البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 111033
تحميل: 5734


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111033 / تحميل: 5734
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

وقال تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) (١) .

وقال تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ) (٢) . وقال تعالى :( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ) (٣) .

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين »(٤) . إلى غير ذلك من الآيات والأخبار الدالّة على أنّ أجزاء جسد الإنسان من هذا العالم ، بل لم يتصوّر أحد كون عالم آخر محلّ العناصر حتّى يتصوّر التنزّل والانتقال ، بل لو قيل لقيل : ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين على خلاف كلمات الكافرين.

وتوهّم كون أصل عنصر الأرض عنصرا لطيفا حصل له التكثّف من تصادم العناصر ـ مع أنّه غير نافع في كون العنصر اللطيف من عالم آخر ـ غير نافع في المقام ؛ لأنّ ألفاظ الكتاب والسنّة تحمل على المعاني العربيّة ولا تعتبر فيها الدقائق الفلسفيّة.

وأمّا ثالثا : فلأنّ قوله : « إنّ مرادي من الجسد الذي لا يعود هو الصورة الأولى كما في الخاتم واللبنة » ، مع قوله : « إنّ علّة الموت والزوال إنّما هي ممازجة تلك الأعراض والكثافات » ، ونحو ذلك يوهم التدليس والطفرة ، بل بينهما تباين ؛ لأنّ الصورة الثانية التي هي مثل الصورة الأولى غير مقتضية للفناء والزوال بلا إشكال ، فلا بدّ على القول الأخير من كون الكثافات المقتضية للزوال أجزاء مادّيّة لاحقة للعنصر اللطيف كما هو ظاهر قوله : « بل من عناصر باقية جوهريّة نوريّة وهي من عناصر هورقليا ». وذلك يقتضي كون المعاد بأخذ اللطيف وطرح الكثيف كما في الرديء من الذهب أو الخليط بغيره ، كما يشهد عليه مثاله بالذهب المخلوط بالحديد ، لا بالتلطيف كما في تلطيف النحاس بالإكسير.

__________________

(١) الحجر (١٥) : ٢٦.

(٢) المؤمنون (٢٣) : ١٢ ـ ١٣.

(٣) ص (٣٨) : ٧١.

(٤) « المناقب » لابن شهرآشوب ١ : ٢٦٦ ؛ وعنه في « بحار الأنوار » ١٦ : ٤٠٢ ، ح ١.

٢٦١

وقد صرّح في شرح الزيارة الجامعة أنّ : « هذا الجسم الذي في الدنيا هو بعينه هذا المرئيّ لطيف وكثيف ، فأمّا الكثيف فيصفّى فتفنى كثافته التي سمّيناها الجسد الأوّل العنصريّ ويبقى لطيفه في قبره ، وهو الجسد الثاني الباقي. وأمّا اللطيف فيظهر [ به ] في البرزخ »(١) . انتهى.

وذلك خلاف ظاهر قوله تعالى :( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٢) ؛ لرجوع الضمير إلى العظام الرميم.

وعلى هذا المذهب لا بدّ من تقدير مضاف ، بأن يقدّر : « قل يحيي لطيفها » مع أنّه حينئذ لا يكون جوابا للمنكر الذي قام في مقام الإنكار ، ونحو ذلك من الآيات والأخبار ، بل ذلك خلاف اعتقاد المؤمنين :( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) (٣) .

وأمّا رابعا : فلأنّ قوله : « إنّ بقاء الغرائب يقتضي الزوال وعدم البقاء في الجنّة ». منقوض ببقاء عيسى وخضر وإلياس وصاحب الزمان وأمثالهم.

وأمّا خامسا : فلأنّه تعالى جعل النار التي تكون حرّا وإيلاما بمقتضى الطبيعة بردا وسلاما بحيث لو لم يقل : « سلاما » لأهلكت إبراهيم من البرودة كما روي(٤) . وكأنّه غفل عن قدرة الله تعالى وجعلها أقلّ من الإكسير الموجب لانقلاب الصفو ذهبا قابلا للبقاء من غير طرح وإعدام ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وبالجملة : فلو لم نقل بأنّ ما ذكر اعتقاد خارج عن اعتقاد المسلمين ، فلا أقلّ من كونه ممّا فيه ريب باليقين ، فيتوجّه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك »(٥) . فميل

__________________

(١) « شرح الزيارة الجامعة الكبيرة » ٤ : ٢٨.

(٢) يس (٣٦) : ٧٩.

(٣) النساء (٤) : ١١٥.

(٤) حكاه الطبرسي عن أبي العالية في « مجمع البيان » ٧ : ٥٥ ، ذيل الآية ٧٠ من سورة الأنبياء (٢١) ؛ وعنه في « بحار الأنوار » ١٢ : ٢٤.

(٥) « بحار الأنوار » ٢ : ٢٥٩.

٢٦٢

أرباب العقول إليه غير معقول ؛ لأنّ الميل إلى ما فيه الارتياب لشيء عجاب ، بل هو من العاقل بعيد. ولقد كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد(١) .

[ كلمات أخرى صدر من الشيخ المعاصر ]

اعلم أنّه صدر من الشيخ المعاصر(٢) مثل الكلمات المذكورة المخالفة للشريعة كلمات أخرى في مواضع أخر :

منها : ما قال في شرح الزيارة حيث قال : « الإنسان له جسدان وجسمان : فأمّا الجسد الأوّل فهو ما تألّف من العناصر الزمانيّة. وهذا الجسد كالثوب يلبسه الإنسان ويخلعه ولا لذّة له ولا ألم له ولا طاعة ولا معصية ، ألا ترى أنّ زيدا يمرض ويذهب جميع لحمه حتّى لا يكاد يوجد فيه رطل لحم ، وهو زيد لم يتغيّر ، وأن تعلم قطعا ببديهتك أنّ هذا زيد العاصي ولم تذهب من معاصيه واحدة ، ولو كان ما ذهب منه أو له مدخل في المعصية لذهبت أكثر معاصيه بذهاب محلّها ومصدرها ، وهذا مثلا زيد المطيع لم تذهب من طاعاته شيء ؛ إذ لا ربط لها بالذاهب بوجه من الوجوه ، لا وجه علّيّة ولا وجه مصدريّة ولا تعلّق ولو كان الذاهب من زيد لذهب بما يخصّه من خير وشرّ ، وكذا لو سمن بعد ذلك هو زيد بلا زيادة في زيد بالسمن ، ولا نقصان فيه بالضعف ، لا في ذات ، ولا في صفات ، ولا في طاعة ، ولا في معصية.

