دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ١

دلائل الصدق لنهج الحق18%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-354-3
الصفحات: 307

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182583 / تحميل: 5339
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٤-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ) (١) .

وأمّا أصناف الشهداء ، فمنهم الشهداء الأولياء المقرّبون من البشر ، كالأنبياء والصالحين من الأولياء ، قال سبحانه : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء ) .

وتمييز النبيّين من الشهداء كأنّه نوع تشريف لهم كما قيل .

وقال سبحانه : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمّة شَهِيداً ثمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) (٢) ، والأُمّة : الجماعة من النّاس ، وإذا أُضيفت إلى شيء كنبيّ أو زمان أو مكان تميّزت به ، فالآية عامّة لجميع الأولياء ولو اجتمع عدّة منهم في أُمّة نبي ، وقال سبحانه : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّة وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٣) .

والبيان السابق في معنى الشهيد يوضّح أنّ هذه العطيّة والكرامة منه سبحانه ليست عامّة لجميع أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل هي خاصّة لبعض الأُمّة والخطاب الواقع لجمع الأُمّة بظاهره باعتبار وجودهم فيها ، وهو ذائع دائر في الخطابات كقوله سبحانه : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ) (٤) إلى آخر الآية ، فإنّه شامل بظاهره لجميع مَن معه ، وفيهم المنافقون والفاسقون بإجماع الأُمّة ، وأمثاله كثيرة .

وبالجملة : فالشهداء من هذه الأُمّة شهداء على الناس ، والرسول شهيد عليهم ، فالأُمّة الشهيدة وسط بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنّاس كما ذكره سبحانه .

وكذلك قوله سبحانه : ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ

ـــــــــــــ

(١) سورة الزمر : الآيتان ٦٩ و ٧٠ .

(٢) سورة النحل : الآية ٨٤ .

(٣) سورة البقرة : الآية ١٤٣ .

(٤) سورة الفتح : الآية ٢٩ .

١٢١

أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ) (١) ، وهذه الآية في اختصاص الشهداء أصرح من سابقتها .

وفي قوله سبحانه :( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ) إشارة إلى دعاء إبراهيم مع ولده إسماعيلعليهما‌السلام عند بناء الكعبة :( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمّة مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٢) .

ودعاؤهعليه‌السلام حيث إنّه لولْد إبراهيم وإسماعيل معاً ، ولمَن في مكّة ؛ فهو لقريش وحيث إنّهعليه‌السلام دعا أوّلاً بإسلامهم لله ، (وإراءة) الله إيّاه مناسكهم وتوبته لهم ، ثمَّ دعا ببعث رسول يطهّرهم ويزكّيهم ، فهم جمع من قريش جمعوا بين طهارة الذات(٣) والهداية والاهتداء إلى عهود الله ، وبين الإيمان برسوله والتزكّي والتطهّر بتزكيته وتطهيره ، فهم أشخاص مخصوصون بكرامة الله سبحانه من بين الأُمّة .

وقوله :( لِيَكُونَ الرَّسُولُ ) ، بيان لغاية قوله :( هُوَ اجْتَبَاكُمْ ) .

وما ذكرناه في معنى الآية هو الذي تفسّره به الأخبار الواردة عن أئمّة أهل البيت .

ففي (الكافي)(٤) ، و(تفسير العيّاشي)(٥) عن الباقرعليه‌السلام :(نحن الأُمّة الوسطى ، ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه) .

وعن (شواهد التنزيل) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :(إيّانا عنى بقوله : ( وَتَكُونُوا شُهَدَاء

ـــــــــــــ

(١) سورة الحجّ : الآية ٧٨ .

(٢) سورة البقرة : الآيتان ١٢٨ و ١٢٩ .

(٣) أهل السعادة الذاتية والسعادة المكتسبة ، وبعبارة أُخرى : طهارة الذات والتبعيّة (منه قُدِّس سرُّه) .

(٤) الكافي : ١ / ٢١٣ ، الحديث ٢ .

(٥) تفسير العيّاشي : ١ / ٨١ ، الحديث ١١٠ ، مع اختلاف يسير .

١٢٢

عَلَى النَّاسِ ) ، فرسول الله شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه ، ونحن الذين قال الله : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّة وَسَطاً ) (١) .

وفي المناقب عن الباقرعليه‌السلام ـ في حديث :(ولا يكون شهداء على الناس إلاّ الأئمة والرُّسل فأمّا الأُمّة ، فإنّه غير جائز أن يستشهدها الله وفيهم مَن لا تجوز شهادته في الدنيا على خرمة بقل) (٢) .

وفي (تفسير العيّاشي) عن الصادقعليه‌السلام قال :(ظننتَ أنّ الله تعالى عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين ؟! افترى أنّ مَن لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر ، يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأُمم الماضية ؟! كلا ، لم يعنِ الله مثل هذا من خلقه ، يعني الأئمّة الذين وجبت لهم دعوة إبراهيم ، وهم الأُمّة الوسطى ، وهم خير أُمّة أُخرجت للنّاس) (٣) .

والأخبار في هذا المعنى كثيرة مستفيضة .

ومن هنا يظهر معنى قوله سبحانه( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمّة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ) (٤) ، فحيث إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس شاهداً على النّاس من أُمّته بلا واسطة ، بل على الشهداء منهم ، فالمشار إليهم بقوله : ( عَلَى هَـؤُلاء ) هم الشهداء من كلّ أُمّة المذكور في الآية .

وأصرح منها قوله سبحانه :( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمّة شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء ) (٥) ؛ وذلك لمكان قوله تعالى :( مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) ، وقوله : ( نَبْعَثَ ) و( وَجِئْنَا ) .

فرسول الله كما أنّه شهيد على الشهداء من أُمّته ، شهيد على جميع الشهداء .

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل : ١ / ١١٩ ، الحديث ١٢٩ .

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٩٤ .

(٣) تفسير العيّاشي : ١ / ٨٢ ، الحديث ١١٤ .

(٤) سورة النساء : الآية ٤١ .

(٥) سورة انحل : الآية ٨٩ .

١٢٣

وروى القمّي في قوله تعالى : ( شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء ) ، يعني على الأئمّة ، فرسول الله شهيد على الأئمّة ، وهم شهداء على الناس(١) .

وفي (الاحتجاج) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في حديث يذكر فيه أحوال أهل الموقف ، قال :(فيقام الرُّسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى أُممهم ، فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أُممهم ، ويسأل الأُمم فيجحدون كما قال الله : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) (٢) ، فيقولون : ( مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ ) (٣) .

