إستقصاء الإعتبار الجزء ٥

إستقصاء الإعتبار0%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
المترجم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-177
الصفحات: 379

إستقصاء الإعتبار

مؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
المترجم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-177
الصفحات: 379
المشاهدات: 43223
تحميل: 4596


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43223 / تحميل: 4596
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء 5

مؤلف:
ISBN: 964-319-177
العربية

ظاهرة لو لا ما قلناه من الاحتمال ، كدلالته على عدم وجوب التسليم.

وما تضمنه من ذكر التحيات على تقدير حمله على الثنائية يدل على جواز التلفظ بها في الأخير ، وقد نقل إجماع(١) الأصحاب على أنّه لا تحيات في التشهد الأوّل(٢) ، ولو حمل الخبر على الانصراف من التشهد أمكن عود السؤال عن التحيات في التشهد الأوّل.

قيل : التحيات يراد بها العظمة والملك(٣) ، وقيل : التحية ما يحيى به من سلام وثناء ونحوهما(٤) .

( وقال بعض محقّقي العامة في شرح الحديث : إنّ التحيات جمع تحية وهو الملك ، وقيل : السلام ، وقيل : العظمة ، وقيل : البقاء(٥) . فإذا حمل على السلام فيكون التقدير التحيات التي يعظمها الملوك مستحقة لله. وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاصه به. وكذلك العظمة يراد بها الكاملة. وأمّا الصلوات فيحتمل أن يراد بها الصلاة المعهودة ، والتقدير أنّها واجبة لله ، ويحتمل أن يراد بها الرحمة ، ويكون معنى كونها لله أنّه المعطي لها.

وأمّا الطيبات فالمراد بها الخالصات عن صفات النقص )(٦) .

بقي في الحديث شي‌ء وهو أنّ قوله : « فإذا استويت جالسا » إلى آخره. قد يستفاد منه وجوب الطمأنينة في التشهد كما ذكره الأصحاب(٧) ،

__________________

(١) في « م » : الإجماع.

(٢) كما في الذكرى : ٢٠٤.

(٣) انظر مغني المحتاج ١ : ١٧٥.

(٤) كما في الحبل المتين : ٢٥٠.

(٥) انظر إرشاد الساري للقسطلاني ٢ : ١٢٩ ، فتح الباري لابن حجر ٢ : ٢٤٩.

(٦) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٧) منهم المحقق في المختصر النافع : ٣٢ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٣٥ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٧٨.

٣٢١

واحتمال أن يقال : إنّ الطمأنينة أمر زائد على الجلوس يمكن أن يدفع بقوله : « استويت » فليتأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين(١) ، عن صفوان ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجدة الأخيرة ، قال : « تمّت صلاته ، وإنّما التشهد سنّة في الصلاة ، فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد ».

فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على من أحدث بعد الشهادتين وإن لم يستوف باقي التشهد(٢) فإنّه يتمّ صلاته ، ولو كان الحدث قبل ذلك لكان يجب عليه الإعادة من أولها على ما بيّنّاه. وأمّا قوله : « وإنّما التشهد سنّة »(٣) معناه ما زاد على الشهادتين على ما بيّنّاه ، ويكون ما أمره به من إعادته بعد الوضوء محمولا على الاستحباب.

فأمّا ما رواه سعد ، عن أبي جعفر ، عن أبيه و(٤) محمّد بن عيسى والحسين بن سعيد ومحمّد بن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد ، قال : « ينصرف فيتوضّأ فإن شاء‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٤٢ / ١٢٩٠ : الحسن ، والصحيح ما في النسخ ـ راجع معجم رجال الحديث ١٥ : ٢٧٦.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٤٢ : الشهادة.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٤٣ زيادة : في الصلاة.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٤٣ / ١٢٩١ : عن.

٣٢٢

رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على من دخل في الصلاة بتيمم ثم أحدث ساهيا قبل الشهادتين فإنّه يتوضّأ إذا كان قد وجد الماء ويتم الصلاة بالشهادتين وليس عليه إعادتها ، كما له إتمامها لو أحدث قبل ذلك على ما بيناه فيما مضى. ويمكن أيضا أن يكون قوله : « قبل أن يتشهد » إنّما أراد به استيفاء التشهد المسنون دون أن يكون المراد به الشهادتين على ما قلناه في الخبر الأوّل.

السند‌

في الأوّل : فيه عبد الله بن بكير ، وقد مضى القول فيه مرارا من أنّه معدود من الموثق خبره ، مع الإجماع على تصحيح ما يصح عنه(١) .

