إستقصاء الإعتبار الجزء ٦

إستقصاء الإعتبار0%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-178-8
الصفحات: 430

إستقصاء الإعتبار

مؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-178-8
الصفحات: 430
المشاهدات: 41426
تحميل: 5138


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41426 / تحميل: 5138
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء 6

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: 964-319-178-8
العربية

التخصيص.

وقد احتمل شيخناقدس‌سره الاستدلال للاكتفاء بالظن مطلقا بما رواه الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد ابن خالد ، عن سعد بن سعد ، عن صفوان ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : « إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة »(١) .

قالقدس‌سره : وهذه الرواية معتبرة الإسناد ؛ إذ ليس فيها من قد يتوقف فيه سوى محمد بن خالد البرقي ، لقول النجاشي : إنّه كان ضعيفاً في الحديث. إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي الطعن فيه نفسه. وجزم العلاّمة في الخلاصة بالاعتماد على قوله لنص الشيخ على تعديله ، ولا بأس به(٢) . انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ الرواية بتقدير صحتها مخصوصة بخبر زرارة ، وأمّا أحوال محمد بن خالد فقد أوضحناها(٣) في الكتاب وغيره.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمنه خبر زرارة من اعتبار اليقين في الأوّلتين على تقدير تناوله للأجزاء لو حصل الشك في شي‌ء منها قبل تجاوز المحل فأتى به احتمل أن يقال بحصول اليقين نظراً إلى تحقق الفعل بعد العود إليه ، ويحتمل العدم ؛ لأنّ اليقين محتمل لأن يراد به تحقق أفعالهما من غير زيادة ولا نقصان ، ومع الشك لا يحصل هذا المعنى.

وقد قدّمنا عن الشيخ في التهذيب كلاماً في الشك في الركوع محتملاً لأن يكون منه أو من المفيد ، دالاًّ على أنّ الشك في أجزاء الأوّلتين شك‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) مدارك الأحكام ٤ : ٢٦٤ ، وهو في رجال النجاشي : ٣٣٥ / ٨٩٨. وفي الخلاصة : ١٣٩ / ١٤.

(٣) راجع ص ٦٨.

١٢١

فيهما(١) .

( وقد يتفرع هنا حكم لكثير الشك ، فإنّ ما دلّ على عدم التفاته يشمل الأوّلتين ، وخبر زرارة تضمن اليقين ، فيمكن أن يقال : إنّ اليقين لغير كثير الشك ، أمّا لو ظن كثير الشك الفعل أو عدمه كما مضى فيه القول(٢) احتمل هنا الخروج عن الصحة في الأوّلتين كما يعلم بالتأمّل(٣) .

وللأصحاب الذين رأينا كلامهم تصريح بتناول الاكتفاء بالظن مع الشك للأجزاء كالركعات(٤) . وربما يشكل في الأوّلتين بتقدير تناول خبر زرارة للأجزاء )(٥) فينبغي التأمّل في المقام.

بقي شي‌ء وهو أنّ قولهعليه‌السلام في الخبر الأخير : « الإعادة في الركعتين الأوّلتين والسهو في الركعتين الأخيرتين » لا يخلو من إجمال ؛ لأنّ السهو في الأخيرتين يحتمل لأن يراد به حكم السهو المقرّر في الأخبار على وجه لا يقتضي الإعادة ، ويحتمل أن يراد به أنّ حصول السهو في الأخيرتين لا يقتضي البطلان بخلاف الأوّلتين.

والفرق بين الاحتمالين أنّ الأوّل يراد به الإخبار عن حكم السهو المقرّر ، والحكم حينئذ مجمل ، لكن يستفاد منه عدم الإعادة بقرينة الإعادة في الأوّلتين ويبقى حكم البناء على الأقلّ أو الأكثر مجملاً.

والثاني يستفاد منه الحكم بعدم البطلان في الأخيرتين بالسهو. ويبقى ما دل على أحكام السهو يفيد فائدة أُخرى لا مبيِّنا للإجمال.

__________________

(١) في ص : ١٧٩٠.

(٢) راجع ص ١٨٣٤.

(٣) في « رض » : بالتأويل.

(٤) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٢٨.

(٥) ما بين القوسين ليس في « م ».

١٢٢

ويحتمل أن يراد بالسهو : الظن المعبّر عنه بالوهم في الأخبار ، والإعادة تدل(١) على هذا ، وأثر هذا الاحتمال واضح.

