إستقصاء الإعتبار الجزء ٥

إستقصاء الإعتبار10%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
المترجم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-177
الصفحات: 379

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46859 / تحميل: 5763
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

للثوري وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن(١) .

وكذا لا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمشق وهو المصبوغ بالمغرة ؛ لأنّه مصبوغ بطين لا بطيب ، وكذا المصبوغ بسائر الأصباغ سوى ما ذكرنا وإن كان السواد مكروهاً ؛ لأصالة الإِباحة إلّا ما ورد الشرع بتحريمه ، أو كان في معناه.

وأمّا المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها ، فما مُنع المـُحْرم من استعماله مُنع من المصبوغ به إذا ظهرت رائحته ، وإلّا فلا.

مسألة ٢٤١ : لو مات المـُحْرم ، لم يجز تغسيله بالكافور‌ - وهو إجماع - للأحاديث الدالّة عليه من طُرق العامّة(٢) والخاصّة :

روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام : عن المـُحْرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : « يغطّى وجهه ، ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيباً »(٣) .

البحث الرابع : الادّهان‌

مسألة ٢٤٢ : الدهن ضربان : طيب وغير طيب.

فالطيب : البنفسج والورد والنيلوفر والبان(٤) وما في معناه ، ولا خلاف أنّ فيه الفدية على أيّ وجه استعمله.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥.

(٢) راجع : صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٣ و ٧٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٥ عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وفيه : « لا يقرب طيباً ».

(٤) البان : ضرب من الشجر ، طيّب الزَّهْر ، واحدتها : بأنه ، ومنه دهن البان. لسان العرب ١٣ : ٦١ ، الصحاح ٥ : ٢٠٨١ « بون ».

٣٢١

وأمّا غير الطيب مثل الشيرج والزبد والسمن فيجوز أكله إجماعاً.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا يجوز الادّهان به على وجه ، وأمّا وجوب الكفّارة بالادّهان فلَسْتُ أعرف به نصّاً ، والأصل براءة الذمّة.

ثم قال : وقد اختلف الناس على أربعة مذاهب :

فقال أبو حنيفة : فيه الفدية على كلّ حال إلّا أن يداوي به جرحه أو شقوق رجليه.

وقال الحسن بن صالح بن حي : لا فدية فيه بحال.

وقال الشافعي : فيه الفدية في الرأس واللحية ، ولا فدية فيما عداهما ؛ ( لما فيه من ترجيل الشعر وتزيينه ، والمـُحْرم منعوت بالشّعث المعتاد له.

ولو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه ، أو أمرد فدهن ذقنه ، فلا فدية عليه عنده ؛ إذ ليس فيه تزيين شعر.

ولو كان محلوق الرأس ، فوجهان.

ولو كان في رأسه شجّه فجعل الدهن في داخلها ، فلا شي‌ء عليه )(١) .

وقال مالك : إن دهن به ظاهر بدنه ، ففيه الفدية ، وإن كان في بواطن بدنه ، فلا فدية.

واستدلّ -رحمه‌الله - على مذهبه : بأصالة براءة الذمّة.

وبما رواه العامّة عن ابن عمر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ادّهن - وهو مُحْرم - بزيت(٢) (٣) .

____________________

(١) ما بين القوسين ليس في الخلاف.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٩٤ / ٩٦٢ ، مسند أحمد ٢ : ٥٩.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، المسألة ٩٠ ، وراجع : بدائع الصنائع ٢ : ١٩٠ ، والمبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، والهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ ، والوجيز ١ : ١٢٥ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٧٩ و ٢٨٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ و ١١٠.

٣٢٢

إذا عرفت هذا ، فنقول : الدهن الطيب كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر يحرم الادّهان به ، وبه قال الأوزاعي وأحمد(١) .

وكره مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي الادّهان بدهن البنفسج(٢) .

وقال الشافعي : ليس بطيب(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه يتّخذ للطيب ، وتُقصد رائحته ، فكان طيباً ، كماء الورد.

وأمّا ما لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج : فالمشهور عند علمائنا تحريم الادّهان به بعد الإِحرام اختياراً ، وذهب العامّة إلى جوازه.

قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أنّ للمُحْرم أن يدّهن بدنه بالشحم والزيت والسمن(٤) .

ونقل بعض العامّة جواز ذلك عن ابن عباس وأبي ذر والأسود بن يزيد وعطاء والضحّاك وغيرهم(٥) .

وقال عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد في رواية ، وأصحاب الرأي : لا يدّهن المـُحْرم رأسه بالزيت الذي يؤكل ؛ لأنّه يُزيل الشَّعَث ويُرجّل الشعر ويُحسّنه(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٢) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٦ ، المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٤) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢ ، المجموع ٧ : ٢٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٩ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠.

٣٢٣

وأجمعوا على إباحة استعماله في اليدين ، وإنّما الكراهة عندهم في الرأس خاصّة ؛ لأنّه محلّ الشعر(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه صدع وهو مُحْرم ، فقالوا : ألا ندّهنك بالسمن؟ فقال : لا، قالوا : أليس تأكله؟ قال : ليس أكله كالادّهان به(٢) .

وعن مجاهد : إن تداوى به ، فعليه الكفّارة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « وادّهن بما شئت من الدهن حيت تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن »(٥) .

ولو ادّهن بالدهن الطيب قبل الإِحرام ، فإن كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، فَعَل حراماً ، ولو ذهبت رائحته بعد الإِحرام أو ادّهن قبله بما ليس بطيب ، فإنّه جائز إجماعاً.

مسألة ٢٤٣ : لو اضطرّ إلى استعمال الأدهان الطيّبة حالة الإِحرام ، جاز له استعماله ، وتجب الفدية ؛ لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية ابن عمّار : في مُحْرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه »(٦) .

ويجوز استعمال ما ليس بطيب بعد الإِحرام اضطراراً إجماعاً ، ولا فدية ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١ - ٣) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ - ١٨٢ / ٦٠٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٨.

٣٢٤

ولما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا خرج بالمـُحْرم الخراج(١) أو الدمل فليُبطّه(٢) وليداوه بسمن أو زيت »(٣) .

البحث الخامس : الاكتحال بما فيه طيب‌

مسألة ٢٤٤ : أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بكحل فيه طيب ، سواء كان رجلاً أو امرأة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرّم استعمال الطيب(٤) ، وهو قول كلّ من حرّم استعمال الطيب ، وتجب به الفدية كما قلنا في الطيب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكحل المـُحْرم عينيه بكُحْل فيه زعفران ، وليكحلها بكُحْل فارسي »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فلا يجوز أن يكتحل للزينة ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأمّا للزينة فلا »(٦) .

مسألة ٢٤٥ : لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بالسواد ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، إلّا عند الضرورة ، ويجوز لهما أن يكتحلا بما عداه من الأكحال إلّا إذا‌

____________________

(١) الخراج : القروح. القاموس المحيط ١ : ١٨٥ « خرج ».

(٢) بطّ الجرح : شقّه. القاموس المحيط ٢ : ٣٥١ « بطّ ».

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٤٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٦.