والثاني : فيه محمّد بن عيسى الأشعري ، وتقدّم أيضا القول من أنّي لم أقف على ما يقتضي توثيقه صريحا ، ومدحه في الجملة ممكن(٢) .

أمّا ما تضمنه من قوله : ومحمّد بن عيسى على النسخة التي نقلت منها فهو محمّد بن عيسى اليقطيني على الظاهر ، وفي نسخة : عن محمّد بن عيسى وهو كذلك ، وربّما يرجّح الأوّل أنّ الراوي عن محمّد بن عيسى اليقطيني الحميري ونحوه ، فالرواية عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبيه عنه بعيدة ؛ لاقتضائها واسطتين بين الحميري ومحمّد بن عيسى وهما‌

__________________

(١) راجع ج ١ : ١٢٥.

(٢) راجع ج ١ : ٢٠٧. وصرّح بتوثيقه الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٩ ، وروى عنه ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٤٤ ، ب ٥٧ ح ٣ ، وهو توثيق عام له.

٣٢٣

أحمد وأبوه ، وأمّا على الثاني فواحدة ، والذي في التهذيب عن أبيه محمّد ابن عيسى في نسخة ، وفي أخرى كما هنا(١) ، والاعتبار يشهد بصحة الاولى ، وهي في نسخة عليها المعوّل.

ومحمّد بن أبي عمير ( هذا يكون معطوفا على أبيه ، ورواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير كثيرة ، كرواية الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير )(٢) أمّا على النسخ الأخر فاحتمال العطف على محمّد بن عيسى اليقطيني قائم ، فيكون محمّد بن عيسى الأشعري راويا عن ابن أبي عمير. وعلى تقدير « عن » فيحتمل العطف على محمّد بن عيسى ويكون الأب راويا عن ابن أبي عمير ، ويحتمل العطف على الأب فيكون أحمد هو الراوي عن ابن أبي عمير. والحسين بن سعيد كابن أبي عمير ، فليتدبّر.

المتن :

ينبغي أن يعلم قبل الكلام فيه أنّ العلاّمة في المنتهى قال : وهو ـ أي التشهد ـ واجب في كل ثنائية مرّة وفي الثلاثية والرباعية مرّتين ، وهو مذهب أهل البيتعليهم‌السلام (٣) . وهذا كما ترى يدل على الإجماع في المسألة ، وحينئذ لا بدّ من تأويل الأخبار المنافية لذلك ، والأوّل منها ، وتوجيه الشيخ وإن بعد لكن لا بدّ من تحمّل بعده للضرورة.

وقول الشيخ : بعد الشهادتين ، يعطي عدم وجوب الصلاة على النبي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٨ / ١٣٠١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٣) المنتهى ١ : ٢٩٢.

٣٢٤

وإلهعليهم‌السلام ، أو عدم قطع الصلاة بالحدث قبلها ، وسيأتي منه ما يدل على وجوب الصلاة(١) ، أمّا ما يدل على الصحة مع وجوبها فلم يتقدم ما يدل عليه سوى هذا الخبر ، ( وغير خفي أنّ ما قاله من الحمل على الاستحباب في الإعادة مع وجوب الصلاة مشكل ، كما أنّ صحّة الصلاة من الخبر )(٢) كذلك ، مضافا إلى عدم معلومية القائل بهذا غير الشيخ.

وقوله : يجب عليه الإعادة من أوّلها على ما بيناه ، غير معلوم المراد من البيان ، إلاّ من حيث ذكر ما دلّ على وجوب التشهد المستلزم لإبطال الصلاة لو وقع الحدث في الأثناء ، وهذا يأتي في الصلاة مع وجوبها ، فليتأمّل.

والثاني : ما ذكره الشيخ في توجيهه في أعلى مراتب البعد في(٣) الوجه الأوّل ، وأمّا الثاني فعجز الحديث ينافيه كما هو واضح. ولعلّ الأولى ردّ الخبر بالإجماع إن تمّ ، والله تعالى أعلم.

ولا يخفى أنّ في الخبر دلالة على عدم وجوب التسليم والصلاة على النبي وإلهعليهم‌السلام ، أمّا احتمال وجوب التسليم وكونه خارجا عن الصلاة ، ففيه مشاركة الصلاة له ولا قائل فيها بما قيل في التسليم.

والعجب من بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ أنّه ذكر في حجة القائلين باستحباب التسليم خبر زرارة المتضمن لأنّ من يحدث قبل أن يسلّم تمّت صلاته ، وأجاب عنه بأنّه إنّما يدل على أنّ التسليم ليس جزءا من الصلاة وهو لا يستلزم المطلوب ، فإنّ كونه واجبا خارجا عنها كما ذكره‌

__________________

(١) انظر ص ٣٢٧.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) بدله في « فض » : بالنسبة إلى.

