البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 111070
تحميل: 5734


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111070 / تحميل: 5734
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

فقالعليه‌السلام : هل تعرفون أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقالوا : نعم ، فرفع سترا كان على باب البيت ، فقالعليه‌السلام : انظروا ، فنظروا فإذا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقالوا : هذا أمير المؤمنين لا يشكّ فيه ونشهد أنّك خليفته حقّا وصدقا »(١) .

فصل [٢] : في أسرار الحسينعليه‌السلام

فمن ذلك أنّه لمّا أراد الخروج إلى العراق ، قالت له أمّ سلمة : يا بنيّ ، لا تحزنّي بخروجك ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ يقول ] : « يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام بالعراق » ، فقال لها الحسينعليه‌السلام : « يا أمّاه ، إنّي مقتول لا محالة وليس من الأمر المحتوم بدّ ، وإنّي لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والحفرة التي أدفن فيها ، ومن يقتل معي من أهل بيتي وشيعتي ، وإن أردت أريك مضجعي ومكاني » ، ثمّ أشار بيده فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومكانه(٢) .

ومن ذلك من كتاب الراوندي أنّ رجلا جاء إلى الحسينعليه‌السلام فقال : إنّ أمّي توفّيت ولم توص بشيء غير أنّها أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتّى أعلمك يا مولاي ، فجاء الحسينعليه‌السلام وأصحابه فرآها ميّتة ، فدعا الله ليحييها فإذا المرأة تتكلّم وقالت : ادخل يا مولاي ، ومرني بأمرك ، فدخل وجلسعليه‌السلام وقال لها : « أوص يرحمك الله » ، فقالت : يا سيّدي ، إنّ لي من المال كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك ، وإن كان مخالفا فلا حظّ للمخالف في أموال المؤمنين ، ثمّ سألته أن يتولّى أمرها وأن يصلّي عليها ، ثمّ صارت ميتة كما كانت(٣) .

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٨٨ ؛ « بحار الأنوار » ٢٧ : ٣٠٣.

(٢) « مشارق أنوار اليقين » : ٨٨ ؛ « بحار الأنوار » ٤٤ : ٣٣١.

(٣) « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، ح ١ ؛ « مشارق أنوار اليقين » : ٨٨ ـ ٨٩ ؛ « بحار الأنوار » ٤٤ : ١٨٠ ـ ١٨١.

١٤١

فصل [٣] : في أسرار عليّ بن الحسينعليهما‌السلام

فمن ذلك ما رواه خالد بن عبد الله قال : كان عليّ بن الحسينعليه‌السلام حاجّا ، فجاء أصحابه فضربوا فسطاطه في ناحية ، فلمّا رآهعليه‌السلام قال : « هذا مكان قوم من الجنّ المؤمنين وقد ضيّقتم عليهم » ، فناداه هاتف : يا ابن رسول الله ، قرّب فسطاطك منّا رحمة ، لنا وإنّ طاعتك مفروضة علينا ، وهذه هديّتنا إليك فاقبلها.

قال جابر : فنظرنا فإذا إلى جانب الفسطاط أطباقا مملوءة رطبا وعنبا وموزا ورمّانا ، فدعا زين العابدينعليه‌السلام من كان معه من أصحابه فقال : « كلوا من هديّة إخوانكم من المؤمنين »(١) .

ومن ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين أنّ بني مروان لعنهم الله لمّا كثر استنقاصهم بشيعة عليّ بن الحسينعليه‌السلام شكوا إليه حالهم فدعا الباقرعليه‌السلام وأخرج من كمّه خيطا أصفر وأمره أن يحرّكه تحريكا لطيفا فصعد السطح وحرّكه وإذا الأرض ترجف وبيوت المدينة تساقط حتّى هوى من المدينة ستّمائة وأقبل الناس هاربين إليه يقولون : أجرنا يا ابن رسول الله ، أجرنا يا وليّ الله ، فقال : « هذا دأبنا ودأبهم يستنقصون بنا ونحن نغنيهم »(٢) .

ومن ذلك أنّ رجلا سأله : بما ذا فضّلنا على أعدائنا وفيهم من هو أجمل منّا؟ فقال له الإمامعليه‌السلام : « أتحبّ أن ترى فضلك عليهم؟ » فقال : نعم ، فمسح يده على وجهه ، فقال : « انظر » ، فنظر واضطرب وقال : جعلت فداك ردّني إلى ما كنت فإنّي لم أر في المسجد إلاّ دبّا وقردا وكلبا ، فمسح يده فعاد إلى حاله ، وإليه الإشارة بقوله : « أعداء عليّعليه‌السلام مسوخ هذه الأمّة »(٣) ، وفي النقل : « اقتلوا الوزغ فإنّه مسوخ

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٨٩ ؛ « بحار الأنوار » ٤٦ : ٤٥ ، ح ٤٥.

(٢) « مشارق أنوار اليقين » : ٨٩ ، مع اختلاف يسير.

(٣) المصدر السابق : ٨٩.

١٤٢

بني أميّة عليهم اللعنة »(١) .

فصل [٤] : في أسرار أبي جعفرعليه‌السلام

فمن ذلك ما رواه محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام إذ وقع عليه ورشانان ثمّ هدلا ، فردّ عليهما فطارا ، فقلت : جعلت فداك ما هذا؟ فقال : « هذا طائر ظنّ في زوجته سوء فحلفت له فقال لها : لا أرضى إلاّ بمولاي محمّد بن عليّ ، فجاءت فحلفت له بالولاية أنّها لم تخنه فصدّقها ، وما من أحد يحلف بالولاية إلاّ صدق ، إلاّ الانسان فإنّه حلاّف مهين »(٢) .

ومن ذلك : ما رواه ميسر قال : قمت بباب أبي جعفرعليه‌السلام فخرجت جارية جلاسيّة ، فوضعت يدي على رأسها فناداني من أقصى الدار : « ادخل لا أبا لك ، فلو كانت الجدران تحجب أبصارنا عنكم كما تحجب أبصاركم عنّا ، لكنّا نحن وإيّاكم سواء »(٣) .

