جامع الافكار وناقد الانظار الجزء ٢

جامع الافكار وناقد الانظار6%

جامع الافكار وناقد الانظار مؤلف:
المحقق: مجيد هاديزاده
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: 646

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 646 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40110 / تحميل: 6315
الحجم الحجم الحجم
جامع الافكار وناقد الانظار

جامع الافكار وناقد الانظار الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
ISBN: ٩٦٤-٥٦١٦-٧٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

ومنها : إنّ قوله : « وكلامه ـ تعالى ـ هي الكلمات الّتي هي مؤلفة له ـ تعالى ـ بذاته في علمه القديم بغير واسطة » / ٢٢١ DB / إن أراد انّ تلك الكلمات لها وجود علمي في ذاته ـ تعالى سواء كان العلم عين الذات أم لا ـ ، فهو حقّ لا نزاع للمعتزلة في ذلك ، لأنّ جميع الأشياء ـ سواء كانت الفاظا أو غير الفاظ ـ معلومة له ـ تعالى ـ في الأزل ، لكن الألفاظ والكلمات المترتّبة باعتبار وجودها العلمي ليست فردا من الكلام اللفظي ، ولهذا لو تخيّل واحد منّا كلمات مرتّبة مدّة مديدة ولم يتلفّظ بها في الخارج يصحّ أن يقال في حقّه : أنّه لم يتكلّم في تلك المدّة.

وإن أراد أنّ تلك الكلمات المرتّبة تصدر عنه في الخارج بسبب علمه القديم والقدرة القديمة ، فهو أيضا حقّ لا نزاع للمعتزلة فيه.

وأيضا الكلام هو ما يكون من جنس الحروف والاصوات ، فالّذي في علمه القديم إن كان من جنسهما يلزم قدم غيره ـ سبحانه ـ ، وهو باطل ؛ ومع ذلك يلزم جواز اشتراك الواجب والممكن في صفة من الصفات باعتبار الجنس أو النوع ، وهي الكلام ـ لأنّ كلام الممكن أيضا من جنس الأصوات والحروف ـ.

وإن لم يكن ما في علمه القديم من جنس الأصوات والحروف ومع ذلك كان فردا من الكلام اللفظي لزم جواز أن يكون لطبيعة واحدة فردان : أحدهما فيه تعاقب وتدريج ـ كالكلام اللفظى الموجود في الخارج ـ ، والآخر ليس فيه / ٢١٩ MA / تدريج وتعاقب ـ كالكلام اللفظي الّذي في علمه القديم ، على ما هو الفرض ـ.

فاذا جاز ذلك فنقول : فليتّجه أن يكون لطبيعة الحركة فردان : أحدهما أن لا يكون أجزائها مجتمعة ، والآخر أن يكون أجزائها مجتمعة ، وهو بديهى البطلان ـ على ما ذكره هذا المحقّق في شرح العقائد ـ. ويظهر أنّ الكلام اللفظي إذا حصل في الذهن لا يكون فردا من الكلام اللفظي ، بل يكون فردا من العلم.

فان قلت : مذهب التحقيق إنّ علم الواجب ـ سبحانه ـ بالاشياء حضوري ، ومن جملة الأشياء الكلمات المركّبة من الأصوات والحروف ، فتكون جميع الكلمات حاضرة بأنفسها عند الواجب ـ سبحانه ـ ، وهذه الكلمات الحاضرة بانفسها عند الواجب يجوز

٤٨١

أن تكون هي الكلام النفسي ؛ وبذلك يتّضح الكلام النفسي الّذي قال به الأشعري ؛

قلت : الكلمات المعلومة للواجب بالعلم الحضوري الحاضرة بانفسها عنده لها اعتباران :

أحدهما : من حيث أنّه موجودات خارجية ، ولا ريب في أنّها من هذه الحيثية أمور مترتّبة متعاقبة الاجزاء ، فتكون حادثة ولا يمكن أن تكون صفة لذات الحقّ ؛

وثانيهما : من حيث أنّها منكشفة للواجب ، وانكشافها ليس سوى العلم ، فلا يتحقّق شيء زائد على العلم يكون هو الكلام النفسي.

ومنها : إنّ قوله : « وهذا الكلام الأزلي خطاب متوجّه إلى مخاطب مقدّر » ، فيه : إنّ الّذي هو ازلي ليس إلاّ العلم والقدرة ، لا الكلام حتّى يصحّ أن يكون خطابا متوجّها إلى مخاطب مقدّر ، لأنّ الخطاب فرع الكلام.

ومنها : إنّ قوله : « وامتيازه عن العلم ظاهر ـ إلى آخره ـ » لا يفيد مطلوبه ، لأنّ غاية ما يلزم منه إنّ كلامه ـ تعالى ـ ليس عين طبيعة علمه ، لأنّ علمه يتحقّق في موضع ولا يتحقّق كلامه فيه ، ولا نزاع للمعتزلة في ذلك ، لأنّ ما ذكرناه ـ من أنّ الكلام النفسي على ما وجّهه راجع إلى العلم ـ لم نرد منه إنّه عين العلم المطلق ، بل مرادنا منه أنّه فرد منه ، فيكون الكلام النفسي قسما من العلم وأخصّ منه ، فتحقّق العلم في موضع بدون تحقّق الكلام النفسي فيه لا يدلّ على أنّه ليس فردا منه.

وأيضا يتوجّه عليه نقض أورده بعض الأفاضل ، وهو : أنّه لو تمّ ما ذكره يصحّ أن يقال : إنّ علمنا قد يتعلّق بغير أحوالنا وهو معلوم لنا وليس أحوالنا ، فلا يكون علمنا باحوالنا من باب علمنا ، وهو كما ترى!.

وأيضا : علمنا المتعلّق ببناء في قصدنا أن نبنيه غير علمنا ببناء زيد مثلا ، فلا يكون الأوّل منهما علما بالبناء بل صفة أخرى ، إذ لنا أن نبني بهذا العلم هذا البناء وليس لنا أن نبنيه بالعلم بالآخر ؛ فلا يكون مبدأ أحدهما هو مبدأ الآخر.

فالحقّ أنّ هاهنا علمين : أحدهما : علمنا بكلامنا ؛ وثانيهما : علمنا بكلام غيرنا. والأوّل منهما علم فعلي يمكن أن يوجد به كلامنا في الخارج وليس الثاني منهما كذلك ، و

٤٨٢

لا يلزم منه أن يكون الأوّل منهما أصواتا مركّبة ليكون هناك كلام. ولذا صحّ أن يقال : انّي قصدت أن اذكر كلاما ولم اذكره ؛ كيف ولو كان ما رتّبناه في علمنا كلاما لكفر أحد منّا اذا تخيّل في ذهنه كفرا!.

ومنها : إنّ قوله : « وهذا الّذي ذكرناه ليس / ٢٢٢ DA / ما ذهب إليه الحكماء » ، فيه : إنّ من ادّعى من الحكماء أنّ كلامه ـ تعالى ـ راجع إلى علمه مراده : أنّ كلامه فرد من العلم وقسم خاصّ منه ، وقد عرفت أنّ ما جعله هذا المحقّق كلاما نفسيا ـ أعني : الالفاظ الموجودة في العلم القديم ـ ليس إلاّ قسما خاصّا من العلم وفردا منه ، فما ذكره عين ما ذكره الحكماء.

ومنها : إنّ قوله : « ولمّا كان علمه ـ تعالى ـ واحدا محيطا ـ إلى آخره ـ » ، يرد عليه : أنّه لا يلزم من شمول العلم لجميع المعلومات شمول كلامه لجميع اقسام الكلام من اللغات المختلفة والاخبارات والإنشاءات ، وكيف يتصوّر أن يكون كلام واحد عربيا وعبريا وسريانيا وفارسيا وتركيا!. وبالجملة لا يتصوّر أن يكون ما هو كلام لذات واحدة بدون ارجاعه إلى العلم كلاما واحدا شاملا لجميع أقسام الكلام. نعم! طبيعة الكلام من حيث هي شاملة لجميع اقسام الكلام ومنقسمة إليها ، وليست طبيعة الكلام قائمة بالهواء ، بل ما هو الكلام / ٢١٩ MB / حقيقة هو القائم بالهواء وهو فرد لطبيعة الكلام.

ومنها : إنّ قوله : « فلأنّ النصوص السمعية دالّة على اثبات صفة الكلام وظواهر تلك النصوص انّها صفة مغايرة لسائر الصفات » ، يرد عليه : أنّه إن أريد أنّ ظواهر النصوص دالّة على انّها مغايرة بالذات فهو ممنوع ؛ وإن أريد : انّها دالّة على المغايرة في الجملة فهو ممنوع ، والمغايرة في الجملة حاصلة فيما نحن فيه. والحاصل : إنّه ورد في الشرع أنّ صفات الواجب بعضها مغاير للبعض بالذات ـ كالعلم والقدرة ـ ، وبعضها ليس كذلك ـ كالمعطي والرازق ، فانّ الرازق أخصّ من المعطي ، ومثل ذلك كثير ـ ، فلم لا يجوز أن يكون الخالق والمتكلّم مثل المعطي والرازق بأن يكون الخالق أعمّ من المتكلّم؟ ـ لأنّ المتكلّم هو الخالق الخاصّ ـ. وفائدة ورود المتكلّم بعد ورود الخالق ـ على ما ذكره المحقّق الطوسي في شرح الرسالة ـ هي أنّه لو لا ورود الشرع بكونه ـ تعالى ـ

٤٨٣

متكلّما لتوهّم العوامّ أنّ القرآن ليس كلام الله ـ تعالى ـ بأن يكون معنى القرآن من الله ـ تعالى ـ ولفظه من الرسول ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، لأنّه يجوز أن يكون معنى كونه ـ تعالى ـ خالق كلّ شيء أنّه خالق كلّ شيء اعمّ من أن يكون بواسطة أو بغيرها ، فيتوهّم أنّ خلق الكلام بواسطة النبيّ ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ؛ فورد الشرع بانّ الله خالق الكلام اللفظي كالنبيّ ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وغيره من افراد الانسان. غاية ما في الباب أنّ غيره ـ تعالى ـ محتاج إلى الآلة المخصوصة بخلافه ـ سبحانه ـ ، كما ان الله ـ تعالى ـ سميع وبصير من دون الاحتياج إلى الآلة المخصوصة.

ومنها : إنّ قوله : « ولو بقوّة لزم القدح في كونه متكلّما » ، يرد عليه : أنّ هذا انّما يرد لو نفوا كونه ـ تعالى ـ موجدا للأصوات والحروف الدالّة على المعنى بالوضع ، وهم لا ينفون ذلك ، بل يبالغون في اثباته! ، وانّما ينفون الكلام النفسي الّذي اثبته الأشاعرة لقيام البرهان على بطلانه ؛ ولا يلزم من هذا النفي القدح في اثبات ما هو الكلام حقيقة ، بل هو نصرة في اثباته ؛ هذا.

وقال العلاّمة النيشابوري في تفسيره : إنّه لا برهان على أنّ كلّ صوت يقوم بجسم ولا على أنّ كلّ حرف فانّما يقدر عليه ذو جارحة ، بل لعلّ ذلك في الشاهد فقط. فالكمال القديم كمال قديم ناطق وسميع وبصير ولا آلة ولا جارحة ، كما أنّه ادراك وعلم من غير قوى وعضو. ومن لم يدركه كما ينبغي فلا يلومنّ إلاّ نفسه ، فانّ كلامه كتابه وكتابه صواب وقوله فصل وحكمه عدل ؛ انتهى.