فيستشهد الرُّسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيشهد بصدق الرُّسل ويكذِّب مَن جحدها من الأُمم فيقول لكلّ أُمّة منهم : بلى ، قد جاءكم بشير ونذير ، واللهُ على كل شيء قدير ، أي مقتدر بشهادة جوارحكم بتبليغ الرُّسل إليكم رسالاتهم ؛ ولذلك قال الله لنبيّه : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمّة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ) ) (٤) ـ الحديث .

وروى العيّاشي في تفسيره عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في صفة يوم القيامة ، قالعليه‌السلام :(يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق ، فلا يتكلّم أحد إلاّ مَن أذن له الرحمن وقال صواباً ، فيقام الرُّسل فيسأل ، فذلك قوله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمّة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ) وهو الشهيد على الشهداء ، والشهداء هم الرُّسل) (٥) .

وقد مرّ كلام في معنى الجحد والحلف والكذب الواقع في هذه الأحاديث .

ـــــــــــــ

(١) تفسير القمّي : ١ / ١٦٧ .

(٢) سورة الأعراف : الآية ٦ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ١٩ .

(٤) الاحتجاج : ١ / ٣١٨ .

(٥) تفسير العيّاشي : ١ / ٢٦٨ ، الحديث ١٣٢ .

١٢٤

ومن الشهداء الملائكة الكَتَبَة ، قال سبحانه :( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) (١) ، وقال :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٢) ، إلى أن قال :( وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) (٣) ، وقال سبحانه : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات .

ومن الشهداء : الجوارح والأعضاء ، قال سبحانه : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٥) ، وقال سبحانه وتعالى :( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٦) ، وقال سبحانه :( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم

ـــــــــــــ

(١) سورة يونس : الآية ٦١ .

(٢) سورة ق : الآيات ١٦ ـ ١٨ .

(٣) سورة ق : الآية ٢١ .

(٤) سورة الانفطار : الآيات ١٠ ـ ١٢ .

(٥) سورة يس : الآية ٦٥ .

(٦) سورة النُّور : الآية ٢٤ .

١٢٥

مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) (١) .

وسياق الآيات واردة في أهل النار ، فشهادة الجوارح مخصوصة بهم ، وهي من الشواهد على شمول خطابات الفروع لغير المؤمنين .

وقوله تعالى : ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ ) ، وجه تخصيصهم السؤال بالجلود دون الجميع ، أنّ السمع والبصر أرفع من المادة ، وأقرب إلى الحياة والفهم ، بخلاف الجلود ـ وهي الفروج وما يتلوها في الحكم ـ فهي أوغل في المادة ، وشهادتها أعجب وأقطع .

وقوله تعالى : ( قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) ، جوابها لهم .

وقد عدلوا عن الشهادة إلى النطق ، ثمَّ إلى الإنطاق ؛ إشعاراً بأنّ الأمر إلى الله لا إليهم ، فلا وجه لعتابهم له بوضعهم موضع المستقلّ التامّ الاختيار في أمرهم ، بعد ما كان نطق كلّ شيء منه سبحانه وليس لشيء من الأمر شيء ؛ ولذا أردف ذلك بقوله : ( وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

فالبدء والعَوْد كلاهما له سبحانه ، وهو القائم على كلّ نفس فليس سبحانه غائباً عن شيء ، بل هو الرقيب ، وإنّما يرقب الشيء بالشيء ، ويحتجب بالشيء عن الشيء ؛ ولذا أردفه سبحانه بقوله :( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ ) كأنّه يقول : ما كنتم تحتجبون عن شهادة الجوارح ، لا لأنّكم لا تحذرون منها ، ومن نتيجة شهادتها ، ولكن ظننتم استقلال الأشياء وغيبة الحقّ سبحانه عنها ، وأنّ كلّ واحد منها منفصل عن الحقّ ، ليس مرصاداً له سبحانه ، فظننتم أنّه لا يعلم كثيراً ممّا تعملون .

وهذه هي الغفلة عن الحقّ سبحانه ، وأنّه على كلّ شيء شهيد ، وأنّ كلّ ما يحضر عند شيء أو يعلمه شيء ، فهو حاضر عنده بعينه ، معلوم له بعينه :( وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) .

واعلم أنّ هذا الأصل ـ وهو أنّ علم الوسائط وقدرتها وسائر كمالاتها بعينها له سبحانه ـ كثير الفروع في القرآن ، كقوله سبحانه :( وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ

ـــــــــــــ

(١) سورة فصّلت : الآيات ١٩ ـ ٢٣ .

١٢٦

فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (١) ، وقوله :( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) (٢) ، وقوله : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات ، فترى أنّه سبحانه خلط علمه بعلم الألواح والكتبة .

وبما مرّ من المعنى يظهر معنى قوله : ( ثمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٤) ، وقد تكرّر هذا اللفظ في القرآن كثيراً .

ثمَّ اعلم أنّه يتحصّل من الآيات المزبورة ، أنّ الحياة سارية في جميع الأشياء ؛ إذ إيجاد النطق والكلام عند شيء ليس شهادة منه إلاّ إذا كان الكلام له ، وهو الحياة وكذلك إفاضة الحياة يوم القيامة ـ فحسب ـ لشيء ، وإنبائه عن واقعة قبل اتّصافه بالحياة كوقائع الدنيا ، ليس شهادة منه ؛ إذ لا حضور ولا تحمّل .

وبهذا يظهر معنى قوله سبحانه وتعالى :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) (٥) ، وقوله تعالى في وصف آلهتهم :( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (٦) .

ـــــــــــــ

(١) سورة يونس : الآية ٦١ .

(٢) سورة الزخرف : الآية ٨٠ .

(٣) سورة ق : الآيات ١٦ ـ ١٧ .

(٤) سورة التوبة : الآية ٩٤ .

(٥) سورة الأحقاف : الآيتان ٥ و ٦ .

(٦) سورة النحل : الآية ٢١ .

١٢٧

وفيما مرّ من المعاني أخبار كثيرة :

ففي (الكافي) عن الباقر في حديث : (وليست تشهد الجوارح على مؤمن ، إنّما تشهد على مَن حقّت عليه كلمة العذاب فأمّا المؤمن ، فيؤتى كتابه بيمينه) (١) الحديث .

أقول : يشيرعليه‌السلام إلى ما في ذيل آيات الشهادة المذكورة :( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) (٢) .

وفي (تفسير القمّي)(٣) و(الفقيه)(٤) عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ ) (٥) الآية ، قال : (يعني بالجلود : الفرج والأفخاذ) .

