إستقصاء الإعتبار الجزء ٦

إستقصاء الإعتبار13%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-178-8
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45109 / تحميل: 6504
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٨-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فتدرع المدرعة على بدنه، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس، فأقبل يعبدالله عزّوجلّ مع الاحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه، فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى، فأوحى الله عزّوجلّ إليه: يا يحيى، أتبكي مما قد نحل من جسمك! وعزتي وجلالي لو اطلعت على النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج(١) ، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، وبدا للناظرين أضراسه، فبلغ ذلك أمه، فدخلت عليه، وأقبل زكريا واجتمع الاحبار والرهبان، فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال: ما شعرت بذلك.

فقال زكريا: يا بني، ما يدعوك إلى هذا؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني. قال: أنت أمرتني بذلك يا أبه، قال: ومتى ذلك يا بني؟ قال: ألست القائل: إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاءون من خشية الله؟ قال: بلى، فجد واجتهد وشأنك غير شأني.

فقام يحيى، فنفض مدرعته، فأخذته أمه، فقالت: أتأذن لي - يا بني - أن أتخذ لك قطعتي لبود(٢) تواريان أضراسك، وتنشفان دموعك؟ فقال لها: شأنك. فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه، وتنشفان دموعه، فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه، فحسر عن ذراعيه، ثم اخذهما فعصرهما، فتحدرت الدموع من بين أصابعه، فنظر زكريا إلى ابنه وإلى دموع عينيه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن هذا ابني، وهذه دموع عينيه، وأنت أرحم الراحمين.

وكان زكريا عليه السلام إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا، فإن رأى يحيى عليه السلام لم يذكر جنة ولا نارا، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل، وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة، فجلس في غمار الناس(٣) ، والتفت زكريا يمينا وشمالا فلم

______________

(١) في نسخة: المسوح.

(٢) اللبود: جمع لبد، وهو كل شعر أو صوف متلبد، سمي به للصوق بعضه ببعض.

(٣) غمار الناس: جمعهم المزدحم المتكاثف.

٨١

ير يحيى، فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى: أن في جهنم جبلا يقال له السكران، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان، يغضب لغضب الرحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام، في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، فرفع يحيى عليه السلام رأسه فقال: واغفلتاه من السكران، ثم أقبل هائما على وجهه، فقام زكريا عليه السلام من مجلسه فدخل على ام يحيى، فقال لها: يا ام يحيى، قومي فاطلبي يحيى، فإني قد تخوفت أن لا نراه إلا وقد ذاق الموت.

فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل، فقالوا لها: يا ام يحيى، أين تريدين؟ قالت: أريد أن أطلب ولدي يحيى، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فمضت ام يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم، فقالت له: يا راعي، هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا؟ فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا؟ قالت: نعم، ذاك ولدي، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فقال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا، ناقعا قدميه في الماء رافعا بصره إلى السماء، يقول: وعزتك مولاي، لا ذقت بارد الشراب حتى أنظر إلى منزلتي منك.

وأقبلت أمه، فلما رأته ام يحيى دنت منه، فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها، وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل، فانطلق معها حتى أتى المنزل، فقالت له ام يحيى: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف، فإنه ألين؟ ففعل، وطبخ له عدس، فأكل واستوفى ونام، فذهب به النوم فلم يقم لصلاته، فنودي في منامه: يا يحيى بن زكريا، أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري! فاستيقظ فقام فقال: يا رب اقلني عثرتي، إلهي فو عزتك لا استظل بظل سوى بيت المقدس. وقال لامه: ناوليني مدرعة الشعر، فقد علمت أنكما ستورداني المهالك. فتقدمت امه فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به فقال لها زكريا: يا ام يحيى، دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه، ولن ينتفع بالعيش.

فقام يحيى فلبس مدرعته، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس،

٨٢

فجعل يعبدالله عزّوجلّ مع الاحبار، حتى كان من أمره ما كان(١) .

٤٩/٤ - حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه الله، قال: حدّثنا عمي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعيد بن جبير، عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: معاشر الناس، من أحسن من الله قيلا، وأصدق من الله حديثا؟ معاشر الناس، إن ربكم جل جلاله أمرني أن اقيم لكم عليا علما وإماما وخليفة ووصيا، وأن أتخذه أخا ووزيرا.

معاشر الناس، إن عليا باب الهدى بعدي، والداعي إلى ربي، وهو صالح المؤمنين( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٢) .

معاشر الناس إن عليا مني، ولده ولدي، وهو زوج حبيبتي، أمره أمري، ونهيه نهيي.

معاشر الناس، عليكم بطاعته واجتناب معصيته، فإن طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي.

معاشر الناس، إن عليا صديق هذه الامة وفاروقها ومحدثها، إنه هارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها، إنه باب حطتها، وسفينة نجاتها، وإنه طالوتها وذو قرنيها.

معاشر الناس، إنه محنة الورى، والحجة العظمى، والآية الكبرى، وإمام أهل الدنيا، والعروة الوثقى.

معاشر الناس، إن عليا مع الحق، والحق معه، وعلى لسانه.

معاشر الناس، إن عليا قسيم النار، لا يدخل النار ولي له، ولا ينجو منها عدو له، إنه قسيم الجنة، لا يدخلها عدو له، ولا يزحزح عنها ولي له.

معاشر أصحابي، قد نصحت لكم، وبلغتكم رسالة ربي، ولكن لا تحبون الناصحين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم(٣) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين

______________

(١) تنبيه الخواطر ٢: ١٥٨، بحار الانوار ١٤: ١٦٥/٤.

(٢) فصلت ٤١: ٣٣.

(٣) بشارة المصطفى: ١٥٣، بحار الانوار ٣٨: ٩٣/٧.

٨٣

[ ٩ ]

المجلس التاسع

وهو يوم الجمعة

السابع عشر من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٥٠/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى، قال: حدّثنا محمّد بن سهل، قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد البلوي، قال: حدثني إبراهيم بن عبيد الله، عن أبيه، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: سادة الناس في الدنيا الاسخياء، وفي الآخرة الاتقياء(١) .

٥١/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عزّوجلّ عليه: الاجلال له في عينه، والود له في صدره، والمواساة له في ماله، وأن يحرم غيبته، وأن

______________

(١) صحيفة الامام الرضا عليه السلام: ٢٦١/١٩٩، تحف العقول: ٢١٢، روضة الواعظين: ٣٨٤، بحار الانوار ٧١: ٣٥٠/١.

٨٤

يعوده في مرضه، وأن يشيع جنازته، وأن لا يقول فيه بعد موته إلا خيرا(١) .

٥٢/٣ - حدّثنا الحسين(٢) بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن سنان، قال: حدّثنا أبوالجارود زياد بن المنذر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولاية عليّ بن أبي طالب ولاية الله، وحبه عبادة الله، واتباعه فريضة الله، وأوليائه أولياء الله، وأعداؤه أعداء الله، وحربه حرب الله، وسلمه سلم الله عزّوجلّ(٣) .

٥٣/٤ - حدّثنا عليّ بن أحمد الدقاق رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفي، عن عبيد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الحسني، عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: حدثني أبي، عن أبيه، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن عليّ ابن أبي طالب عليهم السلام، قال: مر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام برجل يتكلم بفضول الكلام، فوقف عليه، ثم قال: إنك تملي على حافظيك كتابا إلى ربك، فتكلم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك(٤) .

٥٤/٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوقي، عن شعيب، عن أبي بصير، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يحدث عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوما لاصحابه: أيكم يصوم الدهر؟ فقال سلمان (رحمة الله عليه): أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فأيكم يحيي الليل؟ فقال سلمان: أنا يا رسول الله. قال: فأيكم يختم القرآن في كل يوم؟ فقال سلمان: أنا

______________

(١) الخصال: ٣٥١/٢٧، من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٨٤٦، بحار الانوار ٧٤: ٢٢٢/٣.

