البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 111047
تحميل: 5734


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111047 / تحميل: 5734
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

المحبّة لنا ، فو الله ما رأيت روحك فيمن عرض علينا ، فأين كنت ، فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه »(١) .

وفي رواية أخرى قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « كان في النار »(٢) .

عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق »(٣) .

عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن الإمامعليه‌السلام فوّض الله عليه كما فوّض إلى سليمان بن داودعليه‌السلام ، فقال : « نعم » ، وذلك أنّ رجلا سأله عن مسألة فأجاب فيها ، وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأوّل ، ثمّ سأله آخر فأجابه بغير جواب الأوّلين ، ثمّ قال : « هذا عطاؤنا فامنن أو ـ أعط ـ بغير حساب »(٤) ، وهكذا في قراءة عليّعليه‌السلام » ، قال : قلت : أصلحك الله فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام؟ قال : « سبحان الله أما تسمع الله يقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وهم الأئمّة( وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) (٥) لا يخرج منها أبدا ».

ثمّ قال لي : « نعم ، إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه ، وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو ، إنّ الله يقول :( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ ) (٦) وهم العلماء ، وليس يسمع شيئا من الألسن ينطق به إلاّ عرفه ناج أو هالك ؛ فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم »(٧) .

__________________

(١) المصدر السابق ١ : ٤٣٨ ، باب في معرفتهم أولياءهم ، ح ١.

(٢) المصدر السابق ، ذيل ح ١.

(٣) المصدر السابق ، ح ٢.

(٤) مأخوذ من الآية ٣٩ من سورة ص (٣٨) ، ونصّ الآية هكذا :( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) .

(٥) الحجر (١٥) : ٧٥ ـ ٧٦.

(٦) الروم (٣٠) : ٢٢.

(٧) « الكافي » ١ : ٤٣٨ ، باب في معرفتهم أوليائهم ، ح ٣.

٤١

فصل [٣٦] : في بيان أنّه إذا قيل في الرجل فلم يكن فيه وكان في ولده وولد ولده فإنّه هو الذي قيل فيه

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك ؛ فإنّ الله تعالى يفعل ما يشاء »(١) .

وفي خبر آخر ـ بعد التنظير بحكاية امرأة عمران بقولها :( إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ) إلى آخره ، هكذا : « فإذا قلنا في الرجل منّا شيئا ، فكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك »(٢) .

فصل [٣٧] : في بيان أنّ الأئمّة كلّهم قائمون بأمر الله وهادون إليه

عن الحكم بن أبي نعيم قال : أتيت أبا جعفرعليه‌السلام ـ وهو بالمدينة ـ فقلت له : عليّ نذر بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا؟ فلم يجبني بشيء ، فأقمت ثلاثين يوما ، ثمّ استقبلني في طريق ، فقال : « يا حكم ، وإنّك لهاهنا بعد؟ » فقلت : نعم إنّي أخبرتك بما جعلت لله عليّ فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء ولم تجبني بشيء ، فقال : بكّر عليّ غدوة المنزل ، فغدوت عليه فقالعليه‌السلام : « سل عن حاجتك » ، فقلت : إنّي جعلت لله عليّ نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا ، فإن كنت أنت رابطتك ، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض وطلب المعاش ، فقال : « يا حكم ، كلّنا قائم بأمر الله » ، قلت : فأنت المهديّ؟ قال : « كلّنا نهدي إلى الله » ، قلت : فأنت صاحب السيف؟ قال : « كلّنا صاحب السيف ووارث السيف » ، قلت : فأنت الذي يقتل أعداء الله ، ويعزّ بك أولياء الله ، ويظهر بك

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٥٣٥ ، باب أنّه إذا قيل في الرجل شيء ، ح ٢.

(٢) « الكافي » ١ : ٥٣٥ ، باب أنّه إذا قيل في الرجل شيء ، ح ١ ، والآية في سورة آل عمران (٣) : ٣٦.

٤٢

دين الله؟ فقال : « يا حكم ، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة ، وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي وأخفّ على ظهر الدابّة »(١) .

المطلب الخامس :

في نبذ من معجزات سائر الأئمّة عليهم السلام

المذكورينعليهم‌السلام في فصول عديدة بعد الإشارة إلى طرق ثلاثة من طرق خمسة ؛ لأنّا أشرنا إلى أنّ كلّ واحد منهمعليه‌السلام معصوم منصوص أعلم ، وقد مرّ أنّ العصمة طريق من طرق إثبات الإمامة ، وأنّ النصّ طريق آخر ، وأنّ الأعلميّة طريق آخر ، فتثبت إمامة كلّ واحد منهمعليهم‌السلام بكلّ طريق من تلك الطرق ، فينبغي الإشارة إلى الطريقين الأخيرين اللذين أحدهما طريق المعجزة ؛ ولهذا نذكر معجزاتهمعليهم‌السلام في فصول عديدة :

فصل [١] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي محمّد الحسن المجتبى صلوات الله عليه وعلى آبائه الأطهار

على وفق ما انتخبت من « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن عبد الله الكناسي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته ـ قال : ـ فنزلوا في منهل من تلك المناهل ـ قال : ـ نزلوا تحت نخل يابس قد يبس من العطش ـ قال : ـ ففرش للحسنعليه‌السلام تحت نخلة ، وللزبيري بحذائه تحت نخلة أخرى ـ قال : ـ فقال الزبيري ـ ورفع رأسه ـ : لو كان في هذا النخل رطبا لأكلنا منه ، ـ قال : ـ فقال له الحسنعليه‌السلام : وإنّك تشتهي الرطب؟ قال : نعم ، فرفع الحسنعليه‌السلام يده إلى

__________________

(١) المصدر السابق : ٥٣٦ ، باب أنّ الأئمّةعليهم‌السلام كلّهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه ، ح ١.