وفي (تفسير القمّي) ، قالعليه‌السلام :(إذا جمع الله الخلق يوم القيامة ، دُفع إلى كلّ إنسان كتابه ، فينظرون فيه فينكرون أنّهم عملوا من ذلك شيئاً ، فتشهد عليهم الملائكة ، فيقولون : يا ربّ ، ملائكتك يشهدون لك ، ثمَّ يحلفون أنّهم لم يعملوا من ذلك شيئاً ، وهو قوله : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) . فإذا فعلوا ذلك ، ختم على ألسنتهم وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون) (٦) .

ومن الشهداء : الزمان والمكان والأيّام الشريفة والشهور والأعياد والجمع

ـــــــــــــ

(١) الكافي : ٢ / ٥٨ ، الباب ٢٠٣ ، الحديث ١ .

(٢) سورة فصّلت : الآية ٢٥ .

(٣) تفسير القمّي : ٢ / ٢٦٨ .

(٤) ورد الحديث في وصيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة (رضي الله عنه) ، حيث استشهد الإمام بقوله تعالى : (( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ ) ، يعني بالجلود : الفروج ) راجع : مَن لا يحضره الفقيه : ٢ / ٣٧٠ ، الباب ٢٢٧ ، الحديث ١ .

(٥) سورة فصّلت : الآية ٢٠ .

(٦) تفسير القمّي : ٢ / ٢٦٧ .

١٢٨

والأرض والبقاع والمساجد وغيرها ، قال سبحانه :( وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (١) .

والبيان المذكور آنفاً يوضّح هاهنا أنّ الأيّام من الشهود ، ويظهر به أنّ كلمة (من) في قوله : ( مِنْكُمْ ) ، ابتدائيّة لا تبعيضيّة ، والشهداء هي الأيّام .

وقال سبحانه :( ثمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) (٢) ، والبيان السابق عائد هاهنا أيضاً وقال سبحانه : ( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) (٣) .

وفي الكافي : عن الصادق ، قال :(إنّ النهار إذا جاء قال : يا بن آدم ، اعمل فيَّ يومك هذا خيراً أشهدُ لك به عند ربّك يوم القيامة ، فإنّي لم آتكَ فيما مضى ، ولا آتكَ فيما بقي وإذا جاء الليل قال مثل ذلك) (٤) .

وروي هذا المعنى ابن طاووس في كتاب (محاسبة النفس) عن الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام (٥) .

وروى الصدوق في (العلل) عن عبد الله الزرّاد ، قال : سأل كهمس أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فقال : يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرّقها ؟ فقال : (لا بل هاهنا وهاهنا ،

ـــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : الآية ١٤٠ .

(٢) سورة لقمان : الآيتان ١٥ و ١٦ .

(٣) سورة الزلزلة : الآيات ٢ ـ ٥ .

(٤) الكافي : ٢ / ٤٤٧ ، الباب ٣٨٩ ، الحديث ١٢ .

(٥) محاسبة النفس : ١٥ .

١٢٩

فإنّها تشهد له يوم القيامة) (١) .

ومن الشهداء : القرآن والأعمال والعبادات ، وسيأتي ملخّص الكلام فيها في (فصل : الشفاعة) إن شاء الله .

واعلم أنّ البرهان أيضاً يفيد ما مرّ من شهادة الشهود ؛ فإنّ الأعمال لا تتحقّق بينها وبين شيء من الموجودات نسبة ، إلاّ وهي متحقّقة بين الذات وبين ذلك الموجود ، فإنّ الأعمال من تنزّلاتها ووجوداتها قائمة الذات بتلك الذوات فببقاء الذات تبقى الصادرات عنها بحسب ما يتحقّق بها من الوجود ، وببقائها تبقى النسب التي إلى الأشياء ، وببقاء النسب تبقى الأشياء ؛ ضرورة كون وجوداتها رابطة لا تتحقّق إلاّ بطرفين ، وبحياتها تحيي الجميع ، وبحضورها عن الحقّ سبحانه وبين يديه تعالى بتمام ذاتها وشهادتها وبيانها ما عندها له سبحانه يفعل الجميع ذلك ، والله العالم .

من المعلوم أنّ الحساب ـ وهو : كشف المجهول العددي باستعمال الطرق الموصلة إليه ـ إنّما يتأتّى بلحاظ ظرف العلم والجهل وأمّا إذا فرض نفس الواقع ـ مع الغضّ عن العلم والجهل ـ فلا موضوع لهذا المعنى الذي نسمّيه حساباً وإنّما الذي في الواقع والخارج هو ترتّب النتيجة على المقدّمات ، والمعلوم على العلّة ، فالوضع الذي هو (٦ × ٨ ـ ٣ × ٦) ، يتدرّج فيه باستعمال الأسباب والأعمال الحسابيّة للحصول على النتيجة ، وهي (٣٠) بالنسبة إلينا لجهلنا أوّلاً بذلك ، وتحصيلنا العلم بالحساب ثانياً ، إنّ النتيجة هي الثلاثون .

ـــــــــــــ

(١) علل الشرائع : ٢ / ٣٩ ، الباب ٤٦ ، الحديث ١ .

١٣٠

الفصل العاشر : في الحساب

وأمّا ما في الخارج ، فإنّما هو عدد مع عدد ، لا انفكاك بينهما ولا فصل ، أو ترتّب النتيجة على تراكم أُمور واقعيّة موجودة في الخارج، ليس بينهما فرجة زمانيّة ولا فاصلة مكانيّة .

وعلمه سبحانه بالأشياء الواقعيّة حيث كان عين تلك الأشياء الواقعيّة على ما تعطيه الأُصول البرهانية ، دون الصور المنتزعة عن الخارج مثل علومنا الحصوليّة ، كان القول في علمه سبحانه عين القول في الأُمور الواقعيّة ، فحسابه سبحانه عين حساب الواقع ، وهو ترتّب نتائج الأُمور عليها فيما كان هناك أثر مترتّب .

وقد أخبر سبحانه أنّ لكلّ شيء أثراً في جانبي السعادة والشقاوة يترتّب عليه في الدنيا ، قال سبحانه :( قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، قال :( نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (٢) ، وقال :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ ) (٣) ، وقال : ( ثمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ) (٤) ، وقال :( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ) (٥) ، وقال : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) (٦) .

ومن هذا الباب قوله سبحانه :( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) (٧) ، وقوله : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) (٨) .

والآيات في هذا المعنى كثيرة جدّاً ، وهي على كثرتها تفيد : أنّ نتائج الأُمور تتبعها لا محالة في الدنيا والآخرة ، كما أنّ البرهان أيضاً يفيد ذلك .

ـــــــــــــ

(١) سورة يوسف : الآية ٩٠ .

(٢) سورة يوسف : الآية ٥٦ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ٩٦ .