٣٢٥

بعضهم محتمل(١) . وأنت خبير بأنّ الاحتمال المذكور في الخبر المبحوث عنه غير وارد بعد ما قلناه من حكم الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع إله.

وما عساه يقال : إنّ الخبر المذكور غير معلوم الصحة لما تقدم في سنده يدفعه التأمّل في السند ، فإنّ الصحة لازمة له بغير ارتياب على الممارس.

نعم غاية ما يلزم منه مخالفة الإجماع من جهة الصلاة حيث إنّ مقتضاه(٢) الصحة مع الحدث قبلها ، وعلى تقدير الوجوب ـ كما هو مشهور بل مدّعى عليه الإجماع كما سيأتي(٣) ـ فالصحة مع تخلل الحدث غير معلوم القائل بها ، بل الإجماع يدّعى(٤) على بطلان الصلاة بتخلل الحدث ، ( إلاّ في صورة التيمم على ما قاله الشيخ وإن كان الخلاف موجودا في غيره ، كما نبّهنا عليه في محل آخر وسيأتي إن شاء الله تعالى(٥) ، وعلى كل حال )(٦) فيمكن ردّ الخبر بهذا الوجه ، أو قبول تأويل الشيخ ، وفيه اعتراف بعدم وجوب الصلاة والتسليم على الوجه الثاني ، والوجه الأوّل بعيد لكن لا بأس بالالتزام به ؛ لأنّه أولى من الطرح ، غير أنّ هذا الوجه لا يفرق فيه بين الأمرين المذكورين فيه من قبلية التشهد وبعدية الشهادتين ، ومن ثم قلنا : إنّه في أعلى مراتب البعد.

وما عساه يقال : إنّه ينبغي نفيه بالكلية ، يمكن تكلف التوجيه بإرادة‌

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ٢٥٧.

(٢) في « م » و « رض » : معناه.

(٣) انظر ص ٣٤٢.

(٤) في « فض » : يدل.

(٥) انظر ص ٣٤٢.

(٦) ما بين القوسين من « رض ».

٣٢٦

الشهادتين وما يتبعهما من الصلاة ، فينبغي عدم الغفلة عن تحقيق المقام فإنّه حري بالتأمّل التام.

قوله :

باب وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهد‌

ابن أبي عمير ، عن أبي بصير ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كالصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ومن صلّى ولم يصلّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له ، إنّ الله بدأ بها قبل الصلاة فقال( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى .وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (١) ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن علي بن خالد ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنّه قال بسم الله فقط فقد جازت صلاته ، وإن لم يذكر شيئا من التشهد أعاد الصلاة ».

فالوجه في هذا الخبر أنّه إذا ذكر أنّه قال بسم الله فقد تمّت صلاته ويتم الشهادتين على جهة القضاء ولا يعيد الصلاة ، وإذا لم يذكر شيئا أصلا أعاد الصلاة إذا(٢) تركه متعمدا ، وليس في الخبر أنّه إذا لم يذكر ناسيا أو متعمدا ، ولو كان تركه ساهيا ثم ذكر كان عليه‌

__________________

(١) الأعلى : ١٤ ـ ١٥.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٤٤ زيادة : كان.

٣٢٧

قضاء التشهد على ما بيّنّاه.

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن بكر ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال سمعته يقول : « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه ».

فالوجه في هذا الخبر التقية لأنّه مذهب كثير من العامّة ، ونحن قد بيّنّا وجوب الشهادتين والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

السند‌

في الأوّل : فيه أبو بصير ، والطريق إلى ابن أبي عمير في المشيخة فيه من لم يعلم توثيقه ، وفي الفهرست قال الشيخ في ترجمته : أخبرني بجميع كتبه ورواياته جماعة ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله والحميري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، وأخبرنا ابن أبي جيد(١) عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن الحسين وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، وأخبرنا بالنوادر خاصة جماعة ، عن أبي المفضل ، عن حميد ، عن عبد(٢) الله بن أحمد بن نهيك ، عن ابن أبي عمير ، وأخبرنا بها جماعة ، عن أبي [ القاسم ](٣) إلى آخره(٤) .

__________________

(١) في « رض » و « م » : جنيد ، والصواب ما أثبتناه من « فض ».

(٢) في المصدر : عبيد ، والظاهر اتحاد عبد الله مع عبيد الله ـ راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٦٥.

