إستقصاء الإعتبار الجزء ٣

إستقصاء الإعتبار0%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-175-3
الصفحات: 483

إستقصاء الإعتبار

مؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-175-3
الصفحات: 483
المشاهدات: 36593
تحميل: 4683


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 483 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36593 / تحميل: 4683
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: 964-319-175-3
العربية

ولا يخفى أنّ بناء ما قلناه على أنّ الخبر يشعر بعدم الكذب في الرواية الاولى من المذكورين في الرواية ، وإذا صحّت وقع التعارض ، ومعه فالصراحة غير واضحة ، إلاّ من جهة الأمر بالغَسل ، وقد سمعت الاحتمال. نعم لو دلّت الرواية على عدم صحّة المروي عنهماعليهما‌السلام أمكن الصراحة ، والحمل على التقية قد تقدّم فيه الكلام(١) . إلاّ أنّ يقال : إنّ المراد تقية الحكّام في زمانهمعليهم‌السلام ، فليتأمّل.

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله الوالدقدس‌سره من : أنّه لا ريب أنّ فيما تضمنه هذا الخبر من الأمر بالأخذ بقول أبي عبد اللهعليه‌السلام بعد ما تقرر في السؤال دلالة على أنّ الحكم في ذلك هو النجاسة ، وأنّ الطهارة لا تعويل عليها(٢) .

محلّ تأمّل ، والوجه غير خفي ، مضافاً إلى أنّ ما رواه الصدوق له مزيّة عندهقدس‌سره وإنّ كان مرسلاً ، والاعتبار يفيد ذلك كما قدّمناه ، مع أصالة الطهارة.

إلاّ أنّ الحقّ : كون اتباع أكثر العلماء أولى وأحوط ، وإذا انضمّ إلى ذلك بعض الأخبار ازداد الحكم بالنجاسة قوةً.

على أنّ في بعض الأخبار غير المذكورة ما يدل على النجاسة من حيث تقرير الإمامعليه‌السلام للسائل ، وهو مذكور في الحبل المتين معدوداً من الصحيح(٣) .

فمن ذلك : ما رواه عبد الله بن سنان قال : سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام وأنا حاضر : إني أُعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم‌

__________________

(١) راجع ص ٩٣٧.

(٢) معالم الفقه : ٢٣٩ بتفاوت يسير.

(٣) الحبل المتين : ١٠٠.

٣٢١

الخنزير ، فيردّ عليّ ، فأغسله قبل أنّ أُصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ، ولم تستيقن نجاسته ، فلا بأس أنّ تصلّي فيه حتى تستيقن أنّه نجّسه »(١) .

وإنّما قلنا بتأييد مثل هذا الخبر مع أنّ ظاهر التقرير يفيد النجاسة كما هو مقرّر في الأُصول ؛ لاحتمال أنّ يكون السكوت عن حكم عدم نجاسة الخمر لمصلحة ، وكون التقرير دليلاً على الإطلاق في محلّ المناقشة ، إلاّ أنّ يكون الحكم إجماعياً ، وإثباته عَسِر.

ولو تمّ الاطّراد في التقرير أمكن الاستدلال على نجاسة أبوال الدواب بالخبر الوارد في ( أوّل الكتاب ، من قول السائل عن الماء تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب(٢) .(٣) مع أنّهم لم يذكروه على ما رأيت )(٤) في الأدلّة.

أمّا ما قد يقال : من أنّ ذكر الخمر لكونه نجساً بمباشرتهم لا لذاته. فيمكن أنّ يدفع بأنّه لا خصوصية للخمر ، بل مباشرة الماء ونحوه أكثر وأظهر.

وبالجملة : فإنّ لم يوجد المعارض الصالح فالاستدلال بمثل ما ذكرناه ممكن ، أمّا مع وجوده فالتأويل لا مانع منه.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما قاله الشيخ من أنّ الأخبار لا دلالة فيها على الطهارة محلّ تأمّل في بعضها ، كما لا يخفى. أمّا ما ذكره في توجيه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٥ ، الإستبصار ١ : ٣٩٢ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) راجع ص ٢٦.

(٣) في « فض » زيادة : فإنّهعليه‌السلام قال : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه » والتقرير فيه موجود ، وفي « د » مشطوبة.

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٣٢٢

الخبر الأخير فهو جيّد مع تحقق النجاسة ، والله تعالى أعلم بحقائق الأُمور.

اللغة :

قال في القاموس : البُصاق كغُراب ، والبُساق والبُزاق : ماء الفم إذا خرج منه ، وما دام فيه فريق(١) .