وربما يستفاد من قولهعليه‌السلام : « الإعادة في الأوّلتين » أنّ الشك فيهما يوجب الإعادة ؛ لأنّ اليقين فيهما وهو الواحدة بتقدير الشك في الاثنين يقتضي البناء عليه كما قد نبّه على ذلك خبر زرارة حيث قال في آخره : « ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم » فإنّ هذا الكلام يقتضي احتمال كون الفارق العمل بالظن في الأخيرتين ، وأمّا في الأوّلتين فيعمل بالمتيقّن وهو الواحدة.

وما عساه يقال : إنّ الخبر الأخير لا يقاوم خبر زرارة ليصلح بياناً للحكم ، وإذا لم يصلح فخبر زرارة إذا قام فيه الاحتمال أمكن الاستدلال على البناء على الواحدة كما هو مفاد الأخبار الآتية.

يمكن الجواب عنه : بأنّ خبر زرارة ظاهره إرادة انتفاء الشك في الأوّلتين ، بمعنى أنّ شرط صحتهما عدم الشك ( فيهما ، لا أنّ مع الشك يبنى على المتيقن ، ومما ينبّه(٢) على هذا أنّ الحكم بالبناء على اليقين من أحكام الشك )(٣) فهو فرع صحة العبادة مع الشك ، وإذا دل الدليل على بطلان الأوّلتين بالشك انتفى عنهما الحكم بالرجوع إلى اليقين ، على أنّ الحكم بالرجوع إلى اليقين من الأخبار الآتية يتوقف على إمكان الاستدلال بها والحال أنّ المعارض موجود ، وستسمع القول فيها إن شاء الله تعالى(٤) .

__________________

(١) في « فض » : فيها.

(٢) في « رض » : نبّه.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) في ص ١٨٣٩.

١٢٣

( بقي شي‌ء وهو أنّ كثير الشك في الأوّلتين وإن لم يحصل له اليقين ربّما لا يلتفت إلى الشك بل يبني على المشكوك فيه على المشهور في معنى عدم التفاته ، وحينئذ يخص خبر زرارة الدال على اليقين في الأوّلتين ، ولم أَرَ من صرّح بذلك عن القائلين باعتبار اليقين في الأوّلتين ، فينبغي تأمّل ذلك ؛ وما ذكرناه في كثير الشك من معناه المشهور إشارة إلى أنّ عدم التفات كثير الشك كما يحتمل ما ذكر يحتمل عدم فعله الاحتياط أو بناؤه على اليقين ، لكن المعلوم من المتأخّرين ما قدّمناه ، والله أعلم )(١) .

( قوله :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة؟ قال : « يتم ».

وما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن السندي بن الربيع ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال : في الرجل لا يدري ركعة صلّى أم ثنتين؟ قال : « يبني على الركعة » )(٢) .

وما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن (٣) الرجل لا يدري أركعتين‌

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة من « م ».

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٦٥ / ١٣٨٩ : في.

١٢٤

صلّى أم واحدة؟ قال : « يتمّ بركعة ».

فأوّل ما في هذه الأخبار أنّها لا تعارض ما قدّمناه ؛ لأنّها أضعاف هذه ، ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقلّ لما قد بيّناه في غير موضع ، ولو كانت معارضة لها ومساوية لم يكن فيها تناقض ؛ لأنّه ليس في شي‌ء من هذه الأخبار أنّ الشك إذا وقع في الأوّلة والثانية من صلاة الفرائض و(١) النوافل ، وإذا لم يكن هذا في الخبر حملناها على النوافل ، لأنّ النوافل عندنا لا سهو فيها ، ويبني المصلّي إن شاء على الأقلّ وإن شاء على الأكثر ، والبناء على الأقل أفضل ، فحملنا هذه الأخبار على ما ذكرناه من النوافل لئلاّ تتناقض الأخبار.

السند‌ :

في الأوّل : واضح بعد ما أشرنا إليه عن قريب(٢) من أنّ الحسين بن أبي العلاء لم يثبت توثيقه ، بل غاية ما يستفاد المدح ، وفي السند دلالة على أنّ ما سبق من رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن أبي العلاء بغير واسطة سهو ، وينبه عليه ما في التهذيب(٣) ، واحتمال الرواية تارة بواسطة وأُخرى بعدمها بعد رواية التهذيب لا وجه له.

والثاني : فيه السندي ، وحاله لا يزيد على الإهمال كما يستفاد من الرجال(٤) ، نعم في الرجال أنّ الراوي عنه صفوان وغيره ، ورواية محمد بن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٦٥ : أو.

(٢) في ص ١٨٢٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٦.

