إستقصاء الإعتبار الجزء ٧

إستقصاء الإعتبار4%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: مكتبة القرآن الكريم
ISBN: 964-319-179-6
الصفحات: 463

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 463 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61285 / تحميل: 6323
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٩-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ولا يذهب عليك أنّه يتوجه على العلاّمةأولاً : أنّ عموم الأمر إنْ أراد به الآية فهي ظاهرة فيمن يسمع النداء ، وإنْ أُريد به الأخبار الدالة على الجمعة ففيه أنّها لا تخرج عن الإطلاق ، وما دلّ على السقوط مقيّد ، والآية بتقدير احتمال شمولها كذلك.

فإن قلت : إنّ الأخبار مع تعارضها لا تقيّد المطلق الدال على الوجوب.

قلت : التعارض إنّما يتم فيه ما ذكرت بتقدير المساواة ، ورواية زرارة في الفقيه صحيحة ، والروايتان هنا إحداهما حسنة والأُخرى ضعيفة ، واحتمال الوهم الذي ذكره في غاية البُعد ، سيّما بعد ما قلناه.

ولعلّ الأولى أن يقال : إنّ رواية زرارة في الفقيه محمولة على ما زاد ؛ إذ الاتفاق على رأس الفرسخ نادر ، هذا على تقدير التكافؤ.

وثانياً : أنّ ما ذكره في الجواب عن حجة ابن بابويه من المشقّة يتوجه عليه في استدلاله لما زاد بالمشقّة ؛ وأصالة براءة الذمّة يشكل بما ذكره من إطلاق الأوامر ، إلاّ أن يقال بخروج ما زاد بالإجماع ، وفيه : أنّه خروج عن الاستدلال مع وجود القول الآتي لابن أبي عقيل.

وأمّا الثالث : فقد نقل العلاّمة عن ابن أبي عقيل القول بمضمونه والاستدلال به ، وأجاب عن ذلك بالحمل على الاستحباب(١) . وربما يشكل الحمل على الاستحباب بأنّ ما دلّ على السقوط فيما زاد لا يخرج عن الإطلاق ، والخبر المبحوث عنه مقيد على تقدير تكافؤ الخبرين ، مضافاً إلى ما ذكره من عموم الأمر. ويمكن الجواب بأنّ احتمال الاستحباب أقرب إلى‌

__________________

(١) انظر المختلف ٢ : ٢٤٣.

٦١

الجمع ، فليتأمّل.

أمّا ما تضمنه الخبر من قوله : « وذلك سنّة » كأنّ المراد [ به أنّ ](١) الجمع بين الصلاتين سنّة ، وإن كان في الأصل فعلهعليه‌السلام ( لما ذكر )(٢) ، واحتمال إرادة وجوب الحضور على النحو المذكور مع ما معه من الجمع بعيد.

قوله :

باب من لم يدرك الخطبتين

علي بن إبراهيم ( عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد [ بن عثمان ](٣) ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة ، فقال : « يصلّي ركعتين ، فإن فاتته الصلاة ولم يدركها فليصلّ أربعاً » وقال : « إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع ».

الحسين بن سعيد ، عن القاسم ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير وأبي العباس الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا أدرك الرجل ركعةً فقد أدرك الجمعة ، وإن فاتته فليصلّ أربعاً ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « الجمعة لا تكون إلاّ لمن أدرك الخطبتين ».

__________________

(١) ما بين المعقوفين في « م » : به ، وفي « رض » و « فض » : أن به ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين القوسين في « فض » : لما ذكر من هنا ، وفي « رض » : لما زاد.

(٣) ما بين المعقوفين ليس في النسخ ، أثبتناه من الكافي ٣ : ٤٢٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ / ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦٢٢.

٦٢

فالوجه في هذا الخبر أنّه لا تكون فاضلة كاملة إلاّ لمن أدرك الخطبتين ، ولم يرد بذلك نفي الإجزاء حسب ما فصّله في الخبرين الأوّلين ، ويزيد ذلك بياناً :

ما رواه أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أُخرى واجهر فيها ، فإن أدركته وهو يتشهد فصلّ أربعاً ».

السند :

في الأوّل : حسن.

والثاني ) (١) : فيه القاسم ، وهو ابن محمّد الجوهري الواقفي المكرر ذكره(٢) .

والثالث : صحيح ، لأنّ ابن سنان عبد الله على ما قدّمنا فيه القول(٣) .

