البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 111060
تحميل: 5734


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111060 / تحميل: 5734
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

فاستأذنت فأذن لي ، فلمّا دخلت قال لي ابتداء : « يا أبا محمّد ، قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك » ، فلمّا أمسينا أتى بطعام للإفطار فأكلنا ، فقال : « يا أبا محمّد ، تبيت أو تنصرف؟ »

فقلت : يا سيّدي ، إن قضيت حاجتي فالانصراف أحبّ إليّ.

قال : فتناولعليه‌السلام من تحت البساط قبضة فدفعها إليّ ، فخرجت فدنوت إلى السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر فأوّل دينار وقع بيدي ورأيت نقشه ، كان عليه : « يا أبا محمّد ، الدنانير خمسون ، ستّة وعشرون منها لقضاء دينك ، وأربعة وعشرون لنفقة عيالك » ، فلمّا أصبحت فتّشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار وإذا هي لا تنقص شيئا(١) .

فصل [٨] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا وإمامنا أبي جعفر محمّد التقيّ الجواد صلوات الله وسلامه عليه ،

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي أنّه جاء رجل إلى محمّد بن عليّ بن موسىعليهم‌السلام ، فقال : يا ابن رسول الله ، إنّ أبي مات ، وكان له مال ولست أقف على ماله ولي عيال كثيرون وأنا من مواليكم فأغثني ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « إذا صلّيت العشاء الآخرة فصلّ على محمّد وآل محمّد فإنّ أباك يأتيك في النوم ويخبرك بأمر المال ».

ففعل الرجل ذلك فرأى أباه في النوم ، فقال : يا بنيّ ، مالي في موضع كذا فخذه واذهب إلى ابن رسول الله فأخبره أنّي دللتك على المال ، فذهب الرجل فأخذ المال وأخبر الإمام بأمر المال ، وقال : الحمد لله الذي أكرمك واصطفاك(٢) .

__________________

(١) المصدر السابق : ٣٨ ، ح ٢٢ ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٢٣٥ ، ح ٢٩.

(٢) المصدر السابق ٥٠ : ٤٢ ، ح ٨.

١٠١

ومنها : ما روي عن أميّة بن عليّ القيسي قال : دخلت أنا وحمّاد بن عيسى على أبي جعفرعليه‌السلام بالمدينة لنودّعه ، فقال لنا : « لا تخرجا ، أقيما إلى غد ».

قال : فلمّا خرجنا من عنده قال حمّاد : أنا أخرج فقد خرج ثقلي. قلت : أمّا أنا فأقيم ، قال : فخرج حماد فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه وقبره بسيّالة(١) .

ومنها : ما روي عن القاسم بن المحسن قال : كنت فيما بين مكّة والمدينة فمرّ بي أعرابيّ ضعيف الحال فسألني شيئا فرحمته فأخرجت له رغيفا فناولته إيّاه ، فلمّا مضى عنّي هبّت ريح زوبعة فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت ولا أين مرّت ، فلمّا دخلت المدينة صرت إلى أبي جعفر بن الرضاعليهما‌السلام فقال لي : « يا أبا القاسم ، ذهبت عمامتك في الطريق؟ » قلت : نعم.

فقال : « يا غلام ، أخرج إليه عمامته » ، فأخرج إليّ عمامتي بعينها. قلت : يا ابن رسول الله ، كيف صارت إليك؟

قال : « تصدّقت على أعرابيّ فشكر الله لك فردّ إليك عمامتك ، فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين »(٢) .

ومنها : ما روي أنّه اجتاز المأمون بابن الرضاعليه‌السلام وهو بين صبيان فهربوا سواه ، فقال : عليّ به ، فقال له : ما لك لا هربت في جملة الصبيان؟ قال : « ما لي ذنب فأفرّ منه ، ولا الطريق ضيّق فأوسّعه عليك سر حيث شئت ».

فقال : من تكون أنت؟ قال : « أنا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ».

فقال ما تعرف من العلوم؟ قال : « سلني عن أخبار السماوات » ، فودّعه ومضى وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد ، فلمّا بعد عنه نهض عن يده الباز ونظر يمينه

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٠ : ٤٣ ، ح ١٠.

(٢) المصدر السابق : ٤٧ ـ ٤٨ ، ح ٢٤ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ، ح ٦.

١٠٢

وشماله لم ير صيدا والباز يثب عن يده ، فأرسله فطار يطلب الأفق حتّى غاب عن ناظره ساعة ثمّ عاد إليه وقد صاد حيّة ، فوضع الحيّة في بيت المطعم وقال لأصحابه : قد دنا حتف ذلك الصبيّ في هذا اليوم على يدي ، ثمّ عاد وابن الرضاعليه‌السلام في جملة الصبيان ، فقال : ما عندك من أخبار السماوات؟

فقال : « نعم ، يا أمير المؤمنين ، حدّثني أبي عن آبائه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيلعليه‌السلام ، عن ربّ العالمين أنّه قال : بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج ، فيه حيّات خضر البطون رقط الظهور ، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء ».