٤٣

السماء فدعا بكلام لم يفهمه الزبيري ، فاخضرّت النخلة ، ثمّ صارت إلى حالها فأورقت وحملت رطبا ـ قال : ـ فقال له الجمّال الذي اكتروا منه : سحر والله ـ قال : ـ فقال له الحسنعليه‌السلام : ويلك ليس بسحر ، ولكن دعوة ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجابة ، ـ قال : ـ فصعدوا إلى النخلة حتّى صرموا ممّا كان فيها ما كفاهم ».(١)

ومنها : ما روي عن الصادقعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام : « أنّ الحسنعليه‌السلام قال يوما لأخيه الحسينعليه‌السلام ولعبد الله بن جعفر : إنّ معاوية بعث إليكم بجوائزكم وهي تصل إليكم يوم كذا لمستهلّ الهلال وقد أضاقا ، فوصلت في الساعة التي ذكرها لمّا كان رأس الهلال فلمّا وافاهم المال كان على الحسنعليه‌السلام دين كثير فقضاه ممّا بعثه إليه ، ففضلت فضلة ففرّقها في أهل بيته ومواليه ، وقضى الحسينعليه‌السلام دينه ، وقسّم ثلث ما بقي في أهل بيته ومواليه ، وحمل الباقي إلى عياله. وأمّا عبد الله فقضى دينه وما فضل دفعه إلى الرسول ليتعرّف معاوية من الرسول ما فعلوا ، فبعث إلى عبد الله أموالا حسنة »(٢) .

ومنها : ما روي أنّ عليّاعليه‌السلام كان في الرحبة ، فقام إليه رجل فقال : أنا من رعيّتك وأهل بلادك ، قالعليه‌السلام : « لست من رعيّتي ولا من أهل بلادي وإنّ ابن الأصفر بعث بمسائل إلى معاوية فأقلقته وأرسلك إليّ لأجلها » ، قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، إنّ معاوية أرسلني إليك في خفية وأنت قد اطّلعت على ذلك ولا يعلمها غير الله ، فقالعليه‌السلام : « سل أحد ابنيّ هذين » ، قال : أسأل ذا الوفرة يعني الحسن فأتاه.

فقال له الحسن : « جئت تسألني كم بين الحقّ والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما المؤنّث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟ » قال : نعم ، قال الحسنعليه‌السلام : « بين الحقّ والباطل أربع

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٣ ، ح ١ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢٥٦ ، باب ١٣ ، ح ١٠.

(٢) المصدر السابق ، ح ٢ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، ح ٣.

٤٤

أصابع : ما رأيته بعينك فهو حق وقد تسمع بأذنيك باطلا ، وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومدّ البصر ، وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ، وقزح اسم الشيطان ، وهو قوس الله وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق ، وأمّا المؤنّث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى ، فإنّه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم وإن كان أنثى حاضت وبدا ثدييها ، وإلاّ قيل له : بل ، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير ، فهو أنثى. وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض : فأشدّ شيء خلق الله الحجر ، وأشدّ منه الحديد يقطع به الحجر ، وأشدّ من الحديد النار تذيب الحديد ، وأشدّ من النار الماء ، وأشدّ من الماء السحاب ، وأشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب ، وأشدّ من الريح الملك الذي يردّها ، وأشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك ، وأشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت ، وأشدّ من الموت أمر الله الذي يدفع الموت »(١) .

ومنها : ما روي عن الصادقعليه‌السلام : « قال بعضهم للحسن بن عليّعليهم‌السلام في احتماله الشدائد عن معاوية فقالعليه‌السلام : كلاما معناه : لو دعوت الله تعالى لجعل العراق شاما والشام عراقا ، وجعل المرأة رجلا والرجل امرأة ، فقال رجل من أهل الشام : ومن يقدر على ذلك؟ فقالعليه‌السلام : انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال ، فوجد الرجل نفسه امرأة ، ثمّ قال : وصارت عيالك رجلا تقاربك وتحمل عنها وتلد ولدا خنثى ، فكان كما قالعليه‌السلام ، ثمّ إنّهما تابا وجاءا إليه فدعا الله تعالى فعادا إلى الحالة الأولى »(٢) .

ومنها : ما روي عن الحسين بن أبي العلاء عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام : « قال الحسن بن عليّعليهما‌السلام لأهل بيته : يا قوم إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له أهل بيته : ومن الذي يسمّك؟ قال : جاريتي أو امرأتي ، فقالوا له : أخرجها من

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، ح ٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٥٧٢ ـ ٥٧٣ ، ح ٢.

(٢) المصدر السابق : ٣٢٧ ، ح ٦.

٤٥

ملكك عليها لعنة الله ، فقال : هيهات من إخراجها ومنيّتي على يدها ، ما لي منها محيص ، ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها ، كان قضاء مقضيّا وأمرا واجبا من الله ، فما ذهبت الأيّام حتّى بعث معاوية إلى امرأته ، ـ قال : ـ فقال الحسنعليه‌السلام هل عندك من شربة لبن؟ فقالت : نعم ، وفيه ذلك السمّ الذي بعث به معاوية ، فلمّا شربه وجد مسّ السمّ في جسده ، فقال : يا عدوّة الله قتلتني قاتلك الله ، أما والله لا تصيبين منّي خلفا ولا تنالين من الفاسق عدوّ الله اللعين خيرا أبدا »(١) .