(٢) في نسخة: الحسن.

(٣) بحار الانوار ٤٠: ٤/٥.

(٤) بحار الانوار ٧١: ٢٧٦/٤.

٨٥

يا رسول الله. فغضب بعض أصحابه، فقال: يا رسول الله، إن سلمان رجل من الفرس، يريد أن يفتخر علينا معاشر قريش، قلت: أيكم يصوم الدهر؟ فقال: أنا، وهو أكثر أيامه يأكل. وقلت: أيكم يحيي الليل؟ فقال: أنا، وهو أكثر ليله نائم. وقلت: أيكم يختم القرآن في كل يوم؟ فقال: أنا، وهو أكثر نهاره صامت.

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: مه يا فلان، أنى لك بمثل لقمان الحكيم، سله فإنه ينبئك. فقال الرجل لسلمان: يا أبا عبدالله، أليس زعمت أنك تصوم الدهر؟ فقال: نعم. فقال: رأيتك في أكثر نهارك تأكل! فقال: ليس حيث تذهب، إني أصوم الثلاثة في الشهر، وقال الله عزّوجلّ:( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (١) وأصل شعبان بشهر رمضان، فذلك صوم الدهر، فقال: أليس زعمت أنك تحيي الليل؟ فقال: نعم. فقال: أنت أكثر ليلك نائم! فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: من بات على طهر فكأنما أحيا الليل كله، فأنا أبيت على طهر. فقال: أليس زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم؟ قال: نعم، قال: فأنت أكثر أيامك صامت! فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن، مثلك في أمتي مثل سورة التوحيد( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) (٢) فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثا فقد ختم القرآن، فمن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الايمان، والذي بعثني بالحق يا علي، لو أحبك أهل الارض كمحبة أهل السماء لك لما عذب أحد بالنار، وأنا أقرأ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) في كل يوم ثلاثا مرات. فقام وكأنه قد ألقم حجرا(٣) .

______________

(١) الانعام ٦: ١٦٠.

(٢) الاخلاص ١١٢: ١.

(٣) فضائل الاشهر الثلاثة: ٤٩/٢٥، معاني الاخبار: ٢٣٤/١، بحار الانوار ٢٢: ٣١٧/٢، و ٧٦: ١٨١/١.

٨٦

٥٥/٦ - حدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبدالله بن المغيرة الكوفي، قال: حدّثنا جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة، من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عزّوجلّ أصلح الله له فيما بينه وبين الناس(١) .

٥٦/٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن محمّد ابن عيسى، عن منصور، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: ليس يتبع الرجل بعد موته من الاجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنها، فهي يعمل بها بعد موته، وولد صالح يستغفر له(٢) .

٥٧/٨ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن سلمة الاهوازي، عن إبراهيم بن محمّد، قال: حدّثنا أبوالحسين عليّ بن المعلى الاسدي، قال أنبئت عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنه قال: إن لله بقاعا تسمى المنتقمة، فإذا أعطى الله عبدا مالا لم يخرج حق الله عزّوجلّ منه، سلط الله عليه بقعة من تلك البقاع، فأتلف ذلك المال فيها، ثم مات وتركها(٣) .

٥٨/٩ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، وسعد بن عبدالله، عن عمران بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن

______________

(١) الخصال: ١٢٩/١٣٣، ثواب الاعمال: ١٨١، بحار الانوار ٧١: ١٨١/٣٦.

(٢) تحف العقول: ٣٦٣، بحار الانوار ١٠٤: ٩٩/٨٠.

(٣) معاني الاخبار: ٢٣٥/١، من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٩٩/٩٠٤، بحار الانوار ٩٦: ١١/١٤.

٨٧

النعمان، عن محمّد بن فضيل، عن غزوان الضبي، قال: أخبرني عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: أنا حجة الله، وأنا خليفة الله، وأنا صراط الله، وأنا باب الله، وأنا خازن علم الله، وأنا المؤتمن على سر الله، وأنا إمام البرية بعد خير الخليقة محمّد نبي الرحمة صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

٥٩/١٠ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدّثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، قال: حدثني سليمان بن مقبل المديني، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في مسجد قبا وعنده نفر من أصحابه، فلما بصر بي تهلل وجهه وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه تبرق، ثم قال: إلي يا علي، إلي يا علي، فما زال يدنيني حتى ألصق فخذي بفخذه، ثم أقبل على أصحابه، فقال: معاشر أصحابي، أقبلت إليكم الرحمة بإقبال علي أخي إليكم.

معاشر أصحابي، إن عليا مني وأنا من علي، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي ووصيي، وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، من أطاعه أطاعني، ومن وافقه وافقني، ومن خالفه خالفني(٢) .

٦٠/١١ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، قال: حدّثنا أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويدخل

______________

(١) بحار الانوار ٣٩: ٣٣٥/١.

(٢) بحار الانوار ٤٠: ٤/٦.

٨٨

جنة عدن منزلي، ويمسك قضيبا غرسه ربي عزّوجلّ، ثم قال له: كن فيكون(١) ، فليتول عليّ بن أبي طالب، وليأتم بالاوصياء من ولده، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، إلى الله أشكو أعداءهم من امتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وايم الله ليقتلن بعدي ابني الحسين، لا أنالهم الله شفاعتي(٢) .

و صلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة فكان.

(٢) بحار الانوار ٤٤: ٢٥٧/٦.

٨٩

[ ١٠ ]

المجلس العاشر

وهو يوم الثلاثاء

لعشر بقين من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٦١/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن سيف التمار، عن أبي بصير، قال: قال الصادق أبوعبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام: إن العبد لفي فسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة، فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عزّوجلّ إلى ملكيه: إني قد عمرت عبدي عمرا، فغلظا وشددا وتحفظا، واكتبا عليه قليل عمله وكثيره، وصغيره وكبيره(١) .

٦٢/٢ - وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّوجلّ:( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ) (٢) فقال: توبيخ لابن ثماني عشرة سنة(٣) .

٦٣/٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا

______________

(١) الكافي ٨: ١٠٨/٨٤، الخصال: ٥٤٥/٢٤، بحار الانوار ٧٣: ٣٨٨/٥.

(٢) فاطر ٣٥: ٣٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١: ١١٨/٥٦١.

٩٠

محمّد بن الحسن الصفار، عن سلمة بن الخطاب، عن عليّ بن الحسن، عن أحمد بن محمّد المؤدب، عن عاصم بن حميد، عن خالد القلانسي، قال: قال الصادق جعفر ابن محمّد عليهما السلام: يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع إليه كتابه، ظاهره مما يلي الناس، لا يرى إلا مساوئ، فيطول ذلك عليه، فيقول: يا رب، أتأمر بي إلى النار! فيقول الجبار جل جلاله: يا شيخ، إني أستحيي أن أعذبك وقد كنت تصلي في دار الدنيا، اذهبوا بعبدي إلى الجنة(١) .

٦٤/٤ - حدّثنا محمّد بن علي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن أبي القاسم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمر العدني بمكة، عن أبي العباس بن حمزة، عن أحمد بن سوار، عن عبيد(٢) الله بن عاصم، عن سلمة، بن وردان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم، تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تبارك وتعالى بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات، وما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم، إلا ناداه ربه عزّوجلّ: جلست إلى حبيبي، وعزتي وجلالي لاسكننك الجنة معه ولا ابالي(٣) .

٦٥/٥ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني المكتب، قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفي، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى الحبال الطبري، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الخشاب، قال: حدّثنا محمّد بن محصن، عن يونس بن ظبيان، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إن الناس يعبدون الله عزّوجلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفا(٤) من النار فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني أعبده حبا له عزّوجلّ فتلك

______________

(١) الخصال: ٥٤٦/٢٦، بحار الانوار ٨٢: ٢٠٤/٤.

