوق ، إلاّ أنّ ما قاله الصدوق أزيد من مدلول الرواية كما لا يخفى.

إذا عرفت هذا فالذي يظهر من الشيخ حيث حمل الخبر على الاستحباب أنّه ظن وروده في الصلاة على معنى عدم جواز الصلاة فيه إذا‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٥٧ / ١١١٠.

(٢) رجال النجاشي : ٤١٥ / ١١٠٧.

(٣) في « رض » و « فض » : خياط.

(٤) خلاصة العلاّمة : ١٦٨ / ١.

(٥) الفقيه ١ : ٤٢ / ١٦٥.

(٦) معالم الفقه : ٤١٩.

١٨٩

اجتمع قدر حمصة واستحباب إزالته ، أمّا لو كان الحديث مورده الطهارة وعدمها فالاستحباب لا وجه له إلاّ على تكلّفٍ تركه أولى من ذكره.

ولو أردنا الجمع بينه وبين ما دلّ على نجاسة الدم مطلقاً أمكن توجيه ما ذكره الشيخ وإن بعد ، إلاّ أنّ الذي يظهر من العلاّمة في المختلف أن دليل نجاسة الدم وغيره قليلاً وكثيراً العمومات ، وذكر خبراً في البول ، وهو صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا إبراهيمعليه‌السلام عن رجل يبول في الليل فيحسب أنّ البول اصابه فلا يستيقن إلى أنّ قالعليه‌السلام : « يغسل ما استبان أنّه أصابه » الحديث(١) . ثم نقل عن المرتضىرضي‌الله‌عنه ما يقتضي أن البول إذا ترشش عند الاستنجاء كرؤوس الإبر يعفى عنه(٢) .

ولا يخفى عليك أنّ العمومات قابلة للتخصيص بتقدير وجودها في الدم ، إلاّ أنّه لا خروج عن المشهور.

ثم إنّ الثاني كما ترى غير صريح في كون الإمامعليه‌السلام عالماً بالدم ليحتاج إلى حمل الشيخ ، ولو كان عالماً لا دلالة في الرواية على كونه درهماً أو أقلّ أو أكثر ، ويجوز كونه أقل ، وحمل الشيخ ممكن أيضاً ، إلاّ أنّ في التقييد بما لا يمكن معه الاحتراز كلاماً يأتي إنّ شاء الله تعالى.

قوله :

والذي يدلّ على ذلك : ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة وصفوان ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل يخرج به القروح ولا تزال تُدمي كيف يصلّي؟

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٤ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف ١ : ٣٣١ ، وهو في رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٨٨.

١٩٠

قال : « يصلّي وإن كانت الدماء تسيل ».

وروى أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن معلّى أبي(١) عثمان ، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام وهو يصلّي فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دماً. فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً ، فقال : « إنّ بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ ».

وما رواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : سألته عن الرجل به القروح أو الجروح(٢) فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه؟ قال : « يصلّي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلاّ مرّة ، فإنه لا يستطيع أنّ يغسل ثوبه كل ساعة » فهذا الخبر أيضاً (٣) محمول على الاستحباب ، وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الباب في كتابنا الكبير ، فمن أراده وقف عليه من هناك (٤) .

السند‌ :

في الأوّل : لا ارتياب في صحّته ، غير أنّه ينبغي أنّ يعلم أنّ الشيخ في الفهرست قال : العلاء بن رزين القلاء ثقة جليل القدر له كتاب وهو أربع نسخ ، منها رواية الحسن بن محبوب ، ومنها رواية محمد بن خالد‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٦ : معلى بن عثمان ، وفي التهذيب ١ : ٢٥٨ / ٧٤٧ : معلى أبي عثمان.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٧ : القرح أو الجرح.

(٣) ليست في « فض » و « رض » ، أثبتناه من « نش » والاستبصار ١ : ١٧٧.

(٤) في المصدر زيادة : إنشاء الله.

١٩١

الطيالسي ، ومنها رواية محمد بن أبي الصهبان ، ومنها رواية الحسن بن علي بن فضال. انتهى(١) .

وأنت خبير بأنّ محمد بن أبي الصهبان إنّ كان يروي كتاب العلاء عنه ففيه أنّ محمداً من أصحاب الهاديعليه‌السلام والعلاء من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وإنّ كان يرويه بواسطة فهو خلاف المتعارف عند الإطلاق.

أمّا ما وقع في النجاشي نقلاً عن البعض : من أنّ الحسين لم يلق فضالة وانّ أخاه الحسن تفرّد به. فلا يثبت حكماً(٢) ، وعلى تقدير ثبوته لا يضّر في هذا السند مع وجود صفوان.

والثاني : فيه أبو بصير الضرير بقرينة ذكر القائد ، وقد أسلفنا القول فيه(٣) . وأمّا المعلّى فهو ابن عثمان ، وقد وثّقه النجاشي ، ونقل أنه ابن يزيد في قول(٤) .

والثالث : فيه عثمان بن عيسى وقد تقدّم ذكره مفصّلاً(٥) . وسماعة أيضاً تقدّم(٦) ، والإضمار فيه لا يضرّ بالحال لو خلا ممّا ذكر.

المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة على جواز الصلاة لصاحب القروح وإنّ كانت الدماء تسيل ، ويستفاد منه جواز الصلاة مع عدم السيلان ؛ لأنّ المفهوم من‌

__________________

(١) الفهرست : ١١٢ / ٤٨٨.

(٢) رجال النجاشي ٥٨ / ١٣٧.

(٣) راجع ص ٥١ و ٩٢.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٧ / ١١١٥ وفيه : معلّى بن عثمان أبو عثمان ، وقيل : ابن زيد الأحول.

(٥) راجع ص ٥٠.

(٦) راجع ص ٧٨.

١٩٢

هذا التركيب كون المفهوم أولى بالحكم كما قاله الوالدقدس‌سره .

أمّا ما قيل : من أنّه يستفاد من قوله : لا تزال تدمي ، أنّ الحكم مفروض فيما هو مستمرّ الجريان. ففيه أولاً : أنّ هذا من كلام السائل فلا يفيد حكماً ، وثانياً : أنَّ معنى : لا تزال تدمي ، ليس هو الاستمرار في كل حين ، بل الظاهر أنّ المراد تكرر خروج الدم ولو حيناً بعد حين ، كما يقال : فلان لا يزال يتردّد إلى محل كذا(١) .

وقد روى الشيخ في التهذيب صحيحاً عن ليث المرادي قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دماً وقيحاً وثيابه بمنزلة جلده؟ قال : « يصلّي في ثيابه ولا شي‌ء عليه ولا يغسلها »(٢) .

وروى في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي؟ فقال : « دعه فلا يضرّك أنّ لا تغسله »(٣) .

وقد ذكر شيخناقدس‌سره بعد جملة من الأخبار ـ منها ما ذكر ـ : أنَّه يستفاد من إطلاق الروايات العفو عن هذا الدم في الثوب ( والبدن سواء شقّت إزالته أم لا ، وسواء كان له فترة ينقطع فيها بقدر الصلاة أم لا ، وأنّه لا يجب إبدال الثوب )(٤) ولا تخفيف النجاسة ، ولا عصب موضع الدم بحيث يمنع من الخروج(٥) .

__________________

(١) معالم الفقه : ٢٨٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣٤٩ / ١٠٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٩ / ٧٥١ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٦.