والحاصل : هذا الجسد ليس منه وإنّما هو بمنزلة الكثافة في الحجر والقلى ، فإنّهما إذا أذيبا حصل زجاج وهذا الزجاج هو بعينه هو ذلك الحجر والقلى الكثيفان لمّا ذاب زالت عنه الكثافة وليست من الأرض ؛ فإنّ الأرض لطيفة شفّافة ، وإنّما كثافتها من تصادم العناصر »(٣) .

__________________

(١) اقتباس من الآية ٢٢ من سورة ق (٥٠).

(٢) يقصد به الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي.

(٣) « شرح زيارة الجامعة الكبيرة » ٤ : ٢٥ ـ ٢٦.

٢٦٣

إلى أن قال : « وأمّا الجسد الثاني فهو الجسد الباقي ، وهو الطينة التي خلق منها ويبقى في الأرض إذا أكلت الأرض الجسد العنصري وتفرّق كلّ جزء منه ولحق بأصله ، فالناريّة تلحق بالنار ، والهوائيّة تلحق بالهواء ، والمائيّة تلحق بالماء ، والترابيّة تلحق بالتراب ، يبقى مستديرا كما قال الصادق(١) . وقد قال عليّعليه‌السلام في النفس النامية النباتيّة : « فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدئت ، عود ممازجة لا عود مجاورة ». وعنى بها هذا الجسد العنصري الذي ذكرنا.

وأمّا الثاني الباقي هو الذي ذكره الصادقعليه‌السلام : « تبقى طينته التي خلق منها في قبره مستديرة »(٢) أي مترتّبة على هيئة صورته ، أجزاء رأسه في محلّ رأسه ، وأجزاء رقبته في محلّها ، وأجزاء صدره في محلّه ، وهو تأويل قوله تعالى :( وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) (٣) . وهذا الجسد هو الإنسان الذي لا يزيد ولا ينقص ، يبقى في قبره بعد زوال الجسد العنصري عنه الذي هو الكثافة والأعراض ، فإذا زالت الأعراض عنه المسمّاة بالجسد العنصري لم تره الأبصار الحسيّة ؛ ولهذا إذا كان رميما وعدم لم يوجد شيء حتّى قال بعضهم : إنّه يعدم ، وليس كذلك وإنّما هو في قبره إلاّ أنّه لم يره أبصار أهل الدنيا ؛ لما فيها من الكثافة ، فلا ترى إلاّ من هو من نوعها.

ولهذا مثّل به الصادقعليه‌السلام بأنّه : « مثل سحالة الذهب في دكّان الصائغ »(٤) ، يعني أنّ سحالة الذهب في دكّان الصائغ لم ترها الأبصار ، فإذا غسل التراب بالماء وصفّاه استخرجها ، كذلك هذا الجسد يبقى في قبره هكذا ، فإذا أراد الله ـ سبحانه ـ بعث الخلائق أمطر على كلّ الأرض ماء من بحر تحت العرش أبرد من الثلج ، ورائحته

__________________

(١) « الكافي » ٣ : ٢٥١ ، باب النوادر من كتاب الجنازة ، ح ٧ ؛ « الفقيه » ١ : ١٢١ ، ح ٥٨٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الصافّات (٣٧) : ١٦٤.

(٤) « الاحتجاج » ٢ : ٣٥٠ ؛ وعنه في « بحار الأنوار » ٧ : ٣٨ ، بهذا اللفظ : « فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ».

٢٦٤

كرائحة المني التي يقال له : صاد ، وهو المذكور في القرآن ، فيكون وجه الأرض بحرا واحدا فيتموّج بالرياح وتتصفّى الأجزاء ، كلّ شخص تجتمع أجزاء جسده في قبره مستديرة أي على هيئة بنيته في الدنيا ، أجزاء الرأس ، ثمّ تتّصل بها أجزاء الرقبة ، ثم تتّصل أجزاء الرقبة بأجزاء الصدر ، والصدر بالبطن وهكذا ، وتمازجها أجزاء تنمو من تلك الأرض فينمو في قبره كما تنمو الكمأة في نبتها ، فإذا نفخ إسرافيل في الصور تطايرت الأرواح كلّ روح إلى قبر جسدها فتدخل فيه ، فتنشقّ الأرض عنه كما تنشقّ عن الكمأة ، فإذا هم قيام ينظرون. وهذا الجسد الباقي هو من أرض هورقليا ، وهو الجسد الذي فيه يحشرون ويدخلون به الجنّة والنار »(١) .

إلى غير ذلك من نحو هذه الكلمات كما أشرنا إلى بعضها.

ومنها : ما صدر عنه بعد السؤال عن حقيقة جسم الإنسان المثاب أو المعاقب حيث قال : « أمّا حقيقة جسم الإنسان فهو مركّب من عشر قبضات من صفوة الأتربة : قبضة من تراب من الفلك الأطلس خلق منها قلبه. وقبضة من تراب فلك الكوكب خلق منها صدره. وقبضة من تراب فلك الزحل خلق منها دماغه وأسكنها عقله. وقبضة من تراب فلك المشتري أسكنها علمه. وقبضة من تراب فلك المرّيخ أسكنها وجهه. وقبضة من تراب فلك الشمس أسكنها الوجود الثاني. وقبضة من تراب فلك الزهرة أسكنها خياله. وقبضة من تراب فلك عطارد أسكنها فكره. وقبضة من تراب فلك القمر أسكنها حياته ، وقبضة من تراب أرض الدنيا أسكنها هذه القوى والنفوس النباتيّة والقوى العنصرية.