(٣) بدل ما بين القوسين في النسخ : المفضّل ، والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٤) الفهرست : ١٤٢.

٣٢٨

وربّما يظن استفادة طريق معتبر من المذكور يفيد اعتبار الخبر إلى ابن أبي عمير.

ثمّ الإجماع على تصحيح ما يصح عنه يفيد القبول ، وفيه نظر ، أمّا أوّلا : فلأنّ كون المذكور هنا من جملة رواياته موقوف على صحة الطريق إليه ، وهو أصل المدّعى ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّ نقل الشيخ الخبر عنه يعلم منه أنّه من رواياته ، وضعف الطريق لا يضر بالحال ، وفيه نوع تأمّل إلاّ أنّه قابل للتوجيه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الطرق المذكورة إن كانت بجميع الكتب والروايات فالجزم بأنّ كل واحد منها بجميع الكتب والروايات غير معلوم لاحتمال التوزيع ، ومعه يشكل صحة البعض الموجب لعدم الفائدة ، مضافا إلى طريق النوادر إن كان المراد به خاصة مع دخوله في الجميع المذكور أوّلا أمكن التوجيه مع توجه ما سبق ، وإن كان غير داخل في الأوّل فاحتمال كون الرواية من النوادر ممكن ( فليتأمّل )(١) .

فإن قلت : ما وجه الجهالة في الطريق إلى ابن أبي عمير؟

قلت : فيه جعفر بن محمّد العلوي ، وقد ذكره الشيخ في من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام من كتابه مهملا(٢) ، لكن النجاشي في ترجمة محمّد بن جعفر المذكور قال : وكان أبوه وجها(٣) . ولا يبعد أن يكون العلاّمة من هذا عدّه في القسم الأوّل(٤) . وغير خفي أنّ هذا لا يفيد التوثيق ، بل المدح على‌

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في « فض ».

(٢) رجال الطوسي : ٤٦٠ / ١٩.

(٣) رجال النجاشي : ٣٧٣ / ١٠٢٠.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٣٣ / ٢٥.

٣٢٩

ما قيل في ألفاظه ، وإن كان فيه ما فيه ، ولعل العلاّمة يعمل بالحسن.

والعجب من شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ أنّه لم يذكر ما حكيناه في كتاب الرجال(١) ، هذا.

وفي الفقيه روى بطريقه الصحيح ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي بصير وزرارة قال : قال أبو عبد الله وذكر الرواية مع نوع مغايرة تأتي في المتن(٢) ، وغير خفي أنّ الرواية هنا محتملة للوهم في وضع « عن » موضع الواو ؛ إذ ذلك كثير في كتاب الشيخ بخطهرحمه‌الله في النسخة التي عندنا للتهذيب ثم إنّه يصلحها بعد ذلك.

ولا يبعد رواية أبي بصير تارة مع زرارة وتارة عنه ، إلاّ أنّ الاحتمال الأوّل له ظهور في الظن.

والثاني : فيه علي بن خالد ، وفي إرشاد المفيد ما يقتضي أنّ علي بن خالد كان زيديا رجع لما شاهد من كرامات أبي جعفر الثانيعليه‌السلام (٣) ، وإرادته هنا بعيدة من جهة الرواية من محمّد بن علي بن محبوب عنه ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع ، حيث إنّ الرجوع كان من كرامات أبي جعفرعليه‌السلام ويجوز التعمير إلى لقاء ابن محبوب ، وعلى كل حال لا يفيد الحديث ( الوصف بالموثق )(٤) .

والثالث : مضى عن قريب(٥) .

__________________

(١) منهج المقال : ٨٥ و ٢٨٩.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٩ / ٥١٥.

(٣) إرشاد المفيد ٢ : ٢٨٩ ـ ٢٩١.

(٤) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٥) راجع ص ٣١٣.

٣٣٠

المتن :

في الأوّل : كما ترى يدل على أنّ الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تمام الصلاة ، وغير خفي أنّ المدّعى وجوب الصلاة في التشهد ، إلاّ أن يقال : إنّ الخبر إذا دل على الوجوب فلا قائل به في غير التشهد ، وفيه : أنّ الظاهر من العنوان الوجوب في التشهدين ، والإجماع منقول على وجوبها فيهما(١) .

