فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء ١

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة12%

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة الحديث وعلومه
ISBN: 964-6406-18-1
الصفحات: 463

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 463 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 130689 / تحميل: 6356
الحجم الحجم الحجم
فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٦٤٠٦-١٨-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

باب

في اخلاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

[الفخر الرازي] في تفسيره ، في ذيل تفسير قوله تعالى( وإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) في سورة القلم ، قال : وروى هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ، ما دعاه أحداً من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك ، فلهذا قال تعالى( وإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

[الفخر الرازي] في تفسيره ، في ذيل تفسير قوله تعالى :( إِنَّ إِلىٰ رَبِّكَ اَلرُّجْعىٰ ) في سورة اقرأ (قال) يروى ان يهودياً من فصحاء اليهود جاء الى عمر في أيام خلافته فقال : أخبرني عن أخلاق رسولكم ، فقال عمر : أطلبه من بلال فهو أعلم به مني ، ثم ان بلالا دله على فاطمةعليها‌السلام ثم فاطمة دلته على عليعليه‌السلام . فلما سأل علياً عنه ، قال : صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه ، فقال الرجل هذا لا يتيسر لي فقال عليعليه‌السلام : عجزت عن وصف متاع الدنيا وقد شهد اللّه على قلته حيث قال :( قل متاع الدنيا قليل ) فكيف أصف أخلاق النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وقد شهد اللّه تعالى بانه عظيم حيث قال :( وإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ )

١٤١

[صحيح البخاري] في كتاب الوكالة ، في باب الوكالة ، في قضاء الديون (روى) بسنده عن ابي هريرة ان رجلاً أتى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يتقاضاه فاغلظ فهمّ به أصحابه ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم دعوه فان لصاحب الحق مقالا ، ثم قال أعطوه سنا مثل سنة ، قالوا : يا رسول اللّه لا نجد إلا أمثل من سنة ، فقال : أعطوه فان من خيركم أحسنكم قضاء.

[صحيح البخاري] في كتاب الأدب ، في باب التبسم والضحك روى بسنده عن انس بن مالك قال : كنت أمشي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة ، قال أنس : فنظرت الى صفحة عاتق النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال : يا محمد مر لي من مال اللّه الذي عندك فالتفت اليه فضحك ثم أمر له بعطاء (اللغة) : جبذ بالجيم ثم الباء الموحدة ثم الذال المعجمة بمعنى جذب.

[صحيح البخاري] في كتاب الهبة ، في باب القليل من الهبة روى بسنده عن ابي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : لو دعيت الى ذراع أو كراع لأجبت ، ولو أهدي الى ذراع او كراع لقبلت.

[صحيح البخاري] في كتاب بدء الخلق ، في باب صفة النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم روى بسنده عن ابي هريرة ، قال : ما عاب النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم طعاما قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.

[صحيح البخاري] في كتاب الوصايا ، في باب استخدام اليتيم في السفر والحضر ، روى بسنده عن أنس ، قال : قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم المدينة ليس له خادم فاخذ ابو طلحة بيدي فانطلق بي الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقال : يا رسول اللّه ان انساً غلام كيس فليخدمك ، قال فخدمته في السفر والحضر ، ما قال لي لشئ صنعته لم صنعت هذا هكذا ، ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا.

[صحيح البخاري] في كتاب الأدب ، في باب حسن الخلق والسخاء

١٤٢

روى بسنده عن أنس ، قال : خدمت النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم عشر سنين ، فما قال لي : أف ، ولا لم صنعت ، ولا ألا صنعت.

[صحيح البخاري] في كتاب بدء الخلق ، في باب صفة النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم روى بسنده عن عبد اللّه بن عمر ، قال : لم يكن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ، وكان يقول : إن من خياركم أحسنكم اخلاقاً.

[صحيح البخاري] في كتاب الأدب ، في باب الكبر ، روى بسنده عن أنس ، قال : إن كانت الامة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فتنطلق به حيث شاءت.

[صحيح البخاري] في كتاب الاستيذان ، في باب التسليم على الصبيان روى بسنده عن انس بن مالك انه مرّ على صبيان فسلم عليهم وقال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يفعله.

[صحيح البخاري] في كتاب الأدب ، في باب الكنية للصبي روى بسنده عن انس ، قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أحسن الناس خُلقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، قال أحسبه فطيماً ، وكان اذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير؟ نغر كان يلعب به (الحديث) (اللغة) : النغير البلبل وفرخ العصفور.

[الأدب المفرد ص ٤٢ ] روى بسنده عن انس بن مالك يقول : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم رحيماً ، وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده ، واقيمت الصلاة وجاء أعرابي فاخذ بثوبه فقال : إنما بقي من حاجتي يسيره وأخاف أنساها ، فقام معه حتى فرغ من حاجته ثم اقبل فصلى.

[الأدب المفرد للبخاري ص ١٦٩ ] روى بسنده عن ابي رفاعة العدوي قال : انتهيت الى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وهو يخطب فقلت : يا رسول اللّه رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه فاقبل الى وترك خطبته فاتى بكرسي خلت قوائمه حديداً ، قال حميد أراه خشباً أسود حسه

١٤٣

حديداً فقعد عليه فجعل يعلمني مما علمه اللّه ثم أتم خطبته آخرها.

[صحيح مسلم] في كتاب الفضائل ، في باب كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أحسن الناس خلقاً ، روى بسنده عن انس ، قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم من أحسن الناس خلقاً فارسلني يوما لحاجته فقلت : واللّه ما أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي اللّه فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فاذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) قد قبض بقفاي من ورائي ، قال فنظرت اليه وهو يضحك فقال : يا أنيس اذهبت حيث أمرتك ، قال : قلت نعم أنا أذهب يا رسول اللّه ، قال أنس : واللّه لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا ، أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا.

[صحيح مسلم] في كتاب الفضائل ، في باب مباعدته صلّى اللّه عليه الآثام روى بسنده عن عائشة قالت : ما ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم شيا قط بيده ، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل اللّه ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم اللّه فينتقم للّه عز وجل.

[صحيح مسلم] في كتاب الفضائل ، في باب رحمة الصبيان والعيال ، روى بسنده عن انس بن مالك قال : ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم (الحديث).

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٨٠ ] روى بسنده عن انس بن مالك قال كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع ، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه ، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له.

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٥٥ ] روى بسنده عن ابن عمر

١٤٤

قال : كان رسول اللّه اذا ودع رجلاً أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو يدع النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ويقول أستودع اللّه دينك وأمانتك وآخر عملك.

[صحيح الترمذي ج ١ ص ٣٦٣ ] روى بسنده عن ابي عبد اللّه الجدلي يقول : سألت عائشة عن خلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقالت : لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.

[صحيح ابي داود ج ٣ ص ١٧٥ ] روى بسنده عن ابي هريرة قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يجلس معنا في المجلس يحدثنا فاذا قام قمنا قياماً حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه ، فحدثنا يوماً فقمنا حين قام فنظرنا الى أعرابي قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته ، قال ابو هريرة : وكان رداء خشناً ، فالتفت فقال له الأعرابي : احمل لي على بعيري هذين فانك لا تحمل لي من مالك ولا من مال ابيك ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : لا واستغفر اللّه ، لا واستغفر اللّه ، لا أحمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني ، فكل ذلك يقول له الاعرابي واللّه لا اقيدكها (الى ان قال) ثم دعا رجلاً فقال له : احمل له على بعيريه هذين على بعير شعيراً وعلى الآخر تمرا ، ثم التفت الينا فقال : انصرفوا على بركة اللّه تعالى.

[صحيح ابي داود ج ٣ ص ١٨٧ ] روى بسنده عن انس قال : ما رأيت رجلاً التقم إذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فينحى رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحى رأسه ، وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده.