وهذه القبضات العشر من التراب ، وبسيطة ليس فيه فساد ، ورتبته في اللطافة رتبة الفلك الأطلس ، بمعنى شدّة بساطته وعدم فساده ، لكنّه لو جمع وخلّي وطبعه بدون قاسر ترتّبت القبضات في العلو والهبوط على ما هي عليه الآن.

__________________

(١) « شرح زيارة الجامعة الكبيرة » ٤ : ٢٥ ـ ٢٧.

٢٦٥

وبالجملة : فزيد مثلا يمرض ويكون في غاية الضعف وهو زيد ؛ لأنّ ما يتحلّل من لحمه ليس من جسمه الحقيقي الذي هو القبضات المشار إليها ، وإنّما يتحلّل منه ما طرأ على تلك القبضات من المآكل ، وكذلك يضعف زيد ويسمن سمنا كثيرا وهو زيد ؛ لأنّه لم يزد في القبضات شيء ، وإنّما الزيادة من الأغذية التي ليست من جنس القبضات ؛ لأنّه لو أخذت سحالة ذهب ومزجتها بمثالها ترابا وعملت من الجميع صورة الشيء وكانت قيمة تلك الصورة ونورانيّتها إنّما تتعلّق بما فيها من سحالة الذهب ، وكذا الحسن ، فإذا أزلت تلك الصورة وصفّيت ما فيها من الذهب ثمّ مزجتها بتراب جديد وعملت تلك الصورة بعينها كانت القيمة هي القيمة قبل ، وتتعلّق بما تعلّقت به من قبل من غير مغايرة وهي بنفسها هي الأولى ، فلا يضرّ تغيير تلك الصورة وضع الصورة الأخرى ؛ لبقاء الأجزاء الأصليّة التي هي متعلّق القيمة والحسن.

وأصل هذه القبضات من مادّة نوريّة مجرّدة ومن صورة نوعيّة. فهذه حقيقة جسم الإنسان المثاب والمعاقب المفاض عليه النفس لكن بواسطة الصورة الشخصيّة إن أردت بالنفس نفسه المختصّة به.

وإذا رجع كلّ شيء إلى أصله رجع منه ما طرأ عليه إلى أصله لا إلى ما طرأ ، ولا ينقص منه شيء ، فلو أنّ رجلا أكل لحوم الآدميّين واغتذى بها حتّى نما وكبر ، ورجع كلّ شيء إلى أصله ، ورجع منه ما طرأ عليه ، ولا يرجع إلى الآدميّين بل يرجع إلى التراب ؛ لأنّ الذي اغتذى به أصله التراب. وأمّا أجسام الآدميّين فإنّها لا تكون غذاء ؛ لأنّها أصليّة فهي فوق القوّة الهاضمة وأعلى منها فلا تحلّها ؛ إذ القوّة الهاضمة عنصريّة ، والأجزاء الأصليّة أعلى من العناصر ثمان مراتب. والأرواح بينها وبين الأجسام كمال المناسبة والمقاربة ، وإنّما نفرت منها لما لحق الأجسام من الأمور الغريبة الأجنبيّة كالعناصر والتركيبات ، فإذا مات المرء ودفن في الأرض وأكلت

٢٦٦

الأرض ما فيه من الأعراض والأغراض والغرائب صفت الأجزاء الأصليّة من الأغيار ، فإذا صفت عن المنافي تعلّقت الأرواح بالأجسام التعلّق التامّ ، فلا يطرأ عليها مفارقة وليس بينهما منافرة فتبقى أبدا »(١) .

ومنها : ما صدر منه بعد ما سئل عن رواية عمّار أنّه قال : سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن الميّت هل يبلى جسده؟ قال : « نعم ، حتّى لا يبقى لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خلق منها ، فإنّها لا تبلى ، بل تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة »(٢) .

حيث قال : « اعلم أنّ للإنسان الموجود الآن جسمين وجسدين :

فالجسم الأوّل هو الحامل للعقل والروح وهو الأربعة قوّة تحقّقا ، وزانة وخفّة ، ولطافة وعظما ، وهو الذي وقع عليه التكليف في عالم الذرّ ، وبه يدخل الجنّة إن كان مؤمنا ، ويدخل به النار إن كان كافرا ، وهو موجود الآن في غيب الإنسان ، وهو الباقي الذي لا يجري عليه الفناء والدثور ، وله النعيم والعذاب الأليم.

الجسم الثاني هو الذي يعبّر عنه في الروايات بأنّه هيكل كهيكل الدنيا ، فإذا رأيته قلت : هذا فلان(٣) . وربما يعبّر عنه بقولهمعليهم‌السلام : في حواصل طيور خضراء(٤) . وهذا هو الذي قبضه ملك الموت مع الروح وقبضها فيه وأخذها معه ، ويبقى ـ إن كان من الأخيار ـ في الجنان يتنعّم ، ويأتي وادي السّلام ويزور أهله وحفرة قبره ، وتبقى إلى نفخة الصور الأولى باقية. وكذلك إن كان من الأشرار فإنّه يعذّب بنار الدنيا عند مطلع الشمس ، وتأوي إلى وادي برهوت عند غروبها إلى نفخة الصور الأولى ، وهو

__________________

(١) « جوامع الكلم » : ١٥٨ ، الرسالة القطيفيّة.

(٢) « الكافي » ٣ : ٢٥١ ، باب النوادر من كتاب الجنازة ، ح ٧ ؛ « الفقيه » ١ : ١٢١ ، ح ٥٨٠.

(٣) « المحاسن » ١ : ٢٨٥ ، ح ٥٦١ ؛ « بحار الأنوار » ٦ : ٢٣٤ ، ح ٤٨.

(٤) « سنن الترمذي » ٥ : ٢٣١ ، ح ٣٠١١ ؛ « صحيح مسلم » ٣ : ١٥٠٢ ـ ١٥٠٣ ، ح ١٨٨٧ ؛ « سنن ابن ماجة » ١ : ٤٦٦ ، ح ١٤٤٩. وقد نفت الروايات الواردة عن طرق أهل البيتعليهم‌السلام أن تكون أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضراء ، كما في « الكافي » ٣ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ح ١ و ٦ و ٧ ؛ « تهذيب الأحكام » ١ : ٤٦٦ ، ح ١٥٢٦.