(٤) انظر : صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٩ ، وصحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، ومسند أحمد ١ : ٢١٥ ، وفيها تصريح بتحريم الطيب للميّت المـُحْرم. فللمُحْرم الحيّ أولى كما ذكره ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٧ ذيل الحديث ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٠٢ / ١٠٢٨.

٣٢٥

كان فيه طيب ، فإنّه لا يجوز على حال ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز الاكتحال بما فيه طيب(٢) .

وكره عطاء والحسن البصري ومجاهد الاكتحال بالإِثْمد(٣) .

وروي عن ابن عمر أنّه قال : يكتحل المـُحْرم بكلّ كُحْل ليس فيه طيب(٤) .

قال مالك : لا بأس أن يكتحل المـُحْرم من حَرٍّ يجده في عينيه بالإِثمد وغيره(٥) .

وعن أحمد أنّه قال : يكتحل المـُحْرم ما لم يُرْد به الزينة ، قيل له : الرجال والنساء ، قال : نعم(٦) .

لنا على المنع من الأسود كالإِثْمد وشبهه : ما رواه العامّة : أنّ عليّاًعليه‌السلام قدم من اليمن فوجد فاطمةعليها‌السلام ممّن حلّ ، فلبست ثياباً صبيغاً واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : ( أبي أمرني بهذا ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( صَدَقَتْ صَدَقَتْ )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يكتحل الرجل والمرأة المـُحْرمان بالكُحْل الأسود إلّا من علّة »(٨) .

____________________

(١) مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٤) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢ ، المجموع ٧ : ٣٥٤.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٧ ، المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٦) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٤٤ ، المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٣.

٣٢٦

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحاج أشعث أغبر )(١) وهو ينافي الاكتحال.

مسألة ٢٤٦ : لو اكتحل الرجل والمرأة بالإِثْمد أو الأسود ، فَعَلا محرّماً عند أكثر علمائنا(٢) ، ولا تجب به الفدية ، عملاً بأصالة البراءة السالم عن معارضٍ من نصٍّ أو غيره.

قال الشافعي : إن فَعَلا ، فلا أعلم عليهما فيه فدية بشي‌ء(٣) .

ولا خلاف في زوال التحريم مع الضرورة.

ولا يجوز الاكتحال بما فيه زينة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « تكتحل المرأة [ المـُحرمة ](٤) بالكُحْل كلّه إلّا كحلاً أسود للزينة »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تكتحل المرأة المـُحْرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة »(٦) . وهو يدلّ على التعليل ، فيطّرد الحكم باطّرادها.

وقال الشافعي : يحرم الاكتحال بما فيه طيب - خلافاً لأبي حنيفة(٧) - وما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به. نَقَله المزني(٨) .

وله قول آخر : إنّه يكره(٩) .

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣١٣ ذيل المسألة ١٠٦.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٠ ، والمبسوط ١ : ٣٢١ ، وسلّار في المراسم : ١٠٦ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٣) الْأُمّ ٢ : ١٥٠ ، المجموع ٧ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، المغني ٣ : ٣١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٥.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣.

(٨) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

(٩) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

٣٢٧

وتوسّط آخرون من أصحابه : إن لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض ، لم يكره ، وإن كان فيه زينة كالإِثْمد ، كره ، إلّا لحاجة الرَّمَد(١) .

البحث السادس : النظر في المرآة‌

مسألة ٢٤٧ : اختلف علماؤنا في تحريم النظر في المرآة على المـُحرم ، فقال بعضهم بالتحريم(٢) ، وبعضهم بالكراهة(٣) .

واحتجّ الأوّل : بما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( المـُحْرم الأشعث الأغبر )(٤) .

وفي آخر : ( إنّ الله يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثاً غبراً ضاحين )(٥) (٦) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حمّاد - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا تنظر في المرآة للزينة »(٧) .

واحتجّ الآخرون : بأصالة الإِباحة.

وقال أحمد : لا ينظر في المرآة لإِزالة شعث أو تسوية شعر أو شي‌ء من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١.

(٢) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٢ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٢٠ ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٣ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٣) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣١٩ ، المسألة ١١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٦٤ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٨٥.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٥) أي : بارزين ، من قولك : ضحيت للشمس : إذا برزت لها. الصحاح ٦ : ٢٤٠٧ « ضحا ».

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٥٨ نحوه.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٢ / ١٠٢٩ ، وفيه : « لا تنظر في المرآة وأنت مُحْرم فإنّها من الزينة ».

٣٢٨

الزينة ، فإن نظر لحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعر ينبت في عينيه وغير ذلك ممّا أباح الشرع له فِعْلَه ، فلا بأس ، وعلى كلّ حال لا فدية فيه(١) .

البحث السابع : لُبْس الحُليّ للزينة‌

مسألة ٢٤٨ : لا يجوز للمرأة في حال الإِحرام لُبْس الحُليّ للزينة‌ وما لم تعتد لُبْسه في حال الإِحرام ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في المـُحْرمة : « إنّها تلبس الحُليّ كلّه إلّا حُليّاً مشهوراً للزينة »(٢) .

وسأل يعقوبُ بن شعيب الصادقَعليه‌السلام عن المرأة تلبس الحُليّ ، قال : « تلبس المـَسَك والخلخالين »(٣) .

ومنع أحمد بن حنبل من الخلخال وما أشبهه من الحُليّ ، مثل : السوار والدُّمْلج(٤) .

وروي عن عطاء أنّه كان يكره للمُحْرمة الحرير والحُليّ(٥) .

وكرهه الثوري وأبو ثور(٦) .

وعن قتادة أنّه كان لا يرى بأساً أن تلبس المرأة الخاتم والقرط(٧) وهي محرمة ، وكره السوارين والدُّمْلجين والخلخالين(٨) .

وظاهر مذهب أحمد : الجواز ، وهو قول ابن عمر وعائشة وأصحاب الرأي ، لأنّ عائشة قالت : تلبس المـُحْرمة ما تلبس وهي حلال من خزّها وقزّها وحُليّها ، وعلى كلّ حال لا فدية فيه عند أحمد(٩) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٣ - ٣٠٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ - ٧٦ / ٢٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٩.

(٤ - ٦ ) المغني ٣ : ٣١٥ - ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

(٧) القرط : نوع من حُليّ الاُذن. لسان العرب ٧ : ٣٧٤ « قرط ».

(٨ و ٩ ) المغني ٣ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

٣٢٩

وأمّا لُبْس القُفّازين ففيه الفدية عنده(١) ، وكذا عندنا ؛ لأنّها لبست ما نُهيت عن لُبْسه في الإِحرام ، فلزمتها الفدية ، كالنقاب ، وقد قال الصادقعليه‌السلام : « تلبس المرأة المـُحْرمة الحُليّ كلّه إلّا القُرْط المشهور والقلادة المشهورة »(٢) .

مسألة ٢٤٩ : الحُليّ الذي تعتاد المرأة لُبْسه في الإِحلال يجوز لها لُبْسه في الإِحرام إذا لم تُظهره للزوج ؛ لما فيه من جذب الشهوة إلى إيقاع المنهيّ عنه.

ولما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - أنّه سأل أبا الحسنعليه‌السلام : عن المرأة يكون عليها الحُليّ والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : « تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها »(٣) .