وأنت خبير بانّ هذا الكلام انّما يصحّ على قول من قال : أنّ اللفظ موضوع للمعنى المشترك بين الوجود الذهني والوجود العيني ، فانّه على هذا القول يصحّ أن لا يكون الحروف قائمة بالجسم. وأيضا قوله : « فالكلام القديم إلى آخره ـ » إنّه يصحّ لو حمل الكلام على المعنى المصدري ـ أي : كون الذات بحيث تحصل منه القاء الكلام بمعنى ما به التكلّم إلى المخاطب ـ ، أو حمل على ما يتكلّم به ؛ وحكمه عليه بالقدم باعتبار اندراجه في العلم القديم.

قال بعض المشاهير : وليعلم أنّ مرجع تحقيق صاحب المواقف والمحقّق الدوانى و

٤٨٤

العلاّمة النيشابوري ومن قال إنّ تكلّمه بالقرآن ـ الّذي هو عبارة عن كتابته على اللوح المحفوظ ـ راجع إلى العلم وإنّ علمه ـ تعالى ـ بالأشياء على الوجه الّذي عليه في الوجود بمنزلة نقش الأشياء وكتابته / ٢٢٢ DB / على لوح الوجود ، واحد ؛ وجميع هذه التحقيقات الأربعة بناها على أنّ المراد من الكلام النفسي هو العلم. وتنقيحها يحتاج إلى مقدّر ، وهي : أنّ الاتصاف بالتكلّم هل يمكن بدون الكلام بمعنى ما به التكلّم أم لا؟ ـ كما حكم به المحقّق الطوسي حيث قال في شرح رسالة العلم في بيان المسألة الثامنة عشر : « وهي إنّه تعالى يصحّ وصفه بأنّه متكلّم أزلا أم لا؟ ، والقائلون بقدم الكلام يحكمون بصحّة وقوعه والقائلون بحدوثه يحكمون بامتناعه »(١) ـ ؛ انتهى كلام المحقّق.

فنقول : إن أرادوا بالتكلّم ما ينافي السكوت والآفة ، أي : القاء الكلام إلى المخاطب بالفعل لم يوجد بدون الكلام والمخاطب فيكون الشيء ذا كلام تعلّق به قدرة القائه القائمة بذلك الشيء أي كان المراد بكون الشيء متكلّما ثبوت الكلام الّذي تعلّق به قدرة الالقاء له وإن لم يوجد المخاطب كان التكلّم واتصافه ـ تعالى ـ بالكلام / ٢٢٠ MA / حينئذ نافعا لثبوت الكلام له ـ تعالى ـ ، فانّ تحقّق الكلام له في الأزل مع قطع النظر عن المخاطب بان يثبت له الكلام القديم بأحد المعاني المذكورة لتوجيه كلام الأشعري كان اتصافه ـ تعالى ـ في الأزل ، وثبت له التكلّم في الأزل ، وإن كان كلامه حادثا ولم يثبت له الكلام القديم كان الاتصاف به حادثا ؛ وإن أرادوا به قدرة القائه الكلام إلى المخاطب على تقدير وجوده مع إرادة الالقاء لم يكن اتصافه ـ تعالى ـ به في الأزل مستلزما لتحقّق الكلام ، كما أنّ إرادة ايجاد الكلام في الأزل لا يستلزم وجود الكلام فيه ، لجواز أن يكون الوجود الأزلى ممتنعا على غيره ـ تعالى ـ. والحقّ أنّ التكلّم الكمالي هو المعنى الأخير وهو مستلزم للعلم بالكلام ، فيتحقّق كلام الأشعري أنّ الكلام القديم الّذي هو ضروري في اتصافه ـ تعالى ـ بالتكلم في الأزل انّما هو العلم بالكلام اللفظي بناء على أنّه حقيقة عند اطلاق الكلام ، بمعنى أنّ المتبادر من الكلام انّما هو الكلام اللفظى ، واطلاق الكلام على غيره مجاز ، والعلم بمعنى الكلام اللفظى بناء على أنّ الكلام حقيقة في معنى الكلام

__________________

(١) راجع : شرح رسالة مسئلة العلم ، المسألة الثامنة عشرة ص ٤٤.

٤٨٥

اللفظي أو العلم بما هو أعمّ منهما بناء على أنّه حقيقة فيما يعمّ اللفظ والمعنى ـ على ما مرّ ـ. ويجب أن يحمل على العلم الإجمالي ليصحّ وصفه بالقدم والوحدة ـ كما هو مذهب الأشعري ـ. وبالجملة صحّة التحقيقات الأربعة المذكورة في تصحيح مذهب الأشعري ـ أعني : تحقيق صاحب المواقف وتحقيق المحقّق الدواني والعلاّمة النيسابوري ومن قال إنّ تكلّمه بالقرآن عبارة عن كتابته ـ إلى آخره ـ » انما يكون باعتبار رجوعها إلى أنّ الكلام القديم هو العلم الإجمالي الّذي تحقّقه بمنزلة تحقّقه ـ كما لا يخفى ـ ، والمحقّق الطوسي لا ينكر ذلك التأويل ، بل كلامه ليس إلاّ في عدم الاحتياج إليه.

فان قيل : كيف يقول المحقّق لا احتياج إلى التأويل المذكور مع أنّ الاحتياج إليه حاصل لوجهين : أحدهما : كون التكلّم صفة كمالية ، وثانيهما : العبارات الواقعة في الشريعة ـ مثل قوله تعالى :( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) (١) ؛ ومثل قوله تعالى :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) (٢) ـ فانّ تلك الآيتين تدلاّن على أنّ القرآن الّذي هو كلام الله ـ تعالى ـ انزل من العلم إلى العين ، فالمندرج في العلم الإجمالي القديم هو القرآن الّذي هو كلام الله القديم باعتبار هذا الاندراج. وهذا خلاصة التحقيقات الأربعة المذكورة ، فانّ الاختلاف فيها انّما هي في العبارة.

قلت : لا شيء من هذين الباعثين ـ أعني : كون التكلّم صفة كمالية والعبارات الواقعة في الشريعة ـ بوثيق عند المعتزلة والمحقّق الطوسي ؛

أمّا الأوّل : فلانّهم يمنعون كون التكلّم الّذي لا بدّ له ممّا به التكلّم صفة كمالية قديمة حتّى يحتاج إلى اثبات شيء أزلي يطلق عليه الكلام ، لأنّ مثل هذا التكلّم ـ أعني : التكلّم بالفعل ـ صفة اعتبارية لا صفة كمالية ، لانّها حادثة والحادث لا يصحّ أن يكون صفة كمالية له ـ تعالى ـ ، بل التكلّم الكمالي عندهم قدرة القاء الكلام على تقدير وجود المخاطب وإرادة القائه. ولا يخفى أنّه لا يستلزم وجود هذا المعنى في الأزل ثبوت شيء هو ما به التكلّم في الأزل ، لأنّه راجع إلى القدرة ؛

وامّا الثاني ـ أعني : العبارات الواقعة في الشريعة ـ فلأنّ المراد : أنّ القرآن المجيد

__________________

(١) كريمة ٢٢ ، البروج.

(٢) كريمة ٤ ، يوسف.

٤٨٦

صورته في اللوح المحفوظ وذلك لا يقتضي اطلاق اسم القرآن المجيد على الصورة المثبتة في اللوح / ٢٢٣ DA / المحفوظ ، بل على ذي الصورة. ويمكن أن يقال : اطلق اسم القرآن المجيد على ما في اللوح المحفوظ ـ أعني : علمه القديم ـ على سبيل التجوّز ، فانّ اطلاق اسماء الأشياء على تلك الأشياء إذا كانت موجودة في الاذهان شايع وإن لم يكن على سبيل الحقيقة. وقس على هذه الآية أمثالها ؛ انتهى ما ذكره بعض المشاهير بالتوضيح وذكر مقدّماته المطلوبة.

وحاصله ليس إلاّ ارجاع الكلام النفسي إلى العلم الإجمالي بالكلام اللفظي وتأويل التحقيقات الأربعة إليه. وأنت قد عرفت مرارا أنّ هذا تعسّف فاسد وتكلّف بارد! ، فانّ مراد الأشاعرة من الكلام النفسي ليس العلم الإجمالي ؛ كيف ولو كان مرادهم ذلك لارتفع النزاع بينهم وبين المعتزلة مع أنّ التنازع بينهم ممّا لا يمكن / ٢٢٠ MB / انكاره؟!.

ثمّ إنّه لا ريب في أنّ الواجب ـ سبحانه ـ عالم في الأزل بجميع الألفاظ والحروف والكلمات والعبارات الّتي توجد منه ـ سبحانه ـ ومن غيره لا بالعلم الإجمالي ـ لبطلانه عندنا ، كما عرفت ـ ، بل بالعلم التفصيلي الاشراقي ـ على ما مرّ مفصّلا ـ. إلاّ أنّ هذا العلم ليس صفة تكلّمه ـ تعالى ـ ، بل صفة تكلّمه الّتي هي من الصفات الازلية الكمالية هي قدرته على الالقاء عند إرادته صفة تكلّمه الّتي هي من صفاته الاضافية هي نفس الإلقاء الفعلي وكلامه هو الكلمات والألفاظ الصادرة عنه ـ سبحانه ـ بهاتين الصفتين. وبين تلك الكلمات والألفاظ ترتّب وتدريج ، بل هي قائمة بالهواء أو جسم آخر إن كان صدورها عنه في عالم الشهادة ، ويمكن عدم الترتّب والقيام بجسم إن كان صدورها عنه في عالم التجرّد أو المثال ؛ فتأمّل!.

٤٨٧

الفصل السابع

في صدقه ـ سبحانه ـ

٤٨٨
٤٨٩

( الفصل السابع )

( في صدقه ـ سبحانه ـ )

قد اتفق أهل الأديان على أنّ الكذب في كلامه ـ تعالى ـ محال ؛ وقد استدلّ المعتزلة على ذلك بوجهين والأشاعرة بوجوه.

امّا الوجهان اللّذان استدلّ بهما المعتزلة :

فاوّلهما هو : أنّ الكذب في الكلام قبيح ، نظرا إلى أنّ الكلام الّذي يتّصف بالصدق والكذب عند المعتزلة من قبيل الأفعال دون الصفات ، لأنّ الكلام عندهم إمّا بمعنى

التكلّم الحقيقي ـ أعني : كون المتكلّم على وجه يمكن منه القاء الكلام اللفظي إلى من يريد تفهيمه ـ ، أو بمعنى ما به التكلّم ـ أعني : الألفاظ المنتظمة الدالّة على المعاني المقصودة ـ ، أو بمعنى الكلام المصدري وهو التكلّم بالفعل ، وهو خلق الألفاظ الدالّة على المعاني المقصودة. ومعلوم أنّ التكلّم الحقيقي الّذي هو من الصفات لا يتّصف بالصدق والكذب ، فالمتصف بالكذب أوّلا وبالذات هو الكلام اللفظي ـ أعني : الألفاظ الدالّة على المعاني المقصودة ـ وثانيا وبالتبع هو التكلّم بالفعل ـ الّذي هو خلق الألفاظ ـ ، فانّ اتصافه بالكذب بتبعية اتصاف الكلام اللفظي به. ولا ريب في أنّ الكذب في تكلّمه ـ تعالى ـ الفعلي ـ وإن كان بالتبع ـ قبيح. ومع قطع النظر عن اتصاف التكلّم الفعلي بالكذب نقول : لا ريب في أنّ اتصاف الكلام اللفظي به وخلق الألفاظ

٤٩٠

الدالّة على المعاني الكاذبة قبيح ، والله ـ سبحانه ـ لا يفعل القبيح اصلا ، اي : لا يجوز أن يفعله وإن كان مشتملا على حسن ، كالكذب النافع. فاندفع ما قيل من : أنّ الكذب قد يكون حسنا لكونه نافعا ، وذلك بأنّ الكذب النافع لا يخرج عن كونه قبيحا وإن كان له حسن بوجه ما.