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٥) المدارك ٢ : ٣١٠.

١٩٣

وربما يقال : إنّ في الدلالة على بعض ما ذكر تأمّلاً ؛ إذ الصالح من الأخبار للاستدلال ما ذكرناه ، والباقي غير صالح بأبي بصير ( وعثمان بن عيسى )(١) .

وذكر المحقّق الشيخ علي في بعض مصنفاته أنّ الشيخ نقل الإجماع على عدم وجوب عصب الجرح وتقليل الدم ، بل يصلّي كيف كان وإنّ سال وتفاحش إلى أنّ يبرأ(٢) . انتهى.

وللمتأخّرين عن الشيخ اختلاف في حدّ العفو ، فمنهم من جعله البرء(٣) ، ومنهم من جعله الانقطاع ، وذكر الوالدقدس‌سره أنّهم بين مطلق له يعني للانقطاع ومقيّد بكونه في زمان يتسع لأداء الفريضة ، فالإطلاق للعلاّمة والشهيد في غير الذكرى(٤) ، والتقييد للمحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى(٥) ، انتهى. وأنت إذا تأمّلت الأخبار لا يخفى عليك حقيقة الحال.

والثاني : صريح الدلالة على اعتبار البرء لو صحّ.

والثالث : فيه دلالة على الغَسل في اليوم مرة ، لكن جماعة من الأصحاب قالوا باستحباب ذلك(٦) ، والعلاّمة في المنتهى احتجّ للاستحباب‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٢) قال به في شرح الألفيّة ( رسائل المحقق الكركي ٣ ) : ٢٣٢.

(٣) كالشهيد الثاني في الروضة ١ : ٥٠ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٣١٨. وصاحب المدارك ٢ : ٣٠٩.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٨٥ ، المنتهى ١ : ١٧٢ ، الدروس ١ : ١٢٦ والبيان : ٩٥.

(٥) المعتبر ١ : ٤٢٩ والذكرى : ١٦.

(٦) كالعلاّمة في تحرير الاحكام ١ : ٢٤ ، وصاحب معالم الفقه : ٢٨٩ وصاحب المدارك ٢ : ٣١١.

١٩٤

مع الرواية بأنّ فيه تطهيراً غير مشقّ فكان مطلوباً(١) .

وأنت خبير بأنّ إثبات الاستحباب بالخبر يتوقف على ثبوت قاعدة التساهل في أخبار السنن ، أما الوجه الآخر فلا يثبت الاستحباب كما هو واضح.

وفي المنتهى : لو تعدّى الدم عن محل الضرورة في الثوب أو البدن بأن لمس بالسليم من بدنه دم الجرح أو بالطاهر من ثوبه فالأقرب عدم الترخّص فيه(٢) .

وقال الوالدقدس‌سره : إنّه حسن(٣) .

وفي نظري القاصر أنّه محل بحث على الإطلاق بعد ملاحظة الأخبار ، إلاّ أنّ يريد الوالدقدس‌سره بالأحسنية استحباب الإزالة ، وهو خلاف الظاهر من العبارة‌

اللغة :

قال في القاموس : الدُّمَّل كسُكَّر وصُرَد الخُراجُ ، الجمع دماميل(٤) .

وفيه أيضاً : برأ المريض يَبْرأ ويَبْرُؤ بُراً بالضم(٥) نقه. وفيه : نَقِهَ من مرضه صح(٦) . وفيه أيضاً : القَرْحُ ويضم : عَضُّ السِّلاح ونحوه ممّا يخرج بالبدن(٧) . وفيه رَبَطه يربِطه ويَربطُه : شدّه(٨) .

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٧٢.

(٢) المنتهى ١ : ١٧٢.

(٣) معالم الفقه : ٢٨٩.

(٤) القاموس المحيط ٣ : ٣٨٨ ( الدّمال ).

(٥) القاموس المحيط ١ : ٨ ( برأ ).

(٦) القاموس المحيط ٤ : ٢٩٦ ( نَقِه ).

(٧) القاموس المحيط ١ : ٢٥٠ ( القرح ).

(٨) القاموس المحيط ٢ : ٣٧٤ ( رَبَطه ).

١٩٥

قولهرحمه‌الله :

باب ذرق الدجاج

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد ( بن يحيى )(١) عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام أنَّه قال : « لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب ».

فأمّا ما رواه محمد بن احمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن فارس قال : كتب اليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج يجوز الصلاة فيه؟ فكتب : « لا ».

فالوجه في هذه الرواية أنّه لا تجوز الصلاة فيه إذا كان الدجاج جلاّلا ، ويجوز أيضاً أن يكون محمولاً على ضرب من الاستحباب ، أو محمولاً على التقية ؛ لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة.

السند‌ :

في الأوّل فيه محمد بن عيسى الأشعري المعبّر عنه بأبيه بعد أبي جعفر ، وهو أحمد بن محمد بن عيسى ، وقد قدّمنا فيه القول(٢) ، والحاصل أنّ توثيقه غير معلوم ؛ إذ النجاشي قال : إنّه شيخ القميّين وجه الأشاعرة(٣) . والعلاّمة عدّه في القسم الأوّل ، وذكر عبارة [ النجاشي(٤) ] وفي فوائد‌

__________________

(١) ليست في « نش ».

(٢) في ص ١٤٧.

(٣) رجال النجاشي : ٨١ / ١٩٨.

(٤) خلاصة العلاّمة : ١٣ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : الكشي ، والظاهر ما أثبتناه.

١٩٦

جديقدس‌سره على الخلاصة أنّ هذه العبارة لا تدل صريحاً على توثيقه ، نعم قد يظهر منها ذلك ، مع أنّ المصنف يصف(١) الروايات التي هو فيها بالصحة. انتهى.

ولا يخفى أنّ ظهور التوثيق غير واضح ، ووصف الصحة في رواياته من العلاّمة(٢) وغيره(٣) كذلك ، إلاّ أنّ للعلاّمةرحمه‌الله في الرجال كثرة أوهام يبعد زيادة بُعدٍ معها الاعتماد ، بخلاف مثل الصدوق ، فإنّ احتمال الاعتماد قد يوجه كما أسلفناه(٤) .

على أنّ في السند أيضاً وهب بن وهب ، وهو أبو البختري ، وقد قال النجاشي : إنّه كان كذّابا(٥) وفي الفهرست للشيخ : إنّه عاميّ المذهب ضعيف(٦) . وفي الفقيه بعد ذكر حديث في طريقه وهب بن وهب قال ، قال مصنف هذا الكتاب : جاء هذا الحديث هكذا في رواية وهب بن وهب ، وهو ضعيف(٧) . وسيأتي ان شاء الله في هذا الكتاب أيضاً ما صورته : وهب بن وهب عامي متروك العمل فيما يختص بروايته(٨) .

والثاني : فيه فارس ، والظاهر أنّه ابن حاتم ، وقد ذكره الشيخ في رجال الهاديعليه‌السلام من كتابه ، وقال : إنّه غال ملعون(٩) . والكشي أورد فيه‌

__________________

(١) في « رض » : وصف.

(٢) المختلف ١ : ٩٥. وفي الصحيح عن زيد الشحّام.

(٣) المدارك ١ : ٢١٩. في الصحيح عن زرارة وأخيه بكير.

(٤) راجع ص ٤٨.