(٢) في نسخة: عبد.

(٣) بحار الانوار ١: ١٩٨/١.

(٤) في نسخة: فرقا.

٩١

عبادة الكرام، وهو الامن، لقوله عزّوجلّ:( وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) (١) ، ولقوله عزّوجلّ:( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (٢) فمن أحب الله أحبه الله، ومن أحبه الله عزّوجلّ كان من الآمنين(٣) .

٦٦/٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن ابي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبدالله بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: حسب المؤمن من الله نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله عزّوجلّ(٤) .

٦٧/٧ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم المؤدب، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد بن بشار، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن درست بن أبي منصور الواسطي، عن عبد الحميد بن أبي العلاء، عن ثابت بن دينار، عن سعد بن طريف الخفاف، عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أنا خليفة رسول الله ووزيره ووارثه، أنا أخو رسول الله ووصيه وحبيبه، أنا صفي رسول الله وصاحبه، أنا ابن عم رسول الله وزوج ابنته وأبو ولده، أنا سيد الوصيين ووصي سيد النبيين، أنا الحجة العظمى والآية الكبرى والمثل الاعلى وباب النبي المصطفى، أنا العروة الوثقى، وكلمة التقوى، وأمين الله تعالى ذكره على أهل الدنيا(٥) .

٦٨/٨ - حدّثنا أحمد بن هارون رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن جعفر بن جامع، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن هارون بن الجهم، عن

______________

(١) النمل ٢٧: ٨٩.

(٢) آل عمران ٣: ٣١.

(٣) الخصال: ١٨٨/٢٥٩، علل الشرائع: ١٢/٨، بحار الانوار ٧٠: ١٧/٩، و: ٢٠٤/١٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٨٤٧، الخصال: ٢٧/٩٦، بحار الانوار ٧١: ٤١٤/٣٣، ويأتي في المجلس (٥٨) الحديث (١٣).

(٥) بحار الانوار ٣٩: ٣٣٥/٢.

٩٢

الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة(١) .

٦٩/٩ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن العباس بن معروف، عن محمّد بن يحيى الخزاز، عن طلحة بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أتاني جبريل من قبل ربي جل جلاله، فقال: يا محمّد، إن الله عزّوجلّ يقرئك السلام ويقول: بشر أخاك عليا بأني لا اعذب من تولاه، ولا أرحم من عاداه(٢) .

٧٠/١٠ - حدّثنا محمّد بن أحمد الاسدي البردعي، قال: حدثتنا رقية بنت إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيها، عن آبائه عليهم السلام: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت(٣) .

٧١/١١ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثني أحمد(٤) بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبدالله، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، قال: حدّثنا عبدالله بن صالح بن أبي سلمة النصيبيني، قال: حدّثنا أبوعوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة، قالت: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال: هذا سيد العرب، فقلت: يا رسول الله، ألست سيد العرب؟ قال: أنا

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٢٥٣/٣٢.

(٢) بحار الانوار ٣٩: ٢٩٧/١٠٠.

(٣) الخصال: ٢٥٣/١٢٥، تحف العقول: ٥٦، بحار الانوار ٧: ٢٥٨/١.

(٤) زاد في النسخ: بن محمّد، والصواب ما أثبتناه، انظر: معجم رجال الحديث ٢: ٣٦٣، الجامع في الرجال: ١٩٦، وللسند نظائر في مصنفات الشيخ الصدوق، منها: الخصال: ٣٦١/٥١، و ٣٦٢/٥٢، و ٤٠٧/٦، و ٤٧٨/٤٦، التوحيد: ١٧٨/١١، و ١٩٤/٨، و ٢٧٧/٣.

٩٣

سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، فقلت: وما السيد؟ قال: من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي(١) .

٧٢/١٢ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقاق، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين القاضي العلوي العباسي، قال: حدثني الحسن بن عليّ الناصر (قدس الله روحه)، قال: حدثني أحمد بن رشيد(٢) ، عن عمه أبي معمر سعيد بن خثيم، عن أخيه معمر، قال: كنت جالسا عند الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، فجاء زيد بن عليّ بن الحسين عليه السلام فأخذ بعضادتي الباب، فقال له الصادق عليه السلام: يا عم، أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة. فقالت له أم زيد: والله ما يحملك على هذا القول غير الحسد لابني. فقال عليه السلام: يا ليته حسد، يا ليته حسد، ثلاثا. ثم قال: حدثني أبي، عن جدي عليهما السلام: أنه يخرج من ولده رجل يقال له زيد، يقتل بالكوفة، ويصلب بالكناسة، يخرج من قبره نبشا، تفتح لروحه أبواب السماء، يبتهج به أهل السماوات، تجعل روحه في حوصلة طير أخضر يسرح في الجنة حيث يشاء(٣) .

٧٣/١٣ - حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، قال: حدّثنا الاشعث بن محمّد الضبي، قال: حدثني شعيب بن عمر، عن أبيه، عن جابر الجعفي، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام وعنده زيد أخوه عليه السلام، فدخل عليه معروف بن خربوذ المكي، فقال أبوجعفر عليه السلام: يا معروف، أنشدني من طرائف ما عندك، فأنشده:

لعمرك ما إن أبومالك

بوان ولا بضعيف قواه

ولا بألد(٤) لدى قوله

يعادي الحكيم إذا ما نهاه

______________

(١) معاني الاخبار: ١٠٣/١، ٢، بحار الانوار ٣٨: ٩٣/٨.

(٢) في نسخة: رشد.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥٠/٤، بحار الانوار ٤٦: ١٦٨/١٢.

(٤) الالد: الخصيم المعاند الذي لا يميل إلى الحق.

٩٤

ولكنه سيد بارع

كريم الطبائع حلو نثاه(١)

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه

قال: فوضع محمّد بن عليّ عليهما السلام يده على كتفي زيد وقال: هذه صفتك يا أبا الحسين(٢) .

وصلّى الله على ومحمّد وآله

______________

(١) النثا: ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيئ.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥١/٥، بحار الانوار ٤٦: ١٦٨/١٤.

٩٥

[ ١١ ]

المجلس الحادي عشر

وهو يوم الجمعة

لست بقين من شعبان سنة سبع وستين وثلاثمائة

٧٤/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الناس في آخر جمعة من شعبان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله، ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزيد الله فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عزّوجلّ عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى.

فقيل له: يا رسول الله، ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائما. فقال: إن الله تبارك

٩٦

وتعالى كريم، يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر إلا على مذقة(١) من لبن يفطر بها صائما، أو شربه من ماء عذب، أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه، وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره إجابة والعتق من النار، ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، أما اللتان ترضون الله بهما: فشهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله حوائجكم والجنة، وتسألون الله فيه العافية وتتعوذون به من النار(٢) .

٧٥/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن إسحاق بن محمّد، عن حمزة بن محمّد، قال: كتبت إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام: لم فرض الله عزّوجلّ الصوم؟ فورد في الجواب: ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير(٣) .

٧٦/٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: أخبرنا أحمد بن صالح بن سعد التميمي، قال: حدّثنا موسى ابن داود، قال: حدّثنا الوليد بن هشام، قال: حدّثنا هشام بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي، قال: دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم باكيا، فسلم فرد عليه السلام، ثم قال: ما يبكيك يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله، إن بالباب شابا طري الجسد، نقي اللون، حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك.

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أدخل علي الشاب يا معاذ. فأدخله عليه، فسلم فرد

______________

(١) المذقة: الطائفة من اللبن الممزوج بالماء.