قوله :

باب الثوب يصيب جسد الميت من الإنسان وغيره.

أخبرني الشيخ ; عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله ٧ قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت ، فقال : « يغسل ما أصاب الثوب ».

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم وأبي قتادة ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت ، هل تصلح الصلاة فيه قبل أنّ يغسله؟ قال : « ليس عليه غَسله ، وليصلّ فيه ولا بأس ».

فالوجه في هذا الخبر أنّ نحمله على أنّه إذا أتى على ذلك سنة وصار عظماً ، فإنّه لا يجب غسل الثوب منه.

يدلّ على ذلك :

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٢١.

٣٢٣

ما رواه محمد ( بن أحمد )(١) بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن عبد الوهاب ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن هشام بن سالم ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سألته عن مسّ عظم الميت؟ فقال : « إذا جاز سنة فليس به بأس ».

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى(٢) عليهما‌السلام ، قال(٣) : سألته عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت. قال : « ينضحه بالماء ويصلّي فيه فلا بأس ».

فهذا الخبر بيّن(٤) أنّ حكم الكلب حياً وميتاً سواء في نضح الماء على الثوب الذي أصابه إذا كان جافّاً ، والخبر الأوّل يكون مخصوصاً بجسد الآدمي ، فلا تنافي بينهما على حال.

السند :

في الأوّل : حسن بلا ارتياب(٥) .

والثاني : صحيح.

والثالث : فيه عبد الوهّاب ، وهو مشترك بين مهملين في الرجال(٦) .

ومحمد بن أبي حمزة قدّمنا القول فيه(٧) .

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧٣.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧٤ زيادة : بن جعفر.

(٣) ليست في الاستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧٤.

(٤) في الاستبصار ١ : ١٩٢ : يبيّن.

(٥) من جهة إبراهيم بن هاشم ، راجع ص ٣٦.

(٦) منهج المقال : ص ٢١٦.

(٧) راجع ص ١٠٤.

٣٢٤

وكذلك في إسماعيل الجعفي في أول هذا الجزء(١) ، والحاصل : أنه مشترك بين ابن جابر الجعفي وبين ابن عبد الرحمن(٢) ؛ وفي ابن جابر كلام سبق(٣) ، أمّا ابن عبد الرحمن فضعيف.

والرابع : صحيح ؛ لأنّ في الطرق المذكورة للشيخ في فهرست الكتاب إلى محمد بن أحمد بن يحيى ما هو موصوف بالصحة في كلام المتأخرين(٤) . وقد قدّمنا ما لا بد منه في ذلك من جهة الاعتماد على الشيوخ الذين لم ينص على توثيقهم في كتب الرجال(٥) .

المتن :

في الأوّل : كما ترى فيه الميت ، وربما يدعى انصرافه إلى ميت الآدمي ، وقد ذكره بعض الأصحاب في الحجة لميت الآدمي(٦) ، والشيخ في آخر الباب كلامه يعطي ذلك(٧) ، إلاّ أنّه حمله لأجل ظن المعارض على ما يظهر منه. وربما يحتمل كونه متناولاً لغير الآدمي ، نظراً إلى ظاهر اللفظ ، والمعارض ستسمع الكلام فيه(٨) .

وعلى كل حال : فالذي يخطر في البال اختصاصه بالنجاسة المتعدّية ،

__________________

(١) راجع ص ٧٠١.

(٢) هداية المحدثين : ١٨.

(٣) في ص ٧٠١.

(٤) كالعلاّمة في خلاصته : ٢٧٦.

(٥) راجع ص ٧٢.

(٦) المحقق الحلي في المعتبر ١ : ٣٤٩.

(٧) الاستبصار ١ : ١٩٢ ، وتقدّم في ص ٣٠٧.

(٨) في ص ٩٥٠.

٣٢٥

لأنّ قوله : « ما أصاب الثوب » ( لا وجه له إلاّ كون الثوب مفعولا ، و « ما » إمّا نكرة وإمّا موصولة ، والمعنى : يغسل شيئاً أصاب الثوب )(١) أو الشي‌ء الذي أصاب الثوب ، وغير خفيّ أنّ مع الجفاف لا إصابة.

وحينئذٍ يمكن ادعاء أنّ الرواية بتقدير تناولها للآدمي وغيره ، أو كونها مخصوصة بالآدمي مخصوصة بالرطوبة.