مسألة ٢٥٠ : لا يجوز للمُحْرم أن يلبس الخاتم للزينة ، ويستحب للسنّة ؛ لأنّ الروايات الدالّة على تحريم لُبْس الحُليّ للزينة والاكتحال بالسواد للزينة والنظر في المرآة للزينة دلّت بمفهومها على تعليل الحرمة بالزينة ، فتثبت في لُبْس الخاتم ؛ لوجود العلّة.

ولأنّ مسمعاً سأل الصادقعليه‌السلام : أيلبس المـُحْرم الخاتم؟ قال : « لا يلبسه للزينة »(٤) .

وأمّا استحبابه للسنّة : فلأنّ محمد بن إسماعيل قال : رأيت العبد‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٧٥ / ٢٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ - ١٦٦ / ٥٤٤.

٣٣٠

الصالحعليه‌السلام وهو مُحْرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز للمرأة لُبْس الخاتم من الذهب ؛ للأصل.

ولأنّه يجوز لها لُبْسه حالة الإِحلال ، فيستصحب الحكم ما لم تقصد به الزينة.

ولما رواه عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « تلبس المـُحْرمة الخاتم من الذهب »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فيجوز أن تلبس المرأة الحرير حالة الإِحرام على كراهية ، ولا يكره الذهب والخزّ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تُحْرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض »(٣) .

البحث الثامن : تغطية الرأس‌

مسألة ٢٥١ : يحرم على الرجل حالة الإِحرام تغطية رأسه اختيارا‌ً بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه نهى عن العمائم والبرانس(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل المـُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠٢٠.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٢٥ / ٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ - ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٢ و ١٣٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤.

٣٣١

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا فرق بين أن يستر رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو بغير مخيط ، كالعمامة والإِزار والخرقة وكلّ ما يعدّ ساتراً ، وإذا ستر ، لزمه الفداء ؛ لأنّه باشر محظوراً ، كما لو حلق ، وإذا غطّى رأسه ، ألقى الغطاء واجباً ، وجدّد التلبية مستحبّاً.

ولو توسّد بوسادة فلا بأس ، وكذا لو توسّد بعمامة مكورة(١) ؛ لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفاً أنّه مكشوف الرأس.

ولا فرق في التحريم بين تغطية الرأس بالمعتاد ، كالعمامة والقلنسوة ، أو بغيره ، كالزنبيل والقرطاس ، أو خضب رأسه بحنّاء ، أو طيّنه بطين ، أو حمل على رأسه متاعاً أو مكتلاً أو طبقاً ونحوه عند علمائنا.

وذكر الشافعي عن عطاء أنّه لا بأس به ، ولم يعترض عليه(٢) .

وهو يُشعر بموافقته ؛ إذ من عادته الردّ على المذهب الذي لا يرتضيه.

وقال ابن المنذر وجماعة من الشافعية : إنّه نصّ في بعض كتبه على وجوب الفدية(٣) ، فبعض الشافعية قطع بالأول ولم يُثبت الثاني(٤) ، وبعضهم قال : إنّ في المسألة قولين(٥) .

ووافقنا أبو حنيفة(٦) على التحريم ووجوب الفدية ؛ لأنّه غطّى رأسه بما يستره ، فوجبت الفدية ، كغيره.

احتجّ الآخرون : بأنّه قصد نقل المتاع لا تغطية الرأس.

ولو ستر رأسه بيديه ، فلا شي‌ء عليه ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر. وكذا لو وضع يديه على فرجه ، لم يجزئه في الستر.

____________________

(١) كَوْر العمامة : إدارتها على الرأس. لسان العرب ٥ : ١٥٥ « كور ».

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٢ - ٢٥٣.

(٦) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٣٥.

٣٣٢

ولأنّ المـُحْرم مأمور بمسح رأسه ، وذلك يكون بوضع يده عليه.

وجوّز الحنابلة للمُحْرم أن يطلي رأسه بالعسل أو الصمغ ؛ ليجتمع الشعر ويتلبّد ، فلا يتخلّله الغبار ، ولا يصيبه الشَّعَث ، ولا يقع فيه الدبيب ؛ لما رواه ابن عمر ، قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُهلّ ملبّداً(١) (٢) .

مسألة ٢٥٢ : يحرم عليه أن يرتمس في الماء بحيث يعلو الماء على رأسه‌ - وبه قال مالك(٣) - لأنّه مشتمل على تغطية الرأس.

ولما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك »(٤) .

وفي الصحيح عن حريز عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يرتمس المـُحرم في الماء »(٥) .

ويجوز أن يغسل رأسه ويفيض عليه الماء إجماعاً ؛ لأنّه لا يطلق عليه اسم التغطية ، وليس هو في معناها ، كالارتماس.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا اغتسل المـُحْرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض »(٦) .

وكذا يجوز للمُحْرم أن يدلك رأسه ويحكّه بيده ؛ لأنّ زرارة سأله عن المـُحْرم هل يحكّ رأسه أو يغسله بالماء؟ فقال : « يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة »(٧) .

____________________

(١) سنن النسائي ٥ : ١٣٦.

(٢) المغني ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٨.

(٣) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ / ١٠٨٠.

(٧) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٢.

٣٣٣

ولا يحلّ للمُحْرم أن يضع الطيب في رأسه بحيث يبقى إلى بعد الإِحرام ؛ لما تقدّم من تحريم استعمال الطيب.

وخالف فيه الجمهور(١) .

ولو خضب رأسه ، وجبت الفدية ، سواء كان الخضاب ثخيناً أو رقيقاً ؛ لأنّه ساتر ، وبه قال الشافعي(٢) .

وفصّل أصحابه بين الثخين والرقيق ، فأوجبوا الفدية في الأول دون الثاني(٣) .

وليس بمعتمد.

وكذا لو وضع عليه مرهماً له جرم يستر رأسه.

ولو طلى رأسه بعسل أو لبن ثخين فكذلك ، خلافاً للشافعي(٤) .

ولو طيّن رأسه ، وجبت الفدية عندنا.

وللشافعية وجهان كالوجهين فيما إذا طلى بالطين عورته وصلّى هل تجزئه؟(٥) .

مسألة ٢٥٣ : لا يشترط في وجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر ، بل تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه ، لأنّ المنع من تغطية الجميع يقتضي المنع من تغطية بعضه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( لا تخمّروا رأسه )(٦) والنهي عنه يُحرّم فِعْلَ بعضه.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩.

(٢) المغني ٣ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٣٦ - ٤٣٧ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١١٠.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٦ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٨٥ - ٦٨٦ / ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٨ و ٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥.

٣٣٤

وكذلك لمـّا قال تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (١) حرم حلق بعضه.

ولا فرق بين أن يكون ذلك لعذر أو لغير عذر ، فإنّ العذر لا يُسقط الفدية ، كما قال تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ ) (٢) .

ولو افتقر إلى تعصيب الرأس بعصابة ، جاز عند الحاجة - وبه قال عطاء(٣) - لأنّه في محلّ الحاجة والضرورة ، وقد قال تعالى :( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يعصب المـُحْرم رأسه من الصداع »(٥) .

وسأل محمّدُ بن مسلم الصادقعليه‌السلام : عن المحرم يضع عصام(٦) القربة على رأسه إذا استقى ، فقال : « نعم »(٧) .

واختلفت العامّة في الاُذنين هل يحرم سترهما؟ فنصّ الشافعي على تسويغه(٨) .

