فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء ١

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة12%

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة الحديث وعلومه
ISBN: 964-6406-18-1
الصفحات: 463

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 463 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 130700 / تحميل: 6358
الحجم الحجم الحجم
فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٦٤٠٦-١٨-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وفي لفظ : ( إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففي كلّ أربعين بنت لبون ، وفي كلّ خمسين حقه )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون »(٢) .

ولأنّ سائر ما جعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غايةً للفرض إذا زاد عليه واحدة تغيّر الفرض.

وقال أحمد - في الرواية الاُخرى - وأبو عبيد : لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ مائة وثلاثين فيكون فيها حقّة وبنتا لبون ، لأنّ الفرض لا يتغيّر بزيادة الواحدة كسائر الفروض ، ولو سلّم فكذا هنا ، لأنّ الواحدة إنّما ( تغيّر )(٣) بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة على الستين ( والتسعين )(٤) (٥) .

وقال مالك في الرواية الاُخرى : إذا زادت تغيّر الفرض إلى تخيير الساعي بين الحِقّتين وثلاث بنات لبون(٦) .

وقال ابن مسعود والنخعي والثوري وأبو حنيفة : إذا زادت الإِبل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة في كلّ خمسٍ شاةٌ إلى مائة وأربعين ففيها‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ١١٥ / ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٣) أي : تغيّر الفرض. وورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : يعتبر. وفي الطبعة الحجرية : يعتد. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير. لاحظ : المصادر في الهامش (٥) الآتي.

(٤) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : السبعين. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير. لاحظ : الهامش التالي.

(٥) المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٧ ، والمجموع ٥ : ٤٠٠ ، وفتح العزيز ٥ : ٣٢٠.

(٦) التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦.

٦١

حقّتان وأربع شياه إلى خمس وأربعين ومائة ، فيكون فيها حقّتان وبنت مخاض إلى مائة وخمسين ، ففيها ثلاث حقاق ، ثم تستأنف الفريضة أيضاً بالغنم ، ثم بنت مخاض ، ثم بنت لبون ، ثم حقّة ، فيكون في كلّ خمسٍ شاةٌ إلى مائة وسبعين ، فيكون فيها ثلاث حقاق وأربع شياه ، فإذا بلغت خمساً وسبعين ففيها ثلاث حقاق وبنت مخاض إلى مائة وخمس وثمانين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مائة وخمس وتسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع حقاق إلى مائتين ، ثم يعمل في كلّ خمسين ما عمل في الخمسين التي بعد مائة وخمسين إلى أن ينتهي إلى الحقاق ، فإذا انتهى إليها انتقل إلى الغنم ، ثم بنت مخاض ، ثم بنت لبون ، ثمّ حقّة ، وعلى هذا أبداً(١) .

لما روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتب لعمرو بن حزم كتاباً ذكر فيه الصدقات والديات وغيرها ، فذكر فيه : ( إن الإِبل إذا زادت على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة في كلّ خمسٍ شاةٌ ، وفي عشر شاتان )(٢) .

وقد روي عن عمرو بن حزم(٣) مثل قولنا وإذا اختلفت روايته سقطت ، أو تزاد إذا زادت في أثناء الحول ، فإنّ الزيادة لها حكم نفسها ، أو نقول : استؤنفت بمعنى استقرّت على هذين الشيئين.

وقوله : ( في كلّ خمس شاة ) يحتمل أن يكون تفسير الراوي على ظنّه.

ولأنّ ما قلناه موافق للقياس ، فإن الجنس إذا وجب فيه من جنسه لا يجب فيه من غير جنسه ، وإنّما جاز ذلك في الابتداء ، لأنّه لم يحتمل أن يجب فيه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٥١ ، اللباب ١ : ١٣٩ - ١٤٠ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦.

(٢) المراسيل - لأبي داود - : ١١١ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٤ بتفاوت.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ٨٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٣٩٦.

٦٢

من جنسه وقد زال هذا المعنى.

وروى الجمهور عن عليعليه‌السلام وعبد الله مثل قول أبي حنيفة(١) ولم يثبت عنهما.

وقال ابن جرير : هو مخيّر بين مذهب الشافعي وأبي حنيفة(٢) .

مسألة ٣٨ : لو كانت الزيادة على عشرين ومائة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض‌ إجماعاً ، لأنّ الأحاديث تضمّنت اعتبار الواحدة ، ولأنّ الأوقاص كلّها لا يتغيّر فرضها بالجزء كذا هنا.

وقال أبو سعيد الإِصطخري : يتغيّر الفرض به ، لأنّ الزيادة مطلقة عامّة(٣) . وما ذكرناه أخص.

مسألة ٣٩ : إذا اجتمع في نصابٍ الفريضتان كمائتين وكاربعمائة تخيّر المالك‌ بين إخراج الحقاق وبنات اللبون عند علمائنا ، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتاب الصدقات : ( فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيّ السنين وجدت أخذت )(٥) .

ولأنّه قد اجتمع عددان كلّ واحد منهما سبب في إيجاب ما تعلّق به الفرض ، والجمع باطل ، وتخصيص أحدهما ترجيح من غير مرجِّح فوجب التخيير.

____________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٢٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٠٠ - ٤٠١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٩.

(٥) المستدرك - للحاكم - ١ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ - ٩٩ / ١٥٧٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩١.

٦٣

وقال الشافعي في القديم : تجب الحقاق لا غير ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية(١) ، لأنّ الفرض يتغيّر بالسنّ في فرائض الإِبل أكثر من تغيّره بالعدد ، فإنّ في مائة وستين أربع بنات لبون ، ثمّ كلّما زاد عشراً زاد سنّاً فيكون في مائة وتسعين ثلاث حقاق.

وليس بشي‌ء ، لأنّ كلّ عدد تغيّر الفرض فيه بالسنّ فإنّما تغيّر لقصوره عن إيجاب عدد الفرض.

فروع :

أ - الخيار إلى المالك عندنا ، وبه قال أحمد في رواية(٢) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ : « إيّاك وكرائم أموالهم »(٣) .

ولأنّها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك لربّ المال ، كالخيار في الجبران بين شاتين أو عشرين درهماً وبين النزول والصعود وتعيين المخرج.

وقال الشافعي في الجديد : يتخيّر الساعي فيأخذ أحظّهما للفقراء ، فإن أخرج المالك لزمه أعلى الفرضين(٤) ، لقوله تعالى( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (٥) .

ولأنّه وجد سبب الفرضين فكانت الخيرة إلى مستحقّه أو نائبه كقتل العمد الموجب للقصاص أو الدية.

ولا دلالة في الآية ، لأنّه إنّما يأخذ الفرض بصفة المال فيأخذ من الكرائم‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١١ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٧ ، المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٩ - ٤٩٠.

(٢) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ٢٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٣٣ ، ومصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٢٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٠‌

(٥) البقرة : ٢٦٧.

٦٤

مثلها ، والأدنى ليس بخبيث ، ولهذا لو لم يوجد إلّا سببه وجب إخراجه ، ونمنع الأصل ، ويبطل بشاة الجبران ، وقياس الزكاة على الزكاة أولى من قياسها على الدية.

ب - التخيير إذا وجد الفرضان عنده ، فإن وجد أحدهما احتمل تعيّن الفرض فيه ، لعدم الآخر ، وهو قول الشافعي(١) بناءً على التخيير ، وتخيير المالك في إخراجه وشراء الآخر ، لأنّ الزكاة لا تجب في العين ، وهو قول بعض الجمهور(٢) ، وهو أقوى.

ولو عدمهما تخيّر في شراء أيّهما كان ، لاستقلال كلّ منهما بالإِبراء ، ولأنّه إذا اشترى أحدهما تعيّن الفرض فيه ، لعدم الآخر ، وبه قال الشافعي(٣) .