(٤) سورة الروم : الآية ١٠ .

(٥) سورة الطلاق : الآيات ٨ ـ ١٠ .

(٦) سورة الزلزلة : الآيتان ٧ و ٨ .

(٧) سورة الشورى : الآية ٣٠ .

(٨) سورة التغابن : الآية ١١ .

١٣١

ثمَّ إنّ الأُمور ونتائجها لا توجد بنفسها ولا بإيجادها ، بل بإفاضة منه سبحانه لوجودها ، فاستتباعها نتائجها استفاضتها منه سبحانه لنتائجها المترتّبة عليها كما أنّ ارتزاق المرزوقين استفاضتها منه سبحانه ما يديم به بقاؤها من الوجود ، فالحساب كالرزق بوجه ، فلا تزال سحابة الفيض تشرب من بحر الرحمة وتمطر مطر الفيض على بحر الإمكان ، فكلّ قطرة لاحقة تستمدّ بها سابقتها ، وهو الرزق ، وترفع بها حاجتها التي تستحقّها وتقتضيها ، وهو الحساب فكما أنّ إفاضة الرزق لها دائم مستمرّ ضروري ، كما قال سبحانه : ( إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ) (١) ، فكلّ الحساب بينهما دائم مستمرّ ضروري .

وفي (النهج) سُئِلعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم ؟ فقالعليه‌السلام :(كما يرزقهم على كثرتهم) ، فقيل : فكيف يحاسبهم ولا يرونه ؟ قال : (كما يرزقهم ولا يرونه) (٢) ، وهو أنفس كلام في هذا الباب .

وبالجملة : الأُمور ـ ومنها الأعمال ـ لا تنفكّ عن حسابها عند تحقّقها في الخارج أدنى انفكاك ، قال سبحانه : ( وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٣) ، وقال سبحانه :( أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) (٤) ، إذ مع اختصاص الحكم به سبحانه وعدم وجود حاكم غيره يضادّ بحكمه حكمَه ، ويدفع به أمرَه بنحو من الأنحاء : بإبطال وتعويق ، وتضعيف وإنظار ، لا يتصوّر لحكمه سبحانه بطء وتعويض وتأخير ، ولا يمكن فيه مساءة ولا صعوبة ولا يسر ولا عسر ولا غيرها .

فهذه المعاني إذا أُطلقت ، يراد بها حصول معانيها بالنسبة إلى إدراك المحاسَبيِن (بصيغة المفعول) كقوله سبحانه :( وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) (٥) ،

ـــــــــــــ

(١) سورة الذاريات : الآية ٢٣ .

(٢) نهج البلاغة : ٥٢٨ ، حِكم أمير المؤمنين ، رقم ٣٠٠ .

(٣) سورة الرعد : الآية ٤١ .

(٤) سورة الأنعام : الآية ٦٢ .

(٥) سورة الرعد : الآية ٢١ .

١٣٢

وقوله :( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً ) (١) ، وقوله :( تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٢) .

وروى في (المجمع) عن أبي سعيد الخدري ، قال : قيل : يا رسول الله ، ما أطول هذا اليوم ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(والذي نفس محمّد بيده ، إنّه ليخفّف على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا) (٣) .

وفيه ـ أيضاً ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :(لو وَلِيَ الحساب غيرُ الله ، لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا ، واللهُ سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة) (٤) .

أقول : وبهذين الخبرين يظهر معنى قوله تعالى : ( كَانَ ) الآية .

فيُخفّف ذلك على المؤمنين ؛ لأنّ وجوههم( يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ، فيرون الأمر على حقيقته( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ ) ، ويطول على الكافرين والفاسقين ؛ لـ( إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) . فالاختلاف من جانب الناس وغيره وأمّا بالنسبة إلى سبحانه ، فأمره واحد لا اختلاف فيه .

وبالجملة : فأمر الحساب كما عرفت جارٍ دائماً وأمّا اختصاص يوم القيامة بوقوع الحساب فيه ، فهو من قبيل اختصاصه في كلامه تعالى بخصال أُخرى غير مختصّة به ظاهراً ، كاختصاص المُلك يومئذٍ لله ، وبروز الناس يومئذٍ لله ، وكون الأمر يومئذٍ لله ، وغير ذلك وقد عرفت ـ فيما مرّ ـ معنى ذلك ، فوقوع الحساب فيه هو ظهور النتيجة حقيقةً بتمام المعنى ، فهو ظهور نتيجة الخِلقة ، ووصول الممكن إلى غاية سيره في سبيله من الله إليه ، قال سبحانه :( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ

ـــــــــــــ

(١) سورة الطلاق : الآية ٨ .

(٢) سورة المعارج : الآية ٤ .

(٣) و (٤) تفسير مجمع البيان : ١٠ / ٥٣١ .

١٣٣

مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) (١) ، وقال :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) (٢) ، وقال :( وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ) (٣) .

ومن هنا يظهر أنّ الإنسان كلّما قرب من طريق السعادة ، ملازماً للصراط المستقيم ، كان الحساب عليه يسيراً ، فإنّه أقرب إلى النتيجة المقصودة من الخِلقة ، قال سبحانه :( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ) (٤) .

وكلّما بعد عن الحقّ ونكب عن مستقيم الصراط ، كان الحساب عليه عسيراً ؛ فإنّه أبعد عمّا أودع الله عزّ وجلّ في فطرته من نتيجة الخِلقة وغاية الوجود ، قال سبحانه :( فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) (٥) ، وقال :( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ) (٦) ، وقال :( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ ) (٧) .

وينتهي الأمر من الطرفين إلى مَن لا حساب له ، ممَّن لا يليه إلاّ ربّه ، فلا عمل له ، فلا كتاب ولا حساب ، وهم المخلَصون المقرّبون ، قال سبحانه : ( فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) (٨) .

وممّن لا مولى لهم فحبطت أعماهم ، فلا كتاب لهم فلا وزن ولا حساب .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأنبياء : الآية ٤٧.

(٢) سورة المؤمنون : الآية ١١٥ .

(٣) سورة النجم : الآية ٤٢ .

(٤) سورة الانشقاق : الآيتان ٧ و ٨ .

(٥) سورة المدّثر : الآيتان ٩ و ١٠ .

(٦) سورة النبأ : الآية ٤٠ .

(٧) سورة الحاقّة : الآيتان ٢٥ و ٢٦ .

(٨) سورة الصافّات : الآيتان ١٢٧ و ١٢٨ .

١٣٤

روي في (المعاني) عن الباقرعليه‌السلام ، قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ محاسَب معذَّب ، فقال قائل : يا رسول الله ، فأين قول الله : ( فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ) ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذلك العرض يعني التصفّح) (١) .

