إستقصاء الإعتبار الجزء ٥

إستقصاء الإعتبار15%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
المترجم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-177
الصفحات: 379

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46705 / تحميل: 5721
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عزّ وجلّ حين حكى عن موسى قوله:( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً ) فأنت منّي يا علي بمنزلة هارون من موسى وزيري من أهلي وأخي، شدّ الله به أزري وأشركه في أمري، كي نسبّح الله كثيراً ونذكره كثيراً، فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئاً غير هذا؟ ولم يكن ليبطل قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن يكون لا معنى له.

قال: فطال المجلس وارتفع النهار، فقال يحيى بن أكثم القاضي: يا أمير المؤمنين، قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير، وأثبت ما لا يقدر أحد أنْ يدفعه، قال إسحاق: فأقبل علينا وقال: ما تقولون؟ فقلنا كلُّنا: نقول بقول أمير المؤمنين أعزّه الله، فقال: والله لو لا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إقبلوا القول من الناس، ما كنت لأقبل منكم القول.

اللّهم قد نصحت لهم القول، اللّهم إني قد أخرجت الأمر من عنقي، اللّهم أدينك بالتقرّب إليك بحبّ علي وولايته »(١) .

ابن عبد ربّه والعقد الفريد

ثمّ إنّ « ابن عبد ربّه » القرطبي من مشاهير علماء أهل السنّة وأدبائهم، وكتابه « العقد الفريد» من الكتب المشهورة والأسفار الممتعة:

١ - قال ابن ماكولا: « أحمد بن محمّد بن عبد ربّه بن حبيب بن جدير ابن سالم، مولى هشام بن عبد الملك بن مروان، أبو عمر، أندلسي مشهور بالعلم والأدب والشعر، وهو صاحب كتاب العقد في الأخبار، وشعره كثير جداً، وهو مجيد »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « كان من العلماء المكثرين من المحفوظات والاطلاع

____________________

(١). العقد الفريد ٥ / ٣٤٩.

(٢). الإكمال ٦ / ٣٦.

١٨١

على أخبار الناس، وصنف كتابه العقد، وهو من الكتب الممتعة، حوى من كلّ شيء »(١)

٣ - الذهبي: « وفيها أبو عمر العلّامة مصنّف العقد، وله اثنتان وثمانون سنة، وشعره في الذروة العليا، سمع من بقي بن مخلد ومحمّد بن وضاح »(٢) .

٤ - أبو الفدا: « وكان من العلماء المكثرين من المحفوظات، وصنّف كتاب العقد، وهو من الكتب النفيسة، ومولده في سنة ست وأربعين ومائتين »(٣) .

٥ - المقري: « وقال - يعني لسان الدين - في ترجمة صاحب العقد » الفقيه العالم أبي عمر ابن عبد ربّه: عالم ساد بالعلم وراس، واقتبس به من الحظوة أيّما اقتباس، وشهر بالأندلس حتى سار إلى المشرق ذكره، واستطار بشرر الذكاء فكره، وكانت له عناية بالعلم وثقة ورواية له متسقة، وأما الأدب فهو كان حجّته وبه غمرت الأفهام لجّته، مع صيانة وورع، ورد مائها فكرع، وله التأليف المشهور الذي سمّاه بالعقد، وحماه عن عثرات النقد، لأنّه أبرزه مثقف القناة مرهف الشباة تقصر عنه ثواقب الألباب، ويبصر السحر منه في كلّ باب، وله شعر انتهى منتهاه، وتجاوز سماك الإِحسان وسماه »(٤) .

ومن مصادر ترجمته أيضاً:

١ - سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٨٣.

٢ - معجم الأدباء ٤ / ٢١١.

٣ - مرآة الجنان ٢ / ٢٩٥.

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ١١٠.

(٢). العبر في خبر من غبر ٢ / ٢١١.

(٣). المختصر في أخبار البشر ٢ / ٩٢.

(٤). نفح الطيب عن غصن الأندلس الرطيب ٤ / ٢١٧.

١٨٢

٤ - البداية والنهاية ١١ / ١٩٣.

٥ - بغية الوعاة: ١٦١.

وقال الذهبي: « ابن عبد ربّه، العلّامة الأديب الأخباري، صاحب كتاب العقد وكان موثّقاً نبيلاً بليغاً شاعراً، عاش ٨٢ سنة، وتوفي سنة ٣٢٨ ».

(١٦)

رواية المحاملي

و رواه القاضي المحاملي حيث قال:

« حدّثنا الحسين، ثنا عبد الأعلى بن واصل، ثنا عون بن سلّام، ثنا سهل ابن شعيب، عن بريدة بن سفيان عن سفينة - وكان خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوائر قال: ورفعت له اُم أيمن بعضها، فلمـّا أصبح أتته بها فقال: ما هذا يا ام أيمن؟ فقالت: هذا بعض ما فاهدي لك أمس. قال: أولم أنهك أن ترفعي لأحد - أو لغد - طعاما! إنّ لكلّ غد رزقه. ثمّ قال: أللّهم أدخل بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فدخل عليعليه‌السلام فقال: اللّهم وإليَّ »(١) .

قال ابن المغازلي: « أخبرنا أبو طالب محمّد بن علي بن أحمد البيّع البغداديرحمه‌الله - قدم علينا واسطاً - ثنا أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر، أنّه قال: حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، نا عبد الأعلى بن واصل، ثنا عون بن سلام، ثنا سهل بن شعيب، عن بريدة بن سفيان عن سفينة - وكان خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: اهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوائر، قال: فرفعت له اُم أيمن بعضها، فلمـّا أصبح أتته بها فقال:

____________________

(١). الأمالي: ٤٤٣ - ٤٤٤.

١٨٣

ماذا يا اُم أيمن؟ فقالت: هذا بعض ما اهدي إليك أمس، قال: أولم أنهك أن ترفعي لغد طعاما، إنّ لكلّ غدٍ رزقه؟ ثم قال: اللّهم أدخل أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فدخل علي، فقال: اللّهم وإليَّ.

هذا حديث غريب من هذا الطريق »(١) .

وتظهر روايته للحديث من سند رواية الكنجي الشافعي الآتية في محلّها إن شاء الله.

ترجمته

١ - السمعاني: « أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، كان: فاضلاً، صادقاً، ثبتاً، ديّناً، ثقة، صدوقاً »(٢) .

٢ - ابن الأثير في حوادث ٣٣٠: « وفيها توفي القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل المحاملي الفقيه الشافعي: وهو من المكثرين في الحديث، وكان مولده سنة خمس وثلاثين ومائتين، وكان على قضاء الكوفة وفارس فاستعفى من القضاء وألحّ في ذلك، فأجيب إليه»(٣) .

٣ - الذهبي: « المحاملي، القاضي الإِمام العلّامة الحافظ، شيخ بغداد ومحدّثها، أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمّد الضبي البغدادي. ولد في أوّل سنة خمس وثلاثين ومائتين، وأول سماعه في سنة أربع وأربعين، سمع: أبا حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب مالك، وعمرو بن علي الفلّاس، وزياد بن أيوب، وأحمد بن المقدام العجلي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمّد بن المثنى العنزي، وأبا هشام، وعبد الرحمن بن يونس السراج، والزبير بن بكّار، وطبقتهم ومن بعدهم، فأكثر وصنّف وجميع.

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ١٧٥.

(٢). الأنساب ٥ / ٢٠٨ - المحاملي.

(٣). الكامل في التاريخ ٨ / ٣٩٢.

١٨٤

روى عنه: دعلج، والدار قطني، وابن جميع، وإبراهيم بن جرولة الباجي، وابن الصّلت الأهوازي، وأبو عمرو ابن مهدي، وأبو محمّد بن البيّع، وآخرون.

قال الخطيب: كان: فاضلا، ديّنا، صادقا، شهد عند القضاة وله عشرون سنة، ولي قضاء الكوفة ستّين سنة »(١) .

٤ - اليافعي: « الإِمام الكبير، القاضي أبو عبد الله المحاملي الشهير قال أبو بكر الدراوردي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل »(٢) .

٥ - السيوطي: « المحاملي القاضي، الإِمام العلّامة الحافظ، شيخ بغداد ومحدّثها وكان: فاضلاً، ديّناً، صدوقاً »(٣) .

ومن مصادر ترجمته أيضاً:

١ - سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٥٨.

٢ - تاريخ بغداد ٨ / ١٩.

٣ - الوافي بالوفيات ١٢ / ٣٤١.