ومنع أحمد منه(٩) ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( الاُذنان من الرأس )(١٠) .

____________________

(١ و ٢ ) البقرة : ١٩٦.

(٣) المغني ٣ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٩ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٨ - ٣٠٩ / ١٠٥٦.

(٦) العصام : رباط القِرْبة وسيرها الذي تُحمل به. الصحاح ٥ : ١٩٨٧ « عصم ».

(٧) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٤.

(٨ و ٩ ) المغني ٣ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(١٠) سنن أبي داود ١ : ٣٣ / ١٣٤ ، سنن الترمذي ١ : ٥٣ / ٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٢ / ٤٤٣ - ٤٤٥ ، سنن البيهقي ١ : ٦٦ و ٦٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٩٧ / ١ - ٣ ، مسند أحمد ٥ : ٢٦٤ و ٢٦٨.

٣٣٥

ولو ستر بعض رأسه بيده ففي التحريم إشكال.

وجوّزه العامّة ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر(١) .

وسأل سعيدُ الأعرج الصادقَعليه‌السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده ، فقال : « لا ، إلّا من علّة »(٢) .

مسألة ٢٥٤ : لو غطّى رأسه ناسياً ، ألقى الغطاء وجوباً ، وجدّد التلبية استحباباً ، ولا شي‌ء عليه.

أمّا وجوب الإِلقاء : فلأنّ استدامة التغطية مع الذكر كابتدائها ؛ لما فيه من الترفّه ، بل هو في الاستدامة أقوى منه في الابتداء ، فإيجاب الفدية فيه أولى.

وأمّا استحباب التلبية : فلأنّ حريز بن عبد الله سأل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن محرم غطّى رأسه ناسياً ، قال : « يُلقي القناع عن رأسه ، ويلبّي ، ولا شي‌ء عليه »(٣) .

وكذا لو غطّاه حال نومه ؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام : عن المـُحْرم يغطّي رأسه ناسياً أو نائماً ، قال : « يلبّي إذا ذكر(٤) »(٥) .

ولأنّ التغطية تنافي الإِحرام ، لأنّها مُحرَّمة فيه ، فاستحبّ تجديد ما ينعقد به ، وهو التلبية.

مسألة ٢٥٥ : يجوز للمُحْرم تغطية وجهه‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٦٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٣.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « ركب » وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٠.

٣٣٦

وابن عباس وابن الزبير وزيد بن ثابت وجابر ومروان بن الحكم والقاسم وطاوس والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها )(٢) والتفصيل قاطع للشركة.

وعن ابن عباس : أنّ مُحْرماً وقصت به ناقته غداة عرفات ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( خمّروا وجهه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّياً )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة - في الصحيح - قال : قلت لأبي جعفر الباقرعليه‌السلام : الرجل المـُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرمة لا تتنقّب ، لأنّ إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه »(٥) .

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى : يحرم عليه تغطية وجهه ، كالمرأة ، لتساويهما في تحريم الطيب ، فكذا التغطية.

ولأنّه قد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المـُحْرم الذي وقصت به‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩ ، الْأُم ٧ : ٢٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ ، وليس في المصادر : عليعليه‌السلام .

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٣٩٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩ ، وفيهما : عن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام .

٣٣٧

ناقته : ( ولا تخمّروا وجهه ولا رأسه )(١) (٢) .

ويبطل القياس بلبْس القُفّازين ، والحديث ممنوع ، فإنّ المشهور فيه : ( ولا تخمّروا رأسه )(٣) .

مسألة ٢٥٦ : وإحرام المرأة في وجهها ، فيحرم عليها تغطية وجهها حال إحرامها ، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه ، ولا نعلم فيه خلافاً - إلّا ما روي عن أسماء أنّها كانت تغطّي وجهها وهي مُحْرمة(٤) ، ويحتمل أنّها كانت تُغطّيه بالسدل عند الحاجة ، فلا يكون اختلافاً - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها»(٦) .

إذا عرفت هذا ، فقد اجتمع في حقّ المـُحْرمة فعلان لا يمكن فعل أحدهما إلاّ بفعل ما ينافي الآخر : ستر الرأس وكشف الوجه ، فالقدر اليسير من الوجه الذي يلي الرأس يجوز لها ستره ، إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر إلّا بستر ذلك الجزء ، وهذا أولى من تسويغ كشف جزء من الرأس تبعا لكشف‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦.

(٢) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، المجموع ٧ : ٢٦٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٩.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ - ٨٦٧ / ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٩ و ١٠٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٣ و ٥ : ٧٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ - ١٩٧ ، المغني ٣ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٤) المغني ٣ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٥) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩.

٣٣٨

جميع الوجه ، لأنّ الستر أحوط من الكشف.

ولأنّ المقصود إظهار شعار الإِحرام بالاحتراز عن التنقّب ، وستر الجزء المذكور لا يقدح فيه ، والرأس عورة كلّه ، فيُستر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز لها أن تسدل ثوباً على وجهها فوق رأسها إلى طرف أنفها متجافياً عنه بخشبة وشبهها ، كما يجوز للرجل الاستظلال نازلاً ، عند علمائنا أجمع - وهو قول عامّة أهل العلم(١) - لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : كان الرُكْبان يمرّون بنا ونحن مُحْرمات مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا حاذَوْنا سدلت إحدانا جِلْبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « المـُحْرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن »(٣) .

ولأنّ بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها ، فلا يحرم عليها على الإِطلاق ، كالعورة.

ولا فرق بين أن تفعل ذلك لحاجة من دفع حَرٍّ أو بَرْدٍ أو فتنةٍ أو لغير حاجة.

قال الشيخرحمه‌الله : ينبغي أن يكون الثوب متجافياً عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة ، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة ، فلا شي‌ء عليها ، وإلّا وجب الدم(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١١ - ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٩ ، المجموع ٧ : ٢٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ :٣٢٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٣ ، المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٧.

(٤) انظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٠.

٣٣٩

ويشكل بأنّ السدل لا يكاد يسلم من إصابة البشرة ، ولو كان شرطاً ، لبيّن ؛ لأنّه موضع الحاجة.

مسألة ٢٥٧ : يحرم على المرأة النقاب حالة الإِحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ولا تتنقّب المرأة ولا تلبس القُفّازين )(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إحرام المرأة في وجهها »(٢) .

ورواه العامّة أيضاً عن النبيعليه‌السلام (٣) .

وكذا يحرم عليها لُبْس البُرْقع ؛ لاشتماله على ستر الوجه.

ويجوز لها بعد الإِحلال أن تطوف متنقّبةً من غير كراهة له ؛ فإنّ المقتضي للمنع هو الإِحرام.

وكرهه عطاء ثم رجع عنه(٤) . وطافت عائشة متنقّبة(٥) .

مسألة ٢٥٨ : قد بيّنّا أنّه تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه.

وضبطه الشافعي بأن يكون المستور قدراً يقصد ستره لغرض من الأغراض ، كشدّ عصابة وإلصاق لصوقٍ لشجّةٍ ونحوها.

ثم قال : لو شدّ خيطاً على رأسه ، لم يضرّ ، ولا تجب الفدية ؛ لأنّ ذلك لا يمنع من تسميته حاسر الرأس(٦) .