قيل : يتراءى منه المنافاة لما قيل في دفع الشبهة الثنوية من : « أنّه يجوز أن يفعل الواجب ـ سبحانه ـ ما كان خيريته غالبة على شرّيته ، وليس ذلك قبيحا » ؛

وأجيب عنه : بانّه لا شيء من الكذب بحيث يكون حسنه غالبا على قبحه.

وهو كما ترى!.

وتقرير الاشكال في المقام : إنّه ما وجه عدم صدور الكذب المشتمل على الحسن ـ كنفع الغير ـ عنه مع أنّ الكلام له معان ثلاثة :

أحدها : ما به التكلّم ، وهو الألفاظ الدالّة على المعاني ؛

وثانيها : خلق الألفاظ الدالّة على المعاني

وثالثها : التكلّم الحقيقي ـ أعني : كون الذات بحيث يقتضي القاء الكلام إلى من يريده ـ ، / ٢٢٣ DB / والمتّصف بالصدق والكذب انّما هو الكلام بالمعنى الأوّل والثاني دون الكلام بالمعنى الثالث. ولا ريب في أنّ الكلام بالمعنيين الأوليين من قبيل أفعاله ـ سبحانه ـ دون صفاته ، وما هو من صفاته انّما هو الكلام بالمعنى الثالث.

ثمّ الممتنع كون صفاته ـ تعالى ـ مشتملة على القبح دون افعاله ، إذ لم يثبت عدم جواز اشتمال بعض أفعاله وبعض ما يترتّب على ايجاده على قبح ما ، بل هو واقع! ـ كما في الشيطان والسموم المهلكة والاشخاص الشريرة وغيرها ـ ؛ فانّه لا نزاع في أنّ الشرور والقبائح واقعة في عالم الوجود ، غاية ما في الباب انّهما مستندان إلى الأشياء الصادرة عنه ـ تعالى ـ بالذات وإليه ـ سبحانه ـ بالعرض ـ على ما تقرّر في موضعه ـ ، فيجوز أن يصدر عنه ـ سبحانه ـ الكذب المشتمل على حسن ما ويكون مستندا إلى الألفاظ الدالّة على المعاني الّتي هي صادرة عنه ـ تعالى ـ بالذات وإلى الايجاد الّذي هو فعله ـ سبحانه ـ بالعرض.

٤٩١

وأجاب بعض الأفاضل عن هذا الاشكال : بانّه لو صدر هذا القسم من الكلام ـ أعني : الكذب المشتمل على النفع ـ عنه ـ تعالى ـ فلا يخلو من أنّه ـ تعالى ـ إمّا أن لا يقدر ايصال هذا النفع المترتّب عليه بوجه آخر إلى الغير من حيث هو فاعل ، فيلزم عجزه المنافي لقدرته الكاملة ؛ أو لا يعلم وجها آخر حتّى يتمكّن به من ايصال / ٢٢٢ MA / النفع إلى الغير ، وهذا أيضا ظاهر البطلان. ولا يمكن وصول هذا النفع إلى الغير بدون هذا الكذب بالنظر إلى هذا القابل واستحقاقه ، لا بالنظر إلى الفاعل ، لأنّ استحقاق القابل أيضا ممّا له مدخل في جلب المنفعة له ، وهذا أيضا باطل ، أمّا أوّلا فلأنّ القبح لا يورث النفع اللائق للمكلّف ـ وهو الارتقاء من حضيض الطبيعة إلى ذروة الكمال اللائق للنشأة الأخرى ـ ، فان القبيح كالسمّ المنافي لصحّة النشأة الباقية. فكيف يصير سببا لحصولها ومبنى الشريعة الترغيب والتحريص على تحصيلها؟! ؛

وأمّا ثانيا : فلأنّ صدور الكلام الكاذب عنه ـ تعالى ـ المشتمل على الحسن ـ أعني : النفع للغير ـ يوجب صدور الشرّ الكثير المشتمل على الخير بوجه بالذات من الخير المحض المبرّى عن كلّ نقص وآفة ؛ وهذا باطل ، لاستلزامه جهة النقيصة في ذاته ـ تعالى ـ.

وغير خفيّ بانّه يمكن المناقشة في مواضع من هذا الجواب.

وقريب من الشقّ الأوّل من هذا الجواب ما ذكره بعض الفضلاء من أنّ من كان قادرا وحكيما على الاطلاق بحيث يكون جميع الموجودات تحت قدرته يحكم العقل بديهة بأنّ ايجاد الكلام الكاذب منه قبيح وإن كان ذلك الكلام الكاذب مشتملا على حسن ؛ نعم! ، الكلام الكاذب الّذي يكون مشتملا على حسن لا يكون قبيحا في بعض الأوقات بالنسبة إلى من لم تكن قدرته مشوبة بالعجز أصلا ولا يكون قادرا عالما حكيما على الاطلاق ، فالعقل يحكم بأنّ الكذب في كلامه قبيح وإن كان مشتملا على حسن.

والأصوب في الجواب عن الاشكال المذكور أن يقال : الفرق متحقّق بين ايجاد الألفاظ الدالّة على المعاني الكاذبة وبين ايجاد الشيطان ومثله من الموجودات المشتملة على الشرور والقبائح ، فانّ المحرق مثلا يكون محمولا على النار حقيقة وعلى فاعل النار

٤٩٢

بالمجاز وبالعرض ، وكذا الشرير يحمل على الشيطان حقيقة وبالذات وعلى فاعله وموجده بالعرض وبالمجاز ؛ وأمّا الكلام الكاذب فكما يحمل عليه الكاذب بالذات وبالحقيقة فكذلك يحمل على ملقي الكلام وموجده أيضا من دون تفاوت ، لأنّ حمل الكاذب والصادق على المتكلّم حقيقي وذاتي وليس مجازيا عرضيا ، لأنّ الصادق معناه بالفارسية : « راست گو در قول خود » ، والكاذب معناه بالفارسية : « دروغ گو در قول خود » ، فلو جاز ايجاده ـ تعالى ـ كلاما كاذبا يلزم جواز حمل الكاذب عليه ـ تعالى ـ حقيقة وبالذات ، فيلزم النقص في صفته ـ تعالى ـ ؛ وهو محال ، لأنّ ما يحمل عليه ـ تعالى ـ حقيقة وبالذات يجب أن يكون كمالا على الاطلاق بحيث لا يكون فيه نقص بوجه من الوجوه. وبالجملة العقل السليم حاكم بأنّ الكذب والتلبيس واظهار ما هو خلاف الواقع ونفس / ٢٢٤ DA / الأمر نقص وقبيح يجب تقديسه ـ تعالى ـ عنه.

ولا ريب في أنّ هذا الدليل بناء على المذهب الحقّ من ثبوت حكم العقل بحسن الأفعال وقبحها تامّ صحيح لا خدشة عليه.

وثانيهما : أنّ الكذب ينافي مصلحة العالم ، لأنّه إذا جاز وقوع الكذب في كلام الله ـ تعالى ـ ارتفع الوثوق عن اخباره بالثواب والعقاب وسائر ما اخبر به من احوال الآخرة والأولى ، وفي ذلك فوات مصالح لا يحصى ، والأصلح واجب عليه ـ تعالى ـ عندهم ، فلا يجوز اخلاله به.

قال بعض الأفاضل : كذبه ـ سبحانه ـ أو جواز كذبه مع اطّلاع العباد عيه ينافي مصلحة العالم ويرتفع الثقة معه ، أمّا لو وقع الكذب في الواقع أو جاز ولم يقع ولكن يحفظ الحال ـ تعالى ـ بحيث لا يطّلع عليه أحد لا يلزم خلاف المصلحة وارتفاع الثقة ولا ينافي وجوب الأصلح عليه ـ تعالى ـ ؛

وغير خفيّ بانّه لو جاز الكذب عليه ـ تعالى ـ يعرف العقلاء ذلك كلّيا وإن لم يطّلعوا عليه بخصوص القضايا الخارجية ؛ وبه يحصل ارتفاع الثقة ومنافاة مصلحة العالم. وأمّا الوجوه الّتي استدلّ الأشاعرة بها على استحالة الكذب عليه ـ تعالى ـ :

فمنها : إنّ الكذب نقص ، والنقص على الله ـ تعالى ـ محال اجماعا ؛

٤٩٣

وأيضا : لو صدر عنه الكذب لزم أن نكون نحن أكمل منه ـ تعالى ـ في بعض الأوقات ـ أعني : وقت صدقنا وكذبه سبحانه ـ.

ثمّ استحالة النقص على الواجب ـ سبحانه ـ يدلّ عليه العقل أيضا ، وليس طريق اثباته مجرّد الاجماع ، وبذلك يندفع ما قيل : إنّ اثبات حجّية الاجماع موقوف على صدق الرسول الموقوف على صدقه ـ تعالى ـ ، فاثبات صدقه ـ تعالى ـ بالاجماع دور ؛ / ٢٢٢ MB / هذا.

وقيل : وهذا الوجه من وجوه الأشاعرة ـ أعني : لزوم النقص على تقدير الكذب في كلامه ، تعالى ـ انّما يدلّ على صدق الكلام النفسي الّذي هو صفة قائمة بذاته ـ تعالى ـ ، إذ لو وقع الكذب فيه لزم نقصان صفته ـ تعالى ـ مع كمال صفتنا ، ولا يدلّ على صدقه ـ تعالى ـ في الكلام اللفظي الّذي يخلقه في جسم دالاّ على معنى مقصود منه ، لأنّه على تقدير وقوع الكذب في الكلام اللفظي الّذي يخلقه انّما يلزم النقص في فعله ـ تعالى ـ والنقص في فعله ليس لنقص في صفاته الكمالية الّذي يقول الأشعري باستحالته على الله ـ سبحانه ـ ، بل هو القبح العقلي بعينه ، إذ لا فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه إلاّ بمجرد العبارة ؛ فرجع هذا الوجه للأشاعرة إلى الوجه الأوّل للمعتزلة. مع أنّ الأشاعرة لا يقولون بالقبح العقلي ، فلا يمكنهم التمسّك بلزوم النقص في افعاله ـ تعالى ـ في دفع الكذب عن كلامه اللفظي مع أنّ الأهمّ بيان صدقه ـ تعالى ـ في الكلام اللفظي ، إذ أمر التكليف للعباد انّما يفهم منه لا من النفسي.

وادّعى بعض الأعلام استلزام كذب الكلام اللفظي لكذب النفسي حيث قال : مرجع الصدق والكذب انّما هو المعنى دون اللفظ ، ولمّا كان الكلام النفسي عندهم عين مدلول الكلام اللفظي ومعناه كان كذب الكلام اللفظي راجعا إلى كذب الكلام النفسي ولزم النقص في صفته ـ تعالى ـ.