ومن ذلك : ما رواه محمّد بن مسلم قال : خرجت مع أبي جعفرعليه‌السلام إلى مكان يريده فسرنا فإذا ذئب قد انحدر من الجبل وجاء حتّى وضع يده على قربوس السرج وتطاول فخاطبه وقال له الإمامعليه‌السلام : « ارجع فقد فعلت » ، قال : فرجع الذئب مهرولا ، فقلت : يا سيّدي ، ما شأنه؟ فقالعليه‌السلام : « ذكر أنّ زوجته قد عسرت عليها الولادة فسأل لها الفرج ، وأن يرزقها الله ولدا لا يؤذي دوابّ شيعتنا ، فقلت له : اذهب فقد فعلت ».

قال : ثمّ سرنا فإذا قاع محدب يتوقّد حرّا وهناك عصافير يتطايرون ودرن حول بغلته فزجرها ، وقال : « لا ولا كرامة » ، قال : ثمّ سار إلى مقصده ، فلمّا رجعنا من الغد وعدنا إلى القاع فإذا العصافير قد طارت ودارت حول بغلته ورفرفت فسمعته يقول :

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق : ٨٩ ـ ٩٠ ، مع اختلاف يسير.

(٣) المصدر السابق : ٩٠.

١٤٣

« اشربي وارتوي » ، قال : فنظرت فإذا في القاع ضحضاح من الماء.

فقلت : يا سيّدي ، بالأمس منعتها واليوم سقيتها؟ فقال : « اعلم أنّ اليوم خالطتها القنابر فسقيتها ، ولو لا القنابر لما سقيتها » ، فقلت : يا سيّدي ، وما الفرق بين القنابر والعصافير؟

فقال : « ويحك أمّا العصافير فإنّهم موالي الرحل ؛ لأنّهم منه ، وأمّا القنابر فإنّهم من موالينا أهل البيت وإنّهم يقولون في صفيرهم : بوركتم أهل البيت وبوركت شيعتكم ولعن الله أعداءكم » ، ثمّ قال : « عادانا من كلّ شيء حتّى من الطيور الفاختة ومن الأيّام الأربعاء »(١) .

ومن ذلك : ما رواه إسماعيل السندي عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : سمعته يقول لرجل من خراسان كان قدم إليه : « كيف أبوك؟ » قال الرجل : بخير ، قال : « وأخوك؟ » قال : خلفته صالحا ، فقال : « قد هلك أبوك بعد خروجك بيومين ، وأمّا أخوك فقتلته جاريته يوم كذا وقد صار إلى الجنّة » ، فقال الرجل : جعلت فداك إنّ ابني قد خلفته وجعا؟ » فقال : « أبشر فقد برئ وزوّجه عمّه ابنته ، وصار له غلام وسمّاه عليّا وليس من شيعتنا » ، فقال الرجل فما إليه من حيلة؟ فقال : « كلاّ ، قد أخذ من صلب آدمعليه‌السلام أنّه من أعدائنا فلا يغرّنّك عبادته وخشوعه »(٢) .

ومن ذلك ما رواه جابر بن يزيد قال : كنّا مع أبي جعفرعليه‌السلام في المسجد فدخل عمر بن عبد العزيز وهو غلام وعليه ثوبان معصفران ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « لا تذهب الأيّام حتّى يملكها هذا الغلام ويستعمل العدل جهرا والجور سرّا ، فإذا مات يبكيه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء »(٣) .

ومن ذلك : ما رواه أبو بصير قال : قال لي مولاي أبو جعفرعليه‌السلام : « إذا رجعت إلى

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٩٠.

(٢) « الخرائج والجرائح » ٢ : ٥٩٥ ، ح ٦ ؛ « مشارق أنوار اليقين » : ٩٠ ـ ٩١.

(٣) « مشارق أنوار اليقين » : ٩١.

١٤٤

الكوفة يولد لك ولد وتسمّيه عيسى ويولد لك ولد وتسمّيه محمّدا ، وهما من شيعتنا وأسماؤهما في صحيفتنا وما يولدون إلى يوم القيامة » ، قال : فقلت له : وشيعتكم معكم؟ قال : « نعم ، إذا خافوا الله واتّقوه وأطاعوه »(١) .

ومن ذلك : أنّه دخل في المسجد يوما فرأى شابّا يضحك في المسجد ، فقال له : « تضحك في المسجد وأنت بعد ثلاثة من أصحاب القبور » ، فمات الرجل في أوّل يوم الثالث ودفن في آخره(٢) .

ومن ذلك : ما ورد في كتاب كشف الغمّة عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت له يوما : أنتم ذرّيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : « نعم » ، قلت : ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارث الأنبياء؟ قال : « نعم » ، قلت : وأنتم ورثتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : « نعم » ، قلت : فتقدر أن تحيي الموتى وتبرئ الأكمه والأبرص وتخبر الناس بما يأكلون وما يدّخرون؟ قال : « نعم ، بأمر الله » ، ثمّ قال : « ادن منّي » ، فدنوت فمسح يده على وجهي فأبصرت السماء والأرض ، ثمّ مسح يده على وجهي فعدت كما كنت لا أرى شيئا(٣) .

فصل [٥] : في أسرار أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام

فمن ذلك : ما رواه محمّد بن سنان أنّ رجلا قدم عليه من خراسان ومعه صرر من الصدقات معدودة مختومة وعليها أسماء أصحابها مكتوبة ، فلمّا دخل الرجل جعل أبو عبد اللهعليه‌السلام يسمّي أصحاب الصرر ، ويقول : « أخرج صرّة فلان فإنّ فيها كذا وكذا » ، ثمّ قال : « أين صرّة المرأة التي بعثتها من غزل يدها؟ أخرجها فقد قبلناها ».