(٢) فضائل الاشهر الثلاثة: ٧١/٥١، من لا يحضره الفقيه ٢: ٥٨/٢٥٤، الخصال: ٢٥٩/١٣٥، ثواب الاعمال: ٦٦، التهذيب ٣: ٥٧/١٩٨، و ٤: ١٥٢/٤٢٣، بحار الانوار ٩٦: ٣٥٩/٢٦.

(٣) الكافي ٤: ١٨١/٦، من لا يحضره الفقيه ٢: ٤٣/١٩٤، بحار الانوار ٩٦: ٣٦٩/٥٠.

٩٧

عليه السلام، ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟ قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذني الله عزّوجلّ ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلا سيأخذني بها، ولا يغفر لي أبداً.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هل أشركت بالله شيئا؟ قال: أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا. قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟ قال: لا، فقال: النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي، قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الارضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق. قال: فإنها أعظم من الارضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات السبع ونجومها ومثل العرش والكرسي. قال: فإنها أعظم من ذلك.

قال: فنظر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليه كهيئة الغضبان ثم قال: ويحك يا شاب، ذنوبك أعظم أم ربك. فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان ربي! ما شئ أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم! قال الشاب: لا والله، يا رسول الله، ثم سكت الشاب.

فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك. قال: بلى، أخبرك أني كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الاموات وأنزع الاكفان، فماتت جارية من بعض بنات الانصار، فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليها الليل، أتيت قبرها فنبشتها، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها، وتركتها متجردة على شفير قبرها، ومضيت منصرفا، فأتاني الشيطان، فأقبل يزينها لي ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب، ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني

٩٨

أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار، فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا، فما ترى لي يا رسول الله؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار، فما أقربك من النار! ثم لم يزل صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول ويشير إليه، حتى أمعن من بين يديه، فذهب فأتى المدينة، فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها، ولبس مسحا(١) ، وغل يديه جميعا إلى عنقه، ونادى: يا رب، هذا عبدك بهلول، بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزل مني ما تعلم. يا سيدي يا رب، إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائبا، فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي، سيدي ولا تبطل دعائي، ولا تقنطني من رحمتك.

فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي، فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي، فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم:( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ) يعني الزنا( أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان( ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ ) يقول عزّوجلّ: أتاك عبدي يا محمّد تائبا فطردته، فأين يذهب، وإلى من يقصد، ومن يسأل أن يغفر له ذنبا غيري؟ ثم قال عزّوجلّ:( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان( أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ

______________

(١) المسح: كساء من شعر.

٩٩

تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (١) .

فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، خرج هو يتلوها ويتبسم، فقال لاصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب؟ فقال معاذ: يا رسول الله، بلغنا أنه في موضع كذا وكذا.

فمضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه إلى عنقه، وقد اسود وجهه، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء وهو يقول: سيدي، قد أحسنت خلقي، وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي، أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي، وأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري، إلى الجنة تزفني، أم إلى النار تسوقني؟ اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والارض، ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر لي خطيئتي، أم تفضحني بها يوم القيامة؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع، وصفت فوقه الطير، وهم يبكون لبكائه، فدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأطلق يديه من عنقه، ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول، أبشر فإنك عتيق الله من النار. ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم لاصحابه: هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول، ثم تلا عليه ما أنزل الله عزّوجلّ فيه وبشره بالجنة(٢) .

٧٧/٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال حدّثنا أحمد بن صالح، عن حكيم بن عبد الرحمن، قال: حدثني مقاتل بن سليمان، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا علي، أنت مني بمنزلة هبة الله من آدم، وبمنزلة سام من نوح، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم،

______________

(١) آل عمران ٣: ١٣٥، ١٣٦.

(٢) بحار الانوار ٦: ٢٣/٢٦.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

سابقاً(١) عن التهذيب في حكم الثنائية والاكتفاء بالظن فيها ، كما ظنّه شيخناقدس‌سره (٢) . وستأتي الأخبار الدالة على الظن ، لكن في تناولها للفجر والمغرب تأمّل يأتي بيانه في ذكرها.

وأمّا ما ذكره الشيخ من أنّ الأخبار السابقة تدل على المغرب فهو صحيح.

والكلام في الثالث كغيره.

أمّا الرابع والخامس : فما ذكره الشيخ فيهما من الدلالة على أنّ السهو وقع في التسليم دون أعداد الصلاة ؛ فيه دلالة على ما قدّمناه من أنّ السهو المنفي في المغرب راجع إلى الأعداد في الركعات ، وقد تقدم منه في الأخبار الواردة في صلاة الغداة المنافية لما مضى منها : أنّ الشك الذي يوجب الإعادة إنّما هو إذا لم يدرِ كَم صلّى ، أمّا من ظن فلا(٣) ، وهنا كلامه يقتضي أنّ السهو إذا وقع في التسليم لا يضر بحال الصلاة بخلاف ما إذا وقع في الأعداد.

( وظاهر قوله هنا وهناك نوع مغايرة ؛ لأنّ السابق يقتضي أنّ من لم يدرِ كَم صلّى في المغرب يعيد ، والحال )(٤) أنّ مع الشك في المغرب الأقل متيقن في بعض الأوقات ؛ ومقتضى قوله هنا أنّ السهو في الأعداد يوجب الإعادة مطلقا ، سواء تحقق الأقل أم لا.

ولا يبعد التسديد بوجه يتفق به مآل المعنى على تقدير عدم الخلاف‌

__________________

(١) في ص ١٨٤٤.

(٢) المدارك ٤ : ٢٦٢.

(٣) راجع ص ١٨٥٠.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

١٦١

في البين ، لكن ابن بابويه قد سمعت قوله(١) ، وسيأتي من الأخبار ما يقال : إنّه دليله ؛ فعلى تقدير العمل بالخبر الآتي لا يتم إطلاق الشيخ أنّ الشك في المغرب مطلقاً يقتضي الإعادة.

أمّا ما عساه يقال : من أنّ الخبر الأوّل من الخبرين يفيد أنّ الكلام فيما يتعلق بالصلاة من المأموم ، وقبول قوله في الشك مذكور ، أمّا في صلاة ركعتين فقط فالقبول يحتاج إلى دليل.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الخبر يفيد ذلك ؛ واحتمال حصول العلم من قول أصحابه غير كافٍ في الجزم باعتباره ، إذ عدم استفهامهعليه‌السلام من السائل لحصول العلم كافٍ. لكن الخبر قد علمت حال سنده ، فالمشقة ( في الكلام فيه غير مفيدة لولا كونه مؤيّداً لما يأتي إن شاء الله تعالى.

والثاني من الخبرين إنّما تضمن ذكر )(٢) قضية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إجمالاً ، فلا صراحة فيه بقبول قول المأمومين على الإطلاق ، والاعتماد على ما سبق من الأخبار(٣) الدالة على سؤالهعليه‌السلام للقوم يتوقف على الصحة في السابق ، ولعلّ فيما يأتي كفاية.

قوله :

والذي يكشف عما ذكرناه : ما رواه سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن علي بن النعمان الرازي قال : كنت مع أصحاب لي في سفر وأنا‌

__________________

(١) في ص ١٤٣.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) راجع ج ١ : ٢٠٣.

١٦٢

إمامهم ، فصلّيت بهم المغرب فسلّمت في الركعتين الأوّلتين ، فقال أصحابي : إنّما صلّيت بنا ركعتين ، فكلّمتهم وكلّموني ، فقالوا : أمّا نحن فنعيد ، فقلتُ : ولكني لا أُعيد وأُتمّ بركعة ، فأتممت بركعة ، ثم سرنا فأتينا(١) أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فذكرتُ له الذي كان من أمرنا ، فقال لي : « أنت كنت أصوب منهم فعلاً ، إنّما يعيد من لا يدري كم صلّى ».