(٥) رجال النجاشي : ٤٣٠ / ١١٥٥.

(٦) الفهرست : ١٧٣ / ٧٥٧.

(٧) الفقيه ٤ : ٢٥ / ٥٨.

(٨) راجع التهذيب ١ : ٣١ وج ٩ : ٧٦ ، والاستبصار ١ : ٤٨. ولم نعثر على غيرهما.

(٩) رجال الطوسي : ٤٢٠ / ٣.

١٩٧

من الذمّ ما لا حاجة إلى ذكره(١) .

وإنّما قلنا : الظاهر ؛ لوجود من هو بالاسم غير أنّي لم أعلم مرتبته ، والوالدقدس‌سره جزم بأنّه فارس بن حاتم(٢) (٣) .

المتن :

في الأوّل ظاهره الدلالة على الطهارة ، وضعفه يؤيّد بالأصل وعموم رواية لعمار الساباطي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه »(٤) .

وفي المعتبر بعد ذكر الروايتين والتنبيه على ضعفهما(٥) بما أشرنا إليه الدال على ما جزم به الوالدقدس‌سره وغيره من مشايخنا قال المحقّق على ما نقله الوالدقدس‌سره : إنّ المرجع إلى الأصل وهو الطهارة.

ولو قيل : الدجاج لا يتوقّى النجاسة ، فرجيعه مستحيل عنها فيكون نجساً.

قلنا : بتقدير أنّ يكون ذلك محضاً ، يكون التنجيس ثابتاً ، أما إذا كان يمزج علفه فإنّه يستحيل إمّا عنهما أو عن أحدهما ، فلا يتحقق الاستحالة عن النجاسة ؛ إذ لو حكم بغلبة النجاسة لسرى التحريم إلى لحمها ، ولمّا حصل الإجماع على حلّها مع الإرسال بطل الحكم بغلبة النجاسة على رجيعها(٦) انتهى.

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٠٥ / ٩٩٩ و ٨٠٦ / ١٠٠٣ و ١٠٠٤.

(٢) معالم الفقه : ٢٠٦.

(٣) في « فض » زيادة : وكذلك العلاّمة في المختلف.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٨١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٢.

(٥) المعتبر ١ : ٤١٣.

(٦) فعالم الفقه : ٢٠٧.

١٩٨

ولا يخفى عليك حال هذا الكلام.

وفي المختلف قال العلاّمة ، ذرق الدجاج الجلاّل نجس إجماعاً ، وفي غير الجلاّل قولان ، أحدهما الطهارة ـ إلى أنّ قال ـ : وأمّا الشيخان فإنهما استثنيا ذرق الدجاج من الحكم بطهارته من جميع(١) ما يؤكل لحمه ، وهو يدل على حكمهما(٢) بالتنجيس ، إلاّ أنّ الشيخ ذهب إلى طهارته في الاستبصار ـ إلى أنّ قال ـ : احتج المانعون بما رواه فارس في الحسن ، وذكر الرواية ، ثم أجاب عنها : بأنّ السائل لم يذكر المسئول فجاز أن يكون غير الإمام ، ويحتمل كون الألف واللام للعهد ، ويراد به الجلاّل ، كاحتمال إرادة الجنس(٣) . انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ العلاّمة لم يجعل فارس المذكور ابن حاتم ؛ إذ قد صرح في الخلاصة بأنّه غال ملعون(٤) ، بل ظنّ أنّه فارس بن سليمان الذي قال النجاشي : إنّه شيخ من أصحابنا كثير الأدب(٥) ، وذكره في الخلاصة في القسم الأوّل بعين عبارة النجاشي(٦) . لكن لا أعلم الوجه في تعيّن كونه ابن سليمان ، وقد أسلفنا أنّ مرتبته غير معلومة ، إذ لم يذكر في أصحاب أحد من الأئمّةعليهم‌السلام ، نعم ذكر النجاشي أنّه أخذ عن محمد بن بحر الرهني(٧) ، وذكر النجاشي : أنّ لمحمد كتاباً يرويه أحمد بن علي بن‌

__________________

(١) في المصدر : رجيع.

(٢) في المصدر : حكمها.

(٣) المختلف ١ : ٢٩٧ وهو في المقنعة : ٦٨ والمبسوط ١ : ١٢.

(٤) الخلاصة : ٢٤٧ / ٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣١٠ / ٨٤٩.

(٦) الخلاصة : ١٣٣ / ٣.

(٧) رجال النجاشي : ٣١٠ / ٨٤٩.

١٩٩

نوح أبو العباس(١) . وهذا متأخّر كما لا يخفى.

وما قاله العلاّمة : أنّه يجوز أنّ يكون المسئول غير الإمام. لا وجه له ، كما أسلفنا الإشارة إلى ذلك(٢) .

أمّا الحمل على الجلاّل نظراً إلى المعارض الدالّ على الطهارة كما ذكره الشيخ فلا يخلو من وجه.

اللغة :

قال في القاموس : الخُرء بالضم : العذرة(٣) وفيه أيضاً : ذرق الطائرُ يَذْرُقُ ويَذْرِقُ زرق ، وقال : زرق الطائر يزرق ذرق(٤) . ولا يخفى دلالة الخبر وكلام القاموس أنّ العذرة تقال لغير الإنسان ، اللهم إلاّ أنّ يقال : إن العذرة مع الإطلاق للإنسان والخرء لغيره ، وفيه تأمّل يظهر ممّا كتبناه على الروضة.

قولهرحمه‌الله :

باب أبوال الدوابّ والبغال والحمير

أخبرني الشيخ ; عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله ٧ عن ألبان الإبل‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٨٤ / ١٠٤٤ ، وفيه : أبو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح.

(٢) راجع ص ٥١.

(٣) القاموس المحيط ١ : ١٤ ( خَرِئ ).

(٤) القاموس المحيط ٣ : ٢٤١ ( ذرق ) ، وص ٢٤٨ ( الزرَقُ ).

٢٠٠

والبقر والغنم وأبوالها ولحومها؟ فقال : « لا تتوضأ منه ، وإنّ أصابك منه شي‌ء أو ثوباً لك فلا تغسله إلاّ أنّ تتنظّف » قال : وسألته عن أبوال الدواب والبغال والحمير؟ فقال : « اغسلها ، فإنّ لم تعلم مكانها فاغسل الثوب كله ، فإنّ شككت فانضحه ».

أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن أبان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « لا بأس بروث الحمير ، واغسل أبوالها ».

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أبوال الخيل والبغال؟ قال : « اغسل ما أصابك منه ».

محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلى ( بن محمد )(١) عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي مريم ، قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول في أبوال الدواب وأرواثها قال : « أمّا أبوالها فاغسل إنّ أصابك ، وأمّا أرواثها فهي أكثر من ذلك ».

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يمسّه بعض(٢) أبوال البهائم أيغسله أم لا؟ قال : « يغسل بول الفرس والحمار والبغل ، وأما الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله ».

محمد بن أحمد بن يحيى ، عن السندي بن محمد ، عن يونس ابن يعقوب ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٣.

(٢) ليست في « فض ».

٢٠١

أبوال الحمير(١) والبغال؟ قال : « اغسل ثوبك » قال : قلت فأرواثها قال : « هو أكبر من ذلك ».

قال محمد بن الحسن : هذه الأخبار كلّها محمولة على ضرب من الكراهة.