(٤) رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٦ ، رجال الطوسي : ٣٧٨ / ٨.

١٢٥

أحمد بن يحيى فيها نوع تأمّل ، وجوابه غير خفي.

والثالث : فيه عبد الكريم بن عمرو وهو واقفي ثقة ثقة(١) في النجاشي(٢) .

المتن :

في الجميع قد قدّمنا(٣) أنّ العلاّمة في المختلف جعله حجة علي بن بابويه ، وزاد : أنّه شك في عدد فيبني على الأقل لأنّه المقطوع به. وأجاب العلاّمة بالمنع من صحة سند الأوّل ؛ لأنّ الحسين بن أبي العلاء لا يحضره حاله وهو غريب منه وكذلك قال في السندي بن الربيع والحال واحدة ، ثم ذكر الحمل على النوافل وقال : إنّ ما تدلّ عليه هذه الأحاديث لا يقول به ، والذي يقول به لا تدلّ عليه الأحاديث ، والأمر كما قال.

أمّا ما أجاب به بعد ذلك عن قوله بالبناء على الأقل لأنّه المتيقن ، من أنّه ممنوع لأنّه كما يحرم عليه النقصان تحرم عليه الزيادة(٤) . فقد يقال عليه : إنّ استدلاله مبنيّ على بعض الأخبار مثل ما رواه الصدوق بقوله : وروى عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو الحسنعليه‌السلام : « إذا شككت فابن على اليقين » قال : قلت : هذا أصل؟ قال : « نعم »(٥) .

وروى الشيخ في زيادات الصلاة عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن محمد بن أبي حمزة عن عبد الرحمن بن الحجاج وعلي ، عن‌

__________________

(١) ليست في « م » و « رض ».

(٢) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥.

(٣) في ص ١٨٣٣ ، ١٨٣٤.

(٤) المختلف ٢ : ٣٧٩.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب الخلل ب ٨ ح ٢.

١٢٦

أبي إبراهيمعليه‌السلام في السهو في الصلاة ، فقال : « تبنى على اليقين وتأخذ بالجزم وتحتاط بالصلوات كلّها »(١) .

وما عساه يقال : إنّ هذين الخبرين لا يدلان على الأخذ بالأقلّ بجواز أن يراد دفع الشك بالإعادة.

يمكن الجواب عنه : بأنّه خلاف الظاهر ، وعلى كل حال تفصيل ابن بابويه المنقول في المختلف لا يدل عليه الاستدلال ، غاية الأمر أنّه يبقى الكلام فيما دل على البناء على الأقل بعمومه من الأخبار الدالة على الأخذ باليقين مؤيّداً للأخبار المبحوث عنها ، فقول الشيخ : إنّ الأخبار الأوّلة أضعاف هذه ؛ قد يتوجّه عليه أنّ مؤيّدات هذه لا وجه لعدم التعرض لها وإن كانت لا تبلغ مرتبة السابقة في الكثرة.

فإن قلت : الخبران المذكوران من الفقيه والتهذيب ما حالهما؟

قلت : أمّا خبر الفقيه فقد علمت صورة إيراده ، وقد سألت شيخنا المحقق ميرزا محمد أيّده الله عن دخول مثل هذه الرواية في طريق المشيخة للفقيه من حيث إنّ ظاهر الرواية الإرسال ، وظاهر المشيخة أنّ كل ما رواه طريقه إليه كذا ، والمتبادر من روايته أن يقول : روى إسحاق ونحو ذلك؟ فأجاب أيّده الله : بأنّه محل تأمّل.

لكن لم أجد في كتب الوالدقدس‌سره ما يقتضي التوقف ، وجزم شيخناقدس‌سره في المدارك بأنّ هذه الرواية من الموثق نظراً إلى طريق الصدوق إلى إسحاق ابن عمار من الموثق(٢) ؛ وأرى هذا غريباً منه ؛ لأنّ في الطريق علي بن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٧ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخل ب ٨ ح ٥ ، بتفاوت يسير فيهما.

(٢) المدارك ٤ : ٢٥٦.

١٢٧

إسماعيل ، وفيه ما قدّمناه(١) من عدم زيادة حاله عن الإهمال أو الجهالة ، وفي طرق الفقيه من كتاب شيخنا أيّده الله في الرجال تصحيح الطريق إلى إسحاق بن عمار إلاّ أنّ في إسحاق قولا(٢) ، والصحة لا يخفى حالها.