فقال : صدقت وصدق أبوك وصدق جدّك وصدق ربّك ، فأركبه ، ثمّ زوّجه أمّ الفضل(١) .

ومنها : ما روي عن محمّد بن إبراهيم الجعفري ، عن حكيمة بنت الرضاعليه‌السلام قالت : لمّا توفّي أخي محمّد بن الرضاعليه‌السلام صرت يوما إلى امرأته أمّ الفضل بسبب احتجت إليها فيه ، قالت : فبينما نتذاكر فضل محمّد وكرمه وما أعطاه الله من العلم والحكمة إذ قالت امرأته أمّ الفضل : يا حكيمة ، أخبرك عن أبي جعفر بن الرضاعليه‌السلام بأعجوبة لم يسمع أحد بمثلها؟ قلت : وما ذاك؟ قالت : إنّه كان ربما أغارني مرة بجارية ومرّة بتزويج ، فكنت أشكوه إلى المأمون ، فيقول : يا بنيّة احتملي فإنّه ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة فقلت : من أنت؟ فكأنّها قضيب بان أو غصن خيزران.

قالت : أنا زوجة لأبي جعفرعليه‌السلام .

قلت : من أبو جعفر؟

قالت : محمّد بن الرضاعليه‌السلام وأنا امرأة من ولد عمّار بن ياسر.

__________________

(١) المصدر السابق : ٥٦ ، ذيل ح ٣١ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٤٢٠.

١٠٣

قالت : فدخل عليّ من الغيرة ما لم أملك نفسي ، فنهضت من ساعتي وصرت إلى المأمون وقد كان ثملا من الشراب ، وقد مضى من الليل ساعات ، فأخبرته بحالي وقلت له : يشتمني ويشتمك ويشتم العبّاس وولده. قالت : وقلت ما لم يكن.

فغاظه ذلك منّي جدّا ولم يملك نفسه من السكر ، وقام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه وحلف أنّه يقطّعه بهذا السيف ما بقي في يده وصار إليه.

قالت : فندمت عند ذلك وقلت في نفسي : ما صنعت هلكت وأهلكت.

قالت : فعدوت خلفه لأنظر ما يصنع ، فدخل إليه وهو نائم فوضع فيه السيف فقطّعه قطعة قطعة ، ثمّ وضع سيفه على حلقه فذبحه وأنا أنظر إليه ، وياسر الخادم قائم ينظر ، وانصرف وهو يزبد(١) مثل الجمل.

قالت : فلمّا رأيت ذلك هربت على وجهي حتّى رجعت إلى منزل أبي فبتّ بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت.

قالت : فلمّا أصبحت دخلت إليه وهو يصلّي وقد أفاق من السكر ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، هل تعلم ما صنعت الليلة؟

قال : لا والله فما الذي صنعت ويلك؟

قلت : فإنّك صرت إلى ابن الرضاعليه‌السلام وهو نائم فقطّعته إربا إربا وذبحته بسيفك وخرجت من عنده ، قال : ويلك ما تقولين؟

قلت : أقول ما فعلت ، فصاح : يا ياسر ، ما تقول هذه الملعونة ويلك؟ قال : صدقت في كلّ ما قالت.

قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون هلكنا وافتضحنا ، ويلك يا ياسر ، بادر إليه وائتني بخبره ، فركض ثمّ عاد مسرعا فقال : يا أمير المؤمنين ، البشرى. قال : وما وراءك؟

قال : دخلت فإذا هو جالس يستاك وعليه قميص ورداء فبقيت متحيّرا في أمره ،

__________________

(١) زبد الجمل : لغامه الأبيض الذي تتلطّخ به مشافره إذا هاج. انظر « لسان العرب » ٦ : ٩. « ز ب د ».

١٠٤

ثمّ أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر فقلت له : أحبّ أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرّك به ، فنظر إليّ وتبسّم كأنّه علم ما أردت بذلك ، فقال : « أكسوك كسوة فاخرة ».

فقلت : لست أريد غير هذا القميص الذي عليك ، فخلعه وكشف لي بدنه كلّه ، فو الله ما رأيت له أثرا.

فخرّ المأمون ساجدا ووهب لياسر ألف دينار ، وقال : الحمد لله الذي لم يبتلني بدمه ، ثمّ قال : يا ياسر ، كلّ ما كان من مجيء هذه الملعونة إليّ وبكائها بين يديّ فأذكره ، وأمّا مصيري إليه فلست أذكره.

فقال : ياسر ، والله ما زلت تضربه بالسيف وأنا وهذه ننظر إليك وإليه حتّى قطّعته قطعة قطعة ، ثمّ وضعت سيفك على حلقه فذبحته وأنت تزبد كما يزبد البعير.