ج - لو أراد إخراج الفرض من النوعين ، فإن لم يحتج إلى تشقيص جاز مثل أن يخرج عن أربعمائة أربع حقاق وخمس بنات لبون ، وبه قال أكثر الشافعية(٤) .

وقال أبو سعيد الإِصطخري : لا يجوز ، لما فيه من تفريق الفريضة(٥) .

وهو غلط لأنّ كلّ واحدة من المائتين منفردة بفرضها.

وإن احتاج بأن يخرج عن المائتين حِقّتين وبنتي لبون ونصف جاز بالقيمة لا بدونها ، لعدم ورود الشرع بالتشقيص إلّا من حاجة ، ولهذا جعل لها أوقاصاً دفعاً للتشقيص عن الواجب فيها ، وعدل فيما نقص عن ستّ وعشرين من الإِبل عن إيجاب الإِبل إلى إيجاب الغنم ، فلا يصار إليه مع إمكان العدول عنه إلى إيجاب فريضة كاملة ، أمّا بالقيمة فيجوز ، لتسويغ إخراجها.

____________________

(١) الاُم ٢ : ٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١١.

(٢) قال به ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٤٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٩١.

(٣) المجموع ٥ : ٤١١ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٢.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩.

٦٥

د - لو أخذ الساعي الأدنى جاز ، ولا يخرج ربّ المال الفضل وجوباً ، لما بيّنا من تخيير المالك.

وقال الشافعي : يخرج الفضل وجوباً - في أحد الوجهين - لأنّه أخرج دون الواجب فكان عليه الإِكمال ، وفي الآخر : مستحب(١) ، كما بيّنّاه.

فعلى الأول لو كان يسيراً لا يمكن شراء جزء حيوان به أخرجه دراهم ، وإن أمكن فوجهان(٢) : الشراء ، لعدم جواز إخراج القيمة عنده ، وإخراج الدراهم ، لمشقّة شراء الجزء وإخراجه وعدم النص فيه ، بخلاف الكلّ.

وقال بعض الشافعية : إن كان المأخوذ باقياً ردّه الساعي وأخذ الأعلى وإلّا ردّ قيمته وأخذ الأعلى(٣) .

وقال بعضهم : يخرج الفضل مع التلف(٤) .

مسألة ٤٠ : لو وجد أحد الفرضين ناقصاً والآخر كاملاً أخذ الكامل‌ ، مثل : أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق تعيّن أخذ الفريضة الكاملة ، لأنّ الجبران بدل يشترط له عدم المبدل ، نعم لو ساوت قيمته جاز.

ولو كانا ناقصين بأن كان فيه ثلاث حقاق وأربع بنات لبون تخيّر ، إن شاء أخرج بنات اللبون وحقّة وأخذ الجبران ، وإن شاء أخرج الحقاق وبنت اللبون مع الجبران.

ولو قال : خُذ منّي حقّة وثلاث بنات لبون مع الجبران لكلّ واحدة لم يجز إلّا على القيمة.

وللشافعي وجهان : المنع ، لأنّه يعدل عن الفرض مع وجوده إلى‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١٢ - ٤١٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٤٧ - ٤٨.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٥ : ٣٥٤.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٤٨.

٦٦

الجبران ، والجواز ، لأنّه لا بدّ من الجبران ، فكما جاز مع واحدة جاز مع أكثر(١) .

ولو لم يجد إلّا حقّة وأربع بنات لبون أدّاها وأخذ الجبران ، وهل له دفع الحِقّة وثلاث مع الجبران؟ إشكال.

مسألة ٤١ : من وجب عليه سنّ وليست عنده ، وعنده أعلى بمرتبة‌ كان له دفعها واستعادة الجبر بينهما وهو شاتان أو عشرون درهما.

وإن كان عنده أدون بمرتبة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهماً ، كمن وجب عليه بنت مخاض وعنده بنت لبون دفعها واستعاد ، وبالعكس يدفع بنت المخاض والجبران.

وكذا لو وجب عليه بنت لبون وعنده حقّة ، أو بالعكس ، أو وجب عليه حقّة وعنده جذعة ، أو بالعكس عند علمائنا أجمع ، وبه قال النخعي والشافعي وابن المنذر وأحمد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( ومن بلغت عنده من الإِبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة فإنّها تقبل منه الحقّة ، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له ، أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده وعنده الجذعة فإنّها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدّق عشرين درهماً أو شاتين )(٣) وساق الحديث إلى باقي المراتب.

ومن طريق الخاصة قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتابه الذي كتبه بخطّه لعامله على الصدقة : « من بلغت عنده من إبل الصدقة الجذعة وليست‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٤١٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٤٥ - ٤٦ ، المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٣ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٧

عنده وعنده حقّة فإنّها تقبل منه ، ويجعل معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده وعنده جذعة قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته الحقّة وليست عنده وعنده ابنة لبون قبلت منه ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده حقّة قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض قبلت منه ، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً »(١) .

وحكي عن الثوري وأبي عبيد وإسحاق في إحدى الروايتين ، أنهم قالوا : الجبران شاتان أو عشرة دراهم.

لأنّ عليّاًعليه‌السلام قال : « إذا أخذ الساعي في الإِبل سنّاً فوق سنّ أعطى شاتين أو عشرة دراهم»(٢) .

ولأنّ الشاة مقوَّمة في الشرع بخمسة دراهم ، لأنّ نصابها أربعون ونصاب الدراهم مائتان(٣) .

والحديث ضعيف السند عندهم ، ولا اعتبار بما ذكروه في النُصب ، فإنّ نصاب الإِبل خمسة ، والذهب عشرون ، وليس البعير مقوَّماً بأربعة.

وقال أصحاب الرأي : يدفع قيمة ما وجب عليه أو دون السنّ الواجبة وفضل ما بينهما دراهم احترازاً من ضرر المالك أو الفقراء(٤) .

وليس بمعتمد ، فإنّ التخريج لا يصار إليه مع وجود النصّ.

إذا ثبت هذا ، فإنّ ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض وإن كان قادراً

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٣ ، والمقنعة : ٤١.

(٢) مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٣٩ / ٦٩٠٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٤ ، المجموع ٥ : ٤١٠.

(٤) المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠١.

٦٨

على شراء بنت المخاض ، ولا جبران إجماعاً.

لقولهعليه‌السلام : ( فإن لم تكن فيها بنت مخاض فابن لبون )(١) .

ومن طريق الخاصة قول عليعليه‌السلام : « ومن لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنّه يقبل منه وليس معه شي‌ء »(٢) ولأنّ علوّ السنّ جبر نقص الذكورة.

ولو وجدهما لم يجزئ ابن اللبون وإن كانت بنت المخاض أعلى من صفة الواجب ، بل يخرجها أو يبتاع بنت مخاض مجزئة.

ولو كانت بنت المخاض مريضةً أجزأه ابن اللبون ، لأنّ المريضة غير مقبولة عن الصحاح فكانت كالمعدومة.

ولو عدمهما جاز أن يشتري مهما شاء ، وبه قال الشافعي(٣) ، لأنّه مع ابتياعه يكون له ابن لبون فيجزئه.

وقال مالك : يجب شراء بنت مخاض ، لأنّهما استويا في العدم فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود(٤) .

والفرق : وجود بنت المخاض هنا ، بخلاف العدم.

فروع :

أ - لو عدم السن الواجبة والتي تليها كمن وجبت عليه جذعة فعدمها وعدم الحقّة ووجد بنت لبون ، أو وجب عليه بنت مخاض فعدمها وعدم بنت اللبون ووجد الحقّة فالأقرب جواز الانتقال إلى الثالث مع الجبران فيخرج بنت اللبون عن الجذعة ، ويدفع معها أربع شياه أو أربعين درهماً ، ويخرج الحقّة عن بنت‌

____________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٣٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٣ ، والمقنعة : ٤١.