السند‌ :

في الأوّل : حسن بلا ريب ، كما تقدم(٢) .

والثاني : فيه البرقي ، وقد تكرّر القول فيه ( منّا )(٣) في هذا الكتاب(٤) وغيره ، وأبان لا ريب في صحة حديثه لو خلا من الموانع في غيره عند من لا يعمل بالموثق ؛ إذ الجارح له ثقة غير إمامي ، والإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان كما في الكشي(٥) لا يخرج حديثه عن كونه موثّقاً ، غاية الأمر أنّ يوصف حديثه بالصحة على غير الاصطلاح.

فإنّ قلت : أبان مشترك فكيف يحكم بأنّه ابن عثمان؟

قلت : الأمر كما ذكرت ، إلاّ أنّ الظاهر في إطلاق مثله أنّ يكون ابن عثمان.

وقد اتفق للوالدقدس‌سره في المعالم أنّه قال : إنّ هذا الخبر لا يقصر عن الأخبار التي تظن صحتها في روايات التنجيس ، والتشبّث في تضعيفه‌

__________________

(١) في بعض نسخ الاستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٥ : الخمر.

(٢) من جهة إبراهيم بن هاشم : راجع ص ٣٦ ، ٣٣٩.

(٣) في « رض » : هنا.

(٤) راجع ص ٦٨.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

٢٠٢

باشتمال طريقه على البرقي وأبان لا يتجه عند من يحكم بصحّة شي‌ء من أخبار النجاسة إلى أنّ قال وأما من جهة أبان فلأنّ القرائن قائمة على أنّه ابن عثمان ، وهو أحد الجماعة الذين حكى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم ، وما جرح به لم يثبت ؛ لأنّ الأصل فيه علي بن الحسن بن فضّال ، والمتقرّر في كلام الأصحاب أنّه من جملة الفطحية ، فلو قُبل طعنه في أبان لم يتجه المنع من قبول رواية أبان ؛ إذ ليس القدح إلاّ بفساد المذهب ، وهو مشترك بين الجارح والمجروح ، وقد اتضح بهذا وجه ثبوت التعارض بين الأخبار(١) . انتهى كلامهقدس‌سره .

وفي نظري القاصر أنّه محل تأمّل ؛ لأنّ الظاهر من قوله : إنّ الخبر المتضمن لنفي البأس يعني الخبر المذكور لا يقصر عن الأخبار التي تظن صحتها ، كون الخبر صحيحاً ، فإنّ أراد المصطلح عليه كما هو المتعارف من الإطلاق في مثله ، ففيه أنّ العامل بالموثّق لا بدّ أنّ يكون الخبر عنده موثّقاً ؛ لما قدّمناه من لزوم القول بخبر علي بن فضّال في كون أبان فطحياً(٢) ومن لا يعمل بذلك فالخبر عنده صحيح على الاصطلاح ، فإطلاق الصحة لا يخفى ما فيه.

وإنّ أراد بالصحة غير المصطلح عليه كان استعمالاً للفظ في غير وضعه من غير قرينة.

ومن هنا يعلم أنّ ما في الحبل المتين من وصف الخبر المذكور بالصحة(٣) مع عمل مؤلّفة سلّمه الله بالموثّق لا يخلو من خلط في‌

__________________

(١) معالم الفقه ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٢) راجع ص ١٣٠.

(٣) الحبل المتين : ٩٤.

٢٠٣

الاصطلاح بغيره.

ويمكن الجواب من جهة الوالدقدس‌سره أنّ مراده كون القائلين بالنجاسة وصفوا أخباراً بالصحة وفيها أبان ، والحال في الخبر أنّه مشتمل على أبان ، لكن لا يخفى عليك أنّهم إذا لم يلتفتوا إلى ما ذكرناه كان على الوالدقدس‌سره أنّ يبيّن ذلك.

والثالث : فيه الحسين بن عثمان ، و(١) المذكور في النجاشي : الحسين ابن عثمان الأحمسي البجلي ، كوفي ثقة ، ذكره أبو العباس في رجال أبي عبد الله(٢) . وفيه أيضاً : الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي ثقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ، ذكره أصحابنا في رجال أبي عبد الله ، له كتاب يختلف الرواة فيه ، فمنها ما رواه ابن أبي عمير(٣) .

والشيخرحمه‌الله في الفهرست ذكر الأحمسي من غير توثيق(٤) ، وكذلك في رجال الصادقعليه‌السلام من كتابه(٥) ، وذكر العامري أيضاً في رجال الصادقعليه‌السلام من غير توثيق(٦) .

والكشي قال في الحسين ، ( بن عثمان )(٧) بن زياد الرواسي ، عن حمدويه ، عن أشياخه ، أنّه ثقة خير فاضل(٨) . وهذا الرجل في ظاهر الحال‌

__________________

(١) في « فض » زيادة قدّمنا فيه كلاماً في الجزء الأوّل ونذكر هنا ما لا بد منه ، لبعد العهد زيادة الفائدة والحاصل أنّ.

(٢) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢٢.

(٣) رجال النجاشي : ٥٣ / ١١٩ ، وفيه : له كتاب تختلف الرواية فيه.

(٤) الفهرست : ٥٦ / ٢٠٣.

(٥) رجال الطوسي : ١٨٣ / ٣٠٥.

(٦) رجال الطوسي : ١٦٩ / ٦٣.

(٧) ما بين القوسين أثبتناه من المصدر.

(٨) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ / ٦٩٤.

٢٠٤

أنّه غير الأوّلين ، والذي في الكشي ما ذكرته.

لكن قال الوالدقدس‌سره : إنّ الحسين بن عثمان مشترك بين رجلين وثّقهما النجاشي ، وحكى الكشي توثيق أحدهما عن حمدويه عن أشياخه ، مع أنّ عبارة الاختيار توهم مغايرة المحكي بتوثيقه(١) لهما ، وهذه الحكاية لا تخرجه عند التحقيق عن عداد من عرفت عدالته بتزكية الواحد(٢) . انتهى كلامهقدس‌سره .

وفي نظري القاصر أنّه محلّ تأمّل ؛ لأنّ ما ذكرناه عن الكشي يقتضي المغايرة ، فيكونون ثلاثة ، وهذه عبارة الكشي : حمدويه قال : سمعت أشياخي يذكرون أنّ حماداً وجعفراً والحسين بني عثمان بن زياد الرواسي ، وحمّاد يلقّب بالناب ، كلّهم ثقات(٣) .

والعلاّمة في الخلاصة ذكر الحسين بن عثمان بن شريك ، ثم قال : قال الكشي عن حمدويه ، عن أشياخه أنّ الحسين بن عثمان خيّر فاضل ، ثقة(٤) .

والظاهر من العلاّمة أنّه ظن كون الرواسي هو العامري ، أو أنّ لفظ الرواسي لم يكن في نسخة الكشي التي عنده.

وقول الوالدقدس‌سره : إنّ الكشي حكى توثيق أحدهما. يقتضي أنّ ما وقف عليه من الأخبار للكشي ليس فيه الرواسي ، إلاّ أنّ قوله : إنّ عبارة الاختيار توهم المغايرة يدلّ على أنّ لفظ الرواسي موجود في الاختيار ، معه فالوهم غير ظاهر الوجه ، إلاّ أنّ يكون اعتمدقدس‌سره على قرائن تدلّ على‌

__________________

(١) في المصدر : توثيقه.