فقال : الحمد لله ، ثمّ قال لي : والله لئن عدت بعدها في شيء ممّا جرى لأقتلنّك. الحديث(١) .

فصل [٩] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا وإمامنا أبي الحسن النقيّ صلوات الله وسلامه عليه

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسنعليه‌السلام فقلت : جعلت فداك في كلّ الأمور ، أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك.

فقال : « هاهنا أنت يا ابن سعيد » ، ثمّ أومأ بيده ، فقال : « أنظر » ، فنظرت فإذا بروضات آنقات ، وروضات ناضرات فيهنّ خيرات عطرات ، وولدان كأنّهنّ اللؤلؤ

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٠ : ٦٩ ـ ٧١ ، ح ٤٧ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٧٢ ـ ٣٧٥ ، ح ٢.

١٠٥

المكنون وأطيار وظباء ، وأنهار تفور ، فحار بصري والتمع وحسرت عيني ، فقال : « حيث كنّا فهذا لنا عتيد ولسنا في خان الصعاليك »(١) .

ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسنعليه‌السلام فكلّمني بالهنديّة فلم احسن أن أردّ عليه ، وكان بين يديه ركوة ملأى حصا ، فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه ومصّها مليّا ، ثمّ رمى بها إليّ فوضعتها في فمي ، فو الله ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة وسبعين لسانا أوّلها الهندية(٢) .

ومنها : ما روي أنّ أبا هاشم كان منقطعا إلى أبي الحسنعليه‌السلام بعد أبيه أبي جعفر وجدّه الرضاعليه‌السلام ، فشكى إلى أبي الحسنعليه‌السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد ، ثمّ قال : يا سيّدي ، ادع الله لي فربما لم أستطع ركوب الماء فسرت إليك على الظهر ، وما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، فادع الله أن يقوّيني على زيارتك.

فقال : « قوّاك الله يا أبا هاشم ، وقوّى برذونك ».

قال الراوي : وكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير على ذلك البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سرّ من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون ، فكان هذا من أعجب الدلائل(٣) .

ومنها : ما حدّث جماعة من أهل أصفهان منهم أبو العبّاس أحمد بن النضر وأبو جعفر محمّد بن علويّة قالوا : كان بأصفهان رجل يقال له : عبد الرحمن وكان شيعيّا ، قيل له : ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقيّعليه‌السلام دون غيره من أهل الزمان؟

قال : شاهدت ما أوجب عليّ ، وذلك أنّي كنت رجلا فقيرا وكان لي لسان وجرأة ،

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٠ : ١٣٢ ـ ١٣٣ ، ح ١٥ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٤٠٧ ، ح ١١.

(٢) المصدر السابق : ١٣٦ ، ح ١٧ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٦٧٣ ، ح ٢ ، وعن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٤٤٠.

(٣) المصدر السابق : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، ح ٢١ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٦٧٢ ، ح ١.

١٠٦

فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكّل متظلّمين ، فكنّا ببابه يوما إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرضاعليهم‌السلام فقلت لبعض من حضر : من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟

فقيل : هذا رجل علويّ تقول الرافضة بإمامته ، ثمّ قال : ويقدّر أنّ المتوكّل يحضره للقتل.

فقلت : لا أبرح من هاهنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أيّ رجل هو؟ قال : فأقبل راكبا على فرس وقد قام الناس يمنة ويسرة في الطريق صفّين ينظرون إليه ، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي ، فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع الله عنه شرّ المتوكّل ، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابّته لا ينظر يمنة ولا يسرة وأنا دائم الدعاء ، فلمّا صار إليّ أقبل إليّ بوجهه وقال : « استجاب الله دعاءك وطوّل عمرك وكثّر مالك وولدك ».

قال : فارتعدت ووقعت بين أصحابي ، فسألوني وهم يقولون : ما شأنك؟ فقلت : خير ، ولم أخبر بذلك.

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ففتح الله عليّ وجوها من المال حتّى أنا اليوم أغلق بأبي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى مالي خارج داري ، ورزقت عشرة من الأولاد ، وقد بلغت الآن من عمري نيّفا وسبعين سنة ، وأنا أقول بإمامة الرجل الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه فيّ ولي(١) .

ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفري أنّه ظهر برجل من أهل سرّ من رأى برص فتنغّص عليه عيشه ، فجلس إلى أبي عليّ الفهريّ فشكا إليه حاله ، فقال له : لو تعرّضت يوما لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن الرضاعليهما‌السلام فسألته أن يدعو لك لرجوت أن يزول عنك.

__________________

(١) المصدر السابق : ١٤١ ـ ١٤٢ ، ح ٢٦ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣ ، ح ١.