فبيّنعليه‌السلام في هذا الخبر أنّ من لا يدري ما صلّى يجب عليه الإعادة دون من تيقّن ، مع أنّ في الحديثين ما يمنع من التعلق بهما وهو حديث ذي الشمالين وسهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك ممّا تمنع منه الأدلّة القاطعة في أنّه لا يجوز عليه السهو والغلط.

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد والحكم بن مسكين ، عن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : رجل شك في المغرب فلم يدر ركعتين صلّى أو ثلاثاً؟ قال : « يسلّم ثم يقوم فيضيف إليها ركعة » ثم قال : « هذا والله ممّا لا يقضى(٢) أبداً ».

وما رواه أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن محمد بن أبي عمير عن حماد(٣) الناب ، عن عمّار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال : « يتشهد وينصرف ، ثم يقوم فيصلّي ركعة ؛ فإن كان صلّى ثلاثاً كانت هذه تطوعاً ، وإن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة ، وهذا‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٧١ / ١٤١١ والتهذيب ٢ : ١٨١ / ٧٢٦ والفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠١١ : فأتيتُ.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٢ زيادة : لي.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٣ زيادة : ذي.

١٦٣

والله مما لا يقضى(١) أبداً ».

فالوجه في هذين الخبرين أن لا تعارض بهما الأخبار الأوّلة ، لأنّ الأصل فيهما واحد وهو عمّار الساباطي ، وهو ضعيف فاسد المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته ، وقد اجتمعت الطائفة على ترك العمل بهذا الخبر ؛ ويجوز أن يكون الوجه فيهما من سها في نافلة المغرب جاز له أن يبني على ما تضمنه الخبر ويتم ما بقي ؛ ويحتمل أيضاً أن يكون محمولاً على من يغلب على ظنه ذلك ، وإن لم يكن متحققاً جاز له أن يبني على الأكثر ، ويكون ما تضمن من إضافة الركعة إليه على وجه الاستحباب.

السند‌ :

في الأوّل : فيه علي بن النعمان الرازي ، وهو غير موجود فيما وقفت عليه من الرجال بهذا الوصف ، وفي الفقيه : وروى عن النعمان الرازي إلى آخر المتن(٢) فالظاهر أنّه الصواب ، والنعمان الرازي مذكور مهملاً في كتاب الشيخ من رجال الصادقعليه‌السلام (٣) ؛ ولا يخفى أنّ إيداع الخبر في الفقيه ظاهر المزية كما كررنا القول فيه(٤) .

والثاني : فيه الحكم بن مسكين ، وهو مذكور في الرجال مهملاً(٥) .

__________________

(١) يوجد في الاستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٣ زيادة : لي.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠١١ ، والموجود فيه : وروى علي بن النعمان الرازي.

(٣) رجال الطوسي : ٣٢٥ / ٢٤.

(٤) راجع ص ٤٨.

(٥) رجال النجاشي : ١٣٦ / ٣٥٠.

١٦٤

والثالث : فيه مع معاوية بن حكيم السابق عن قريب(١) عمار كالثاني ، وقد ذكر الشيخ كما ترى أنه ضعيف ؛ والنجاشي قال : إنّه ثقة في الرواية(٢) ، ولم يذكر الفطحية فيه ؛ والشيخ في الفهرست قال : إنّه فطحي من غير توثيق(٣) . وقد قدّمنا القول في مثل هذا الواقع من النجاشي والشيخ(٤) . أمّا ما قاله الشيخ في الفهرست : من أنّ له كتاباً معتمداً(٥) ؛ فلا ينافي قوله هنا : إنّه ضعيف ، إلاّ إذا كان الخبر من كتابه وذلك غير معلوم ، فليتأمّل. وما عساه يتوجه على الشيخ ستسمعه(٦) في المتن إن شاء الله تعالى.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على أنّ من سلّم في الركعتين الأوّلتين من المغرب لا يعيدها ؛ وما تضمنه من عدم ذكر سجود السهو للتسليم والكلام ، يمكن(٧) توجيهه بأنّ السؤال من حيث البطلان ، والسجود أمر آخر.

نعم ربما يقال : إنّ تكليمه لهم بعد أن كلّموه يدل على أنّ الكلام وقع عمداً ، لأنّ الإتمام يقتضي قبول قولهم ، ومعه يشكل الحال.

ويجاب : بأنّ تكليمه لم يكن بعد كلامهم له على وجه يعتمد عليه الإمام في صريح الرواية ، إذ يجوز أن يكون الأصحاب غير معتمدي القول‌

__________________

(١) في ص : ١٨٥٠.

(٢) رجال النجاشي : ٢٩٠ / ٧٧٩.

(٣) الفهرست : ١١٧ / ٥١٥ ، ولكن وثقه في التهذيب ٧ : ١٠١ / ٤٣٥.

(٤) في ص ٧٩.

(٥) الفهرست : ١١٧ / ٥١٥.

(٦) في ص ١٨٧٠.

(٧) أثبتناه من « رض ».

١٦٥

في أوّل الأمر. ولا يخفى إشكال الجواب بقوله : فقلت : ولكني [ لا أُعيد(١) ]. فإنّه متأخّر عن كلامهم المفيد لوقوع التسليم في غير محله ، مضافاً إلى أنّ اعتبار(٢) العدالة في المصلّين غير معلوم. ويحتمل أن يكون قوله : ولكني لا أُعيد. من قبيل المستثنى في الصلاة ، وفيه ما فيه.

وبالجملة : لم أجد تحقيق الحال في الرواية لأحد الآن ، والشيخ كما ترى أجمل الكلام ، وذكرت في حواشي التهذيب ما لا بدّ منه مفصلاً. والاتكال على ضعف الرواية يشكل برواية الصدوق لها.

وما تضمنه من قوله : « إنّما يعيد » إلى آخره. الظاهر أنّ المراد من لم يدرِ كم صلّى على الوجه المذكور فيها وهو تحقق الركعتين ، لا أنّه متناول لمن يشك في المغرب ولم يتحقق الأوّلتين ، وفي الظاهر دلالته غير بعيدة.

وما تضمنه من حديث ذي الشمالين لا يخلو من إجمال ، لكن الشيخ في زيادات التهذيب روى قصة ذي الشمالين بطريق صحيح عن سعيد الأعرج(٣) ، فيتأيّد بالأخبار المذكورة الحكم.

وأمّا قول الشيخ من جهة السهو فللكلام فيه مجال ، وقد تابع(٤) الصدوق في إنكار نفي السهو عن الإمام بما لا مزيد عليه(٥) ، والعجب من عدم تعرّض الشيخ في الخبر السابق في الباب الذي قبل هذا لردّ الخبر وقد تضمن قصّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) في النسخ : أُعيد ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) في « رض » و « فض » : حصول.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٥ / ١٤٣٣.

(٤) في « رض » : بالغ.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٤.

١٦٦

و أمّا الثاني : فقد ذكره العلاّمة في المختلف حجة لابن بابويه ، وأجاب بالطعن في السند(١) . وغير خفي أنّ دلالته على المنقول من قوله غير واضحة إلاّ بتكلف أظن تركه أولى.

أمّا حمل الشيخ على النوافل للمغرب فحاله في البُعد أظهر من أن يخفى ، والحمل على غلبة الظن محتمل في الجملة. أمّا ردّ الحديث بالضعف فهو منافٍ لما مضى منهرحمه‌الله من أنّه لا يردّ الخبر بالضعف في السند إلاّ إذا انتفى إمكان حمله.

وينبغي أن يعلم أنّ ما تقدم من بعض الأخبار الدالة على الأخذ بالجزم وما رواه الصدوق في الفقيه عن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال له : « أجمع لك السهو في كلمتين ، متى شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتم ما ظننت أنّك نقصت »(٢) ربما يدل على قول ابن بابويه إذا لوحظ تفصيله ، لكن التكلف لا محيد عنه.