[صحيح ابن ماجة] في ابواب الصدقات (ص ١٧٦ ) روى بسنده عن ابي سعيد الخدري قال جاء أعرابي الى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يتقاضاه ديناً كان عليه فاشتد عليه حتى قال له : احرج

١٤٥

عليك إلا قضيتني فانتهره أصحابه وقالوا ويحك تدري من تكلم؟ قال : اني أطلب حقي ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم هلا مع صاحب الحق كنتم؟ ثم أرسل الى خولة بنت قيس فقال لها ان كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك فقالت نعم بابي أنت يا رسول اللّه ، قال فاقرضته فقضى الاعرابي وأطعمه فقال أوفيت؟ أوفى اللّه لك فقال اولئك خيار الناس ، إنه لا قدست امة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع (اقول) قال بعضهم في الهامش : قيل ان الرجل ـ أي الأعرابي ـ كان كافراً فاسلم بمشاهدة هذا الخلق الأعظم وقال يا رسول اللّه ما رأيت أصبر منك.

[صحيح ابن ماجة في أبواب الزهد ص ٣١٨ ] روى بسنده عن انس ابن مالك قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يعود المريض ويشيع الجنازة ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار ، وكان يوم قريظة والنضير على حمار ويوم خيبر على حمار ، مخطوم برسن من ليف ، وتحته أكاف من ليف.

[صحيح ابن ماجة في ابواب الأدب ص ٢٧١] روى بسنده عن انس ، قال : أتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ونحن صبيان فسلم علينا.

[مسند الإمام احمد بن حنبل ج ٦ ص ١٦٣ ] روى بسنده عن سعد بن هشام ، قال : سألت عائشة فقلت : اخبريني عن خلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقالت : كان خلقه القرآن.

[مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٦ ص ١٠٦ ] روى بسنده عن هشام عن ابيه ، قال : قيل لعائشة ما كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يصنع في بيته؟ قالت : كما يصنع أحدكم يخصف نعله ويرفع ثوبه.

١٤٦

[مستدرك الصحيحين ج ٢ ص ٦٢٢] روى بسنده عن موسى ابن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام عن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ان يهودياً كان يقال له حريجرة كان له علي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم دنانير فتقاضى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقال له يا يهودي ما عندي ما اعطيك قال فاني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني ، فقال صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذاً اجلس معك فجلس معه فصلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة ، وكان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يتهددونه ويتوعدونه ففطن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقال ما الذي تصنعون به؟ فقالوا يا رسول اللّه يهودي يحبسك ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم منعني ربي أن أظلم معاهداً ولا غيره ، فلما ترحل النهار قال اليهودي : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله ، وقال شطر مالي في سبيل اللّه ، أما واللّه ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر الى نعتك في التوراة محمد بن عبد اللّه ، مولده مكة ، ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشام ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزى بالفحش ولا قول الخنا أشهد ان لا إله إلا اللّه ، وأنك رسول اللّه ، هذا مالي فاحكم فيه بما أراك اللّه وكان اليهودي كثير المال.

[مستدرك الصحيحين ج ٢ ص ٦١٤ ] روى بسنده عن عبد اللّه ابن ابي أوفى يقول : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، ولا يستنكف أن يمشي مع العبد والأرملة حتى يفرغ لهم من حاجتهم.

[سنن الدارمي ج ١ ص ٣٥ ] روى بسنده عن عكرمة قال : قال العباس لأعلمن ما بقاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فينا ، فقال : يا رسول اللّه اني رأيتهم قد آذوك وآذاك غبارهم ، فلو اتخذت

١٤٧

عريشاً تكلمهم منه ، فقال : لا أزال بين اظهرهم يطؤون عقبي ، وينازعوني ردائي حتى يكون اللّه هو الذي يريحني منهم ، قال فعلمت ان بقاءه فينا قليل.

[حلية الأولياء ج ٦ ص ٢٦ ] روى بسنده عن انس ، قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم من أشد الناس لطفاً بالناس ، فواللّه ما كان يمتنع في غداة باردة عن عبد ولا امة ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه ، وما سأله سائل قط الا أصغى اليه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه ، وما تناول أحد بيده قط إلا ناولها اياه فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه.

[سنن البيهقي ج ٢ ص ٤٢٠ ] روى بسنده عن ابي موسى ، قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يركب الحمار ، ويلبس الصوف ويعتقل الشاة ، ويأتي مراعاة الضيف.

[تاريخ بغداد ج ٦ ص ٢٧٧ ] روى بطرق عديدة عن ابن مسعود وغيره : أن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كلم رجلاً فارعد ، فقال هون عليك فاني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.

[طبقات ابن سعد ج ١ القسم ٣ ص ٩٤ ] روى بسنده عن حمزة ابن عبد اللّه بن عتبة ، قال : كانت في النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم خصال ليست في الجبارين ، كان لا يدعوه أحمر ولا أسود من الناس إلا اجابه وكان ربما وجد تمرة ملقاة فيأخذها فيهوى بها الى فيه ، وإنه ليخشى أن تكون من الصدقة ، وكان يركب الحمار عرياً ليس عليه شيء.

[طبقات ابن سعد ج ١ القسم ٢ ص ٩٢ ] روى بسنده عن يحيى بن ابي كثير. أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال :

١٤٨

آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد ، فانما انا عبد ، وكان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يجلس محتفزاً.

[طبقات ابن سعد ج ١ القسم ٢ ص ٩٥ ] روى بسنده عن سفيان أن الحسن قال : لما بعث اللّه محمداً صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : هذا نبي ، هذا خياري ، إئنسوا به وخذوا في سنته وسبيله ، لم يكن تغلق دونه الأبواب ، ولا تقوم دونه الحجبة ، ولا يغدى عليه بالجفان ، ولا يراح عليه بها ، يجلس بالأرض ، ويأكل طعامه بالأرض ، ويلبس الغليظ ، ويركب الحمار ويردف بعده ، ويلعق أصابعه ، وكان يقول : من يرغب عن سنتي فليس مني.

[مشكل الآثار ج ١ ص ٤٩٨ ] روى بسنده عن انس بن مالك قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يزور الأنصار فاذا جاء الى دور الانصار جاء صبيان الانصار يدورون حوله فيدعو لهم ويمسح رؤسهم ويسلم عليهم (الحديث).

[الاصابة ج ٤ القسم ١ ص ٤ ] ذكر حديثاً مسنداً عن الحسن قال : دخلنا على عاصم بن حدرد فقال : ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بواب قط ، ولا خوان قط ، ولا مشى معه بوسادة.

[كنز العمال ج ٤ ص ٣٠ ] ولفظه : كان صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ، فان كان غائباً دعا له ، وان كان شاهداً زاره ، وان كان مريضاً عاده (قال) أخرجه أبو يعلى عن انس

[كنز العمال ج ٦ ص ١٠٧ ] ولفظه : لقد هبط على ملك من السماء ما هبط على نبي قط ولا يهبط على أحد بعدي ، وهو اسرافيل ، وعندي جبريل ، فقال : السلام عليك يا محمد ، ثم قال : أنا رسول ربك اليك أمرني أن أخيرك إن شئت نبياً عبداً ، وان شئت نبياً ملكاً ،

١٤٩

فنظرت الى جبريل فأومأ جبريل الى أن تواضع ، فقلت نبياً عبداً ، فلو اني قلت نبياً ملكاً ثم شئت لسارت الجبال معي ذهباً (قال) أخرجه الطبراني عن ابن عمر.

[الهيثمي في مجمعه ج ٩ ص ٢١ ] قال : وعن عامر بن ربيعة قال : خرجت من النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم الى المسجد فانقطع شسعه فاخذت نعله لاصلحها فاخذها من يدي وقال : انها أثرة ولا أحب الأثرة (قال) رواه البزار (اللغة) الشسع : أحد سيور النعل ، وهو الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل (عن هامش مجمع الزوائد ص ٢١ )

١٥٠

باب

في حياء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

[صحيح البخاري] في كتاب بدء الخلق ، في باب صفة النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ، روى بسنده عن ابي سعيد الخدري ، قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ، أشد حياء من العذراء في خدرها (اقول) ورواه ايضاً عن شعبة وقال فيه : واذا كره شيئا عرف في وجهه.