فما قاله الوالدقدس‌سره بعد ذكر القول عن العلاّمة في المنتهى أنّه قال : لو مسّه يعني ميّت الآدمي رطباً ينجس نجاسة عينية ، ولو مسّه يابساً فالوجه أن النجاسة حكمية ، فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميت رطباً لم يؤثّر في تنجيسه ؛ لعدم دليل التنجيس ، وثبوت الأصل(٢) : وناقشه بعض الأصحاب بأنّ النصوص دلت على وجوب غَسل الملاقي مع الرطوبة ، وهو كما ترى(٣) . محل بحث ؛ لأنّ المناقشة في محلها بعد ما ذكرناه في النص وغيره.

ومن الروايات التي وقفنا عليها رواية إبراهيم بن ميمون ، وهي الواردة في ميّت الآدمي حيث قال فيها : « إنّ لم يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه »(٤) وهي ضعيفة قابلة لما قلناه في الأُولى.

وأمّا الأخبار الواردة في الفأرة إذا وقعت في السمن الذائب والزيت(٥) فاختصاصها بالرطوبة ظاهر ، وحينئذ فإطلاق الوالدقدس‌سره ردّ المناقشة بما‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) المنتهى ١ : ١٢٧.

(٣) معالم الفقه : ٢٧٩ بتفاوت.

(٤) الكافي ٣ : ٦١ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١١ ، الوسائل ٣ : ٤٦١ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ١.

(٥) الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٤٣.

٣٢٦

ذكره مع أنّه إنّما نقل في الميتة ما ذكرناه(١) غريب.

وأعجب منه قول شيخناقدس‌سره في المدارك بعد نقل روايتي الحلبي وإبراهيم بن ميمون : وإطلاق الروايتين يقتضي تعدّي نجاسته مع الرطوبة واليبوسة(٢) .

أمّا ما قاله العلاّمة فهو في الحقيقة غير ظاهر الوجه ؛ لأنّ النجاسة الحكمية وغيرها تابعة للدليل ، والأصل الذي ذكره واضح ، فالخروج عنه بغير دليل غريب.

واستدلاله أيضاً مع الأصل بقولهعليه‌السلام : « كل يابس ذكي »(٣) كذلك ؛ فإنّ إثبات الحكمية بهذا لا وجه له ، ونفي النجاسة العينية لا يقتضي ثبوت الحكمية إنّ كان الدليل غير عامّ ، فما ندري الوجه فيما قاله.

وينقل عن ابن إدريس قول في المسألة(٤) ، وقد تكلّم عليه المحقق في المعتبر بما لا مزيد عليه(٥) ، ولو لا خوف الخروج عما نحن بصدده لنقلناه ، هذا.

وينقل عن بعض الأصحاب القول بأنّ نجاسة الميت لا تتعدّى إلاّ مع الرطوبة(٦) . وقد علمت دلالة الخبر عليه.

هذا إذا عمل بالحسن ، وإلاّ فالعمدة الإجماع ، وهو منقول مع‌

__________________

(١) معالم الفقه : ٢٢٣.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٧٠.

(٣) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤١ ، الوسائل ١ : ٣٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ٥.

(٤) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٣٤٩ ، وهو في السرائر ١ : ١٦٣.

(٥) المعتبر ١ : ٣٤٩ ، ٣٥٠.

(٦) نقله صاحب معالم الفقه : ٢٧٦ ، وصاحب مدارك الأحكام ٢ : ٢٧٠ ، وهو في جامع المقاصد ١ : ١٧٤.

٣٢٧

الرطوبة ، ومع عدمها فقد سمعت الخلاف فيها في الآدمي ، وأمّا غيره فمع الرطوبة لا خلاف فيه كما نقل ، ومع اليبوسة فالذي يظهر من الأصحاب الخلاف في ذلك(١) ، بل ظاهر شيخناقدس‌سره عدم تحقق الخلاف ، لأنه قال : ينبغي القطع بعدم تعدّي النجاسة مع اليبوسة ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، مع أنّه نقل عن العلاّمة في المنتهى الجزم بوجوب غَسل اليد بمسّ الميتة مع الرطوبة واليبوسة. إلى أن قال : ثمّ استقرب يعني العلاّمة كون النجاسة مع اليبوسة حكمية ، فلو لامَسَ رطباً لم يحكم بتنجيسه(٢) .

وهذا الكلام يعطي أنّ المخالف في اليبوسة العلاّمة ، والمفهوم من ما استقر به القول بالنجاسة على نحو خاص لا الطهارة.