٤ - العبر ٢ / ٢٢٢.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ٢٠٣.

(١٧)

رواية ابن عقدة

لقد رواه في « كتاب الطير » الذي جمع فيه طرقه وألفاظه كما قال ابن شهر آشوب السّروي - المترجم له ببالغ الثناء في معاجم التراجم كما علمت

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٢٤.

(٢). مرآة الجنان ٢ / ٢٩٧.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٣٤٣.

١٨٥

سابقاً -: « روى حديث الطير جماعة ورواه ابن بطة في الإِبانة من طريقين، والخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد من سبعة طرق، وقد صنّف أحمد ابن محمّد بن سعيد كتاب الطير »(١) .

أقول: ومن ذلك قوله: « ثنا محمّد بن أحمد بن الحسن، ثنا يوسف بن عدي، ثنا حمّاد بن المختار الكوفي، ثنا عبد الملك بن عمير، عن أنس قال: اهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر، فوضع بين يديه فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، قال: فجاء علي فدقّ الباب فقال: من ذا؟ فقال: أنا علي ».

كما تظهر روايته من كلام ابن المغازلي، الآتي في محلّه.

ترجمته

وابن عقدة من أعلام الحديث ومشاهير الأئمة الثقات، وقد ترجمنا له وأثبتنا ثقته على ضوء المصادر المعتبرة في بعض مجلّدات الكتاب.

وتوجد ترجمته في الكتب الآتية:

١ - تاريخ بغداد ٥ / ١٤.

٢ - تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٣٩.

٣ - مرآة الجنان ٢ / ٣١١.

٤ - الوافي بالوفيات ٧ / ٣٩٥.

٥ - النجوم الزاهرة ٣ / ٢٨١.

٦ - العبر ٢ / ٢٣٠.

٧ - طبقات الحفاظ: ٣٤٨.

٨ - شذرات الذهب ٢ / ٣٣٢.

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.

١٨٦

(١٨)

رواية المسعودي

لقد أثبته في تاريخه أيّما إثبات، وذكره في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام الخاصّة به، حيث قال: « والأشياء التي استحق بها أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفضل هي: السبق إلى الإِيمان، والهجرة والنصرة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقربى منه، والقناعة، وبذل النفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله، والورع، والزهد، والقضاء والحكم، والعفة والعلم.

وكل ذلك لعلي -رضي‌الله‌عنه - منه النّصيب الأوفر والحظ الأكبر، إلى ما ينفرد به من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين آخى بين أصحابه: أنت أخي، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ضدّ له ولا ند، و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي، و قولهعليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم دعاؤهعليه‌السلام - وقد قدم إليه أنس الطائر -: اللهم أدخل إليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فدخل عليه عليعليه‌السلام إلى آخر الحديث، فهذا وغيره من فضائله وما اجتمع فيه من الخصال ممّا تفرّق في غيره »(١) .

ترجمته

١ - ابن شاكر الكتبي: « علي بن الحسين بن علي، أبو الحسين،

____________________

(١). مروج الذهب ١ / ٧١١.

١٨٧

المسعودي المؤرّخ، من ذرية عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه ، قال الشيخ شمس الدين: عداده في البغداديين وأقام بمصر مدة، وكان أخباريّاً علّامة، صاحب غرائب وملح ونوادر، مات سنة ٣٤٦، وله من التّصانيف: كتاب مروج الذهب »(١) .

٢ -السبكي : « وكان أخبارياً متفنّناً، علّامة، صاحب ملح وغرائب، سمع من نفطويه وابن زبر القاضي وغيرهما، ودخل إلى البصرة، فلقي بها أبا خليفة الجمحي، ولم يعمّر على ما ذكر، وقيل: إنّه كان معتزلي العقيدة، مات سنة خمس وأربعين أو ست وأربعين وثلاثمائة، وهو الذي علّق عن أبي العباس ابن شريح رسالة البيان عن أصول الأحكام، وهذه الرسالة عندي نحو خمس عشرة ورقة »(٢) .

(١٩)

رواية أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي

لقد روى حديث الطير بإسناد الصّحيحين، لكنّ الذهبي - الشهير بتعصّبه على الحق وإنكاره لفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام - اتّهمه بوضعه، وهذا نصّ كلامه بترجمته:

« أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي، روى عن أبي حمّة، وعنه الطبراني، فذكر حديث الطير بإسناد الصحيحين، فهو المتّهم بوضعه »(٣) .

لكنْ تعقّبه ابن حجر فذكر إخراج الحاكم الحديث عن طريق أحمد بن سعيد، ثمّ أضاف بأنّ الرجل معروف ومن شيوخ الطبراني، وهذا نصّ كلامه:

____________________

(١). فوات الوفيات ٢ / ٤٥.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٣٠٧.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ١٠٠.

١٨٨

« قلت: أخرجه الحاكم عن محمّد بن صالح الأندلسي عن أحمد - هذا - عن أبي حمة محمّد بن يوسف، عن أبي قرة موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضر، عن أنس. وأحمد بن سعيد معروف من شيوخ الطبراني، وأظنّه دخل عليه إسناد في إسناد »(١) .

وأمّا ظنّ العسقلاني أنّه « دخل عليه إسناد في إسناد » فهو ظنٌ لا يغني من الحق شيئاً، وتضليل ليس لأحدٍ إلى قبوله من سبيل، والله الهادي الصائن عن كيد كلّ خادع ضئيل

هذا، وقد صرّح السمعاني ايضاً برواية الطبراني عن أحمد بن سعيد(٢) ، وقد تقرّر في محلّه أن رواية الأكابر الأعلام دليل على كمال الشرف والجلالة، بل هي عين التوثيق والتعديل عند بعض أئمة هذا الشأن الجليل، والله الهادي إلى سواء السبيل

(٢٠)

رواية الطبراني

رواه بسند صحيح. حيث قال:

« نا أحمد بن سعيد بن فرقد الجدّي، قال: نا أبو حمة محمّد بن يوسف اليماني قال: نا أبو قرة موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة، عن أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله، عن أنس بن مالك قال: بينا أنا واقف عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذْ اُهدي إليه طير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي بن أبي طالب فقلت: رسول الله على حاجة، ثمّ

____________________

(١). لسان الميزان ١ / ١٧٧.

(٢). الأنساب - الجدّي.

١٨٩

جاء علي فدخل، فقال له رسول الله: اللهم وإليَّ اللهم وإليَّ، فأكل معه ».

فقد رواه الطبراني عن شيخه أحمد بن سعيد، بإسناده عن أنس، وهو نفس الإِسناد الذي صرّح الذهبي - وسلّم به العسقلاني - بأنّه إسناد الصحيحين فظهر رواية الطبراني حديث الطير بسندٍ صحيح. والحمد لله على ذلك.

وقال الطبراني:

« حدثنا عبيد العجلي، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا حسين بن محمّد، ثنا سليمان بن قرم، عن فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن أبي نعيم، عن سفينة مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بطير فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء عليرضي‌الله‌عنه فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم وإليَّ »(١) .

وقال الطبراني:

« حدثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السّرح المصري، ثنا يوسف بن عدي، ثنا حمّاد بن المختار، عن عبد الملك بن عمير، عن أنس -رضي‌الله‌عنه - قال: أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر، فوضع بين يديه فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - فدقّ الباب، فقلت: ذا؟ فقال: أنا علي، فقلت: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع، ثلاث مرار، كلّ ذي يجئ، قال: فضرب الباب برجله فدخل فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك؟ قال: قد جئت ثلاث مرات، كلّ ذلك يقول: النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على

____________________

(١). المعجم الكبير ٧ / ٨٢.

١٩٠

حاجة: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على ذلك؟ قلت: كنت أردت أنْ يكون رجل من قومي»(١) .

وقال الطبراني:

« عن أنس بن مالك قال: أهدت أُم أيمن إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائراً بين رغيفين، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ فجاءته بالطائر، فرفع يديه فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فقلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول، وإنّما دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آنفاً(٢) النبي من الطائر شيئاً، ثمّ رفع يده فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فارتفع الصوت بيني وبينه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: خلّه من كان يدخل، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وإليَّ يا رب - ثلاث مرات - فأكل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى فرغا.

لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلّا عبد الرزاق، تفرّد به سلمة »(٣) .