واعترض عليه : بأنّ القاء الكلام اللفظي إلى آخر وايجاده على ثلاثة أقسام :

أحدها : ايجاده بدون قصد القاء المعنى المقصود منه ؛

وثانيها : ايجاده مع الاعتقاد بمدلوله ؛

٤٩٤

وثالثها : ايجاده بدون الاعتقاد بمدلوله.

ولا يلزم من كذب الكلام اللفظى الكذب في الكلام النفسي الّذي هو الصفة القائمة بالذات إلاّ في الصورة الثالثة لا في الصورتين الأوليين ، لأنّه إذا اعتقد المتكلّم مدلول كلامه اللفظي الّذي القاه إلى المخاطب وكان اللفظي الدالّ كاذبا لزم كون المتكلّم معتقدا لخلاف الواقع ، وأمّا إذا لم يقصد المتكلّم القاء المعنى أو قصد ولم يعتقد مدلوله فلا يلزم من كذبه اعتقاد المتكلّم لخلاف الواقع ، فلا يلزم النقص في الصفة بمجرّد خلق الحروف والكلمات الدالّة على المعاني الكاذبة في الأجسام.

وأنت خبير بأنّ الصورة الأولى لا يتصوّر بالنسبة إلى جنابه ـ سبحانه ـ ، لأنّه ـ تعالى ـ عالم بجميع الأشياء بحيث لا يعزب عن علمه شيء أصلا.

قيل : والصورة الثانية أيضا مندفعة بأنّ كلّ كلام لفظي فله مدلول ، فان كان مدلوله / ٢٢٤ DB / مطابقا للواقع كان صادقا ـ سواء كان المتكلّم اعتقد بمدلوله أم لا ، وسواء كان اعتقد بنقيضه أم لا ـ ؛ وبالجملة لا دخل لاعتقاد المتكلّم في صدقه وكذبه ؛ وإن لم يكن مدلوله مطابقا للواقع كان كاذبا ـ سواء كان المتكلّم اعتقد بمدلوله أم لا ، وسواء كان اعتقد بنقيضه أم لا ـ. ولمّا كان الكلام النفسي عندهم مدلول الكلام اللفظي فذلك المدلول إن كان مطابقا للواقع كان الدالّ عليه صادقا ، وإن لم يكن مطابقا للواقع كان الدالّ عليه كاذبا ، فلا يتصوّر أن ينفكّ صدق / ٢٢٣ MA / أحدهما عن صدق الآخر وكذب أحدهما عن كذب الآخر ، لأنّ صدق الكلام اللفظي وكذبه تابع لصدق الكلام النفسي وكذبه ؛ انتهى.

وفيه : إنّ كلاّ من صدق الكلام اللفظي وكذبه وإن كان منوطا بمطابقته للواقع وعدمه ولم تكن لاعتقاد المتكلّم وعدمه مدخلية في ذلك ـ على ما هو الحقّ ـ إلاّ أنّ المتكلّم إذا لم يعتقد مدلول هذا الكلام اللفظي وكان غير مطابق للواقع لم يكن المتكلّم معتقدا لما هو خلاف الواقع ، فلا يلزم نقص في صفته وإن كان هذا الكلام كاذبا ؛ بخلاف ما لو اعتقد مدلوله وكان كاذبا ، فانّه يلزم حينئذ اعتقاده بخلاف الواقع ، فيلزم النقص في صفته. فالواجب ـ سبحانه ـ إذا صدر منه كلام لفظي كاذب علم خلافه ولم يتعلّق

٤٩٥

علمه بمدلوله لم يلزم من كذبه نقص في صفته ـ سبحانه ـ. ولذا اعرض بعضهم عن هذا الوجه ـ لاندفاع الصورة الثانية ـ وقال لبيان عدم تصوّرها بالنسبة إليه ـ تعالى ـ بأنّ ايجاد الكلام اللفظي مع قصد الالقاء بدون الاعتقاد بمدلوله ـ كما في صورة الامتحان ـ ، ولا يعدّ ذلك سفها. وقد ثبت ممّا ذكر أنّ الصورة الأولى لا تتصوّر بالنسبة إلى جنابه ـ تعالى ـ ، والصورة الثانية يتصوّر بالقياس إليه ـ تعالى ـ ولا يلزم فيها من كذب الكلام اللفظي كذب الكلام النفسى ، فلزوم كذب النفسي من كذب اللفظي منحصر بالصورة الثالثة ؛ إلاّ أنّه مع ذلك نقول : لا يلزم نقص في صفة كمالية ، لأنّ مدلول الكلام اللفظي المطابقى ليس صفة لذاته ـ تعالى ـ ، كالكلام اللفظي ولا أمرا واحدا ، بل انّما يكون الصفة القائمة بذاته هو التكلّم الحقيقي الّذي هو القدرة على الالقاء أو العلم بالكلام وبمدلوله. ولا يخفى أنّه لا يلزم من كذب الكلام اللفظي وكذب مدلوله اللّذين هما من الأفعال النقص في قدرته على الالقاء وعلمه بالكلام اللّذين هما من الصفات ، اذ لا يلزم من القدرة على ايجاد الخبر الكاذب الملقى أو العلم التصوّري بمضمونه نقص في الادراك.

وأنت بعد ما عرفت من أنّ الكلام النفسي الّذي هو مدلول الكلام اللفظى ليس له معنى محصّل وما هو الثابت الواجب في الواقع ونفس الامر ليس إلاّ التكلّم الحقيقي الواقع إلى قدرة خاصّة أو العلم بالكلام ولا يلزم من كذب الكلام اللفظي كذب فيهما تعلم أنّه لا يلزم من كذب الكلام اللفظي إلاّ نقص في فعله ـ سبحانه ـ ، ولا يلزم منه نقص في صفة من صفاته الكمالية. إلاّ أنّ العقل السليم حاكم بأنّ مجرّد القاء الكلام الكاذب وإن كان صفة اعتبارية نقص وهو ـ سبحانه ـ منزّه عنه.

وعلى هذا فالفرق بين هذا الدليل والوجه الأوّل للمعتزلة : إنّ بناء الوجه الأوّل على لزوم القبح العقلى وبناء هذا الدليل على لزوم النقص في الصفة الاعتبارية ، فيمكن للأشعري الاستدلال بهذا الدليل وإن لم يمكنه الاستدلال بالقبح العقلى.

وأنت بعد التأمّل تعلم انّهما راجعان إلى أمر واحد ، والتفريق بينهما مشكل ، لأنّه مع قطع النظر عن الحسن والقبح العقليين لا نعلم أنّ الكذب قبيح حتّى يكون القائه نقصا.

٤٩٦

فان قيل : النقص في الصفة الاعتبارية ممّا لا فساد فيه ، ألا ترى أنّ ايجاد الأعمى والأصمّ والأشلّ وغيرهم من المخلوقات الناقصة ايجاد ناقص متحقّق؟!.

قلنا : التحقيق إنّ النقص لا يدخل في صفة من صفاته ـ سبحانه ـ أصلا ـ سواء كانت حقيقية أو اعتبارية ـ ، ولا في فعل من افعاله مطلقا ؛ قال المعلّم الثاني : « الأوّل ـ تعالى ـ تامّ القدرة والحكمة والعلم كامل في جميع أفعاله لا يدخل في أفعاله خلل البتة ولا يلحقه عجز ولا قصور. والافات والعاهات الطبيعية انّما هي تابعة لضرورات اختلاف المهيات والاستعدادات بحسب الكمال والنقصان ولعجز المادّة من / ٢٢٥ DA / قبول النظام التامّ » ؛ انتهى.

فليس في الايجاد نقص وقصور أصلا ، بل النقص والقصور انّما هو من جهة القابل ولا قصور من جانب الفاعل أصلا ، ولا بخل في جوده مطلقا.

وقال صاحب التحصيل ما حاصله : إنّ هذا القصور قد لا يكون لعلّة ، إذ من البيّن أنّه ليس للماهيات الممكنة في ذواتها ولا في كونها ممكنة سبب ولا في حاجتها إلى علّة لوجودها سبب ولا يكون المتضادّين متمانعين في الوجود ولا يكون كلّ كائن فاسد علّة ولا لقصور الممكن عن الوجود الواجبي ونقصانه عن رتبته علّة ولا لكون النار محرقة وكون المحترق في قبوله الاحراق علّة ، إذ كلّ ذلك من مقوّمات المهيات وطبائع الامور أو من لوازمها. ولهذا نظائر ، مثل كون إحدى غايات بعض الموجودات مضرّة ببعض الموجودات ومفسدة له ، كما أنّ غاية القوّة الغضبية مضرّة بالعقل وإن كانت خيرا بحسب القوّة الغضبية. فهذه نقصانات ليس لأجل علل معدّة مرتبة ، فانّ نقصان الأرض عن رتبة ، الواجب لذاته اكثر من نقصان الشمس عن رتبته وليس هذه لعلّة معدّة ، بل لاختلاف المهيات في ذواتها. فلو كان النقصان في جميع المهيات منشأ لها لكانت المهيات واحدة ، وكما أنّ ماهية الانواع متفاوتة في ذلك كذلك مهيات الاشخاص التي تحت الانواع.

ثمّ النقصان قد تكون من / ٢٢٣ MB / المعدّات الموجبة لنقصان الاستعدادات العارضة للموادّ ، لكن يجب انتهائها إلى حركة واحدة دورية أزلية أبدية يكون التغيّر والتبدل ذاتيا لها لئلاّ يلزم الدور أو التسلسل ، وهي ملزومة أن تكون للموادّ استعدادات

٤٩٧

متعاقبة يكون كلّ واحد منها علّة ذاتية لما هو معها من المعدّات وعلّة عرضية لما يوجد بعدها فلا يلزم من حدوث الحوادث علل غير متناهية ؛ انتهى.

وعلى هذا فكلّ ما يصدر عنه ـ تعالى ـ يصدر على وجه لا يتصوّر أكمل ممّا هو واقع ، وإلاّ لكان صدور ما هو أنقص منه ـ تعالى ـ ملزوما لترجيح المرجوح على الراجح. فالواجب ـ سبحانه ـ أظهر بنور فيضه وجود كلّ ما هو قابل لفيضانه ، فالكلّ من الله بحسب الوجود كما يشير إليه قوله ـ تعالى ـ :( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) .

وامّا النقائص الواقعة في عالم الوجود فليست إلاّ من قصور ذاتيّ غير معلّل ومن قصور غير ذاتي معلّل ـ كما مرّ مفصّلا في كلام بهمنيار ـ. وقد اشير إلى ذلك في قوله ـ سبحانه ـ :( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (١) . والسّر في ذلك ـ على ما مرّ ـ أنّ الخير هو الوجود والشرّ هو العدم ، والوجود لا يكون إلاّ فائضا من جنابه ـ تعالى ـ والعدم انّما هو مقتضى الفطرة الامكانية ، فكلّ خير وكمال انّما هو من الله وكلّ شرّ ونقص فهو من طبيعة الممكن لا منه ـ سبحانه ـ.

وإذا عرفت ذلك نقول : لا ريب في أنّه إذا صدر الكلام الكاذب منه ـ سبحانه ـ يكون هذا الكذب نقصا مستندا إليه ـ تعالى ـ لا إلى الماهية القابلة ، فيجب تنزيهه ـ سبحانه ـ عنه.