ثمّ قال للرجل : « أين الكيس الأزرق؟ » وكان فيما حمل إليه كيس أزرق فيه ألف درهم ، وكان الرجل قد فقده في بعض طريقه ، فلمّا ذكره الإمام استحى الرجل وقال :

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

(٣) « كشف الغمّة » ٢ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ؛ « مشارق أنوار اليقين » : ٩١.

١٤٥

يا مولاي ، إنّي فقدته في بعض الطريق.

فقال له الإمام : « تعرفه إذا رأيته؟ » فقال : نعم ، فقال : « يا غلام ، أخرج الكيس الأزرق » ، فأخرجه فلمّا رآه الرجل عرفه ، فقال له الإمام : « إنّا احتجنا إلى ما فيه فأحضرناه قبل وصولك إلينا ».

فقال الرجل : يا مولاي ، إنّي ألتمس الجواب بوصول ما حملته إلى حضرتكم ، فقال له : « إنّ الجواب كتبناه وأنت في الطريق »(١) .

ومن ذلك : ما رواه عبد الله بن الكاهلي قال : قال لي الصادقعليه‌السلام : « إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسيّ ، وقل : عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة الرسول وعزيمة سليمان بن داود وعزيمة عليّ أمير المؤمنين والأئمّة من بعده. فإنّه ينصرف عنك ».

قال : فخرجت مع ابن عمّ لي قادما من الكوفة فعرض لنا السبع ، فقرأت عليه ما علّمني مولاي ، فطأطأ رأسه ورجع عن الطريق ، فلمّا قدمت إلى سيّدي من قبل أن أعلمته بالخبر ، فقال : « أتراني لم أشهدكم؟ أنّ لي مع كلّ وليّ أذنا سامعة وعينا ناظرة ولسانا ناطقا » ، ثمّ قال : « يا عبد الله ، أنا والله صرفته عنكما ، وعلامة ذلك أنّكما كنتما على شاطئ النهر »(٢) .

ومن ذلك : ما رواه أبو بصير قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إنّ المعلّى بن خنيس ينال درجتنا ، وإنّ المدينة من قابل يليها داود بن عروة ويستدعيه ويأمره أن يكتب له أسماء شيعتي فيأبى فيقتله ويصلبه ، فينال بذلك درجتنا ».

فلمّا ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلّى وسأله عن الشيعة ، فقال : ما أعرفهم ، فقال : اكتبهم لي وإلاّ ضربت عنقك ، فقال : أبالقتل تهدّدني؟ والله لو كانوا

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٩١ ـ ٩٢ ؛ « بحار الأنوار » ٤٧ : ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٢) المصدر السابق.

١٤٦

تحت قدميّ ما رفعتهما عنهم. فأمرهم بضرب عنقه وصلبه.

فلمّا دخل عليه الصادقعليه‌السلام قال : « يا داود ، قتلت معلّى وكيلي وما كفاك القتل حتّى صلبته ، والله لأدعو الله عليك فيقتلك كما قتلته » ، فقال له داود : أتهدّدني بدعائك؟ ادع الله لك فإذا استجاب لك فادعه عليّ ، فخرج أبو عبد الله مغضبا فلمّا جنّ الليل اغتسل واستقبل القبلة ، ثمّ قال : « يا ذا يا ذي يا ذو ، ارم داود سهما من سهام قهرك ويتبلبل به قلبه » ، ثمّ قال لغلامه : « اخرج واسمع الصائح » ، فجاء الخبر أنّ داود قد هلك ، فخرّ الإمام ساجدا فقال : « والله لقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو أقسمت على أهل الأرض لزلزلت بمن عليها »(١) .

ومن ذلك : أنّ المنصور يوما دعا الصادقعليه‌السلام فركب معه إلى بعض النواحي ، فجلس المنصور على تلّ هناك وإلى جانبه أبو عبد اللهعليه‌السلام فجاء ، رجل وهمّ أن يسأل المنصور ، ثمّ أعرض عنه وسأل عن الصادقعليه‌السلام ، فحثى له من رمل هناك ملء يديه ثلاث مرّات ، فقال : « اذهب وأغل » ، فقال له بعض حاشية المنصور : أعرضت عن الملك وسألت فقيرا لا يملك شيئا؟ فقال الرجل ـ وقد غرق وجهه خجلا ممّا أعطاه ـ إنّي سألت من أنا واثق بعطائه ، ثمّ جاء بالتراب إلى بيته ، فقالت له زوجته : من أعطاك هذا؟ فقال : جعفرعليه‌السلام ، فقالت : وما قال لك؟ قال : قال لي : « أغل » ، فقالت : إنّه صادق فاذهب منه بقليل إلى أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رائحة الغناء ، فأخذ الرجل منه جزءا ومرّ به إلى بعض اليهود فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم ، وقال له : ائتني بباقيه على هذه القيمة(٢) .

ومن ذلك : أنّ المنصور لمّا أراد قتل أبي عبد اللهعليه‌السلام استدعى قوما من الأعاجم يقال لهم : البعرعر لا يفهمون ولا يعقلون ، فخلع عليهم الديباج المثقل والوشي

__________________

(١) المصدر السابق : ٩٢ ـ ٩٣ ؛ « بحار الأنوار » ٤٧ : ١٨١.

(٢) المصدر السابق : ٩٣ ؛ « بحار الأنوار » ٤٧ : ١٥٦.

١٤٧

المنسوج ، وحملت الأموال إليهم ، ثمّ استدعاهم وكانوا مائة رجل ، وقال للترجمان : قل لهم : إنّ لي عدوّا يدخل عليّ الليلة فاقتلوه إذا دخل ، قال : فأخذوا أسلحتهم ووقفوا ممتثلين لأمره.

فاستدعى جعفراعليه‌السلام وأمره أن يدخل وحده ، ثمّ قال للترجمان : قل لهم : هذا عدوّي فقطعوه ، فلمّا دخل الإمام تعاووا عوى الكلاب ورموا أسلحتهم وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم ، وخرّوا له سجّدا ، ومرّغوا وجوههم على التراب ، فلمّا رأى المنصور ذلك خاف وقال : ما جاء بك؟

قال : « أنت ، وما جئتك إلاّ مغتسلا محنّطا ».