والرابع : فيه عبد الرحمن العرزمي ، وهو مذكور بالاسم والوصف في الفهرست مهملاً(٤) ، والنجاشي ذكر عبد الرحمن بن محمّد الرزمي ووثّقه(٥) ، واحتمال المغايرة يدفعه أنّ النجاشي قال : الفزاري ، والشيخ في رجال الصادقعليه‌السلام من كتابه قال : عبد الرحمن بن محمّد الفزاري‌

__________________

(١) من عبارة : عن أبيه ، في ص ٦١ إلى هنا ساقط عن « م ».

(٢) راجع ج ١ ص ١٧٣ ، ٢٧٠ ، ج ٢ ص ١١٦ ، ١٩٩ ، ج ٣ ص ١٠٧ ، ٢٥٦.

(٣) راجع ج ٢ ص ٣٣٤.

(٤) الفهرست : ١٠٨ / ٤٦١.

(٥) رجال النجاشي : ٢٣٧ / ٦٢٨.

٦٣

العرزمي(١) . أمّا ما ذكره جدّيقدس‌سره في فوائد الخلاصة من أنّ النجاشي لم يذكر الرزمي(٢) فهو اعتماد منه على كتاب ابن طاوس ، نقلاً عن النجاشي ، وكأنّه ترك اللفظ ، أو هو في نسخة ، والموجود الآن من نسخ النجاشي ما ذكرناه.

أمّا علي بن الحكم فقد كرّرنا القول(٣) في أنّه الثقة بتقدير الاشتراك ، لرواية أحمد بن محمّد عنه في الفهرست(٤) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ من لم يدرك الخطبة يصلّي ركعتين ، والمراد صلاتهما بالشرائط. وما تضمنه من أنّ الفوات يوجب الصلاة أربعاً في حيّز الإجمال ، وتفصيله بقوله : « إذا أدركت » إلى آخره. لكن يبقى فيه نوع خفاء من وجهين :

أحدهما : أنّه سيأتي(٥) في باب الجماعة أخبار دالة على أنّ من لم يدرك تكبير الركوع لا يدرك الركعة ، وهو يتناول الجمعة ، فعدم التفات الشيخ إلى ذلك لا وجه له ، إلاّ احتمال اعتماده على ما سيجي‌ء ، وفيه ما فيه ، لكن الحكم عند بعض الأصحاب الكراهة(٦) ، بمعنى أنّ الأولى عدم الدخول بعد التكبيرة. ويشكل في الجمعة بأنّ وجوبها لا يوافقه أولوية عدم‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٣٢ / ١٤٢.

(٢) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ١٩.

(٣) راجع ج ٢ ص ١٤ ، ٣٤٠ ، ج ٣ ص ١٠٨ ، ٢٧٢.

(٤) الفهرست : ٨٧ / ٣٦٦.

(٥) في ص ١٨٨.

(٦) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٦٥.

٦٤

الدخول ، ولعلّ احتمال تخصيص تلك الأخبار بغير الجمعة أقرب للاعتبار.

وثانيهما : أنّ قوله : « فهي الظهر أربع » محتمل لأمرين ،أحدهما : أن يصلّي الظهر مع الإمام جماعة ويتمها أربعاً ، إمّا بالاكتفاء بالركعة الداخل فيها بعد الركوع فيتم الثلاث بعد ، أو بعدم الاكتفاء بها فيتمها أربعاً ، لكن يحتمل الاستئناف وعدمه على الخلاف الواقع في ذلك ، ويحتمل عدم شمول الخلاف للجمعة إذا دخل في الظهر معها على هذا الوجه.

وثانيهما : أن يصلّي الظهر بالانفراد ولا يدخل مع الإمام ، وربما يظن أنّ هذا هو الظاهر ( من سياق الخبر ، وفيه : أنّ الظاهر )(١) من قوله : « فهي الظهر » أنّ الصلاة الواقعة بإدراكه بعد ما ركع ، إلاّ أن يقال : إنّ الضمير في « هي » يعود إلى الواجبة ، والإدراك أعم من الدخول ، فيجوز أن يراد به هنا مشاهدته وقد ركع ، وفيه : أنّه إذا كان أعم فيتناول الدخول ويتم المطلوب.

والحقّ أنّ الإجمال يقتضي عدم الصلاحية للاستدلال ، ومن هنا لا يحتاج إلى تفريع أنّ الدخول بعد الركوع إذا اقتضى كونها ظهراً هل هو بمجرد ذلك ، أو بالعدول على تقدير علمه بعد الدخول مع الإمام بعد الركوع.

وأمّا الثاني : فقد يظن أنّه مناف للأوّل ؛ لتضمنه أنّ إدراك الركعة يقتضي إدراك الجمعة ، والحال أنّ في معتبر الأخبار(٢) ما يدل على إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعاً.