(٣) فتح العزيز ٥ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٤٣.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٤٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦١ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٨.

٦٩

المخاض ويستردّ أربع شياه أو أربعين درهماً - وهو اختيار الشيخ(١) والشافعي(٢) - لأنّه قد جوّز الانتقال إلى السنّ الذي يليه مع الجبران ، وجوّز العدول عن ذلك أيضاً إذا عدم مع الجبران إذا كان هو الفرض ، وهنا لو كان موجوداً أجزأ ، فإذا عدم جاز العدول إلى ما يليه مع الجبران.

ولأنّ الأوسط يجزئ بدله ، لتساويهما في المصالح المطلوبة شرعاً ، وإلّا لقبح قيامه مقامه ، ومساوي المساوي مساو.

وقال ابن المنذر : لا يجوز الانتقال إلّا بالقيمة ، لأنّ النصّ ورد بالعدول إلى سنّ واحدة فيجب الاقتصار عليه(٣) . وهو ممنوع.

ب - يجوز العدول عن الجذعة إلى بنت المخاض ، وبالعكس مع عدم الأسنان المتوسطة بينهما ، فيؤدّي مع دفع الناقصة ستّ شياه أو ستّين درهماً ، ويستردّ مع دفع الكاملة ستّ شياه أو ستّين درهماً.

ج - إذا وجد السنّ الذي يلي الواجب لم يجز العدول إلى سنّ لا يليه ؛ لأنّ الانتقال عن السنّ التي تليه إلى السنّ الاُخرى بدل فلا يجوز مع إمكان الأصل ، فلو عدم الحقّة وبنت اللبون ، ووجد الجذعة وبنت المخاض ، وكان الواجب الحقّة لم يجز العدول إلى بنت المخاض ، وإن كان الواجب بنت اللبون لم يجز إخراج الجذعة.

د - لو أراد في الجبر أن يعطي شاةً وعشرةً ، فالأقرب عندي الجواز ، لتساوي كلّ من الشاتين والعشرين.

ومنعه الشافعي ، لأنّه تبعيض للجبران فلا يجوز ، كما لا يجوز تبعيض الكفّارة(٤) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤ ، النهاية : ١٨٠ - ١٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، المغني ٢ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٦.

(٣) المجموع ٥ : ٤٠٨ ، المغني ٢ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٦.

(٤) المجموع ٥ : ٤٠٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٩.

٧٠

والفرق : جواز إخراج قيمة المنصوص هنا ، بخلاف ثمّ.

ويجوز أن يُخرج عن أربع شياه جبراناً شاتين وعشرين درهماً ، لأنّهما جبرانان فهما كالكفّارتين.

ه- لو أراد في فرض المائتين أن يخرج عن خمس بنات لبون خمس بنات مخاض ، أو عن أربع حقاق أربع جذعات جاز أن يخرج بعض الجبران دراهم وبعضه شياهاً.

و - لو عدم الفريضة ووجد ما يليها من الطرفين تخيّر في إخراج أيّهما شاء ، ويدفع مع الناقص ويستعيد مع الزائد ، فلو وجب عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض وحقّة تخيّر ، والأقرب إخراج ما فيه الغبطة للمساكين.

ز - لا اعتبار بالقيمة السوقية هنا ، فلو زاد الجبران الشرعي أو نقص عن التفاوت السوقي لم يعتدّ به ، لأنّه ساقط في نظر الشرع.

والأقرب عندي أنّ ذلك مع التقارب أو الاشتباه ، أمّا مع علم التفاوت الكثير فإشكال ، لأدائه إلى عدم الإِخراج بأن تكون بنت اللبون التي يدفعها عوضاً عن بنت المخاض تساوي شاتين أو عشرين درهما.

ح - الأقرب إجزاء بنت مخاض عن خمس شياه مع قصور القيمة عنها ، لأنّها تجزئ عن ستّ وعشرين فعن خمس وعشرين أولى.

ويحتمل عدمه ، لأنّ الواجب الفريضة أو قيمتها وليست إحداهما.

وكذا الإِشكال في إجزائها عن شاة في الخمس مع قصور القيمة ، لأنّها تجزئ عن ستّ وعشرين فعن خمس أولى.

ط - لا جبران بين ما نقص عن سنّ بنت المخاض وبينها ولا بين ما زاد عن سن الجذعة وبينها ، لأنّ الاُولى أقلّ أسنان الإِبل في الزكاة ، والثانية أعلاها ، نعم يجبر بالقيمة.

ي - الجبران مختص بالزكاة دون غيرها من المقادير ، فلا جبران في الديات ، ولا في المنذورات.

٧١

يا - لا مدخل للجبران في غير الإِبل اقتصاراً على مورد النص ، وليس غيرها في معناها ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد الأدون أو الأعلى أخرجها مع التفاوت أو استردّه بالتقويم السوقي.

ومن منع من القيمة أوجب في الأدون شراءها ، فإن تطوّع بالأعلى جاز ، وإن وجب الأعلى كلّف شراؤه(١) .

يب - لو كان النصاب كلّه مراضاً وفريضته معدومة جاز له العدول إلى السفلى مع دفع الجبران المنصوص عليه ، وليس له الصعود مع أخذ الجبران ، لأنّ الجبران أكثر من الفضل الذي بين الفرضين ، وقد يكون الجبران خيراً(٢) من الأصل فإنّ قيمة الصحيحين أكثر من قيمة المريضين فكذلك قيمة ما بينهما.

يج - لو كان المخرج ولي اليتيم وقلنا بالوجوب ، فالأولى إخراج القيمة إن كان فيه الحظّ ، وإلّا أخرج الناقص مع الجبران ، أو دفع الزائد وأخذ الجبران ، ولو كان إخراج القيمة أولى لم يجز للولي دفع الناقص مع الجبران ، أمّا لو كان إخراج القيمة أولى من العين فإنّه يجوز إخراج العين.

يد - لو أخرج بدل الجذعة ثنيّة فالأقرب عدم إجابة أخذ الجبران لو طلبه ، لأنّ المؤدّى ليس من أسنان الزكاة فلا يؤخذ له الجبران ، كما لو أخرج فصيلاً مع الجبران ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الجواز ، لزيادة السنّ(٣) .

مسألة ٤٢ : شرط سلّار منّا في زكاة الإِبل والبقر والغنم الاُنوثة‌ في‌

____________________

(١) اُنظر : المغني ٢ : ٤٥٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٩٨.

(٢) ورد في النسخ الخطية « ط وف ون » : جزءاً. وهو تصحيف. وما أثبتناه من نسخة « م » وهو الصحيح كما ورد كذلك في المنتهى ١ : ٤٨٥ ومخطوطة نهاية الإِحكام ، كلاهما للمصنّف ، والكلمة ساقطة من مطبوعة النهاية ، راجع ج ٢ ص ٣٢٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٥ - ٣٦٦.

٧٢

النصاب ، فلا زكاة في الذكران وإن بلغت النصاب(١) ، لدلالة الأحاديث على أنّ في خمس من الإِبل شاة(٢) ، وإنما يتناول الإِناث إذ مدلول إسقاط التاء من العدد ذلك ، ولأنّ الشرط اتّخاذها للدرّ والنسل وإنّما يتحقّق في الإِناث ، وللبراءة الأصلية.

وباقي الأصحاب لم يشترطوا ذلك ، لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة »(٣) .

ولا دلالة في الحديث ، إذ ليس فيه منع من الوجوب في الذكورة فيبقى ما قلناه سالماً عن المعارض ، ونمنع الشرط ، بل السوم وأن لا تكون عوامل ، والبراءة معارضة بالاحتياط خصوصاً مع ورود العمومات.

* * *

____________________

(١) المراسم : ١٢٩.