* وجاء التصريح في غير واحدٍ من الكتب برواية الطبراني حديث الطّير، وقد أورد الهيثمي الحديث عن الطّبراني بأسانيد، فنصّ على أن رجال إسناده في ( المعجم الكبير ) رجال الصحيح ما عدا واحد فقال: « لم أعرفه وبقيّة رجاله رجال الصحيح » وأنّ له أسانيد في ( المعجم الأوسط) فسكت إلّا عن واحدٍ منها فقال: « وفي أحد أسانيد الأوسط أحمد بن عياض بن أبي طيبة ولم أعرفه، وبقيّة ورجاله رجال الصحيح »، ثمّ أخرجه عن البزار والطبراني عن سفينة فقال: « ورجال

____________________

(١). المعجم الكبير ١ / ٢٥٣.

(٢). في النسخة: هنا كلمة لا تقرأ.

(٣). المعجم الأوسط ٢ / ٤٤٣.

١٩١

الطبراني رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة »(١) فإذن، الطبراني يروي حديث الطير بسندٍ آخر اعترف الهيثمي بصحّته، فإذا ثبت ثقة من قال « لم أعرفه » كانت الأسانيد الصحيحة عند الطبراني في رواية حديث الطير كثيرةً، والله الموفق.

ترجمته

١ - السمعاني: « أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني، حافظ عصره، صاحب الرّحلة، رحل إلى ديار: مصر، والحجاز، واليمن، والجزيرة، والعراق، وأدرك الشيوخ، وذاكر الحفّاظ، وسكن إصبهان إلى آخر عمره، وصنّف التصانيف، يروي عن: إسحاق بن إبراهيم الديري الصنعاني، وجمع شيوخه الذين سمع منهم وكانوا ألف شيخ، روى عنه: أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، وأبو نعيم الحافظ، والعالم.

ولد سنة ستين ومائتين بطبرية، مات لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستّين وثلاثمائة بإصبهان، وكان يقول: أول ما قدمت أصبهان سنة تسعين ومائتين »(٢) .

٢ - ابن خلّكان: « كان حافظ عصره وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة، منها: المعاجم الثلاثة »(٣) .

٣ - الذهبي حوادث ٣٦٠: « وفيها: الطبراني الحافظ العلم مسند العصر وكان ثقة صدوقاً واسع الحفظ، بصيراً بالعلل والرجال والأبواب، كثير التصانيف »(٤) .

____________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ ١٢٦.

(٢). الأنساب - الطبراني.

(٣). وفيات الأعيان ٢ / ٤٠٧.

(٤). العبر ٢ / ٣١٥.

١٩٢

٤ - السيوطي: « الطّبراني: الإمام العلّامة بقيّة الحفّاظ مسند الدنيا، وأحد فرسان هذا الشأن قال ابن مندة: أحد الحفّاظ المذكورين قال أبو العباس الشيرازي: كتبت عن الطبراني ثلاث مائة ألف حديث، وهو ثقة »(١) .

هذا، وقد اعتمد العلماء على كتبه واحتّجوا برواياته في مختلف كتبهم كما احتجّ برواياته ( الدهلوي ) نفسه في مواضع من ( التحفة ).

(٢١)

رواية ابن السقّاء

لقد روى ابن السقّاء حديث الطير وأملاه في واسط، فلم تحمل نفوس المتعصّبين المنطوية على بغض أهل البيت سماع هذه الفضيلة الجليلة، الهادمة لأساس التزوير والقالعة لبنيان التلميع، حتى وثبوا به لنصبهم الشديد، فأقاموه وغسلوا موضعه لاعتقادهم نجاسته بذلك! فمضى ابن السقّاء ولزم بيته

ولقد أورد هذه القضية الذهبي بترجمته حيث قال: « قال السلفي: سألت الحافظ خميساً الحَوزي عن ابن السقاء. فقال: هو من مزينة مضر ولم يكن سقاء بل لقب له، من وجوه الواسطيّين وذوي الثروة والحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من: أبي خليفة، وأبي يعلى، وابن زيدان البجلي، والمفضل بن الجندي. وبارك الله في سنّه وعلمه، واتفق أنّه أملى حديث الطير، فلم تحمله نفوسهم فوثبوا به، فأقاموه وغسَلوا موضعه، فمضى ولزم بيته، ولم يحدّث أحداً من الواسطيين، فلهذا قلَّ حديثه عندهم، وتوفّي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة،

____________________

(١). طبقات الحفّاظ: ٣٧٢.

١٩٣

حدّثني به شيخنا أبو الحسن المغازلي »(١) .

كما تظهر روايته من عبارة ابن المغازلي الآتية فيما بعد.

ترجمته

١ - قال الذهبي: « ابن السقاء، الحافظ الإِمام محدّث واسط، أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان الواسطي روى عنه: الدار قطني، وأبو الفتح يوسف القوّاس، وأبو العلاء محمّد بن علي القاضي وآخرون.

قال أبو العلاء ابن المظفر والدار قطني: يقولون لم نر مع ابن السقا كتاباً وإنّما حدّثنا حفظاً، وقال علي بن محمّد بن الطيّب الجلابي في تاريخه: ابن السقّاء من أئمة الواسطيين والحفاظ المتقنين، توفي في جمادى الآخرة سنة ٣٧٣ »(٢) .

وقال: « ابن السقاء: الإِمام الحافظ الثّقة الرّحال »(٣) .

٢ - السمعاني: « واشتهر به أبو محمّد المعروف بابن السقاء، من أهل الفهم والحفظ والمعرفة بالحديث »(٤) .

٣ - السيوطي: « ابن السقّاء - الحافظ الإِمام محدّث واسط، أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان، سمع: أبا خليفة، وأبا يعلى، ومنه: الدار قطني وأبو نعيم، وكان من أئمة الواسطيين، والحفّاظ المتقنين، وذوي المروة والوجاهة، يحدّث حفظاً، مات في جمادى الآخرة سنة ٣٧٣ »(٥) .

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٣ / ٩٦٥، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٥٢.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٣ / ٩٦٥.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٥١.

(٤). الأنساب ٧ / ٩٠.

(٥). طبقات الحفّاظ: ٣٨٥.

١٩٤

(٢٢)

رواية أبي اللّيث السّمرقندي

رواه في ( المجالس ) له حيث قال: « قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضلكم علي بن أبي طالب، وعن أنس بن مالك قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث طوائر فقال: اللّهم سق إليَّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي، قال أنس: فكنت على الباب فجاء علي فرددته رجاء أن يجئ رجل من الأنصار، ثمّ جاء علي فأذنت له، فقال رسول الله: كل يا علي، فأنت أحبّ خلقك الله إليه، وقد دعوت أن يسوق أحبّ خلقه إليه ».

ترجمته

١ - الذهبي: « أبو الليث: الإِمام الفقيه المحدّث الزاهد »(١) .

٢ - الكفوي: « الشيخ الإِمام أبو اللّيث الفقيه نصر بن محمّد بن إبراهيم السمرقندي، كان يعرف بإمام الهدى، وكان مشهور بالكنية والفقيه، وفي تقدمة المقدمة: قيل: سماه النبي فقيهاً لما روى أنّه لما صنّف كتابه المسمّى تنبيه الغافلين عرضه على روضة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبات الليلة، فرأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فناوله كتابه فقال: هذا كتابك يا فقيه، فانتبه فوجد فيه مواضع ممحوّة، فكان يتبرّك باسم الفقيه فاشتهر به »(٢) .

٣ - محي الدين القرشي: « نصر بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم السّمرقندي الفقيه أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقّه على الفقيه أبي جعفر

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٢٢.

(٢). كتائب أعلام الأخيار -مخطوط .

١٩٥

الهندواني، وهو الإِمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفيرحمه ‌الله تعالى ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣٧٣ »(١) .

(٢٣)

إثبات الصّاحب ابن عبّاد

ولقد أثبت أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد الملقّب بالصاحب حديث الطير، إذ أورده في أشعارٍ له في مدح مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فقد جاء في كتاب ( المناقب ) ما نصه: « وللصاحب كافي الكفاة:

يا أمير المؤمنين المرتضى

إن قلبي عندكم قد وقفا

كلما جدّدت مدحي فيكم

قال ذو النصب يسبّ السّلفا

من كمولاي علي زاهداً

طلّق الدنيا ثلاثاً ووفى؟

من دعي للطير يأكله؟

ولنا في مثل هذا مكتفى

من وصي المصطفى عندكم

فوصيّ المصطفى يصطفى؟ »(٢) .