١٠٧

فجلس له يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكّل ، فلمّا رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك ، فقال : « تنحّ عافاك الله » ثلاث مرّات ، فأبعد الرجل ولم يجسر أن يدنو منه ، فانصرف فلقي الفهريّ فعرّفه الحال وما قال ، فقال : قد دعا لك قبل أن تسأل ، فامض فإنّك ستعافى ، فانصرف الرجل إلى بيته فبات تلك الليلة فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك(١) .

ومنها : ما روي أنّ المتوكّل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر ـ وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأى ـ أن يملأ كلّ واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر ، ويجعلون بعضه على بعض في وسط تربة واسعة هناك ففعلوا ، فلمّا صار مثل جبل عظيم واسمه تلّ المخالي ، صعد فوقه واستدعى أبا الحسنعليه‌السلام واستصعده وقال : استحضرتك لنظارة خيولي ، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف ويحملوا الأسلحة وقد عرضوا بأحسن زينة وأتمّ عدّة وأعظم هيبة ، وكان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه ، وكان خوفه من أبي الحسنعليه‌السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : « وهل أعرض عليك عسكري؟ »

قال : نعم ، فدعا الله سبحانه فإذا بين السماء والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدجّجون ، فغشي على الخليفة ، فلمّا أفاق قال له أبو الحسنعليه‌السلام : « نحن لا ننافسكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمر الآخرة ، فلا عليك شيء ممّا تظنّ »(٢) .

ومنها : ما روي عن هاشم بن زيد قال : رأيت عليّ بن محمّدعليه‌السلام صاحب العسكر وقد أتي بأكمه فأبرأه ، ورأيته يهيّئ من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير ، فقلت له : لا فرق بينك وبين عيسىعليه‌السلام ، فقال : « أنا منه وهو منّي »(٣) .

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٠ : ١٤٥ ـ ١٤٦ ، ح ٢٩ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ، ح ٥.

(٢) المصدر السابق : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، ح ٤٤ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٤١٤ ، ح ١٩.

(٣) المصدر السابق : ١٨٥ ، ح ٦٣ ، نقلا عن « عيون المعجزات » : ١١٩.

١٠٨

ومنها : ما روي عن إبراهيم بن محمّد الطاهري قال : مرض المتوكّل من خراج خرج به فأشرف منه على التلف ، فلم يجرأ أحد أن يمسّه بحديدة ، فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن عليّ بن محمّدعليهما‌السلام مالا جليلا من مالها ، وقال له الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى هذا الرجل ـ يعني أبا الحسنعليه‌السلام ـ فسألته فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرّج الله به عنك ، قال : ابعثوا إليه ، فمضى الرسول ورجع فقال : « خذوا كسب الغنم فديفوه(١) بماء ورد وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن الله » ، فجعل من بحضرة المتوكّل يهزأ من قوله.

فقال لهم الفتح : وما يضرّ من تجربة ما ، قال : فو الله إنّي لأرجو الصلاح به فأحضروا الكسب وديف بماء الورد ووضع على الخراج فانفتح وخرج ما كان فيه ، وبشّرت أمّ المتوكّل بعافيته ، فحملت إلى أبي الحسنعليه‌السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها فاستقلّ المتوكّل من علّته.

فلمّا كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكّل ، فقال : عنده سلاح وأموال ، فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه.

فقال إبراهيم بن محمّد : قال لي سعيد الحاجب : سرت إلى دار أبي الحسنعليه‌السلام بالليل ومعي سلّم فصعدت عنه إلى السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسنعليه‌السلام من الدار : « يا سعيد ، مكانك حتّى يأتوك بشمعة » ، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبّة من صوف وقلنسوة منها وسجّادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي : « دونك البيوت » ، فدخلتها وفتّشتها فلم أجد فيها شيئا ووجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكّل وكيسا مختوما معها ، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : « دونك المصلّى » ، فرفعت

__________________

(١) داف الشيء يديفه دوفا ، وأدافه : خلطه. « لسان العرب » ٩ : ١٠٨. « د وف ».

١٠٩

فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه.

فلمّا نظر إلى خاتم أمّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت له : كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار ، فحملتها إليه وهذا خاتمك على الكيس ما حرّكها وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربعمائة دينار ، فأمر أن يضمّ إلى البدرة بدرة أخرى ، وقال لي : احمل ذلك إلى أبي الحسنعليه‌السلام وأردد إليه السيف والكيس بما فيه ، فحملت ذلك إليه واستحييت منه وقلت : يا سيّدي ، عزّ عليّ دخول دارك بغير إذنك ولكنّي مأمور به ، فقال لي :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) »(٢) .

فصل [١٠] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا وإمامنا أبي محمّد الزكيّ النقيّ الحسن بن عليّ العسكريّ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن أبي هاشم أنّه ركب أبو محمّدعليه‌السلام يوما إلى الصحراء وركبت معه ، فبينما يسير قدّامي وأنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله فجعلت أفكّر في أيّ وجه قضاؤه؟ فالتفت إليّ وقال : « الله يقضيه » ، ثمّ انحنى على قربوس سرجه فخطّ بسوطه خطّة في الأرض ، فقال : « يا أبا هاشم ، انزل فخذ واكتم » ، فنزلت وإذا سبيكة ذهب قال : فوضعتها في خفّي.