٢٦٧

قول الصادقعليه‌السلام في تأويل قوله تعالى :( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ * فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) (١) قال : « تبقى الأرواح ساهرة لا تنام ». الحديث(٢) .

وهذا الجسم الثاني هو ظاهر الجسم الأوّل ومركبه ، وذلك باطنه ولبّه ، وإن كان الميّت من المستضعفين وأمثالهم بقيت روحه في قبره مع هذين الجسمين مجاورة للجسد الأوّل إلى يوم القيامة.

وأمّا الجسد الأوّل فهو مخلوق من عناصر هورقليا ، وهو من جنس محدّب محدّد الجهات إلاّ أنّه ألطف من المحدّد ؛ لأنّ أسفل مراتبه فوق محدّب محدّد الجهات في الإقليم الثامن من الحاوي للعجائب والغرائب. وهذا الجسد يبقى في القبر مستديرا متغيّبا في هذه الأرض كسحالة الذهب في دكّان الصائغ. وهذا هو الطينة التي خلق منها الإنسان كما قالعليه‌السلام : « إنّها تبقى في قبرها مستديرة »(٣) . فإذا نفخ في الصور نفخة النشور نزلت الروح مصاحبة لذلك الجسم الأوّل ، دخلت معه في هذا الجسد فخرج من قبره للحساب.

وأمّا الجسد الثاني فهو من هذه العناصر المعروفة تكوّن منها من لطائف الأغذية ، فإذا تفكّكت في القبر رجع ما فيه من النار إلى عنصر النار وامتزج بها ، وما فيه من الهواء كذلك ، وكذلك الماء والتراب ، وذهب فلا يعود ؛ إذ لا حساب عليه ولا عقاب ولا نعيم ولا ثواب ، ولا شعور فيه ولا إحساس ، ولا تكليف عليه ، ولا مدخل له في الحقيقة ، وإنّما هو بمنزلة الثوب لبسته ثمّ تركته ولبست غيره ، فافهم ».

ومنها : ما صدر عنه بعد سؤال سلطاننا(٤) ـ أدام الله سلطنته ، ورفع على جميع

__________________

(١) النازعات (٧٩) : ١٣ ـ ١٤.

(٢) « بحار الأنوار » ٥٣ : ٤٤ ـ ٤٥ ، ح ١٧.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٣ ، هامش ١ و ٣.

(٤) هناك مجموعة من الأسئلة الاعتقاديّة سألها السلطان فتح عليّ شاه من الشيخ الأحسائي ، وقد جمعت في « الرسالة السلطانيّة » ضمن مجلّدات « جوامع الكلم ».

٢٦٨

الملوك رتبته ـ بقوله : فما الذي يلحق بالجنّة؟ حيث قال :

« اعلم أنّ الذي يلحق بالجنّة جنّة المأوى هو الذي يقبضه الملك وهو الإنسان الحقيقي. وأصل وجوده مركّب من خمسة أشياء : عقل ونفس وطبيعة ومادّة ومثال. فالعقل في النفس ، والنفس بما فيها في الطبيعة ، والكلّ في المادّة ، والمادّة بما فيها إذا تعلّق بها المثال تحقّق الجسم الأصلي ، وهو الغالب في العنصري المركّب من العناصر الأربعة : النار والهواء والماء والتراب. وهذا العنصري هو الذي يبقى في الأرض ويفنى ظاهره ، وهو ينمو من لطائف الأغذية.

وإنّما قلت : يفنى ظاهره في الأرض ؛ لأنّ باطنه يبقى وهو الجسد الثاني ، وهو من عناصر هورقليا الأربعة ، وهي أشرف من عناصر الدنيا سبعين مرّة ، وهذا هو الذي يتنعّم ؛ لأنّ المؤمن بعد الحساب في قبره يخدّ له خدّا من قبره إلى الجنّة التي في المغرب ، يدخل عليه منها الروح والريحان وهو قوله تعالى :( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (١) .

والذي يتنعّم بهذا الروح هو الجسد الثاني الذي هو من عنصر هورقليا ، وهو في باطن الجسد الأوّل الظاهري الذي هو من العناصر المعروفة.

وأمّا الذي يخرج مع الروح ، وهو الجسم الحقيقي المركّب من الهيولى والمثال ، وهو الحامل للطبيعة المجرّدة والنفس والعقل ، وهو الإنسان الحقيقي. وهذا الجسم من جنس جسم الكل ورتبته في رتبته ، محدّب محدّد الجهات ، وقوّة لذّاته في الأكل والشرب والنكاح واللبس بقدر قوّة لذّة الجسد العنصري سبعين مرّة ، وهذا الجسم الحقيقي ولا يفارقها إلاّ بين النفختين ، فإنّه إذا نفخ إسرافيل في الصور نفخة الصعق ـ وهي نفخة الجذب ـ انجذبت كلّ روح إلى ثقلها من الصور ، وله ستّ مخازن ، فأوّل أحوالها تلقى في المخزن الأوّل مثالها ، وفي الثاني هيولاها ، وفي الثالث طبيعتها ، وفي الرابع النفس ، وفي الخامس الروح ، وفي السادس العقل. فإذا تفكّكت بطلت

__________________

(١) الواقعة (٥٦) : ٨٨ ـ ٨٩.

٢٦٩

وبطل فعلها ، فهي ليست بفانية إلاّ بهذا المعنى ، ولا ممازجة ؛ لأنّ الممازجة إنّما هي في النفوس النباتيّة والحيوانيّة.