(٢) معالم الفقه : ٢٠٣ ٢٠٤.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ / ٦٩٤.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٥١ / ١٥.

٢٠٥

تعدد الوصف لأحد الرجلين ، ولا أعلم الآن حقيقة الحال ، ونسخة الاختيار لم تحضرني.

ثم إنّ ما ذكرهقدس‌سره : من أنّ هذه الحكاية لا تخرجه ، إلى آخره ، يريد به المشي على أُصوله من اعتبار تزكية الاثنين ، والوجه في عدم الخروج بالحكاية عن تزكية الواحد لا يخلو من أحد أمرين :

أحدهما : أنّ يكون المذكور في الكشي أحد الرجلين الموثّقين من النجاشي فقط ، والكشي توثيقه لا يفيد ؛ لأنّه يرجع إلى شيوخ حمدويه ، وحالتهم غير معلومة ، فيكون التوثيق من النجاشي خاصة.

وثانيهما : أنّ يكون المذكور غير الاثنين ، والتوثيق حينئذ ليس إلاّ من الكشي وإن كان راجعاً إلى شيوخ حمدويه ، إلاّ أنّ ظاهر الإضافة في أشياخه يفيد العموم وفيهم من هو ثقة كما يعلم من الفهرست ، وحينئذ لا يخرج الرجل عن توثيق الواحد.

وفي نظري القاصر أنّ كلا الأمرين لا يخلو من شي‌ء.

أمّا الأول : فلأنّ كونه أحد الرجلين من غير تعيين(١) يقتضي عدم صحة الخبر عنده وإن أفاد كلام الكشي التوثيق ؛ إذ عدم تعيين(٢) الموثق بالاثنين كاف في عدم الصحة ، وظاهر الكلام يعطي أنّ المانع من الصحة كون الرجل من الذين عرفت عدالتهم بتزكية الواحد ، فليتأمّل.

وأمّا الثاني : فلأنّ الثالث إذا تحقق وقلنا بدلالة الإضافة على العموم وكان في الأشياخ من هو ثقة ، فلا ريب أنّها لا يخرجه عن كونه مزكّى بالواحد ، فالاحتياج إلى قوله : عند التحقيق ، لا وجه له ، على أنّه بعد ذكر‌

__________________

(١) في « رض » و « د » تعيّن.

(٢) في « فض » و « رض » : تعيّن.

٢٠٦

إيهام العبارة للمغايرة لا وجه لكون الرجل غير الأوّلين.

وبالجملة : فالرجل على ما في الكشي محتمل لثلاثة ، والثلاثة لا يبعد توثيقهم ؛ لما أشرنا إليه من الإضافة ، على أنّ الذي يستفاد من النجاشي أن الراوي عن الرجلين ابن أبي عمير(١) فيحتمل الاتحاد ، والله أعلم.

والرابع : فيه معلّى بن محمد ، وهو البصري ، لما صرح به الشيخ في رجال من لم يرو عن احمد من الأئمّةعليهم‌السلام أنّ الراوي عنه الحسين بن محمد(٢) وكذلك النجاشي ، وهذا الرجل قال النجاشي : إنّه مضطرب الحديث والمذهب(٣) . والوشاء قد قدّمنا القول فيه(٤) . وأبو مريم اسمه عبد الغفار ، وقد وثّقه النجاشي(٥) .

والخامس : واضح الحال بعد ما أسلفناه من المقال.

والسادس : فيه عبد الأعلى بن أعين ، وهو مهمل في رجال الصادقعليه‌السلام . من كتاب الشيخ(٦) . أمّا يونس بن يعقوب فقد قال النجاشي : إنّه قال بعبد الله ورجع ، وكان يتوكّل لأبي الحسنعليه‌السلام ، إلى أنّ قال : وكان حظيّا عندهم موثقاً(٧) . والشيخرحمه‌الله وثّقه في رجال الكاظمعليه‌السلام من كتابه(٨) .

ولا يخفى أنّ عبارة النجاشي من قوله : وكان موثقاً عندهم. إذا دلّت‌

__________________

(١) راجع ص ٨٧١.

(٢) رجال الطوسي : ٥١٥ / ١٣٢.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٧.

(٤) في ص ١١١.

(٥) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٩.

(٦) رجال الطوسي : ٢٣٨ / ٢٣٩.

(٧) رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧.

(٨) رجال الطوسي : ٣٦٣ / ٤.

٢٠٧

على التوثيق المعتبر في الرواية أفادت توثيق النجاشي للرجل ، لكن فيها نوع احتمال ، ولعلّ توثيق الشيخ هو المعتبر.

غير أنّ قول العلاّمة في الخلاصة بعد نقل الفطحية عن ابن بابويه ، والكشي في روايته عن حمدويه عن بعض أصحابه : والذي أعتمد عليه قبول روايته(١) . محل تأمّل ؛ لأنّ الرجوع لا يعلم قبل الرواية أو بعدها ، والعلاّمة لا يعمل بالموثق كما يظهر من المختلف.

أمّا ما قاله العلاّمة بعد ذلك : وروى الكشي أحاديث حسنة تدل على حسن عقيدة هذا الرجل(٢) . ففيه : أنّ الأحاديث التي في الكشي ليس فيها صحيح ولا حسن ، ولعلّ مراده بالحسن معنى آخر غير المصطلح عليه.

المتن :

في الأول : استدل به القائلون بالنجاسة مطلقاً(٣) ، أعني البول والروث ، وهي كما ترى خاصة بالبول.

والثاني : ذكره الوالدقدس‌سره في الاستدلال للطهارة في الروث والبول ، موجّهاً للاستدلال به أنّ مقتضاه نفي البأس عن الروث ، فيكون الأمر بغَسل البول للاستحباب ؛ إذ لا قائل بالفصل فيما يظهر(٤) . انتهى.

ويشكل ما قاله من عدم القائل بالفصل ، بأنّ العلاّمة في المنتهى ، إنما نقل الخلاف في بول الدواب(٥) ، والظاهر من ذلك وجود القائل بالفصل.

أمّا الثالث : فهو مذكور في أدلة القائلين بالنجاسة مطلقاً على ما حكاه‌

__________________

(١) الخلاصة : ١٨٥ / ٢.

(٢) الخلاصة : ١٨٥ / ٢.

(٣) انظر المختلف ١ : ٣٠٠ ، ومعالم الفقه : ٢٠١.

(٤) معالم الفقه : ٢٠١.

(٥) المنتهى ١ : ١٦٠.

٢٠٨

الوالدقدس‌سره (١) ، والحال ما ترى.

والرابع : مذكور في كلام الوالدقدس‌سره لتأييد القول بالطهارة(٢) على نحو ما ذكره في خبر الحلبي. أمّا قولهعليه‌السلام : « وأمّا أرواثها فهي أكثر من ذلك » فسيجي‌ء بيانه.

([ والسادس (٣) ] : مذكور في حجّة الطهارة مطلقاً في كلام الوالدقدس‌سره (٤) أيضاً )(٥) وكذلك ذكره المحقق في المعتبر قائلاً : يعني أنّ كثرتها يمنع التكليف بإزالتها(٦) .