ومنها : ما روي أنّه مرّت بالحسن بن عليّعليه‌السلام بقرة ، فقال : « هذه حبلى بعجلة أنثى لها غرّة في جبينها ورأس ذنبها أبيض » ، فانطلقنا مع القصّاب حتّى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها ، فقلنا : أوليس الله عزّ وجلّ يقول :( وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ) (٢) فكيف علمت؟ فقال : « ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل غير محمّد وذرّيّته »(٣) .

ومنها : ما روي عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « جاء الناس إلى الحسن بن عليّعليهما‌السلام فقالوا : أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينا ، فقال : وتؤمنون بذلك؟ قالوا : نعم ، نؤمن والله بذلك ، قال : أليس تعرفون أبي؟ قالوا جميعا : بل نعرفه ، فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنينعليه‌السلام قاعد ، فقال : تعرفونه؟ قالوا بأجمعهم : هذا أمير المؤمنينعليه‌السلام ونشهد أنّك ابن رسول الله حقّا والإمام من بعده ، ولقد أريتنا أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد موته كما أرى أبوك أبا بكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجد قبا بعد موته ، فقال الحسنعليه‌السلام : ويحكم أما سمعتم قول الله عزّ وجلّ :( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) (٤) ؟ فإذا كان هذا نزل فيمن قتل في

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨.

(٢) لقمان (٣١) : ٣٤.

(٣) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٨ ، ح ٧.

(٤) البقرة (٢) : ١٥٤.

٤٦

سبيل الله ما تقولون فينا؟ قالوا : آمنّا وصدّقنا يا ابن رسول الله »(١) .

ومنها : ما روي عن داود بن الكثير الرقّي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : لمّا صالح الحسن بن عليّعليهما‌السلام معاوية جلسا بالنخيلة ، فقال معاوية : يا أبا محمّد ، بلغني أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخرص النخل ، فهل عندك من ذلك علم ، فإنّ شيعتكم يزعمون أنّه لا يعزب عنكم علم شيء لا في الأرض ولا في السماء؟ فقال الحسنعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخرص كيلا وأنا أخرص عددا » ، فقال معاوية : كم في هذه النخلة؟ فقال الحسنعليه‌السلام : « أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات » ، فأمر معاوية بها فصرمت وعدّت ، فجاءت أربعة آلاف وثلاث بسرات ، فقال : « والله ما كذبت ولا كذبت » ، فنظر فإذا في يد عبد الله بن عامر كويز بسرة » الحديث(٢) .

فصل [٢] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي كثيرة :

منها : ما روي أنّه دخل على الحسينعليه‌السلام رجل شابّ يبكي ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « ما يبكيك؟ » قال : إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص ولها مال ، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها ، فقال الحسينعليه‌السلام : « قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة » ، فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الذي توفّيت فيه المرأة مسجّاة ، فأشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها ، فأحياها الله وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد ، ثمّ نظرت إلى الحسينعليه‌السلام فقالت : ادخل البيت يا مولاي ومرني بأمرك ، فدخل وجلس على مخدّة ، ثم قال لها : « وصي رحمك الله » ، فقالت : يا ابن رسول الله ، لي من المال كذا وكذا في

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، ح ٨.

(٢) المصدر السابق : ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، ح ٩.

٤٧

مكان كذا وكذا ، فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفا فخذه إليك فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤمنين ، ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرها ، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت »(١) .

ومنها ما روي عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « أقبل أعرابيّ إلى المدينة ليختبر الحسينعليه‌السلام لما ذكر من دلائله ، فلمّا صار بقرب المدينة ، [ خضخض ودخل المدينة ] فدخل على الحسينعليه‌السلام ، فقال له أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام : « أما تستحيي يا أعرابيّ ، أن تدخل على إمامك وأنت جنب؟ » : فقال : أنتم معاشر العرب إذا دخلتم خضخضتم ، فقال الأعرابيّ قد بلغت حاجتي ممّا جئت فيه ، فخرج من عنده فاغتسل ورجع إليه فسأله عمّا كان في قلبه »(٢) .

ومنها : ما روي عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : « إذا أراد الحسينعليه‌السلام أن ينفذ غلمانه في بعض أموره ، قال لهم : لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا ، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم طريقكم فخالفوه مرّة وخرجوا فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم ، واتّصل الخبر إلى الحسينعليه‌السلام فقال : لقد حذّرتهم فلم يقبلوا منّي ، ثمّ قام من ساعته ودخل على الوالي ، فقال الوالي : بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم.

فقال الحسينعليه‌السلام : فإنّي أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم ، وقال الوالي : أو تعرفهم يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : نعم ، كما أعرفك وهذا منهم ، فأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي ، فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا؟ ومن أين تعرف أنّي منهم؟ فقال له الحسينعليه‌السلام : إن أنا صدّقتك تصدّقني؟ قال : نعم ، والله لأصدّقنّك ؛ فقال : خرجت ومعك فلان وفلان ، وذكرهم كلّهم فمنهم أربعة من موالي المدينة

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٤ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، ح ٣ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ١٨١ ، ح ٤ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٤٦ ، ح ٢.

٤٨

والباقون من حيطان المدينة ، فقال الوالي : وربّ القبر والمنبر لتصدّقني أو لأهرقنّ لحمك بالسياط ، فقال الرجل : والله ما كذب الحسينعليه‌السلام وأصدّق وكأنّه كان معنا ، فجمعهم الوالي جميعا فأقرّوا جميعا فضرب أعناقهم »(١) .