[الهيثمي في مجمعه ج ٨ ص ٢٦ ] قال : وعن انس قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان اذا كره شيئاً عرفناه في وجهه ، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم الحياء خير كله (قال رواه البزار).

[الهيثمي في مجمعه ج ٩ ص ١٣ ] قال : وعن عليعليه‌السلام قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذا سئل شيئاً فاراد أن يفعله قال : نعم وإذا أراد أن لا يفعل سكت ، وكان لا يقول لشئ لا (قال) رواه الطبراني في الأوسط في حديث طويل في كتاب الأدعية.

١٥١

باب

في شهادة ابي سفيان وهو يومئذٍ كافر عند هرقل عظيم

الروم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكذب

[صحيح البخاري] في أول باب من الكتاب ، روى بسنده عن عبد اللّه بن عباس : ان أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل اليه في ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام ـ في المدة التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم مادّ فيها أبا سفيان وكفار قريش ـ فأتوه وهم بايلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال : أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم انه نبي؟ فقال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم نسباً ، فقال : أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه قل لهم : اني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه ، فواللّه لو لا الحياء من أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عنه ، ثم كان أول ما سألني عنه ان قال : كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب ، قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت لا ، قال : فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت لا ، قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت : بل ضعفاؤهم قال : أيزيدون أم ينقصون؟ قلت : بل يزيدون ، قال : فهل يرتد أحد منهم

١٥٢

سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت لا ، قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال؟ قلت : لا ، قال : فهل يغدر؟ قلت : لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها ، قال : ولم يمكني كلمة ادخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة ، قال : فهل قاتلتموه؟ قلت : نعم ، قال : فكيف كان قتالكم إياه؟ قال : الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه قال : ماذا يأمركم؟ قلت : يقول إعبدوا اللّه وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ، فقال للترجمان : قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله ، وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت : رجل يطلب ملك أبيه ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب علي اللّه ، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم أتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون ، فذكرت انهم يزيدون ، وكذلك أمر الايمان حتى يتم ، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه فذكرت أن لا ، وكذلك الايمان حتى تخالط بشاشته القلوب ، وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك بما يأمركم ، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فان كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم انه خارج لم اكن اظن انه منكم ، فلو اني أعلم اني أخلص اليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ثم دعا بكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم الذي بعث به مع دحية الى عظيم بصري فدفعه الى هرقل فقرأه

١٥٣

فاذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللّه ورسوله الى هرقل عظيم الروم ، سلام اللّه على من اتبع الهدي ، أما بعد فإنى ادعوك بدعاية الاسلام ، إسلم تسلم يؤتك اللّه اجرك مرتين ، فان توليت فان عليك إثم الأريسيين ،( يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ تَعٰالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وبَيْنَكُمْ أَلاّٰ نَعْبُدَ إِلاَّ اَللّٰهَ ولاٰ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولاٰ يَتَّخِذَ بَعْضُنٰا بَعْضاً أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اَللّٰهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنّٰا مُسْلِمُونَ ) قال أبو سفيان : فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر أمرُ ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر ، فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى ادخل اللّه على الاسلام ، وكان ابن الناظور صاحب ايلياء وهرقل سقفاً على نصاري الشام يحدث : أن هرقل حين قدم ايلياء اصبح يوماً خبيث النفس ، فقال بعض بطارقته : قد استنكرنا هيئنك ، قال ابن الناظور وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم ، فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة قالوا : ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم ، واكتب الى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود ، فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فلما استخبره هرقل قال : اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا اليه فحدثوه أنه مختتن ، وسأله عن العرب ، فقال : هم يختتنون ، فقال هرقل : هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ، ثم كتب هرقل الى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم ، وسار هرقل الى حمص فلم يرم حمص حتى اتاه كتاب من صاحبه يوافق رأى هرقل على خروج النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وأنه نبي ، فاذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بمحص ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم أطلع فقال : يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وان يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الأبواب فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى

١٥٤

هرقل نفرتهم وآيس من الايمان قال : ردوهم عليّ ، وقال : إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه ، فكان ذلك آخر شأن هرقل ، (قال) : رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري (أقول) وهذا الحديث قد رواه البخاري ومسلم بطرق متعددة.

١٥٥

باب

في معرفة ابن سلام ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لا يكذب وذكر ما جاء في صدق وعده

[صحيح ابن ماجة في كتاب الصلاة ص ٩٥ ] روى بسنده عن عبد اللّه بن سلام قال : لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم انجفل الناس اليه ، وقيل قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فجئت في الناس لأنظر اليه فلما استبنت وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم عرفت ان وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء تكلم به أن قال : يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام.

[أُسد الغابة ج ٣ ص ١٤٦ ] روى بسنده عن عبد اللّه بن أبي الحمساء قال : بايعت النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ببيع قبل ان يبعث فوعدته ان آتيه بها في مكانه ذلك فنسيت يومي هذا والغد فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ، فقال لي : يافتي لقد شققت عليّ أنا هاهنا منذ ثلاث انتظرك.

١٥٦

باب

في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب المساكين

ويكره ان يقوم الناس له وأن يقبلوا يده وان يمشوا من ورائه

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٥٦ ] روى بسنده عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة ، فقالت عائشة لِمَ يا رسول اللّه؟ قال : انهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً ، يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم فان اللّه يقربك يوم القيامة.

[مستدرك الصحيحين ج ٤ ص ٣٢٢ ] روى بسنده عن أبي سعيد قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يقول : اللهم أحيني مسكيناً ، وتوفني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين ، وان اشقي الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ١٢٥ ] روى بسنده عن انس قال : لم يكن شخص أحب اليهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : وكانوا اذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك.

١٥٧

[صحيح أبي داود ج ٣٢ ص ٢٢٤ ] روى بسنده عن أبي امامة ، قال : خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم متوكئاً على عصا فقمنا اليه فقال : لا تقوموا كما تقوم الاعاجم يعظم بعضها بعضاً.

[ميزان الاعتدال ج ٢ ص ١٠٥ ] ذكر حديثاً مسنداً عن أبي هريرة قال : دخلت السوق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فجلس الى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم ، وكان لأهل السوق وزان يزن ، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ؛ اتزن وارجح قال الوزان : إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد ، قال أبو هريرة : فقلت له : كفاية من الوهن والخفاء في دينك أن لا تعرف نبيك ، فطرح الميزان ووثب الى يد النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يقبلها فجذب يده منه وقال : هذا إنما تفعله الأعاجم بملوكها ، ولست بملك أنا رجل منكم أوزن وأرجح واخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم السراويل ، قال : أبو هريرة : فذهبت لأحمله عنه ، فقال : صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفاً يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم ، قلت : يا رسول اللّه وإنك لتلبس السراويل؟ قال : نعم في السفر والحضر والليل والنهار فاني امرت بالتستر فلم اجد شيئاً استر منه ، ثم قال : رواه ابن حبان عن ابي يعلى عنه.

[تاريخ بغداد ج ١٢ ص ٩١ ] روى بسنده عن ابن عباس قال : مشيت وراء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أختبره فأنظر كيف هو أيكره ان امشي وراءه أو يحب ذلك ، قال : فالتمسني بيده فالحقني به حتى مشيت بجنبه ثم تخلفت الثانية أمشي وراءه فالتمسني بيده فالحقني به فعرفت أنه يكره ذلك.

١٥٨

باب

في مزاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبسمه

[صحيح الترمذي ج ١ ص ٣٥٩ ] روى بسنده عن أبي هريرة قال : قالوا يا رسول اللّه انك تداعبنا قال : اني لا أقول إلا حقاً.

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٨٧ ] روى بسنده عن عبد اللّه بن الحارث بن حزم قال : ما رأيت أحداً اكثر تبسماً من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٨٧ ] روى بسنده عن عبد اللّه بن الحارث بن حزم قال : ما كان ضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ألا تبسماً.