أمّا النباتيّة ؛ فلأنّها من نار وهواء وماء وتراب ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عودا إلى التراب ، وكلّ واحد يمازج ما منه أخذ. وكذلك النفس الحيوانيّة فإنّها أخذت من حركات الأفلاك ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ؛ لأنها قوى ألّفت من قوى الأفلاك ، بتقدير حركاتها تعلّقت بالطبائع التي في الدم الأصفر في العلقة التي في تجاويف القلب ، والدم الذي في البدن يقوم بالعلقة ، والبدن يقوم بالدم ، ومعنى تعلّقها بالطبائع أنّ البسائط لما تألّفت على هذا الترتيب حرارة ويبوسة وبرودة ورطوبة ، وكانت معتدلة في الوزن الطبيعي بأن تكون الأربعة خمسة أجزاء ؛ لأنّ البرودة جزءان حصل منها بخار معتدلة من نضجه فناسبها ، فاكتسب من قوّتها قوة الحياة بواسطة حركاتها وأشعّة كواكبها ، فذلك البخار المعتدل فكرت(١) عليه الأفلاك فاعتدل من نضجه ، بمنزلة الأجزاء الدخانيّة من الأجزاء الدهنيّة في السراج إذا قاربت في الاحتراق الدخان.

والروح الحيوانيّة بمنزلة استنارة تلك الأجزاء الدخانيّة عن النار ، فكما أنّ الاستنارة من الكثافة المنفعلة بالضوء عن النار كذلك ذلك البخار المعتدل نضجه الفعل بالحركة والحياة الحيوانيّة عن نفوس الأفلاك من طبائعها السارية بواسطة حركاتها وأشعّة كواكبها ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ؛ لأنّها في الحقيقة تألّفت من طبائعها التي هي من صفات نفوسها ، فمع المفارقة يرجع كلّ إلى أصله ممتزجا معه كالقطرة في الماء ، فافهم فما بين النفسين بعد الموت يلحقان بأصلهما. هذا حكم ظاهرهما.

وأمّا حكم باطن الروح النباتيّة فإنّه يبقى في القبر ، وهو عناصر هورقليا ويأتيها الروح والريحان من الجنّة.

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « أثّرت ».

٢٧٠

وأمّا باطن الروح الحيواني فإنّه من طبائع نفوس هورقليا ، وهي تلحق بالجنّة ، جنّة الدنيا كما مرّ.

والحاصل : أنّ الروح لا تنفكّ عن الجسم الأصلي إلاّ بين النفختين : نفخة الصعق ونفخة البعث. فجواب قوله ـ أدام الله تأييده ونصره : الروح وحدها أم مع المثال أم مع الجسم؟ ـ : هو أنّ الذي يمضي إلى جنّة الدنيا الروح مع الجسم الأصلي ؛ لأنّ الروح فيها العقل ، وهي في الطبيعة ، والجسم هو الهيولى والمثال ؛ ولهذا كان إحساسه ولذّته أقوى من الدنيا بسبعين مرّة ؛ لأنّ لذّته حسيّة معنويّة ، وعلى هذا يحسن به ترغيب المكلّفين.

وأمّا الذي يبقى في القبر ، وهو الجسد الثاني الذي هو من عناصر هورقليا ، فأمّا الذي من هذه العناصر فإنّه يفنى. ولذلك أمثلة كثيرة نذكر بعضها. منها : مثاله الزجاج فإنّه من الصخرة والقلى وهما كثيفان بمنزلة الجسد العنصري المعروف عند العوامّ ، فلمّا أذيب ذهبت منه الكدورة ، فكان هو بنفسه زجاجا شفّافا يرى ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره ، وهو نظير الجسد الثاني الذي يبقى في القبر ويدخل عليه من الجنّة روح وريحان ، والكثافة نظير الجسد العنصري »(١) إلى آخر ما قال.

[ إبطال ما قاله الشيخ المعاصر ]

أقول : لا يخفى أنّ هذه الكلمات أشدّ مخالفة للشريعة ممّا ذكر ؛ لصراحتها في أنّ النار والهواء والماء والتراب لا تعود ، وأنّ البدن الأصلي لا يفنى ولا يصير رميما ، وهذا الذي لا يفنى يعاد في المعاد ، والرميم لا يعاد في المعاد ، بمعنى أنّ الجسد المعاد غير رميم والجسد الرميم غير معاد. وهذا خلاف صريح الآية التي تدلّ على أنّ الإحياء في المعاد يتعلّق بما يتعلّق به الإنشاء أوّل مرّة(٢) ، لئلاّ يلزم تفكيك الضمير

__________________

(١) لم نعثر على هذا النقل في « الرسالة السلطانيّة » ، ولعلّه موجود في آثار الشيخ الأحسائيّ الأخرى.

(٢) يس (٣٦) : ٧٩.

٢٧١

والإضمار ، مضافا إلى السنّة والاعتقاد ، بل هو كفر وإلحاد ، مضافا إلى لزوم تفويت النقمة الزائدة الحاصلة بانضمام الجسد العنصري من جهة عدم المسبّب من غير سبب وكذا العقاب. وهذا قبيح.

بل الإنصاف أنّ النقل الوارد في هذا الباب مثل الآية المذكورة ، وحديث اللبنة(١) ، وقوله تعالى :( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) (٢) الآية ، في مقام بيان كيفيّة إحياء الموتى.

وقوله تعالى :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (٣) .

وقوله تعالى :( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ) (٤) .

وقوله تعالى :( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (٥) . ونحو ذلك ممّا يشتمل على الكلمات التي لا تفيد عرفا إلاّ الأعضاء المركّبة من هذه العناصر ممّا لا يقبل التأويل.

وبالجملة : فقد صدرت من الشيخ المعاصر كلمات مشتملة على العقائد الفاسدة ، بل المفسدة في مقامات عديدة مثل مسألة العلم ، ومسألة المعراج ، ومسألة فضائل الأئمّة ، ومسألة المعاد إلى غير ذلك من فاسد الاعتقاد ، ولكنّه بعد ما اشتهر ما توجّه عليه من الإيراد تعرّض لبيان المراد في رسالتين مختصرتين على ما ذكره من عليه

__________________

(١) « الاحتجاج » ٢ : ٣٥٤ ؛ وعنه في « بحار الأنوار » ٧ : ٣٨ ، ح ٦.

(٢) البقرة (٢) : ٢٦٠.

(٣) يس (٣٦) : ٦٥.