أقول : وهذا حديث أطبق الفريقان على رواية معناه واتّفقوا على صحّته .

وروى العيّاشي وغيره بطُرق متعدّدة عن الصادقعليه‌السلام في قوله سبحانه :( وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) (٢) (إنّ معناه الاستقصاء (والمداقّة) ، وأنّه يحسب لهم السيّئات ، ولا يحسب لهم الحسنات) (٣) .

وممّا مرّ يتّضح أمر السؤال ، وهو من توابع الحساب ، فإنّ السؤال ، وهو استيضاح ما عند المسئول من حقيقة الأمر والأمر يومئذٍ يدور مدار تفريغ ما عند النفس بحسب الحقيقة من تبعاتها ولواحقها وأذنابها ، التي اكتسبتها من السعادة والشقاوة ، وتفريغ حسابها وتوفية نتيجته لها ، قال سبحانه : ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) (٤) ، وهي مكامن النفوس ، وقال سبحانه :( بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ) (٥) ، وقال سبحانه :( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٦) ، وقال سبحانه :( وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ) (٧) .

ـــــــــــــ

(١) معاني الأخبار : ٢٦٢ ، باب كلّ محاسب معذّب ، الحديث ١ .

(٢) سورة الرعد : الآية ٢١ .

(٣) تفسير العيّاشي : ٢ / ٢٢٥ ، الحديث ٣٩ .

(٤) سورة الطارق : الآية ٩ .

(٥) سورة الأنعام : الآية ٢٨ .

(٦) سورة النساء : الآية ٤٢ .

(٧) سورة البقرة : الآية ٢٨٤ .

١٣٥

وما ورد أنّ الآية منسوخة بقوله تعالى :( إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) (١) ، فمعنى النسخ هو التفسير والبيان ، دون بيان غاية الكم وانقضائها ، فإنّ ذلك مختصّ بالشرائع والأحكام غير جائز في الحقائق .

وقال سبحانه :( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال :( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) (٣) ، وقال :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) (٤) .

واعلم أنّ هذه الآيات تعطي عموم السؤال والحساب لجمع الأعمال والنِّعم ، وهو المحصّل من جماعة الأخبار .

ففي نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(كلّ نعيم مسئول عنه يوم القيامة ، إلاّ ما كان في سبيل الله) (٥) .

وفي أمالي المفيد مسنداً عن ابن عيينة ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :(ما من عبد إلاّ ولله عليه حجّة ، إمّا في ذنبٍ اقترفه ، وإمّا في نعمةٍ قصّر عن شكرها) (٦) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد ، عن الصادقعليه‌السلام :(الدواوين يوم القيامة ثلاثة : ديوان فيه النِّعم ، وديوان فيه الحسنات ، وديوان فيه الذنوب فيقابل بين ديوان النعم وديوان الحسنات ، فتستغرق عامّة الحسنات وتبقى الذنوب) (٧) ، والأخبار في هذه المعاني كثيرة .

ـــــــــــــ

(١) سورة النجم : الآية ٣٢ .

(٢) سورة الحجر : الآيتان ٩٢ ـ ٩٣ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ٦ .

(٤) سورة الصافّات : الآية ٢٤ .

(٥) نوادر الراوندي : ١٣٧ ، الحديث ١٨٢ .

(٦) ورد في بحار الأنوار نقلاً عن أمالي المفيد : ٧ / ٢٦٢ ، باب ١١ محاسبة العباد ، الحديث ١٣ .

(٧) بحار الأنوار : ٧ / ٢٦٧ ، الباب ١١ كتاب العدل ، ح٣٤ .

١٣٦

وأجمعها معنى ما رواه الصدوق في (التوحيد) عن ابن أُذينة ، عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك ، ما تقول في القضاء والقدر؟ قال :(أقول : إنّ الله إذا جمع العباد يوم القيامة ، سألهم عمّا عهد إليهم ، ولم يسألوا عمّا قضي عليهم) (١) الحديث .

نعم ، روى أصحابنا عن عليّ والباقر والصادق والرضاعليهم‌السلام في قوله سبحانه :( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (٢) أنّ المراد بالنعيم هو الولاية ، لا ما ترتفع به الحوائج الإنسانية من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها .

فعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال لأبي حنيفة :(بلغني أنّك تفسّر النعيم في هذه الآية بالطعام الطيّب والماء البارد في اليوم الصائف) ، قال : نعم ، قالعليه‌السلام :(لو دعاك رجل وأطعمك طعاماً طيباً ، وسقاك ماء بارداً ، ثُمَّ امتنّ عليك به ، إلى ما كنت تنسبه؟) قال : إلى البخل ، قالعليه‌السلام :(أفيبخل الله تعالى ؟! ) ، قال : فما هو ؟ قالعليه‌السلام :(حبّنا أهل البيت) (٣) .

وفي (الاحتجاج) عن عليّعليه‌السلام ـ في حديث ـ أن النعيم الذي يسأل عنه العباد :( رسول الله ومَن حلّ محلّه من أصفياء الله فإنّ الله أنعم بهم على من اتّبعهم من أوليائهم) (٤) .

وفي (المحاسن) عن أبي خالد الكابلي ، عن الباقرعليه‌السلام في حديث بعد ذكر الآية ، قالعليه‌السلام :(إنّما تسألون عمّا أنتم عليه من الحقّ) (٥) الحديث .

والاعتبار العقلي يساعد هذا المعنى ، فإنّ الولاية ـ وهي معرفة الله والتحقّق بها ـ

ـــــــــــــ

(١) التوحيد : ٣٥٤ ، الباب ٦٠ ، الحديث ٣ .

(٢) سورة التكاثر : الآية ٨ .

(٣) بحار الأنوار : ٧ / ٤٩ ، باب ١١ كتاب العدل ، مع اختلاف يسير .

(٤) الاحتجاج : ١ / ٣٣٢ .

(٥) المحاسن : ٢ / ١٦٣ ، الباب ٦ ، الحديث ٨٣ .

١٣٧

حيث كانت غاية الخلقة ، فلا غاية غيرها فكلّ إفاضة إنّما تكون نعمة وملائمة للكمال والراحة إذا وقعت في طريق الغاية ، أو لوحظت من حيث صحّة وقوعها في طريقها ، لكنّها بعينها إذا وقعت في طريق يضادّ الغاية صارت نقمة ، وإذا لم تقع في طريق أصلاً كانت لغواً باطلاً فكلّ شيء نعمة من حيث إيصاله الإنسان إلى ساحة الولاية وأمّا مع الغضّ عن ذلك ، فلا نعمة .