فقال المنصور : معاذ الله أن يكون ما تزعم ، ارجع راشدا ، فرجع جعفرعليه‌السلام والقوم على وجوههم سجّدا فقال للترجمان : قل لهم : لم لا قتلتم عدوّ الملك؟ فقالوا : نقتل وليّنا الذي يلقانا كلّ يوم ويدبّر أمرنا كما يدبّر الرجل أمر ولده ، ولا نعرف وليّا سواه ، فخاف المنصور من قولهم وروّحهم تحت الليل ثمّ قتله بعد ذلك بالسمّ(١) .

ومن ذلك : ما رواه أحمد البرقي ، عن أبيه ، عن سدير الصيرفي قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وبين يديه طبق مغطّى فدنوت منه وسلّمت عليه فكشف الطبق وإذا فيه رطب ، فقلت : يا رسول الله ، ناولني رطبة ، فناولنيها فأكلتها ثمّ طلبت اخرى فناولني حتّى أكلت ثمان رطبات فطلبت أخرى فقال : « حسبك ».

قال : فلمّا استيقظت من الغد دخلت على الصادقعليه‌السلام وإذا بين يديه طبق مغطّى كما رأيته في المنام فكشف عنه وإذا فيه رطب ، فقلت : جعلت فداك ناولني رطبة فناولنيها فأكلتها حتّى سألته أخرى فأعطاني حتّى ناولني ثماني رطبات فأكلتهنّ ثمّ سألته أخرى فقال : « حسبك لو زادك جدّي لزدتك »(٢) .

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٩٣ ؛ « بحار الأنوار » ٤٧ : ١٨١ ـ ١٨٢.

(٢) المصدر السابق : ٩٤.

١٤٨

فصل [٦] : في أسرار أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام

فمن ذلك : أنّ الرشيد لمّا حجّ دخل المدينة فاستأذن عليه الناس ، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفرعليه‌السلام فلمّا أدخل عليه دخل وهو يحرّك شفتيه ، فلمّا قرب إليه قعد الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثمّ أقبل عليه وقال : كيف أنت يا أبا الحسن؟ كيف عيالك؟ كيف عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ وهو يقول : « خير خير » ، فلمّا قام أراد الرشيد أن ينهض أقسم عليه أبو الحسن فقعد ، ثمّ عانقه وخرج ، فلمّا خرج قال له المأمون : من هذا الرجل؟ فقال : يا بنيّ ، هذا وارث علوم الأوّلين والآخرين ، هذا موسى بن جعفرعليه‌السلام فإن أردت علما حقّا فعند هذا(١) .

ومن ذلك : ما رواه أحمد البزّاز قال : إنّ الرشيد ـ لعنه الله ـ لمّا أحضر موسىعليه‌السلام إلى بغداد فكّر في قتله فلمّا كان قبل قتله بيومين قال للمسيّب ـ وكان من الحرس عليه لكنّه كان من أوليائه وكان الرشيد لعنه الله قد سلّم موسىعليه‌السلام إلى السندي بن شاهك لعنه الله وأمره أن يقيّده بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثون رطلا ـ قال : فاستدعى المسيّب نصف الليل قال : « إنّي ظاعن عنك في هذه الليلة إلى المدينة لأعهد إلى من بها عهدا يعمل به بعدي » ، فقال المسيّب : يا مولاي ، كيف أفتح لك الأبواب والحرس قياما؟ فقال : « ما عليك » ، ثمّ أشار بيده إلى القصور المشيّدة والأبنية العالية والدور المرتفعة فصارت أرضا ، ثمّ قال لي : « يا مسيّب كن على هيئتك فإنّي راجع إليك بعد ساعة » ، فقلت : يا مولاي ، ألا أقطع لك الحديد؟ قال : فنفضه وإذا هو ملقى ، قال : ثمّ خطى خطوة فغاب من عيني ، ثمّ ارتفع البنيان كما كان ، قال المسيّب : فلم أزل قائما على قدمي حتّى رأيت الأبنية والجدران قد خرّت ساجدة إلى الأرض وإذا سيّدي قد أقبل وعاد إلى محبسه وأعاد الحديد إليه ، فقلت :

__________________

(١) المصدر السابق.

١٤٩

يا سيّدي ، أين قصدت؟ فقال : « كلّ محبّ لنا في الأرض شرقا وغربا حتّى الجنّ في البراري ومختلف الملائكة »(١) .

ومن ذلك : ما رواه صفوان بن مهران قال : أمرني سيّدي أبو عبد اللهعليه‌السلام يوما أن أقدّم ناقته على باب الدار ، فجئت بها قال : فخرج أبو الحسن موسىعليه‌السلام مسرعا وهو ابن ستّ سنين فاستوى على ظهر الناقة وأثارها وغاب عن بصري ، قال : فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون وما أقول لمولاي إذا خرج ويريد ناقته؟ قال : فلمّا مضى من النهار ساعة إذ الناقة قد انقضّت كأنّها شهاب وهي ترفضّ عرقا فنزل عنها ودخل الدار ، فخرج الخادم فقال : أعد الناقة مكانها وأجب مولاك ، قال : ففعلت ما أمرني ودخلت عليه ، فقال : « يا صفوان ، إنّما أمرتك بإحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن ، فقلت في نفسك : كذا وكذا فهل علمت يا صفوان ، إلى أين بلغ عليها في هذه الساعة؟ أنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين ، وجاوزه أضعافا مضاعفة وأبلغ كلّ مؤمن ومؤمنة سلامي »(٢) .

ومن ذلك : ما رواه المسيّب أنّ الرشيد ـ لعنه الله ـ لمّا أراد قتل موسى أرسل إلى عمّاله في الأطراف ، فقال : أن التمسوا لي قوما لا يعرفون الله أستعين بهم في مهمّ لي. فأرسلوا إليه قوما يقال لهم : العبدة ، فلمّا قدموا عليه ـ وكانوا خمسين رجلا ـ أنزلهم في بيت من بيوت داره قريب المطبخ ، ثمّ حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والخدم ، ثمّ استدعاهم وقال : من ربّكم؟ فقالوا : لا نعرف ربّا وما سمعنا بهذه الكلمة ، فخلع عليهم.