ومنها : أنّه ـ سبحانه ـ لو اتصف بالكذب لكان كذبه قديما ـ إذ لا يقوم الحادث بذاته تعالى ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب وإلاّ لجاز زوال ذلك الكذب ، وهو محال ـ فانّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ـ ؛ واللازم ـ وهو امتناع الصدق عليه تعالى ـ باطل ، فانا نعلم بالضرورة إنّ من علم شيئا امكنه أن يخبر عنه على ما هو عليه.

وأنت خبير بأنّ هذا الوجه انّما يدلّ على كون الكلام النفسي صادقا دون اللفظي ، مع أنّ الأهمّ بيان صدق اللفظي دون النفسي.

وربما أجيب عن ذلك بما قيل في الوجه الأوّل من أنّ مرجع الصدق والكذب انّما

__________________

(١) كريمة ٧٩ ، النساء.

٤٩٨

هو المعنى دون اللفظ ، فكذب الكلام اللفظي راجع إلى كذب الكلام النفسي ـ كما ذكر في الوجه الأوّل ـ ، وكذب الكلام النفسى قديم فكذب اللفظي أيضا قديم ، وحينئذ يلزم ما ذكر من المحذور في الكلام اللفظي أيضا ، فثبت منه عدم وقوع الكذب فيه.

وردّ بعضهم هذا الجواب : بأنّ الأشاعرة لمّا جوّزوا حدوث الكلام اللفظي مع قدم الكلام النفسي فان جوّزوا حدوث صفة اللفظي ـ أعني : حدوث كذبه ـ كان أولى وبقبول العقل أحرى ، وإذا كان كذبا حادثا عندهم فلا يجري هذا الدليل فيه. / ٢٢٥ DB /

وقال بعض المشاهير : إنّ هذا الوجه كالوجه الأوّل في اجراء الجواب المذكور ، وتفصيل اجرائه في هذا الوجه أن يقال : إذا كان مرجع الصدق والكذب هو المعنى دون اللفظ وكان الكلام النفسي عبارة عن مدلول الكلام اللفظي فلا يتصوّر كذب الكلام اللفظى بدون كذب الكلام النفسي ، فكذب الكلام اللفظي انّما يكون بكذب الكلام النفسي ؛ فلو كذب الكلام اللفظي كذب الكلام النفسي ؛ وكذبه انّما يكون قديما بما ذكر.

أقول : إن كان مراده إنّ القدم في الكذب منحصر في الكلام النفسى ـ لأنّه إذا كان الكلام اللفظي حادثا ومدلوله قديما يجوز أن يكون كذب أحدهما قديما وكذب الآخر حادثا ، فالملازمة وعدم الانفكاك انّما يكون بين أصل كذب الكلام اللفظي وكذب الكلام النفسى لا بين وصف الكذبين أيضا ، أعني : القدم والحدوث لجواز أن يكون كذب أحدهما قديما وكذب الآخر حادثا ـ ، ففيه : انّ كذب الكلام اللفظي لو كان حادثا يجري هذا الوجه في ابطال كذبه ووجوب صدقه ؛

وإن كان مراده انّ كذب اللفظي ككذب النفسي قديم ، ففيه : إنّه لا يتصوّر كون أصل الكلام اللفظي حادثا وكون صفته ـ أعني : كذبه ـ قديما ، وهو ظاهر بديهي. فظهر أنّ جريان الجواب المذكور في هذا الوجه باطل ، ومنه يظهر عدم دلالة هذا الوجه على بطلان كذب الكلام اللفظي.

فان قيل : على ما ذكرت يكون كذب الكلام اللفظي حادثا وتجويز حدوثه لا يمكن أن يتحقّق بدون كذب الكلام النفسي ـ بناء على الجواب المذكور ـ ، فيلزم منه تجويز كذب الكلام النفسي وهو باطل بالدليل المذكور ـ أعني : الوجه الثاني للأشاعرة ـ ،

٤٩٩

/ ٢٢٤ MA / فيجب أن يدفع الجواب المذكور بما نقلناه عن بعض المشاهير في الوجه الأوّل من أنّ القاء الكلام اللفظي إلى آخر وايجاده على ثلاثة اقسام ، ولا يلزم من كذب الكلام اللفظي الكذب في الكلام النفسي إلاّ في القسم الثالث دون القسمين الأوّلين ؛

قلت : تجويز حدوث كذب الكلام اللفظي انّما هو بعد تسليم وقوع الكذب فيه ، ونحن بيّنا عدم جواز كذب كلام الله اللفظي بلزوم القبح العقلي والنقص في فعله لولاه ، وهما باطلان عندنا ؛

وأيضا قد عرفت أنّ الكلام النفسي ليس له معنى معقول ولا يرجع إلى معنى محصّل ، اللهم إلاّ أن يرجع إلى التكلّم الحقيقي أو العلم وإن لم يكن مطابقا لقول الأشعري ولا معنى لوقوع الكذب فيهما ، فاذا لم يدلّ هذا الوجه على بطلان كذب اللفظي أيضا يثبت سقوطه بالكلّية.

ثمّ ما ذكره بعض المشاهير في رفع الجواب المذكور قد عرفت حاله.

هذا ؛ مع أنّه يرد على ما ذكر في الوجه المذكور ـ من أنّه مع قدم الكذب يمتنع الصدق وإلاّ جاز زوال الكذب ـ : بانّا لا نسلّم أنّه بالصدق يزول الكذب. وتفصيل ذلك : أنّه إن أريد بزوال الكذب : زوال مدلول اللفظ الكاذب بعد حصول معنى صادق أو زوال اللفظ الكاذب بعد حصول لفظ صادق فهو ممنوع ، لأنّه لا تنافي بين قيام المعنى الصادق والكاذب كليهما بذات واحدة ـ كما في أنفسنا حين اخبارنا بما علمنا إنّه مخالف للواقع ـ ، انّما المحال اعتقادهما معا ، فيجوز أن يصدر خبر واحد عن شخص واحد مرّتين في إحداهما كان مدلوله صادقا وفي الأخرى كان مدلوله كاذبا وكلاهما كانا قائمين بهذا الشخص الواحد ؛ وكذا حال اللفظ الصادق والكاذب ، فانّه باللفظ الصادق لا يزول اللفظ الكاذب. والحاصل : إنّ الكلام النفسي ليس أمرا واحدا قائما بذاته ـ تعالى ـ عندهم حتّى يمتنع أن يكون صادقا وكاذبا ، بل المشهور عندهم أنّ الكلام النفسي عبارة عن مدلول الكلام اللفظي ومدلول الكلام اللفظي يتعدّد بتعدّد الكلام اللفظي ، وإذا كان الكلام اللفظي أمورا متعدّدة فيجوز أن يكون بعضها صادقا وبعضها كاذبا ، فما هو صادق يكون صادقا ابدا وما هو كاذب يكون كاذبا ابدا ؛

٥٠٠

وإن أريد : أنّه يزول الاعتقاد بالكاذب فانّه يدلّ على امتناع اعتقاده ـ تعالى ـ وتصديقه بالكاذب ، ولا ريب في أنّ عدم الاعتقاد بالكاذب قد كان حاصلا قبل حصول الصادق أيضا ولم يكن قبله اعتقاد به / ٢٢٦ DA / حتّى يزول بالصادق ، ولا شبهة في أنّ امتناع الاعتقاد بالكاذب لا يستلزم امتناع الكاذب بدون الاعتقاد ـ بل مع علمه بانّه خلاف الواقع ـ ، فعلى هذا الشقّ يلزم قدم كذب مدلول اللفظ ، لأنّه إذا كان المدلول قديما وجاز كذبه ولم يلزم من حصول الصدق زواله يكون الكذب قديما البتة. ولا يلزم منه زوال قديم أصلا ، بل يلزم أن يقوم به ـ تعالى ـ الصادق والكاذب ـ أي : مدلول اللفظين أو اللفظان ـ مع اعتقاده باحدهما وعدم اعتقاده بالآخر ازلا وابدا. فلا يدلّ هذا الدليل على امتناع كذب مدلول اللفظ ولا اللفظ بالنسبة إليه ـ تعالى ـ نظرا إلى عدم اعتقاده بالكذب ، بل امتناع اعتقاده. وكذا الدليل الّذي قبله ، فانّ اعتقاد الكذب نقص لا قيام مدلول كاذب به ـ تعالى ـ بطريق التصوّر أو غيره. نعم! ، يتمّ الدليل الّذي قبله بما ذكرناه من أنّ صدور الألفاظ الكاذبة منه ـ تعالى ـ قبيح ؛ هذا.

وقيل : لو تمّ هذا الدليل لدلّ على امتناع صدقه ـ تعالى ـ أيضا بأن يقال : إنّه ـ تعالى ـ لو اتصف بالصدق لكان صدقه قديما ، فيمتنع عليه الكذب المقابل لذلك الصدق ، لكنّا نعلم ضرورة أنّ من علم شيئا امكن أن يخبر عنه لا على ما هو عليه ، فيلزم أن لا يتّصف بالصدق أصلا ؛ انتهى.

وفيه : انّا لا نسلّم أنّ الواجب ـ تعالى ـ لو علم شيئا امكن أن يخبر عنه لا على ما هو عليه ، فهل الكلام إلاّ فيه؟!. فيجوز أن يكون الاخبار لا على ما هو عليه محالا بالقياس إليه ـ تعالى ـ لاستلزامه النقص.

فان قيل : الاستدلال بامتناع الاخبار لا على ما هو عليه بايجابه النقص رجوع إلى الوجه الأوّل ؛

قلنا : هذا الاستدلال هنا جعل سندا للمنع وفي الوجه الأوّل كان عين الدليل.

ومنها : اجماع الأنبياء ـعليهم‌السلام ـ والعلماء على صدقه ـ سبحانه ـ وعدم وقوع الكذب في كلامه ، وقد ثبت صدقهم بدلالة المعجزات من غير توقّف على ثبوت

٥٠١

كلام الله ـ سبحانه ـ فضلا عن صدقه. وقد صرّح اتباع / ٢٢٤ MB / الأشعري بأنّ هذا الدليل هو المعتمد ، لبراءته عن المناقشات ودلالته على الصدق في الكلام النفسي واللفظي معا.

وغير خفيّ بانّه بعد بطلان الكلام النفسي وعدم وقوعه في كلام الأنبياء والحكماء وأساطين العلم لا معنى لتناول اجماعهم لصدقه ، وامّا اجماعهم على صدق كلامه الّذي يجري فيه الصدق والكذب ـ أعني : كلامه اللفظي ـ فلا ريب في تحقّقه.