(٢) اُنظر على سبيل المثال : الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، والاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

٧٣

الفصل الثاني

في زكاة البقر‌

مسألة ٤٣ : زكاة البقر واجبة‌بالسنّة والإِجماع.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدّي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمن تنطحه بقرنها وتطؤه بأخفافها ، كلّما نفدت اُخراها عادت عليه اُولاها حتى يقضى بين الناس )(١) .

وقد أجمع المسلمون كافّة على وجوب الزكاة فيها ، ولأنّها أحد أصناف بهيمة الأنعام فوجبت الزكاة في سائمتها كالإِبل.

مسألة ٤٤ : وشروطها أربعة كالابل : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، وهما متساويان فيها إلّا النصاب فإنّ في البقر نصابين.

الأوّل : ثلاثون ، فلا زكاة فيما نقص عن ثلاثين من البقر بإجماع علمائنا ، وهو قول عامّة أهل العلم ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث معاذاً إلى اليمن وأمره أن يأخذ من البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً(٢) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٩ / ١٧٨٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، مسند أحمد ٥ : ١٥٧ - ١٥٨ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٧.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠١ / ١٥٧٦.

٧٤

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وليس في أقلّ من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة بقرة مسنّة »(١) .

وحكي عن سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا : في كلّ خمس من البقر شاة إلى أن تبلغ ثلاثين ، فإذا بلغت ففيها تبيع(٢) ، لأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سوّى بين البقرة والبدنة في الهدي ، وجعل كلَّ واحدة منهما بسبع شياه(٣) ، فينبغي أن يقاس البقر عليها في إيجاب الشاة.

وهو غلط ، لأنّ خمساً من الإِبل تقوم مقامها خمس وثلاثون من الغنم ، ولا تجب فيها الشاة الواجبة في الإِبل.

النصاب الثاني : أربعون ، وعليه الإِجماع فإنّا لا نعلم فيه مخالفاً.

مسألة ٤٥ : والسوم شرط هنا كما تقدّم في الإِبل‌عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر الجمهور(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « ليس في العوامل شي‌ء »(٥) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ، ولا على العوامل شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة الراعية »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ باب صدقة البقر الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٢) المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ ، المجموع ٥ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٥١.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥٠ - ٣٥٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٨ / ٩٠٤.

(٤) المغني ٢ : ٤٥٦.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٦) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٧) راجع : الهامش (١) من هذه الصفحة.

٧٥

ولأنّ صفة النماء معتبرة في الزكاة ولا توجد إلّا في السائمة.

وقال مالك : إنّ في العوامل والمعلوفة صدقة(١) . كقوله في الإِبل ، وقد تقدّم(٢) .

مسألة ٤٦ : والفريضة في الثلاثين تبيع أو تبيعة‌ يتخيّر المالك في إخراج أيّهما شاء ، وفي الأربعين مسنّة ، ثم ليس في الزائد شي‌ء حتى تبلغ ستّين ، فإذا بلغت ذلك ففيها تبيعان أو تبيعتان إلى سبعين ، ففيها تبيع أو تبيعة ومسنّة ، فإذا زادت ففي كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كلّ أربعين مسنّة عند علمائنا أجمع ، وهو قول الشعبي ، والنخعي ، والحسن ، ومالك ، والليث ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وأبي ثور ،(٣) لأنّ معاذاً قال : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اُصدّق أهل اليمن ، فعرضوا عليَّ أن آخذ ممّا بين الأربعين والخمسين ، وبين الستّين والسبعين ، وما بين الثمانين والتسعين ، فأبيت ذلك وقلت لهم : حتى أسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقدمت وأخبرته فأمرني أن آخذ من كلّ ثلاثين تبيعاً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً ، ومن الستّين تبيعين ، ومن السبعين مسنّة وتبيعاً ، ومن الثمانين مسنّتين ، ومن التسعين ثلاثة أتباع ، ومن المائة مسنّة وتبيعين ، ومن العشرة ومائة مسنّتين وتبيعاً ، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنّات أو أربعة أتباع ، وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئاً إلّا أن تبلغ مسنّةً أو جذعاً يعني تبيعاً(٤) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٣١٣ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) تقدّم في المسألة ٢٩.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٥٠ ، المجموع ٥ : ٤١٦ ، المغني ٢ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ - ٥٠٢.

(٤) مسند أحمد ٥ : ٢٤٠.

٧٦

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شي‌ء ، فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعان »(١) .

وعن أبي حنيفة ثلاث روايات : إحداها هذا ، والثانية : أنّ فيما زاد على الأربعين بحسابه في كلّ بقرة ربع عشر مسنّة ، لأنّه لا يمكن أن يجعل الوقص تسعة عشر فإنّ جمع أوقاصها تسعة تسعة ، ولا يمكن أن يجعل تسعة ، لأنّه يكون إثباتاً للوقص بالقياس ، فيجب في الزيادة بحصّتها.

والثالثة : أنّه لا شي‌ء فيها حتى تبلغ خمسين فيكون فيها مسنّة وربع ، لأنّ سائر الأوقاص لا يزيد على تسعة كذا هنا(٢) .

وكلاهما في مقابلة النص فلا يسمع ، على أنّ الزيادة لا يتمّ بها أحد العددين فلا يجب بها شي‌ء ، كما لو زاد على الثلاثين ولم يبلغ الأربعين.

مسألة ٤٧ : لا يخرج الذكر في الزكاة إلّا في البقر‌ فإنّ ابن اللبون ليس بأصل ، إنّما هو بدل عن بنت مخاض ، ولهذا لا يجزئ مع وجودها ، وإنّما يجزئ الذكر في البقر عن الثلاثين وما تكرّر منها كالستّين والتسعين ، وما تركّب من الثلاثين وغيرها كالسبعين فيها تبيع أو تبيعة ومسنّة ، والمائة فيها مسنّة وتبيعان أو تبيعتان ، ولا يجزئ في الأربعين وما تكرّر منها كالثمانين إلّا الإِناث ، وكذا في الإِبل غير ابن اللبون ، فلو أخرج عن الحقّة حقّاً ، أو عن الجذعة جذعاً ، أو عن بنت المخاض ابن مخاض لم يُجزئ.

ويجوز أن يخرج عن الذكر اُنثى أعلى أو مساوياً ، فيجوز إخراج المسنّة عن التبيع ، ويجوز أن يخرج تبيعين ذكرين عن المسنّة ، لأنّهما يجزيان عن الستّين فعن الأربعين أولى ، ولو أخرج أكبر من المسنّة جاز.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ باب صدقة البقر ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٥١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، اللباب ١ : ١٤١ ، المغني ٢ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٢.

٧٧

ولا مدخل للجبران هنا فلو وجبت عليه مسنّة ولم تكن عنده فأراد النزول إلى التبيع وإعطاء الجبران لم يجز إلّا بالقيمة السوقية ، لأنّ الزكاة لا يعدل فيها عن النصوص إلى غيره بقياس ولا نصّ هنا.

ولو أخرج مسنّاً عن المسنّة لم يجز إلّا مع ضمّ قيمة التفاوت ، لأنّ الاُنثى خير من الذكر ، لفضيلتها بالدرّ والنسل.

مسألة ٤٨ : لو اجتمع الفرضان تخيّر المالك‌ كمائة وعشرين إن شاء أخرج ثلاث مسنّات أو أربعة أتبعة ، لأنّ الواجب أحدهما فيتخيّر ، والخيرة إلى ربّ المال كما قلنا في زكاة الإِبل ، وهذا إنّما يكون لو كانت إناثاً ، فإن كانت كلّها ذكوراً أجزأ الذكر بكلّ حال ، لأنّ الزكاة مواساة فلا يكلّف المواساة من غير ماله.

وقال بعض الجمهور : لا يجزئه في الأربعينيّات إلّا الإِناث ، لأنّهعليه‌السلام نصّ على المسنّات(١) .