وسرنا فعرض لي الفكر ، فقلت : إن كان فيها تمام الدين ، وإلاّ فإنّي أرضي صاحبه بها ويجب أن ننظر في وجه نفقة الشتاء وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها ،

__________________

(١) الشعراء (٢٦) : ٢٢٧.

(٢) « بحار الأنوار » ٥٠ : ١٩٨ ـ ٢٠٠ ، ح ١٠ ، نقلا عن « الكافي » ١ : ٤٩٩ ، باب مولد أبي الحسن وعليّ بن محمّدعليهما‌السلام ، ح ٦ ، وعن « إعلام الورى » ٢ : ١١٩ ـ ١٢١.

١١٠

فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية فخطّ بسوطه مثل الأولى ، ثمّ قال : « انزل وخذ واكتم » ، قال : فنزلت فإذا بسبيكة فجعلتها في الخفّ الآخر.

وسرنا يسيرا ، ثمّ انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي فجلست وحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه ، ثمّ وزنت سبيكة الذهب فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت ، ثمّ نظرت ما نحتاج إليه لشتائي من كلّ وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بدّ منه على الاقتصاد بلا تقتير ولا إسراف ، ثمّ وزنت سبيكة الفضّة فخرجت على ما قدّرته ما زادت ولا نقصت(١) .

ومنها : ما روي أنّه حدّث بطريق متطبّب بالريّ قد أتى عليه مائة سنة ونيّف وقال : كنت تلميذ بختيشوع ـ طبيب المتوكّل ـ وكان يصطفيني ، فبعث إليه الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضاعليهم‌السلام أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده ، فاختارني وقال : قد طلب منّي ابن الرضاعليه‌السلام من يفصده فصر إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به ، فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة وقال : « كن إلى أن أطلبك ».

قال : وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيّدا محمودا للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود له وأحضر طستا عظيما ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتّى امتلأ الطست ، ثمّ قال لي : « اقطع » ، فقطعت وغسل يده وشدّها وردّني إلى الحجرة وقدّم من الطعام الحارّ والبارد شيء كثير وبقيت إلى العصر.

ثمّ دعاني فقال : « سرّح » ، ودعا بذلك الطست فسرّحت وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت ، فقال : « اقطع » ، فقطعت وشدّ يده وردّني إلى الحجرة فبتّ فيها.

فلمّا أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطست ، وقال : « سرّح » ، فسرّحت فخرج مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطست ، فقال : « اقطع » ، فقطعت وشدّ

__________________

(١) المصدر السابق : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، ح ٢٠ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٤٢١ ، ح ٢.

١١١

يده وقدّم لي بتخت ثياب وخمسين دينارا وقال : « خذ هذا وأعذر وانصرف » ، فأخذت وقلت : يأمرني السيّد بخدمة؟ قال : « نعم ، تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول ».

فصرت إلى بختيشوع وقلت له القصّة ، فقال : اجتمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمناء من الدم ، وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا ، وأعجب ما فيه اللبن ، ففكّر ساعة ، ثمّ مكثنا ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصّة ذكرا في العالم فلم نجد.

ثمّ قال : لم يبق اليوم في النصرانيّة أعلم بالطبّ من راهب بدير العاقول ، فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى ، فخرجت وناديته فأشرف عليّ وقال : من أنت؟

قلت : صاحب بختيشوع قال : معك كتابه؟ قلت : نعم.

فأرخى لي زنبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته ، فقال : أنت الرجل الذي فصدت؟ قلت : نعم ، قال : طوبى لأمّك ، وركب بغلا ومرّ ، فوافينا سرّ من رأى وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحبّ دار أستاذنا أو دار الرجل؟

قال : دار الرجل.

فصرنا إلى بابه قبل الأذان ، ففتح الباب وخرج إلينا غلام أسود ، وقال : أيّكما راهب دير العاقول؟

فقال : أنا جعلت فداك.

فقال : انزل ، وقال لي الخادم : احتفظ بالبغلتين وأخذ بيده ودخلا ، فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ، ثمّ خرج الراهب وقد رمى بثياب الرهبانيّة ولبس ثيابا بيضاء وقد أسلم ، فقال : خذني الآن إلى دار أستاذك ، فصرنا إلى دار بختيشوع فلمّا رآه بادر يعدو إليه ، ثمّ قال : ما الذي أزالك عن دينك؟

قال : وجدت المسيح فأسلمت على يده.