وما قاله بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ من أنّ الخبر غاية مدلوله مذهب ابن الجنيد من وجوبها في أحد التشهدين ولا دلالة فيه على وجوبها في التشهدين معا(٢) . ففي نظري القاصر أنّ قول ابن الجنيد لا صراحة في الرواية للدلالة عليه ؛ لأنّ المنقول عنه فيما حكاه القائل ـ سلمه الله ـ إجزاء الشهادتين إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمّد وآل محمّد في أحد التشهدين ( وهذه العبارة محتملة لأن يكون قوله في أحد الشهادتين )(٣) متعلّقا بقوله : تجزئ الشهادتان ، والمعنى أنّ الشهادتين مجزئتان في أحد التشهدين إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمّد وإله في أيّ جزء من أجزائها ، والمفهوم أنّها إذا خلت من الصلاة لا تجزئ الشهادتان في أحد التشهدين بل لا بدّ معهما من الصلاة فيهما أو في معيّن منهما.

( ويحتمل أن يراد إجزاء الشهادتين إذا لم تخل الصلاة من الصلاة في‌

__________________

(١) كما في المعتبر ٢ : ٢٢٦ ، المنتهى ١ : ٢٩٣ ، مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٦ ، الحبل المتين : ٢٥٠.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ٢٥٠.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م » و « رض ».

٣٣١

أحد التشهدين فيكون متعلقا ب : تخل ، )(١) لكن هذا يبعّده أنّ العبارة تفيد نوع قصور بل تهافت كما يعرف بالتأمّل الصادق فيها. ( وقد ذكرت في فوائد التهذيب احتمال أن يكون مراده أنّ خلوّ أخبار الصلاة من الصلاة يقتضي وجوب الصلاة في التشهدين ، فليتأمّل )(٢) .

وإذا عرفت هذا فالخبر لا يبقى دالاّ على مراد ابن الجنيد. والإجماع الذي أشرنا إليه لا يضره عدم ذكر الصلاة في رسالة علي ابن بابويه.

نعم في الرواية إشكال في الاستدلال بها على الوجوب ، من حيث إنّ الفطرة لا تؤثّر في صحة الصوم بل تؤثّر في كماله بنوع تقريب ، فينبغي أن يكون الحال مثلها في الصلاة ، إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من الخبر عدم صحة الأمرين فإذا خرج الصوم بالإجماع بقي الفرد الآخر. هذا والمتن كما ترى لا يخلو من إجمال.

وفي الفقيه « إنّ(٣) الله بدأ بها قبل الصوم »(٤) وعلى كل حال الإجمال باق ، ولعلّ المراد على ما هنا : إنّ الله بدأ بذكر الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل وجوب الصلاة ، لما رواه في الكافي في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بطريق غير سليم في تفسير الآية أنّ المراد كلما ذكر اسم ربّه صلّى على محمّد وإله(٥) . وعلى ما في الفقيه يحتمل ضمير بها العود إلى الفطرة ، بل وهنا‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٢) ما بين القوسين زيادة من « م ».

(٣) في « م » و « فض » : لأن.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٩ / ٥١٥ ، إلاّ أن فيه : الصلاة بدل الصوم ، الوسائل ٩ : ٣١٨ أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ٥.

(٥) الكافي ٢ : ٤٩٤ / ١٨.

٣٣٢

يحتمل ذلك ، ويراد بالصلاة صلاة العيد كما في بعض الأخبار(١) ، وحينئذ يكون مفاد الخبر الحث على الفطرة ، فليتدبّر.

وأمّا الثاني : فما ذكره الشيخ في توجيهه من الغرابة بمكان ؛ لأنّ نسيان التشهد إذا أوجب القضاء فالفرق بين ذكر بسم الله وعدمه غير واضح الوجه ، والرواية كما تحتمل ما ذكره تحتمل أن يراد أنّه إذا ذكر بسم الله ونسي أنّه تشهد ، على معنى أنّه لم يحفظ التشهد لكن ذكر مبدأه وهو بسم الله ، فالظاهر أنّه أتى به.

وما عساه يقال : إنّ الظاهر لا فرق فيه بين ذكره بسم الله وعدمه بل الجلوس إذا وقع يفيد الظاهر ، على أنّ المتبادر من النسيان عدم التشهد لا عدم ذكر أنّه تشهد.

يمكن الجواب عنه بأنّ ما ذكرناه تأويل لا بدّ فيه من العدول عن الظاهر.

ثم قول الشيخ : إذا تركه متعمدا ، غير خفي أنّه لا وجه له ؛ لأنّ الترك عمدا مبطل سواء ذكر شيئا أو لم يذكر فيما هو المعروف ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّه مذهب الشيخ بسبب الرواية ، وفيه : أنّه إذا عمل بالرواية يحملها على ظاهرها من الاكتفاء بما ذكر فيها. وربّما كان في الرواية نوع إشعار بما احتملناه في قوله : « وإن لم يذكر شيئا من التشهد ». وبالجملة فالتأويل من الشيخ يوجب نوع تعجب.