ثمّ قال للترجمان : قل لهم : إنّ لي عدوّا في هذه الحجرة فادخلوا عليه فقطّعوه ، فدخلوا بأسلحتهم على أبي الحسن موسىعليه‌السلام والرشيد ينظر ما ذا يفعلون ، فلمّا رأوه رموا أسلحتهم وخرّوا له سجّدا ، فجعل موسىعليه‌السلام يمرّ يده على رءوسهم وهم

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٩٤ ـ ٩٥.

(٢) المصدر السابق : ٩٥ ؛ « بحار الأنوار » ٤٨ : ٩٩ ـ ١٠٠.

١٥٠

يبكون وهو يخاطبهم بألسنتهم ، فلمّا رأى الرشيد ذلك غشي عليه وصاح بالترجمان : أخرجهم ، فأخرجهم يمشون القهقرى إجلالا لموسىعليه‌السلام ثمّ ركبوا خيولهم وأخذوا الأموال ومضوا(١) .

فصل [٧] : في أسرار أبي الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام

ومن ذلك : أنّ الرضاعليه‌السلام لمّا قدم إلى خراسان توجّهت إليه الشيعة من الأطراف ، فكان عليّ بن أبي أسباط قد توجّه إليه بهدايا وتحف فأخذت القافلة وأخذ ماله وهداياه وضرب على فيه فانتثرت نواجذه ، فرجع إلى قرية هناك ونام فرأى الرضاعليه‌السلام في منامه وهو يقول : لا تحزن إنّ هداياك ومالك وصلت إلينا ، وأمّا فمك وثناياك فخذ من السعد المسحوق واحش به فاك.

قال : فانتبه مسرورا وأخذ من السعد وحشّى به فاه ، فردّ الله عليه نواجذه ، قال : فلمّا وصل إلى الرضاعليه‌السلام ودخل عليه ، قال له : « قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقّا فادخل هذه الخزانة » فإذا ماله وهداياه كلاّ على حدته(٢) .

ومن ذلك : أنّ رجلا في الواقفيّة جمع مسائل مشكلة في طومار ، وقال في نفسه : إن عرف معناها فهو وليّ الأمر. فلمّا أتى الباب وقف ليخفّ الناس من المجلس ، فخرج إليه خادم وبيده رقعة فيها جواب مسائله بخطّ الإمامعليه‌السلام فقال الخادم : أين الطومار؟ فأخرجه ، فقال له : يقول لك وليّ الله : « هذا جواب ما فيه » ، فأخذه ومضى(٣) .

ومن ذلك : أنّ الرضاعليه‌السلام قال يوما في مجلسه : « لا إله إلاّ الله مات فلان » ، ثمّ صبر هنيئة ، وقال : « لا إله إلاّ الله غسّل وكفّن وحمل إلى حفرته » ، ثمّ صبر هنيئة ، ثمّ قال :

__________________

(١) المصدر السابق : ٩٥ ـ ٩٦ ؛ « بحار الأنوار » ٤٨ : ٢٤٩.

(٢) المصدر السابق : ٩٦.

(٣) المصدر السابق.

١٥١

« لا إله إلاّ الله وضع في قبره وسئل عن ربّه فأجاب ثمّ سئل عن نبيّه فأقرّ ثمّ سئل عن إمامه فأخبر وعن العترة فعدّهم ، ثمّ وقف عندي فما باله وقف؟ » وكان الرجل واقفيّا(١) .

ومن ذلك : ما رواه الراوندي في كتابه عن إسماعيل قال : كنت عند الرضاعليه‌السلام فمسح يده على الأرض فظهرت سبائك من فضّة ، ثمّ مسح يده فغابت ، فقلت : أعطني واحدة منها ، فقال : « إنّ هذا الأمر ما آن وقته »(٢) .

ومن كراماته : أنّ أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحيّر أبو نواس وقال : يا وليّ الله ، والله ما قالها أحد غيري ولا سمعها أحد سواك ، فقال : « صدقت ، ولكن عندي في الجفر والجامعة أنّك تمدحني بها »(٣) .

ومن ذلك : ما رواه أبو الصلت الهروي قال : بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام أنّه قال لي : « سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كلّ معول بخراسان لم يقدروا على قلعها ، فمرهم أن يحفروا إلى سبع مراقي إلى أسفل وأن يشقّ لي ضريح ، فإنّ الماء سينبع حتّى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ، ثمّ يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ، ثمّ يغيب فدع يديك على الماء فتكلّم بهذا الكلام ، فإنّه ينضب لك ولا يبقى منه شيئا ، ولا تفعل ذلك إلاّ بحضرة المأمون ».

ثمّ قال لي : « يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلّمك ، وإن خرجت مغطّى الرأس فلا تكلّمني ».

قال أبو الصلت : فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ، فجاء غلام المأمون وقال : أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه ، ثمّ

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٩٦.

(٢) المصدر السابق ؛ « بحار الأنوار » ٤٩ : ٥٠ ، ح ٥٠ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٤٠ ، ح ٤ ، مع اختلاف يسير.

(٣) المصدر السابق : ٩٦ ـ ٩٧.

١٥٢

دخل على المأمون وبين يديه أطباق فاكهة ، وبيده عنقود من عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه ، فلمّا رآه مقبلا وثب قائما وعانقه وأجلسه ثمّ ناوله العنقود ، وقال : يا ابن رسول الله ، هل رأيت أحسن من هذا العنب؟

فقال : « قد يكون في بعض الجنان أحسن منه » ، قال له : كل منه ، فقال له الرضاعليه‌السلام : « اعفني » ، فقال : لا بدّ من ذلك ، ثمّ قال : ما يمنعك أتتّهمني؟

ثمّ تناول العنقود منه وأكل منه وناوله الرضاعليه‌السلام فأكل منه ثلاث حبّات ، ثمّ رمى به وقام ، فقال له المأمون إلى أين؟ فقال له الرضاعليه‌السلام : « إلى حيث وجّهتني ».