والوالدقدس‌سره نقل الخلاف في التأثير مع اليبوسة في غير الآدمي ، وأن جماعة من المتأخّرين قالوا بعدم التأثير ، ثم نقل عن العلاّمة ما يقتضي القول في ميت الآدمي(٣) كما سبق عن المنتهى(٤) . ولم يحضرني الآن المنتهى لأعلم حقيقة الحال ، إلاّ أنّ ما نقله الوالدقدس‌سره عن المتأخّرين ربما يشكل به ما قاله شيخناقدس‌سره من الاقتصار على موضع الوفاق ؛ لأنّ خلاف المتأخرين لا يضرّ بالحال. ويمكن الجواب عن هذا بأنّ خلاف‌

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٣٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٠٨ ، وصاحب معالم الفقه : ٢٧٦.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٦٩.

(٣) معالم الفقه : ٢٧٦.

(٤) في ص : ٣٢٦ ٣٢٧.

٣٢٨

المتأخّرين يقتضي عدم الإجماع ، وفيه ما فيه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ شيخناقدس‌سره ذكر أنّ الحكم المتعلق بالميت إنّما يكون بعد البرَد وقبل الغُسل ، لطهارته بالغَسل ، وعدم تحقق انتقال الروح قبل البرد ، ويدلُّ عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « مسّ الميت عند موته وبعد غَسله ليس به بأس »(١) (٢) انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ هذا محل بحث ؛ لأنّ الظاهر من الرواية نفي البأس من جهة الغُسل ، لا غَسل العضو ، ولو سلّم الاحتمال فالخبر الدال على غَسل ما أصاب الثوب يقتضي تقييد هذا الخبر بالغُسل. وعدم تحقق الموت محلّ كلام ، ولعلّ الأولى أنّ يقال : إنّ نجاسة الميت يقتصر فيها على موضع الوفاق ، ومع الحرارة لا وفاق ، إنّ تمّ في الأمرين ما ذكر.

أمّا ما وقع لبعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله من الاستدلال على نجاسة الميتة بما رواه الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنّه قال : « لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إنّ الصوف ليس فيه روح »(٣) (٤) فلا يخلو من غرابة ؛ لأنّ مفاد الرواية أنّ ما فيه الروح لا يصلّى فيه ، وعدم الصلاة أعم من النجاسة كما لا يخفى. وفي بعض الأخبار الحسنة ما يمكن الاستدلال به على نجاسة الميتة لو عمل بالحسن ، وقد ذكرناه مفصلاً في حاشية الروضة.

وأمّا الثاني : فالظاهر منه الملاقاة للشعر ، واحتمال طهارة شعر الميتة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨٧ / ٤٠٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٠ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب غسل المس ب ٣ ح ١.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٧١ بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٠ ، الوسائل ٣ : ٣٣٣ أبواب لباس المصلي ب ٥٦ ح ١.

(٤) كالبهائي في الحبل المتين : ١٠١.

٣٢٩

مع الاتصال ممكن ، إلاّ أنّي لا أعلم القائل به ، غير أنّ لشيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب كلاماً يدل على تحقق القول بذلك ، فإنّه قال : بل الأقرب حمله على ما إذا وقعت الملاقاة بشعر الحمار ، أو كانت الملاقاة مع اليبوسة. وعلى كل حال فاحتمال اليبوسة ممكن في الجميع.

وما قاله الشيخ في غاية البُعد ، والاستدلال عليه بالخبر المذكور غريب ، على أنّ في الخبر المستدل به شيئاً ربما لا يخفى على من تدبّره ، وبتقدير تسليم الدلالة فالعظم لا وجه لتأثيره على الإطلاق.

وأمّا الخبر الأخير : فكلام الشيخ فيه لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ نضح الثوب إذا اقتضى أنّ يكون لمسّه بيبوسة كما قاله فاقتضاء هذا حمل الخبر الأوّل على الآدمي يقتضي حمل الخبر الثاني على غير ما قاله فيه ، بل على الإصابة بيبوسة ، ومفارقة الكلب بالنضح لا مانع منها ، فليتأمّل.

بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّ الخلاف واقع في الرشّ من إصابة الكلب يابساً ، فقيل : بالوجوب ، وهو مذهب الشيخ في النهاية(١) . وقيل بالاستحباب(٢) . والوارد في هذا الخبر النضح ، فإن قلنا بالترادف فالحال واحد ، وإن قيل بالمغايرة أمكن الفرق بين حالتي الحياة والموت في الكلب. إلاّ أن يقال : إن كلام الشيخ في الوجوب ظاهر في الحيّ ، والقول المحكي بالوجوب فيه أيضاً ، وبعد الموت غير معلوم القول به ، وكلام الشيخ هنا ربما يعطي المساواة مطلقاً ، والله تعالى أعلم بالحال.