وليس بجيّد ، لأنّا أجزنا الذكر في الغنم ، مع أنّه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإِناث فالبقر أولى ، لأنّ للذكر فيها مدخلاً.

مسألة ٤٩ : الجواميس كالبقر‌ بإجماع العلماء ، لأنّها من نوعها ، كما أنّ البخاتي من نوع الإِبل ، فإن اتّفق النصاب كلّه جواميس وجبت فيه الزكاة ، وإن اتّفق الصنفان أخرج الفرض من أحدهما على قدر المالين ، فلو كان عنده عشرون بقرة عراباً ، وعشرون جواميس ، وقيمة المسنّة من أحدهما اثنا عشر ، ومن الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف.

ولو كان ثُلث بقرة سوسيّاً ، وثُلثه نبطيّاً ، وثُلثه جواميس ، وقيمة التبيع السوسي أربعة وعشرون ، والنبطي ثلاثون ، والجاموس اثنا عشر ، أخرج تبيعاً

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٤.

٧٨

قيمته اثنان وعشرون ثُلث قيمة كلّ واحد ، اختاره الشيخ(١) ، وبه قال أحمد(٢) ، لأنّها أنواع جنس من الماشية فجاز الإِخراج من أيّها شاء.

وقال الشافعي : القياس أن يؤخذ من كلّ نوع ما يخصّه ، واختاره ابن المنذر ، لأنّها أنواع تجب فيها الزكاة فتجب زكاة كلّ نوع منه كأنواع الثمرة والحبوب(٣) .

ويشكل بأدائه إلى تشقيص الفرض ، وقد عدل إلى غير الجنس فيما دون ستّ وعشرين لأجل التشقيص فالعدول إلى النوع أولى.

وقال عكرمة ومالك وإسحاق والشافعي في قول : يخرج من أكثر العددين ، فإن استويا أخرج من أيّهما شاء كالغلّات(٤) .

وكذا البحث في الضأن والمعز والإِبل البخاتي والعراب ، والسمان والمهازيل ، والكرام واللئام.

وأما الصحاح مع المراض ، والذكور مع الإِناث ، والكبار مع الصغار فيتعيّن صحيحة كبيرة اُنثى على قدر قيمة المالين إلّا أن يتطوّع بالفضل.

ولو أخرج عن النصاب من غير نوعه ممّا ليس في ماله منه شي‌ء أجزأ إن ساوى القيمة ، لأنّه أخرج من جنسه فجاز ، كما لو كان المال نوعين فأخرج من أحدهما.

وكذا ( من منعه )(٥) من إخراج القيمة ، ويحتمل عنده العدم ، لأنّه‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠١.

(٢) المغني ٢ : ٤٧٤ و ٤٧٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ - ٥١٣ ، كشاف القناع ٢ : ١٩٣.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٤ و ٤٧٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ ، الاُم ٢ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٦ ، المجموع ٥ : ٤٢٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٥ ، وحلية العلماء ٣ : ٥٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٣ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٦ ، المجموع ٥ : ٤٢٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٥ ، وحلية العلماء ٣ : ٥٦.

(٥) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وحقّ العبارة أن تكون هكذا : وكذا عند من منع من =

٧٩

أخرج من غير نوع ماله ، فأشبه ما لو أخرج من غير الجنس(١) .

مسألة ٥٠ : ولا زكاة في بقر الوحش ، ولا يجبر بها النصاب‌ ، وهو قول أكثر العلماء(٢) ، لأنّ اسم البقر يطلق عليه مجازاً ، ولا يفهم منه عند الإِطلاق ، ولا يحمل عليه إلّا مع القيد ، فيقال : بقر الوحش.

ولعدم تحقّق نصاب منها سائماً حولاً.

ولأنّه حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحية والهدي فلا تجب فيه الزكاة كالظباء.

ولأنّها ليست من بهم الأنعام فلا تجب فيها الزكاة كسائر الوحوش.

والأصل أنّ وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام لكثرة النماء فيها من الدرّ والنسل وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفّة مؤونتها.

وعن أحمد رواية بوجوب الزكاة في بقر الوحش ، لتناول اسم البقر لها فيدخل في مطلق الخبر(٣) .

وقد بيّنا أنّه مجاز ، ولا خلاف في أنّه لا زكاة في الظباء.

مسألة ٥١ : المتولّد من الوحشي والانسي تجب الزكاة فيه‌ إن اُطلق عليه اسم الانسي من غير حاجة إلى قيد وإلّا فلا ، كالمتولّد من بقر الوحش والانس ، وكذا المتولّد من الظباء والغنم.

وقال أحمد : تجب فيه الزكاة سواء كانت الوحشية الفحول أو الاُمّهات ، لأنّها متولّدة ممّا تجب فيه الزكاة وما لا تجب ، فوجبت فيها الزكاة كالمتولّد من السائمة والمعلوفة ، ولأنّ غنم مكّة يقال : إنّها متولّدة من الظباء والغنم ، وفيها الزكاة إجماعاً(٤) .

____________________

= إخراج القيمة.

(١) راجع المغني ٢ : ٤٧٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٣.

( ٢ و ٣ ) المغني ٢ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

باب

في اخلاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

[الفخر الرازي] في تفسيره ، في ذيل تفسير قوله تعالى( وإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) في سورة القلم ، قال : وروى هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ، ما دعاه أحداً من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك ، فلهذا قال تعالى( وإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

[الفخر الرازي] في تفسيره ، في ذيل تفسير قوله تعالى :( إِنَّ إِلىٰ رَبِّكَ اَلرُّجْعىٰ ) في سورة اقرأ (قال) يروى ان يهودياً من فصحاء اليهود جاء الى عمر في أيام خلافته فقال : أخبرني عن أخلاق رسولكم ، فقال عمر : أطلبه من بلال فهو أعلم به مني ، ثم ان بلالا دله على فاطمةعليها‌السلام ثم فاطمة دلته على عليعليه‌السلام . فلما سأل علياً عنه ، قال : صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه ، فقال الرجل هذا لا يتيسر لي فقال عليعليه‌السلام : عجزت عن وصف متاع الدنيا وقد شهد اللّه على قلته حيث قال :( قل متاع الدنيا قليل ) فكيف أصف أخلاق النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وقد شهد اللّه تعالى بانه عظيم حيث قال :( وإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ )

١٤١

[صحيح البخاري] في كتاب الوكالة ، في باب الوكالة ، في قضاء الديون (روى) بسنده عن ابي هريرة ان رجلاً أتى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يتقاضاه فاغلظ فهمّ به أصحابه ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم دعوه فان لصاحب الحق مقالا ، ثم قال أعطوه سنا مثل سنة ، قالوا : يا رسول اللّه لا نجد إلا أمثل من سنة ، فقال : أعطوه فان من خيركم أحسنكم قضاء.

[صحيح البخاري] في كتاب الأدب ، في باب التبسم والضحك روى بسنده عن انس بن مالك قال : كنت أمشي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة ، قال أنس : فنظرت الى صفحة عاتق النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال : يا محمد مر لي من مال اللّه الذي عندك فالتفت اليه فضحك ثم أمر له بعطاء (اللغة) : جبذ بالجيم ثم الباء الموحدة ثم الذال المعجمة بمعنى جذب.

[صحيح البخاري] في كتاب الهبة ، في باب القليل من الهبة روى بسنده عن ابي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : لو دعيت الى ذراع أو كراع لأجبت ، ولو أهدي الى ذراع او كراع لقبلت.

[صحيح البخاري] في كتاب بدء الخلق ، في باب صفة النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم روى بسنده عن ابي هريرة ، قال : ما عاب النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم طعاما قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.