ثمّ خرجعليه‌السلام مغطّى الرأس حتّى دخل الدار ، ثمّ أمر أن تغلق الأبواب ، ثمّ نام على فراشه ، فكنت واقفا على صحن الدار باكيا حزينا إذ دخل شابّ حسن الوجه أشبه الناس بالرضاعليه‌السلام فبادرت إليه ، وقلت : من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال : « الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق » ، فقلت من أنت؟

فقال : « أنا حجّة الله ، يا أبا الصلت أنا محمّد بن عليّ » ، ثمّ مضى نحو أبيه الرضا فدخل وأمرني بالدخول ، فلمّا نظر إليه الرضاعليه‌السلام نهض إليه ليعتنقه ثمّ سحبه سحبا إلى فراشه فأكبّ عليه محمّد بن عليّ فقبّله ، فسر إليه شيئا لم أفهمه ورأيت على شفتي الرضا بياضا أشدّ بياضا من الثلج ورأيت أبا جعفرعليه‌السلام يلحسه بلسانه ، ثمّ أدخل يده بين صدره وثوبه فاستخرج منه شيئا يشبه العصفور فابتلعه ، ثمّ مضى الرضاعليه‌السلام فقال لي : « يا أبا الصلت ائتني المغسل والماء من الخزانة » ، فقلت : ما في الخزانة مغسل ولا ماء ، فقال : « ائتمر بما آمرك به » ، قال : فدخلت الخزانة فإذا فيها مغسل وماء فأتيته بها ، ثمّ شمّرت ثيابي لأعاونه ، فقال : « تنحّ فإنّ لي من يساعدني ».

ثمّ قال لي : « ادخل الخزانة وأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه » ، فدخلت وإذا أنا بسفط لم أره قبل ذلك ، وأخرجته إليه فكفّنه وصلّى عليه.

١٥٣

ثمّ قال : « ائتني بالتابوت » ، فقلت : أمضي إلى النجّار؟ فقال : « إنّ في الخزانة تابوتا » ، فدخلت وإذا تابوت لم أر مثله قطّ ، فأخرجته إليه فوضعه فيه بعد أن صلّى عليه ، ثمّ تباعد عنه وصلّى ركعتين وإذا التابوت قد ارتفع فانشقّ السقف وغاب التابوت ، فقلت : يا ابن رسول الله ، الساعة يأتي المأمون ويسألنا عن الرضاعليه‌السلام فما ذا نقول؟ فقال : « اسكت يا أبا الصلت ، سيعود أنّه ما من نبيّ من شرق الأرض يموت ووصيّه في غربها إلاّ جمع الله بين روحيهما. فما تمّ الحديث حتّى عاد التابوت ».

قال : فاستخرج الرضا من التابوت ووضعه على فراشه كأن لم يكفّن ولم يغسّل ، ثمّ قال : « افتح الباب للمأمون » ، ففتحت الباب وإذا أنا بالمأمون والغلمان على الباب ، فدخل باكيا حزينا قد شقّ جيبه ولطم رأسه وهو يقول : وا سيّداه ، ثمّ جلس عند رأسه وقال : خذوا في تجهيزه وأمر بحفر القبر ، فظهر جميع ما ذكره الرضاعليه‌السلام ، فقلت له : أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشقّ ضريحه ، قال : فافعل ، ثمّ ظهر الماء والحيتان ، فقال المأمون لعنه الله : لم يزل الرضا يرينا بعجائبه في حياته حتّى أرانا بعد وفاته ، فقال له وزيره الذي كان معه : أتدري ما أخبرك به؟ قال : لا ، قال : أخبرك أنّ ملككم يا بني العبّاس مع كثرتكم وطول مدّتكم مثل هذه الحيتان حتّى إذا انقضت دولتكم وولّت أيّامكم سلّط الله عليكم رجلا فناكم عن آخركم ، فقال له المأمون : صدقت ، ثمّ دفن الرضا ، ومضى لعنة الله عليه(١) .

فصل [٨] : في أسرار أبي جعفر محمّد الجواد النور المستضيءعليه‌السلام

فمن ذلك : ما روي عنه أنّه جيء به إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد موت أبيه الرضاعليه‌السلام وهو طفل ، فجاء إلى المنبر ورقى منه درجة ، ثمّ نطق فقال : « أنا محمّد بن عليّ الرضاعليه‌السلام أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب ، أنا أعلم بسرائركم

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٩٧ ـ ٩٨.

١٥٤

وظواهركم وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به من قبل خلق الله أجمعين وبعد فناء السموات والأرضين ، ولو لا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال ووثوب أهل الشكّ لقلت قولا يعجب منه الأوّلون والآخرون ، ثمّ وضع يده الشريفة على فيه وقال : يا محمّد ، اصمت كما صمت آباؤك من قبل »(١) .

ومن ذلك ما رواه أبو جعفر الهاشمي ، قال : كنت عند أبي جعفر الثانيعليه‌السلام ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم يوما وقال : يا سيّدنا إنّ سيّدتنا أمّ جعفر تستأذنك أن تصير إليها ، فقال للخادم : « ارجع فإنّي في الأثر » ، ثمّ قام وركب البغلة وأقبل حتّى قدم الباب قال : فخرجت أمّ جعفر أخت المأمون فسلّمت عليه وسألته الدخول على أمّ الفضل بنت المأمون ، وقالت : يا سيّدي ، أحبّ أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقرّ عيني ، قال : فدخل والستور تشال بين يديه ، فما لبث أن خرج راجعا وهو يقول :( فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ) (٢) قال : ثمّ جلس ، فخرجت أمّ جعفر تعثر ذيولها فقالت : يا سيّدي ، أنعمت عليّ بنعمة فلم تتمّها ، فقال لها : «( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) (٣) إنّه حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلى أمّ الفضل فاستخبريها عنه » ، فرجعت أمّ جعفر فأعادت عليها ما قال ، فقالت : يا عمّة ، وما أعلمه بذاك عنّي ، ثمّ قالت : فكيف لا أدعو على أبي وقد زوّجني ساحرا ، ثم قالت : والله يا عمّة ، إنّه لمّا طلع عليّ جماله حدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي فضممتها ، قال : فبهتت أمّ جعفر من قولها ثمّ خرجت مذعورة ، وقالت : يا سيّدي ، وما حدثت لها؟ قال : « هو من أسرار النساء ».