وأمّا خبر الشيخ ففيه محمد بن أبي حمزة ، ولا يبعد كونه الثقة كما كرّرنا القول في ذلك(٣) من أنّ احتمال المذكور مهملاً في كتاب الشيخ(٤) بعيد ؛ أمّا علي الواقع فيه فمشترك(٥) إلاّ أنّه لا يضرّ بالحال ، واحتمال ابن أبي حمزة له قرب ، وفي عبد الرحمن بن الحجاج نوع كلام ذكرناه(٦) في محل آخر.

لكن ربما يؤيّد الأخبار المبحوث عنها ما رواه الصدوق صحيحاً عن زرارة : « إنّ الصلاة لا تعاد إلاّ من خمسة »(٧) وقد مضى(٨) ، وليس فيه شك في الأوّلتين ، وفيه : أنّ الظاهر كون الحصر إضافياً ، ومعه لا يتم المطلوب إلاّ بتكلّف.

وينقل عن السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه في المسائل الناصرية أنّه جوّز البناء على الأقلّ في جميع صور الشك(٩) . وقد يؤيّده بعض الأخبار الواردة في الوضوء المتضمنة لأنّ اليقين لا يعارضه الشك ، ولأنّ الأصل عدم الإتيان‌

__________________

(١) في ج ٢ : ١٨٤.

(٢) منهج المقال : ٤٠٨.

(٣) راجع ج ١ : ١٤٦.

(٤) رجال الطوسي : ٣٠٦ / ٤١٧.

(٥) هداية المحدثين : ٢٢٤.

(٦) في ج ٢ : ٣٦٧.

(٧) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١.

(٨) انظر أحكام السهو ص ١١.

(٩) كما في المدارك ٤ : ٢٥٦ ، وانظر المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١.

١٢٨

بالمشكوك فيه ؛ إلاّ أن يقال : إنّه يجوز اختصاص الوضوء بما ذكر ، والأصل المذكور لا يصلح للحكم بالصحة مع دلالة الأخبار على الإبطال.

وحكى شيخناقدس‌سره عن ابن بابويه القول بالتخيير بين البناء على الأقلّ والاستئناف وقال : إنّ الأخبار المذكورة لولا ضعف سندها لأمكن القول بما قاله ابن بابويه(١) . ولا يخفى أنّ الرواية الاولى لا وجه لردّها إلاّ من جهة الحسين بن أبي العلاء ، أمّا علي بن الحكم فلا ، لما كرّرنا القول فيه أنّه الثقة بتقدير الاشتراك ، لرواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه(٢) .

إذا عرفت هذا فما ذكره الشيخ من الجمع في أعلى مراتب البُعد ، ولعلّ الضرورة تقرّبه ، والحمل على التقيّة لا يخلو من

قرب ، لأنّي وجدت في صحيح مسلم روايات تدلّ على البناء على اليقين(٣) ، فليتأمّل.

قوله :

باب الشك في فريضة الغداة‌

محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد ».

عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يصلّي ولا يدري أواحدة صلّى أم ثنتين؟ قال : « يستقبل حتى يستيقن أنّه قد‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٤٤.

(٢) راجع ص ١٨٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ السهو في الصلاة والسجود له ب ١٩ ح ٨٨.

١٢٩

أتمّ وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر ».

عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « ليس في الفجر والمغرب(١) سهو ».

الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن عنبسة بن مصعب قال ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إذا شككت في المغرب فأعد وإذا شككت في الفجر فأعد ».

عنه ، عن الحسن(٢) ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ قال : « إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها ، والجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة لأنّها ركعتان ، والمغرب إذا سها فيها ولم يدر(٣) ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة ».

عنه ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن الرجل شكّ في الفجر ، قال : « يعيد » قلت : المغرب؟ قال : « نعم ، والوتر والجمعة » من غير أن أسأله.

عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام . وابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وغير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٦٦ / ١٣٩٢ : المغرب والفجر.

(٢) في « م » : الحسين.

(٣) يوجد في الاستبصار ١ : ٣٦٦ / ١٣٩٤ : فلم يدرِ كم ركعة.

١٣٠

السند‌ :

في الأوّل : حسن على تقدير اندفاع ما قدمناه(١) في حفص بن البختري ، من أنّ التوثيق من النجاشي له(٢) محتمل لأن يكون من أبي العباس المشترك(٣) بين ابن نوح وابن عقدة ، وضميمة « غيره » لا يفيد.

والثاني : لا ارتياب في حسنه(٤) .

والثالث : فيه الإرسال مع رواية محمد بن عيسى عن يونس ، وقد قدّمنا كلاماً في إمكان دفع هذا عن الرواية لو سلمت من غيره(٥) .