١١٢

قال : وجدت المسيح؟

قال : أو نظيره ، فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح ، وهذا نظيره في آياته وبراهينه ، ثمّ انصرف إليه ، ولزم خدمته إلى أن مات(١) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن جعفر ، عن الحلبي قال : اجتمعنا بالعسكر وترصّدنا لأبي محمّدعليه‌السلام يوم ركوبه فخرج توقيعه : « ألا لا يسلّمن عليّ أحد ولا يشير إليّ بيده ولا يومئ فإنّكم لا تؤمنون على أنفسكم ».

قال : وإلى جانبي شابّ ، فقلت : من أين أنت؟

قال : من المدينة ، قلت : ما تصنع هاهنا؟ قال : اختلفوا عندنا في أبي محمّدعليه‌السلام فجئت لأراه وأسمع منه أو أرى منه دلالة ليسكن قلبي وإنّي لولد أبي ذرّ الغفاري. فبينما نحن كذلك إذ خرج أبو محمّدعليه‌السلام مع خادم له ، فلمّا حاذانا نظر إلى الشابّ الذي بجنبي ، فقال : « أغفاريّ أنت؟ » قال : نعم. قال : « ما فعلت أمّك حمدويه؟ » فقال : صالحة ، ومرّ.

فقلت للشابّ : أكنت رأيته قطّ وعرفته بوجهه قبل اليوم؟ قال : لا

قلت : فينفعك هذا؟ قال : ودون هذا(٢) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن الحسن بن سابور قال : قحط الناس بسرّ من رأى في زمن الحسن الأخيرعليه‌السلام فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء ، فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّى يستسقون ويدعون فما سقوا.

فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب فلمّا مدّ يده هطلت السماء بالمطر ، فشكّ أكثر الناس وتعجّبوا وصبوا إلى دين النصرانيّة ، فأنفذ الخليفة إلى الحسنعليه‌السلام وكان محبوسا واستخرجه من محبسه

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٠ : ٢٦٠ ـ ٢٦٢ ، ح ٢١ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٤٢٢ ـ ٤٢٤ ، ح ٣.

(٢) المصدر السابق : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، ح ٣٤ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٤٣٩ ـ ٤٤٠ ، ح ٢٠.

١١٣

وقال : الحق أمّة جدّك فقد هلكت ، فقال : « إنّي خارج لأزيل الشكّ إن شاء الله تعالى ».

فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه ، وخرج الحسنعليه‌السلام في نفر من أصحابه ، فلمّا بصر بالراهب ـ وقد مدّ يده ـ أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه ، ففعل وأخذ من بين سبّابتيه عظما أسود ، فأخذه الحسنعليه‌السلام بيده ثمّ قال له : « استسق الآن » ، فاستسقى وكانت السماء متغيّمة فتقشّعت وطلعت الشمس بيضاء ، فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمّد؟

قالعليه‌السلام : « هذا رجل مرّ بقبر نبيّ من الأنبياء فوقع إلى يده هذا العظم وما كشف من عظم نبيّ إلاّ وهطلت السماء بالمطر »(١) .

ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي محمّدعليه‌السلام فاستؤذن لرجل من أهل اليمن ، فدخل عليه رجل جميل طويل جسيم ، فسلّم عليه بالولاية فردّ عليه بالقبول وأمره بالجلوس فجلس إلى جنبي ، فقلت في نفسي : ليت شعري من هذا؟

فقال أبو محمّدعليه‌السلام : « هذا من ولد الأعرابيّة صاحب الحصاة التي طبع آبائي فيها » ، ثمّ قال : « هاتها » ، فأخرج حصاة وفي جانب منها موضع أملس فأخذها وأخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع ، وكأنّي أقرأ الخاتم الساعة : الحسن بن عليّعليه‌السلام فقلت لليماني : رأيته قطّ؟

قال : لا والله وإنّي منذ دهر لحريص على رؤيته حتّى كان الساعة أتاني شابّ لست أراه ، فقال : قم فادخل ، فدخلت ، ثمّ نهض وهو يقول : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ذرّيّة بعضها من بعض ، أشهد أنّ حقّك لواجب كوجوب حقّ

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٠ : ٢٧٠ ، ح ٣٧ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، ح ٢٣ ، و « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٤٢٥.

١١٤

أمير المؤمنين والأئمّة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين ، وإليك انتهت الحكمة والإمامة ، وأنّك وليّ الله الذي لا عذر لأحد في الجهل به.

فسألته عن اسمه فقال : اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أمّ غانم ، وهي الأعرابيّة اليمانيّة صاحبة الحصاة التي ختم فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وقال أبو جعفر الهاشمي في ذلك :

بدرب الحصا مولى لنا يختم الحصا

له الله أصفى بالدليل وأخلصا

وأعطاه رايات الإمامة كلّها

كموسى وفلق البحر واليد والعصا

وما قمّص الله النبيّين حجّة

ومعجزة إلاّ الوصيّين قمّصا(١) .