[صحيح البخاري] في كتاب الوصايا ، في باب استخدام اليتيم في السفر والحضر ، روى بسنده عن أنس ، قال : قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم المدينة ليس له خادم فاخذ ابو طلحة بيدي فانطلق بي الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقال : يا رسول اللّه ان انساً غلام كيس فليخدمك ، قال فخدمته في السفر والحضر ، ما قال لي لشئ صنعته لم صنعت هذا هكذا ، ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا.

[صحيح البخاري] في كتاب الأدب ، في باب حسن الخلق والسخاء

١٤٢

روى بسنده عن أنس ، قال : خدمت النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم عشر سنين ، فما قال لي : أف ، ولا لم صنعت ، ولا ألا صنعت.

[صحيح البخاري] في كتاب بدء الخلق ، في باب صفة النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم روى بسنده عن عبد اللّه بن عمر ، قال : لم يكن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ، وكان يقول : إن من خياركم أحسنكم اخلاقاً.

[صحيح البخاري] في كتاب الأدب ، في باب الكبر ، روى بسنده عن أنس ، قال : إن كانت الامة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فتنطلق به حيث شاءت.

[صحيح البخاري] في كتاب الاستيذان ، في باب التسليم على الصبيان روى بسنده عن انس بن مالك انه مرّ على صبيان فسلم عليهم وقال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يفعله.

[صحيح البخاري] في كتاب الأدب ، في باب الكنية للصبي روى بسنده عن انس ، قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أحسن الناس خُلقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، قال أحسبه فطيماً ، وكان اذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير؟ نغر كان يلعب به (الحديث) (اللغة) : النغير البلبل وفرخ العصفور.

[الأدب المفرد ص ٤٢ ] روى بسنده عن انس بن مالك يقول : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم رحيماً ، وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده ، واقيمت الصلاة وجاء أعرابي فاخذ بثوبه فقال : إنما بقي من حاجتي يسيره وأخاف أنساها ، فقام معه حتى فرغ من حاجته ثم اقبل فصلى.

[الأدب المفرد للبخاري ص ١٦٩ ] روى بسنده عن ابي رفاعة العدوي قال : انتهيت الى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وهو يخطب فقلت : يا رسول اللّه رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه فاقبل الى وترك خطبته فاتى بكرسي خلت قوائمه حديداً ، قال حميد أراه خشباً أسود حسه

١٤٣

حديداً فقعد عليه فجعل يعلمني مما علمه اللّه ثم أتم خطبته آخرها.

[صحيح مسلم] في كتاب الفضائل ، في باب كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أحسن الناس خلقاً ، روى بسنده عن انس ، قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم من أحسن الناس خلقاً فارسلني يوما لحاجته فقلت : واللّه ما أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي اللّه فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فاذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) قد قبض بقفاي من ورائي ، قال فنظرت اليه وهو يضحك فقال : يا أنيس اذهبت حيث أمرتك ، قال : قلت نعم أنا أذهب يا رسول اللّه ، قال أنس : واللّه لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا ، أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا.

[صحيح مسلم] في كتاب الفضائل ، في باب مباعدته صلّى اللّه عليه الآثام روى بسنده عن عائشة قالت : ما ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم شيا قط بيده ، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل اللّه ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم اللّه فينتقم للّه عز وجل.

[صحيح مسلم] في كتاب الفضائل ، في باب رحمة الصبيان والعيال ، روى بسنده عن انس بن مالك قال : ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم (الحديث).

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٨٠ ] روى بسنده عن انس بن مالك قال كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع ، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه ، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له.

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٥٥ ] روى بسنده عن ابن عمر

١٤٤

قال : كان رسول اللّه اذا ودع رجلاً أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو يدع النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ويقول أستودع اللّه دينك وأمانتك وآخر عملك.

[صحيح الترمذي ج ١ ص ٣٦٣ ] روى بسنده عن ابي عبد اللّه الجدلي يقول : سألت عائشة عن خلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقالت : لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.

[صحيح ابي داود ج ٣ ص ١٧٥ ] روى بسنده عن ابي هريرة قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يجلس معنا في المجلس يحدثنا فاذا قام قمنا قياماً حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه ، فحدثنا يوماً فقمنا حين قام فنظرنا الى أعرابي قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته ، قال ابو هريرة : وكان رداء خشناً ، فالتفت فقال له الأعرابي : احمل لي على بعيري هذين فانك لا تحمل لي من مالك ولا من مال ابيك ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : لا واستغفر اللّه ، لا واستغفر اللّه ، لا أحمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني ، فكل ذلك يقول له الاعرابي واللّه لا اقيدكها (الى ان قال) ثم دعا رجلاً فقال له : احمل له على بعيريه هذين على بعير شعيراً وعلى الآخر تمرا ، ثم التفت الينا فقال : انصرفوا على بركة اللّه تعالى.

[صحيح ابي داود ج ٣ ص ١٨٧ ] روى بسنده عن انس قال : ما رأيت رجلاً التقم إذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فينحى رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحى رأسه ، وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده.

[صحيح ابن ماجة] في ابواب الصدقات (ص ١٧٦ ) روى بسنده عن ابي سعيد الخدري قال جاء أعرابي الى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يتقاضاه ديناً كان عليه فاشتد عليه حتى قال له : احرج

١٤٥

عليك إلا قضيتني فانتهره أصحابه وقالوا ويحك تدري من تكلم؟ قال : اني أطلب حقي ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم هلا مع صاحب الحق كنتم؟ ثم أرسل الى خولة بنت قيس فقال لها ان كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك فقالت نعم بابي أنت يا رسول اللّه ، قال فاقرضته فقضى الاعرابي وأطعمه فقال أوفيت؟ أوفى اللّه لك فقال اولئك خيار الناس ، إنه لا قدست امة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع (اقول) قال بعضهم في الهامش : قيل ان الرجل ـ أي الأعرابي ـ كان كافراً فاسلم بمشاهدة هذا الخلق الأعظم وقال يا رسول اللّه ما رأيت أصبر منك.

[صحيح ابن ماجة في أبواب الزهد ص ٣١٨ ] روى بسنده عن انس ابن مالك قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يعود المريض ويشيع الجنازة ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار ، وكان يوم قريظة والنضير على حمار ويوم خيبر على حمار ، مخطوم برسن من ليف ، وتحته أكاف من ليف.

[صحيح ابن ماجة في ابواب الأدب ص ٢٧١] روى بسنده عن انس ، قال : أتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ونحن صبيان فسلم علينا.

[مسند الإمام احمد بن حنبل ج ٦ ص ١٦٣ ] روى بسنده عن سعد بن هشام ، قال : سألت عائشة فقلت : اخبريني عن خلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقالت : كان خلقه القرآن.

[مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٦ ص ١٠٦ ] روى بسنده عن هشام عن ابيه ، قال : قيل لعائشة ما كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يصنع في بيته؟ قالت : كما يصنع أحدكم يخصف نعله ويرفع ثوبه.

١٤٦

[مستدرك الصحيحين ج ٢ ص ٦٢٢] روى بسنده عن موسى ابن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام عن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ان يهودياً كان يقال له حريجرة كان له علي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم دنانير فتقاضى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقال له يا يهودي ما عندي ما اعطيك قال فاني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني ، فقال صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذاً اجلس معك فجلس معه فصلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة ، وكان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يتهددونه ويتوعدونه ففطن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقال ما الذي تصنعون به؟ فقالوا يا رسول اللّه يهودي يحبسك ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم منعني ربي أن أظلم معاهداً ولا غيره ، فلما ترحل النهار قال اليهودي : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله ، وقال شطر مالي في سبيل اللّه ، أما واللّه ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر الى نعتك في التوراة محمد بن عبد اللّه ، مولده مكة ، ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشام ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزى بالفحش ولا قول الخنا أشهد ان لا إله إلا اللّه ، وأنك رسول اللّه ، هذا مالي فاحكم فيه بما أراك اللّه وكان اليهودي كثير المال.