وقد يجاب بأنّ إدراك ركعة الجمعة غير إدراك ركعة غيرها ، لتصريح الخبر الأوّل به ، وحينئذٍ ما ذكره بعض الأصحاب : من أنّ المسألة مبنية على أنّ إدراك الجماعة بماذا يكون(٣) ؛ محل تأمّل ، كما أوضحناه في معاهد‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

(٢) انظر التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤.

(٣) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٦٤.

٦٥

التنبيه ، وعلى هذا فالجمعة مختصة بمدلول الخبر الأوّل ، والثاني مجمل ، والأول فصّله.

وقوله : « فليصلّ أربعاً » قد يدل على ترجيح بعض الاحتمالات السابقة ، وفيه ما فيه.

وأمّا الثالث : فما ذكره الشيخ فيه من الحمل على الكمال لا ريب فيه.

والرابع : كما ترى يدل بمفهوم الشرط فيه أعني قوله : « فإن أدركته » إلى آخره على أنّ عدم إدراك الإمام وهو يتشهد لا يقتضي الصلاة أربعاً ، فينافي ما تقدم ، لكن الجواب عنه غير خفي من حيث إنّ المفهوم إذا عارضه المنطوق ينتفي عمله ، والفائدة في ذكر الشرط لا ينحصر في النفي عما عداه ، وربما دلّ قوله : « فصلّ أربعاً » على الانفراد ، وفيه ما قدمناه(١) .

وما تضمنه الخبر من الأمر بالجهر ظاهر في تعيّنه ، بناءً على أنّ الأمر للوجوب ، والمعارض له في الجمعة لا أعلمه ، إلاّ خبر علي بن جعفر الصحيح السابق عن أخيهعليه‌السلام ، المتضمن للسؤال عن الرجل يصلّي الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة ، هل يجوز عليه أن لا يجهر؟ فأجابعليه‌السلام : « إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل »(٢) وقد تقدّم فيه القول مفصلاً(٣) . والأخبار الواردة بالجهر في الجمعة غير هذا موجودة ، وتقدم بعضها(٤) .

بقي شي‌ء ، وهو أنّ تعريف الإمام في الخبر الأخير قد يظن منه الدلالة على إمام الأصل ، والحق أنّه محل تأمّل ، وقد مضى مثله.

__________________

(١) في ص ٦٤.

(٢) انظر ص : ١٥٥٠.

(٣) في ص : ١٥٥٣.

(٤) في ص ٣١ ٣٢.

٦٦

قوله :

أبواب الجماعة وأحكامها‌

باب الصلاة خلف المجذوم والأبرص

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن عدّة من أصحابنا ، عن محمّد ابن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين ابن سعيد ، عن فضالة ، عن الحسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال ، المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي ».

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد ابن إسماعيل بن بزيع ، عن ظريف بن ناصح ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الله بن يزيد قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المجذوم والأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال : « نعم » قلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال : « نعم ، وهل كتب البلاء إلاّ على المؤمن ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على حال الضرورة التي لا يوجد فيها من يصلح للإمامة إلاّ من هذه صفته ، ويجوز أن يكون المعنى فيه الجواز وإن كان(١) الفضل في القسم الأوّل.

السند :

في الأوّل : فيه العدّة التي يروي عنها الحسين بن عبيد الله ، وقد تقدم‌

__________________

(١) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٧.

٦٧

في باب ترتيب الوضوء تفصيلها من الشيخ(١) ، وفيها من هو ثقة ، وذكرنا سابقاً(٢) احتمال اطرادها.

وأمّا العدّة التي يروي عنها محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد ، فقد تقدّم تفصيلها أيضاً بما حاصله أنّ التي يروي عنها محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، فيهم الثقة ، على ما حكاه العلاّمة في الخلاصة(٣) . والظاهر من أحمد بن محمّد هنا هو ابن عيسى ، واحتمال أحمد بن محمّد بن خالد مدفوع بممارسة كتب الرجال ، وعلى تقديره ففي العدّة من هو ثقة.

وأمّا ابن عثمان وابن مسكان فقد مضى(٤) من القول فيهما ما يغني عن البيان كأبي بصير.

والثاني : ليس فيه ارتياب ، إلاّ من جهة عبد الله بن يزيد ، فهو مشترك بين مهملين في رجال الصادقعليه‌السلام من كتاب الشيخ(٥) . أمّا ثعلبة بن ميمون فقدّمنا أنّ في الرجال غير الكشي ما يقتضي مدحه(٦) ، وفي الكشيّ ما يقتضي توثيقه(٧) ، إمّا منه أو من محمّد بن عيسى بن عبيد.

المتن :

في الأول : ظاهر الدلالة على أنّ من ذكر فيه لا يؤمّون على كل‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٤٣٧.