وهو ينقض الضابط المذكور ؛ فإنّ شدّ المقدار الذي يحويه شدّ الخيط‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٤) المغني ٣ : ٣١٢ - ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠.

(٥) المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٣٧ - ٤٣٨ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

على يمينك أحد أو لم يكن(١) . انتهى. ولا يخفى عليك الحال.

وفي المنتهى استدل ببعض الأخبار على بعض ما حكيناه(٢) ، والنظر فيه واضح. ولا يبعد الاعتماد في الاستحباب على قول الصدوق إن لم يكن قوله بسبب الاجتهاد ، والله تعالى أعلم بالحقائق.

اللغة :

قال بعض محققي العامة : السلام عليك أيها النبي ، معناه التعوذ باسم الله الذي هو السلام ، كما تقول : الله معك ، أي متوليك وكفيل بك(٣) . وقيل : معناه السلامة والنجاة ، كما في قوله تعالى( فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ) (٤) (٥) . وقيل : الانقياد لك ، كما في قوله تعالى( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٦) (٧) . ( ولا يخلو بعض الوجوه من ضعف ؛ لعدم تعدي البعض بكلمة « على » إلاّ على تأمّل )(٨) .

قوله :

باب سجدتي الشكر بين فريضة المغرب ونوافلها‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن محمّد بن عيسى ، عن حفص الجوهري‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢١٠.

(٢) المنتهى ١ : ٢٩٧.

(٣) كما في النهاية لابن الأثير ٢ : ٣٩٣.

(٤) الواقعة : ٩١.

(٥) انظر مغني المحتاج ١ : ١٧٥.

(٦) الأحزاب : ٥٦.

(٧) كما في النهاية لابن الأثير ٢ : ٣٩٤.

(٨) ما بين القوسين زيادة من « م ».

٣٦١

قال : صلّى بنا أبو الحسن علي بن محمّدعليهما‌السلام صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة ، فقلت له : كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة ، فقال : « ما كان أحد من آبائي يسجد إلاّ بعد السابعة ».

فأمّا ما رواه محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفّار ، عن العباس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم ، عن جهم بن أبي جهم قال : رأيت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام وقد سجد بعد الثلاث الركعات من المغرب ، فقلت له : جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث ، قال : « فرأيتني؟ »(١) فقلت : نعم ، قال : « فلا تدعها ، فإنّ الدعاء فيها مستجاب ».

فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على ضرب من الاستحباب ، والاولى على الجواز ، ويكون قوله في الخبر الأوّل : « ما كان أحد من آبائي يسجد إلاّ بعد السابعة » إخبارا عن أنّهم لم يختاروا فعله ، أو يكونوا ما سجدوا على جهة الوجوب وإن كانوا سجدوا على جهة الفضل.

السند‌

في الأوّل : فيه حفص الجوهري ، وهو مذكور في أصحاب الجوادعليه‌السلام ( من كتاب الشيخ مهملا )(٢) .

والثاني : فيه جهم بن أبي جهم ، وهو مهمل في رجال الكاظمعليه‌السلام )(٣) ،

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٤٧ / ١٣٠٩ : فقال : رأيتني.

(٢) رجال الطوسي : ٤٠٠ / ١٠.

(٣) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

٣٦٢

من كتاب الشيخ(١) ، وسعدان بن مسلم لا يزيد على الإهمال أيضا.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على مرجوحية السجود بعد الثلاثة ، بل ربما دل على نفي الاستحباب لو صحّ الخبر ، غير أنّ ما دلّ على استحباب سجدة الشكر بعد الفريضة يتناول ما بعد النوافل وقبلها ، وهو ما رواه الشيخ في التهذيب بطريق فيه محمّد بن خالد البرقي ، ووجه ما قلناه أنّه قالعليه‌السلام فيه : « إنّ الله سبحانه يقول للملائكة : انظروا إلى عبدي أدّى فرضي وسجد لي شكرا » إلى آخره(٢) .

وهذا وإن أشعر بالاختصاص بالفرائض إلاّ أنّ الشمول لما بعد نوافل الفرائض لا ينافي هذا ، على أنّ أوّل الخبر يقتضي أنّ سجدة الشكر تتم بها الصلاة على الإطلاق ، وما ذكر في أثناء الرواية من الفرائض لا يفيد التخصيص.

هذا على تقدير الاختصاص بالصلاة ، وفي الفقيه روى بطريق صحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج ما يدل على عدم الاختصاص بالفرائض(٣) ، والمتن قال : « من سجد سجدة الشكر وهو متوضّئ كتب الله له بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر خطيئات عظام »(٤) .

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٤٥ / ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١١٠ / ٤١٥ ، وفيه : أدّى قربتي ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب سجدتي الشكر ب ١ ح ٥.

(٣) في « م » زيادة : ولا تجدد النعم.

(٤) الفقيه ١ : ٢١٨ / ٩٧١ ، الوسائل ٧ : ٥ أبواب سجدتي الشكر ب ١ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٣٦٣

( وقد ذكرنا في فوائد التهذيب ما لا بدّ منه في الخبر الأوّل المنقول أولا )(١) .

والعجب من عدم تعرض بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله(٢) ـ الخبر الذي في الفقيه ، بل قال : أطبق علماؤنا على ندبية سجود الشكر عند تجدد النعم ودفع النقم ، ثم ذكر روايات غير سليمة وقال : وكما يستحب السجود لشكر النعمة المتجددة فالظاهر كما قال شيخنا الشهيد في الذكرى أنّه يستحب عند تذكّر النعمة وإن لم تكن متجددة(٣) ، ثم ذكر أخبارا غير نقية الأسانيد سوى ما رواه الشيخ في التهذيب وقد أشرنا إليه.

وأمّا الثاني : ففيه تأييد لما دلّ على السجود بعد الفريضة أو بعد الصلاة ، وحمل الشيخ في غاية البعد ، بل لا وجه له ؛ لأنّ حمل الأوّل على الجواز لا يلائمه قوله : « ما كان أحد من آبائي » لأنّ الجواز لا بد أنّ يراد به غير الإباحة ، ويراد بالاستحباب في الثاني الأفضلية ، وإذا حمل الثاني على الأفضلية لزم كون الفعل في الخبر الأوّل مرجوحا ، والمداومة منهمعليهم‌السلام على المرجوح كما هو ظاهر الرواية غير معقولة(٤) . ولو أريد الإباحة في الأوّل فدفعه أظهر من أن يخفى. وأمّا الوجوب فما فيه واضح.

وفي المنتهى ـ على ما نقل عنه ـ ما يقتضي ترجيح التقديم على النوافل ، حيث استدل بالآثار الدالة على أفضلية الدعاء بعد المغرب ثم قال : فإنّ فضل الدعاء والتسبيح بعد الفريضة على الدعاء عقيب النوافل كفضل‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « م » : وأما الخبر الذي أشرنا إليه أولا فهو مذكور في التهذيب وقد ذكرنا في فوائد التهذيب ما لا بدّ منه فيه.

(٢) في « م » و « رض » زيادة : لعدم ذكر.

(٣) البهائي في الحبل المتين : ٢٤٥.

(٤) في « رض » و « فض » : منقول.