إلاّ أنّه أورد عليه : بأنّ ما ثبت بدلالة المعجزات ـ لو سلّم دلالتها على تقدير شرعية الحسن والقبح العقليين دون عقليته ، على ما هو رأي الأشعري ـ انّما هو صدقهم بمعنى انّ ما قالوا كلامه ـ تعالى ـ ومن جانبه ـ سبحانه ـ لا من عند أنفسهم ، وامّا إنّه حقّ مطابق للواقع فيتوقّف العلم به على العلم بأنّ الكذب محال على الله ـ تعالى ـ ؛ فحينئذ نقول : اثبات صدق كلام الله ـ تعالى ـ بالاجماع موقوف على حجّية الاجماع وحجّية الاجماع موقوف على العلم بصدق قول النبيّ ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في الواقع « إنّه لا تجتمع أمّته على الخطاء » ، والعلم بصدق قول النبيّ ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بمعنى كونه من جانب الله وإن لم يتوقّف على شيء سوى المعجزة ، إلاّ أنّ العلم بصدق قوله في الواقع ـ أي : مطابقته للواقع ، بمعنى أنّ هذا القول الّذي من جانب الله مطابق للواقع ـ يتوقّف على العلم بصدق كلامه ـ تعالى ـ ، لأنّ المعجزة انّما تدلّ على أنّ هذا القول من قبل الله ـ تعالى ـ لا من عند نفس النبيّ ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولا يدلّ على أنّه مطابق للواقع ، فلا يظهر بالمعجزة إلاّ أنّه كلام الله ـ تعالى ـ لا أنّه مطابق للواقع ؛ فلو كان كلام الله صادقا كان هذا صادقا في الواقع ، وإلاّ فلا. فظهر انّ حجّية الاجماع يتوقّف على صدقه ـ تعالى ـ ، فاثبات الصدق به دور.

وأيضا : إذا جاز كذبه ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ لا يلزم من تصديقه ـ تعالى ـ للنبيّ في نبوّته باظهار المعجزة ثبوته في الواقع ، لأنّه بمنزلة قوله : « هذا صادق في نبوّته » ، وإذا جاز كذبه جاز كذب هذا التصديق ولم يصحّ منه شيء على قاعدتهم ، فلم يثبت نبوّته عادة ، وإذا لم يثبت نبوّته لم يثبت حجّية الإجماع.

٥٠٢

والقول بأنّ المعجزة تدلّ عادة على مطابقة كلام النبيّ ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ للواقع ظاهر الفساد ، بل لو سلّم فانّما / ٢٢٦ DB / تدلّ على أنّ كلامه ـ تعالى ـ من جانب الله ، وأمّا صدقه في الواقع فلا يتمّ بدون الحسن والقبح العقليين.

على أنّه إذا جوّز العقل امثال تلك الاحتمالات المذكورة لم يثبت نبوّة نبيّ أصلا ، فكيف يثبت نبوّة نبيّ بدلالة المعجزة عادة؟! ـ إذ ثبوت شيء بالعادة فرع العلم بتكرار الوقوع ـ. فظهر أنّ اثبات صدقه ـ تعالى ـ باجماع الأنبياء والعلماء انّما يصحّ على رأي أهل الحقّ من قولهم بالحسن والقبح العقليين ، لا على رأي الأشاعرة المنكرين له.

ومنه يظهر أنّه وإن صحّ عند الاستدلال على صدقه بالاجماع ولزوم النقص في فعله إلاّ أنّه يتوقّف على التمسّك بالحسن والقبح العقليين والقول بانتفاء القبح عنه ـ تعالى ـ ، فالعمدة في اثبات صدقه انتفاء القبح عنه ـ تعالى ـ ، كما اشار إليه العلاّمة الطوسي في التجريد بقوله : « وانتفاء القبح يدلّ على صدقه »(١) .

__________________

(١) راجع : المسألة السادسة من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢٥.

٥٠٣

الفصل الثامن

في سرمديته وبقائه

٥٠٤
٥٠٥

( الفصل الثامن )

( في سرمديّته وبقائه )

اعلم! ، أنّ البقاء والدوام نفس السرمدية ومرادفاتها ـ أعني : الأزلية والقدم والدوام ـ إلاّ ، أنّ ما يدلّ على ثبوته للواجب وعينيته لذاته ـ تعالى ـ يدلّ على ثبوتها له وعينيتها لذاته ، وبالعكس. ولذا ترى بعض الأقوام يستدلّون على اثبات البقاء واثبات عينيته لذاته ـ تعالى ـ بالدلائل الّتي يستدلّ بها الآخرون على اثبات السرمدية ومرادفاتها واثبات عينيتها لذاته ـ سبحانه ـ ، فانّ الدلائل الدالّة على عدم زيادة البقاء هي بعينها دالّة على عدم زيادة السرمدية ومرادفاتها وبالعكس. والأكثر اختاروا السرمدية أو أحد مرادفاته في التعرّض ، لأنّ اثبات الأخصّ واثبات عدم زيادته مستلزمان لاثبات الأعمّ ـ أعني : البقاء وعدم زيادته ـ.

ثمّ لا يخفى إنّ ثبوت هذا المطلب في غاية الوضوح ؛ والبرهان عليه : إنّ حقيقة واجب الوجود ما يمتنع عليه العدم ، وكلّ ما يمتنع عدمه يكون وجوده باقيا أزلا وأبدا.

ثمّ إنّ الأشاعرة ذهبوا إلى أنّ البقاء صفة زائدة على الذات حتّى يكون الصفات ثمانية ؛

وذهب الحكماء والمحقّقون من الكلاميّين إلى أنّه ليس صفة زائدة ، بل هو عين

٥٠٦

الذات كسائر صفاته الكمالية ؛

وذهب الكعبي واتباعه إلى ثبوت البقاء في الممكنات ونفيه عن الواجب ـ تعالى ـ.

واحتجّ / ٢٢٥ MA / الأشاعرة على الزيادة بأنّ الواجب باق بالضرورة ، فلا بدّ أن يقوم به معنى هو البقاء ـ كما في العالم والقادر ، لأنّ البقاء ليس من السلوب والاضافات ـ ، وهو ظاهر ، وليس أيضا عبارة عن الوجود ، بل زائد عليه إذ الوجود يتحقّق دونه ـ كما في آن الحدوث ـ ؛

وفيه : إنّ كون الواجب باقيا لا يتوقّف على أن يكون البقاء امرا زائدا قائما بذاته ـ سبحانه ـ ، بل كونه عين ذاته بأحد المعنيين المذكورين ـ أعني : كون الواجب فردا من مفهوم البقاء قائما بذاته سبحانه أو كونه نائبا منابه بأن يكون ذاته تعالى مصحّحا لانتزاع مفهوم البقاء عنه من دون احتياج إلى صفة زائدة ـ يكفي لتصحيح كونه باقيا ، ـ كما في سائر صفاته الكمالية ـ.

وتفصيل القول في عينية الصفات قد مرّ بما لا مزيد عليه ، فذات الواجب الّذي هو صرف الوجود عين البقاء بالمعنى المذكور وإن كان مفهوم البقاء زائدا عليه في العقل.

قال بعض المشاهير : كلّ من السرمدية والبقاء أمر انتزاعي ينتزع من ذات الواجب باعتبار ذاته ، فقيامه ليس إلاّ على نحو قيام الأمور الانتزاعية ـ أي : كون الذات بحيث ينتزع عنه ـ ، فزيادته على الذات ليست إلاّ في التعقّل ، لا في الخارج. والحاصل : إنّ الأشعري إن أراد أنّ صدق « الباقي » و « السرمدي » على الله ـ تعالى ـ يستلزم قيام مبدأ بالاشتقاق الحقيقي ـ أعني : الصفة الكمالية من البقاء والسرمدية ، أعني : منشأ الانتزاع ـ بالمعنى المصدري منهما فلا نسلّم هذا الاستلزام ؛ وإن أراد أنّ صدقهما عليه ـ تعالى ـ يقتضي كونه بحيث يمكن انتزاعهما من ذاته المقدّسة بمعنى انّهما انتزاعيان قائمان به زائدان عليه في التعقّل نسلّم ، ولكن لا يفيد المطلوب ـ أعني : كون معناهما الحقيقي وهو الصفة الكمالية منهما له تعالى قائما به في الخارج ـ. وامّا زيادته على الوجود فبالاعتبار لاشتماله على معنى زائد على الوجود ـ بناء على أنّ معناه الموجودية على نعت / ٢٢٧ DA / الاستمرار ـ ؛ فنفي الزيادة إن كان المراد منه نفي الزيادة

٥٠٧

على الذات فالمقصود منه نفي الزيادة في الخارج ، وإنّ ذات الواجب باعتبار ذاته سرمدي وباق لا بانضمام أمر إليه في الخارج ؛ وإن كان المراد منه نفي الزيادة على الوجود الانتزاعي كان المقصود منه نفي الزيادة بالذات بمعنى أنّه ليس ذات البقاء زائدا على ذات الوجود وإن كان زائدا عليه بحسب الاعتبار ، فهذان المعنيان الانتزاعيان ـ أعني : البقاء والسرمدية ـ لا يكونان زائدين على الوجود الانتزاعي بحسب تحقّقه وبالذات ، بل زيادتهما عليه بمجرّد اعتبار اشتماله على معنى زائد عليه ، لأنّه نفس الموجودية على نعت الاستمرار بناء على أنّ معناه الموجودية على نعت الاستمرار ؛ انتهى مع التوضيح وادنى تغيير.

وما ذكرناه من : أنّ المراد من نفي الزيادة على الذات هو نفي الزيادة في الخارج ، فيه : إنّ مجرّد نفي الزيادة في الخارج ليس معنى لعينيته ، لأنّ كثيرا من الصفات العرضية للأشياء ليست زائدة عليها في الخارج ـ كالوجود والتقدّم والتأخّر بالنسبة إلى الممكنات ـ مع أنّها ليست عينها ، بل المراد بالعينية نفي الزيادة الخارجية مع كون الذات بذاته مصحّحا للانتزاع ؛ والظاهر إنّ هذا مسامحة في العبارة ، والمراد واضح.

ثمّ ما ذكر في دليل الأشاعرة من أنّ البقاء غير الوجود ـ لتحقّق الوجود دونه ، كما في آن الحدوث ـ نقص بالحدوث ، فانّه غير الوجود لتحقّق الوجود بعد الحدوث. وتوضيح هذا النقض أن يقال : لو تمّ دليلكم على زيادة البقاء على الوجود لدلّ على زيادة الحدوث على الوجود أيضا ، لأنّ الحادث يكون له الحدوث في آن الحدوث وبعد آن الحدوث يكون الوجود دون الحدوث ، فبعد آن الحدوث يتحقّق الوجود بدون الحدوث ، فيكون الحدوث غير الوجود ـ كالبقاء ـ والحال أنّ الحدوث عندهم عبارة عن الوجود المسبوق بالعدم وليس زائدا عليه عندهم.

وقال بعضهم في حل هذا النقض : إنّ البقاء وجود مخصوص ـ لأنّه وجود مستمرّ ـ كما أنّ الحدوث أيضا كذلك ، لأنّه وجود بعد العدم عندهم ذا عين الوجود ـ أعني : الوجود المطلق ـ ، وعلى هذا فزيادة كلّ منهما على الوجود لوجود صلاحية فيه دون الوجود.

وقال بعض المشاهير في حلّه : إنّ الحدوث صفة للوجود ـ بناء على أنّه عبارة عن

٥٠٨

مسبوقية الوجود بالعدم ـ. وغرضه من هذا أنّ النقص انّما يتوجّه لو سلّم وفرض أنّ الحدوث عبارة عن الوجود وليس كذلك ، بل هو صفة للوجود بناء على أنّه عبارة عن مسبوقية الوجود بالعدم ـ كما أنّ البقاء صفة للوجود بناء على أنّه عبارة عن استمراره ـ ، وعلى هذا فكون الحدوث زائدا على الوجود كالبقاء لكن صفة له ـ أي : صفة زائدة على الوجود بالحقيقة ـ لا أنّه نفسه ومغايرته له بمجرّد الاعتبار ، لأنّه هو المسبوقية العارضة للوجود. وذلك كما أنّ زيادة البقاء على الوجود أيضا بحسب الحقيقة والذات بناء على أنّ البقاء هو استمرار عارض للوجود لا الوجود على نعت الاستمرار ؛ والفرق بينهما ظاهر.