(٢) راجع ج ٦ ص ٢٧.

(٣) الخلاصة : ٢٧١.

(٤) راجع ج ١ ص ١٦٢ ، ١٧٦ ، ١٩٦ ، ج ٢ ص ٢٣.

(٥) رجال الطوسي : ٢٢٦ / ٦١ ، ٦٢.

(٦) راجع ج ١ ص ٣٧٩ ، ج ٤ ص ١٦٧ ، ٢٩١.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٧١١ / ٧٧٦.

٦٨

حال ، وتناول « كلّ حال » للضرورة بحيث يوجد غيرهم أو لم يوجد ظاهر ، فيندفع به ما ذكره الشيخ في الثاني ، مضافاً إلى أنّ المجنون لا يؤمّ في جميع الأحوال ، واحتمال أنّ يقال : إنّ المجنون غير المطبق لا مانع من إمامته في حال الإفاقة ، على تقدير عدم وجود غيره ، فيتم توجيه الشيخ. يمكن دفعه بأنّ احتمال طروء الجنون في الأثناء لا مانع من كونه موجباً للمنع على الإطلاق.

أمّا الأعرابي فإطلاق المنع من إمامته على كل حال ، قيل : إنّ الشيخ وجماعة قائلون به على وجه التحريم(١) ، وبعض الأصحاب قيّد إمامته بالمهاجر كراهة(٢) ، وبعض قال بالكراهة على الإطلاق(٣) ، والمحقق في المعتبر قال : الذي نختاره أنّه إن كان ممن لا يعرف محاسن الإسلام ولا وصفها فالأمر كما ذكروه ، وإن كان وصل إليه ما يكفيه اعتماده ويدين به ولم يكن ممن تلزمه المهاجرة وجوباً جاز أن يؤمّ ؛ لقولهعليه‌السلام : « يؤمّكم أقرؤكم »(٤) . وقول الصادقعليه‌السلام : « لا يتقدم أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه »(٥) انتهى(٦) .

ولا يخفى أنّ مقتضى كلامه كون النهي على حقيقته ؛ لعدم اتصاف الأعرابي بالشروط المعتبرة. ويشكل بأنّ الخبر إن عمل به دلّ على اعتبار‌

__________________

(١) انظر المدارك ٤ : ٣٧٠.

(٢) كالعلاّمة في الإرشاد ١ : ٢٧٢ ، والتبصرة : ٣٩.

(٣) كما في الجامع للشرائع : ٩٧.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٥ / ٨٨٠ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ الصلاة ب ٥٦ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٦) المعتبر ٢ : ٤٤٣.

٦٩

وصف الأعرابي كما دلّ على وصف غيره من المذكورين معه ، ولو اعتبر عدم حصول الشروط لزم القول بإمامة من ذكر إذا حصلت الشروط ، وظاهر النص خلافه ، سيّما بعد ذكر المجنون ، ولو لم يعمل بالخبر فالأمر واضح.

والعجب من تفصيل المحقق واستدلاله ، أمّا الأوّل : فلأنّ المحاسن إن أراد بها شروط الجماعة فالذي ينبغي ذكر الشرائط إجمالاً لا الإتيان بما ذكر ، وإن أراد غير الشروط فالمناسب هو الكراهة. وقوله : الأمر ما ذكروه ، مجمل ؛ إذ المذكور الكراهة والتحريم ، ثم إنّ القسم الثاني في كلامه يقتضي إرادة التحريم.

وأمّا الثاني : فهو خاص كما لا يخفى.

وقد نقل العلاّمة في المختلف أقوال الأصحاب ، فعن الشيخ في الخلاف أنّه قال : سبعة لا يؤمّون الناس على كل حال ، وعدّ منها : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي بالمهاجرين. قال العلاّمة : ولم يذكر كراهةً ولا تحريماً.

وعن المبسوط : لا يجوز أن يؤمّ ولد الزنا والأعرابي المهاجرين ، ثم قال يعني الشيخ بعد تجويز إمامة الأعمى : ولا يؤمّ الأبرص ، ولا المجنون ، ولا المجذوم.

ونقل عن الصدوق أنّه قال : لا بأس أن يؤمّ الأعرابي المهاجرين(١) ، وعن أبي الصلاح عدم انعقاد الجماعة بغير السليم من الجنون والجذام والبرص ، ثم نقل عنه المنع من إمامة الأعرابي بالمهاجرين ، لا لغيرهم(٢) .

واختار العلاّمة الكراهة في الجميع ؛ لقولهعليه‌السلام : « يؤمّكم أقرؤكم » ‌

__________________

(١) في المصدر : وقال الصدوق :. ولا يؤم الأعرابي المهاجرين.