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٨٧ ] روى بسنده عن جابر بن سمرة قال : كان في ساق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم حموشة ، وكان لا يضحك إلا تبسما ، وكنت اذا نظرت اليه قلت اكحل العينين وليس باكحل. (اللغة) يقال : حمشت الساق حموشة ـ بضم الحاء المهملة والميم ـ اذا دقت.

١٥٩

[سنن البيهقي ج ٧ ص ٥٢ ] روى بسنده عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم؟ قال : نعم ، قال : كان طويل الصمت ، قليل الضحك ، وكان اصحابه ربما تناشدوا عنده الشعر والشيء من امورهم فيضحكون وربما تبسم.

[تاريخ بغداد ج ٨ ص ٣٠٨ ] روى بسنده عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانت في النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم دعابة.

[مرقاة المفاتيح ج ٤ ص ٦٥٠ ] في المتن قال : وعن أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال لامرأة عجوز : انه لا تدخل الجنة عجوز فقالت : وما لهن ـ وكانت تقرأ القرآن ـ فقال لها : أما تقرئين القرآن؟ (إنا أنشأناهن إنشاءا فجعلناهن أبكارا).

[الهيثمي في مجمعه ج ٩ ص ١٧ ] قال : وعن جابر ، قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذا أتاه الوحي أو وعظ قلت : نذير قوم أتاهم العذاب ، فاذا ذهب عند ذلك رأيته أطلق الناس وجهاً ، وأكثرهم ضحكاً ، وأحسنهم بشراً (أقول) قد يستبعد ان يكون النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اكثرهم ضحكاً كما في الرواية الأخيرة ، ولكن لا استبعاد فيه بعد ما عرفت في الرواية الثالثة والرابعة ان ضحكه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كان تبسماً ، فيكون المعنى هكذا : وأكثرهم تبسماً ، فتطابق هذه الرواية الرواية الثانية ، نعم تبقى رواية البيهقي ، كان طويل الصمت قليل الضحك ، فيكون الضحك فيها بمعناه الحقيقي ، فيتلخص من مجموع روايات الباب أنه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كان قليل الضحك ، وكان اكثرهم تبسماً وأطلقهم وجهاً ، وأحسسهم بشراً.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

يلتذّون إلّا بقرب الحقّ وذكره والثناء عليه على التفصيل الّذي قرّرناه.

ومنهم من لهم دون ذلك المقام وهم الأكثرون كما قال: أكثر أهل الجنّة البلهاء، فيتنعّمون بالمآكل والمشارب هو الصحيح الّذي نحن نقول به.

وأمّا ما ذكره المفيد رحمه الله من الحصر الّذي عرفته فناش عن الجهل بحقيقة الحال. كيف ويأباه العقل اللّامع اللاهوتي كمال الإباء، إذ هذه الأشياء ممّا لا يليق إلّا بالقوّة البهيميّة، ولا يليق بالرتبة الإنسانيّة، لأنّها من أعلى المراتب الإمكانيّة، وقد أعدّ الله لها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

فلا ينبغي للعاقل أن يحصر اللذّات في الجنّة فيما يخصّ بالبهائم. كيف وهو نقص للرتبة الإنسانيّة.

وأمّا ذكره من الآيات القرآنيّة شاهدة على دعواه فممّا الجواب عنه سهل على كلّ من تدبّر هنيئة، إذ لتلك الآيات ظواهر يعرفها كلّ من له اطّلاع بلغة العرب، وحقائق قد علمها أهل التوحيد، وعرفها أرباب التجريد.

كيف لا وقد كشف عن بعضها الأئمّة الأطهار عليهم السّلام في بعض أخبارهم المرويّة عنهم في الكتب المعتبرة كما لا يخفى على من تتبّعها، ولا يبقى شكّ للمتتبّع في أنّ تلك الألفاظ الّتي تضمّنها القرآن، بل الأخبار الواردة في أمر الجنّة والنيران كما تكون عبارات عن اللذّات الجسمانيّة المحسوسة، والآلام الظاهرة العنصريّة كذلك تكون كنايات عن الدرجات الرفيعة القربيّة، والدركات البعديّة، وإنّي في مقامي هذا بين يدي الله لأشهدنّ بأنّ ما اشتمله القرآن والأخبار في أمر الجنّة والنار لحقّ صدق من

١٨١

الله إلى رسول الله، ثمّ إلى خلق الله، ولا ريب فيه أصلا ولكن أقسم بعزّة الله صادقا بأنّ الأمر في كيفيّات ذلك ليس كما ذكره الظاهريّون القشريّون من العلماء، واعتقده الأدنون من أنّ أهل الجنّة كلّهم يلتذّون بالمطاعم الجسميّة كما يلتذّ البهائم، بل لذلك كيفيّة لم يعرفها إلّا من فاز بها.

فكذب من ادّعى عرفان تلك الكيفيّات قبل أن يدركها حقّ الدرك، فإنّه خاصّ بالأنبياء والأولياء والأصفياء المنقطعين عن تلك الحواسّ الظاهرة الحيوانيّة انقطاعا كلّيّا، فهيهات هيهات كيف يدركها المشتغل باللذّات الحسّيّة، والمتوجّه إلى الشؤونات الغيريّة.

ومن ذلك يكشف معنى ما روي من أنّ الحسين عليه السّلام قد أرى أصحابه مقاماتهم ودرجاتهم في الجنّة في أرض كربلا، فإنّ ذلك لقد كان عند انقطاعهم عن هذه الحياة الدنيا وشوقهم إلى الحياة الدائمة السرمديّة.

وبالجملة: لا يمكن الفوز بحقيقة تلك الكيفيّات لمن لم يذق من رحيق العرفان، والانقطاع عن كلّ ما في الإمكان، فإنّي إلى هذه الغاية في رتبة التوحيد، والانقطاع بمقام التجريد، لم يظهر لي حقيقة تلك الكيفيّات حقّ الظهور، فكيف لمن لم يكن له حظّ من مقام العرفان أصلا.

فيا أيّها المتعرّف الجاهل صه عن البحث في هذه الكيفيّات، فإنّه لا ينبغي إلّا لمن خلص دينه، وأتقن يقينه، فالحمد لله حقّ حمده، والصلاة على مظهر مجده.

السابعة: لقد ظهر ممّا سطرناه أنّ الله تعالى لقد عبّر عن الدرجات الروحانيّة، والمقامات العرفانيّة الّتي يفوز بها العارفون والواصلون كلّ

١٨٢

بحسب سعيهم وإمكانهم بالجنّة والحرير واتّكائهم على الأرائك إلى غير ذلك ممّا أشير إليه في الآيات، ولكن لا يدرك ذلك إلّا العارفون بأسرار القرآن وحقائقه، فإنّ لباطن القرآن أهل يفهمون الكنايات، ويدركون الإشارات، وهم المعصومون من آل محمّد عليهم السّلام والّذين علّمهم هؤلاء وهم الراسخون في العلم الّذين يعلمون تأويل القرآن، كما قال:( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) إلى آخره.

لا الّذين ما استعدّوا إلّا للقشور، فإنّهم لا يعرفون إلّا ظواهر الأمور، لما في استعدادهم من القصور، عن درك حقائق النور، فما عثروا على الكنوز، وما اطّلعوا على الرموز، واقتصروا على الصورة وما تحسّسوا عن يوسف الحقيقة، كلّا إنّهم عن حقائق الحقّ لمحجوبون.

ثمّ لا يخفى أنّ في اختلاف تعبيره سبحانه إشارة إلى أنّ معارفهم ليست من صنف واحد، بل مختلفة باختلاف متعلّقها، وكذلك مقاماتهم ليست متّحدة حتّى يكون مقام واحد، بل متفاوتة بعضها فوق بعض، ولكن نحن لاشتغالنا بالحياة العنصريّة لا ندرك حقيقة مقام هؤلاء المنقطعين، بل كيفيّته، فضلا عن اختلافه وتفاوته.

كيف ولسنا في ذلك المقام حتّى ندركه، إذ قد عرفت أنّ الخارج عن مقام لا يمكن له اكتناه ذلك المقام كيفوفيّة وحيثوثيّة إلّا على طريق الإجمال، وهو غير مفيد للحال إلّا إثبات بعض الأحوال.