ومنها : ما روى زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يحدّث عن آبائهعليهم‌السلام : « إنّ مريضا شديد الحمّى عاده الحسينعليه‌السلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمّى عن الرجل ، فقال : رضيت بما أوتيتم به حقّا حقّا والحمّى تهرب عنكم ، فقال له الحسينعليه‌السلام : والله ما خلق الله شيئا إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا ، قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبّيك ، قال : أليس أمير المؤمنينعليه‌السلام أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكوني كفّارة لذنوبه ، فما بال هذا؟ فكان المريض عبد الله بن شدّاد بن الهادي الليثي »(٢) .

ومنها : ما روي عن أيّوب بن أعين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها ، فقال بيده حتّى وضعها على ذراعها ، فأثبت الله يد الرجل في ذراعها حتّى قطع الطواف وأرسل إلى الأمير واجتمع الناس وأرسل إلى الفقهاء ، فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الذي جنى الجناية ، فقال : هاهنا أحد من ولد محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقالوا : نعم ، الحسين بن عليّعليه‌السلام قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي ذان؟ فاستقبل الكعبة ورفع يديه فمكث طويلا يدعو ، ثمّ جاء إليهما حتّى خلص يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع؟ قال : لا »(٣) .

ومنها : ما روي عن صفوان بن مهران قال سمعت الصادقعليه‌السلام يقول : « رجلان اختصما في زمن الحسينعليه‌السلام في امرأة وولدها ، فقال : هذا لي ، وقال : هذا لي ، فمرّ بهما الحسينعليه‌السلام فقال لهما : فيما تمرجان؟ قال أحدهما : إنّ الامرأة لي ، وقال الآخر :

__________________

(١) المصدر السابق ، ح ٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ١٨١ ـ ١٨٢ و ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، ح ٣.

(٢) المصدر السابق : ١٨٣ ، ح ٨ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٥٨.

(٣) المصدر السابق ، ح ١٠ ، نقلا عن « تهذيب الأحكام » ٥ : ٤٧٠ ، ح ١٦٤٧.

٤٩

إنّ الولد لي ، فقالعليه‌السلام للمدّعي الأوّل : اقعد ، فقعد وكان الغلام رضيعا ، فقال الحسينعليه‌السلام : يا هذه! اصدقي من قبل أن يهتك الله سترك ، فقالت : هذا زوجي والولد له ، ولا أعرف هذا ، فقالعليه‌السلام يا غلام ، ما تقول هذه؟ انطق بإذن الله تعالى ، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا ، وما أبي إلاّ راعي لآل فلان ، فأمرعليه‌السلام برجمها » ، قال جعفرعليه‌السلام : « فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها »(١) .

ومنها : ما روي عن أصبغ بن نباتة قال : سألت الحسينعليه‌السلام ، فقلت : يا سيّدي ، أسألك عن شيء أنا به موقن وإنّه من سرّ الله وأنت المسرور إليه ذلك السرّ ، فقال : « يا أصبغ ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي دون يوم مسجد قبا؟ » قال : هذا الذي أردت ، قال : « قم » ، فإذا أنا وهو بالكوفة ، فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إليّ بصري ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : « يا أصبغ ، إنّ سليمان بن داودعليه‌السلام أعطي الريح غدوّها شهر ورواحها شهر وأنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان ».

فقلت : صدقت والله يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : « نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا ؛ لأنّا أهل سرّ الله » ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : « نحن آل الله وورثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، فقلت : الحمد لله على ذلك ، ثمّ قال لي : « ادخل » ، فدخلت فإذا أنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محتب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين قابض على تلابيب الأعسر ، فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعضّ على الأنامل وهو يقول : « بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة الله ولعنتي »(٢) .

ومنها : ما روي عن عطاء بن السائب ، عن أخيه قال : شهدت يوم قتل الحسين صلوات الله عليه فأقبل رجل من بني تميم يقال له : عبد الله بن جويرة ، فقال : يا حسين ، فقال صلوات الله عليه : « ما تشاء؟ » فقال : أبشر بالنار ، فقالعليه‌السلام : « كلاّ ، إنّي

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٤ : ١٨٤ ، ح ١١ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٥٩.

(٢) المصدر السابق : ١٨٤ ـ ١٨٥ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٥٩ ـ ٦٠.

٥٠

أقدم على ربّ غفور ، وشفيع مطاع ، وأنا من خير إلى خير ، من أنت؟ » قال : أنا ابن جويرة ، فرفع يده الحسين صلوات الله عليه إلى السماء حتّى رأينا بياض إبطيه ، وقال : « اللهمّ جرّه إلى النار » ، فغضب ابن جويرة ، فحمل عليه فاضطرب فرسه في جدول وتعلّق رجله في الركاب ، ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذ يعدو به ، ويضرب رأسه بكلّ حجر وشجر ، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه ، وبقي جانبه الآخر متعلّقا في الركاب ، فصار ـ لعنه الله ـ إلى نار الجحيم(١) .

ومنها : ما روي أنّه لمّا جاءوا برأس الحسينعليه‌السلام ونزلوا منزلا يقال له : قنسرين ، اطّلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه ويصعد إلى السماء ، فأتاهم بعشرة آلاف درهم ، وأخذ الرأس ، وأدخله صومعته ، فسمع صوتا ولم ير شخصا ، قال : طوبى لك ، وطوبى لمن عرف حرمتك ، فرفع الراهب رأسه ، وقال : يا ربّ ، بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلّم معي ، فتكلّم الرأس ، وقال : « يا راهب ، أيّ شيء تريد؟ » فقال : من أنت؟ قال : « أنا ابن محمّد المصطفى ، وأنا ابن عليّ المرتضى ، وأنا ابن فاطمة الزهراء ، وأنا المقتول بكربلاء ، أنا المظلوم ، أنا العطشان » ، وسكت ، فوضع الراهب وجهه على وجهه ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتّى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة ، فتكلّم الرأس وقال : « ارجع إلى دين جدّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، فقبل له الشفاعة ، فلمّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم فلمّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم وقد صارت حجارة(٢) .