[مستدرك الصحيحين ج ٢ ص ٦١٤ ] روى بسنده عن عبد اللّه ابن ابي أوفى يقول : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، ولا يستنكف أن يمشي مع العبد والأرملة حتى يفرغ لهم من حاجتهم.

[سنن الدارمي ج ١ ص ٣٥ ] روى بسنده عن عكرمة قال : قال العباس لأعلمن ما بقاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فينا ، فقال : يا رسول اللّه اني رأيتهم قد آذوك وآذاك غبارهم ، فلو اتخذت

١٤٧

عريشاً تكلمهم منه ، فقال : لا أزال بين اظهرهم يطؤون عقبي ، وينازعوني ردائي حتى يكون اللّه هو الذي يريحني منهم ، قال فعلمت ان بقاءه فينا قليل.

[حلية الأولياء ج ٦ ص ٢٦ ] روى بسنده عن انس ، قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم من أشد الناس لطفاً بالناس ، فواللّه ما كان يمتنع في غداة باردة عن عبد ولا امة ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه ، وما سأله سائل قط الا أصغى اليه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه ، وما تناول أحد بيده قط إلا ناولها اياه فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه.

[سنن البيهقي ج ٢ ص ٤٢٠ ] روى بسنده عن ابي موسى ، قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يركب الحمار ، ويلبس الصوف ويعتقل الشاة ، ويأتي مراعاة الضيف.

[تاريخ بغداد ج ٦ ص ٢٧٧ ] روى بطرق عديدة عن ابن مسعود وغيره : أن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كلم رجلاً فارعد ، فقال هون عليك فاني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.

[طبقات ابن سعد ج ١ القسم ٣ ص ٩٤ ] روى بسنده عن حمزة ابن عبد اللّه بن عتبة ، قال : كانت في النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم خصال ليست في الجبارين ، كان لا يدعوه أحمر ولا أسود من الناس إلا اجابه وكان ربما وجد تمرة ملقاة فيأخذها فيهوى بها الى فيه ، وإنه ليخشى أن تكون من الصدقة ، وكان يركب الحمار عرياً ليس عليه شيء.

[طبقات ابن سعد ج ١ القسم ٢ ص ٩٢ ] روى بسنده عن يحيى بن ابي كثير. أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال :

١٤٨

آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد ، فانما انا عبد ، وكان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يجلس محتفزاً.

[طبقات ابن سعد ج ١ القسم ٢ ص ٩٥ ] روى بسنده عن سفيان أن الحسن قال : لما بعث اللّه محمداً صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : هذا نبي ، هذا خياري ، إئنسوا به وخذوا في سنته وسبيله ، لم يكن تغلق دونه الأبواب ، ولا تقوم دونه الحجبة ، ولا يغدى عليه بالجفان ، ولا يراح عليه بها ، يجلس بالأرض ، ويأكل طعامه بالأرض ، ويلبس الغليظ ، ويركب الحمار ويردف بعده ، ويلعق أصابعه ، وكان يقول : من يرغب عن سنتي فليس مني.

[مشكل الآثار ج ١ ص ٤٩٨ ] روى بسنده عن انس بن مالك قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يزور الأنصار فاذا جاء الى دور الانصار جاء صبيان الانصار يدورون حوله فيدعو لهم ويمسح رؤسهم ويسلم عليهم (الحديث).

[الاصابة ج ٤ القسم ١ ص ٤ ] ذكر حديثاً مسنداً عن الحسن قال : دخلنا على عاصم بن حدرد فقال : ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بواب قط ، ولا خوان قط ، ولا مشى معه بوسادة.

[كنز العمال ج ٤ ص ٣٠ ] ولفظه : كان صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ، فان كان غائباً دعا له ، وان كان شاهداً زاره ، وان كان مريضاً عاده (قال) أخرجه أبو يعلى عن انس

[كنز العمال ج ٦ ص ١٠٧ ] ولفظه : لقد هبط على ملك من السماء ما هبط على نبي قط ولا يهبط على أحد بعدي ، وهو اسرافيل ، وعندي جبريل ، فقال : السلام عليك يا محمد ، ثم قال : أنا رسول ربك اليك أمرني أن أخيرك إن شئت نبياً عبداً ، وان شئت نبياً ملكاً ،

١٤٩

فنظرت الى جبريل فأومأ جبريل الى أن تواضع ، فقلت نبياً عبداً ، فلو اني قلت نبياً ملكاً ثم شئت لسارت الجبال معي ذهباً (قال) أخرجه الطبراني عن ابن عمر.

[الهيثمي في مجمعه ج ٩ ص ٢١ ] قال : وعن عامر بن ربيعة قال : خرجت من النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم الى المسجد فانقطع شسعه فاخذت نعله لاصلحها فاخذها من يدي وقال : انها أثرة ولا أحب الأثرة (قال) رواه البزار (اللغة) الشسع : أحد سيور النعل ، وهو الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل (عن هامش مجمع الزوائد ص ٢١ )

١٥٠

باب

في حياء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

[صحيح البخاري] في كتاب بدء الخلق ، في باب صفة النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ، روى بسنده عن ابي سعيد الخدري ، قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ، أشد حياء من العذراء في خدرها (اقول) ورواه ايضاً عن شعبة وقال فيه : واذا كره شيئا عرف في وجهه.

[الهيثمي في مجمعه ج ٨ ص ٢٦ ] قال : وعن انس قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان اذا كره شيئاً عرفناه في وجهه ، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم الحياء خير كله (قال رواه البزار).

[الهيثمي في مجمعه ج ٩ ص ١٣ ] قال : وعن عليعليه‌السلام قال : كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذا سئل شيئاً فاراد أن يفعله قال : نعم وإذا أراد أن لا يفعل سكت ، وكان لا يقول لشئ لا (قال) رواه الطبراني في الأوسط في حديث طويل في كتاب الأدعية.

١٥١

باب

في شهادة ابي سفيان وهو يومئذٍ كافر عند هرقل عظيم

الروم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكذب

[صحيح البخاري] في أول باب من الكتاب ، روى بسنده عن عبد اللّه بن عباس : ان أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل اليه في ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام ـ في المدة التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم مادّ فيها أبا سفيان وكفار قريش ـ فأتوه وهم بايلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال : أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم انه نبي؟ فقال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم نسباً ، فقال : أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه قل لهم : اني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه ، فواللّه لو لا الحياء من أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عنه ، ثم كان أول ما سألني عنه ان قال : كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب ، قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت لا ، قال : فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت لا ، قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت : بل ضعفاؤهم قال : أيزيدون أم ينقصون؟ قلت : بل يزيدون ، قال : فهل يرتد أحد منهم

١٥٢

سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت لا ، قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال؟ قلت : لا ، قال : فهل يغدر؟ قلت : لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها ، قال : ولم يمكني كلمة ادخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة ، قال : فهل قاتلتموه؟ قلت : نعم ، قال : فكيف كان قتالكم إياه؟ قال : الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه قال : ماذا يأمركم؟ قلت : يقول إعبدوا اللّه وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ، فقال للترجمان : قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله ، وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت : رجل يطلب ملك أبيه ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب علي اللّه ، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم أتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون ، فذكرت انهم يزيدون ، وكذلك أمر الايمان حتى يتم ، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه فذكرت أن لا ، وكذلك الايمان حتى تخالط بشاشته القلوب ، وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك بما يأمركم ، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فان كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم انه خارج لم اكن اظن انه منكم ، فلو اني أعلم اني أخلص اليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ثم دعا بكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم الذي بعث به مع دحية الى عظيم بصري فدفعه الى هرقل فقرأه