هذا فإنّه غاية ما يمكن تقريره في نحو المقال، فالحمد لله على كلّ حال.

__________________

(١) آل عمران: ٧.

١٨٣

تنبيهات :

الأوّل: قال بعض العارفين: الجنّة في الآية إشارة إلى المقاصد الكلّيّة، والمطالع الجليلة.

وأمّا الحرير فلمّا كان من اللباس الكامل المكمّل حسّا عبّر به عمّا يطابقه من الكمالات العقليّة من التسربل بسرابيل الإفاضات الروحانيّة، والتسرول بسراويل الكرامات الرحمانيّة، والتعمّم بعموم عمائم العناية الربّانيّة، المحيطة بالكلّ حياط الحاوي للمحوي، وإن كان تفاوت ما بين الحريرين.

والأرائك جمع الأريكة وهي السرير.

وقيل: هي الفرش فوق الأسرّة.

ومتّكئين منصوب على المدح أو حال من الضمير.

وفي الآية إشارة إلى حسن المنزل، وطيب هوائه، وتلويح إلى دوام هذا الطيب وعدم تغيّره.

وعدم الشمس والزمهرير كناية عن الخلوّ عن الحرّ والبرد، والزمهرير في لغة طيّ: القمر.

وعلى الوجهين تلميح إلى أنّ هذا الطيب والاعتدال ليس من أمور خارجة كاعتدال هواء الدنيا. ثمّ في الآية دلالة على إثبات اللذّة ونفي الألم، فإنّ الاتّكاء على السرير في هواء طيّب جامع في البدن وفي النفس حالات مناسبة مشابهة، والشمس يتبعها حرّ وكرب يلزم الشوق، والزمهرير برودة وجمود يلزم البلادة والغفلة.

أقول: وفي الآية إشعار أيضا بكمال البينونة والتفاوت بين اللذّات

١٨٤

الدنيويّة الفانية، واللذّات الأخرويّة الباقية، كما لا يخفى على المتأمّل.

الثاني: القراءة المشهورة في «ودانية عليهم» النصب، وله وجوه ذكروها في كتب التفسير، منها: أن يكون عطفا على «متّكئين» فيكون حالا بعد الحال بواسطة الحرف، أي في حال اتّكائهم على الأسرّة وقرب أفياء الجنّة منهم.

ومنها: أن يكون صفة الجنّة المذكورة، أي: وجزاهم جنّة دانية. ذكره بعض، ولكنّه أخطأ لعدم جواز الفصل بين الصفة والموصوف بالواو، ولا محلّ لزيادتها هنا، كما لا يخفى فليتأمّل.

ومنها: أن يكون صفة لموصوف محذوف، فالنصب على المفعوليّة، أي: وجزاهم بما صبروا جنّة وحريرا وجنّة أخرى دانية عليهم، وذلك إنّهم وعدوا جنّتين لخوفهم من مقام ربّهم على ما سبق كما قال:( وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) (١) ومن قرأ بالرفع فقد جعله خبرا مقدّما والمبتدأ قوله ظلالها، والجملة في محلّ النصب على الحالية.

ثمّ المراد بدنوّ الظلال هو قرب أفياء أشجار الجنّة.

وقيل: المراد إنّ ظلال الجنّة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا، والاستشكال بأنّ الظلّ لا يكون إلّا حيث يكون الشمس مجاب عنه تارة بأنّ المراد لو كان هناك شمس لوقع ظلّ فتأمّل.

وتارة بأنّ الظلّ لا يلزم أن يكون بالشمس، بل الضوء كاف في إيقاع الظلّ كما لا يخفى.

__________________

(١) الرحمن: ٤٦.

١٨٥

وقوله: «وذلّلت قطوفها» معناه: وسهل أخذ ثمارها إن قام ارتفعت بقدره، وإن قعد نزلت عليه حتّى ينالها، وكذلك إن اضطجع.

وقيل: أي لا يردّ أيديهم عنها بعد ولا شرك والمال واحد كما لا يخفى.

وفي ذلك إشارة إلى أنّ هؤلاء الأبرار المستكملين لقد فازوا باللذّات الدائمة بحيث هيّأت لهم جميع المعارف بحسب استعدادهم في بساط القرب، فلا يريدون لذّة إلّا وهم واجدوها، ولا يتمنّون علما وحكمة إلّا وهم عالموها، فلا يحتاجون في مقام العلم والعرفان إلى غيرهم.

كيف وهم الكاملون الّذين أمر الناس بأن يرجعوا إليهم في أمورهم جميعا، ورغّبوا في أن يسألوهم ممّا لا يعلمون، كما قال:( فَسْئَلُوا أهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) أي الذاكرين للحقّ خاصّة، الذاهلين عن جميع ما في الإمكان، فمن أمر الناس بسؤاله لا يجهل شيئا ممّا يحتاجون إليه لا محالة، فعلم الكاملين بمحاوج السائلين حضوريّ لا فكريّ كما زعمه جماعة.

وقد دلّ على دعوانا بعض الأخبار الواردة في باب علم الإمام عليه السلام، والمتتبّع لاحظه لا محالة، فلا حاجة إلى تطويل الرسالة في تلك المقالة. هذا ما ألهمنا به في الحال.

وقال بعض أهل الحال: لا يبعد أن يكون دنوّ الظلال إشارة إلى قرب الظلّ دون المظلّ، وتذلّل القطوف إلى تقارب المظلّ. وفي هذا إشارة إلى شمول العناية الإلهيّة وتقاربها وإحاطتها مانعة عن الآلام العقليّة والحسّيّة.

__________________

(١) النحل: ٤٣، الأنبياء: ٧.

١٨٦

والقطوف إشارة إلى اللذّات وتعقّل المعقولات، وتذليلها إلى تقاربها بمفيضها.

ويمكن أن يقال: إنّ دنوّ الظلال لـمـّا كان من اللذّات البدنيّة الّتي توجد للمتّكئين بمثل تلك الجنان من الجنان الدنيويّة المحسوسة عبّر به عمّا يحصل لهؤلاء في الجنّة من إحاطة العناية الإلهيّة عليهم، ودنوّ النعمة الربّانيّة بهم أن لا يصيبهم ألم أو يجري عليهم شيء من عذاب الناقصين.

وأمّا تذليل قطوفها فعبارة عن تعقّلاتهم لتلك المعقولات المجرّدة، وافتياضهم من تلك الجواهر العقليّة بحسب إمكاناتهم، وتذليل قطوفها تناولها بسرعة.

وفيه إشارة لطيفة إلى أنّ المبدأ الأوّل جلّ ذكره لا تتوقّف إفاضة وجوده على شيء من ذاته، وإنّما هو بحسب استعدادات القوابل، فهؤلاء لـمـّا كانوا على غاية من كمال استعداداتهم وقبولهم لكمالاتهم، لا جرم كانت قطوفها على غاية سرعة الإفاضة، وذلك معنى تذلّلها.

الثالث: الطواف والآنية معلوم، والأكواب جمع الكوب وهو القدح الّذي لا عروة له، والقوارير: الزجاجات، وانصرافه بالتنوين في بعض القراءات، إنّما هو لرعاية السجع.

وقوارير الثانية بدل من الأولى، والفائدة معلومة أي يطاف على هؤلاء الكمّل بآنية أصلها فضّة وأقداح أصلها القوارير الّتي مثل الفضّة في الصفاء والبياض بحيث يقال إنّها منها لشدّة ملابستها لها.

وبذلك يجاب عمّا استشكل بأنّه كيف تكون القوارير من فضّة وأمّا

١٨٧

القوارير من الرمل دونها. وقد يجاب أيضا بأنّ المضاف محذوف أي من صفاء الفضّة، قال الصادق عليه السلام: ينفذ البصر في فضّة الجنّة كما ينفذ في الزجاج(١) .

أقول: وفي الآية إشعار بكمال لطافة ما يحصل لهم من المقامات والمعارج بحيث لا يلتذّ بها سواهم، فإنّه لا مناسبة بين غير هؤلاء من المشتغلين بالشؤون الغيريّة وبين تلك المدركات العقليّة حتّى يدركوها، إذ الالتذاذ من الشيء وإدراكه فرع المناسبة والرابطة ولو في الجملة.