ومنها : ما روي عن أبي ثوبان الأسدي ـ وكان من أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام ـ ، عن الصلت بن المنذر ، عن المقداد بن الأسود الكندي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في طلب

__________________

(١) المصدر السابق : ١٨٧ ، ح ١٦ ، نقلا عن « عيون المعجزات » : ٦٢.

(٢) المصدر السابق ٤٥ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، ح ٣ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٦٧.

٥١

الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وقد خرجا من البيت وأنا معه فرأيت أفعى على الأرض ، فلمّا أحسّت بوطي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قامت ونظرت وكان أعلى من النخلة وأضخم من البكر يخرج من فيها النار فهالني ذلك ، فلمّا رأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صارت كأنّها خيط ، فالتفت إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : « ألا تدري ما تقول هذه يا أخا كندة؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « قالت : الحمد لله الذي لم يميتني حتّى جعلني حارسا لابني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، وجرت في الرمل رمل الشعاب ، فنظرت إلى شجرة لا أعرفها بذلك الموضع ، لأنّي ما رأيت فيه شجرة قطّ قبل يومي ذلك ، ولقد أتيت بعد ذلك اليوم أطلب الشجرة فلم أجدها ، وكانت الشجرة أظلّتهما الحديث(١) .

ومنها : ما روي عن سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه قال : أهدي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطف من العنب في غير أوانه ، فقال : « يا سلمان ، ائتني بولديّ : الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب » ، قال سلمان الفارسي : فذهبت إلى منزل أمّهما فلم أرهما ، فأتيت منزل أختهما أمّ كلثوم فلم أرهما ، فجئت فخبّرت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، فاضطرب ووثب قائما وهو يقول : « وا ولداه ، وا قرّة عيناه ، من يرشدني عليهما فله على الله الجنّة » ، فنزل جبرئيل من السماء وقال : يا محمّد ، ما علّة هذا الانزعاج؟ فقال : « على ولديّ الحسن والحسينعليهما‌السلام فإنّي خائف عليهما من كيد اليهود ».

فقال جبرئيل : يا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل خفت عليهما من كيد المنافقين ، فإنّ كيدهم أشدّ من كيد اليهود ، واعلم يا محمّد ، إنّ ابنيك الحسن والحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح ، فسار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وقته وساعته إلى الحديقة وأنا معه حتّى دخلنا الحديقة فإذا هما نائمان ، وقد اعتنق أحدهما الآخر وثعبان في فيه طاقة ريحان يروح بها وجههما.

فلمّا رأى الثعبان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألقى ما كان في فيه ، وقال : السّلام عليك يا رسول الله ،

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٢٧١ ـ ٢٧٣ ، ح ٣٩ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح ٢ : ٨٤١ ـ ٨٤٥ ، ح ٦٠.

٥٢

لست أنا ثعبانا ولكنّي ملك من ملائكة الله الكروبيّين غفلت عن ذكر ربّي طرفة عين فغضب عليّ ربّي ومسخني ثعبانا كما ترى وطردني من السماء إلى الأرض ، ولي منذ سنين كثيرة أقصد كريما على الله فأسأله أن يشفع لي عند ربّي عسى أن يرحمني ويعيدني ملكا كما كنت أوّلا إنّه على كلّ شيء قدير.

قال : فجعل النبيّ يقبّلهما حتّى استيقظا فجلسا على ركبتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لهما النبيّ : « انظروا يا ولديّ ، هذا ملك من ملائكة الله الكروبيّين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين فجعله الله هكذا ، وأنا مستشفع بكما إلى الله تعالى فاشفعا له » ، فوثب الحسن والحسينعليهما‌السلام فأسبغا الوضوء وصلّيا ركعتين ، وقالا : « اللهمّ بحقّ جدّنا الجليل الحبيب محمّد المصطفى ، وبأبينا عليّ المرتضى ، وبأمّنا فاطمة الزهراء إلاّ ما رددته إلى حالته الأولى » ، فما استتمّ دعاؤهما وإذا بجبرئيل قد نزل من السماء في رهط من الملائكة وبشّر ذلك الملك برضى الله عنه وبردّه إلى سيرته الأولى ، ثمّ ارتفعوا به إلى السماء وهم يسبّحون الله تعالى ، ثمّ رجع جبرئيلعليه‌السلام إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متبسّم وقال : يا رسول الله ، إنّ ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات ويقول لهم : من مثلي وأنا في شفاعة السيّدين السبطين : الحسن والحسينعليهما‌السلام (١) .

ومنها : ما روي أنّ أعرابيّا أتى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا رسول الله ، لقد صدت خشفة غزالة وأتيت بها إليك هديّة لولديك : الحسن والحسين ، فقبلها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعا له بالخير ، فإذا الحسنعليه‌السلام واقف عند جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرغب إليها فأعطاه إيّاها ، فما مضى ساعة إلاّ والحسينعليه‌السلام قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها ، فقال : « يا أخي ، من أين لك هذه الخشفة؟ » فقال الحسنعليه‌السلام : « أعطانيها جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، فسار الحسينعليه‌السلام مسرعا إلى جدّه فقال : « يا جدّاه ، أعطيت أخي خشفة يلعب بها ولم تعطني مثلها » ، وجعل يكرّر القول على جدّه وهو ساكت لكنّه

__________________

(١) المصدر السابق : ٣١٣ ـ ٣١٤ ، ذيل ح ٧٣.