والرابع : واضح الضعف(٦) .

والخامس : موثق.

والسادس : واضح الصحة بعد ما قدّمناه(٧) . وقد يظن أنّ محمد بن مسلم هو الراوي عن الإمامعليه‌السلام لأنّه المتعارف.

والسابع : لا ارتياب فيه. وابن أبي عمير إمّا يروي عنه الحسين بن سعيد أو أنّه ابتداء سند بالطريق إليه في المشيخة فيكون معطوفاً على الحسين بن سعيد.

__________________

(١) في ص ١٦٧.

(٢) رجال النجاشي : ١٣٤ / ٣٤٤.

(٣) هداية المحدثين : ٢٨٨.

(٤) بإبراهيم بن هاشم.

(٥) في ص ٥٤.

(٦) من جهة محمد بن سنان ، انظر رجال النجاشي : ٣٢٨ / ٨٨٨ ، رجال الطوسي : ٣٨٦ / ٧ ، الفهرست : ١٤٣ / ٦٠٩.

(٧) راجع ص ٢٨٩ ، ٨٦٥.

١٣١

المتن :

في الجميع ظاهر الدلالة على أنّ الشك في المغرب والفجر والجمعة وصلاة السفر يوجب الإعادة ، لكن الأوّل كما ترى له دلالة على أنّ الشك في المغرب يوجب ما ذكره وإن تعلق بغير الأوّلتين ، أمّا الثاني فربما يختص بالأوّلتين من المغرب ؛ لأنّ صدره تضمن حكم الشك في الواحدة والثنتين ، ثم الفجر(١) اقتضى ضميمة المغرب ، والظاهر من ذلك المشاركة في الحكم المذكور في الصدر ، ويحتمل أن تكون المشاركة في الاستقبال حتى يستيقن لا في جميع ما ذكر في الصدر من الشك بين الواحدة والثنتين.

والثالث : تضمن نفي السهو في الفجر والمغرب ، وقد مضى في مثله الكلام من احتمال نفي حكم السهو من(٢) البناء على الظن ، إلاّ أنّ فيه لا يتم هذا ؛ لأنّ الظن يعتبر في الفريضة(٣) على المعروف بين الأصحاب ، فلعلّ المراد بنفي السهو الإعادة على تقدير أن يراد به الشك ، ولو أُريد به ظاهر معناه فإشكاله غير خفي ، ( وعلى تقدير البناء على اليقين في الشك يحتمل نفي السهو نفي الحكم المذكور بل يكون الحكم الإعادة فتأمّل )(٤) .

والرابع : كالأول.

والخامس : كما ترى يدلّ على أنّ الجمعة إذا سها الإمام فيها عليه‌

__________________

(١) أي ذكر الفجر في الأوّل.

(٢) في « رض » زيادة : أن.

(٣) في « رض » : الفرضين ، وفي « فض » : الفريضين.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « رض » ويوجد في السطر التالي بعد قوله : والتخصيص بالإمام.

١٣٢

الإعادة ، والتخصيص بالإمام خفي الوجه(١) .

ويختلج في الخاطر أنّ الخبر لا يحتاج ( إلى أن يقيد بعدم )(٢) حفظ المأموم عليه سهوه كما هو المقرّر من أنّه لا حكم لسهو الإمام إذا حفظ عليه من خلفه ، والوجه في عدم الاحتياج أنّ ما دل على اليقين في الأوّلتين والثنائية وهو خبر زرارة(٣) يفيد أنّ الإمام لو شك في ما يشترط فيه اليقين لا يرجع إلى قول المأموم ، لأنّه إنما يفيد الظن والفرض اعتبار اليقين ، والجمعة من هذا القبيل ؛ ولم أجد من صرّح من الأصحاب بما ذكرته ، وهو حريّ بالتأمّل فيه.

ويتفرع عليه شك الإمام في الأوّلتين والثنائية بل وشك المأموم ، والجمعة غير خارجة عن ذلك لما يظهر من الأخبار أنّها الظهر في الحقيقة.

وما عساه يقال : إنّ ما دل على أنّه لا حكم لسهو الإمام والمأموم مع الحفظ مطلق فلا وجه لتقييده.