(٢) نقله العلاّمة عن ابن البراج لا عن أبي الصلاح.

٧٠

وللرواية الثانية المذكورة هنا ، ثم نقل الاحتجاج برواية أبي بصير ، واصفاً لها بالصحة ، وأجاب بالحمل على الكراهة في البعض(١) .

ولا يخفى على من تدبر كلامه ما فيه ؛ ثم إنّ التقييد بالمهاجرين موجود في بعض الأخبار الحسنة في الكافي كما تسمعه.

والثاني : كما ترى ظاهر في جواز إمامة الأجذم والأبرص ، لكن السند قد سمعته ، والخبران متكافئان من جهته ، والذي في الكافي بطريق حسن بإبراهيم بن هاشم ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا يصلّينّ أحدكم خلف المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، والمحدود ، وولد الزنا ، والأعرابي لا يؤمّ المهاجرين »(٢) .

والصدوق في الفقيه روى عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « خمسة لا يؤمون الناس ، ولا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة : الأبرص ، والمجذوم ، وولد الزنا ، والأعرابي حتى يهاجر ، والمحدود » قال الصدوق : وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ونقل رواية الكليني(٣) وغير بعيد أن تكون بالسند الأوّل ، لكن على تقدير الإرسال لها مزيّة كما قدّمناه(٤) ، والرواية الاولى كذلك.

ثم إنّ دلالة خبر الكليني على الاختصاص بإمامة الأعرابي بالمهاجرين ظاهرة ، ورواية الصدوق ظاهرة في الإطلاق ، فيمكن تقييدها على تقدير العمل بالحسن ، وقد صرّح شيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب بأنّ رواية زرارة‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٥ و ١١٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٣.

(٤) في ص : ٢٠٢٥.

٧١

لا تقصر عن الصحيح ، وبمضمونها روايات كثيرة ، فيجب الأخذ بظاهر النهي ، وهو التحريم ، لعدم صحة سند المعارض. وقد يقال : إنّهقدس‌سره استحسن في المدارك تفصيل المحقق في الأعرابي(١) . وخبر زرارة متضمن النهي في الأعرابي ، واللازم منه القول بالمنع ، وحينئذٍ بين الأمرين تنافٍ.

ثم إنّ رواية زرارة تضمنت المحدود ، وقد صرّح الأصحاب غير أبي الصلاح على ما نقل بجواز إمامته بعد التوبة على كراهة(٢) ، فالاعتماد على رواية زرارة من حيث الإطلاق لا يخلو من إشكال ، ويمكن أن يقال : إنّ عموم أخبار الجماعة إنّما تخصها الأخبار السالمة من المعارض ، والسلامة محل كلام ، إلاّ أنّ الاحتياط مطلوب.

فإن قلت : ما وجه التوقف ( في العمل بالحسن ، مع أنّ مفهوم آية( إِنْ جاءَكُمْ ) (٣) يقتضي العمل به ؛ إذ لا فسق يوجب التثبت في الممدوح؟

قلت : وجه التوقف )(٤) أنّ ظاهر الآية اعتبار انتفاء وصف الفسق ، والممدوح لا يظن انتفاء وصف الفسق فيه ، إذ لا يتحقق الظن إلاّ بظن العدالة ، وبدون الظن لا انتفاء.

فان قلت : لا ريب أنّ المدح يقتضي نفي وصف الفسق وإن لم يثبت العدالة.

قلت : الكلام في هذا مبني على ثبوت الواسطة بين الفسق والعدالة ،

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٧١.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٤٤٢.

(٣) الحجرات : ٦.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٧٢

وتحقيقه في الأُصول ، والحاصل هنا ما ذكرناه ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما ذكره شيخناقدس‌سره من ضعف روايات الشيخ المعارضة(١) ، قد يشكل ( بما قدمناه في أوّل الكتاب من )(٢) أنّ الشيخ قد صرّح بأنّ الروايات المنقولة منه مأخوذة من كتبٍ عليها المعوّل وإليها المرجع ، وظاهر كلامه في مواضع من هذا الكتاب أنّه لا يكتفي بمجرد الخبر بل لا بد معه من القرائن ، وحينئذٍ لا يقصر عن توثيق الرجل في كتابه ، والحال أنهم يكتفون بتوثيقه ، فليكن الحال في الأخبار كذلك ، ولا أقلّ من المساواة للحسن ، وحينئذٍ يمكن ادّعاء تعارض الأخبار على وجه تبقى العمومات على أصلها ، إلاّ أن يقال : إنّ العمومات يكفي في بقائها احتمال الكراهة في المعارض.