__________________

(١) النهاية : ٥٢.

(٢) قال به المحقق الحلّي في المعتبر ١ : ٤٣٩.

٣٣٠

قوله :

باب الأرض والبواري والحصر

يصيبها البول وتجفّفها الشمس‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن بن علي ابن فضال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سئل عن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال : « إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ، ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة عليه حتى ييبس ، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على ذلك الموضع(١) ، وإنّ كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك ».

وبهذا الإسناد عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال : سألته عن البواري يصيبها البول ، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال : «(٢) لا بأس ».

وأخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٥ لا توجد : الموضع.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٦ زيادة : نعم.

٣٣١

عثمان بن عبد الله ، عن أبي بكر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : « يا أبا بكر : ما(١) أشرقت عليه الشمس فقد طهر ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول أومأ(٢) أشبهه ، هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ قال : « كيف تطهّر من غير ماء؟ ».

فالوجه في هذا الخبر أنّه لا يطهر من غير ماء ما دام رطباً ، وإنما يحكم بطهارته إذا جفّفته الشمس.

السند :

في الأوّل : موثّق على ما قدمناه(٣) .

والثاني : صحيح كذلك.

والثالث : ( فيه عثمان بن عبد الله كما هنا ، وفي التهذيب عثمان بن عبد الملك ، وابن عبد الله مذكور في رجال الصادقعليه‌السلام )(٤) من كتاب الشيخ مهملاً(٥) . وابن عبد الملك مجهول.

وأبو بكر كأنه الحضرمي ، وفي المعتبر جزم بأنه الحضرمي(٦) ، وقد قدّمنا(٧) أنّه غير ثقة ولا ممدوح.

والرابع : صحيح.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٦ زيادة : كلّ.

(٢) في « فض » و « رض » : وما.

(٣) راجع ص ١٢٠ و ٢٧٥.

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٥) رجال الطوسي : ٢٦٠ / ٦٠٢.

(٦) المعتبر ١ : ٤٤٦.

(٧) في ص ٤٣٠.

٣٣٢

المتن :

في الأوّل : لا يخلو من إشكال من وجوه :

الأوّل : شموله لكلّ موضع ، والمنقول عن الشيخ في المبسوط أنّه قال نحو ما قال المفيد(١) ، وعبارة المفيد : الأرض إذا وقع عليها البول ، ثم طلعت عليها الشمس فجفّفتها ، طهرت بذلك ، وكذا القول في الحصير(٢) .

ونقل عنه في الخلاف أنّه قال : الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت عليها الشمس ، أو هبت عليها الريح حتى زالت عين النجاسة طهرت(٣) . وقال في موضع آخر منه ـ بعد الحكم بطهارة الأرض بتجفيف الشمس لها من نجاسة البول ـ : وكذا الكلام في الحصر والبواري(٤) .

وفي المنتهى نقل عن الشيخ الاحتجاج بإجماع الفرقة ، ورواية عمّار مع رواية علي بن جعفر الآتية(٥) . وأنت خبير بأنّ الرواية تفيد العموم. وقد قال العلاّمة في المنتهى بعد نقله عن المبسوط الاختصاص بالبول : إنّه جيّد ؛ لأنّ الرواية الصحيحة إنما تضمنت البول ، والتعدية بغير دليل لا تجوز ، قال : ورواية عمار وإنّ دلت على التعميم ، إلاّ أنّها لضعف سندها لم يعوّل عليها(٦) .

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٣.

(٢) المقنعة : ٧١.

(٣) حكاه عنه في المختلف ١ : ٣٢٣ ، وهو في الخلاف ١ : ٢١٨.

(٤) الخلاف ١ : ٤٩٥.

(٥) المنتهى ١ : ١٧٧ ، وليس فيه الاحتجاج بالإجماع ، ولكنه موجود في المعتبر ١ : ٤٤٦.

(٦) المنتهى ١ : ١٧٨.

٣٣٣

ولا يخفى عليك حينئذٍ أنّ الظاهر من الشيخ هنا التعويل على الرواية ، لكن الحق أنّ هذا الكتاب لا يمكن الاعتماد على مذهب الشيخ فيه.