٥٣

يسلّي خاطره ويلاطفه بشيء من الكلام حتّى أفضى من أمر الحسين إلى أن همّ أن يبكي.

فبينما هو كذلك إذ نحن بصياح قد ارتفع عند باب المسجد ، فنظرنا فإذا ظبية ومعها خشفها ومن خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتضربها بأحد أطرافها حتّى أتت بها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ نطقت الغزالة بلسان فصيح ، وقالت : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد كانت لي خشفتان : إحداهما صادها الصيّاد وأتى بها إليك ، وبقيت لي هذه الاخرى وأنا بها مسرورة ، وإنّي كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول : اسرعي اسرعي يا غزالة ، بخشفك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصليه سريعا ؛ لأنّ الحسينعليه‌السلام واقف بين يدي جدّه وقد همّ أن يبكي والملائكة بأجمعهم قد رفعوا رءوسهم من صوامع العبادة ، ولو بكى الحسينعليه‌السلام لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه.

وسمعت أيضا قائلا يقول : أسرعي يا غزالة ، قبل جريان الدموع على خدّ الحسينعليه‌السلام ، فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفك ، فأتيت بخشفي إليك يا رسول الله ، وقطعت مسافة بعيدة ، لكن طويت لي الأرض حتّى أتيتك سريعة ، وأنا أحمد الله ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسينعليه‌السلام على خدّه ، فارتفع التكبير والتهليل من الأصحاب ، ودعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للغزالة بالخير والبركة ، وأخذ الحسينعليه‌السلام الخشفة وأتى بها إلى أمّه الزهراءعليها‌السلام فسرّت به سرورا عظيما »(١) .

فصل [٣] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي محمّد زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام

على وفق ما انتخبت من « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن أبي خالد الكابلي قال : دعاني محمّد بن الحنفيّة بعد قتل

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٣ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، ح ٧٣.

٥٤

الحسين ورجوع عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إلى المدينة وكنّا بمكّة ، فقال : صر إلى عليّ بن الحسينعليه‌السلام وقل له : أنا أكبر أولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد أخويّ الحسن والحسين وأنا أحقّ بهذا الأمر منك فينبغي أن تسلّمه إليّ ، وإن شئت فاختر حكما نتحاكم إليه ، فصرت إليه وأدّيت رسالته ، فقال : « ارجع إليه وقل له : يا عمّ اتّق الله ولا تدّع ما لم يجعل الله لك ، فإن أبيت فبيني وبينك الحجر الأسود ، فمن شهد له الحجر الأسود فهو الإمام ».

فرجعت إليه بهذا الجواب ، فقال له : قد أجبتك قال أبو خالد : فدخلا جميعا وأنا معهما حتّى وافيا الحجر الأسود ، فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : « تقدّم يا عمّ ، فإنّك أسنّ فاسأله الشهادة لك » ، فتقدّم محمّد فصلّى ركعتين ودعا بدعوات ، ثمّ سأل الحجر بالشهادة إن كانت الإمامة له ، فلم يجبه بشيء.

ثمّ قام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فصلّى ركعتين ، ثمّ قال : « يا أيّها الحجر ، الذي جعله الله شاهدا لمن يوافي بيته الحرام من وفود عباده ، إن كنت تعلم أنّي صاحب الأمر وأنّي الإمام المفترض الطاعة على جميع عباده فاشهد لي ، ليعلم عمّي أن لا حقّ له في الإمامة » ، فأنطق الله الحجر بلسان عربيّ مبين ، فقال : يا محمّد بن عليّ ، سلّم الأمر إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ؛ فإنّه الإمام المفترض الطاعة عليك وعلى جميع عباد الله دونك ودون الخلق أجمعين ، فقبّل محمّد بن الحنفيّة رجله وقال : الأمر لك.

وقيل : إنّ ابن الحنفيّة إنّما فعل ذلك إزاحة لشكوك الناس في ذلك.

وفي رواية أخرى : أنّ الله أنطق الحجر : يا محمّد بن عليّ ، إنّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام حجّة الله عليك وعلى جميع من في الأرض ومن في السماء مفترض الطاعة فاسمع له وأطع ، فقال محمّد : سمعا وطاعة يا حجّة الله في أرضه وسمائه(١) .

ومنها : ما روي عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقرعليه‌السلام قال : « كان

__________________

(١) المصدر السابق ٤٦ : ٢٩ ـ ٣٠ ، ح ٢٠ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح ١ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، ح ٣.

٥٥

عليّ بن الحسينعليهما‌السلام جالسا مع جماعة إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتّى وقفت قدّامه فهمهمت وضربت بيدها الأرض ، فقال بعضهم : يا ابن رسول الله ، ما شأن هذه الظبية قد أتتك مستأنسة؟

قال : « تذكر أنّ ابنا ليزيد طلب عن أبيه خشفا ، فأمر بعض الصيّادين أن يصيد له خشفا ، فصاد بالأمس خشف هذه الظبية ولم تكن قد أرضعته ، فإنّها تسأل أن يحمله إليها لترضعه وتردّه عليه » ، فأرسل عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إلى الصيّاد فأحضره وقال : « إنّ هذه الظبية تزعم أنّك أخذت خشفا لها وأنّك لم تسقه لبنا منذ أخذته ، وقد سألتني أن أسألك أن تتصدّق به عليها » ، فقال : يا ابن رسول الله ، لست أستجرئ على هذا.