وما عساه يقال : إنّ ظاهر النهي التحريم ، يمكن الجواب عنه بأنّ وجود ما عليه الأكثر من الكراهة في بعض ما اشتملت عليه يؤيّد احتمال الكراهة ، مضافاً إلى أنّ استعمال النهي في الكراهة إن لم يكن أغلب فهو مساوٍ ، ومن هنا يعلم حقيقة الحال ، فليتأمّل.

اللغة‌ :

قال في الصحاح : الأعرابي هو المنسوب إلى الأعراب ، وهم سكّان البادية(٣) . وفي القاموس : العُرب بالضم وبالتحريك خلاف العجم ، وهم سكّان الأمصار ، أو عام ، والأعراب منهم سكّان البادية(٤) . وذكر جدّيقدس‌سره

__________________

(١) انظر المدارك ٤ : ٣٦٩.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « م ».

(٣) صحاح اللغة ١ : ١٧٨.

(٤) القاموس المحيط ١ : ١٠٦.

٧٣

في الروضة أنّ المهاجر هو المدني المقابل للأعرابي ، أو المهاجر حقيقةً من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام(١) . وفي المقام كلام ، إلاّ أنّ الأمر سهل.

بقي شيئان ، الأول : ما تضمّنه الخبر الثاني من قوله : « وهل كُتب البلاء إلاّ على المؤمن » ظاهر الدلالة على الحصر ، وظاهر الآثار خلافه ، ولعلّ المراد بالبلاء : الموجب لزيادة الثواب.

الثاني : ما ذكره الشيخ من أنّه يجوز أن يكون ( المعنى فيه الجواز ، لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ الجواز في المقام لا وجه له ؛ إذ الجماعة لا تكون إلاّ راجحة ، ولا يبعد أن يكون )(٢) المراد تفاوت الفضل ، والعبارة عن هذا قاصرة.

قوله :

باب الصلاة خلف العبد.

الحسين بن سعيد ، عن صفوان وفضالة ، عن العلاء عن محمّد ابن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام ، أنّه سُئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به ، وكان أكثرهم قرآناً؟ قال : « لا بأس »(٣) .

عنه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به ، وكان أكثرهم قرآنا؟ قال : « لا بأس به ».

عنه ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن‌

__________________

(١) انظر الروضة البهية ١ : ٣٨٦.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) في الإستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٢٨ زيادة : به.

٧٤

المملوك يؤمّ الناس؟ قال : « لا ، إلاّ أن يكون هو أفقههم وأعلمهم ».

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي إسحاق ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي :عليهم‌السلام ، أنّه قال : « لا يؤمّ العبد إلاّ أهله ».

فمحمول على الفضل والاستحباب ، وإن كان يحوز أن يؤمّ أهله وغير أهله.

السند : ‌

في الأوّل : لا ارتياب في صحته بعد ما قدّمناه(١) .

والثاني : كذلك.

والثالث : موثق ، والحسن فيه أخو الحسين بن سعيد ، والإضمار قد قدّمنا(٢) أنّه لا يضر بالحال.

والرابع : معروف بالنوفلي والسكوني ، وأبو إسحاق على الظاهر إبراهيم بن هاشم ؛ لأنّه الراوي عن النوفلي في الرجال(٣) والأخبار(٤) ، وكنيته أبو إسحاق ، ولم يذكره أصحاب الرجال في الكنى مع ذكر غيره المكنّى بذلك ، ولا يستبعد رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عنه من يمارس الرجال.

وما عساه يقال : إنّ الظاهر لا ينبغي الإتيان به ، بل ينبغي‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ١٤١ ، ١٤٦ ، ج ٣ ، ١٨١.

(٢) راجع ج ١ ص ٧٢.

(٣) كما في رجال النجاشي : ٣٨ / ٧٧ ، ١٦ / ١٨.

(٤) الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٤.

٧٥

الجزم.

يمكن الجواب عنه باحتمال رواية غير إبراهيم ( والمشارك في الكنية موجود )(١) والرواية في الرجال لا تقتضي الانحصار. ثم إنّ اسم النوفلي الحسين بن يزيد.

المتن :

في الأوّل والثاني : يدلّ على نفي البأس عن إمامة العبد إذا كان أكثر قرآنا ، لكنه من كلام السائل ، وقد قدّمنا أنّ مثل هذا لا يفيد تخصيصاً ، غاية الأمر أنّ إمامته مع المساواة للمأمومين في القرآن تحتاج إلى دليل ، ولعلّ استفادتها من بعض العمومات غير بعيدة.