والحاصل : إنّ البقاء غير الوجود لكن صفة له وليس المراد إنّه زائد على الوجود بحيث يكون أمرا غير مربوط بالوجود حتّى لا يكون صفة للوجود أيضا ، فيرد النقض بالحدوث بانّه يلزم على الدليل المذكور كونه زائدا على الوجود بالمعنى المذكور ـ أي : كونه مغايرا اجنبيا للوجود ـ ، وهو ظاهر البطلان ؛ بل المراد بزيادة البقاء على الوجود كونه مغايرا له بانّه صفة له لا أزيد من ذلك. ولا فساد في جريان هذا في الحدوث أيضا إذ هو أيضا ، صفة للوجود كالبقاء ، فلا يتخلّف الدليل في نفس الأمر في الحدوث ولا نقض على الدليل.

ثمّ الظاهر من كلام السيد الشريف في شرح المواقف إنّ هذا النقض الزامي على الشيخ الأشعري بناء على أنّه قال بعدم زيادة الحدوث على الوجود ؛ وحينئذ لا يفيدان الحلاّن المذكوران ، إلاّ أن يقال : مراد الشيخ الأشعري من عدم الزيادة ليس هو العينية ، بل غرضه منه عدم كون الحدوث / ٢٢٧ DB / شيئا مغايرا اجنبيّا للوجود ، وحينئذ يفيد الحملان ، لأنّ الحدوث إذا كان وجودا خاصّا أو صفة للوجود لا يكون اجنبيا للوجود ، فاذا كان البقاء أيضا كذلك يكون حكمهما واحدا ، فلا نقض. إلاّ أنّ حمل ما ذهب إليه الشيخ الأشعري من عدم الزيادة على عدم المغايرة والاجنبية دون العينية خلاف الظاهر ـ كما لا يخفى ـ.

وربما يدفع النقض المذكور بمنع كون الوجود متحقّقا في الزمان الثاني بدون

٥٠٩

الحدوث ، لأنّ الوجود في الزمان الثاني أيضا يصدق عليه أنّه مسبوق بالعدم ، وهو معنى الحدوث.

قد حمل بعضهم الحمل الّذي نقلناه عن بعض المشاهير على ذلك ، وهو تعسّف! ، والصحيح إنّ مقصوده ما قرّرناه.

وهذا الدفع يرد عليه : إنّ الحدوث عند الشيخ الأشعري هو الخروج من العدم إلى الوجود ، وهو غير متحقّق في الوجود في الزمان الثاني ؛ هذا.

وأنت بعد ما عرفت من كون الواجب صرف الوجود وعينية وجوده لذاته وعينية البقاء لذاته بالمعنى المذكور تعلم سقوط الدليل الّذي ذكره الأشاعرة على زيادة البقاء للوجود ، ومنه يظهر حال النقض والحلّ الّذي ذكروه ؛ هذا.

واستدلّ القائلون بالعينية عليها بوجوه :

الأوّل : إنّ المعقول من البقاء استمرار الوجود ، ولا معنى لذلك سوى الوجود من حيث انتسابه إلى الزمان الثاني.

وأورد عليه بعض المشاهير : بأنّ هذا الدليل إن تمّ لم يدلّ إلاّ على عدم الزيادة على الوجود ، لا على الذات ـ كما هو المطلوب ـ.

لا يقال : لمّا كان الوجود عينا لذات واجب الوجود ـ تعالى ـ ولم تكن السرمدية والبقاء زائدتين على الوجود لم تكونا زائدتين على الذات ؛

لأنّا نقول : البقاء انّما هو استمرار الوجود الانتزاعي الّذي هو مغاير للذات ، فباعتبار الدليل المذكور يكون كلّ من السرمدية والبقاء / ٢٢٥ MB / عبارة عن الوجود الانتزاعي المستمرّ ، فلم تكونا زائدتين على الوجود الانتزاعي الّذي هو زائد على الذات في التعقّل. نعم! ، لو كان المراد بعدم الزيادة عدم الزيادة في الخارج لتمّ ذلك الدليل ؛ انتهى.

وحاصل ما ذكره في جواب « لا يقال » : إنّه يجوز أن يكون البقاء عين الوجود الانتزاعي الّذي لا يكون عين الذات كالوجود الانتزاعي ؛

وفيه : إنّ مراد المستدلّ عدم زيادتهما بحسب معنييهما الحقيقيّين اللّذين هما من

٥١٠

الصفات الذاتية الحقيقية ، ولا شكّ انّهما بهذا الاعتبار نفس الوجود الحقيقي الّذي هو نفس ذاته. والحاصل : إنّ معنى عينية الصفات ليس أنّ مفهوم الوجود والعلم والقدرة وغيرها عين الذات ، بل المراد انّ ما يعبّر عنه بتلك المفهومات ـ أعني : ما هو مبدأ هذه المفهومات ومصحّحها ومنشأ انتزاعها ـ يكون عين الذات ، فالوجود الانتزاعي وإن كان زائدا على الذات لكن ما هو مبدأ الوجود الانتزاعي ومنشأها يكون عين الذات ، فاذا كان البقاء عين الوجود الانتزاعي يكون حاله كحاله في أنّ مفهومه أمر اعتباري منشأه ليس صفة زائدة قائمة بالذات ، بل منشأه مجرّد الذات بمعنى أنّ الذات فرد من هذا المفهوم أو نائب مناب الصفة القائمة بالذات المصحّحة لانتزاع هذا المفهوم ، وعلى هذا فيرجع هذا الدليل إلى ما قيل في المشهور في بيان عينية الصفات.

قال بعض الأفاضل : إنّ حمل « الباقي » و « السرمدي » على الواجب ـ جلّ شأنه ـ من قبيل حمل الذاتيات ، لأنّ ذاته ـ تعالى ـ بذاته يكون مصداق حمل الباقي والسرمدي ؛ وقد عرفت فيما سبق أنّ القول بأنّ الصفات الكمالية عين له ـ تعالى ـ ليس المراد منه أنّ مفهوم عالم وقادر مثلا عين ذاته ـ تعالى ، لأنّ المفهومات زائدة على ذاته تعالى ـ ، بل المراد منه انّ المعبّر عنه بهذا المفهوم يكون عين ذاته ، فمفهوم الباقي والسرمدي ومفهوم البقاء والسرمدية أيضا زائدة على ذاته ـ تعالى ـ ، لكن المعبّر عنه بهذا المفهوم عين ذاته ـ تعالى ـ ، انتهى.

ويمكن أن يقال : قد أشار بعض المشاهير إلى حمل الدليل المذكور على ما ذكرناه بقوله : « نعم! ، لو كان المراد بعدم الزيادة عدم الزيادة في الخارج » ؛ إلاّ انّا قد أشرنا إلى أنّ ذلك مسامحة ؛ والمراد واضح.

الثاني : إنّ الواجب لو كان باقيا بالبقاء الّذي هو ليس / ٢٢٨ DA / نفس ذاته لما كان واجب الوجود لذاته ، لأنّ ما هو موجود لذاته فهو باق لذاته ـ ضرورة أنّ ما بالذات لا يزول ابدا ـ وإذا فسّر البقاء بصفة يعلّل بها الوجود في الزمان الثاني لكان لزوم المحال أظهر ، لأنّه يؤول إلى أنّ الواجب موجود في الزمان الثاني لأمر سوى ذاته.

واعترض عليه : بأنّ اللازم ليس إلاّ افتقار صفة إلى صفة أخرى نشأت من

٥١١

الذات ، ولا امتناع فيه ، كالارادة يتوقّف على العلم والعلم على الحياة.

وردّ بأنّ افتقار الوجود إلى أمر سوى الذات ينافي الوجوب بالذات ؛ وهو بديهي.

قيل : وعلى هذا يعود هذا الوجه الثاني إلى الوجه الأوّل ، إذ لا بدّ في اتمامه من أنّ البقاء وجود خاصّ ، فباقي المقدّمات مستدرك.

وفيه : انّ الكلام في أنّه لا يصلح أن يكون البقاء صفة يعلّل بها الوجود ، وبناء هذا الاستدلال على ذلك ، إذ حاصل الاستدلال انّ كون الوجود معلّلا بغير الذات ينافي وجوب الوجود سواء كان لذلك الغير صفة من صفات الذات أو لا ؛ وظاهر أنّ هذا البيان لا يحتاج إلى اخذ كون البقاء وجودا خاصّا ، لأنّه لو لم يكن البقاء وجودا خاصّا أيضا لتمّ هذا البيان ، لأنّ بناء هذا البيان على أنّه لا يصحّ أن يكون لوجود الواجب علّة سوى الذات ، فظهر الفرق بين الوجهين.

الثالث : إنّ الذات لو كان باقيا بالبقاء لا بنفسه فان افتقر صفة البقاء إلى الذات لزم الدور ـ لتوقّف ثبوت كلّ في الزمان الثاني على الآخر ـ ؛ وإن افتقر الذات إلى البقاء مع استغنائه عنه كان الواجب هو البقاء لا الذات ، هذا خلف ؛ وإن لم يفتقر أحدهما إلى الآخر ـ بل اتفق تحقّقهما معا ـ لزم تعدّد الواجب ، لأنّ كلاّ من الذات والبقاء يكون مستغنيا عمّا سواه ، إذ لو افتقر الباقي إلى شيء آخر لافتقر إلى الذات ضرورة افتقار الكلّ إليه ، والمستغني عن جميع ما سواه واجب قطعا ؛ هذا.

مع أنّ ما فرض من عدم افتقار البقاء إلى الذات محال ، لأنّ افتقار الصفة إلى الذات ضروري.

الرابع : إنّ البقاء لو كانت صفة ازلية زائدة على الذات قائمة به كانت باقية بالبقاء ويتسلسل.

فان قيل : هو باق بالبقاء من نفسه لا زائد عليه حتّى يتسلسل ؛

قلنا : فحينئذ يجوز أن يكون الباري ـ تعالى ـ باقيا ببقاء هو نفسه.

اعلم! ، أنّ الدليل الثاني والثالث يدلاّن على أنّ عدم زيادة البقاء انّما هو من خواصّ الواجب ، وأنّ وجوب الوجود يدلّ على نفي الزيادة ، فهذان الدليلان يمكن

٥١٢

اجرائهما في نفي زيادة كلّ صفة من صفاته ـ سبحانه ـ. وامّا الدليل الأوّل والرابع فيدلاّن على أنّ البقاء من حيث هو بقاء لا يمكن أن يكون زائدا ، وأنّ هذه الصفة من شأنها عدم الزيادة ، فمقتضاها إنّ البقاء في الممكنات أيضا غير زائدة على ذواتها. / ٢٢٦ MB /

ثمّ هذه الادلّة وإن صرّح فيها بعدم زيادة البقاء إلاّ انّها يجري في عدم زيادة السرمدية ومرادفاتها من دون تفاوت أصلا ، وقد اشرنا إلى ذلك في أوّل المبحث.