قال : « إنّي أسألك أن تأتي به إليها لترضعه وتردّه عليك ففعل الصيّاد » ، فلمّا رأته همهمت ودموعها تجري ، فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام للصيّاد : « بحقّي عليك إلاّ وهبته لها » ، فوهبه لها فانطلقت مع الخشف ، وقال : أشهد أنّك من أهل بيت الرحمة وأنّ بني أميّة من أهل بيت اللعنة(١) .

ومنها : ما روي أنّ الحجّاج بن يوسف لمّا خرّب الكعبة بسبب مقاتلة عبد الله بن الزبير ، ثمّ عمروها ، فلما أعيد البيت وأرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود فكلّما نصبه عالم من علمائهم أو قاض من قضاتهم أو زاهد من زهّادهم يتزلزل ويضطرب ولا يستقرّ الحجر في مكانه ، فجاءه عليّ بن الحسينعليه‌السلام وأخذه من أيديهم وسمّى الله ثمّ نصبه فاستقرّ في مكانه وكبّر الناس(٢) .

ومنها : ما روي أنّ إبليس تصوّر لعليّ بن الحسينعليه‌السلام ـ وهو قائم يصلّي ـ في صورة أفعى له عشرة رءوس محدّدة الأنياب منقلبة الأعين بحمرة ، فطلع عليه من جوف الأرض من موضع سجوده ، ثمّ تطاول في محرابه فلم يفزعه ذلك ولم يكسر

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٣٠ ، ح ٢١ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، ح ٤.

(٢) المصدر السابق : ٣٢ ، ح ٢٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٦٨ ، ح ١١.

٥٦

طرفه إليه ، فانقضّ على رءوس أصابعه يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه وهو لا يكسر طرفه إليه ولا يحوّل قدميه عن مقامه ولا يختلجه شكّ ولا وهم في صلاته ولا قراءته ، فلم يلبث إبليس حتّى انقضّ إليه شهاب محرق من السماء ، فلمّا أحسّ به صرخ وقام إلى جانب عليّ بن الحسينعليه‌السلام في صورته الأولى ، ثمّ قال : يا عليّ ، أنت سيّد العابدين كما سمّيت وأنا إبليس ، والله لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد أبيك آدمعليه‌السلام إليك ، فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ، ثمّ تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتّى قضى صلاته على تمامها(١) .

ومنها : ما روي أنّهعليه‌السلام كان قائما يصلّي حتّى وقف ابنه محمّدعليهما‌السلام وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها ، فنظرت إليه أمّه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول الله ، غرق ولدك محمّدعليه‌السلام وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر ، فلمّا طال عليها ذلك ، قالت حزنا على ولدها : ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالها وإتمامها ، ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومدّ يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلاّ برشاء(٢) طويل ، فأخرج ابنه محمّداعليه‌السلام على يديه يناغي ويضحك لم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء ، فقال : « هاك يا ضعيفة اليقين بالله » ، [ فضحكت لسلامة ولدها ، وبكت لقولهعليه‌السلام : يا ضعيفة اليقين بالله ](٣) ، فقال : « لا تثريب عليك اليوم لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي ، فمن يرى راحما بعده »(٤) .

ومنها : ما روي عن محمّد بن جرير الطبري قال : لمّا حضر عليّ بن الحسينعليه‌السلام

__________________

(١) المصدر السابق ٤٦ : ٥٨ ، ح ١١ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٢) الرشاء : الحبل الذي يتوصّل به إلى الماء. « مجمع البحرين » ١ : ١٨٤ « ر ش ا ».

(٣) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(٤) المصدر السابق : ٣٤ ـ ٣٥ ، ح ٢٩ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ١٤٧ ـ ١٤٨.

٥٧

فقال : « يا محمّد ، أيّ ليلة هذه؟ » قال : ليلة كذا وكذا ، قال : « وكم مضى من الشهر؟ » قال : كذا وكذا ، قال : « إنّها الليلة التي وعدتها » ، ودعا بوضوء ، فقال : « إنّ فيه فأرة » ، فقال بعض القوم : إنّه ليهجر ، فقال : « هاتوا المصباح » ، فجيء به فإذا فيه فأرة ، فأمر بذلك الماء فأهريق وأتوه بماء آخر فتوضّأ وصلّى حتّى إذا كان آخر الليل توفّيعليه‌السلام (١) .

ومنها : ما روي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « إنّ أبي خرج إلى ماله ومعنا ناس من مواليه وغيرهم ، فوضعت المائدة ليتغذّى وجاء ظبي وكان منه قريبا ، فقال له : « يا ظبي ، أنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وأمّي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هلمّ إلى هذا الغذاء ، فجاء الظبي حتّى أكل معهم ما شاء الله أن يأكل ، ثمّ تنحّى الظبي ، فقال له بعض غلمانه : ردّه علينا. فقال لهم : لا تخفروا ذمّتي ، فقالوا : لا ، فقال له : يا ظبي ، أنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وأمّي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هلمّ إلى هذا الغذاء وأنت آمن في ذمّتي ، فجاء الظبي حتّى قام على المائدة فأكل معهم ، فوضع رجل من جلسائه يده على ظهره فنفر الظبي ، فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام أخفرت ذمّتي لا كلّمتك كلمة أبدا »(٢) .