٣٦٤

الفرائض على النوافل ، والسجدة دعاء وتسبيح ، فالأفضل أن تكون بعد الفريضة ، وإن جعلت بعد النوافل أيضا(١) .

هذا ويمكن أن يقال : إنّ في الخبر الأوّل احتمال التقية ، لكن الأمر سهل بعد معرفة الإسنادين.

أمّا ما ورد في بعض الأخبار أنّ : « من صلّى المغرب ثم عقّب ولم يتكلم حتى صلّى ركعتين كتبت له في عليين ، فإن صلّى أربعا كتبت له حجة مبرورة »(٢) فلا دلالة له على ترجيح تأخير السجدة عن النوافل ؛ لأنّ المتبادر من الكلام : الأجنبي ، كما ذكرناه في فوائد التهذيب.

قوله :

باب وجوب الفصل بين ركعتي الشفع والوتر‌

الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « الوتر ثلاث ركعات ، يفصل بينهن ، ويقرأ فيهن جميعا بقل هو الله أحد ».

عنه ، عن حمّاد ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « الوتر ثلاث ركعات : ثنتين مفصولة وواحدة ».

عنه ، عن النضر ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : التسليم في ركعتي الوتر (٣) ، فقال :

__________________

(١) حكاه عنه في مجمع الفائدة ٢ : ٣١٩.

(٢) التهذيب ٢ : ١١٣ / ٤٢٢ ، الوسائل ٦ : ٤٨٨ أبواب التعقيب ب ٣٠ ح ٢ ، بتفاوت يسير فيهما.

(٣) في النسخ : الفجر ، وأصلحناه كما في الاستبصار ١ : ٣٤٨ / ١٣١٢.

٣٦٥

« توقظ الراقد وتكلم بالحاجة ».

عنه ، عن النضر ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن أبي ولاّد حفص بن سالم قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن التسليم في ركعتي(١) الوتر فقال : « نعم ، فإن كانت لك حاجة فاخرج فاقضها ثم عد فاركع ركعة ».

أحمد بن محمّد ، عن البرقي ، عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : سألته عن الوتر أفصل أم وصل؟ قال : « فصل ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن التسليم في ركعتي الوتر ، فقال : « إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم ».

عنه ، عن النضر ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ( التسليم )(٢) في ركعتي الوتر ، فقال : « إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم ».

عنه ، عن محمّد بن زياد ، عن كردويه الهمداني قال : سألت العبد الصالحعليه‌السلام عن الوتر ، فقال : « صله ».

فالوجه في هذه الروايات كلّها أن نحملها على ضرب من التقيّة لأنّها موافقة لمذاهب كثير من العامة ، مع أنّ مضمون حديثين منها التخيير ، وليس ذلك مذهبا لأحد ، لأنّ من أوجب الوصل لا يجوّز ‌

__________________

(١) في النسخ : الركعتين ، وأصلحناه كما في الاستبصار ١ : ٣٤٨ / ١٣١٣.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٣٤٩ / ١٣١٦.

٣٦٦

الفصل ، ومن أوجب الفصل لا يجوّز الوصل. ويجوز أن يكون قوله : « إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم »(١) إشارة إلى الكلام الذي يستباح بالتسليم ، لأنّ ذلك ليس شرطا فيه ، يبيّن ما ذكرناه :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور ، عن مولى لأبي جعفرعليه‌السلام قال : قال : « ركعتان إن شاء تكلم بينهما وإن شاء لم يفعل » (٢) .

السند‌ :

في الأوّل : فيه عثمان بن عيسى ، والذي ذكرنا فيه قد تكرر. كما في أبي بصير في الثاني(٣) .

والثالث : مضى أيضا القول فيه في محمّد بن أبي حمزة من احتماله للثقة والمهمل ، وإن كان ظهور الثقة غير بعيد(٤) .

والرابع : كالثالث ، وحفص لا ارتياب فيه.

والخامس : ليس فيه إلاّ البرقي لما تقدم ( فيه من نوع كلام )(٥) .

والسادس : كأنّه واضح ، لأنّ يعقوب بن شعيب الراوي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ثقة ، وفي الرجال يعقوب بن شعيب من رجال الباقرعليه‌السلام

__________________

(١) ما بين القوسين في الاستبصار ١ : ٣٤٩ : إن شاء سلّم وان شاء لم يسلّم.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٤٩ / ١٣١٨ : ركعتا الوتر إن شئت تكلم بينهما وبين الثالثة وإن شئت لم تفعل.

(٣) راجع ج ١ : ٧١ و ٧٣.

(٤) راجع ج ١ : ١٤٦.

(٥) ما بين القوسين زيادة من « م » ، وعلى أي حال فإنّه تقدم في ج ١ : ٩٥.

٣٦٧

مهملا(١) ، والرواية كما ترى. وفي البين احتمال مّا بعيد.

والسابع : كالثالث.

والثامن : فيه كردويه ، وقد مضى أنّه مجهول الحال(٢) . أمّا محمّد بن زياد فقد قدمنا احتمال كونه ابن أبي عمير وغيره موجود(٣) ، لكن الاشتراك بين ثقة وغيره واقع(٤) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في الفصل ، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين التسليم وغيره ، ودلالته على أنّ الوتر اسم للثلاث واضحة ، وأنّ القراءة بقل هو الله أحد في الثلاث ، لا ما ظنه الشيخ من القراءة في المفردة منه في بعض كتبه(٥) .

والثاني : كالأوّل.

وأمّا الثالث : فالذي يظن منه أنّ مقصود السائل عن تسليم الوتر ما هو ، والجواب حينئذ أنّه إيقاظ الراقد والتكلم بالحاجة ، وهذا لا يدل على اختصاص التسليم بما ذكره ، بل الظاهر إرادة عدم اختصاص التسليم المعهود.

والرابع : محتمل لما قلناه في الثالث ، كما يحتمل السؤال عن التسليم المعهود ، وقولهعليه‌السلام بعد الجواب : « فإن كانت لك حاجة » إلى آخره.

__________________

(١) انظر رجال الطوسي : ١٤٠ / ١.

(٢) راجع ج ١ : ٢٨٣.

(٣) راجع ج ١ : ٢٨٢.

(٤) انظر هداية المحدثين : ٢٣٧.

(٥) الخلاف ١ : ٥٣٨.

٣٦٨

إشارة إلى عدم لزوم الركعة الثالثة بعد التسليم.

والخامس : واضح.

أمّا السادس : فالذي يظن منه بعد ما قدّمناه في الثالث ظاهر ؛ إذ المراد حينئذ أنّ التسليم المعهود إن شئت فعلته وإن شئت لم تفعله.

وما عساه يتخيل حينئذ أنّ مقتضاه لزوم التسليم المشهور في غير الوتر فيدل على الوجوب ، يدفعه أنّ إرادة رجحان فعله في غير الوتر ممكنة.

إلاّ أن يقال : إنّ الرجحان في الوتر أيضا مراد ، إذ رجحان الكلام عليه غير معقول.

وفيه : أنّه لا مانع منه ، لكن لا برجحان غيره ، بل بالمساواة ، على أنّ غير الوتر يدخل فيه النوافل ولا وجوب فيها ، فلا بدّ من إرادة الرجحان.