الثاني : ظاهر الرواية أنّ مجرّد إصابة الشمس [ ثم اليُبس(١) ] بعد ذلك كافٍ ، والذي يقتضيه ما رواه الصدوق صحيحاً عن زرارة اعتبار تجفيف الشمس ، حيث قال فيها : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي أُصلّي فيه. فقال : « إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر »(٢) وهذه الرواية قد يستفاد منها التعميم لغير الأرض.

الثالث : ظاهر الرواية جواز الصلاة على الموضع ، واستفادة الطهارة منها موقوفة على عدم جواز السجود على المحل المنجّس ، وهو محلّ كلام فقد نقل القول بجوازه(٣) .

وقد أشار المحقق في المعتبر إلى هذا ، فإنّه بعد نقل احتجاج الشيخ بالروايات في الخلاف ، قال : إنّ في استدلاله بالروايات إشكالاً ؛ لأنّ غايتها الدلالة على جواز الصلاة عليها ، ونحن فلا نشترط طهارة موضع الصلاة ، بل نكتفي باشتراط طهارة موضع الجبهة ، قال : ويمكن أنّ يقال : الإذن في الصلاة عليها مطلقاً دليل جواز السجود عليها ، والسجود يشترط طهارة محله.

ثم أطال الكلام في الاستدلال ، مع أنّه قال في المعتبر نقلاً عن الراوندي وصاحب الوسيلة : أنّهما ذهبا إلى أنّ الأرض والبواري والحصر إذا‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين ساقط من « رض » وفي « د » : ثمّ يبس ، والأولى ما أثبتناه.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ٣٨.

٣٣٤

أصابها البول وجفّفتها الشمس لا تطهّر بذلك ، ولكن يجوز السجود عليها ، ثم قال المحقّق : وهو جيد(١) .

وهذا يقتضي المخالفة لما نقلناه من استدلاله ، فكأنّه رجوع عن القول.

والعلاّمة في المختلف نقل عن الراوندي أنّه يلوح من كلامه ذلك ، قال : وكان شيخنا أبو القاسم يختار ذلك(٢) .

ثم إنّ العلاّمة اختار أنّ الأرض والحصر والبواري إذا أصابها بول وشبهه من النجاسات المائعة ثم جفّفتها الشمس طهرت ، واحتج برواية عمّار(٣) إلى قوله : « فالصلاة على الموضع جائزة » ثم قال : وجه الاستدلال أنّ نقول : إنّ السؤال عن الطهارة ، فلو لم يكن في الجواب ما يفهم منه السائل لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو محال ، لكن الجواب الذي وقع لا يناسب النجاسة فدل على الطهارة ، وأيضاً ما رواه أبو بكر وذكر الرواية وبأنّ المقتضي للتنجيس الأجزاء التي عدمت بإسخان الشمس ، فيزول الحكم ؛ ثم إنّه نقل الاحتجاج عن القائلين بالبقاء على النجاسة بالاستصحاب ، وأجاب بأنّ الاستصحاب ثابت مع بقاء الأجزاء النجسة لا مع عدمها(٤) .

والمحقق في المعتبر ذكر نحو ما قاله العلاّمة ، من أنّ الشمس من شأنها الإسخان ، والسخونة تلطف الأجزاء الرطبة وتصعدها ، فإذا ذهب أثر‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٤٦.

(٢) المختلف ١ : ٣٢٤.

(٣) في « رض » زيادة : الساباطي.

(٤) المختلف ١ : ٣٢٤.

٣٣٥

النجاسة دل على مفارقتها(١) .

وهذا الكلام ربما ينكر عليه بأنّ الطهارة مرجعها إلى حكم الشارع لا إلى زوال الأعيان ، كما اعترفا به في مواضع.

نعم ربما وجّه الوالدقدس‌سره الاستدلال في المسألة : بأنّ الدال على تنجيس البول ونحوه للأرض هو الإجماع ؛ لأنّ الأخبار خاصة بالثوب والبدن ونحوهما ، وإذا كان الإجماع هو الدليل فإذا انتفى الإجماع بعد تجفيف الشمس انتفت النجاسة(٢) . وأطالقدس‌سره الكلام في هذا.

وفي نظري القاصر أنّ فيه بحثاً ، وقد ذكرته في محل آخر ، والحاصل : أنّ الإجماع لو انحصر الأمر فيه كما ذكره يقال : إنّ الإجماع أفاد حدوث النجاسة لا استمرارها ، بل الاستمرار حصل من عدم حكم الشارع بالمطهّر ، فزوال الإجماع لا يفيد الطهارة بل يفيد زوال الحدوث ، ولا ريب أنّ الحدوث إذا انتفت علّته انتفى معلولها ، وهو الحدوث ، لا مطلق النجاسة.