(٤) فصّلت (٤١) : ٢٠ ـ ٢٢.

(٥) القيامة (٧٥) : ٣ ـ ٤.

٢٧٢

الاعتماد ، وهما وإن كانتا ممّا لا يسمن ولا يغني من جوع ؛ لعدم كون الكلمات المذكورة غير قابلة للتأويل بعد الملاحظة بعين الإنصاف ، وسدّ باب الاعتساف لكشفها عن حقيقة الحال ، وما هو المكنون في البال ، إلاّ أنّ الأولى ذكرهما دفعا لما لعلّه يقال ؛ فإنّ المراد ليس حصول التضييع والتخفيف أعاذنا الله عن ذلك ، بل المقصود حفظ الدين عن شبه المبطلين كما هو طريقة المتكلّمين ، فلا بدّ من الاحتراز عمّا يوجب الاتّهام لأهل الزيغ والأوهام. فأقول بعون الله الملك العلاّم :

[ الرسالة القطيفيّة للشيخ أحمد الأحسائي ]

قال بعد التسمية : « الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد ، فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين : إنّه قد اشتبه على بعض الناظرين في كتبي حتّى ظنّوا الظنون التي لا يجوز احتمالها ؛ لعدم معرفتهم بالفنّ ، وعدم أنسهم بما جرى عليه الاصطلاح ، ولأسباب أخر ، فأشار عليّ بعض المؤمنين أن أذكر مجمل ما اشتبهوا فيه وأذكر ما أعتقده في ذلك وأدين الله به ، عسى أن يكون أولئك إنّما قالوا بما فهموه فتقوم بذلك الحجّة ، وما أذكر إلاّ ما يعلم الله أنّه اعتقادي الذي أدين به وأنّه مرادي من عباراتي كلّها التي يتوهّم فيها بعض من نظر فيها ؛ لأنّ تلك العبارات أرسلناها على نمط اصطلاح أهل ذلك الفنّ ، فلأجل ذلك لا يعرف المراد منها أكثر من نظر فيها خصوصا طالب التأويل ، وعليّ عهد الله أن أذكر مرادي من مضمونها صريحا.

فمن ذلك أنّ الله عالم بكلّ شيء كلّي أو جزئي ، زماني أو غيره( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) (١) ومن اعتقد غير هذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

واعتقادي أنّه سبحانه ما فقد شيئا من الأشياء من ملكه ، وأنّه تعالى لا ينتظر شيئا لم يحصل له ، وأنّه لا يستقلّ بل كلّها عنده بالفعل ، وعلمه أزلي قبل كلّ شيء وبعد

__________________

(١) الملك (٦٧) : ١٤.

٢٧٣

كلّ شيء ومع كلّ شيء ، وجميع المعلومات من كلّ ما سواه في الإمكان ، وهو تعالى في أزل الآزال وحده ، وهو الآن على ما كان ، ومع ذلك لا يحويه مكان ، ولا يخلو منه مكان ، ولا يعلم أحد كيف ذلك إلاّ هو سبحانه ، ومن اعتقد غير ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

ومن ذلك أنّه سبحانه خالق كلّ شيء قال الله تعالى :( قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (١) ، وأمّا أفعال العباد الاختياريّة ففيها الخلاف بين علماء المسلمين ، وكلّ من اعتقد أنّ أحدا غير الله خالق لشيء من السماوات والأرض ، أو ممّا فيها ، أو رازق لشيء ممّا فيها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

نعم ، قد يطلق هذان مجازا كما قال تعالى :( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٣) .

وما يعترض به بعض من ليس له أنس بالفنّ ولا باصطلاح أهله بأنّي قلت : إنّهمعليهم‌السلام العلّة الفاعليّة ، فمرادي أنّهم محالّ مشيئة الله ، بمعنى أنّ الله سبحانه أطلعهم على خلق ما خلق ، فوجودهم شرط لإيجاد غيرهم ؛ لأنّهم الوسائط من الله ومن خلقه وإن كان تعالى قادرا على الإيجاد بدون توسّط الأسباب والآلات إلاّ أنّه عزّ وجلّ جرت عادته أن يجري الأشياء على ترتّب أسبابها(٤) ليعرف العباد الدليل والاستدلال على معرفة ما يريد منهم ، على نمط قوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) (٥) . فإنّه تعالى إنّما يخلق على العلل ليعرّف لعباده كلّ شيء

__________________

(١) الرعد (١٣) : ١٦.

(٢) المؤمنون (٢٣) : ١٤.

(٣) الجمعة (٦٢) : ١١.

(٤) إشارة إلى الحديث الشريف القائل : « أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ». « الكافي » ١ : ١٨٣ ، باب معرفة الإمام والردّ عليه ، ح ٧.

(٥) الحجّ (٢٢) : ٥.

٢٧٤

بما يتوقّف عليه الإيجاد. والتعريف من العلل الفاعليّة لا من المادّيّة ولا الصوريّة ولا الغائيّة ، وهذا معروف عند أهله. وليس المراد بالعلّة الفاعليّة أنّهم هم الخالقون ، تعالى الله عن أن يشاركه في خلقه علوّا كبيرا ، أما تقرأ قوله تعالى :( هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) (١) ؟

ومن ذلك اعتقاد المعاد للنفوس والأجسام والأجساد بأنّ الله يبعث من في القبور.

أمّا معاد النفوس فظاهر. وأمّا الأجسام والأجساد فالاعتقاد أنّ هذه الأجساد والأجسام الموجودة في الدنيا الملموسة المرئيّة جميعها تعاد بعينها حتّى أنّ كلّ شخص يعرف باسمه وصورته في الدنيا ، فلا تبقى ذرّة من الأجساد والأجسام من جميع المكلّفين إلاّ وتعاد بعينها ، كما قال تعالى :( وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) (٢) فقوله :( أَتَيْنا بِها ) يعني بعينها الموجودة في الدنيا الملموسة فتعود إلى محلّها من الجسد.