وما ذكره الشيخ لا يخفى بعده ، فإنّ الظاهر منه الكلام بعد السلام ، ولو حمل على ما قلناه أمكن لكن العبارة لا تساعد عليه.

أمّا قول الشيخ : إنّ مضمون الحديثين ، إلى آخره. فالظاهر أنّ مراده أهل الخلاف ، والذي يقتضيه كلام بعضهم التخيير(١) ، ولو أراد الأصحاب فالقائل بوجوب الوصل غير معلوم لنا. وعلى ما قلناه في الخبرين الأوّلين يتضح معنى الخبرين المذكورين ؛ لأنّ التسليم لا رجحان له في الوتر على غيره من الكلام ونحوه.

وينبغي أن يعلم أنّ في كلام بعض محققي المتأخرينرحمه‌الله أنّ الظاهر التخيير في الفصل والوصل ، والمشهور الأوّل ، إلى أن قال بعد ذكر اختلاف‌

__________________

(١) انظر المهذب في فقه الشافعي ١ : ٨٣.

٣٦٩

الأخبار : والجمع بالتخيير حسن كما هو مذهب العامة ولكن لم أعرفه مذهبا للأصحاب(١) . انتهى. وفيه دلالة على ما قدّمناه ، لكن اختيار التخيير مع عدم القائل المعلوم مستغرب ، والاحتياط سهل إن شاء الله تعالى.

قوله :

باب كراهية النوم بين ركعتي الفجر وبين صلاة الغداة.

محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن علي بن محمّد القاساني ، عن سليمان بن حفص المروزي قال : قال أبو الحسن الأخيرعليه‌السلام : « إيّاك والنوم بين صلاة الليل والفجر ، ولكن ضجعة بلا نوم ، فإنّ صاحبه لا يحمد على ما قدّم من صلاته ».

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد وعبد الله ابني محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة ، ثم إن شاء جلس فدعا ، وإن شاء نام ، وإن شاء ذهب حيث شاء ».

فهذه الرواية جاءت رخصة ورفعا للحظر ، والأفضل ترك النوم على ما تضمنته الرواية الأولى.

السند‌ :

في الأوّل : فيه علي بن محمّد القاساني ، ولم يوثقه النجاشي(٢) ،

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٣٧.

(٢) رجال النجاشي : ٢٥٥ / ٦٦٩.

٣٧٠

والشيخ كلامه فيه لا يخلو من شي‌ء ، ويظهر منه التوثيق والتضعيف(١) ، ويمكن أن يقال : إنّ عدم استثنائه من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى يقتضي قبوله ، وفيه ما فيه. وسليمان بن حفص مجهول الحال.

والثاني : موثق على ما مضى القول فيه مكررا في عبد الله بن بكير(٢) .

المتن :

في الأوّل : كما ترى فيه الفجر ، وهو محتمل لصلاة الصبح وركعتي الفجر ، إلاّ أنّ الشيخ فهم منه صلاة الغداة ، وعلى ذلك المعروفون من الأصحاب ( ولا يبعد ظهوره ، نظرا إلى أنّ صلاة الليل ثلاث عشر ركعة في الأخبار )(٣) .

وفي الفقيه : اضطجع بين ركعتي الفجر وركعتي الغداة على يمينك مستقبل القبلة وقل ، إلى آخره(٤) .

والظاهر من الرواية الضجعة بين صلاة الليل وركعتي الفجر ، وعبارة الصدوق تضمنت بين ركعتي الفجر وركعتي الغداة ، وهي تتناول من صلّى صلاة الليل ومن لم يصلّ.

وأمّا الثاني : فما ذكره الشيخ فيه متوجه(٥) .

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤١٧ / ٩ و ١٠.

(٢) راجع ج ١ : ١٢٥.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) الفقيه ١ : ٣١٣.

(٥) في « م » زيادة : ولا يخفى أنّ العنوان لو جعل مطابقا للرواية الأولى كان أولى.

وما تضمنه الخبر الأوّل من أنّه لا يحمد على ما قدّم ، لا يخلو من إجمال ؛ لأنّ عدم الحمد إن أريد سقوط الثواب بمجرد النوم فهو واضح الإشكال ، ولو أريد النقص فيه بلفظ لا يساعده التوجيه ، يمكن.

٣٧١

قوله :

باب كراهية النوم بعد صلاة الغداة‌

محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي ( الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن عاصم بن أبي النجود الأسدي ، عن ابن عمر )(١) ، عن الحسن بن علي قال : « سمعت أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّما امرئ مسلم جلس في مصلاّه الذي صلّى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له من الأجر كحاج بيت الله وغفر له ، وإن جلس فيه حتى تكون ساعة تحلّ فيها الصلاة فصلّى ركعتين أو أربعا غفر له ما سلف وكان له من الأجر كحاج بيت الله ».

وروى العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : سألته عن النوم بعد الغداة ، فقال : « إنّ الرزق يبسط تلك الساعة فأنا أكره أن ينام الرجل تلك الساعة ».

وقال الصادقعليه‌السلام : « نومة الغداة مشومة تطرد الرزق ، وتصفر اللون ، وتقبحه ، وتغيره وهو نوم كل ميشوم ، إنّ الله تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن موسى بن عمر ، عن معمر بن خلاد قال : أرسل إليّ أبو الحسن الرضاعليه‌السلام في حاجة ،

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٣٧٢

فدخلت عليه فقال : « انصرف فإذا كان غدا فتعال ، ولا تجي‌ء إلاّ بعد طلوع الشمس ، فإنّي أنام إذا صلّيت الفجر ».

عنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن سالم بن أبي خديجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سأله رجل وأنا أسمع فقال : إنّي أصلّي الفجر ثم أذكر الله بكل ما أريد أن أذكره ممّا(١) يجب عليّ ، أريد أن أضع جنبي فأنام قبل طلوع الشمس فأكره ذلك قال : « فلم؟ »(٢) قال : أكره أن(٣) تطلع الشمس من غير مطلعها ، قال : « ليس بذلك خفاء ، انظر من حيث يطلع الفجر فذلك مطلع الشمس ، ليس عليك من حرج أن تنام إذا كنت قد ذكرت الله ».

فالوجه في هاتين الروايتين ضرب من الرخصة وإن كان الأفضل ما قدّمناه.

السند‌ :

في الأوّل : فيه أبو الجوزاء ، وهو المنبه بن عبد الله ، وقد قال النجاشي : إنّه صحيح الحديث(٤) . لكن لا يدرى المراد بصحة الحديث ، هل هو مطلق الرواية أو الحديث المثبت في أصله أو كتابه؟ ومع الاحتمال لا يفيد في غير هذا المقام ، أمّا هنا فالحسين بن علوان عامي ، وعمرو بن خالد نحوه ، وعاصم مجهول.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٥٠ / ١٣٢٤ : ما.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٥٠ / ١٣٢٤ : ولم.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٥٠ / ١٣٢٤ : بأن.

(٤) رجال النجاشي : ٤٢١ / ١١٢٩.

٣٧٣

والثاني : فيه عدم الطريق إلى العلاء في المشيخة ، وفي الفهرست لا يفيد هنا ، لكن الرواية في الفقيه بهذه الصورة(١) ، والطريق إلى العلاء صحيح مع ثقته ومن معه.