وما تضمنه الخبر ان من قوله : « لا يقضى أبداً » مجمل المرام ؛ إذ يحتمل أن يراد إخفاء الحكم فيه عن غير أهله ، فيراد بالقضاء الحكم ؛ ويحتمل القضاء الإعادة ؛ ويحتمل أن يراد أنّ هذا لا يحكم به غيرهمعليهم‌السلام ؛ وهم أعلم بالحقائق صلوات الله عليهم.

بقي شيئان ، الأوّل : أنّه يحتمل أن يكون الإعادة في خبر النعمان على سبيل الاحتياط لعدم ثبوت غير الشك من المأموم ، وعلى هذا فكلامه لا يضر بالحال بعد كلامهم ؛ والتعبير في الحديث بأنّه « أصوب منهم فعلاً » ربما يدل على أنهم لو أتمّوا جاز ، وإشكاله بعد الكلام عمداً واضح ؛ إلاّ أن‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣٨٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل ب ٨ ح ١.

١٦٧

يقال : إنّ كلامهم لفائدة لا بدّ منها. وفيه إمكان الإشارة ؛ إلاّ أن يقال : إنّ المراد بالكلام ذلك. وفيه بُعد. ويحتمل أن يكون تقصيرهم بسبب الكلام ، وفيه أيضاً ما لا يخفى. وبالجملة فتمام تحقيق الرواية يطلب من حواشي التهذيب ، والمهم هنا ما ذكرناه.

الثاني : تقدم في خبر زرارة(١) المنقول من الفقيه أنّ : « من شك في الأولتين أعاد ، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم ». وغير خفي أنّ المغرب خارجة عنه من حيث ذكر الأخيرتين ؛ والدخول في الأوّلتين من المغرب ربما يستبعد ، ويجاب : بأنّ سياق الحديث يدل على أنّ العشر ركعات يعتبر فيها اليقين ، والسبعة يعتبر فيها الوهم ، فيحتمل أن يغلب الأخيرتان على أخيرة المغرب. والحقّ أنّ الدخول محل تأمّل ، فلا تظن دلالتها على حكم الأخيرة إلاّ بالتكلّف الذي ذكرناه ، فينبغي عدم الغفلة عن ذلك.

قوله :

باب من شك في اثنتين وأربعة‌

الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتان هي أم أربع ، قال : « يسلّم ثم يقوم ، فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب وينصرف ، وليس عليه شي‌ء ».

محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ،

__________________

(١) في ص ١٨٣٤ ، وهو في الفقيه ١ : ١٢٨ / ٦٠٥.

١٦٨

عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً ، قال : « يتشهد ويسلّم ، ثم يقوم فيصلّي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلّم ؛ فإن صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة ، وإن صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة ؛ وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو ».

عنه ، عن علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين ، قال : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شي‌ء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أم في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها(١) أُخرى ولا شي‌ء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكن ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمد قال : سألته عن الرجل لا يدري ( ركعتين صلّى )(٢) أو أربعاً ، قال : « يعيد الصلاة ».

فلا ينافي الأخبار الأوّلة لأنّ الوجه فيه أن نحمله على صلاة لا يجوز فيها الشك مثل الغداة والمغرب على ما قدّمناه.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٦ زيادة : ركعة.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٧ : صلى ركعتين.

١٦٩

السند‌ :

في الأوّل : واضح الصحة.

والثاني : فيه محمد بن عيسى عن يونس ( وقد مضى القول فيه مفصّلاً(١) )(٢) ، وأمّا ابن مسكان فلا يبعد ادعاء كونه عبد الله ، إلاّ أنّ باب الاحتمال واسع والأمر سهل.

والثالث : حسن.

والرابع : صحيح ، ومحمد فيه هو ابن مسلم ، كما أنّ العلاء ابن رزين ، والإضمار غير قادح كما بيناه مراراً(٣) .

المتن :

في الأوّل والثالث : استدل به بعض القائلين بأنّ الشك في الصورة المذكورة لا يفيد البطلان(٤) ، والقول محكي في المختلف بما ذكر عن الشيخين وعلي بن بابويه وابن أبي عقيل والسيد المرتضى وأبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس ، ونقل عن أبي جعفر بن بابويه في المقنع القول بإعادة الصلاة ، ثم قال ـ يعني أبا جعفر ـ : وروى أنّه يسلّم ثم يقوم فيصلّي ركعتين(٥) .

إذا عرفت هذا فالخبر الأوّل صريح في البناء على الأربع ثم صلاة‌

__________________

(١) راجع ص ٥٣.

(٢) ما بين القوسين زيادة في « م ».

(٣) راجع ص ٥١.

(٤) المختلف ٢ : ٣٨٧ و ٣٨٨.

(٥) المختلف ٢ : ٣٨٧.

١٧٠

ركعتين قائماً بفاتحة الكتاب ، وقولهعليه‌السلام : « ليس عليه شي‌ء » لعل المراد به سجود السهو ، واحتمال ما يعم الإثم أو يخصه ممكن كاحتمال نفي الإعادة.

والثاني : كالأوّل إلاّ أنّ فيه سجود السهو للكلام(١) ، ولا يخلو من إجمال ؛ إذ الكلام محتمل لأن يكون في الصلاة أو بين فعل الاحتياط والصلاة ، وقد يقرّب الثاني قربه ويبعّده عدم تحقق الجزئية من الصلاة ، واحتمال الكلام في الاحتياط مشكل لنفي السهو في السهو كما قيل(٢) .

وقد يحتمل أن يراد بقوله : « فإن صلّى أربعا » إن علم أنّه صلّى أربعاً ، وحينئذ يكون قوله : « وإن صلّى ركعتين » ( مراداً به أنّه )(٣) علم ، فلو فرض وقوع الكلام بين الاحتياط والصلاة أو فيه أو فيها سجد للسهو ، فليتأمّل.

وقد روى الصدوق في الفقيه صحيحاً عن الحلبي مدلول الخبر الثاني من دون ذكر سجود السهو(٤) (٥) ، وظاهره العمل به ، فكأنّه رجوع عمّا في المقنع(٦) .

وأمّا الثالث : فالشيخ كما ترى ظن اتحاد دلالته على مدلول الأوّلين كالعلاّمة ( في المختلف والمنتهى(٧) )(٨) .

وربّما يقال : إنّه يدل على البناء على الأقل المتيقن والإتمام ،

__________________

(١) في « رض » زيادة : فيه.

(٢) اللمعة ( الروضة البهية ١ ) : ٣٤٠.

(٣) بدل ما بين القوسين في « م » : مراد به إن ، وفي « فض » : مراد انه إن ، والأولى ما أثبتناه من « رض ».

(٤) ليس في « م ».

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٥.

(٦) المقنع : ٣١.

(٧) المختلف ٢ : ٣٨٨ ، المنتهى ١ : ٤١٦.

(٨) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

١٧١

والركعتان المأمور بفعلهما بلفظ الخبر تمام الصلاة.

إلاّ أن يقال : إنّ تعين الفاتحة في الأخيرتين كما هو الظاهر يدل على أنّهما ركعتا الاحتياط.

وفيه : أنّ الأمر بفاتحة الكتاب في الأخيرتين موجود في كثير من الأخبار مع ثبوت التسبيح ، وبالجملة فلا أقلّ من الاحتمال ، ومعه لا يتم الاستدلال.

ولا يخفى دلالته على عدم وجوب التسليم إمّا في الصلاة أو في الاحتياط ، إلاّ أن يقال : إنّ التشهد اسم للمجموع حتى التسليم ، وفيه ما فيه.