والثالث : يدل على أنّه لا يؤمّ ( إلاّ إذا كان أفقه وأقرأ )(٢) ولا يبعد أن يخص على تقدير العمل به العمومات ، لكن المنقول في المختلف من أقوال العلماء عن الشيخ في النهاية والمبسوط : أنّه لا يجوز أن يؤمّ العبد الأحرار ، ويجوز أنْ يؤمّ العبد بمواليه إنْ كان أقرأهم للقرآن ، وهو اختيار ابن البرّاج ، وفي الخلاف : يجوز إذا كان من أهلها ، وأطلق. ثم قال يعني الشيخ وروى في بعض رواياتنا أنّ العبد لا يؤمّ إلاّ مولاه ولعلّه أراد به الثالث(٣) ونقل العلاّمة أنّه استدلّ بعموم الأخبار الواردة في فضل الجماعة ، وقولهعليه‌السلام : « يؤمّكم أقرؤكم » ولم يفصّل. وقال الصدوق في المقنع : ولا يؤمّ العبد إلاّ أهله ، رواية مرسلة عن عليعليه‌السلام . وقال ابن‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « م » : المشارك في الكنية.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » : إذا كان وافرا ، وفي الرواية : أفقههم وأعلمهم.

(٣) كذا في النسخ ، ولعل الصواب : الرابع.

٧٦

الجنيد : لا بأس بإمامة الأعمى والعبد إذا كانا بالوصف الذي يوجب التقدم. وكذا قال ابن إدريس ، وجعله أبو الصلاح مكروهاً(١) ، انتهى.

ولا يخفى عليك أنّه ليس في الأقوال ما يقتضي الاختصاص بكونه أقرأ وأفقه في غير الموالي ، ( أمّا الموالي )(٢) فقول الشيخ الأوّل يفيد ذلك ، والخبر المبحوث عنه هنا لا يدلّ على ذلك.

ثم إنّ العلاّمة اختار الجواز مطلقاً ، لكن الحُرّ أولى منه إذا شاركه في الصفات ، مستدلاً بقولهعليه‌السلام : « يؤمّكم أقرؤكم » وصحيح محمّد بن مسلم الثاني ، وحكى احتجاج المخالف برواية السكوني ، وأجاب بالمنع من صحة السند ، والحمل على الاستحباب(٣) .

وأنت خبير بأنّ حديث « يؤمّكم أقرؤكم » يدل على أنّ العبد إذا كان أقرأ يؤمّ ، وكذلك صحيح محمّد بن مسلم ، وحينئذٍ لا بُدّ في إتمام المطلوب من زيادة على ذلك ، وقد ذكر ما لا ينبغي نقله هنا.

وأمّا خبر : « يؤمّكم أقرؤكم » فلم أقف عليه ، نعم روى الشيخ في التهذيب بطريق فيه سهل بن زياد ، عن أبي عبيدة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة ، فيقول بعضهم لبعض : تقدّمْ يا فلان ، فقال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن » الحديث(٤) . وغير خفي أنّه لا يصلح للاستدلال.

فإنْ قلت : العموم الذي ذكرته أوّلاً من أنّه يمكن تخصيصه ما هو؟.

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٨١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٣) المختلف ٢ : ٤٨٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، الوسائل ٨ : ٣٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

٧٧

قلت : ما دلّ على فضيلة الجماعة على صلاة المنفرد(١) ، وبعض الأخبار المروية في التهذيب(٢) ، وفي ما يأتي في باب القراءة خلف من يُقتدى به(٣) ، فإنّ لها عموماً في الجملة ، لكن التخصيص واضح الوجه لو علم الموافق على ما ذكرناه.

وقد روى الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : قلت له الصلاة خلف العبد ، قال : « لا بأس به إذا كان فقيهاً ، ولم يكن هناك أفقه منه »(٤) الحديث. وهو كما ترى يدلّ على أنّ العبد يصلّي إماماً إذا لم يكن أفقه منه ، والخبر الثالث هنا يوافقه مع زيادة « الأعلم » وحينئذٍ يُنفى(٥) حكم الأقرأ في الخبر الثاني.

وقد ذكر جدّيقدس‌سره في الروضة أنّ المراد بالأقرإ الأجود أداءً وإتقاناً للقراءة ، ومعرفة أحكامها ومحاسنها ، وإنْ كان أقلّ حفظاً(٦) .

وللأصحاب كلام في تقديم الأفقه على الأقرأ أو عكسه(٧) ، والمهم هنا ما ذكرناه.

نعم ينبغي أنْ يعلم أنّ ما تضمنه الخبران الأوّلان من قوله(٨) : إذا رضوا به. مجمل المرام ، وعلى المعروف بين الأصحاب بل ادعي عليه‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤ ب ٢.

(٣) انظر ص ١٠٨ ١١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ١.

(٥) في « رض » و « فض » : يبقى.

(٦) الروضة البهية ١ : ٣٩١.