ولا يخفى أنّ ما تقدم من الأخبار فيه ما يوجب المعارضة لوجوب الصلاة ( أظهر ممّا ذكره )(٢) هنا كما نبهنا عليه سابقا.

__________________

(١) انظر الكشاف للزمخشري ٤ : ٧٤٠ ، التفسير الكبير للرازي ٣١ : ١٤٨.

(٢) في « رض » : أظهرها ما ذكره.

٣٣٣

وأمّا الثالث : فما ذكرناه فيه فيما مضى(١) يغني عن الإعادة ، وما ذكره الشيخ من الحمل على التقيّة ينبغي أن يذكر في الأوّل. أمّا قوله : ونحن قد بينا وجوب الشهادتين ، إلى آخره. ففيه : أنّ ما مضى لا يفيده ، ولعل الإجماع إن تم بعد الصدوق وأبيه فهو الحجة إن لم يعمل بالحسن ، وإن عمل به فالخبر المذكور في الكافي في باب الأذان المتضمن للمعراج يقتضي أمرهعليه‌السلام بالصلاة على نفسه وأهل بيته بعد التشهد(٢) . [ و ](٣) يدل على الوجوب بناء على أنّ الأمر حقيقة فيه.

أمّا ما قد يقال من أنّ ما دلّ على الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كلما ذكر يدل على وجوب الصلاة في التشهدين ، ففيه نظر واضح ؛ لأنّ الكلام في وجوب الصلاة من حيث كونها جزءا من الصلاة ، وأين هذا من ذاك.

وينقل عن المنتهى أنّ فيه : وتجب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عقيب الشهادتين ، ذهب إليه علماؤنا أجمع في التشهد الأوّل والثاني(٤) . وادّعي أيضا إجماع علمائنا على وجوب الصلاة على الآلعليهم‌السلام (٥) . وقد مضى القول في هذا مع عبارة البعض الدالة على الخلاف(٦) .

وينبغي أن يعلم أنّ الشيخ في التهذيب ذكر خبرا عن أبي بصير يتضمن تشهدا طويلا لا فائدة في ذكره بعد معرفة طريقه ، غير أنّ فيه شيئا لا بأس بالتنبيه عليه ، وهو أنّه قيل فيه : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد‌

__________________

(١) راجع ص ٣٢٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١ ؛ الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٤) المنتهى ١ : ٢٩٣ ، ونقله عنه في مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٦.

(٥) انظر المنتهى ١ : ٢٩٣ ، مجمع الفائدة ٢ : ٢٧٦.

(٦) في ص ٣٣١.

٣٣٤

ـ إلى قوله ـ كما صلّيت وباركت وسلمت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم(١) . وقد ذكر بعض الأصحاب فيه إشكالا من حيث إنّ المتعارف كون المشبّه به أقوى وأشد والحال بالعكس(٢) ، وهذا ذكره بعض أهل الخلاف في شرح مسلم ، وأجاب عنه بأجوبة سهلة(٣) . وبعض الأصحاب نقل شيئا منها(٤) . وفي الحبل المتين أيضا نقل البعض(٥) . ويخطر في البال أنّ المشبه به الصلاة الواقعة والمشبه الصلاة المطلوبة ، ولا ريب أنّ الواقعة أكمل من المطلوبة قبل وقوعها ، نعم بعد وقوعها هي أفضل ، هذا على تقدير تسليم كون المشبّه به أقوى دائما ، ولو دفع بأنّه أغلبي فالجواب سهل.

قوله :

باب قضاء القنوت.

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم وزرارة بن أعين قالا : سألنا أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع ، قال : « يقنت بعد الركوع ، فإن لم يذكر فلا شي‌ء عليه ».

وعنه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القنوت ينساه الرجل ، فقال : « يقنت‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣.

(٢) كما في الحبل المتين : ٢٥٠.

(٣) انظر حاشية إرشاد الساري ٣ : ٤٠ ـ ٤٥.

(٤) كما في روض الجنان : ٢٧٩.

(٥) الحبل المتين : ٢٤٩.

٣٣٥

بعد ما يركع ، فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه ».

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يذكر(١) أنّه لم يقنت حتى يركع قال : فقال : « يقنت إذا رفع رأسه ».