فصحّ أنّ النعمة المطلقة هي التوحيد والنبوّة والولاية كما في بعض الروايات وصحّ أنّ النعمة بالنسبة إلينا هي الولاية كما في بعض آخر ، فافهم والله الولي الحقّ .

الفصل الحادي عشر : في الجزاء

قال سبحانه :( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (١) .

ومجازاة المحسن بالجنّة والمسيء بالنّار فيها آيات كثيرة جدّاً ، وقد جعلها سبحانه أحد الدليلين على وقوع الحشر ، فقال :( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٢) .

فإنّ الحكيم من حيث هو حكيم ، كما يستحيل أن يفعل فعلاّ لا غاية له ولا نتيجة متولّدة من فعله كما هو مفاد الدليل الأوّل ، كذلك يستحيل عليه أن يهمل أمر جماعة فيهم الصالح والطالح ، والظالم والمظلوم ، فلا يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .

ثمَّ إنّك ترى أنّه سبحانه أقرّ النسبة بين العمل والجزاء ، فالإحسان يجزى بالإحسان ، والإساءة تجازى بالإساءة .

ثمَّ جاوز وعده ووعيده مطلق الإحسان والإساءة ؛ فأيّد بذلك أنّ بين الأعمال وجزائها نِسباً خاصّة وارتباطات مخصوصة .

ـــــــــــــ

(١) سورة النجم : الآية ٣١ .

(٢) سورة ص : الآيتان ٢٧ و ٢٨ .

١٣٨

ثمَّ جاز كلامه سبحانه ذلك بأن أخبر بالعينيّة والإتّحاد بين العمل وجزائه ، قال سبحانه : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (١) .

فصدر الآية يحكي عن النسبة المذكورة ، ووسطها عن الاتّحاد بين العمل والجزاء ، وذيلها عن الجزاء العادل ، وهو سبب النسبة والعينيّة المذكورتين .

وما ذكرناه من معنى الحساب وحقيقته في الفصل السابق ، عائد هاهنا أيضاً إليه تعالى ، وقال سبحانه :( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) (٢) ، وقال : ( وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) (٣) ، وقال :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالّة على أنّ ما يعمله الإنسان من خير أو شرّ سيُرَدّ إليه بعينه .

ثمَّ شرح سبحانه معنى هذه العينيّة فقال :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٥) ، فبيّن أنّ معصيتهم على كونها في هذه النشأة في صورة كتمان ما أنزل الله وشراء الثمن القليل بذلك ، فهي بعينها متصوّرة في الباطن بصورة أكل النّار كما ورد مثله في أكل مال اليتيم ظلماً .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأحقاف : الآية ١٩ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٨١ .

(٣) سورة البقرة : الآية ٢٨١ .

(٤٩ سورة الزلزلة : الآيتان ٧ و ٨ .

(٥) سورة البقرة : الآية ١٧٤ .

١٣٩

ثمَّ أردف سبحانه ذلك بقوله : ( أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) (١) ، فبيّن أنّ هؤلاء بدّلوا الهدى والمغفرة بهذا الضلال والعذاب والهدى والمغفرة مرتَّبان على الاستقامة والتقوى ، كما أنّ أكل النّار والضلالة والعذاب تترتّب على الكتمان والشراء المذكورين فالتعرّض منه سبحانه بالتبديل فيما يترتّب على المعاصي ، دون ظاهر نفس المعاصي ، وتبديله سبحانه أكل النّار وأخواته بمعنى عامّ ـ وهو الضلال والعذاب ـ بيان منه تعالى لكون تبديل صورة الأفعال مطّرداً في جانبي الطاعات والمعاصي جميعاً ، فافهم وتدبّر .

ثمَّ بيّن سبحانه ذلك في المؤمنين خاصّة فقال :( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ) (٢) ، وقال :( أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ) (٣) ، وهو روح الإيمان وقال : ( وَلَكِن جَعَلْنَاهُ) أي النور المنزل على رسول الله ( نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ) (٤) ، وهو روح القدس وقال :( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) (٥) ، وقال :( لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) (٦) ، إلى غير ذلك من الآيات .

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ١٧٥ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٥٧ .

(٣) سورة المجادلة : الآية ٢٢ .

(٤) سورة الشورى : الآية ٥٢ .

(٥) سورة الحديد : الآية ٢٨ .

(٦) سورة الحديد : الآية ١٩ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

حرف الهاء

٣٢٦ ـ ( خ م س ) هشام بن حجير المكّي(١) :

ن : سئل عنه يحيى القطّان فلم يرضه ، وضرب عليه.

يب : ضعّفه ابن معين جدّا.

وقال ابن المديني ، عن يحيى بن سعيد : خليق أن أدعه ؛ قلت :

أضرب على حديثه؟ قال : نعم.

وقال ( د ) : ضرب الحدّ بمكّة.

٣٢٧ ـ ( ع ) هشام بن حسّان ، أبو عبد الله القردوسي البصري(٢) :

قال وهيب : قال لي الثوري : أفدني عن هشام ؛ فقلت : لا أستحلّ [ ذلك ].

وقال ابن عيينة : لقد أتى هشام أمرا عظيما بروايته عن الحسن.

وقال عبّاد بن منصور : ما رأيته عند الحسن قطّ.

وقال جرير بن حازم : قاعدت الحسن سبع سنين ما رأيته عنده قطّ.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٧٧ رقم ٩٢٢٧ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٤١ رقم ٧٥٦٧.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٧٧ رقم ٩٢٢٨ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٤٢ رقم ٧٥٦٨.

٢٦١

وكان شعبة يتّقي حديثه عن عطاء [ وعكرمة ](١) والحسن.

يب : قال ( د ) : كانوا يرون أنّه أخذ كتب حوشب(٢) .

وقال سفيان بن حبيب : ربّما سمعته يقول : سمعت عطاء ؛ وأجيء بعد ذلك فيقول : حدّثني الثوري وقيس عن عطاء ، هو ذاك بعينه ؛ قلت له :

إثبت على أحدهما ؛ فصاح بي!

٣٢٨ ـ ( ت ق ) هشام بن زياد ، أبو المقدام(٣) :

قال ( د ) : غير ثقة.

وقال ( س ) : متروك(٤) .

وقال ابن حبّان : يروي الموضوعات عن الثقات.

يب : قال ( س ) وابن معين : ليس بثقة.

وقالا مرّة : ليس بشيء.

وقال الأزدي وابن الجنيد(٥) : متروك [ الحديث ].

__________________

(١) أثبتناه من ميزان الاعتدال.