وهذا يعطي أنّ : « أكثر » بالثاء المثلثة ، واحتمال أن يراد أكثر نجاسة قائم ، بخلاف رواية أبي مريم(٧) فإنّ سياقها يعطي ما ذكره المحقّق فكان متوجهاً ، وما في بعض النسخ من لفظ أكبر بالباء الموحدة فقد يمكن توجيهه بما لا ينافي ذلك ، لكن لا يخفى أنّه لا بد من ضميمة عدم القائل بالفصل ، ليلزم من طهارة الروث طهارة البول ، وقد سمعت ما قدّمناه عن المنتهى(٨)

، وغير بعيد أن يكون ما في المنتهى قصور عبارة ؛ لأنّهرحمه‌الله في المختلف بعد الرواية الثانية قال : ونفي البأس عن الروث يقتضي طهارته ، ويلزم من ذلك طهارة البول ؛ لعدم القائل بالفرق(٩) .

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ عدم القائل بالفرق في الطهارة لا يستلزم عدم‌

__________________

(١) معالم الفقه : ٢٠١.

(٢) معالم الفقه : ٢٠٢.

(٣) في « رض » و « د » : والخامس ، والصواب ما أثبتناه بقرينة ما ذكر بعده.

(٤) معالم الفقه : ٢٠١.

(٥) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٦) المعتبر ١ : ٤١٤.

(٧) راجع ص : ٢٠١.

(٨) راجع ص : ٢٠٨.

(٩) المختلف ١ : ٣٠١.

٢٠٩

القائل بالفرق في النجاسة. وفيه : أنّ المنافاة لإطلاق المنتهى حاصلة ، فتأمّل.

بقي شي‌ء وهو أنّه تقدّم في أوّل الكتاب خبر صحيح تضمّن السؤال عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ، والجواب تضمّن أنّ الماء إذا كان قدر كرّ لا ينجسه شي‌ء. وهو يفيد بسبب التقرير نجاسة أبوال الدواب ، ولم أر من تعرض له في الاستدلال هنا ، وقد نبّهنا على ذلك في أوّل الكتاب(١) .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ القائلين بالطهارة استدلوا بالأصل مع الأخبار المذكورة(٢) .

وقد يقال : إنّ الأصل قد علم المخرج عنه من الأخبار فكيف يتم الاستدلال؟

ويمكن الجواب بأنّ الأصل لا يخرج عنه إلاّ بالأخبار السليمة من التعارض وهو موجود ، فإن من الأخبار ما هو صحيح من الطرفين في الجملة ، وتوجيه دفع التعارض ممكن بالاستحباب فيعمل الأصل عمله والأخبار كذلك.

وقد يشكل الحال بأنّ الأصل إذ علم من مجموع الأخبار الخروج عنه انتفى عمله.

وفيه : أنّ هذا أوّل البحث بعد تحقق التعارض.

أمّا الاستدلال على الطهارة بالعمومات الدالة على طهارة بول ما يؤكل‌

__________________

(١) راجع ص ٢٥ و ٣٠.

(٢) كالمحقق في المعتبر ١ : ٤١٤ ، وصاحب معالم الفقه : ٢٠٠ و ٢٠١.

٢١٠

لحمه ، ففيه : أنّ الخاص مقدّم كما ذكر بعض محقّقي المتأخرين(١) .

وربما يقال : إنّ الخاص لا يعلم تخصيصه مع التعارض والحال ما رأيت.

ويمكن الجواب بأنّ البول لا تعارض في أخباره ، فالتخصيص لا مانع منه ، إلاّ أنّ يقال : إنّ في بعض الاخبار ما يفيد المعارضة ، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن صفوان بن يحيى ومحمد بن أبي عمير ، عن أبي الأغرّ النخّاس أنَّه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال : إنّي أُعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فتضرب إحداها بيدها أو برجلها فينضح على ثوبي فقال : « لا بأس به »(٢) .

وأبو الأغرّ وإنّ كان مجهول الحال ، إلاّ أنّ رواية الصدوق لها توجب المزية الظاهرة كما قدّمناه(٣) ، مضافاً الى رواية الثقتين(٤) عنه ، وقد قيل في مدحهما(٥) ما يشعر بالقبول في الجملة ، وحينئذ [ نقول(٦) ] في جهة البول أنّ الأخبار متعارضة فلا يخرج عن الأصل ، غير أنّ الاحتياط مطلوب.

ومن غريب ما وقع للعلاّمة في المختلف أنّه استدل للطهارة في جملة أشياء بأنّ طهارة أبوال الإبل مثلاً مع نجاسة هذه الأبوال ممّا لا يجتمعان ، والأول ثابت فينتفي الثاني ، ووجه المنافاة أنّ كون الحيوان‌

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٠١.

(٢) الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢.

(٣) راجع ص ٤٨.

(٤) وهما صفوان بن يحيى ومحمد بن أبي عمير.

(٥) معالم الفقه : ٢٠٤ ، منهج المقال : ٣٨٣.

(٦) في النسخ : يقول ، والظاهر ما أثبتناه.

٢١١

مأكول اللحم إمّا أنّ يقتضي طهارة رجيعه أو لا ، وعلى كلا التقديرين يلزم التنافي ، أما على الأوّل فلوجود المشترك في صورة النزاع ، وأمّا على الثاني فلأنّه يلزم نجاسة أبوال الإبل عملاً بالعموم الدال على نجاسة البول مطلقاً السالم عن معارضة كون الحيوان مأكولاً عادة ، وأما ثبوت الأول فبالإجماع(١) . انتهى.

وأنت إذا لاحظت الكلام بأيسر نظر ترى أنّه منحرف عن جادة التحقيق ، بل لا ينبغي صدور مثله عن مثله لكن في المختلف له نظائر.

وأغرب منه ما وقع منه في المنتهى بعد ذكر رواية لابن سنان تتضمن الأمر بغَسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، أنّ لقائل أن يقول : إنّ رواية ابن سنان غير مصرحة بالتنجيس ، أقصى ما في الباب أنّه أمر بالغَسل ، وهو غير دال على النجاسة إلاّ من حيث المفهوم ، والمنطوق أقوى(٢) . انتهى. ولا يخفى عليك الحال.

بقي شي‌ء في المقام وهو أنّ الخبر الأول تضمّن جميع الألبان والبول واللحم في السؤال ، والجواب كما ترى تضمّن النهي عن الوضوء ، وغير بعيد أنّ يراد بالوضوء غَسل اليدين ، واستعماله في هذا غير عزيز ، وربما كان ذكر عدم غَسل الثوب قرينة على ذلك ، واحتمال الوضوء الحقيقي لا وجه له ، والأعم منه ومن غَسل اليدين بعيد ، فتأمّل.

اللغة :

قد تقدّم تفسير النضح عن القاموس بأنه الرشّ(٣) ، لكن في الحبل‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٣٠٠.

(٢) المنتهى ١ : ١٦٠.

(٣) راجع ص ٨٥٥.

٢١٢

المتين أنّ ظاهر كلام العلاّمة في النهاية يعطي أنّ الرشّ أخص من النضح ، لأنّه قال : مراتب(١) إيراد الماء ثلاث : النضح المجرد ومع الغلبة ، ومع الجريان ، ولا حاجة في الرشّ إلى الدرجة الثالثة قطعاً ، وهل يحتاج إلى الثانية؟ الأقرب ذلك ، ويفرّق بين الرشّ والغَسل بالسيلان والتقاطر(٢) . انتهى. وهو أعلم بوجه ما قاله.