١٥٣

فاذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللّه ورسوله الى هرقل عظيم الروم ، سلام اللّه على من اتبع الهدي ، أما بعد فإنى ادعوك بدعاية الاسلام ، إسلم تسلم يؤتك اللّه اجرك مرتين ، فان توليت فان عليك إثم الأريسيين ،( يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ تَعٰالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وبَيْنَكُمْ أَلاّٰ نَعْبُدَ إِلاَّ اَللّٰهَ ولاٰ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولاٰ يَتَّخِذَ بَعْضُنٰا بَعْضاً أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اَللّٰهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنّٰا مُسْلِمُونَ ) قال أبو سفيان : فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر أمرُ ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر ، فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى ادخل اللّه على الاسلام ، وكان ابن الناظور صاحب ايلياء وهرقل سقفاً على نصاري الشام يحدث : أن هرقل حين قدم ايلياء اصبح يوماً خبيث النفس ، فقال بعض بطارقته : قد استنكرنا هيئنك ، قال ابن الناظور وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم ، فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة قالوا : ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم ، واكتب الى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود ، فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فلما استخبره هرقل قال : اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا اليه فحدثوه أنه مختتن ، وسأله عن العرب ، فقال : هم يختتنون ، فقال هرقل : هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ، ثم كتب هرقل الى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم ، وسار هرقل الى حمص فلم يرم حمص حتى اتاه كتاب من صاحبه يوافق رأى هرقل على خروج النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وأنه نبي ، فاذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بمحص ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم أطلع فقال : يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وان يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الأبواب فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى

١٥٤

هرقل نفرتهم وآيس من الايمان قال : ردوهم عليّ ، وقال : إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه ، فكان ذلك آخر شأن هرقل ، (قال) : رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري (أقول) وهذا الحديث قد رواه البخاري ومسلم بطرق متعددة.

١٥٥

باب

في معرفة ابن سلام ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لا يكذب وذكر ما جاء في صدق وعده

[صحيح ابن ماجة في كتاب الصلاة ص ٩٥ ] روى بسنده عن عبد اللّه بن سلام قال : لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم انجفل الناس اليه ، وقيل قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فجئت في الناس لأنظر اليه فلما استبنت وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم عرفت ان وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء تكلم به أن قال : يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام.

[أُسد الغابة ج ٣ ص ١٤٦ ] روى بسنده عن عبد اللّه بن أبي الحمساء قال : بايعت النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ببيع قبل ان يبعث فوعدته ان آتيه بها في مكانه ذلك فنسيت يومي هذا والغد فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ، فقال لي : يافتي لقد شققت عليّ أنا هاهنا منذ ثلاث انتظرك.

١٥٦

باب

في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب المساكين

ويكره ان يقوم الناس له وأن يقبلوا يده وان يمشوا من ورائه

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٥٦ ] روى بسنده عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة ، فقالت عائشة لِمَ يا رسول اللّه؟ قال : انهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً ، يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم فان اللّه يقربك يوم القيامة.

[مستدرك الصحيحين ج ٤ ص ٣٢٢ ] روى بسنده عن أبي سعيد قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يقول : اللهم أحيني مسكيناً ، وتوفني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين ، وان اشقي الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ١٢٥ ] روى بسنده عن انس قال : لم يكن شخص أحب اليهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : وكانوا اذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك.

١٥٧

[صحيح أبي داود ج ٣٢ ص ٢٢٤ ] روى بسنده عن أبي امامة ، قال : خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم متوكئاً على عصا فقمنا اليه فقال : لا تقوموا كما تقوم الاعاجم يعظم بعضها بعضاً.

[ميزان الاعتدال ج ٢ ص ١٠٥ ] ذكر حديثاً مسنداً عن أبي هريرة قال : دخلت السوق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فجلس الى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم ، وكان لأهل السوق وزان يزن ، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ؛ اتزن وارجح قال الوزان : إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد ، قال أبو هريرة : فقلت له : كفاية من الوهن والخفاء في دينك أن لا تعرف نبيك ، فطرح الميزان ووثب الى يد النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يقبلها فجذب يده منه وقال : هذا إنما تفعله الأعاجم بملوكها ، ولست بملك أنا رجل منكم أوزن وأرجح واخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم السراويل ، قال : أبو هريرة : فذهبت لأحمله عنه ، فقال : صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفاً يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم ، قلت : يا رسول اللّه وإنك لتلبس السراويل؟ قال : نعم في السفر والحضر والليل والنهار فاني امرت بالتستر فلم اجد شيئاً استر منه ، ثم قال : رواه ابن حبان عن ابي يعلى عنه.

[تاريخ بغداد ج ١٢ ص ٩١ ] روى بسنده عن ابن عباس قال : مشيت وراء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أختبره فأنظر كيف هو أيكره ان امشي وراءه أو يحب ذلك ، قال : فالتمسني بيده فالحقني به حتى مشيت بجنبه ثم تخلفت الثانية أمشي وراءه فالتمسني بيده فالحقني به فعرفت أنه يكره ذلك.

١٥٨

باب

في مزاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبسمه

[صحيح الترمذي ج ١ ص ٣٥٩ ] روى بسنده عن أبي هريرة قال : قالوا يا رسول اللّه انك تداعبنا قال : اني لا أقول إلا حقاً.

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٨٧ ] روى بسنده عن عبد اللّه بن الحارث بن حزم قال : ما رأيت أحداً اكثر تبسماً من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٨٧ ] روى بسنده عن عبد اللّه بن الحارث بن حزم قال : ما كان ضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ألا تبسماً.

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٨٧ ] روى بسنده عن جابر بن سمرة قال : كان في ساق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم حموشة ، وكان لا يضحك إلا تبسما ، وكنت اذا نظرت اليه قلت اكحل العينين وليس باكحل. (اللغة) يقال : حمشت الساق حموشة ـ بضم الحاء المهملة والميم ـ اذا دقت.

١٥٩

[سنن البيهقي ج ٧ ص ٥٢ ] روى بسنده عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم؟ قال : نعم ، قال : كان طويل الصمت ، قليل الضحك ، وكان اصحابه ربما تناشدوا عنده الشعر والشيء من امورهم فيضحكون وربما تبسم.

[تاريخ بغداد ج ٨ ص ٣٠٨ ] روى بسنده عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانت في النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم دعابة.

[مرقاة المفاتيح ج ٤ ص ٦٥٠ ] في المتن قال : وعن أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال لامرأة عجوز : انه لا تدخل الجنة عجوز فقالت : وما لهن ـ وكانت تقرأ القرآن ـ فقال لها : أما تقرئين القرآن؟ (إنا أنشأناهن إنشاءا فجعلناهن أبكارا).

[الهيثمي في مجمعه ج ٩ ص ١٧ ] قال : وعن جابر ، قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اذا أتاه الوحي أو وعظ قلت : نذير قوم أتاهم العذاب ، فاذا ذهب عند ذلك رأيته أطلق الناس وجهاً ، وأكثرهم ضحكاً ، وأحسنهم بشراً (أقول) قد يستبعد ان يكون النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اكثرهم ضحكاً كما في الرواية الأخيرة ، ولكن لا استبعاد فيه بعد ما عرفت في الرواية الثالثة والرابعة ان ضحكه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كان تبسماً ، فيكون المعنى هكذا : وأكثرهم تبسماً ، فتطابق هذه الرواية الرواية الثانية ، نعم تبقى رواية البيهقي ، كان طويل الصمت قليل الضحك ، فيكون الضحك فيها بمعناه الحقيقي ، فيتلخص من مجموع روايات الباب أنه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كان قليل الضحك ، وكان اكثرهم تبسماً وأطلقهم وجهاً ، وأحسسهم بشراً.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463