يمكن الجواب عنه : بأنّ التقييد بعد وجود الخبر الصحيح ما المانع منه؟

فإن قيل : هو الإجماع من الأصحاب إذ لم ينقل ما ذكر ، احتمل أن يقال : إنّ ابن إدريس القائل باليقين في الأوّلتين أطلق(٤) ، واللازم من إطلاقه‌

__________________

(١) في « م » زيادة : قد يخطر في البال توجيه ما ذكره : بان فيه بياناً للفرد الأخفى ، وهو أن الأمام لو فرض سهوه يعيد فكيف المأموم؟ والإمام إن كان إمام الأصل فواضح وإن كان غيره احتمل أن يكون الوجه في ذكره اشتراط الكمال بالعدالة وغيرها ومع هذا يعيد فكيف المأموم؟ ويحتمل أن يكون ذكر الإمام لأنه المهمّ أولاً غير ذلك ، فلا يفيد نفي الحكم عن المأموم.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » : الى تقييد بعد.

(٣) راجع ص ١٨٣٤.

(٤) السرائر ١ : ٢٥٠.

١٣٣

القول بما ذكرناه ، ولا يحضرني الآن كتاب ابن إدريس لأعلم قوله في الإمام والمأموم.

وما عساه يقال : إنّ الخبر الدال على أنّه لا سهو على الإمام ولا على من خلفه ، يقتضي أنّ الحكم من حيث كونه إماماً أو مأموماً ، لا من حيث الظن ، والتفريع بالظن من كلام بعض المتأخّرين ، وهو مع إشكاله باستلزام اعتبار مراتب الظن وحصول الاختلاف بالمأموم العدل وغيره لا دليل عليه.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الخبرين المذكورين في الإمام والمأموم لا يصلحان للاعتماد عند جميع الأصحاب ؛ إذ أحدهما(١) : رواه الشيخ في التهذيب في زيادات الصلاة عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « ليس على الإمام سهو ولا على من خلف الإمام سهو » إلى آخر الحديث(٢) . وهو معدود من الحسن والعامل(٣) به بعض الأصحاب(٤) .

وثانيهما : رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى(٥) ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سألته عن الإمام يصلّي بأربعة أنفس أو خمسة أنفس فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا [ ثلاثاً ، ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا ] أربعاً ، يقولون هؤلاء : قوموا ، ويقولون هؤلاء : اقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟ قال : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه‌

__________________

(١) في « م » زيادة : حسن.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٤٠ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٣.

(٣) في « م » : والقائل.

(٤) كصاحب المدارك ٤ : ٢٦٧.

(٥) في التهذيب زيادة : عن يونس.

١٣٤

بإيقان منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسهُ الإمام ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو ، ولا في الركعتين الأوّلتين من كل صلاة ، ولا سهو في نافلة ، فإذا(١) اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم »(٢) .

وهذه الرواية لا يخلو متنها بتقدير تسليم سندها من إجمال ، والظاهر منها اعتبار اتفاق المأمومين على الحكم ، فلو اختلفوا لا يتحقق نفي السهو عن الإمام.

والمعروف بين متأخري الأصحاب الذين رأينا كلامهم أنّ مع الاختلاف ( بين الإمام والمأموم )(٣) إذا حصلت الرابطة رجعوا إليها(٤) .

وظاهر الرواية اعتبار يقين المأموم فلا يكفي ظنه ، وقد صرّح شيخناقدس‌سره برجوع الشاك إلى الظان(٥) ، والحال في الرواية ما ترى.

فإن قلت : الزيادة المذكورة في آخر الرواية الدالة على الاختلاف لا يبعد أن يكون من كلام الشيخ أو المفيد ، ومن ثمّ لم يذكرها البعض ، وفي المدارك نقلت من دونها(٦) .

قلت : الذي وجدته في الفقيه منقولاً عن نوادر إبراهيم بن هاشم بالمتن المنقول في التهذيب مع زيادة مصححة له ، وفيها : « فإذا اختلف‌

__________________

(١) ذيل الحديث من قوله : فإذا. إلى آخر الحديث ساقط عن « م » و « رض ».

(٢) التهذيب ٣ : ٥٤ / ١٨٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤١ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٨ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٢ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٧٠.

(٥) المدارك ٤ : ٢٧٠.

(٦) المدارك ٤ : ٢٧٠.

١٣٥

على الإمام » إلى آخره. والزيادة المصححة : فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثاً ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعاً ، إلى آخره(١) . وهذا كما ترى يفيد أنّ الجواب مبيّن للاختلاف المذكور وأنّه يقتضي أخذ كل من الإمام والمأموم بالجزم.