فإن قلت : الحدوث اعتباري والعلّة لا تؤثّر فيه ، كما صرّح به الشارح الجديد للتجريد ، حيث قال في الأصل سلطان المحققين : والحدوث اعتباري. فقال في الشرح : لا تأثير للفاعل فيه ، بل إنما يؤثّر الفاعل في الماهية(٣) .

قلت : مرادنا بالحدوث وجود أصل التنجيس ، أمّا استمراره فله علّة أُخرى.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٤٦.

(٢) معالم الفقه : ٣٩٧.

(٣) شرح التجريد للقوشجي : ٣٤٥.

٣٣٦

وما عساه يقال : إنّ زوال أصل التنجيس لا معنى له ، فإن النجاسة كما أنّها باقية أصل وجودها كذلك.

يمكن الجواب عنه بجواز أنّ يقال : إنّ وجود التنجيس مختلف باختلاف العلل وإنّ توافق الحكم ، غاية الأمر أنّ بقاء النجاسة لا بُدّ له من علّة كما هو شأن الممكن ، والمستفاد من قواعد الأصحاب أنّ الطهارة لا بُدّ لها من علّة ، وبدونها فأصالة بقاء النجاسة هي العلّة اصطلاحاً ، وقد يعبّر عنها بالعدم ، فيقال : إنّ الطهارة موقوفة على الدليل ، وبدونه فالنجاسة باقية ، وعلى هذا لا يتوجه في المقام أنّ العدم لا يصلح علّة.

ويمكن أنّ يقال في نظير المسألة : قولهم لا بُدّ في شهادة الشاهدين من القطع ، مع أنّ الشاهدين على الماضي لا يحصل لهم القطع لاحقاً ، لكن الشارع حكم بالبقاء ما لم يعلم المسقط ، فعدم العلم بالمسقط علّة الحكم بالبقاء.

ولو نوقش في هذا أمكن أنّ يقال : إنّ النجاسة تثبت بوجود الأعيان على الإطلاق ما لم يحصل من الشارع المزيل ، ولم يعلم المزيل ، فالاستمرار ( حصل من ذلك.

فإن قلت : إذا كان الإجماع هو العلّة فالتقييد بوجود الأعيان حاصل ، فأين الإطلاق؟

قلت : الإجماع ليس على النجاسة مع وجود الأعيان ، ألا ترى أنّ بعض القائل بالنجاسة قائل بالاستمرار )(١) وإنّ ذهبت الأعيان.

(إلاّ أنّ يقال : إنّ هذا القائل يقول بوجود الأعيان(٢) ، ) وإنّ زاد على‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٣٣٧

ذلك البقاء بعد زوالها ، وذلك كافٍ في المطلوب.

وفيه : أنّ دخول مثل هذا في الإجماع مع وجود الأعيان محلّ تأمّل ، وكثيراً ما يغفل عنه في دعوى الإجماع على بعض المسائل ، وسيأتي في الكتاب شي‌ء من ذلك ، والحق أنّ المقام قابل للبحث.

وما عساه يقال : إنّ علل الشرع معرّفات ، فلا دخل فيها للوازم العلل الحقيقية.

يمكن الجواب بأنّ كون علل الشرع معرّفات لا ينفي الحكم بأن زوالها موجب لزوال الحكم الشرعي ، بل الظاهر من التدبّر في الكلام المذكور في العلل الحقيقية الاتحاد مع الشرعية في بعض المواد ومنها ما نحن فيه ، ومنها عدم اجتماعها على معلول واحد. فما قيل : من أنّ العلل الشرعية(١) يجوز اجتماعها على معلول واحد. محلّ تأمّل ؛ إذ اللازم من الاجتماع وقوع العبث من الحكيم ، كما يعرف بالتأمّل الصادق ، [ فلو ](٢) حصل انتفت فائدة بقائه ، فليتأمّل.

ثم إنّ ما ذكره العلاّمة(٣) والمحقق(٤) يقال فيه كذلك ، ولعلّ الأولى أن يقال : إنّ إطلاق الصلاة مع احتمال المباشرة برطوبة يفيد الطهارة من حيث قيامه.