وقال بعضهم : اثبات عينية البقاء مستلزم لاثبات عينية السرمدية وبالعكس وإن قطع النظر عن اشتراك الأدلّة. أمّا الأوّل ـ أعني : استلزام ثبوت عينية البقاء لثبوت عينية السرمدية ـ فلأنّ البقاء لمّا كان أعمّ من السرمدية ـ نظرا إلى أنّ البقاء هو الموجودية المستمرّة ، سواء كانت دائمة أو في قطعة من الزمان ـ والسرمدية هي الموجودية ازلا وابدا فكما انّ نفي العامّ مستلزم لنفي الخاصّ فكذلك نفي زيادة العامّ على شيء يستلزم نفى زيادة الخاصّ عليه ، فمن نفي زيادة البقاء على ذاته ـ تعالى ـ يعلم نفي زيادة السرمدية عليها.

وامّا الثاني ـ أعني : استلزام عينية السرمدية لعينية البقاء ـ لأنّ عينية الخاصّ مع اشتماله على زيادة لشيء يستلزم عينية العامّ له.

ويرد على الأوّل : إنّه قد يكون معنى عينيا لشيء غير زائد عليه ، والخاصّ الّذي هو فرد منه من حيث انّه خاصّ يكون زائدا عليه ، كالحيوان الناطق فانّه غير زائد على النوع الطبيعى ـ أعني : الانسان ـ وفرده ـ كزيد المحفوف بالشخص زائد على حقيقة الانسان ، لأنّ التشخّص الّذي داخل في حقيقة زيد من عوارض حقيقة الانسان ، فمجرّد / ٢٢٨ DB / بيان نفي زيادة البقاء لكونه عامّا لا يوجب عدم زيادة السرمدية الّتي هي اخصّ منه.

ويرد على الثاني : منع الاستلزام.

فان قيل : العامّ إذا كان ذاتيا للخاصّ وثبت أنّ الخاصّ لا يكون زائدا على شيء معيّن وجب أن يكون عام ذلك الخاصّ أيضا غير زائد على ذلك الشيء ؛

٥١٣

قلنا : هذا انّما يتمّ إذا ثبت أنّ البقاء ذاتي للسرمدية وجزء له ، وهو في محلّ المنع. وأيضا إذا كانت السرمدية عينا للواجب وجب أن لا تكون مركّبة ، بل وجب أن تكون حقيقتها حقيقة بسيطة بحيث لا يكون تكثّرا فيها أصلا ، فلا يمكن أن يكون البقاء جزء وذاتيا له ـ لاستلزامه التركيب ـ.

وبما ذكرناه يظهر أنّ المناط في استلزام عينية كلّ من البقاء والسرمدية لعينية الآخر هو جريان الدلائل المذكورة فيهما معا.

ثمّ إنّه بعد دلالة الأدلّة المذكورة على عدم زيادة السرمدية والبقاء يثبت عينيتهما بالمعنى المذكور ـ أي : يكون الذات الّذي هو صرف الوجود بذاته منشئا لانتزاع مفهوميهما ـ. وحقيقتهما هي عين الذات في الخارج والذهن وإن كان مفهوماهما الاعتباري الانتزاعي زائدا على الذات الّذي هو عين حقيقتهما.

وقال بعض المشاهير : إن أريد بتلك الزيادة المنفية الزيادة على الذات مطلقا ـ أي : في كلّ من طرفي الذهن والخارج ـ اتّجه عليه أنّ الدلائل المذكورة لا يدلّ عليه ، بل انّما يدلّ على عدم زيادته في الخارج ، فالمتّجه أنّ المراد بعدم الزيادة هو عدم الزيادة في الخارج ؛ انتهى.

وقد عرفت بما ذكرناه ما فيه من التسامح والاختلال!. ونزيدك بيانا بما ذكره بعض الأفاضل رادّا عليه حيث قال : وفيه إنّ ما ذهب إليه الأكثرون هو أنّ البقاء عين الذات ـ كالوجود والعلم والقدرة ـ ، ومعنى عينية الصفات في الواجب ـ تعالى ـ على ما ذكر هو أنّ الله ـ سبحانه ـ باعتبار ذاته مصداق حمل موجود وعالم وباق وغيرها ، بل مصداق حمل وجود وعلم وبقاء ـ بناء على أنّه تعالى نفس الوجود والعلم والبقاء ـ وليس المراد أنّه ـ تعالى ـ نفس مفهوم العلم والعالم والوجود والموجود ، لأنّ جميع المفهومات عرضية بالقياس إليه ـ سبحانه ـ ، بل إنّ ما يعبّر عنه بالوجود أو العلم وغيرهما من الصفات هو ذات الواجب ـ سبحانه ـ. وكذا الحال في الانسان بالقياس إلى زيد مثلا ، لأنّ الانسان الّذي يكون ذاتيا لزيد ليس هو مفهوم الانسان ، بل الذاتي له انّما هو المعبّر عنه بمفهوم الانسان وهو النوع الطبيعى الموجود في الخارج بوجود

٥١٤

الاشخاص الخارجية ، فالذي يكون ذاتيا لشيء ولا يكون زائدا بالقياس إليه يكون ذاتيا له في الخارج والذهن معا ؛ ولا معنى لكون الذاتي ذاتيا في ظرف دون ظرف ، لأنّ الذاتية والعرضية انّما يكون في نفس الأمر لا باعتبار ظرف الذهن أو الخارج.

وإذا علمت ذلك نقول : إنّ ما ذكره بقوله : « اتّجه عليه أنّ الدلائل المذكورة ـ إلى آخره ـ » غير متوجّه ، لأنّ الدلائل المذكورة دلّت على عينية البقاء ، وإذا كان البقاء عينا يكون ذاتيا لا عرضيا ، فلا يكون زائدا أصلا لا في الخارج ولا في الذهن ، وقد ذكر هذا القائل في مبحث نفي / ٢٢٧ MA / الشريك إنّ الوجود الحقيقي والوجوب الحقيقي ـ أي : ما يعبّر عنه بمفهوم الوجود الانتزاعي والوجوب الانتزاعي ـ عين له ـ تعالى ـ في الذهن والخارج جميعا. والغرض إنّ ما هو عين له انّما هو المعبّر عنه بمفهوم الوجود والبقاء وغيرهما من الصفات الكمالية ، وذلك المعبّر عنه يكون عينا له في الخارج والذهن جميعا ؛ وامّا المفهوم فهو ليس بعين ، بل زائد مطلقا. ومعنى كونه عينا في الذهن انّه لو جاز حصوله في الذهن لما جاز انفكاكه عنه في الذهن أيضا.

حجّة الكعبي واتباعه : إنّ البقاء مقارنة الوجود لأكثر من زمان واحد بعد الزمان الأوّل ، وذلك لا يعقل فيما لا يكون زمانيا. واعتبر الحكم بكون الكلّ اعظم من جزئه ، فانّه لا يمكن أن يقال : إنّه واقع في زمان أو في جميع الازمنة كما لا يقال إنّه واقع في مكان أو في جميع الأمكنة. وإذا كان الحكم التصديقي كذلك فما يتوقّف عليه الحكم أولى بأن يكون كذلك ؛ وعلّة الزمان لا يكون زمانيا ، فكيف مبدأ الكلّ؟ ؛ فاذن الواجب ـ سبحانه ـ لا يتّصف بالبقاء وانّما اتصافه به نوع من التشبيه بالزمانيات.

وأجيب عنه : بأنّ البقاء إذا كان / ٢٢٩ DA / حقيقة في الزمانيات فيلزم أن يكون اطلاق « الباقي » عليه مجازا ، والحال أنّ الباقى من اسمائه الحسنى. فالاولى أن يقال : البقاء على قسمين : أحدهما بقاء زماني ؛ والآخر بقاء حقّ ؛ والأوّل ـ تعالى ـ باق بالبقاء بالمعنى الثاني دون الأوّل.

أقول : قد عرفت فيما سبق أنّ الواجب ـ سبحانه ـ متعال عن الزمان ومحيط به وليس وجوده ـ الّذي هو عين ذاته ـ زمانيا ، فلا يكون وجوده في الزمان حتّى يكون

٥١٥

بقائه بمعنى وقوعه في الزمان المستمرّ. كيف ولو كان بقائه بهذا المعنى لزم أن لا يكون بقائه دائميا حتّى يكون سرمديا ازليا ـ لأنّ الزمان حادث ـ ؛ إلاّ أن يعمّم الزمان بحيث يشمل الزمان الموهوم. وقد عرفت بطلانه. فالسرمدية والبقاء بمعنى ثبوت وجوده في الوعاء اللائق به ـ أعني : السرمد ـ ، ومعنى الامتداد فيه يظهر لنا بتصوير أنّه لو وقع في الزمان لكان له امتداد. وتوضيح ذلك يظهر لمن تدبّر فيما ذكرناه في بحث الحدوث الدهري.

والظاهر أنّ المراد من البقاء الحقّ الّذي تقدّم في الجواب هو هذا المعنى ، ولا ريب في أنّ البقاء حقيقة في هذا المعنى في عرف الشريعة والعقلاء وإن لم يكن حقيقة فيه عند اللغويين ـ نظرا إلى عدم تعقّلهم لذلك ـ.

٥١٦

الباب الثاني

في صفاته السلبيّة

٥١٧

( الباب الثاني )

( في صفاته السلبيّة )

اعلم! ، أنّ الصفات الّتي تسلب عنه ـ سبحانه ـ هي الصفات الّتي ثبوتها له ـ تعالى شأنه ـ يوجب تركّبا أو احتياجا أو نقصا ـ كثبوت التركيب بايّ وجه كان والشريك في وجوب الوجود والجوهرية والعرضية والتحيّز والحلول والجهة وحلول الحوادث ـ. ونفي كلّ منها راجع إلى تجرّده وتنزيهه عمّا لا يليق بساحة كبريائه.

ونحن نبيّن نفي ما يجب أن يبيّن نفيه منه في فصول.

٥١٨

الفصل الأوّل

في نفي التركيب عنه ـ تعالى ـ

٥١٩

( الفصل الأوّل )

( في نفي التركيب عنه ـ تعالى ـ )

اعلم! ، أنّ التركيب والكثرة المنفيين عنه ـ سبحانه ـ إمّا تركيب وكثرة مع الذات ـ وهو الكثرة الّتي يتصوّر باعتبار الذات والوجود أو الذات والعكس ـ ؛

أو كثرة بعد الذات ـ وهو الكثرة الّتي يتصوّر باعتبار الانقسام إلى الذات والصفات الكمالية ـ ؛

أو كثرة قبل الذات ـ وهي الكثرة الّتي تكون باعتبار تركّب الذات والماهية من الأجزاء ـ ، وهذا على قسمين :

أحدهما : التركيب من الأجزاء العقلية الذهنية ـ كالجنس والفصل ـ ؛

وثانيهما : من الأجزاء الخارجية ، سواء كانت اجزاء مقدارية متشابهة أو غير متشابهة ، أو اجزاء غير مقدارية ـ كالمادّة والصورة ـ.

ثمّ إنّ تجرّده ـ سبحانه ـ عن هذه التركيبات يسمّى بالأحدية كما أنّ تفرّده عن الشريك في وجوب الوجود يسمّى بالواحدية ، لأنّ الأحدية انّما هو معنى عدم الانقسام إلى الأجزاء ـ سواء كانت اجزاء من قبل الذات أو معه أو بعده ـ ؛ والواحدية هو عدم الانقسام إلى الأجزاء والجزئيات.

والمفهوم من كلام الشيخ في الاشارات إنّ الاحدية هي عدم قبول القسمة إلى

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646