عنه ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير قال : سمعت يذكر عند أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في الرجل إذا سها في القنوت : « قنت بعد ما ينصرف وهو جالس ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سهل ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن ٧ عن رجل نسي القنوت في المكتوبة ، قال : « لا إعادة عليه ».

[ و ](٢) ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن معاوية بن عمار قال : سألته عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع ، أيقنت؟ قال : « لا ».

فإنّه يجوز أن يكون المعنى في هذين الخبرين أنّه لا يجب عليه القضاء وإنّما هو مستحب ؛ لأنّ الابتداء به مستحب فكيف قضاؤه ، ويجوز أن يكون المراد : لا يقضي إذا كان الحال حال تقية ، يدل على ذلك :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمّد ، عنه قال : قال لي أبو جعفرعليه‌السلام في القنوت في الفجر : « إن شئت فاقنت ، وإن شئت فلا تقنت » وقال هو : إذا كانت تقية فلا تقنت وأنا أتقلّد هذا ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٤٤ / ١٢٩٧ : ذكر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ والمصدر : فأمّا ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٣٦

السند :

في الأوّل : واضح ، كالثاني.

والثالث : موثق.

والرابع : فيه أبو بصير.

والخامس : فيه محمّد بن سهل ، وهو مهمل في الرجال(١) ، وأبوه ثقة(٢) .

والسادس : واضح.

والسابع : مضى ، والإضمار فيه دليل واضح على أنّ لا قدح به في أخبارنا ، لما أشرنا إليه سابقا من عادة المتقدمين في الأصول. والخبر فيما مضى عن أحمد بن محمّد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فالضمير لهعليه‌السلام ، ولفظ « لي » زائد كما لا يخفى(٣) ، لكنه في النسخة التي نقلت منها ، وفيما مضى : قال أبو الحسن : وإذا كانت. ، وهنا كما ترى : وقال هو ، يعني أبا الحسن المضمر أوّلا.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على القضاء بعد الركوع ، لكن بعديّة الركوع تتناول حال الركوع وبعد الرفع منه قبل الهوي للسجود وبعده وبعد‌

__________________

(١) انظر رجال الطوسي : ٢٨٩ / ١٤٧.

(٢) انظر رجال النجاشي : ١٨٦ / ٤٩٤.

(٣) في « فض » زيادة : هذا على الاحتمال ظاهر ، وقد يحتمل أن يعود الضمير لأحمد بن محمّد ، والحاكي عنه الحسين بن سعيد ، وفيه بعد غير خفي. وهذه الزيادة في « رض » بعد قوله الآتي : يعني أبا الحسن المضمر أوّلا.

٣٣٧

السجود ، إلاّ أن يدّعى تبادر حال القيام من الركوع قبل الهوي للسجود. وقوله : « فإن لم يذكر » إلى آخره. كان الظاهر منه أنّ القضاء إنّما هو مع الذكر بعد الركوع ، فلو لم يذكر بعده لا قضاء عليه ، وربّما يؤيّده أنّ ما بعد الركوع لو تناول جميع الحالات السابقة لم يبق فائدة لقوله : « لا شي‌ء عليه ».

أمّا احتمال أن يراد لا شي‌ء عليه من القضاء مع عدم ذكر النسيان ، ففيه : أنّه قليل الفائدة كما لا يخفى ، إلاّ أن يقال : الفائدة عدم رجحان القضاء لا نفي القضاء رأسا ؛ لدلالة بعض الأخبار الآتية على القضاء بعد الصلاة ، وفيه : أنّ عدم الذكر إذا أخذ بالإطلاق يبقى منافيا لما يأتي.

وأمّا الثاني : فقد انتصر به بعض محققي الأصحاب للقول بوجوب القنوت قائلا : إنّ قولهعليه‌السلام : « وإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه » أي لا إثم عليه ، يعطي بمفهومه الشرطي أنّه لو ذكر ولم يلتفت كان عليه إثم ، وهو نص في الوجوب(١) .

وقد يقال : إنّ مفاد الخبر إذا لم يذكر(٢) بعد انصرافه لا قنوت عليه حيث ذكر أولا القنوت ، وحينئذ فحاصل الخبر أنّه إذا ذكر بعد الركوع قضاه وإن لم يذكر بعده فلا قضاء عليه. ويراد بالانصراف الانصراف عن محل القضاء. أمّا الإثم فلا دلالة في المقام عليه. ولو لم يترجح ما قلناه فهو احتمال كاف في نفي النصوصية على أنّ المفهوم إن ذكر فعليه شي‌ء ، أمّا أنّ التقدير إن ذكر ولم يقنت فعليه شي‌ء فلا دليل عليه ؛ لعدم ذكر القنوت في الشرط ، والتقدير من خارج ينافي النصوصية. ولو أريد بالانصراف الفراغ‌

__________________

(١) انظر الحبل المتين : ٢٣٧.