قال بعض العارفين: المراد أنّ الفضّة لـمـّا كانت من الجواهر العزيزة بما يتّخذ منه الملوك الأواني من آلات الشرب وغيرها وكان مع ذلك لها البياض الّذي هو أشرف الألوان المشرقة عبّر بها عمّا ناسبها من الجواهر المعقولة.

واعلم أنّه عبّر بالطواف عمّا يحصل للنفوس الكاملة من تلك المشاهدة والمقابلة الّتي تجري مجرى مقابلة المرايا العالية للمرايا السافلة، وعبّر بالآنية والأكواب عن المبادي العالية الّتي هي مقرّ العلوم والمعارف تنبيها على ذلك. انتهى.

وقال: نبّه بقوله قوارير على وصفين :

أحدهما: أنّ تلك الجواهر العقليّة وإن كان لها لون الفضّة فإنّها مع ذلك في صفاء القوارير وشفّافها، وهو إشارة إلى براءتها عن كدورات العلائق الجسمانيّة.

__________________

(١) بحار الأنوار ٨: ١١١.

١٨٨

والثاني: إنّها مقرّ العلوم الحقيقيّة قرارا لا يتبدّل ولا يتغيّر بحسب تغيّر المعلومات.

وقال: المبادئ العالية أنوار متعدّدة متكثّرة مترتّبة لها أظلال، فإشراقها على النفوس إظلالها، واستفاضة النفوس منها اقتطافها.

الرابع: في قوله «قدّروها» قراءتان :

الأولى: الفتح وهي المشهورة، أي قدّروها في أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها كما تمنّوه، أو قدّروها بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها، فالضمير عائد إلى الأبرار الموصوفين قبل.

وقيل: أي قدّروا الكأس على قدر ريّهم لا يزيد ولا ينقص من الريّ.

وقيل: قدّروها على قدر ملاء الكفّ، أي كانت الأكواب على قدر ما اشتهوا، فالضمير على القولين عائد إلى الطائفين الّذين يسقون، فإنّهم يقدّرونها ثمّ يسقون.

وفيه إشارة إلى أنّ كلّا منهم ينال من الفضل والمقام بحسب استعداده وعمله في الدنيا، بمعنى أنّهم ليسوا سواء في جميع المقامات، بل مقاماتهم مختلفة، ومراتبهم متفاوتة باختلاف إمكاناتهم، وتفاوت استعدادتهم، فلكلّ درجات ممّا عملوا والله عليم بما يعملون.

هذا معنى ما قيل من أنّ المراد أنّه حصل لكلّ منهم من المعارف والمشاهدات لتلك الصور البهيّة، والمطالع العليّة حصّته بحسب ما انتهى إليه طرق إمكانه، أي قدّر لهم الطائفون ذلك التقدير المختلف بحسب اختلاف إمكاناتهم.

١٨٩

الثانية: ضمّ القاف، فالضمير للأبرار، والتقدير: قدّروا عليها، فحذف الجار ووصل الفعل بالمجرور، وهو الشائع.

الخامس: قال بعض العارفين: لا يخفى على أولي النّهى أنّ في الآية أمورا ينبغي الاستكشاف عنها :

منها: كيفيّة كون هذه الأكواب من الفضّة والقارورة وهما جوهران متباينان.

ومنها: من فاعل التقدير.

ومنها: وجه التأكيد.

ومنها: وجه إعادة المصدر.

أمّا الأوّل، فيمكن أن يبيّن بوجوه :

أوّلها: إنّ قوارير الدنيا مأخوذة من الرمل والحجر، وقارورة الجنّة من الفضّة، فكما أنّ الله قادر على تقليب الرمل الكثيف زجاجة لطيفة صافية كذلك قادر على تقليب الفضّة قارورة لطيفة، ففي الآية إشارة إلى أنّ نسبة قارورة الجنّة إلى قارورة الدنيا كنسبة فضّة الجنّة إلى حجارة الدنيا، وبهذا يتفطّن بصفاء قارورة الجنّة ولطافتها.

وثانيها: إنّ كمال الفضّة في بقائها ونقائها وصفائها وشرفها إلّا أنّها كثيفة الجوهر، وكمال القارورة في شفّافها وصفائها إلّا أنّها سريعة الانكسار، ففي الآية إشارة إلى أنّ آنية الجنّة جامعة بين صفاء الفضّة وبقائها ونقائها وصفاء الزجاجة وشفّافها.

وثالثها: أن يكون إشارة إلى أنّ تلك الآنية من الفضّة، ولكن يكون لها صفاء الزجاجة.

١٩٠

ورابعها: أنّ القارورة في الآية ليست بمعنى الزجاجة، بل العرب تسمّي كلّما صفى من الأواني قارورة.

وأمّا الثاني وهو بيان المقدّر ففيه وجهان :

الأوّل: أنّه هو الطائف.

والثاني: أنّه هو الشارب، ولكلّ وجه، بل وجوه وجيهة.

وأمّا الثالث فلا يخفى على من تفطّن بالأوّل، كما أنّ الرابع ظاهر لمن تأمّل في الثاني إلى آخره.

السادس: في بناء الفعل للمفعول في قوله «ويطاف عليهم» إشعار بتعظيم الطائف، فإنّه هو المبدأ الأوّل جلّ جلاله.

وكذلك القول في قوله «ويسقون فيها كاسا ...» إلى آخره، إذ الساقي للأولياء من شراب المحبّة والصفاء في مجلس الشهود هو الله تعالى، كما قال: «وسقاهم ربّهم شرابا طهورا».

والزنجبيل معروف، وهو ممّا كانت العرب تستطيبه وتستلذّه وتضرب به المثل في أشعارها للملذوذات، فوعدهم أنّهم يسقون في الجنّة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنّة، فإنّهم كانوا يمزجون شرابهم بالزنجبيل في الدنيا لزيادة اللذّة.

وفيه إشارة إلى أنّ اللذّة الروحانيّة ألذّ اللذّات الّتي يتصوّرونها ويتوهّمونها.

ولا يخفى أنّ الزنجبيل الممزوج بشراب الأبرار ليس مناسبة بينه وبين زنجبيل الدنيا أصلا في الأثر واللذّة إلّا فيما ذكر من أنّهم يستلذّون به في

١٩١

الدنيا، فجرى كلام الحقّ على قدر إفهامهم ليعرفوا أنّ ما يمزجه الحقّ بشرابهم ألذّ ممّا يمزجونه، فذكر الزنجبيل إنّما هو من باب التمثيل لا التحقيق، فإنّ حقيقة اللذّات الأخرويّة لا يدركها المشتغلون بالنشأة الدنيويّة حقّ الدرك.

نعم ربّما يعرفونها إجمالا، ألا ترى إلى الصبيّ كيف لا يدرك لذّة الجماع الّتي يدركها البالغ، إلّا أنّه قد يقطع بأنّ الجماع فيه لذّة، ولكن لا يعرف حقيقته.

نعم يتمثّل تلك اللذّة له بلذّة القند والسكّر، فكما أنّ بين لذّة الجماع ولذّة السكّر فرقان فاحش، كذلك يكون بين لذّة الدنيا ولذّة الآخرة فرقان كثير غاية الفرقان، بل لا مناسبة بينهما إلّا في الاسم.

كيف واللذّة الروحانيّة الّتي أعدّها للأبرار ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إلى آخره، وهي دائمة باقية لا تتصرّم أبدا فهي أحقّ بذلك الاسم من اللذّة الفانية المتصرّمة.

وهكذا الأمر في جميع الألفاظ الّتي عبّر الله بها في القرآن عن اللذّات، فإنّ حقيقتها ما يلتذّ به العارفون ويستطيبه الصافّون.

وأمّا ما يسمّيه الناقصون باللذّة ويستطيبونه فليس في نفس الأمر لذّة وطيبا، وإنّما زعموا ذلك لعدم فوزهم بما هو الألذّ والأطيب.