ومنها : ما روي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال : « خرج أبو محمّد عليّ بن الحسينعليه‌السلام إلى مكّة ـ في جماعة من مواليه وناس من سواهم ـ فلمّا بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها ، فلمّا دنا عليّ بن الحسينعليهما‌السلام من ذلك الموضع قال لمواليه : « كيف ضربتم في هذا الموضع وهذا موضع قوم من الجنّ هم لنا أولياء ولنا شيعة ، وذلك يضرّ بهم ويضيق عليهم؟ فقلنا : ما علمنا ذلك وعمدوا إلى قلع الفسطاط ، وإذا هاتف نسمع صوته ولا نرى شخصه وهو يقول : يا ابن رسول الله ، لا تحوّل فسطاطك من موضعه فإنّا نحتمل ذلك ، وهذا اللّطف قد أهديناه إليك ،

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٤٣ ، ح ٤١ ، نقلا عن « فرج المهموم » : ٢٢٨.

(٢) المصدر السابق ٤٦ : ٤٣ ، ح ٤٢ ، نقلا عن « كشف الغمّة » ٢ : ١٠٩.

٥٨

ونحبّ أن تنال منه لنسرّ بذلك ، فإذا بجانب الفسطاط طبق عظيم وأطباق معه فيها عنب ورمّان وموز وفاكهة كثيرة ، فدعا أبو محمّدعليه‌السلام من كان معه فأكل وأكلوا من تلك الفاكهة »(١) .

فصل [٤] : في نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسينعليهم‌السلام

على وفق ما انتخبت من كتاب « البحار » وهي كثيرة :

منها : ما روي أنّه كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفرعليه‌السلام وكان مركزه بالمدينة يختلف إلى مجلس أبي جعفرعليه‌السلام يقول له : يا محمّد ، ألا ترى أنّي إنّما أجيء مجلسك حياء منّي منك ، ولا أقول : إنّ أحدا في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت ، وأعلم أنّ طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ، ولكن أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ ، فإنّما اختلافي إليك لحسن أدبك. وكان أبو جعفرعليه‌السلام يقول له خيرا ويقول : « لن تخفى على الله خافية » ، فلم يلبث الشامي إلاّ قليلا حتّى مرض واشتدّ وجعه ، فلمّا ثقل دعا وليّه وقال له : إذا أنت مددت عليّ الثوب فائت محمّد بن عليّعليه‌السلام وسله أن يصلّي عليّ ، وأعلمه أنّي أنا الذي أمرتك بذلك.

قال : فلمّا أن كان في نصف الليل ظنّوا أنّه قد مات وسجّوه ، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليّه إلى المسجد ، فلمّا أن صلّى محمّد بن عليّعليهما‌السلام وتورّك ـ وكان إذا صلّى عقّب في مجلسه ـ قال : يا أبا جعفر ، إنّ فلانا الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلّي عليه ، فقال أبو جعفر : « كلاّ ، إنّ بلاد الشام بلاد صرد والحجاز بلاد حرّ ولهبها شديد فانطلق فلا تعجلنّ على صاحبك حتّى آتيكم » ، ثمّ قام من مجلسه فأخذ وضوء ، ثمّ

__________________

(١) المصدر السابق ٤٦ : ٤٥ ، ح ٤٥ ، نقلا عن « الأمان من أخطار الأسفار والأزمان » : ١٣٥.

٥٩

عاد فصلّى ركعتين ، ثمّ مدّ يده تلقاء وجهه ما شاء الله ، ثمّ خرّ ساجدا حتّى طلعت الشمس ، ثمّ نهض فانتهى إلى منزل الشامي فدخل عليه فدعاه فأجابه ، ثمّ أجلسه وأسنده ودعا له بسويق فسقاه ، وقال لأهله : « املئوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد ».

ثمّ انصرف ، فلم يلبث إلاّ قليلا حتّى عوفي الشامي فأتى أبا جعفرعليه‌السلام ، فقال : أخلني فأخلاه فقال : أشهد أنّك حجّة الله على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه ، فمن أتى من غيرك خاب وضلّ ضلالا بعيدا ، وقال له أبو جعفرعليه‌السلام : « وما بدا لك؟ » قال : أشهد أنّي عهدت بروحي وعاينت بعيني فلم يتفاجأني إلاّ ومناد ينادي أسمعه بأذني ينادي وما أنا بالنائم : ردّوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، فقال له أبو جعفر : « أما علمت أنّ الله يحبّ العبد ويبغض عمله ، ويبغض العبد ويحبّ عمله؟ » قال : فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام (١) .

ومنها : ما روي عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « نزل أبو جعفرعليه‌السلام بواد فضرب خباءه ثمّ خرج أبو جعفر بشيء حتّى انتهى إلى النخلة ، فحمد الله عندها بمحامد لم أسمع بمثلها ، ثمّ قال : يا أيّتها النخلة ، أطعمينا ممّا جعل الله فيك » ؛ قال : فتساقط رطب أحمر وأصفر فأكلعليه‌السلام ومعه أبو أميّة الأنصاري فأكل منه وقال : هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطبا جنيّا »(٢) .

ومنها : ما روي عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله وأبي جعفرعليهما‌السلام فقلت لهما : أنتما ورثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : « نعم » ، قلت : فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارث الأنبياء علم كلّ ما علموا؟ فقال لي : « نعم » ، فقلت : أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرءوا الأكمه والأبرص؟ فقال : « نعم ، بإذن الله » ، ثمّ قال : « ادن منّي

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، ح ١ ، نقلا عن « الأمالي » للطوسي : ٤١٠ ـ ٤١١ ، ح ٩٢٣ / ٧١.

(٢) المصدر السابق : ٢٣٦ ، ح ١٠ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢٥٣ ، ح ٢.

٦٠