(٢) في « رض » : يكن.

٣٣٨

من الصلاة نافي ما ذكره الأصحاب ، أمّا منافاته الأوّل فيمكن توجيهها(١) .

والثالث : صريح في أنّ القنوت قضاء بعد الرفع فيحمل الأوّلان عليه بنوع تقريب.

والرابع : كما ترى يدل على القضاء بعد الانصراف ، ويحتمل حمل الثاني عليه ، لكن الانصراف محتمل للفراغ من الصلاة والانصراف من حال القيام بعد الركوع إذا جلس للسجود ، وفيه ما فيه.

والخامس : يمكن حمله على عدم إعادة الصلاة لا القنوت ، بل الظاهر ظهور الإعادة في ذلك ، وما قاله الشيخ لا وجه له.

والسادس : يمكن حمله على حال الركوع لا القيام منه.

وأمّا السابع : فقد مضى القول فيه مفصلا(٢) .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ رواية معاوية بن عمار في الفقيه متنها : سئل عن القنوت في الوتر ، قال : « قبل الركوع » قال : فإن نسيت أقضيه إذا رفعت رأسي؟ فقال : « لا »(٣) وفي الرواية دلالة على خصوص القنوت ، والشيخ ربّما يكون اختصر الرواية أو أنّها غيرها.

وقد يظن من رواية الصدوق نفي القنوت في الوتر بعد الركوع ، مع أنّ في الأخبار ما يدل على الدعاء بعد الركوع فيه ، ولا يبعد أن يكون المنفي رفع اليدين ، لما مضى من إطلاق القنوت عليه.

وينقل عن العلاّمة في النهاية(٤) المنع من فعل القنوت بعد الركوع في‌

__________________

(١) في « رض » و « فض » زيادة : وعدمها.

(٢) راجع ص ٣٠٨.

(٣) الفقيه ١ : ٣١٢ / ١٤٢١ ، الوسائل ٦ : ٢٨٨ أبواب القنوت ب ١٨ ح ٥ ، بتفاوت يسير فيهما.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٥٠٨.

٣٣٩

الثانية ، لدلالة بعض الأخبار السابقة على أنّه لا قنوت إلاّ قبل الركوع ، والأخبار الموجودة تقتضي أنّ المنفي هناك الأداء أو رفع اليدين ، فيحتمل كون القضاء من دون رفع اليدين ، ولم أر من صرّح به.

ولجدّيقدس‌سره في الروضة ما هذا لفظه : وقيل يجوز فعل القنوت مطلقا قبل الركوع وبعده ، وهو حسن للخبر ، ثم قال بعد ذلك : ويفعله الناسي قبل الركوع بعده وإن قلنا بتعينه قبله اختيارا ، فإن لم يذكره حتى تجاوز قضاه بعد الصلاة جالسا ، ثم في الطريق مستقبلا(١) . انتهى.

وقد يقال : إنّ ما ذكره أوّلا من الجواز قبل وبعد ينافي ما ذكره آخرا من الإتيان به مع النسيان بعد الركوع ، إلاّ أن يجاب بأنّ الثاني على تقدير القول به. أمّا ما قاله ثانيا : فلا أعلم الوجه فيه بعد ما دلت عليه الأخبار التي نقلتها ، فليتأمّل.

وينبغي أن يعلم أنّ الشيخ لم يتعرض للتعارض الواقع بين الأخبار ، فإنّ رواية أبي بصير ما ذكرناه فيها خلاف الظاهر ، لكنه من باب التأويل يمكن الدخول فيه ، والأخبار الدالة على أنّ الانصراف تقتضي أن لا قضاء أو نحوه بعد الانصراف ظاهرة في الفراغ من الصلاة ، واللازم من ذلك أنّ ما قبل الفراغ يقضي فيه القنوت وإن تجاوز الرفع من الركوع للثانية(٢) ، ولعل اختلاف الاستحباب كمالا ممكن.

أمّا ما قاله الشيخ : من أنّ القنوت مستحب ابتداء ، إلى آخره. فلا يخفى عدم الحاجة إليه ؛ إذ على تقدير وجوبه لا يلزم منه القضاء.

وفي كلام بعض الأصحاب أنّ تلافي القنوت بعد الركوع لناسيه قبله‌

__________________

(١) الروضة البهية ١ : ٢٨٤.

(٢) في « رض » : من الثانية.

٣٤٠