وفيه: « وقال الصاحب كافي الكفاة في مدح علي:

هو البدر في هيجاء بدرٍ وغيرهُ

فرائصه من ذكره السيف ترعد

وكم خبر في خيبر قد رويتم

ولكنكم مثل النعام تشرد؟

وفي اُحدٍ ولىّ رجال وسيفه

يسوّد وجه الكفر وهو مسوّد

عليّ له في الطير ما طار ذكره

وقامت به أعداؤه وهي تشهد

وما شدّ عن خير المساجد بابه

وأبوابهم إذ ذاك عنه تسدّد

____________________

(١). الجواهر المضية في طبقات الحنفيّة ٢ / ١٩٦.

(٢). مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي: ٦٥.

١٩٦

وزوجته الزهراء خير كريمة

لخير كريم فضلها ليس يجحد »

وذكر أشعاراً اُخرى له في الباب(١) .

ترجمته

فهذا الصاحب بن عباد، الذي فاق في الفضل وساد، قد أبان صحة هذا الحديث لكل ذي سداد، حيث نظمه جازماً بثبوته لأبي الأئمة الأمجاد، عليه وآله آلاف السلام من ربّ العباد، فقلع أُسّ المكابرة والعناد، وألقم الحجر في فم كل شاحن ذي احتداد منطوٍ على كوامن الضغائن والأحقاد، والله المتفضل بالهداية والإِرشاد

وقد أثنى على الصاحب ومدحه كبار علماء أهل السنّة وصفوه بالمآثر الجميلة والمكارم الجليلة، راجع:

١ - وفيات الأعيان ١ / ٢٢٨.

٢ - معجم الأدباء ٦ / ١٦٨.

٣ - يتيمة الدهر ٣ / ١٨٨.

٤ - العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٨.

٥ - الكامل ٨ / ٣٥٢.

٦ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٣٠.

٧ - مرآة الجنان ٢ / ٤٢١.

٨ - تتمة المختصر ١ / ٣١٢.

٩ - بغية الوعاة ١ / ٤٤٩.

١٠ - شذرات الذهب ٣ / ١١٣.

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي: ٢٤٠.

١٩٧

(٢٤)

رواية ابن شاهين

أخرجه عن طريقه ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام غير مرة، فمن ذلك قوله:

« أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان، أنبأنا يحيى بن محمّد بن صاعد، أنبأنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، أنبأنا حسين بن محمّد، أنبأنا سليمان بن قرم، عن محمّد بن شعيب، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جدّه ابن عباس قال: أتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر، فقال: اللّهم ائتني برجل يحبّه الله ورسوله. فجاء عليعليه‌السلام ، فقال: اللّهم وإليَّ ».

وقوله: « أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو حفص ابن شاهين، أنبأنا يحيى بن محمّد بن صاعد، أنبأنا عبد القدوس بن محمّد بن عبد الكبير بن الحبحاب - بالبصرة - حدثني عمي صالح ابن عبد الكبير، أنبأنا عبد الله بن زياد أبو العلاء، عن علي بن زيد، عن سعيد ابن المسيب، عن أنس بن مالك قال

قال ابن شاهين: تفرّد بهذا الحديث عبد القدوس بن محمّد بن عمّه، لا أعلم حدّث به غيره، وهو حديث حسن غريب ».

وقوله: « حدثنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو حفص بن شاهين، أنبأنا محمّد بن إبراهيم الأنماطي، أنبأنا محمّد بن عمرو بن نافع، أنبأنا علي بن الحسن، أنبأنا خليد بن دعلج، عن قتادة، عن

١٩٨

أنس »(١) .

و قال ابن المغازلي: « أخبرنا محمّد بن علي - إجازة - أنّ أبا حفص عمر ابن أحمد بن شاهين الواعظ حدّثهم: نا محمّد بن الحسين الجواربي، نا إبراهيم بن صدقة، نا يغنم بن سالم، نا أنس قال: اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر، وذكر الحديث »(٢) .

و قال: « أخبرنا أبو طالب بن محمّد بن علي بن الفتح الحربي البغدادي - فيما كتب به إليّ - أن أبا حفص عمر بن أحمد بن شاهين حدثهم قال: نا نصر ابن القاسم الفرضي، نا عيسى بن مساور الجوهري قال: قال لي يَغنم بن سالم ابن قنبر - ولقيته سنة تسعين ومائة وقال يغنم بن سالم: لي اثني عشرة ومائة سنة - قال لي أنس بن مالك: اهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير مشوي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك أو بمن تحبّه - الشك من عيسى بن مساور الجوهري - فجاء علي، فرددته، فدخل في الثالثة أو في الرابعة، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك - أو ما أبطأك - عنّي يا علي؟ قال: جئت فردّني أنس، ثمّ جئت فردّني أنس، ثمّ جئت فردّني أنس. قال: يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ أرجوت أن يكون رجلا من الأنصار؟ فقلت: نعم، فقال: يا أنس، أوفي الأنصار أفضل من علي؟! »(٣) .

و قال المحبّ الطبري: « وخرّجه الحافظ أبو حفص عمر بن عثمان بن شاهين، في جزء من حديثه، ولم يذكر زيادة الحربي، وقال بعد قوله: فجاء علي فرددته: ثمّ جاء فرددته، فدخل في الثالثة أو في الرابعة، فقال له النبي

____________________

(١). ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من تاريخ دمشق ج ٢ الأحاديث: ٦١١، ٦١٨، ٦٢١.

(٢). مناقب علي بن أبي طالب: ١٦٤.

(٣). المصدر نفسه: ١٦٥.

١٩٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك عني - أو ما أبطأ بك عنّي - يا علي؟ قال: جئت فردّني أنس، ثم جئت فردّني أنس، قال: يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رجوت أنْ يكون رجلاً من الأنصار، فقال: أو في الأنصار خير من علي - أو أفضل من علي -؟! »(١) .

وقال ابن شهر آشوب: « وحدّثني أبو العزيز كادش العكبري، عن أبي طالب الحربي العشاري، عن ابن شاهين الواعظ - في كتابه ما قرب سنده - قال: حدّثني نصر بن القاسم الفرائضي قال: أخبرنا أبو محمّد عيسى الجوهري قال قال يغنم بن سالم بن قنبر قال: قال أنس بن مالك. الخبر»(٢) .

ترجمته

وابن شاهين من كبار علماء أهل السنّة ومحدّثيهم الثقات وحفاظهم الأعيان، وسنذكر ترجمته في مجلّد حديث التشبيه، ومن مصادر ترجمته:

١ - الأنساب - الشاهيني.

٢ - الكامل في التاريخ ٩ / ١١٥.

٣ - تذكرة الحفّاظ ٣ / ٩٨٧.

٤ - طبقات القرّاء ١ / ٥٨٨.

٥ - العبر ٣ / ٢٩.

٦ - مرآة الجنان ٢ / ٤٢٦.

٧ - طبقات الحافظ: ٣٩٢.

٨ - طبقات المفسرين ٢ / ٢.

٩ - تاريخ بغداد ١١ / ٢٦٥.

____________________

(١). الرياض النضرة ٢ / ١١٤ - ١١٥.

(٢). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ظاهرة لو لا ما قلناه من الاحتمال ، كدلالته على عدم وجوب التسليم.

وما تضمنه من ذكر التحيات على تقدير حمله على الثنائية يدل على جواز التلفظ بها في الأخير ، وقد نقل إجماع(١) الأصحاب على أنّه لا تحيات في التشهد الأوّل(٢) ، ولو حمل الخبر على الانصراف من التشهد أمكن عود السؤال عن التحيات في التشهد الأوّل.

قيل : التحيات يراد بها العظمة والملك(٣) ، وقيل : التحية ما يحيى به من سلام وثناء ونحوهما(٤) .

( وقال بعض محقّقي العامة في شرح الحديث : إنّ التحيات جمع تحية وهو الملك ، وقيل : السلام ، وقيل : العظمة ، وقيل : البقاء(٥) . فإذا حمل على السلام فيكون التقدير التحيات التي يعظمها الملوك مستحقة لله. وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاصه به. وكذلك العظمة يراد بها الكاملة. وأمّا الصلوات فيحتمل أن يراد بها الصلاة المعهودة ، والتقدير أنّها واجبة لله ، ويحتمل أن يراد بها الرحمة ، ويكون معنى كونها لله أنّه المعطي لها.

وأمّا الطيبات فالمراد بها الخالصات عن صفات النقص )(٦) .

بقي في الحديث شي‌ء وهو أنّ قوله : « فإذا استويت جالسا » إلى آخره. قد يستفاد منه وجوب الطمأنينة في التشهد كما ذكره الأصحاب(٧) ،

__________________

(١) في « م » : الإجماع.