قوله :

والذي يدل على ذلك : ما أوردناه في كتابنا الكبير ، وفيما تقدم أيضاً من هذا الكتاب أنّ ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله وروثه ، وإذا كانت هذه الأشياء غير محرّمة اللحوم لم تكن أرواثها وأبوالها محرّماً.

ويدلُّ على ذلك أيضاً : ما رواه أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن القاسم بن عروة ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام في أبوال الدواب يصيب الثوب فكرهه ، فقلت : أليس لحومها حلالاً؟ قال : « بلى ولكن ليس ممّا جعلها الله للأكل ».

فجاء هذا الخبر مفسّراً للأخبار كلّها(٣) ومصرّحاً بكراهة ما تضمنته.

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألته عن بول السنّور والكلب والحمار والفرس ، فقال : « كأبوال الإنسان ».

__________________

(١) ليست في النسخ : أثبتناه من المصدر.

(٢) الحبل المتين : ٩٦.

(٣) في المصدر زيادة : جلياً.

٢١٣

فالوجه في هذا الخبر أنّ نحمل قوله : « كأبوال الإنسان » على أنّه راجع إلى بول السنّور والكلب ؛ لأنّهما ممّا لا يؤكل لحمهما ، ويجوز أن يكون الوجه في هذه الأحاديث أيضاً ضرباً من التقية لأنّها موافقة لمذاهب [ بعض(١) ] العامة.

والذي يدل أيضاً على أنّها خرجت مخرج ( الكراهيّة للتقيّة )(٢) :

ما رواه محمد [ بن أحمد(٣) ] بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمار ، عن المعلّى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور قالا : كنّا في جنازة وقدّامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله ٧ فأخبرناه فقال : « ليس عليكم بأس ».

السند‌ :

في الأول : فيه القاسم بن عروة ولم يذكر النجاشي فيه بعد النسب سوى أنّه روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام له كتاب(٤) . وفي الفهرست قال الشيخ : القاسم بن عروة له كتاب(٥) . وفي رجال الصادقعليه‌السلام من كتابه كذلك(٦) مع زيادة لا فائدة فيها.

__________________

(١) ليست في النسخ : أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٨٠.

(٢) ما بين القوسين في « فض » : الكراهية وللتقية ، وفي « د » : الكراهة أو التقية ، وفي « رض » : الكراهية أو للتقية ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٨٠.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٢٨.

(٤) رجال النجاشي : ٣١٤ / ٨٦٠.

(٥) الفهرست : ١٢٧ / ٥٦٦.

(٦) رجال الطوسي : ٢٧٦ / ٥١.

٢١٤

وابن بكير قدّمنا ذكره مفصّلاً(١) ، والحاصل أنّ النجاشي ذكره من غير توثيق ولا مدح(٢) ، والشيخ في الفهرست قال : إنّه فطحي إلاّ أنّه ثقة(٣) ، وقد كرّرنا القول في أنّ عدم ذكر النجاشي في أمثال الرجل المذكور كونه فطحياً دليل على انتفائه عنده(٤) ؛ إذ من البعيد اطّلاع الشيخ على ما لم يطّلع عليه النجاشي ، مع اتحاد [ العصر(٥) ] وشدة ممارسة النجاشي للرجال وعدم سلوكه سبيل الاستعجال.

والثاني : غير خفي الحال.

والثالث : فيه الحكم بن مسكين وهو مجهول. وإسحاق بن عمار ثقة في النجاشي(٦) . والشيخ قال : إنّه فطحي في الفهرست(٧) . ووثّقة فيه وفي رجال الكاظمعليه‌السلام (٨) ، وقد سمعت القول من جهة عدم ذكر النجاشي لكونه فطحياً.

فإن قلت : النجاشي قال في آخر كلامه : ذكر ذلك أحمد بن محمد بن سعيد في رجاله(٩) . وأحمد هو(١٠) ابن عقدة الزيدي المشهور فلا يفيد‌

__________________

(١) منها في ج ١ ص ١٢١ ، ص ٨٩ ، ولكن نسب إلى النجاشي هناك ما نسبه إلى الشيخ في الفهرست هنا ، فراجع.

(٢) رجال النجاشي : ٢٢٢ / ٥٨١.

(٣) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢.

(٤) في ص ٧٩.

(٥) في النسخ : القصر ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(٧) الفهرست : ١٥ / ٥٢.

(٨) رجال الطوسي : ٣٤٢ / ٣.

(٩) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(١٠) ليست في « د ».

٢١٥

التوثيق ، وبتقدير احتمال عود الإشارة إلى روايته عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ؛ لأنّه ذكر هذا قبل الإشارة ، فلا أقل من احتمال غيره ، وهو كافٍ في عدم الصلاحيّة للتوثيق.

قلت : الاحتمال الأوّل بعيد وإنّ قرّبه الإشارة للبعيد ، على أنّ توثيق الشيخ موجود.

فإن قلت : إثبات توثيق النجاشي له فائدة ، وهو تعارض الجرح والتعديل ، فالجارح وإنّ كان مقدماً في الجملة على ما فصل في موضعه(١) إلاّ أنّ مثل النجاشي له رجحان يوجب تقديم تعديله على جرح الشيخ كما ذكر أيضاً في محله(٢) ، وحينئذ فاذا ثبت توثيق النجاشي أمكن أنّ يقال بأنّ إسحاق إمامي ثقة ، وبدون ثبوت التوثيق لا يثبت ذلك فلا يكون خبره صحيحاً إذا خلا من الموانع غيره.

قلت : لما ذكرت وجه ، إلاّ أنّ ظهور احتمال العود إلى الأخير كافٍ في الجواب ، على أنّه يمكن أن يقال : إنّ قول الشيخ بالفطحية وعدم ذكر النجاشي لها من قبيل التعارض في الجملة ، فترجيح النجاشي من هذه الجهة على حاله ، وتوثيق الشيخ لا معارض له ؛ إذ الفطحية تجامعه تارة وتنفك عنه اخرى ، اللهم إلاّ أنّ يقال : إنّ كلام الشيخ في حكم المركب فكان حكمه بالتوثيق مع كونه فطحياً ، فليتأمّل.

وفي الطريق المعلى بن خنيس ، وفيه كلام ، إلاّ أنَّه لا يضر بحال الرواية لو سلمت من غيره كما لا يخفى(٣) .

__________________

(١) كما قال به الشهيد الثاني في الدراية : ٧٣.

(٢) راجع ص ٧٩.

(٣) لأنّ الرواية رواها عبد الله بن أبي يعفور أيضاً وهو ممن وثقه النجاشي مرتين ، راجع رجال النجاشي : ٣١٣ / ٥٥٦.

٢١٦

ثم إنّ المعلى بن خنيس قال النجاشي : إنّه ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه(١) ، والعلاّمة في الخلاصة نقل عن الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بغير اسناد : أنّه كان من قوّام أبي عبد اللهعليه‌السلام وكان محموداً عنده ومضى على منهاجه. وهذا يقتضي وصفه بالعدالة(٢) .

وفي نظري القاصر أنّ كلام الشيخ لا يقتضي الوصف بالعدالة ، أمّا من جهة كونه من القوّام فلأنّ الوكالة لا تفيد العدالة ، إلاّ إذا تعلّقت بمشروط بها ، وذلك غير معلوم.

وكونه محموداً عنده لم يعلم أنَّه من أي جهة ، وربما يكون من حيث قضاء مآربهعليه‌السلام على الوجه الأكمل ، وهذا أمر آخر.