وقالت : يا سيّدي ، أتعلم الغيب؟ قال : « لا » ، قالت : فنزل إليك الوحي؟ قال : « لا » ، قالت : فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلاّ الله وهي؟

__________________

(١) المصدر السابق : ٩٨ ؛ « بحار الأنوار » ٥٠ : ١٠٨ ، ح ٢٧.

(٢) يوسف (١٢) : ٣١.

(٣) النمل (١٦) : ١.

١٥٥

فقال : « وأنا أيضا أعلمه من علم الله » ، قال : فلمّا رجعت أمّ جعفر قلت له : يا سيّدي ، وما كان إكبار النسوة ، قال : « ما حصل لأمّ الفضل ، فعلمت أنّه الحيض »(١) .

فصل [٩] : في أسرار أبي الحسن عليّ الهاديعليه‌السلام

فمن ذلك : ما رواه محمّد بن الحسن الحصيني ، قال : حضر مجلس المتوكّل ـ لعنه الله ـ مشعبذ هندي ، فلعب عنده بالحقق فأعجبه ، فقال له المتوكّل : يا هندي ، الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله ، قال : فلمّا حضر أبو الحسنعليه‌السلام المجلس لعب الهنديّ ، فلم يلتفت إليه ، فقال له : يا شريف ، ما يعجبك لعبي كأنّك جائع.

ثمّ أشار إلى صورة مدوّرة في البساط على شكل الرغيف ، وقال : يا رغيف ، مرّ إلى هذا الشريف ، فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن يده على صورة سبع في البساط ، وقال : « قم فخذ هذا » ، فصارت الصورة سبعا وابتلع الهنديّ وعاد إلى مكانه في البساط ، فسقط المتوكّل لوجهه ، وهرب من كان قائما(٢) .

ومن ذلك : ما رواه محمّد بن داود القمّي ومحمّد الطلحي قالا : حملنا مالا من خمس ونذور ، وهدايا وجواهر اجتمعت في قم وبلادها ، وخرجنا نريد بها سيّدنا أبا الحسن الهادي ، فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول إلينا ، فرجعنا إلى قم وأحرزنا ما كان عندنا فجاءنا أمره بعد أيّام « أن أنفذنا إليكم إبلا غبراء ، فاحملوا عليها ما عندكم وخلّوا سبيلها » ، قال : فحملناها وأودعنا الله ، فلمّا كان من قابل قدمنا عليه ، فقال : « انظروا إلى ما حملتم إلينا » ، فنظرنا إذ المنائح كما هي(٣) .

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٩٨ ـ ٩٩ ؛ « بحار الأنوار » ٥٠ : ٨٣ ـ ٨٤ ، ح ٧.

(٢) المصدر السابق : ٩٩ ؛ « بحار الأنوار » ٥٠ : ٢١١ ، ح ٢٤.

(٣) المصدر السابق : ١٠٠ ؛ « بحار الأنوار » ٥٠ : ١٨٥ ، ح ٦٢.

١٥٦

فصل [١٠] : في أسرار أبي محمّد العسكريعليه‌السلام

فمن ذلك : ما رواه عليّ بن عاصم الكوفي ، قال : دخلت على أبي محمّد العسكريعليه‌السلام فقال لي : « يا عليّ بن عاصم ، انظر إلى ما تحت قدميك فإنّك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيّين والوصيّين والمرسلين والأئمّة الراشدين ».

قال : قلت : يا سيّدي ، لا أتنعّل ما دمت في الدنيا إكراما لهذا البساط.

فقال : « يا عليّ ، إنّ هذا النعل الذي في رجلك نجس ملعون لا يقرّ بولايتنا » ، قال : قلت في نفسي : ليتني أرى هذا البساط ، فعلم ما في ضميري ، فقال : « ادن منّي » ، فدنوت منه ، فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيرا ، فقال : فرأيت في البساط أقداما وصورا ، فقال : « هذا قدم آدمعليه‌السلام وموضع جلوسه ، وهذا أثر هابيل ، وهذا أثر شيث ، وهذا أثر نوح ، وهذا أثر قيدار ، وهذا أثر مهلائيل ، وهذا أثر دياد ، وهذا أثر أخنوخ ، وهذا أثر إدريس ، وهذا أثر متوشلخ ، وهذا أثر سام ، وهذا أثر أرفخشد ، وهذا أثر هود ، وهذا أثر صالح ، وهذا أثر لقمان ، وهذا أثر إبراهيم ، وهذا أثر لوط ، وهذا أثر إسماعيل ، وهذا أثر إلياس ، وهذا أثر إسحاق ، وهذا أثر يعقوب ، وهذا أثر يوسف ، وهذا أثر شعيب ، وهذا أثر موسى ، وهذا أثر يوشع بن نون ، وهذا أثر طالوت ، وهذا أثر داود ، وهذا أثر سليمان ، وهذا أثر الخضر ، وهذا أثر دانيال ، وهذا أثر اليسع ، وهذا أثر ذي القرنين الإسكندر ، وهذا أثر شابور بن أردشير ، وهذا أثر لؤيّ ، وهذا أثر كلاب ، وهذا أثر قصيّ ، وهذا أثر عدنان ، وهذا أثر عبد المطّلب ، وهذا أثر عبد الله ، وهذا أثر عبد مناف ، وهذا أثر سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا أثر أمير المؤمنين ، وهذا أثر الأولياء من بعده إلى المهديّعليه‌السلام ؛ لأنّه قد وطأ وجلس عليه ».