وما ذكره العلاّمة(٥) بعد هذا أيضاً لا يخلو من وجه ، إلاّ أنّ يقال : إن السائل ( له قدرة على استنباط المراد من كلام الإمامعليه‌السلام ، والإجمال إنما‌

__________________

(١) في « فض » : الشرع.

(٢) أضفناه لاستقامة المعنى.

(٣) المختلف ١ : ٣٢٤.

(٤) المعتبر ١ : ٤٤٦.

(٥) المختلف ١ : ٣٢٤.

٣٣٨

هو بالنسبة إلينا ، وتأخير البيان )(١) غير معلوم ، على أنّ تأخير البيان عن السائل لم يعلم أيضاً إلاّ من جهة عدم وصوله إلينا ، وهذا لا يضرّ بالحال ، وبهذا يتوجه دلالة بعض ما يأتي من الأخبار على الطهارة في الجملة.

الرابع : مقتضى الرواية أنّ الشمس لو أصابت المحل ولم ييبس ، ثم يبس بعد ذلك جازت الصلاة عليه ، وهو صريح في عدم اعتبار تجفيف الشمس ، فلو فرض أنّ الكلام الأوّل فيه احتمال تجفيف الشمس ، فهذا يدل على خلافه. وقد سبق ما فيه(٢) .

الخامس : ذكر شيخنارضي‌الله‌عنه أنّه ربما كان في آخر الرواية إشعار ببقاء المحل على النجاسة(٣) . وفيه تأمّل ؛ لأنّ الظاهر عود الكلام إلى الصورة التي قبله ، وهو ما إذا جفّ بعد إصابة الشمس ، وحينئذٍ ربما دل على أنّ حكم ما قبله الطهارة ، ولو عاد قوله : « وإنّ كانت رجلك » إلى آخره ، إلى جميع ما تقدم كان ما قاله شيخناقدس‌سره متّجهاً ، لكن ما ذكرناه قد يدّعى ظهوره.

السادس : مقتضى قوله : « وإنّ كان غير الشمس أصابه » إلى آخره ، أن المتقدّم حكم إصابة الشمس ، والحال أنّ من جملة الأفراد السابقة ما أصابته الشمس وهو رطب ثم يبس ، وقد جوّز الصلاة عليه ، وظاهر الكلام أنّه لو يبس بغير الشمس لا يصلّى عليه ، ففي الكلامين تدافع.

ويمكن الجواب عنه : بأنّ الأخير يراد به التجفيف من دون الشمس أصلاً ، والذي قبله لما أصابته الشمس وإنّ لم تجفّفه. وحينئذٍ تصير الأقسام‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) في ص ٩٥٣.

(٣) مدارك الاحكام ١ : ٣٦٤.

٣٣٩

ثلاثة : تجفيف الشمس ، وإصابة الشمس ثم حصول التجفيف بعدها ، والتجفيف من دونها أصلا.

ولو لا قصور الرواية سنداً أمكن أنّ يوسع الكلام زيادة على ما قلناه ، والغرض أنّ استدلال الشيخ بها محل كلام.

والثاني : كما ترى يدل على الصلاة ، وعدم الاستفصال عن الرطوبة وعدمها ربما يقتضي الطهارة ، مضافاً إلى صحيح زرارة السابق(١) .

وما قد يقال : إنّ خبر زرارة يفيد الطهارة ، أمّا إرادة الشرعية منها فموقوفة على ثبوت الحقيقة الشرعية ، وأنّى لنا إثباتها.

يمكن الجواب عنه : بأنّ إرادة النظافة هنا بعيدة عن المساق ، فلو لم تكن الحقيقة الشرعية ثابتة فالمجاز ممكن ، وقرينته المقام.

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب : من أن الروايتين الأوّلتين إنما تدلاّن على جواز السجود ، لا على الطهارة. محل بحث.

أمّا ما قاله : من عدم دلالة الرواية الثانية على اعتبار الجفاف بالشمس. فيمكن الجواب عنه : بأنّ الإجماع خصّص الحكم ، والرواية وإنّ كانت مطلقة إلاّ أنّ السؤال عن الجفاف المعتبر.

والثالث : وإنّ كان فيه إطلاق ربما يقتضي ردّه مع ضعف السند ، إلاّ أنّه يمكن توجيهه بالتخصيص من خارج.

وأمّا الرابع : فما ذكره الشيخ فيه أحد الوجوه المحتملة ، لكن بعيد عن الظاهر ، واحتمال إرادة : من غير ماء تجفّف النجاسة ، لا يخلو من قرب.

__________________

(١) المتقدّم في ص ٩٥٣.

٣٤٠