ثم إنّ في متن رواية الصدوق : « إذا حفظ من خلفه سهوه باتفاق منهم وفي التهذيب : « يإيقان » والفرق بين الأمرين ظاهر ، والاعتبار يشهد لما في الفقيه ، لأنّ الاختلاف قد ذكر في الرواية أخيراً بين الإمام والمأموم ، والاتفاق أوّلاً بين المأمومين وفيه : أنّ التفصيل لا يناسبه ، وعلى كل حال المخالفة لكلام من رأينا كلامه موجودة.

والعجب من عدم تعرض شيخناقدس‌سره لذلك ، والحكم بمجرد رواية الشيخ(٢) ، والرواية في الفقيه حسنة ، لأنّ طريقه إلى إبراهيم بن هاشم لا ريب فيه ، وظن أنّ الطريق في المشيخة إلى إبراهيم لا إلى نوادره ، بعيد ، بل الظاهر انتفاؤه ، ورواية إبراهيم بن هاشم لا يقصر عن الصحيح عنده.

روى الشيخ في التهذيب في الزيادات عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال : سألته عن رجل يصلي خلف إمام(٣) لا يدري كم صلّى هل عليه سهو؟ قال : « لا »(٤) .

وهذه الرواية قال شيخناقدس‌سره : إنّها دالة على حكم المأموم في مسألة‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٨.

(٢) في « م » زيادة : وقوله ما رواه الشيخ عن يونس عن رجل ، مع أن محمد بن عيسى رواها عن يونس.

(٣) في « رض » : الإمام.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٠ / ١٤٥٣ ، الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ١.

١٣٦

الشك(١) .

ويمكن أن يقال : إنّها محتملة لأن يكون السؤال فيها عمّن صلّى خلف إمام لا يدري هل هو في أوّل الصلاة أو في أثنائها ، لا أنّ المأموم شك في صلاته ، إلاّ أنّ الظاهر من الرواية خلاف هذا.

وإذا تقرّر جميع ما ذكر فاعلم أنّ الأخبار المذكورة في الإمام والمأموم بين مطلق ومقيد بالحفظ ، والدال على الحفظ قد سمعت القول فيه ، والمانع من التخصيص بخبر زرارة ليس إلاّ احتمال الاتفاق من الأصحاب على عدم الفرق بتقدير عدم العمل بالأخبار أو العمل ، وإثبات الاتفاق مشكل. فينبغي النظر في ما ذكرناه ، فإنّي لا أعلم أحدا ( حام حوله )(٢) .

وينبغي أن يعلم أن الأخبار المبحوث عنها مقيدة بما دل على الظن مع الشك عند الأصحاب الذين رأينا كلامهم(٣) .

وما عساه يقال : إنّ مدلول بعضها الإعادة مع الشك ، فالصحة مع الظن بعد البطلان لا وجه لها.

يمكن الجواب عنه ـ بعد ثبوت العمل بالظن في المذكورات من الفرائض ـ : بأنّ البطلان لا يحصل إلاّ بعد عدم الظن ، ويشكل بصيرورة العبادة قبل الظن موقوفة غير محكومة بصحتها ولا ببطلانها ، والحال أنّ العبادة لا تخرج عنهما. وقد خطر في البال هذا الإشكال في تقسيم الأُصوليين العبادة إلى الصحيحة والباطلة.

وقد ذكر جدّيقدس‌سره وجوب التروّي عند الشك في أفعال الصلاة(٤) ،

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٧٠.

(٢) بدل ما بين القوسين في « فض » و « رض » : ذكره.

(٣) راجع ص : ١٨٤٦.

(٤) المسالك ١ : ٤٢.

١٣٧

وغير خفي أنّ الوجوب محل إشكال ؛ لعدم الوقوف على دليله ، بل المستفاد من الأخبار أنّ الظن لو حصل يعمل عليه ، وما ذكرناه من الإشكال في مثل الفرائض التي يبطلها لك لا يخلو اعتبار الظن فيها من غموض ؛ لأنّ التروي إذا لم يجب فالمرتبة المقتضية للصحة مع الظن لا حدّ لها ، فليتأمّل.

وما وقع في كلام بعض المتأخّرين من ذكر غلبة الظن(١) غير ظاهر الدليل ، بل المستفاد مطلق الظن.

ويختلج في البال أنّ غلبة الظن وقعت في عبارة المتقدمين ، ويراد بها غلبة الظن على الشك ، فالمتأخّرون جعلوا غلبة الظن للشاك مريدين غلبة ظنه على شكه ، والعبارة أوهمت أنّ غلبة الظن يراد به الظن الغالب في نفسه(٢) ، والحال غير خفيّة.