ومنها : ما روي عن أبي هاشم قال : دخلت على أبي محمّدعليه‌السلام وكان يكتب كتابا ، فحان وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده ، فرأيت القلم يمرّ على باقي القرطاس من الكتاب فيكتب حتّى انتهى إلى آخره ، فخررت ساجدا ، فلمّا انصرف من الصلاة أخذ القلم بيده وأذن للناس(٢) .

ومنها : ما روي عن أبي الحسن الكرخي قال : كان أبي بزّازا في الكرخ فجهّزني بقماش إلى سرّ من رأى ، فلمّا دخلت إليها جاءني خادم فناداني باسمي واسم أبي ، وقال : أجب مولاك.

قلت : ومن مولاي حتّى أجيبه؟

__________________

(١) المصدر السابق : ٣٠٢ ، ح ٧٨ ، نقلا عن « إعلام الورى » ٢ : ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٢) المصدر السابق : ٣٠٤ ، ح ٨٠ ، نقلا عن « عيون المعجزات » : ١٢٢ ـ ١٢٣.

١١٥

فقال : ما على الرسول إلاّ البلاغ.

قال : فتبعته فجاء بي إلى دار عالية البناء لا أشكّ أنّها الجنّة ، وإذا رجل جالس على بساط أخضر ونور جماله يغشى الأبصار ، فقال لي : « إنّ فيما حملت من القماش حبرتين : إحداهما في مكان كذا ، والأخرى في مكان كذا في السفط الفلاني ، وفي كلّ واحدة منهنّ رقعة مكتوبة فيها ثمنها وربحها ، وثمن إحداهما ثلاثة وعشرون دينارا والربح ديناران ، وثمن الأخرى ثلاثة عشر دينارا والربح كالأولى ، فاذهب فأت بهما ».

قال الرجل : فرجعت فجئت بهما إليه فوضعتهما بين يديه فقال لي : « اجلس » ، فجلست لا أستطيع النظر إليه إجلالا لهيبته.

قال : فمدّ يده إلى طرف البساط ـ وليس هناك شيء ـ وقبض قبضة ، وقال : « هذا ثمن حبرتيك وربحهما ».

قال : فخرجت وعددت المال في الباب فكان المشترى والربح كما كتب والدي لا يزيد ولا ينقص(١) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن عاصم الكوفي الأعمى قال : دخلت على سيّدي الحسن العسكري فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السّلام وقال : « مرحبا بك اجلس هنيئا لك يا ابن عاصم ، أتدري ما تحت قدميك؟ »

فقلت : يا مولاي ، إنّي أرى تحت قدميّ هذا البساط كرّم الله وجه صاحبه.

فقال لي : « يا ابن عاصم ، اعلم أنّك على بساط جلس عليه كثير من النبيّين والمرسلين » ، فقلت : يا سيّدي ، يا ليتني كنت لا أفارقك ما دمت في دار الدنيا ، ثمّ قلت في نفسي : ليتني كنت أرى هذا البساط.

فعلم الإمامعليه‌السلام ما في ضميري فقال : « ادن منّي » ، فدنوت منه فمسح يده على

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٠ : ٣١٤ ـ ٣١٥ ، ح ١٢ ، نقلا عن « مشارق أنوار اليقين » : ١٠١ ، الفصل ١٣.

١١٦

وجهي فصرت بصيرا بإذن الله ، ثمّ قال : « هذا قدم أبينا آدم ، وهذا أثر هابيل ، وهذا أثر شيث ، وهذا أثر إدريس ، وهذا أثر هود ، وهذا أثر صالح ، وهذا أثر لقمان ، وهذا أثر إبراهيم ، وهذا أثر لوط ، وهذا أثر شعيب ، وهذا أثر موسى ، وهذا أثر داود ، وهذا أثر سليمان ، وهذا أثر الخضر ، وهذا أثر دانيال ، وهذا أثر ذي القرنين ، وهذا أثر عدنان ، وهذا أثر عبد المطّلب ، وهذا أثر عبد الله ، وهذا أثر عبد مناف ، وهذا أثر جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا أثر جدّي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

قال عليّ بن عاصم : فأهويت على الأقدام كلّها فقبّلتها وقبّلت يد الإمامعليه‌السلام وقلت له : إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي ، وليس أملك غير موالاتكم والبراءة من أعدائكم واللعن لهم في خلواتي فكيف حالي يا سيّدي؟

فقالعليه‌السلام : « حدّثني أبي عن جدّي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ الله صوته إلى جميع الملائكة ، فكلّما لعن أحدكم أعداءنا ساعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم ، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه وقالوا : اللهمّ صلّ على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده ، ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل فإذا النداء من قبل الله يقول : يا ملائكتي ، إنّي أجبت دعاءكم في عبدي هذا وسمعت نداءكم وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار وجعلته من المصطفين الأخيار »(١) .