(٢) كما في الذكرى : ٢٠٤.

(٣) انظر مغني المحتاج ١ : ١٧٥.

(٤) كما في الحبل المتين : ٢٥٠.

(٥) انظر إرشاد الساري للقسطلاني ٢ : ١٢٩ ، فتح الباري لابن حجر ٢ : ٢٤٩.

(٦) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٧) منهم المحقق في المختصر النافع : ٣٢ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٣٥ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٧٨.

٣٢١

واحتمال أن يقال : إنّ الطمأنينة أمر زائد على الجلوس يمكن أن يدفع بقوله : « استويت » فليتأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين(١) ، عن صفوان ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجدة الأخيرة ، قال : « تمّت صلاته ، وإنّما التشهد سنّة في الصلاة ، فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد ».

فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على من أحدث بعد الشهادتين وإن لم يستوف باقي التشهد(٢) فإنّه يتمّ صلاته ، ولو كان الحدث قبل ذلك لكان يجب عليه الإعادة من أولها على ما بيّنّاه. وأمّا قوله : « وإنّما التشهد سنّة »(٣) معناه ما زاد على الشهادتين على ما بيّنّاه ، ويكون ما أمره به من إعادته بعد الوضوء محمولا على الاستحباب.

فأمّا ما رواه سعد ، عن أبي جعفر ، عن أبيه و(٤) محمّد بن عيسى والحسين بن سعيد ومحمّد بن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد ، قال : « ينصرف فيتوضّأ فإن شاء‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٩٠ : الحسن ، والصحيح ما في النسخ ـ راجع معجم رجال الحديث ١٥ : ٢٧٦.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٤٢ : الشهادة.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٤٣ زيادة : في الصلاة.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٤٣ / ١٢٩١ : عن.

٣٢٢

رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على من دخل في الصلاة بتيمم ثم أحدث ساهيا قبل الشهادتين فإنّه يتوضّأ إذا كان قد وجد الماء ويتم الصلاة بالشهادتين وليس عليه إعادتها ، كما له إتمامها لو أحدث قبل ذلك على ما بيناه فيما مضى. ويمكن أيضا أن يكون قوله : « قبل أن يتشهد » إنّما أراد به استيفاء التشهد المسنون دون أن يكون المراد به الشهادتين على ما قلناه في الخبر الأوّل.

السند‌

في الأوّل : فيه عبد الله بن بكير ، وقد مضى القول فيه مرارا من أنّه معدود من الموثق خبره ، مع الإجماع على تصحيح ما يصح عنه(١) .

والثاني : فيه محمّد بن عيسى الأشعري ، وتقدّم أيضا القول من أنّي لم أقف على ما يقتضي توثيقه صريحا ، ومدحه في الجملة ممكن(٢) .

أمّا ما تضمنه من قوله : ومحمّد بن عيسى على النسخة التي نقلت منها فهو محمّد بن عيسى اليقطيني على الظاهر ، وفي نسخة : عن محمّد بن عيسى وهو كذلك ، وربّما يرجّح الأوّل أنّ الراوي عن محمّد بن عيسى اليقطيني الحميري ونحوه ، فالرواية عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبيه عنه بعيدة ؛ لاقتضائها واسطتين بين الحميري ومحمّد بن عيسى وهما‌

__________________

(١) راجع ج ١ : ١٢٥.

(٢) راجع ج ١ : ٢٠٧. وصرّح بتوثيقه الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٩ ، وروى عنه ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٤٤ ، ب ٥٧ ح ٣ ، وهو توثيق عام له.

٣٢٣

أحمد وأبوه ، وأمّا على الثاني فواحدة ، والذي في التهذيب عن أبيه محمّد ابن عيسى في نسخة ، وفي أخرى كما هنا(١) ، والاعتبار يشهد بصحة الاولى ، وهي في نسخة عليها المعوّل.

ومحمّد بن أبي عمير ( هذا يكون معطوفا على أبيه ، ورواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير كثيرة ، كرواية الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير )(٢) أمّا على النسخ الأخر فاحتمال العطف على محمّد بن عيسى اليقطيني قائم ، فيكون محمّد بن عيسى الأشعري راويا عن ابن أبي عمير. وعلى تقدير « عن » فيحتمل العطف على محمّد بن عيسى ويكون الأب راويا عن ابن أبي عمير ، ويحتمل العطف على الأب فيكون أحمد هو الراوي عن ابن أبي عمير. والحسين بن سعيد كابن أبي عمير ، فليتدبّر.

المتن :

ينبغي أن يعلم قبل الكلام فيه أنّ العلاّمة في المنتهى قال : وهو ـ أي التشهد ـ واجب في كل ثنائية مرّة وفي الثلاثية والرباعية مرّتين ، وهو مذهب أهل البيتعليهم‌السلام (٣) . وهذا كما ترى يدل على الإجماع في المسألة ، وحينئذ لا بدّ من تأويل الأخبار المنافية لذلك ، والأوّل منها ، وتوجيه الشيخ وإن بعد لكن لا بدّ من تحمّل بعده للضرورة.

وقول الشيخ : بعد الشهادتين ، يعطي عدم وجوب الصلاة على النبي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٨ / ١٣٠١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٣) المنتهى ١ : ٢٩٢.

٣٢٤

وإلهعليهم‌السلام ، أو عدم قطع الصلاة بالحدث قبلها ، وسيأتي منه ما يدل على وجوب الصلاة(١) ، أمّا ما يدل على الصحة مع وجوبها فلم يتقدم ما يدل عليه سوى هذا الخبر ، ( وغير خفي أنّ ما قاله من الحمل على الاستحباب في الإعادة مع وجوب الصلاة مشكل ، كما أنّ صحّة الصلاة من الخبر )(٢) كذلك ، مضافا إلى عدم معلومية القائل بهذا غير الشيخ.

وقوله : يجب عليه الإعادة من أوّلها على ما بيناه ، غير معلوم المراد من البيان ، إلاّ من حيث ذكر ما دلّ على وجوب التشهد المستلزم لإبطال الصلاة لو وقع الحدث في الأثناء ، وهذا يأتي في الصلاة مع وجوبها ، فليتأمّل.

والثاني : ما ذكره الشيخ في توجيهه في أعلى مراتب البعد في(٣) الوجه الأوّل ، وأمّا الثاني فعجز الحديث ينافيه كما هو واضح. ولعلّ الأولى ردّ الخبر بالإجماع إن تمّ ، والله تعالى أعلم.

ولا يخفى أنّ في الخبر دلالة على عدم وجوب التسليم والصلاة على النبي وإلهعليهم‌السلام ، أمّا احتمال وجوب التسليم وكونه خارجا عن الصلاة ، ففيه مشاركة الصلاة له ولا قائل فيها بما قيل في التسليم.

والعجب من بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ أنّه ذكر في حجة القائلين باستحباب التسليم خبر زرارة المتضمن لأنّ من يحدث قبل أن يسلّم تمّت صلاته ، وأجاب عنه بأنّه إنّما يدل على أنّ التسليم ليس جزءا من الصلاة وهو لا يستلزم المطلوب ، فإنّ كونه واجبا خارجا عنها كما ذكره‌

__________________

(١) انظر ص ٣٢٧.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) بدله في « فض » : بالنسبة إلى.

٣٢٥

بعضهم محتمل(١) . وأنت خبير بأنّ الاحتمال المذكور في الخبر المبحوث عنه غير وارد بعد ما قلناه من حكم الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع إله.

وما عساه يقال : إنّ الخبر المذكور غير معلوم الصحة لما تقدم في سنده يدفعه التأمّل في السند ، فإنّ الصحة لازمة له بغير ارتياب على الممارس.

نعم غاية ما يلزم منه مخالفة الإجماع من جهة الصلاة حيث إنّ مقتضاه(٢) الصحة مع الحدث قبلها ، وعلى تقدير الوجوب ـ كما هو مشهور بل مدّعى عليه الإجماع كما سيأتي(٣) ـ فالصحة مع تخلل الحدث غير معلوم القائل بها ، بل الإجماع يدّعى(٤) على بطلان الصلاة بتخلل الحدث ، ( إلاّ في صورة التيمم على ما قاله الشيخ وإن كان الخلاف موجودا في غيره ، كما نبّهنا عليه في محل آخر وسيأتي إن شاء الله تعالى(٥) ، وعلى كل حال )(٦) فيمكن ردّ الخبر بهذا الوجه ، أو قبول تأويل الشيخ ، وفيه اعتراف بعدم وجوب الصلاة والتسليم على الوجه الثاني ، والوجه الأوّل بعيد لكن لا بأس بالالتزام به ؛ لأنّه أولى من الطرح ، غير أنّ هذا الوجه لا يفرق فيه بين الأمرين المذكورين فيه من قبلية التشهد وبعدية الشهادتين ، ومن ثم قلنا : إنّه في أعلى مراتب البعد.