والثالث : مرسل ، وهو في الفقيه كذلك(٢) .

أمّا الرابع : ففيه موسى بن عمر ، وهو الصيقل ، لرواية محمّد بن علي ابن محبوب عنه في الرجال(٣) ، وحاله لا يزيد على الإهمال. ومعمر ابن خلاد ثقة.

والخامس : فيه سالم بن أبي خديجة ، وهو مهمل في رجال الصادقعليه‌السلام من كتاب الشيخ(٤) ، وما في كلام البعض من التوثيق والتعدد(٥) موهوم في الظاهر. أمّا عبد الرحمن بن أبي هاشم فهو ثقة.

المتن :

في الأوّل : واضح ، إلاّ أنّه ربّما كان في آخره أمارة عدم الصحة ، من حيث قوله : « حتى تكون ساعة تحل فيها الصلاة » فإنّ هذا مذهب أهل الخلاف في صلاة الفجر(٦) ، إذ الظاهر من ساعة حلّ الصلاة ارتفاع الشمس ، واحتمال الزوال بعيد مخالف لظاهر الصلاة ركعتين ، والناقل كما ترى ابن عمر.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١٧ / ١٤٤٣.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٨ / ١٤٤٥.

(٣) انظر الفهرست : ١٦٣ / ٧٠٩.

(٤) رجال الطوسي : ٢٠٩ / ١١٦.

(٥) انظر رجال ابن أبي داود : ١٠٠ / ٦٦٨.

(٦) انظر المهذب في فقه الشافعي ١ : ٩٢.

٣٧٤

والثاني : كما ترى ظاهر الدلالة ، إلاّ أنّ ما دلّ من معتبر الأخبار على(١) أنّ « الرزق كالموت لا ينفع الفرار منه » يقتضي عدم ضرورة النوم به ، ولعلّ المراد بالرزق الزائد عمّا فيه الحياة ، أو تقييد تلك الأخبار بما تضمنه هذا الخبر.

والثالث نحوه.

أمّا الرابع : فتوجيه الشيخ له ممكن.

والخامس : لا يخلو من إجمال وغرابة ، والذي يظهر من كتب أهل الخلاف في الحديث أنّ طلوع الشمس من غير مطلعها علامة قيام الساعة(٢) ، فلا يبعد أن يكون الرجل سمع من أحدهم هذا فاعتقد صحته ، أو أنّ السائل منهم فدفع وهمهعليه‌السلام بما يقرب من عقله.

ويحتمل أن يكون كناية عمّا ذكره بعض الأصحاب من علامات خروج القائمعليه‌السلام التي من جملتها طلوع الشمس من المغرب(٣) ، فأراد السائل الخوف من خروجهعليه‌السلام ولم يعلم ، فأزاحعليه‌السلام وهمه بأنّ مطلع الشمس معلوم. وفيه(٤) دلالة على ما قاله بعضهم من أنّ طلوع الشمس من المغرب كناية عن الإمامعليه‌السلام ؛ فإنّ ظهورهعليه‌السلام من المغرب في بعض الآثار(٥) ، وحينئذ حاصل الجواب دفع الحقيقة من مطلع الشمس ، ويحتمل غير ذلك ، لكنه في حيّز البعد ، والله تعالى أعلم بالحال.

__________________

(١) انظر الكافي ٢ : ٥٧ / ٢ ، ١ وكلمات المحقّقين خراجية فاضل القطيفي : ٢٤٦.

(٢) صحيح مسلم ٤ : ٢٢٢٥ / ٣٩.

(٣) انظر إرشاد المفيد ٢ : ٣٧١ ، روضة الواعظين : ٢٦٢.

(٤) في « فض » زيادة : حينئذ.

(٥) إلزام الناصب ٢ : ١٣٣ ـ ١٣٤.

٣٧٥
٣٧٦

فهرس الموضوعات

أبواب القبلة‌ ٥

باب من اشتبه عليه القبلة في يوم غيم‌٥

باب من صلّى إلى غير القبلة ثم تبيّن ١٤

بعد ذلك قبل انقضاء الوقت وبعده ١٤

باب الصلاة في جوف الكعبة٣١

أبواب الأذان والإقامة‌٣٦

باب الأذان والإقامة في صلاة المغرب ٣٦

وغيرها من الصلوات‌ ٣٦

باب الكلام في حال الإقامة‌٤٤

باب الأذان جالسا أو راكبا ٥٢

باب من نسي الأذان والإقامة حتى صلّى أو دخل فيها‌٥٥

باب عدد الفصول في الأذان والإقامة٦٦

باب القعود بين الأذان والإقامة في المغرب‌ ٨٠

أبواب كيفيّة الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ٨٧

باب وجوب قراءة الحمد ٨٧

باب الجهر ببسم الله الرحمن الرّحيم‌٩٧

باب وجوب الجهر في القراءة‌١٢٠

باب الجهر في النوافل بالنهار‌١٣٠

باب أنّه لا يقرأ في الفريضة١٣٢

بأقلّ من سورة ولا بأكثر منها‌١٣٢

باب القران بين السورتين في الفريضة ١٥٥

باب النهي عن قول آمين بعد الحمد‌ ١٦٦

٣٧٧

باب من قرأ سورة من العزائم التي في آخرها السجود ١٧٣

باب الحائض تسمع سجدة العزائم ١٧٧

باب إسماع الرجل نفسه القراءة‌١٨٠

باب التخيير بين القراءة والتسبيح في الركعتين الأخيرتين‌ ١٨٣

أبواب الركوع والسجود‌١٩٩

باب أقل ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود‌١٩٩

باب تلقي الأرض باليدين لمن أراد السجود‌٢١٨

باب السجود على الجبهة‌٢٢٤

باب الإقعاء بين السجدتين‌ ٢٣٢

باب من يقوم من السجدة الثانية إلى الركعة الثانية ٢٣٦

باب وضع الإبهام في حال السجود‌٢٣٩

باب النفخ في موضع السجود في حال الصلاة‌٢٤٤

باب من يسجد فتقع جبهته على موضع مرتفع‌ ٢٤٧

باب السجود على القطن والكتان‌ ٢٥٣

باب السجود على القير والقفر‌٢٦٨

باب السجود على القرطاس فيه كتابة‌٢٧٣

باب السجود على شي‌ء ليس عليه سائر البدن‌ ٢٧٧

باب السجود على الثلج‌ ٢٧٩

[ أبواب القنوت وأحكامه ] ٢٨٢

باب رفع اليدين بالتكبير إلى القنوت في الصلوات الخمس‌ ٢٨٢

باب السنّة في القنوت‌ ٢٨٨

باب وجوب التشهد وأقل ما يجزئ منه‌٣١٠

باب وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهد‌ ٣٢٧

باب قضاء القنوت ٣٣٥

باب أنّ التسليم ليس بفرض‌ ٣٤١

٣٧٨

باب كيفية التسليم‌٣٥٣

باب سجدتي الشكر بين فريضة المغرب ونوافلها‌٣٦١

قوله :٣٦٥

باب وجوب الفصل بين ركعتي الشفع والوتر‌٣٦٥

المتن :٣٦٨

قوله :٣٧٢

باب كراهية النوم بعد صلاة الغداة‌٣٧٢

السند‌ :٣٧٣

٣٧٩