ثم قوله : بغير إسناد. إنّ أراد به أنّه على سبيل الجزم من الشيخ فكان ينبغي بيان التعارض بينه وبين تضعيف النجاشي ، وإن كان الشيخ ذكر ما يشعر بالرواية فاقتضاء كلامه التعديل لا وجه له.

وغير بعيد أنّ غرض العلاّمة التنبيه على رجحان جانب الجرح ؛ لأنّه ذكره عن النجاشي وابن الغضائري(٣) ، وقد روى الكليني في الروضة من الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : دخلت عليه يوماً فالقى ( عليّ ثيابه )(٤) وقال : « يا وليد ردّها على مطاويها » فقمت بين يديه ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « رحم الله المعلّى بن خنيس » ثم قال : « أُفٍّ للدنيا إنّما الدنيا دار بلاء سلّط الله فيها عدوّه على وليّه »(٥) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٧ / ١١١٤.

(٢) الخلاصة : ٢٥٩ / ١.

(٣) الخلاصة : ٢٥٩ / ١.

(٤) ما بين القوسين في المصدر : إليّ ثياباً.

(٥) الكافي ٨ : ٣٠٤ / ٤٦٩ ، بتفاوت في المتن.

٢١٧

وهذا الحديث ربما دل على مدح في الجملة ، وفي كتاب الدين من التهذيب حديث حسن أيضا ربما يفيد نوع مدح(١) والله أعلم بالحال.

المتن :

في الأوّل حمل الشيخ فيه الكراهة على معناها الأُصولي ، ولا يخلو من تأمّل ؛ لوجود استعمالها في التحريم كما في كثير من الأخبار ، وللشيخ في ذلك اضطراب يعلمه من تصفّح كتبه.

ثم لفظه : كرهه ، إمّا أنّ تقرأ بالتضعيف على معنى أنّه جعله مكروهاً ، وحينئذ يصير مشتركاً بين التحريم والكراهة الأُصولية كما يستفاد من الأخبار ، وإمّا بغير التضعيف على معنى أنّه نفر منه ، والاشتراك أيضاً محتمل من النفرة ، وعلى كل حال فقول الشيخ : جاء الخبر مصرّحاً بالكراهة صحيح ، أمّا تفسير معنى الكراهة منه فمحل كلام ، غاية الأمر أنّه إذا نظر الى تعارض الأخبار أمكن حمل الكراهة على معناها الأُصولي.

وما قاله الشيخرحمه‌الله : من أنّه أورد في الكتاب الكبير(٢) وفيما تقدم أنّ ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله وروثه. صحيح أيضاً ، إلاّ أنّ الأخبار لو صحّت لكانت قابلة للتخصيص ، كما أوضحنا الحال فيه سابقاً(٣) ، ونقول هنا : إنّ ما دل على النجاسة ناقل ، وما دلّ على الطهارة مقرّر للأصل ، وعند التعارض يرجّح(٤) الناقل ، مضافاً إلى أنّ أخبار النجاسة أكثر ، بل ربما كانت‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٨٦ / ٣٨٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٣٥ أبواب الدين والقرض ب ٩ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٧ / ٧١١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٩.

(٣) راجع ص ٨٧٤.

(٤) في « د » : يترجح.

٢١٨

أصحّ ، كما يعرف بمراجعتها ، إلاّ أنّه محل كلام بعد ما ذكرناه من رواية الصدوق(١) ، ويؤيدّها أنّ الثقة الجليل محمد بن يعقوب رواها أيضاً(٢) .

وقد ذكر الوالدقدس‌سره في المعالم بعد ما قدّمناه عنه سابقاً(٣) من توجيهه لصحّة خبر الحلبي الدال على نفي البأس عن روث الحمير ما هذا لفظه : وقد علمت أنّ المشي على طريقهم في تصحيح الأخبار مقتضٍ لصحّة الخبر المذكور ، واللازم من الأمرين يعني صحة الخبر وعدم القائل بالفصل ثبوت الطهارة ، وتبقى الأخبار الأُخر عاضدة ، وقد أشار المحقّق في المعتبر إلى خلو الأخبار عن نجاسة الروث ، فقال بعد نقل جملة من الروايات فخلّص من هذا تطابق أخبارنا على طهارة الروث وتصادمها على البول ، فيقضى بالكراهة(٤) عملاً بالروايتين ، ولأنّ تعارض النقل يثمر الطهارة لوجهين ، أحدهما : أنّ الأصل الطهارة فيكون طرفها أرجح ، الثاني : ما روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنّه قذر »(٥) انتهى(٦) .

وأنت خبير بعد ما ذكرناه من ترجيح الناقل على المقرّر يشكل ما ذكره الوالدقدس‌سره والمحقّق ، إلاّ أنّ يقال : إنّ أخبار النجاسة غير صريحة في ذلك ، بل بعضها المقترن بالروث قرينة الاستحباب فيه موجودة ، نظراً إلى ما تقدم من عدم القائل بالفصل ، فإذا حكم بطهارة الروث في الخبر ومعه‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٨٧٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٨ / ١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢.

(٣) راجع ص ٨٧٣.

(٤) في المصدر : بالكراهية.

(٥) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤.

(٦) معالم الفقه : ٢٠٥.

٢١٩

الأمر بغَسل البول كان للاستحباب ، والبعض الخالي من الاقتران لا بدّ حينئذ من حمله على الاستحباب كالمقترن ، إذ يبعد الحكم في بعض دون بعض ، وإذا لم تكن الأخبار صريحة فترجيح الناقل يتوقف على ذلك.

ويمكن أنّ يجاب عن هذا بأنّ إثبات عدم القائل بالفصل عسر ، بل هو من قبيل الإجماع الذي يدّعى من المتأخّرين ، هذا.

والعجب من بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله أنّه ذكر ترجيح الناقل على المقرّر في خبرين ، أحدهما دالّ على الأمر بغَسل الثوب من بول ما لا يؤكل لحمه ، والآخر دالّ على أنّ كل شي‌ء يطير لا بأس بخرئه وبوله(١) ، والحال أنّه ذكر في مسألة أبوال الدواب أنّ أخبار النجاسة ربما حملت على الاستحباب لاعتضادها بالأصل وعمل الأكثر ، ثم قال : والمسألة محل توقف(٢) .

والوجه في التعجب أنّ هذا المحل أولى بذكر المقرّر والناقل ؛ لأنّ أحد ذينك الخبرين رواية أبي بصير ، فليس الاعتناء به أولى من غيره ، ولا يبعد أنّ يكون عمل الأكثر كما ذكر مع الأصل مؤيداً قويّاً ، إلاّ أنّ الكلام في ثبوت الأكثرية ، وبالجملة فالمقام واسع الباب ، والله سبحانه الهادي إلى الصواب.

ثم إنّ ما تضمنه الأوّل من قوله : « ولكن ليس ممّا جعلها الله للأكل » لا يخلو من إجمال ، ولعلّ المراد أنّ المأكول الخالي بوله وروثه من الريب ما أعدّه الله للأكل ، بمعنى أنّ خلقه للأكل بالذات ، والاستعمال في غير الأكل بالعرض ؛ أمّا ما كان خلقه بالذات للاستعمال كالخيل والبغال والحمير ،

__________________

(١) الحبل المتين : ٩٦.

(٢) الحبل المتين : ٩٥.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483