وأمّا الرابع : فقد نقل العلاّمة احتجاج ابن بابويه به ، وأجاب بما ذكره الشيخ ، وزاد إمكان حمله على الشك في حال القيام ، كأنّه يقول : لا أدري قيامي لثانية أو رابعة(١) ، ولا يخفى أنّه لو قال : قبل إكمال السجود ، كان أولى.

وينبغي أن يعلم أنّ في الخبر الثالث على الاحتمال(٢) دلالة على ما ينقل عن السيد المرتضى من البناء على اليقين في الشك في الجملة(٣) .

وما تضمنه من قوله : « ولا ينقض اليقين بالشك » قد يقال : إنّه صريح في نفي احتمال إرادة الاحتياط من الركعتين والركعة ، فلا وجه للاحتمال.

ويمكن الجواب : بأنّه يحتمل أن يراد لا يبطل اليقين الأوّل بالشك فيبطل الصلاة ، وحينئذ لا ينافي البناء على الأكثر.

وفيه : أنّ المتبادر من عدم نقض اليقين عدم رفعه بالبناء على الأكثر ؛

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣٨٨.

(٢) في « فض » : الإجمال.

(٣) حكاه عنه في المدارك ٤ : ٢٥٦ ، وهو في المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١.

١٧٢

( إذ البناء على الأكثر )(١) يستلزم عدم الالتفات إلى اليقين ، والإبطال لليقين بمعنى إبطال الصلاة لا وجه له ، فإنّ إبطال اليقين يتحقق من دون إبطال الصلاة كما هو واضح ، ومن هنا يعلم أنّ الاحتمال الذي ذكرناه في الخبر يكاد أن يتعين.

وما عساه يقال : إنّ عدم نقض اليقين بالشك محتمل لأن يراد به عدم تغيير اليقين عن كونه يقيناً بالشك ، فاليقين في الأوّلتين حاصل ، فلا يتوهم أنّ عدم اليقين في الأوّلتين إذا حصل لزم البطلان ، لما مضى(٢) في خبر زرارة الدال على اليقين في الأولتين ، وحينئذ فمفاد الخبر البناء على الجزم أو على الأكثر والاحتياط ، ثم بيان فائدة ، وهي أنّ اليقين في الأولتين ( لا يضرّه الشك يمكن توجيهه ، إلاّ أنّ الظاهر بعده عن السياق.

وما قد يقال : إنّ اليقين في الأوّلتين )(٣) إن أُريد به يقين فعل الركعتين فقط فلا ريب أنّ الشك في الأربع يرفعه ، وإنْ أُريد يقين الأوّلتين في الجملة بمعنى الأعم من كونهما وحدهما أو مع ضميمة الأخيرتين فالشك قد نقض اليقين بالانفراد عن الأخيرتين.

يجاب عنه : بأنّ هذا لا يضر بحال يقين الأوّلتين ، إذ هو حاصل في الجملة ، وذلك كاف في الصحة.

نعم ما تضمنه الخبر من قوله : « ولا يدخل الشك في اليقين » لا يخلو من إجمال ؛ إذ يحتمل أن يراد أنّ لليقين حكماً وللشك حكماً فلا يدخل أحدهما في الآخر ، وهذا لا يخفى أنّه لا يطابق حكم الرواية من البناء على‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) راجع ص ١٨٣٤.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

١٧٣

الجزم أو على الأربع ، إلاّ أن يقال : أنّه حكم آخر لا دخل له بالأوّل.

ويحتمل أن يراد أنّ الشك في الأخيرتين لا تعمل به كما تعمل بيقين الأوّلتين فتبني على الأربع لتكون أدخلت حكم الشك في حكم اليقين ، وهذا كما ترى يطابق أول الرواية ، ويؤيد احتمال إرادة البناء على الجزم في جميع صور الشك أو في هاتين المسألتين أو في الأخيرة.

وقولهعليه‌السلام : « ولا يخلط أحدهما بالآخر » معناه كمعنى لا يدخل الشك في اليقين ، وربما يقال ـ بتقدير القول بالبناء على الأكثر ـ : إنّ الخبر لا ينافي ذلك ؛ لأنّ عدم الإدخال والخلط يتحقق بأنّ حكم الشك فعل الاحتياط دون اليقين فالتميّز بينهما حاصل.

أمّا قوله : « ولكن ينقض الشك باليقين » فواضح ، غير أنّ الظن أيضاً ينقض الشك في المقام ، فلعلّ المراد باليقين عدم الشك أعم من اليقين ، إلاّ أنّه يشكل بأنّ اليقين لو أُريد به هذا المعنى كان في جميع ما ذكر ويشكل في الأوّلتين ، ويمكن أن يقال : إنّ مفاد الرواية اليقين ، والظن مستفاد من غيرها.

ولا يخفى أنّ قوله : « ويتم على اليقين. ولا يعتد بالشك » ربّما يعطي عدم جواز البناء على الشك ، والحال أنّ الأخبار ناطقة بخلافه ، ويمكن توجيه قوله : « ويتم على اليقين » بأنّ المراد عدم نقض الشك له(١) ، أمّا عدم الاعتداد بالشك فمشكل ، إلاّ أن يقال : إنّ المقصود عدم الاعتداد بالشك من دون الاحتياط ، أو عدم الاعتداد به مطلقاً بل في بعض الصور الواردة في الأخبار ؛ والأمر كذلك فإنّ بعض صور الشك لا يعمل فيها بأحكامه ، هذا ما يخطر في البال في كشف غامض الحديث فينبغي تأمّله‌

__________________

(١) ليس في « م ».

١٧٤

لأنّي لم أجد من(١) ذكر ذلك من الأصحاب ، غير أنّ بعض محقّقي المتأخّرينرحمه‌الله قال بعد ذكر الخبر إجمالاً : إنّهعليه‌السلام أراد باليقين أصل العدم الذي كان يقيناً وأنّ حكمه باق ولا يدفعه الشك(٢) ، ولا يخفى عليك الحال فيما يتوجه من المقال.

بقي شي‌ء ، وهو أنّ الذي سمعته من كلام المختلف يقتضي أنّ الصدوق قائل بالإعادة في الصورة المذكورة وأنّ التسليم والاحتياط رواية(٣) . وفي شرح الإرشاد لجدّيقدس‌سره ما يفيد أنّ الصدوق قائل بالتخيير(٤) . ويمكن أن يكون استفادة ذلك من حيث إنّ ذكر الرواية مع عدم ردّها يشعر باختياره العمل بها فيفيد قوله التخيير ، ويحتمل أن يكون ذكر الرواية في الفقيه مع اعتماده على ما ينقله فيه يدل على التخيير إذا انضم إلى كلامه في المقنع ، وفيه ما فيه.

وبالجملة : يمكن القول بالتخيير لتعارض الأخبار إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.

وفي التهذيب روى الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ثم سلّم(٥) واسجد سجدتين وأنت جالس ثم تسلم بعدهما »(٦) .

__________________

(١) ليس في « م ».

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٨٤.

(٣) في ص ١٨٧٢.

(٤) روض الجنان : ٣٥١ ، وفيه : وذهب الصدوق إلى بطلان الصلاة هنا.

(٥) في التهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٨ زيادة : واركع ركعتين ثمَّ سلّم.

(٦) التهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٨ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل ب ١١ ح ٨.

١٧٥

وهذه الرواية ضعيفة السند إلاّ أنّ فيها تأييداً لما دلّ على البناء على الأقل ؛ إذ الظاهر من الركعتين المأمور بهما تمام الصلاة.

وما تضمنه من سجود السهو(١) لعلّه على الاستحباب ، ( واستبعاد الاستحباب فيه ربما يدفعه تصريح الشيخ به في الكتاب ، إلاّ أنّ الاعتماد على كلام الشيخ مشكل )(٢) ، وربما كان قرينة على عدم تعين البناء على الأقل ، وينقل عن الشيخ أنه حمل الرواية المذكورة على من تكلم في الصلاة بالنسبة إلى سجدتي السهو(٣) .