(٧) انظر المبسوط ١ : ١٥٧ ، الجامع للشرائع : ٩٩ ، المنتهى ١ : ٣٧٥.

(٨) في النسخ : قوله :عليه‌السلام ، والصواب زيادة التحيّة ؛ القائل هو السائل.

٧٨

الإجماع اشتراط العدالة في إمام الجماعة(١) ، وحينئذٍ يحتمل إرادة ذلك ، وسيأتي(٢) إن شاء الله القول عند ذكر بعض الأخبار المحتملة لنحو ما هنا.

ثم إنّ الخبر الأخير قد رواه الشيخ في التهذيب بزيادة : ولا يجوز للصبي أن يؤمّ بالقوم قبل بلوغه ، ومتى فعل ذلك كانت صلاتهم فاسدة(٣) . والإشارة في قوله : ذلك ، محتملة للعود إلى الصبي ، ويحتمل له وللعبد إذا أمّ غير أهله ، ولا يتم بها تأويل الشيخ ، لكن الظاهر العود إلى الصبي.

فإنّ قلت : قوله في الزيادة : كانت صلاتهم ، إلى آخره. راجع إلى الصبي مع القوم ، أو القوم فقط؟

قلت : لا يبعد إرادة القوم فقط ، لا لأنّ عبادة الصبي لا توصف بالفساد لإمكان المناقشة في هذا ، كما حرّرناه في موضع آخر ، وسيأتي إن شاء الله(٤) بل لأنّ بطلان صلاة الإمام مع اختلال بعض الشرائط كالبلوغ في المثال محل تأمّل ، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يدلّ عليه.

فإن قلت : ظاهر ما ذكرت التوقف في الصحة ، وهذا كأنّه لا وجه له ؛ إذ البطلان لصلاة الإمام غير محتمل ، إذ لا مقتضي له.

قلت : ربما يدّعى احتمال البطلان من حيث قصد الإمامة مع كونها غير صحيحة ، فالصلاة الصحيحة وهي التي تفعل على الانفراد غير مقصودة ، وغيرها ليس بصحيح ، ومثل هذا لو اتّفق أنّ الإمام فاسق ونحوه مع علمه بذلك ونيّة الإمامة ، وأظنّ أنّي رأيت مثل ما ذكرته للشهيدرحمه‌الله

__________________

(١) انظر المنتهى ١ : ٣٧٠.

(٢) في ص ١٣٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٢ ، والظاهر أنّ هذه الزيادة من الشيخرحمه‌الله لا من الرواية.

(٤) في ص ٨١.

٧٩

لكن لم يحضرني الآن محله ، وللكلام فيه مجال.

إذا عرفت هذا فما ذكره الشيخ من الحمل على الفضل والاستحباب كأنّه يريد به كراهة إمامة العبد لغير أهله ؛ إذ الجواز في الجماعة لا وجه له ، بل يكون أقلّ فضلاً ، على نحو ما قدّمناه في الباب السابق.

فإنْ قلت : عبارته لا تدلّ على الكراهة ، بل تدلّ على أنّ الفضل في إمامته لأهله ، ولغيرهم يجوز الحمل على الإباحة الشرعية لا الكراهة.

قلت : الإباحة الشرعية لا تخلو من تأمّل ؛ لأنّ تساوي طرفي الفعل والترك في الثواب غير معقول ، لعدم مناسبته حكمة الشارع ، وإذا ترجّح الفعل لم يتحقق التساوي ، وقد أوضحت القول في محلٍ آخر ، والحاصل أنّه يمكن ادّعاء تحقق الثواب في الترك بقصد الامتثال ، إلاّ أنّ المساواة للفعل محل تأمّل.

فإنْ قلت : المباح لا أمر فيه ، والثواب فرع الطلب.

قلت : الثواب فرع امتثال مراد الشارع سواء وجّه الحكم بالأمر والنهي أو بغيرهما. وما قد يفهم من كلام بعض في الأُصول : أنّ المباح الشرعي قسيم الاقتضاء ، فلا يكون مأموراً به. يدفعه ما ذكرناه ، فليتأمّل.

فإنْ قلت : من أين الدلالة على الكراهة مع انتفاء الإباحة الشرعية في كلام الشيخ؟.

قلت : لأنّ المعروف بين الأصحاب أنّ الأقلّ ثواباً مكروه العبادة ، والمفروض هنا ذلك.

أمّا ما ظنه بعض أفاضل المتأخرينرحمه‌الله من أنّ اللازم من كون الأقلّ ثواباً مكروهاً كراهة مثل الصلاة في البيت ، لأنّها أقلّ ثواباً من المسجد ، بل المسجد أيضاً متفاوت.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463