وما عساه يقال : إنّه ينبغي نفيه بالكلية ، يمكن تكلف التوجيه بإرادة‌

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ٢٥٧.

(٢) في « م » و « رض » : معناه.

(٣) انظر ص ٣٤٢.

(٤) في « فض » : يدل.

(٥) انظر ص ٣٤٢.

(٦) ما بين القوسين من « رض ».

٣٢٦

الشهادتين وما يتبعهما من الصلاة ، فينبغي عدم الغفلة عن تحقيق المقام فإنّه حري بالتأمّل التام.

قوله :

باب وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهد‌

ابن أبي عمير ، عن أبي بصير ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كالصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ومن صلّى ولم يصلّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له ، إنّ الله بدأ بها قبل الصلاة فقال( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى .وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (١) ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن علي بن خالد ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنّه قال بسم الله فقط فقد جازت صلاته ، وإن لم يذكر شيئا من التشهد أعاد الصلاة ».

فالوجه في هذا الخبر أنّه إذا ذكر أنّه قال بسم الله فقد تمّت صلاته ويتم الشهادتين على جهة القضاء ولا يعيد الصلاة ، وإذا لم يذكر شيئا أصلا أعاد الصلاة إذا(٢) تركه متعمدا ، وليس في الخبر أنّه إذا لم يذكر ناسيا أو متعمدا ، ولو كان تركه ساهيا ثم ذكر كان عليه‌

__________________

(١) الأعلى : ١٤ ـ ١٥.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٤٤ زيادة : كان.

٣٢٧

قضاء التشهد على ما بيّنّاه.

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن بكر ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال سمعته يقول : « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه ».

فالوجه في هذا الخبر التقية لأنّه مذهب كثير من العامّة ، ونحن قد بيّنّا وجوب الشهادتين والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

السند‌

في الأوّل : فيه أبو بصير ، والطريق إلى ابن أبي عمير في المشيخة فيه من لم يعلم توثيقه ، وفي الفهرست قال الشيخ في ترجمته : أخبرني بجميع كتبه ورواياته جماعة ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله والحميري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، وأخبرنا ابن أبي جيد(١) عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن الحسين وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، وأخبرنا بالنوادر خاصة جماعة ، عن أبي المفضل ، عن حميد ، عن عبد(٢) الله بن أحمد بن نهيك ، عن ابن أبي عمير ، وأخبرنا بها جماعة ، عن أبي [ القاسم ](٣) إلى آخره(٤) .

__________________

(١) في « رض » و « م » : جنيد ، والصواب ما أثبتناه من « فض ».

(٢) في المصدر : عبيد ، والظاهر اتحاد عبد الله مع عبيد الله ـ راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٦٥.

(٣) بدل ما بين القوسين في النسخ : المفضّل ، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٤) الفهرست : ١٤٢.

٣٢٨

وربّما يظن استفادة طريق معتبر من المذكور يفيد اعتبار الخبر إلى ابن أبي عمير.

ثمّ الإجماع على تصحيح ما يصح عنه يفيد القبول ، وفيه نظر ، أمّا أوّلا : فلأنّ كون المذكور هنا من جملة رواياته موقوف على صحة الطريق إليه ، وهو أصل المدّعى ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّ نقل الشيخ الخبر عنه يعلم منه أنّه من رواياته ، وضعف الطريق لا يضر بالحال ، وفيه نوع تأمّل إلاّ أنّه قابل للتوجيه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الطرق المذكورة إن كانت بجميع الكتب والروايات فالجزم بأنّ كل واحد منها بجميع الكتب والروايات غير معلوم لاحتمال التوزيع ، ومعه يشكل صحة البعض الموجب لعدم الفائدة ، مضافا إلى طريق النوادر إن كان المراد به خاصة مع دخوله في الجميع المذكور أوّلا أمكن التوجيه مع توجه ما سبق ، وإن كان غير داخل في الأوّل فاحتمال كون الرواية من النوادر ممكن ( فليتأمّل )(١) .

فإن قلت : ما وجه الجهالة في الطريق إلى ابن أبي عمير؟

قلت : فيه جعفر بن محمّد العلوي ، وقد ذكره الشيخ في من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام من كتابه مهملا(٢) ، لكن النجاشي في ترجمة محمّد بن جعفر المذكور قال : وكان أبوه وجها(٣) . ولا يبعد أن يكون العلاّمة من هذا عدّه في القسم الأوّل(٤) . وغير خفي أنّ هذا لا يفيد التوثيق ، بل المدح على‌

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في « فض ».

(٢) رجال الطوسي : ٤٦٠ / ١٩.

(٣) رجال النجاشي : ٣٧٣ / ١٠٢٠.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٣٣ / ٢٥.

٣٢٩

ما قيل في ألفاظه ، وإن كان فيه ما فيه ، ولعل العلاّمة يعمل بالحسن.

والعجب من شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ أنّه لم يذكر ما حكيناه في كتاب الرجال(١) ، هذا.

وفي الفقيه روى بطريقه الصحيح ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي بصير وزرارة قال : قال أبو عبد الله وذكر الرواية مع نوع مغايرة تأتي في المتن(٢) ، وغير خفي أنّ الرواية هنا محتملة للوهم في وضع « عن » موضع الواو ؛ إذ ذلك كثير في كتاب الشيخ بخطهرحمه‌الله في النسخة التي عندنا للتهذيب ثم إنّه يصلحها بعد ذلك.

ولا يبعد رواية أبي بصير تارة مع زرارة وتارة عنه ، إلاّ أنّ الاحتمال الأوّل له ظهور في الظن.

والثاني : فيه علي بن خالد ، وفي إرشاد المفيد ما يقتضي أنّ علي بن خالد كان زيديا رجع لما شاهد من كرامات أبي جعفر الثانيعليه‌السلام (٣) ، وإرادته هنا بعيدة من جهة الرواية من محمّد بن علي بن محبوب عنه ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع ، حيث إنّ الرجوع كان من كرامات أبي جعفرعليه‌السلام ويجوز التعمير إلى لقاء ابن محبوب ، وعلى كل حال لا يفيد الحديث ( الوصف بالموثق )(٤) .

والثالث : مضى عن قريب(٥) .

__________________

(١) منهج المقال : ٨٥ و ٢٨٩.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٩ / ٥١٥.

(٣) إرشاد المفيد ٢ : ٢٨٩ ـ ٢٩١.

(٤) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٥) راجع ص ٣١٣.

٣٣٠

المتن :

في الأوّل : كما ترى يدل على أنّ الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تمام الصلاة ، وغير خفي أنّ المدّعى وجوب الصلاة في التشهد ، إلاّ أن يقال : إنّ الخبر إذا دل على الوجوب فلا قائل به في غير التشهد ، وفيه : أنّ الظاهر من العنوان الوجوب في التشهدين ، والإجماع منقول على وجوبها فيهما(١) .

وما قاله بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ من أنّ الخبر غاية مدلوله مذهب ابن الجنيد من وجوبها في أحد التشهدين ولا دلالة فيه على وجوبها في التشهدين معا(٢) . ففي نظري القاصر أنّ قول ابن الجنيد لا صراحة في الرواية للدلالة عليه ؛ لأنّ المنقول عنه فيما حكاه القائل ـ سلمه الله ـ إجزاء الشهادتين إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمّد وآل محمّد في أحد التشهدين ( وهذه العبارة محتملة لأن يكون قوله في أحد الشهادتين )(٣) متعلّقا بقوله : تجزئ الشهادتان ، والمعنى أنّ الشهادتين مجزئتان في أحد التشهدين إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمّد وإله في أيّ جزء من أجزائها ، والمفهوم أنّها إذا خلت من الصلاة لا تجزئ الشهادتان في أحد التشهدين بل لا بدّ معهما من الصلاة فيهما أو في معيّن منهما.

( ويحتمل أن يراد إجزاء الشهادتين إذا لم تخل الصلاة من الصلاة في‌

__________________

(١) كما في المعتبر ٢ : ٢٢٦ ، المنتهى ١ : ٢٩٣ ، مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٦ ، الحبل المتين : ٢٥٠.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ٢٥٠.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م » و « رض ».