ويجب الإيمان بذلك مجملا لا مفصّلا. مثل قولنا : تعود إلى محلّها من الجسد. بل الواجب اعتقاد عود كلّ جزء من بدن المكلّف وجسمه الموجود في الدنيا. فمن زعم أنّ قدر ذرّة من أجساد المكلّفين وأجسامهم لا يعيدها الله تعالى ولا يبعثه حتّى يتّصل بصاحبه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ».

وقال في الرسالة الأخرى بعد التسمية : « أمّا بعد فيقول أحمد بن زين الدين : اعلم أيّها الناظر في رسائلي وكتبي أنّي بعون الله وتوفيقه ما كتبت فيها إلاّ ما فهمته على نحو اليقين أنّه مذهب أهل العصمةعليهم‌السلام ، وما تتوهّمه مخالفا من كلامي فليس منافيا لدليل العقل والنقل معا ولكنّه على اصطلاح غير مأنوس عندك ، وذلك في مثل قولي : إنّ للإنسان جسدين وجسمين ، وأنّ الجسد الأوّل متكوّن من العناصر من كلّ

__________________

(١) لقمان (٣١) : ١١.

(٢) الأنبياء (٢١) : ٤٧.

٢٧٥

ما تحت فلك القمر يلحق كلّ شيء من حرارته إلى النار ومن هوائه إلى الهواء ومن مائه إلى الماء ومن ترابه إلى التراب ، وهذا لا يرجع. فهذا كتب لأهله ، ومرادي منه ـ والله الشاهد عليّ ـ أنّه الجسد التعليمي ، والجسم التعليمي ، وهو ذو الأبعاد الثلاثة من دون مادّة ، كالصورة في المرآة ، فإنّها أعراض ، والأعراض الغريبة التي ليست من ذوات الشيء لا تعاد معه ، ألا ترى إلى جلد كتابك إذا كان أحمر ثمّ عاد إلى يوم القيامة إلى الشاة لا تعود الحمرة معه ؛ لأنّها أجنبيّة من الجلد ومن الشاة.

ولا يقال : إنّك قلت : من العناصر ، وهو يدلّ على أنّ المراد الجواهر.

لأنّا نقول : كلّ ما في هذه الدنيا ممّا تحت فلك القمر كلّها من العناصر جواهرها وأعراضها ، والأعراض الغريبة من الشيء كلّها من العناصر ومع ذلك لا تعاد يوم القيامة مع ذلك الشيء ، ألا سمعت ما كتبت في كثير من كتبي؟ فإنّي كتبت : أنّ الجسم الذي يعاد يوم القيامة لو وزن بهذا المرئيّ الموجود في هذه الدنيا الملموسة لم ينقص عن هذا الذي في الدنيا قدر ذرّة. ولو كان مرادي به الجسم أو فردا منه ولم أرد العرض لكان المبعوث ينقص إذا وزن البتّة. وإن يخف عليك فهم مرادي فانظر في هذه المسألة في كتب العلماء كالتجريد وشرحه للعلاّمة(١) ، وكتب المجلسي مثل حقّ اليقين(٢) وغيرها ممّا هو متّفق عليه بينهم.

وقد أشار سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام في حديث الأعرابي إلى تلك الفضلات التي قال العلماء : إنّها لا تعاد. قال حين سأله الأعرابي ، فقال له : يا مولاي ، ما النباتيّة؟ قال : « قوّة أصلها الطبائع الأربع بدء إيجادها عند مسقط النطفة مقرّها الكبد ، مادّتها من لطائف الأغذية ، فعلها النموّ والزيادة ، وسبب فراقها اختلاف المتولّدات ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ». الحديث.

وهو معروف عند أهل الفنّ ، مقبول لا رادّ له منهم.

__________________

(١) « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤٠٦ وما بعدها.

(٢) « حقّ اليقين » : ٤٧ وما بعدها.

٢٧٦

وإلى هذا المعنى الذي أشار إليهعليه‌السلام وهو مرادي في قولي : إنّه ملحق كلّ شيء من حرارته إلى النار ومن هوائه إلى الهواء إلى آخره.

والحاصل : العاقل المنصف يعرف من هذا الكلام ونحوه اعتقادي في ضميري وفي جميع كتبي ، ولعنة الله على من يعتقد غير هذا الذي كتبته منّي ومن غيري ، والله على ما أقول وكيل ، وهو شاهد عليّ ، وكفى بالله شهيدا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، إن افتريته فعليّ إجرامي وأنا بريء ممّا تجرمون ، وحسبي الله وكفى.

وكتب المسكين أحمد بن زين الدين البحريني الأحسائي في ثامن ذي القعدة الحرام سنة ١٢٤٠ ».(١)

أقول : لا يخفىأوّلا : أنّ الكلمات المذكورة سابقا غير قابلة لذلك التأويل كما هو الظاهر عند الإنصاف وعدم الاعتساف ، وواضح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وكان له إخلاص بالشرع السديد ، وليس مطيعا لهواه بل كان مطيعا لمولاه ، وليس ضعف في إسلامه ودينه واعتقاده.

وثانيا : أنّ بناء الشرع على الظاهر ، والتأويل سيّما البعيد من غير قرينة متّصلة أو منفصلة أو نحو ذلك غير مسموع حتّى بالنسبة إلى النقوش ظاهرا ، ولهذا يكفّر صاحب التأليف الباطل بتأليفه ، وينسب إلى الكفر أو التسنّن أو التشيّع أو نحو ذلك أهل التأليف بتأليفه ، بل يمكن دعوى كون ذلك سيرة العلماء والسابقين بل الأنبياء والمرسلين بالنسبة إلى التواريخ ، كما لا يخفى على المتتبّع المنصف الذي في قلبه حبّ الإيمان وخشية الرحمن.

نعم ، يصحّ أن يقال : إنّ ذلك إن شاء الله ـ تعالى ـ رجوع عن الاعتقاد السابق وندامة ، وعند ذلك كاف على القول بكفاية توبة المرتدّ الفطري في الطهارة والحكم بإسلامه ، كما هو أصحّ المختار إن كان مثل ما ذكر توبة ، وعلم كونه عن اعتقاد ولو ظاهرا.