كيف فلو كانوا فائزين به لما كانوا راضين بتلك التسمية أبدا، بل كانوا لا يتوجّهون إلى ذلك المقام أصلا، فحرمانهم عن المقام الأعلى حملهم على أن سمّوا تلك الأمور الفانية الزائلة لذّة وطيبا، وأنسوا بها حتّى لم يتبادر إلى

١٩٢

أذهانهم من الألفاظ المألوفة الرسميّة المشيرة إلى المعاني الروحانيّة الملكوتيّة سوى تلك اللذّات المألوفة الّتي لا تستحقّ اسم اللذّة، وذلك لعدم إدراكهم الملذّات الروحانيّة، وعدم فوزهم بها.

ويدلّك على ذلك أنّ الكاملين لا يتبادر إلى أذهانهم من تلك الألفاظ إلّا المقامات الملكوتيّة واللذّات الروحانيّة وإن ذلك إلّا لتوجّههم إلى جهة الملكوت وانقطاعهم عن سلسلة الناسوت.

وقد أجاد محمّد بن محمّد الغزاليّ قدّس سرّه في بيان ما أشرنا إليه من أنّ لتلك الألفاظ حقائق أحقّ في كتابه المسمّى بجواهر القرآن حيث قال :

إعلم أنّ الكبريت الأحمر عند الخلق في عالم الشهادة عبارة عن الكيمياء الّذي يتوصّل به إلى قلب الأعيان من الصفات الخسيسة إلى الصفات النفيسة حتّى ينقلب به الحجر ياقوتا، والنحاس ذهبا إبريزا، ليتوصّل به إلى لذّات في الدنيا مكدّرة منغّصة في الحال، متصرّمة على قرب في الاستقبال، أفترى أنّ ما يقلب جوهر القلب من رذالة البهيميّة، وضلالة الجهل إلى صفاء الملكيّة وروحانيّتها ليترقّى من أسفل السافلين إلى أعلى علّيّين، وينال به لذّة القرب من ربّ العالمين، والنظر إلى وجهه الكريم أبدا دائما سرمدا هل هو أولى باسم الكبريت الأحمر أم لا، فلهذا سمّيناه بالكبريت الأحمر، فتأمّل وراجع نفسك، وأنصف لتعلم أنّ هذا الاسم بهذا المعنى أحقّ، وعليه أصدق.

ثمّ أنفس النفائس الّتي يستفاد من الكيمياء اليواقيت، وأعلاها الياقوت الأحمر، فلذلك سمّينا به معرفة الذات.

وأمّا الترياق الأكبر فهو عند الخلق عبارة عمّا يشفي من السموم المهلكة

١٩٣

الواقعة في المعدة مع أنّ الهلاك الحاصل بها ليس إلّا هلاكا في حقّ الدنيا الهالكة الفانية، فانظر إن كان سموم البدع والأهواء والضلالات الواقعة في القلب مهلكة هلاكا يحول بين المسموم بها وبين عالم القدس ومعدن الروح والراحة حيلولة دائمة أبديّة سرمديّة وكانت المحاجّات البرهانية تشفي عن تلك السموم وتدفع ضررها هل هي أولى بأن يسمّى بالترياق الأكبر أم لا.

وأمّا المسك الأذفر فهو عبارة في عالم الشهادة عن شيء يستصحبه الإنسان، يثور منه رائحة طيّبة حتّى لو أراد إخفاءه لم يختف، لكن يستظهر وينتشر.

فانظر إن كان في المطالب العلميّة ما ينشر منه الاسم الطيّب في العالم ويشتهر به صاحبه اشتهارا لو أراد الاختفاء وإيثار الخمول لم يقدر عليه، بل يشهره ويظهره فاسم المسك الأذفر عليه أحقّ وأصدق أم لا. انتهى.

وأنا أقول: الجنّة عند الخلق في عالم الشهادة عبارة عن البستان المحفوف بالأشجار والأنهار بحيث يفرح بدخوله المغتمّ المهموم، ويزول عن قلبه الهموم والغموم، أفترى أنّ مقام قرب الحقّ الّذي من دخله كان مسرورا فرحا بالوصال، مجتنيا من أطايب ثمرات الجلال، زائلا عن قلبه شؤونات الجهل والضلال ليس أولى باسم الجنّة.

كيف وهو أولى بذلك الاسم، وهو عليه أحقّ وأصدق.

وكذا الشراب عند الخلق في ذلك العالم عبارة عمّا يشربونه فيطفئون به حرارات القلب، ويتوجّدون ويتطرّبون كمال التوجّد والتطرّب.

أفترى أنّ ما يطفأ به حرارة الجهل والغفلة ويتوجّد به العارفون

١٩٤

فيتطرّبون في عرش الحقّ واصلين متّصلين ليس أحقّ بذلك الاسم.

وكذا الزنجبيل عندهم عبارة عن ضرب من القرفة طيّب الطعم يمزجونه بالشراب فيلتذّون به على ما عرفت.

أفترى أنّ ما يلتذّ به الأبرار من الحقائق الروحانيّة الملكوتيّة، واللذّات الدائمة الحقيقيّة ليس أولى بذلك الاسم.

وكذا الحرير عندهم عبارة عمّا يلبسه الملوك ويتزيّنون به ويزيدون به الجمال والجلال عند الناس، فإنّه أبهى الألبسة، أفترى أنّ ما يستكمل به الواصلون ويستحملون به من لباس التوحيد وثياب التجريد بحيث يتميّزون بذلك عن سائر أصناف الخلق، ويتزيّنون به في سرير الملكوت ليس أحقّ بذلك الاسم؟

وكذلك الكافور الحسّيّ من صفاته البياض المشرق، ومن خواصّه إزالة الحرارة الراسخة المهلكة المتمكّنة في جوهر ذات الشخص. أفترى أنّ ما يفوز به الأبرار من الإفاضات العالية الّتي هي في غاية الإشراق والصفاء ومزيلة للجهالات وسائر المهلكات ليس أحقّ وأولى بذلك الاسم؟

وكذلك سائر الألفاظ الّتي اشتمل عليها القرآن لها حقائق تتبادر إلى أذهان العارفين كما تتبادر ظواهرها إلى أذهان الناقصين، فكما أنّ التبادر عندهم علامة للحقيقة كذلك هواية للحقيقة عند هؤلاء فكم من حقيقة عند أهل الظاهر هو أحقّ باسم المجاز عند أهل الباطن، فلكلّ اصطلاح يحاورون به في محلّ التخاطب لا يتكلّم به الآخرون، ولا يتبادر إلى أذهانهم كيف، فكما أنّ الناقصين القاصرين عن درك المقامات الروحانيّة لا ينتقش

١٩٥

في أذهانهم عند استماع تلك الألفاظ إلّا الصور الجسمانيّة المحسوسة الّتي كانوا ألفوها وأنسوا بها في عالم الشهادة، كذلك الكاملون العارفون بحقائق الحكمة والعرفان إذا استمعوا تلك الألفاظ لا يتوجّهون إلّا إلى المقامات الروحانيّة، واللذّات الملكوتيّة، ولا ينتقش في ألواح أذهانهم إلّا هذه المعاني العلويّة اللاهوتيّة، والحقائق العالية الهاهوتيّة. كيف ولا يتمنّون لرفعة همّتهم إلّا تلك المقامات القربيّة، ولا يرجون إلّا الفوز بهذه المعاني الملكوتيّة، والالتذاذ بالإفاضات الإلهيّة والعنايات الرحمانيّة الأزليّة، وذلك لما ركز في هويّتهم من الشوق إلى الحقّ الّذي هو المبدأ الأوّل لكلّ ما في الإمكان.

وأمّا الناقصون فليس فيهم ذلك الشوق، ولذا كانت منيتهم الالتذاذ بالمشارب والمآكل والمناكح الّتي هي لائقة بمقام البهيمة، وهؤلاء لقد استبدلوا الّذي هو أدنى بالّذي هو خير، وضلّوا عن مقام الوجد والحال.

ولقد أجاد الغزاليّ رحمه الله في ذلك المقام، حيث قال :

إعلم أنّه لو خلق فيك شهوة شوق إلى الله، وشهوة لمعرفة جلاله أصدق وأقوى من شوقك للأكل والنكاح لكنت تؤثر جنّة المعارف ورياضها وبساتينها على الجنّة الّتي فيها قضاء الشهوات المحسوسة.