ثمّ قال : « انظر إلى الآثار واعلم أنّها آثار دين الله وأنّ الشاكّ في الله ومن

١٥٧

جحدهم كمن جحد الله ».

ثمّ قال : « اخفض طرفك يا عليّ » ، فرجعت محجوبا كما كنت(١) .

ومن ذلك : ما رواه الحسن بن حمدان ، عن أبي الحسن الكرخي ، قال : كان أبي بزّازا في الكرخ فجهّزني بقماش إلى سرّ من رأى ، فلمّا دخلت إليها جاءني خادم وناداني باسمي واسم أبي ، وقال : أجب مولاك ، فقلت : ومن مولاي حتّى أجيبه؟

فقال : ما على الرسول إلاّ البلاغ المبين ، قال : فتبعته فجاء بي إلى دار عظيمة البناء لا أشكّ أنّها الجنّة ، وإذا رجل جالس على بساط أخضر ونور جماله يغشي الأبصار ، فقال لي : « إنّ فيما حملت من القماش حبرتين : إحداهما في مكان كذا والأخرى في مكان كذا ، في السفط الفلاني ، ففي كلّ واحدة منهما رقعة مكتوبة فيها ثمنها وربحها ، وثمن إحداهما ثلاثة وعشرون دينارا وربحه ديناران ، وثمن الأخرى ثلاثة عشر دينارا والربح كالأولى فاذهب فأت بهما ».

قال الرجل : فرجعت فجئت بهما إليه فوضعتهما بين يديه ، فقال لي : « اجلس » ، فجلست لا أستطيع النظر إليه إجلالا لهيبته ، قال : فمدّ يده إلى طرف البساط وليس هناك شيء ، فقبض قبضة ، وقال : « هذا ثمن حبرتيك وربحهما » ، قال : فخرجت وعددت المال في الباب فكان المشترى والربح كما كتب أبي لا يزيد ولا ينقص(٢) .

فصل [١١] : في أسرار الإمام المهديّ محمّد بن الحسنعليه‌السلام

فمن ذلك : ما رواه الحسن بن حمدان عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ الجوادعليهما‌السلام قالت : كان مولد القائمعليه‌السلام ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٦(٣) وأمّه نرجس بنت ملك الروم قالت حكيمة : فلمّا وضعته سجد ، وإذا على عضده مكتوب بالنور( جاءَ الْحَقُ

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ١٠٠ ـ ١٠١ ؛ « بحار الأنوار » ٥٠ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، ح ٨١.

(٢) المصدر السابق : ١٠١ ؛ « بحار الأنوار » ٥٠ : ٣١٤ ـ ٣١٥ ، ح ١٢.

(٣) في المصدر : « سنة ٢٥٠ ».

١٥٨

وَزَهَقَ الْباطِلُ ) (١) .

قالت : فجئت به إلى الحسنعليه‌السلام فمسح يده الشريفة على وجهه وقال : « تكلّم يا حجّة الله ، وبقيّة الأنبياء وخاتم الأوصياء وصاحب الكرّة البيضاء والمصباح من البحر العميق الشديد الضياء ، تكلّم يا خليفة الأنبياء ، ونور الأوصياء ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأشهد أنّ عليّا وليّ الله ».

ثمّ عدّ الأوصياء إليه فقال له الحسنعليه‌السلام : « اقرأ ما نزل على الأنبياء » ، فابتدأ بصحف إبراهيم فقرأها بالسريانيّة ، ثمّ قرأ كتاب نوح وإدريس وكتاب صالح وصحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى وفرقان محمّد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ، ثمّ قصّ قصص الأنبياء إلى عهدهعليه‌السلام .(٢)

تكميل

اعلم أنّه قد ورد في « الكافي » في باب لزوم الحجّة أخبار ينبغي ذكر بعضها على وجه الاختصار من غير أن يستلزم التكرار.

فأقول : قد روي فيه عن عبد الله الأشعري ، عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام : « إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة : فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ، وأمّا الباطنة فالعقول »(٣) . إلى غير ذلك من الأخبار.

وفيه في باب لزوم الحجّة : عن يونس بن يعقوب قال : كان عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جماعة من أصحابه وفيهم هشام بن الحكم وهو شابّ ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا هشام ، ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد؟ وكيف سألته؟ » فقال هشام :

__________________

(١) الإسراء (١٧) : ٨١.

(٢) « مشارق أنوار اليقين » : ١٠١ ـ ١٠٢.

(٣) « الكافي » ١ : ١٦ ، كتاب العقل والجهل ، ح ١٢.

١٥٩

يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّي أجلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك. فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إذا أمرتكم بشيء فافعلوا ».

فقال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك عليّ فخرجت إليه ، فدخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد ، وعليه شملة سوداء متّزر بها من صوف ، وشملة مرتد بها والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتيّ ، ثمّ قلت : أيّها العالم إنّي رجل غريب تأذن لي في مسألتي؟ فقال : نعم.

فقلت له : ألك عين؟ فقال : يا بنيّ ، أيّ شيء هذا من السؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه؟!

فقلت : هكذا مسألتي ، فقال : يا بنيّ ، سل وإن كانت مسألتك حمقاء ، قلت : أجبني فيها ، فقال لي : سل؟!

قلت : ألك عين؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها؟ قال : أرى بها الألوان والأشخاص.

قلت : فلك أنف؟ قال : نعم ، قلت : ما تصنع به؟ قال : أشمّ الرائحة.

قلت : ألك فم؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به؟ قال : أذوق به الطعم.

قلت : فلك أذن؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها؟ قال : أسمع بها الصوت.

قلت : ألك قلب؟ فقال : نعم ، قلت : فما تصنع به؟ قال : أميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح والحواسّ.

قلت : أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال : لا ، قلت : وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة؟

قال : يا بنيّ إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو أدركته أو ذاقته أو سمعته ردّته إلى القلب فليستيقن اليقين ويبطل الشكّ.

١٦٠