(٢) وورد مؤدّاه عن ابن المديني لا أبي داود في ترجمته من ميزان الاعتدال.

(٣) ميزان الاعتدال ٧ / ٨٠ رقم ٩٢٣١ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٤٦ رقم ٧٥٧١.

وقد كان في مطبوعة طهران : « هشام بن إياد ، أبو المقدام » وفي مطبوعة القاهرة : « هشام بن إياد ، أبو المقداد » ، وكلاهما تصحيف ، والصواب ما أثبتناه من الأصل المخطوط ؛ انظر : المصدرين وتهذيب الكمال ١٩ / ٢٥١ رقم ٧١٦٩.

(٤) هذا ما جاء عنه في ميزان الاعتدال ، أمّا قوله في تهذيب التهذيب فهو : متروك الحديث.

(٥) هذا هو الصواب الموافق لما في تهذيب الكمال ١٩ / ٢٥٢ ذيل رقم ٧١٦٩ ، وقد كان في المصدر : « عليّ بن الجنيد الأزدي » وهو غلط وخلط واضح بين أبي الحسن

٢٦٢

٣٢٩ ـ ( م ٤ ) هشام بن سعد ، أبو عبّاد المدني(١) :

يب : قال أحمد : هو كذا وكذا ، كان يحيى بن سعيد لا يروي عنه(٢) .

وقال ابن معين : ليس بشيء.

٣٣٠ ـ ( خ ٤ ) هشام بن عمّار السلمي ، أبو الوليد ، خطيب دمشق [ ومقرئها ] ومحدّثها وعالمها(٣) :

وقال ( د ) : حدّث بأربعمائة حديث [ مسندة ](٤) ليس لها أصل.

وقال عبد الله بن محمّد بن سيّار : كان يلقّن كلّ شيء ما كان من حديثه ، ويقول : أنا [ قد ] أخرجت هذه الأحاديث صحاحا.

يب : قال ( د ) : كان فضلك يدور على أحاديث أبي مسهر وغيره(٥) يلقّنها هشاما ، فيحدّث بها ، وكنت أخشى أن يفتق(٦) في الإسلام فتقا.

__________________

عليّ بن الحسين بن الجنيد ، المتوفّى سنة ٢٨٨ أو ٢٩١ ه‍ ، وبين أبي الفتح محمّد ابن الحسين بن أحمد الأزدي الموصلي ، المتوفّى سنة ٣٧٤ ه‍.

(١) تهذيب التهذيب ٩ / ٤٨ رقم ٧٥٧٣.

(٢) وجاء مضمون الجملة الثانية في ترجمته من ميزان الاعتدال ٧ / ٨٠ رقم ٩٢٣٢ أيضا.

(٣) ميزان الاعتدال ٧ / ٨٦ رقم ٩٢٤٢ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٥٨ رقم ٧٥٨٣.

(٤) أثبتناه من تهذيب التهذيب.

(٥) في تهذيب التهذيب : « وغيرها ».

(٦) في تهذيب التهذيب : « تفتق ».

٢٦٣

٣٣١ ـ ( ع ) هشيم بن بشير السلمي ، أبو معاوية الواسطي(١) :

يب : قيل لابن معين في تساهل هشيم ، فقال : ما أدراه ما يخرج من رأسه!

ن : قال الثوري : لا تكتبوا عنه.

وقال ابن القطّان : لهشيم صنعة محذورة في التدليس ، فإنّ الحاكم أبا عبد الله ذكر أنّ جماعة من أصحابه اتّفقوا [ يوما ] على أن لا يأخذوا عنه تدليسا ، ففطن لذلك ، فجعل يقول في كلّ حديث يذكره : حدّثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم ؛ فلمّا فرغ قال لهم : هل دلّست [ لكم ] اليوم؟! قالوا :

لا ؛ فقال : لم أسمع من مغيرة ممّا ذكرته حرفا ، إنّما قلت : حدّثني حصين [ وهو مسموع لي ](٢) ؛ ومغيرة غير مسموع لي!

يب : قال العجلي وابن حبّان : مدلّس.

وقال ابن سعد : يدلّس كثيرا.

* * *

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٩٠ رقم ٩٢٥٨ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٦٦ رقم ٧٥٩٢.

(٢) أثبتناه من تهذيب التهذيب ، إذ إنّ ما ورد عن الحاكم قد جاء في كلا المصدرين ، لا في ميزان الاعتدال فقط ؛ فلاحظ.

٢٦٤

حرف الواو

٣٣٢ ـ ( ت ق ) واصل بن السائب الرقاشي ، أبو يحيى البصري(١) :

قال ( س ) : متروك(٢) .

يب : قال ابن معين : ليس بشيء.

وقال الأزدي : متروك الحديث.

٣٣٣ ـ ( د ت ق ) الوليد بن عبد الله بن أبي ثور المرهبي ، وقد ينسب إلى جدّه(٣) :

قال ابن معين : ليس بشيء.

ن : قال محمّد بن عبد الله بن نمير : ليس بشيء.

وفييب : قال(٤) : كذّاب.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ١١٧ رقم ٩٣٣١ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١١٥ رقم ٧٦٦٤.

(٢) هذا قول النسائي في « ميزان الاعتدال » ؛ أمّا قوله في « تهذيب التهذيب » فهو : متروك الحديث.

(٣) ميزان الاعتدال ٧ / ١٣٣ رقم ٩٣٨٥ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١٥٣ رقم ٧٧١٢.

(٤) أي : محمّد بن عبد الله بن نمير ؛ وهذا القول ليس من مختصّات « تهذيب التهذيب » فقد ورد أيضا في ترجمة الوليد من « ميزان الاعتدال ».

٢٦٥

٣٣٤ ـ ( ع ) الوليد بن كثير المخزومي ، مولاهم(١) :

قال ( د ) : إباضي.

يب : قال الساجي : كان إباضيا.

٣٣٥ ـ ( ت ق ) الوليد بن محمّد الموقّري(٢) ، أبو بشر البلقاوي ، مولى يزيد بن عبد الملك (٣) :

قال ابن المديني : لا يكتب حديثه.

وقال ابن معين : كذّاب.

يب : قال محمّد بن عوف(٤) : ضعيف كذّاب.

وقال ( س ) مرّة : ليس بثقة.

ومرّة : متروك [ الحديث ](٥) .

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ١٣٩ رقم ٩٤٠٥ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١٦٤ رقم ٧٧٣٣.

(٢) الموقّري ـ بضمّ الميم ، وفتح الواو ، وتشديد القاف وفتحها ، وكسر الراء المهملة ـ : نسبة إلى اسم موضع أو حصن بنواحي البلقاء من نواحي دمشق.