واعلم أنّ هذه الشهوة خلقت للعارفين ولم يخلق لك كما خلقت لك شهوة الجاه ولم يخلق للصبيان، وإنّما للصبيان شهوة اللعب، فأنت معجب من الصبيان في عكوفهم على لذّة اللعب وخلوّهم عن لذّة الرياسة، والعارف يتعجّب منك في عكوفك على لذّة الجاه والرياسة، فإنّ الدنيا بحذافيرها عند العارف لهو ولعب.

١٩٦

ولـمّا خلقت هذه الشهوة للعارفين كان التذاذهم بالمعرفة بقدر شهوتهم، ولا نسبة لتلك اللّذة إلى لذّة الشهوات الحسّيّة، فإنّها لذّة لا يعتريها الزوال، ولا يغيّرها الملال، بل لا يزال يتضاعف ويترادف ويزداد بزيادة المعرفة والإعراق فيها بخلاف سائر الشهوات، إلّا أنّ هذه الشهوة لا تخلق في الإنسان إلّا بعد البلوغ إلى حدّ الرجال، ومن لا تخلق فيه فهو إمّا صبيّ بعد لم تكمل فطرته لقبول هذه الشهوات، أو عنّين أفسد كدورة الدنيا وشهواتها فطرته الأصليّة.

فالعارفون لـمـّا رزقوا شهوة المعرفة ولذّة النظر إلى جلال الله فهم من مطالعتهم جمال الحضرة الربوبيّة في جنّة عرضها السماوات والأرض، بل أكثر ، وهي جنّة عالية قطوفها دانية، فإنّ فواكهها صفة ذاتهم وليست مقطوعة ولا ممنوعة، إذ لا مضايقة في المعارف.

والعارفون ينظرون إلى العاكفين في حضيض الشهوات نظر العقلاء إلى الصبيان عند عكوفهم على لذّات اللعب، ولذلك تراهم يستوحشون من أكثر الخلق، ويؤثرون العزلة والخلوة، فهي أحبّ الأشياء إليهم، ويهربون من المال والجاه، فإنّه يشغلهم عن لذّة المناجاة، ويعرضون عن الأهل والولد ترفّعا عن الاشتغال بهم عن الله تعالى.

فترى الناس يضحكون منهم، فيقولون موسوس ظهر عليه مبادئ الجنون، وهم يضحكون على الناس لقناعتهم بمتاع الدنيا، ويقولون إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون إلى آخره.

السابع: قال بعض العارفين: الكأس هاهنا هي الأولى بعينها، وإنّما أورد

١٩٧

هاهنا بصفة المزج بالزنجبيل، وكذا المراد من العين في قوله:( عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ) هي العين السابقة، إلّا أنّه أورده هاهنا بصفة السلاسة، وسرعة الفيض الإلهيّ في حقّهم، وسهولة افتياض المعقولات عليهم، إذ كانوا على غاية من الإمكان.

ثمّ لـمـّا وصف الكأس بطعم الزنجبيل وكانت الكأس من تلك العين نبّه في وصف العين بسلاسة الجريان في الخلق على أنّها مع استلزامها لطعم الزنجبيل ليس فيها قوّة اللذاعة الّتي فيه، فسبحان الملهم لتلك الاستعارة، والهادي إلى تلك العبارة. انتهى.

أقول: ما ذكره من أنّ المراد بالكأس هاهنا هي الكأس فيما قبل، وكذا العين، يتوجّه عليه أنّ ذلك مستلزم للتكرار والتأكيد، وهو في المقام غير مفيد، فالأحقّ أن يقال: إنّ في ذلك إشارة إلى ما مرّ من أنّ لكلّ من الأبرار مقامات مختلفة بحسب الحقيقة عن اختلافات الإفاضات العالية، إذ ليس للعارف مقام واحد واقف هو فيه في جميع الأوقات والحالات، بل يفوز في كلّ وقت وحالة بمقام وإفاضة ليس له في الوقت السابق والحالة السابقة.

كيف ولا نهاية لترقّي الإنسان يقف فيها، بل يترقّى آنا فآنا بحسب سعيه وجهده، كما قال:( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) (١) .

وهذا هو السرّ في كونه أفضل من الملك، فإنّ له مقاما معلوما لا يجاوزه ولو أكثر في سعيه واجتهاده، كما يدلّ عليه بعض الأخبار المرويّة.

ويؤيّده ما حكي عن أبي الحسين الخرقانيّ أنّه قال: صعدت ظهيرة

__________________

(١) النجم: ٣٩.

١٩٨

على العرش لأطوف به فطفت عليه ألف طوفة، كما قال: ورأيت حواليه قوما ساكنين مطمئنّين، فتعجّبوا من سرعة طوافي، وما أعجبني طوافهم، فقلت: من أنتم؟ وما هذه البرودة في الطواف؟ فقالوا: نحن ملائكة، ونحن أنوار، وهذا طبعنا لا نقدر أن نجاوزه، فقالوا: ومن أنت؟ وما هذة السرعة في الطواف؟ فقلت: آدميّ وفيّ نور ونار، وهذه السرعة من نتائج نور الشوق. انتهى.

فما اختاره المعتزلة من أنّ الملك أفضل من الإنسان لوجوه غير وجيه، والوجوه الّتي استدلّوا بها غير وجيهة، وما قاله محيي الدين من أنّه سألت عن ذلك رسول الله في الواقعة، فقال لي: إنّ الملائكة أفضل، فقلت له: يا رسول الله، فإن سئلت ما الدليل على ذلك فما أقول؟ فأشار إليّ أن علمتم أنّي أفضل الناس، وقد صحّ وثبت عندكم وهو صحيح أنّي قلت عن الله أنّه قال: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وكم ذاكر لله ذكره في ملأ أنا فيهم، فذكر الله في ملأ خير من ذلك الملأ الّذي أنا فيهم إلى آخره. يشمّ منه رائحة الكذب، ولو صحّ وصدق لا يعارض الصحاح من الأخبار الدالّة على أفضليّة الإنسان مطلقا، فضلا عن الأنبياء سيّما نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله الّذي كان أفضل من كلّ شيء في الإمكان.

كيف والكلّ مخلوق به، وهو العلّة لوجود كلّ شيء، وهذا في الظهور كالنور على شاهق الطور، فلا حاجة إلى إسطار السطور، في تحقيق ما هو المشهور، بين الجمهور:

١٩٩

ملك در سجده آدم زمين بوس تو نيّت كرد

كه در حسن تو چيزى يافت بيش از حدّانسانى

وبالجملة: فلا يخفى أنّ المراد بالكأس هاهنا إفاضة خاصّة غير الإفاضة السابقة الّتي عبّر عنها بالكأس فيما سبق.

وفي التعبير بالشرب ونسبته إليهم فيما سبق حيث قال:( يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ ) إلى آخره.

وبالسقي ونسبته إلى المجهول وهو الحقّ تعالى هنا إشارة إلى أنّ للسالك العارف لذّتين:

لذّة يتسبّب لها ذاتيّته بحسب الإمكان والاستعداد، فيلتذّ بها لجهده وعمله.

ولذّة يتسبّب لها جذبة الحقّ من غير أن تكون ناشئة عن عمل العبد وسعيه، بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من أوليائه وأحبّائه، ونعم ما قيل: جذبة من جذبات الحقّ توازي عمل الثقلين.

وفي المقام مطالب يمنعني ضيق الوقت عن تفاصيلها، ولكنّ القول المجمل منها: أنّ السالك في سبيل المحبّة: إمّا سالك محض، وهو مجزيّ بعمله، ملتذّ بعاقبة سعيه.

أو مجذوب محض من غير أن يكون له سعي، وإنّما يجذبه الحقّ بلطفه وفضله إلى عرش الصفاء، ومقام البهاء، وهو غافل عن ذلك قبل ذلك، كما قال:( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (١) إلى آخره، ولكن لا بدّ له من استعداد

__________________

(١) الطلاق: ٣.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463