بقي في المقام شي‌ء وهو أنّ ما تضمّنه خبر العلاء من أنّ الشك في الوتر يقتضي(٣) الإعادة يخالف(٤) إطلاق جماعة من الأصحاب كالشيخ فيما مضى(٥) عن قريب من أنّ النافلة يبنى فيها على الأقلّ وإن شاء على الأكثر ، وعدم تعرض الشيخ وغيره للخبر مع صحته غريب.

وقد أشار شيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب إلى مدلول الرواية ، غير أنّها لا يخلو من إجمال بالنسبة إلى الوتر ، فإنّه اسم للثلاثة على ما يستفاد من الأخبار ، فالشك فيه إمّا أن يراد في مجموع الثلاثة أو في شفعة وحده أو المفردة وحدها ، والأوّل يفيد أنّ الشك مع الانفصال يقتضي إعادة‌

__________________

(١) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٢٨.

(٢) المسالك ١ : ٤٢.

(٣) في « م » : يلزم.

(٤) في « م » : بخلاف.

(٥) في ص ١٨٣٨ ، ١٨٣٩.

١٣٨

المجموع ، وفيه ما لا يخفى ، والحمل على الاتصال يخالف ما مضى ، والثاني ممكن الإرادة ، كما أنّ الأوّل ممكن التسديد بوجه غير بعيد.

وأمّا ما يقتضيه ظاهر الأخبار من إطلاق إبطال الشك في الفرائض المذكورة ربما يظن منه التناول للركعات وأجزائها ، إلاّ أنّ تبادر الركعات يمكن ادعاؤه ، والوتر كذلك ، فليتأمّل المقام فإنّه حريّ بالتأمّل التامّ وبالله سبحانه الاعتصام.

قوله :

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن معاوية بن حكيم(١) ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد الناب ، عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل لم يدرِ كم(٢) صلّى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال : « يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة ، فإن كان(٣) صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعا ، وإن ( كان صلّى )(٤) ركعة كانت هذه تمام الصلاة »(٥) .

فهذا خبر شاذ مخالف للأخبار كلّها ، واجتمعت الطائفة على ترك العمل به ، على أنّه يحتمل أن يكون إنّما شك في ركعتي الفجر النافلتين ، فجاز له أن يبني على الواحدة ويصلّي ركعة أُخرى استظهاراً ، وليس في الخبر ذكر الفريضة ، وإنّما ذكر صلاة الفجر وذلك‌

__________________

(١) في « م » : معاوية بن الحكم.

(٢) ليس في الاستبصار ١ : ٣٦٦ / ١٣٩٧.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٦٧ / ١٣٩٧ زيادة : قد.

(٤) في « م » : كانت صلاته. وفي الاستبصار ١ : ٣٦٧ / ١٣٩٧ : كان قد صلى.

(٥) في الاستبصار ١ : ٣٦٧ / ١٣٩٧ ، عن التهذيب زيادة : وهذا والله ممّا لا يقضى أبداً.

١٣٩

يعبّر به عن الفرض والسنّة ، وعلى هذا التأويل لا ينافي ما تقدم من الأخبار.

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ثم ذكر أنه فاتته ركعة ، قال : « يعيدها ركعة واحدة ».

عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن بكير ، ( عن عبيد بن زرارة )(١) قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يصلّي الغداة ركعة ويتشهد ، ثم ينصرف ويذهب ويجي‌ء ، ثم يذكر بعدُ أنّما صلّى ركعة ، قال : « يضيف إليها ركعة ».

فلا تنافي بين هذين الخبرين والأخبار الأوّلة ؛ لأن الشك الذي يوجب الإعادة إنّما هو إذا لم يذكر كم صلّى ، فأمّا من ظن أنّه صلّى ركعتين وعمل عليه ثم ذكر وعلم بعد ذلك أنّه كان صلّى ركعة لا يكون شاكاً ، ويكون فرضه إتمام ما فاته ما لم يستدبر القبلة.

السند‌ :

في الأوّل : فيه معاوية بن حكيم ، وقد وثقه النجاشي(٢) . وفي الخلاصة نقلاً عن الكشي : أنّه فطحي(٣) . والموجود في اختيار الشيخ للكشي ذلك نقلاً عن محمد بن مسعود(٤) . وقد يقال : إنّ محمد بن مسعود‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٦٧ / ١٣٩٩ : عن ابن زرارة.

(٢) رجال النجاشي : ٤١٢ / ١٠٩٨.

(٣) الخلاصة : ١٦٧ / ٣.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٣٥ / ٦٣٩.

١٤٠