قوله :

باب من شك فلم يدر صلّى ركعة أو ثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد ، عن حريز ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إن(٤) شككت فلم تدر في ثلاث(٥) ( أنت أم في اثنتين )(٦) أو(٧) في واحدة أو أربع فأعد الصلاة ولا تمض على الشك ».

عنه ، عن عباد بن سليمان ، عن سعد بن سعد ، عن صفوان ،

__________________

(١) في « فض » : السجود.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٨٢.

(٤) في « رض » : إذا.

(٥) في الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٨ : أفي ثلاث.

(٦) في « م » : كنتَ أم ثنتين.

(٧) في الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٨ : أم.

١٧٦

عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : « إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل لا يدري كم صلّى واحدة أم ثنتين أم ثلاثاً؟ قال : « يبني على الجزم ( ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهداً خفيفاً ».

فلا ينافي الخبرين الأوّلين ؛ لأنّه قال : يبني على الجزم )(١) والذي يقتضيه الجزم استئناف الصلاة على ما بيناه ، والأمر بسجدتي السهو يكون محمولاً على الاستحباب ( لا لجبران )(٢) الصلاة.

فأمّا ما رواه ( محمد بن أحمد بن يحيى )(٣) ، عن معاوية بن حكيم ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن علي بن أبي حمزة ، عن رجل صالح(٤) ، قال : سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً تلتبس عليه صلاته ، قال : « كلّ ذا قال : قلت : نعم ، قال : « فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم فإنّه يوشك أن يذهب عنه ».

فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين ، أحدهما : أن نحمله على النافلة وليس في الخبر أنّه شك في صلاة فريضة ، والوجه الثاني : أن‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) في « م » و « رض » : لجبران ، وفي « فض » : بجبران ، والصواب ما أثبتناه من الإستبصار ١ : ٣٧٤ / ١٤٢١.

(٣) بدل ما بين القوسين في « رض » : أحمد بن محمد ابن يحيى ، وفي « م » : أحمد ابن يحيى.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٧٤ / ١٤٢١ زيادة :عليه‌السلام .

١٧٧

يكون المراد من يكثر سهوه ولا يمكنه التحفّظ جاز له أن يمضي في صلاته ، لأنّه إذا وجب عليه الإعادة وهو من شأنه السهو فلا ينفك من الصلاة على حال ، فأمّا من كان شكه أحياناً فإنّه يجب عليه الإعادة حسب ما قدمناه.

والذي يدل على ذلك :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة وأبي بصير قالا : قلنا له : الرجل يشك كثيراً في صلاته حتى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي(١) عليه ، قال : « يعيد » قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك ، قال : « يمضي في شكه » ثم قال : « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض (٢) الصلاة فتطمعوه (٣) فإنّه إذا فعل ذلك (٤) مرّات لم يعد إليه الشك » قال زرارة : وقال : « إنّما يريد أن يطاع فإذا عُصي لم يعد إلى أحدكم ».

السند‌ :

في الأوّل : فيه علي بن إسماعيل ولم أتحقق كونه الممدوح الذي ذكر النجاشي : أنّه من وجوه من روى الحديث وهو ابن [ التمّار(٥) ] ـ

__________________

(١) في « رض » : يبقى.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٢ : بنقض.

(٣) في الاستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٢ زيادة : فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة.

(٤) في الاستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٢ زيادة : ثلاث.

(٥) رجال النجاشي : ٢٥١ / ٦٦١ ، وفيه : كان من وجوه المتكلمين من أصحابنا ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : عمّار ، والظاهر ما أثبتناه.

١٧٨

بتقدير دلالة لفظ الوجه على المدح ، أو غيره من المجهولين ، وقد وصف شيخنا(١) ( المحقق ميرزا محمد أيّده الله رواية الصدوق )(٢) عن إسحاق ابن عمار بالصحة إليه مع أنّ في الطريق علي بن إسماعيل. وفي مدارك شيخناقدس‌سره وصف هذه الرواية بالصحة(٣) قائلاً : ما رواه الشيخ ، والرواية في التهذيب كما هنا(٤) ، فلا أدري الوجه في الصحة.

والثاني : ضمير « عنه » فيه يحتمل عوده إلى محمد بن يحيى العطار ، لأنّ الشيخ في الفهرست(٥) قال : إنّ الراوي عنه الصفار. ويحتمل أنّ العود لمحمد بن أحمد بن يحيى ، لأنّ النجاشي ذكر أنّ الراوي عنه محمد بن خالد البرقي(٦) .

فإن قلت : أيّ فرق بين قول الشيخ في الفهرست وقول النجاشي؟.

قلت : لأن محمد بن خالد البرقي لحق الجوادعليه‌السلام والصفار لم يذكر إلاّ في أصحاب العسكريعليه‌السلام في كتاب الشيخ(٧) ، فروايته عمن يروي عنه محمد بن خالد الذي هو آخر من لقي الجوادعليه‌السلام لا وجه لها إلاّ بتقدير تعمير عبّاد إلى زمن العسكريعليه‌السلام ولم ينقل ما يقتضي ذلك ، وقد ذكر الشيخ عبّاداً في رجال من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام (٨) .

__________________

(١) منهج المقال : ٤٠٨.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » :قدس‌سره رواية.

(٣) المدارك ٤ : ٢٥٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٧ / ٧٤٣.

(٥) لم نعثر عليه في الفهرست ، ولكن ذكره في الرجال : ٤٨٤ / ٤٣.

(٦) رجال النجاشي : ٢٩٣ / ٧٩٢.

(٧) رجال الطوسي : ٤٣٦ / ١٦.

(٨) رجال الطوسي : ٤٨٤ / ٤٣.

١٧٩

فإن قلت : محمد بن أحمد بن يحيى(١) من رجال أيّ إمام؟

قلت : لم أجد ذلك في الرجال إلاّ في رجال من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام من كتاب الشيخ(٢) ؛ لكن الراوي عنه سعد ومحمد بن يحيى العطار ، فيكون في مرتبة ( من(٣) يروي )(٤) عن العسكريعليه‌السلام وما ضاهاها.

واحتمال أن يقال : كيف يروي عن عبّاد الراوي عنه محمد بن خالد الذي هو من رجال الجوادعليه‌السلام ؟. يمكن تكلّف الجواب عنه ، إلاّ أنّ عباداً مهمل في الرجال(٥) ، فالحال يغني عن مشقة القول ، وإنّما ذكرنا ما ذكرناه للتنبيه على ما وقع في الفهرست والنجاشي.

وأمّا سعد بن سعد فهو الأشعري ولا ريب في ثقته ، وإنّما قلنا وهو الأشعري مع أنّ في الرجال غيره لأنّ الشيخ في الفهرست ذكره مكرّراً في أحدهما سعد الأحوص وفي الأُخرى سعد بن سعد الأشعري له كتاب(٦) ، وفي رجال الرضاعليه‌السلام من كتابه سعد الأحوص ثقة(٧) ، وكذلك في النجاشي(٨) : الموثق الأحوص ، وفيه زيادة : ابن سعد الأشعري ، وقد نبّهنا فيما سبق على أنّ الشيخ يذكر الرجل الواحد مكرراً بمجرد الاختلاف في‌

__________________

(١) في « فض » : محمد بن يحيى.

(٢) رجال الطوسي : ٤٩٣ / ١٢.

(٣) في « رض » زيادة : لم.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٥) رجال الطوسي : ٣٨٤ / ٥٤.

(٦) الفهرست : ٧٦ / ٣٠٧ ، ٣٠٩.

(٧) رجال الطوسي : ٣٧٨ / ٤.

(٨) رجال النجاشي : ١٧٩ / ٤٧٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430