فصل [١١] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا المنتظر المهديّ أبي القاسم صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما قال سعد : فما شبّهت مولانا أبا محمّد حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر

__________________

(١) المصدر السابق : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، ح ١٣ ؛ « مشارق أنوار اليقين » : ١٠٠ ـ ١٠١ ، الفصل ١٣ ، مع اختلاف.

١١٧

قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولاناعليه‌السلام يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها لئلاّ يصدّه عن كتابة ما أراد.

فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس ، فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيئ كسائه فوضعه بين يديه ، فنظر الهاديعليه‌السلام إلى الغلام وقال له : « يا بنيّ ، فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ».

فقال : يا مولاي ، أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟

فقال مولايعليه‌السلام : « يا ابن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميّز [ ما ] بين الأحلّ والأحرم منها ».

فأوّل صرّة بدأ بإخراجها فقال الغلام : « هذه لفلان بن فلان من محلّة كذا بقم ، تشتمل على اثنين وستّين دينارا فيها من ثمرة حجيرة باعها صاحبها ، وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا ، وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير ».

فقال مولاناعليه‌السلام : « صدقت يا بنيّ ، دلّ الرجل على الحرام منها؟ »

فقالعليه‌السلام : « فتّش على دينار رازيّ السكّة تأريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضة آمليّة وزنها ربع دينار ، والعلّة في تحريمهما أنّ صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع منّ ، فأتت على ذلك مدّة قيّض في انتهاؤها لذلك الغزل سارقا ، فأخبر به

١١٨

الحائك صاحبه فكذّبه واستردّ منه بدل ذلك منّا ونصف منّ غزلا أدقّ ممّا كان دفعه إليه واتّخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه ».

فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.

ثمّ أخرج صرّة أخرى فقال الغلامعليه‌السلام : « هذه لفلان بن فلان من محلّة كذا بقم ، تشتمل على خمسين دينارا لا يحلّ لنا مسّها ».

قال : وكيف ذلك؟ قال : « لأنّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف وكال ما حصّ الأكّار بكيل بخس ».

فقال مولاناعليه‌السلام : « صدقت يا بنيّ ».

ثمّ قال : « يا بن إسحاق ، احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها ، فلا حاجة لنا في شيء منها وائتنا بثوب العجوز ».

قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته.

فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ مولانا أبو محمّدعليه‌السلام فقال : « ما جاء بك يا سعد؟ » فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولاناعليه‌السلام قال : « فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ » قلت : على حالها يا مولاي ، قال : « فاسأل قرّة عيني » وأومأ إلى الغلام. الحديث(١) .

ومنها : ما سمعنا [ أنّ ] شيخا من أصحاب الحديث يقال له : أحمد بن فارس الأديب يقول : سمعت بهمذان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني ، فسألني أن أثبتها له بخطّي ولم أجد إلى مخالفته سبيلا ، وقد كتبتها وعدتها إلى من حكاها ، وذلك أنّ بهمذان أناسا يعرفون ببني راشد ، وهم كلّهم يتشيّعون ، ومذهبهم مذهب

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٢ : ٨٠ ـ ٨٢ ، ح ١ ، نقلا عن « كمال الدين » ٢ : ٤٥٧ ـ ٤٥٩ ، ح ٢١.

١١٩

أهل الإمامة فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همذان.

فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا وسمتا : إنّ سبب ذلك أنّ جدّنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّا ، فقال : إنّه لمّا صدر من الحجّ وساروا منازل في البادية ، قال : فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلا حتّى أعييت وتعبت وقلت في نفسي : أنام نومة تريحني فإذا جاء أواخر القافلة قمت ، فقال : فما انتبهت إلاّ بحرّ الشمس ولم أر أحدا فتوحّشت ولم أر طريقا ولا أثرا ، فتوكّلت على الله عزّ وجلّ وقلت : أسير حيث وجّهني.

ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنّها قريبة عهد بغيث وإذا تربتها أطيب تربة ، ونظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف ، فقلت :

يا ليت ، شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به فقصدته ، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين فسلّمت عليهما فردّا عليّ ردّا جميلا ، وقالا : اجلس فقد أراد الله بك خيرا ، وقام أحدهما ودخل واحتبس غير بعيد ، ثمّ خرج فقال : قم فادخل ، فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بناء ولا أضوأ منه ، وتقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ، ثمّ قال لي : ادخل ، فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت وقد علّق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمسّ رأسه ، والفتى بدر يلوح في ظلام ، فسلّمت فردّ السّلام بألطف الكلام وأحسنه ، ثمّ قال لي : « أتدري من أنا؟ »

فقلت : لا والله.

فقال : « أنا القائم من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف ـ وأشار إليه ـ فأملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ».

فسقطت على وجهي وتعفّرت ، فقال : « لا تفعل ، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها : همذان ».

١٢٠