__________________

(١) راجع كتاب « جوامع الكلم » ، الرسالة القطيفيّة.

٢٧٧

وثالثا : أنّ ما اشتملت عليه الكلمات المحكيّة ممّا لم يقل به أحد فضلا عن كونه متّفقا عليه ؛ فإنّ مدلولها عدم عود الأجزاء الحاصلة من العناصر الأربعة الكائنة في هذا العالم التي ترى بهذه الأبصار.

ومقصود القوم في مسألة شبهة الآكل والمأكول عدم وجوب عود الفواضل والأجزاء الفضليّة مثل اللحوم الحاصلة من الأغذية ، وأمّا العناصر الأربعة التي تكون في الأجزاء الأصليّة فلا خلاف في عودها وعدم طرحها بالتصفية ، وأخذ اللطيف الكائن من عالم آخر وطرح رديء حاصل من هذا العالم المحسوس كما لا يخفى على من لاحظ كتب القوم كالتجريد ونحوه ، فقد قال في التجريد : « ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ». وقال بعض شرّاحه : قوله : ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ، إشارة إلى جواب شبهة.

تقدير الشبهة : أنّ المعاد الجسماني غير ممكن ؛ لأنّه لو أكل إنسان إنسانا حتّى صار جزء بدن المأكول جزء بدن الآكل فليس بأن يعاد جزء بدن أحدهما أولى من أن يعاد جزء بدن الآخر ، وجعله جزء لبدنيهما معا محال ، فينبغي أن لا يعاد واحد منهما.

تقدير الجواب : أنّ الجزء الأصلي لأحدهما فضل الآخر فردّه إليه أولى »(١) . انتهى.

وهكذا غير ذلك مثل حقّ اليقين(٢) . ولا يخفى أنّ ذلك دالّ على أنّ الفواضل من الأجزاء لا يجب عودها إلى صاحب الفواضل الثانوي ، بل تعود إلى من كانت تلك الفواضل أجزاء أصليّة ؛ لا أنّها لا تعود أصلا كما يقول الشيخ المعاصر ، كما يقول بعدم عود مثلها من الأصليّة ، بل الظاهر أنّ القول بعدم عود العناصر المعروفة في هذا العالم وانحصار العود في الجوهر اللطيف النوراني النازل من عالم هورقليا خارج عن اعتقاد جميع الملّيّين حتّى اليهود والنصارى فضلا عن المسلمين.

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٨٣ ، باختصار.

(٢) انظر « حقّ اليقين » : ٤٧ وما بعدها.

٢٧٨

فما ذكره من كون ما اعتقده موافقا لغيره غفلة أو تدليس كالتشبّث بكلّ حشيش ، مضافا إلى أنّ ما ذكره سابقا من كون وجود المعصومين شرطا لإيجاد الخلق ـ مع عدم مناسبته لما صدر منه في الكلمات السابقة ـ مخالف لما في الصحيفة السجاديّة ، كقوله : « أنت الذي لم يعنك على خلقك شريك ، ولم يؤازرك في أمرك وزير ، ولم يكن لك مشاهد ولا نظير »(١) . وهكذا سائر الكلمات الصادرة من الأئمّة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

[ أدلّة إثبات المعاد الجسماني ]

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان الشارح القوشجي بقوله :( ووجوب إيفاء الوعد والحكمة تقتضي وجوب البعث. والضرورة قاضية بثبوت الجسماني من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع إمكانه. ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ).

اختلفوا في المعاد فأطبق الملّيّون على المعاد الجسماني. وذهب طائفة من المحقّقين إلى المعاد النفساني ، والمراد به وجود الروح بعد موت البدن وخرابه ، وهو ممّا يمكن إثباته بالبراهين القطعية(٢) .

وأمّا المعاد الجسماني فلا مجال للبرهان على إثباته ونفيه ، ولكن يجب أن يعتقد على الوجه الذي ذكره الأنبياء ؛ لأنّهم صادقون. وذهب طائفة إلى نفيهما.

واحتجّ المصنّف على وجود المعاد بوجهين :

الأوّل : أنّ الله تعالى وعد المكلّفين بالثواب على الطاعات وتوعّد بالعقاب على المعاصي بعد الموت ، ولا يتصوّر الثواب والعقاب بعد الموت إلاّ بعد العود ، فيجب العود إيفاء للوعد والوعيد.

والثاني : أنّ الله تعالى كلّف بالأوامر والنواهي فيجب أن يصل الثواب بالطاعة

__________________

(١) « الصحيفة السجاديّة » : ٢٥٣ ، الدعاء ٤٧.

(٢) في المصدر : « العقليّة ».

٢٧٩

والعقاب على المعصية ، فيجب البعث بمقتضى الحكمة وإلاّ لكان ظالما ـ تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا ـ وهذا البيان مبنيّ على قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين ، وأنّ العدل واجب على الله تعالى كما هو مذهب المصنّف.

والحقّ أنّ المعاد الجسماني والروحاني كلاهما واقع. أمّا الروحاني فلما تبيّن من أنّ النفس تبقى بعد خراب البدن ولها سعادة وشقاوة ، وقد جاء في القرآن مثل قوله تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ ) (١) . وقال :( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) (٢) .

وأمّا المعاد الجسماني فلا يستقلّ العقل بإثباته ، ولكن قد وردت في القرآن آيات كثيرة دالّة على إثباته بحيث لا يقبل التأويل.

منها : قوله تعالى :( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٣) .

( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) (٤) .

( فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٥) .

( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (٦) .

( أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً ) (٧) .

( وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ) (٨) .

__________________

(١) آل عمران (٣) : ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٢) الفجر (٨٩) : ٢٧ ـ ٢٨.

(٣) يس (٣٦) : ٧٨ ـ ٧٩.

(٤) يس (٣٦) : ٥١.

(٥) الإسراء (١٧) : ٥١.

(٦) القيامة (٧٥) : ٤ ـ ٥.

(٧) النازعات (٧٩) : ١١.

(٨) فصّلت (٤١) : ٢١.

٢٨٠