٣٣١

أحد التشهدين فيكون متعلقا ب : تخل ، )(١) لكن هذا يبعّده أنّ العبارة تفيد نوع قصور بل تهافت كما يعرف بالتأمّل الصادق فيها. ( وقد ذكرت في فوائد التهذيب احتمال أن يكون مراده أنّ خلوّ أخبار الصلاة من الصلاة يقتضي وجوب الصلاة في التشهدين ، فليتأمّل )(٢) .

وإذا عرفت هذا فالخبر لا يبقى دالاّ على مراد ابن الجنيد. والإجماع الذي أشرنا إليه لا يضره عدم ذكر الصلاة في رسالة علي ابن بابويه.

نعم في الرواية إشكال في الاستدلال بها على الوجوب ، من حيث إنّ الفطرة لا تؤثّر في صحة الصوم بل تؤثّر في كماله بنوع تقريب ، فينبغي أن يكون الحال مثلها في الصلاة ، إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من الخبر عدم صحة الأمرين فإذا خرج الصوم بالإجماع بقي الفرد الآخر. هذا والمتن كما ترى لا يخلو من إجمال.

وفي الفقيه « إنّ(٣) الله بدأ بها قبل الصوم »(٤) وعلى كل حال الإجمال باق ، ولعلّ المراد على ما هنا : إنّ الله بدأ بذكر الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل وجوب الصلاة ، لما رواه في الكافي في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بطريق غير سليم في تفسير الآية أنّ المراد كلما ذكر اسم ربّه صلّى على محمّد وإله(٥) . وعلى ما في الفقيه يحتمل ضمير بها العود إلى الفطرة ، بل وهنا‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٢) ما بين القوسين زيادة من « م ».

(٣) في « م » و « فض » : لأن.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٩ / ٥١٥ ، إلاّ أن فيه : الصلاة بدل الصوم ، الوسائل ٩ : ٣١٨ أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ٥.

(٥) الكافي ٢ : ٤٩٤ / ١٨.

٣٣٢

يحتمل ذلك ، ويراد بالصلاة صلاة العيد كما في بعض الأخبار(١) ، وحينئذ يكون مفاد الخبر الحث على الفطرة ، فليتدبّر.

وأمّا الثاني : فما ذكره الشيخ في توجيهه من الغرابة بمكان ؛ لأنّ نسيان التشهد إذا أوجب القضاء فالفرق بين ذكر بسم الله وعدمه غير واضح الوجه ، والرواية كما تحتمل ما ذكره تحتمل أن يراد أنّه إذا ذكر بسم الله ونسي أنّه تشهد ، على معنى أنّه لم يحفظ التشهد لكن ذكر مبدأه وهو بسم الله ، فالظاهر أنّه أتى به.

وما عساه يقال : إنّ الظاهر لا فرق فيه بين ذكره بسم الله وعدمه بل الجلوس إذا وقع يفيد الظاهر ، على أنّ المتبادر من النسيان عدم التشهد لا عدم ذكر أنّه تشهد.

يمكن الجواب عنه بأنّ ما ذكرناه تأويل لا بدّ فيه من العدول عن الظاهر.

ثم قول الشيخ : إذا تركه متعمدا ، غير خفي أنّه لا وجه له ؛ لأنّ الترك عمدا مبطل سواء ذكر شيئا أو لم يذكر فيما هو المعروف ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّه مذهب الشيخ بسبب الرواية ، وفيه : أنّه إذا عمل بالرواية يحملها على ظاهرها من الاكتفاء بما ذكر فيها. وربّما كان في الرواية نوع إشعار بما احتملناه في قوله : « وإن لم يذكر شيئا من التشهد ». وبالجملة فالتأويل من الشيخ يوجب نوع تعجب.

ولا يخفى أنّ ما تقدم من الأخبار فيه ما يوجب المعارضة لوجوب الصلاة ( أظهر ممّا ذكره )(٢) هنا كما نبهنا عليه سابقا.

__________________

(١) انظر الكشاف للزمخشري ٤ : ٧٤٠ ، التفسير الكبير للرازي ٣١ : ١٤٨.

(٢) في « رض » : أظهرها ما ذكره.

٣٣٣

وأمّا الثالث : فما ذكرناه فيه فيما مضى(١) يغني عن الإعادة ، وما ذكره الشيخ من الحمل على التقيّة ينبغي أن يذكر في الأوّل. أمّا قوله : ونحن قد بينا وجوب الشهادتين ، إلى آخره. ففيه : أنّ ما مضى لا يفيده ، ولعل الإجماع إن تم بعد الصدوق وأبيه فهو الحجة إن لم يعمل بالحسن ، وإن عمل به فالخبر المذكور في الكافي في باب الأذان المتضمن للمعراج يقتضي أمرهعليه‌السلام بالصلاة على نفسه وأهل بيته بعد التشهد(٢) . [ و ](٣) يدل على الوجوب بناء على أنّ الأمر حقيقة فيه.

أمّا ما قد يقال من أنّ ما دلّ على الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كلما ذكر يدل على وجوب الصلاة في التشهدين ، ففيه نظر واضح ؛ لأنّ الكلام في وجوب الصلاة من حيث كونها جزءا من الصلاة ، وأين هذا من ذاك.

وينقل عن المنتهى أنّ فيه : وتجب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عقيب الشهادتين ، ذهب إليه علماؤنا أجمع في التشهد الأوّل والثاني(٤) . وادّعي أيضا إجماع علمائنا على وجوب الصلاة على الآلعليهم‌السلام (٥) . وقد مضى القول في هذا مع عبارة البعض الدالة على الخلاف(٦) .

وينبغي أن يعلم أنّ الشيخ في التهذيب ذكر خبرا عن أبي بصير يتضمن تشهدا طويلا لا فائدة في ذكره بعد معرفة طريقه ، غير أنّ فيه شيئا لا بأس بالتنبيه عليه ، وهو أنّه قيل فيه : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد‌

__________________

(١) راجع ص ٣٢٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١ ؛ الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٤) المنتهى ١ : ٢٩٣ ، ونقله عنه في مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٦.

(٥) انظر المنتهى ١ : ٢٩٣ ، مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٦.

(٦) في ص ٣٣١.

٣٣٤

ـ إلى قوله ـ كما صلّيت وباركت وسلمت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم(١) . وقد ذكر بعض الأصحاب فيه إشكالا من حيث إنّ المتعارف كون المشبّه به أقوى وأشد والحال بالعكس(٢) ، وهذا ذكره بعض أهل الخلاف في شرح مسلم ، وأجاب عنه بأجوبة سهلة(٣) . وبعض الأصحاب نقل شيئا منها(٤) . وفي الحبل المتين أيضا نقل البعض(٥) . ويخطر في البال أنّ المشبه به الصلاة الواقعة والمشبه الصلاة المطلوبة ، ولا ريب أنّ الواقعة أكمل من المطلوبة قبل وقوعها ، نعم بعد وقوعها هي أفضل ، هذا على تقدير تسليم كون المشبّه به أقوى دائما ، ولو دفع بأنّه أغلبي فالجواب سهل.

قوله :

باب قضاء القنوت.

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم وزرارة بن أعين قالا : سألنا أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع ، قال : « يقنت بعد الركوع ، فإن لم يذكر فلا شي‌ء عليه ».

وعنه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القنوت ينساه الرجل ، فقال : « يقنت‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣.

(٢) كما في الحبل المتين : ٢٥٠.

(٣) انظر حاشية إرشاد الساري ٣ : ٤٠ ـ ٤٥.

(٤) كما في روض الجنان : ٢٧٩.

(٥) الحبل المتين : ٢٤٩.

٣٣٥

بعد ما يركع ، فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه ».

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يذكر(١) أنّه لم يقنت حتى يركع قال : فقال : « يقنت إذا رفع رأسه ».

عنه ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير قال : سمعت يذكر عند أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في الرجل إذا سها في القنوت : « قنت بعد ما ينصرف وهو جالس ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سهل ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن ٧ عن رجل نسي القنوت في المكتوبة ، قال : « لا إعادة عليه ».

[ و ](٢) ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن معاوية بن عمار قال : سألته عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع ، أيقنت؟ قال : « لا ».

فإنّه يجوز أن يكون المعنى في هذين الخبرين أنّه لا يجب عليه القضاء وإنّما هو مستحب ؛ لأنّ الابتداء به مستحب فكيف قضاؤه ، ويجوز أن يكون المراد : لا يقضي إذا كان الحال حال تقية ، يدل على ذلك :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمّد ، عنه قال : قال لي أبو جعفرعليه‌السلام في القنوت في الفجر : « إن شئت فاقنت ، وإن شئت فلا تقنت » وقال هو : إذا كانت تقية فلا تقنت وأنا أتقلّد هذا ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٤٤ / ١٢٩٧ : ذكر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ والمصدر : فأمّا ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٣٦

السند :

في الأوّل : واضح ، كالثاني.

والثالث : موثق.

والرابع : فيه أبو بصير.

والخامس : فيه محمّد بن سهل ، وهو مهمل في الرجال(١) ، وأبوه ثقة(٢) .

والسادس : واضح.

والسابع : مضى ، والإضمار فيه دليل واضح على أنّ لا قدح به في أخبارنا ، لما أشرنا إليه سابقا من عادة المتقدمين في الأصول. والخبر فيما مضى عن أحمد بن محمّد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فالضمير لهعليه‌السلام ، ولفظ « لي » زائد كما لا يخفى(٣) ، لكنه في النسخة التي نقلت منها ، وفيما مضى : قال أبو الحسن : وإذا كانت. ، وهنا كما ترى : وقال هو ، يعني أبا الحسن المضمر أوّلا.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على القضاء بعد الركوع ، لكن بعديّة الركوع تتناول حال الركوع وبعد الرفع منه قبل الهوي للسجود وبعده وبعد‌

__________________

(١) انظر رجال الطوسي : ٢٨٩ / ١٤٧.

(٢) انظر رجال النجاشي : ١٨٦ / ٤٩٤.

(٣) في « فض » زيادة : هذا على الاحتمال ظاهر ، وقد يحتمل أن يعود الضمير لأحمد بن محمّد ، والحاكي عنه الحسين بن سعيد ، وفيه بعد غير خفي. وهذه الزيادة في « رض » بعد قوله الآتي : يعني أبا الحسن المضمر أوّلا.

٣٣٧

السجود ، إلاّ أن يدّعى تبادر حال القيام من الركوع قبل الهوي للسجود. وقوله : « فإن لم يذكر » إلى آخره. كان الظاهر منه أنّ القضاء إنّما هو مع الذكر بعد الركوع ، فلو لم يذكر بعده لا قضاء عليه ، وربّما يؤيّده أنّ ما بعد الركوع لو تناول جميع الحالات السابقة لم يبق فائدة لقوله : « لا شي‌ء عليه ».

أمّا احتمال أن يراد لا شي‌ء عليه من القضاء مع عدم ذكر النسيان ، ففيه : أنّه قليل الفائدة كما لا يخفى ، إلاّ أن يقال : الفائدة عدم رجحان القضاء لا نفي القضاء رأسا ؛ لدلالة بعض الأخبار الآتية على القضاء بعد الصلاة ، وفيه : أنّ عدم الذكر إذا أخذ بالإطلاق يبقى منافيا لما يأتي.

وأمّا الثاني : فقد انتصر به بعض محققي الأصحاب للقول بوجوب القنوت قائلا : إنّ قولهعليه‌السلام : « وإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه » أي لا إثم عليه ، يعطي بمفهومه الشرطي أنّه لو ذكر ولم يلتفت كان عليه إثم ، وهو نص في الوجوب(١) .

وقد يقال : إنّ مفاد الخبر إذا لم يذكر(٢) بعد انصرافه لا قنوت عليه حيث ذكر أولا القنوت ، وحينئذ فحاصل الخبر أنّه إذا ذكر بعد الركوع قضاه وإن لم يذكر بعده فلا قضاء عليه. ويراد بالانصراف الانصراف عن محل القضاء. أمّا الإثم فلا دلالة في المقام عليه. ولو لم يترجح ما قلناه فهو احتمال كاف في نفي النصوصية على أنّ المفهوم إن ذكر فعليه شي‌ء ، أمّا أنّ التقدير إن ذكر ولم يقنت فعليه شي‌ء فلا دليل عليه ؛ لعدم ذكر القنوت في الشرط ، والتقدير من خارج ينافي النصوصية. ولو أريد بالانصراف الفراغ‌

__________________

(١) انظر الحبل المتين : ٢٣٧.

(٢) في « رض » : يكن.

٣٣٨

من الصلاة نافي ما ذكره الأصحاب ، أمّا منافاته الأوّل فيمكن توجيهها(١) .

والثالث : صريح في أنّ القنوت قضاء بعد الرفع فيحمل الأوّلان عليه بنوع تقريب.

والرابع : كما ترى يدل على القضاء بعد الانصراف ، ويحتمل حمل الثاني عليه ، لكن الانصراف محتمل للفراغ من الصلاة والانصراف من حال القيام بعد الركوع إذا جلس للسجود ، وفيه ما فيه.

والخامس : يمكن حمله على عدم إعادة الصلاة لا القنوت ، بل الظاهر ظهور الإعادة في ذلك ، وما قاله الشيخ لا وجه له.

والسادس : يمكن حمله على حال الركوع لا القيام منه.

وأمّا السابع : فقد مضى القول فيه مفصلا(٢) .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ رواية معاوية بن عمار في الفقيه متنها : سئل عن القنوت في الوتر ، قال : « قبل الركوع » قال : فإن نسيت أقضيه إذا رفعت رأسي؟ فقال : « لا »(٣) وفي الرواية دلالة على خصوص القنوت ، والشيخ ربّما يكون اختصر الرواية أو أنّها غيرها.

وقد يظن من رواية الصدوق نفي القنوت في الوتر بعد الركوع ، مع أنّ في الأخبار ما يدل على الدعاء بعد الركوع فيه ، ولا يبعد أن يكون المنفي رفع اليدين ، لما مضى من إطلاق القنوت عليه.

وينقل عن العلاّمة في النهاية(٤) المنع من فعل القنوت بعد الركوع في‌

__________________

(١) في « رض » و « فض » زيادة : وعدمها.

(٢) راجع ص ٣٠٨.

(٣) الفقيه ١ : ٣١٢ / ١٤٢١ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب القنوت ب ١٨ ح ٥ ، بتفاوت يسير فيهما.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٥٠٨.

٣٣٩

الثانية ، لدلالة بعض الأخبار السابقة على أنّه لا قنوت إلاّ قبل الركوع ، والأخبار الموجودة تقتضي أنّ المنفي هناك الأداء أو رفع اليدين ، فيحتمل كون القضاء من دون رفع اليدين ، ولم أر من صرّح به.

ولجدّيقدس‌سره في الروضة ما هذا لفظه : وقيل يجوز فعل القنوت مطلقا قبل الركوع وبعده ، وهو حسن للخبر ، ثم قال بعد ذلك : ويفعله الناسي قبل الركوع بعده وإن قلنا بتعينه قبله اختيارا ، فإن لم يذكره حتى تجاوز قضاه بعد الصلاة جالسا ، ثم في الطريق مستقبلا(١) . انتهى.

وقد يقال : إنّ ما ذكره أوّلا من الجواز قبل وبعد ينافي ما ذكره آخرا من الإتيان به مع النسيان بعد الركوع ، إلاّ أن يجاب بأنّ الثاني على تقدير القول به. أمّا ما قاله ثانيا : فلا أعلم الوجه فيه بعد ما دلت عليه الأخبار التي نقلتها ، فليتأمّل.

وينبغي أن يعلم أنّ الشيخ لم يتعرض للتعارض الواقع بين الأخبار ، فإنّ رواية أبي بصير ما ذكرناه فيها خلاف الظاهر ، لكنه من باب التأويل يمكن الدخول فيه ، والأخبار الدالة على أنّ الانصراف تقتضي أن لا قضاء أو نحوه بعد الانصراف ظاهرة في الفراغ من الصلاة ، واللازم من ذلك أنّ ما قبل الفراغ يقضي فيه القنوت وإن تجاوز الرفع من الركوع للثانية(٢) ، ولعل اختلاف الاستحباب كمالا ممكن.

أمّا ما قاله الشيخ : من أنّ القنوت مستحب ابتداء ، إلى آخره. فلا يخفى عدم الحاجة إليه ؛ إذ على تقدير وجوبه لا يلزم منه القضاء.

وفي كلام بعض الأصحاب أنّ تلافي القنوت بعد الركوع لناسيه قبله‌

__________________

(١) الروضة البهية ١ : ٢٨٤.

(٢) في « رض » : من الثانية.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379