انظر : معجم البلدان ٥ / ٢٦١ رقم ١١٧٢٥ ، مراصد الاطّلاع ٣ / ١٣٣٥ ، الأنساب ـ للسمعاني ـ ٥ / ٤٠٩.

(٣) ميزان الاعتدال ٧ / ١٣٩ رقم ٩٤٠٨ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١٦٥ رقم ٧٧٣٤.

(٤) كان في الأصل : « قال أبو حاتم » ، وهو سهو ؛ والصواب ما أثبتناه من المصدر وتهذيب الكمال ١٩ / ٤٥١.

(٥) قول النسائي هذا ليس من مختصّات « تهذيب التهذيب » فقد ورد أيضا في ترجمة الوليد من « ميزان الاعتدال ».

٢٦٦

٣٣٦ ـ ( ع ) الوليد بن مسلم ، مولى بني أميّة ، أبو العبّاس الدمشقي ، عالم الشام(١) :

قال ( د ) : روى عن مالك عشرة أحاديث لا أصل لها.

وقال أبو مسهر : كان [ الوليد ] يأخذ من [ ابن ](٢) أبي السفر حديث الأوزاعي ، وكان [ ابن ](٣) أبي السفر كذّابا(٤) .

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ١٤١ رقم ٩٤١٣ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١٦٧ رقم ٧٧٣٧.

(٢) ما بين المعقوفتين أثبتناه من ميزان الاعتدال وتهذيب الكمال ١٩ / ٤٦٢ ؛ وكان في الموضع الثاني من الأصل : « أبو السفر » فصحّحناه إعرابيا وفق ما تمّ إضافته.

(٣) ما بين المعقوفتين أثبتناه من ميزان الاعتدال وتهذيب الكمال ١٩ / ٤٦٢ ؛ وكان في الموضع الثاني من الأصل : « أبو السفر » فصحّحناه إعرابيا وفق ما تمّ إضافته.

(٤) وقد جاءت الجملة في ترجمة الوليد من سير أعلام النبلاء ٩ / ٢١٥ هكذا : « كان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعي ، وكان كذّابا ، والوليد يقول فيها :قال الأوزاعي ».

والمقصود ب‍ : « ابن أبي السفر » هنا هو : عبد الله بن سعيد بن يحمد ، المتوفّى في حكومة مروان الحمار ، آخر ملوك بني أميّة ، المقتول سنة ١٣٢ ه‍.

إذ إنّ أباه أبا السفر سعيدا كان قد توفّي سنة ١١٣ ه‍ ؛ وحفيده أحمد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن سعيد ، قد توفّي سنة ٢٥٨ ه‍ ، فلا يمكن للوليد بن مسلم ـ المولود سنة ١١٩ ه‍ ، والمتوفّى سنة ١٩٤ ه‍ ـ أن يأخذ حديث الأوزاعي ( ٨٠ ـ ١٥٨ ه‍ ) من أحدهما.

فلا بدّ ـ والحال هذه ـ أن يكون المراد هو من عيّنّاه ، حتّى يمكنه أخذ الحديث من الأوزاعي.

فإن كان الوصف بالكذب ـ في جملة « وكان كذّابا » ـ عائدا على ابن أبي السفر ـ وهو مقتضى قواعد العطف اللغوي ـ ، فهو مناقض لتوثيق علماء القوم لابن أبي السفر عبد الله بن سعيد بن يحمد!! كما هو واضح من ترجمته في مصادرهم ؛ فانظر ذلك ـ مثلا ـ في : الطبقات الكبرى ٦ / ٣٢٩ رقم ٢٥١٢ ، الجرح والتعديل ٥ / ٧١ رقم ٣٣٧ ، تهذيب التهذيب ٤ / ٣٢٢ رقم ٣٤٤٦ ، تهذيب الكمال ١٠ / ١٨٦

٢٦٧

زاد فين : وهو يقول فيها : قال الأوزاعي(١) .

وقال في ن : قال أبو مسهر : الوليد مدلّس ، وربّما دلّس عن الكذّابين.

وفين : إذا قال الوليد : عن ابن جريج ، أو : عن الأوزاعي ؛ فليس بمعتمد ، لأنّه يدلّس عن كذّابين.

يب : قال أحمد : كان رفّاعا.

وقال : اختلطت عليه أحاديث ما سمع وما لم يسمع ، وكانت له منكرات.

أقول :

في التقريب : كثير التدليس والتسوية(٢) .

__________________

رقم ٣٢٩١.

وإن كان الوصف بالكذب عائدا على الوليد بن مسلم ، فهو مناقض أيضا لتوثيقه من قبل علمائهم!! كما هو ظاهر ترجمته في كتبهم ؛ انظر ذلك ـ مثلا ـ في :

الطبقات الكبرى ٧ / ٣٢٦ رقم ٣٩٢٦ ، الجرح والتعديل ٩ / ١٦ رقم ٧٠ ، الإرشاد في معرفة علماء الحديث : ١١٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٤٧ رقم ٢٣١ ، ميزان الاعتدال ، تهذيب التهذيب ، تقريب التهذيب ، تهذيب الكمال ١٩ / ٤٥٥ رقم ٧٣٣١ ، سير أعلام النبلاء ٩ / ٢١١ رقم ٦٠ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٠٢ رقم ٢٨٢.

فوقع علماؤهم في التناقض من جهتين ، إذ إنّ نقلهم هذا الوصف ، وسكوتهم عنه ـ الظاهر في الارتضاء له ـ ، ينافي التوثيق ، سواء كان المراد هو الوليد أو ابن أبي السفر!! فلاحظ.

(١) وكذا في تهذيب الكمال ١٩ / ٤٦٢.

(٢) تقريب التهذيب ٢ / ٦٥٠ رقم ٧٧٣٧.

٢٦٨

٣٣٧ ـ ( ع ) وهب بن جرير بن حازم الأزدي ، أبو العبّاس البصري(١) :

قال أحمد : قال ابن مهدي : هاهنا قوم يحدّثون عن شعبة ، ما رأيناهم عنده ـ يعرّض بوهب ـ.

يب : قال أحمد : ما رؤي وهب عند شعبة قطّ(٢) ، ولكن كان وهب صاحب سنّة(٣) ، حدّث [ كما ](٤) زعموا عن شعبة بنحو أربعة آلاف حديث.

* * *

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ١٤٥ رقم ٩٤٣٢ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١٧٧ رقم ٧٧٥٣.

(٢) في تهذيب التهذيب : « ما روى وهب قطّ عن شعبة » ؛ وما في المتن موافق لما في ميزان الاعتدال.

(٣) وجاء إلى هنا من قول أحمد في ميزان الاعتدال أيضا.

(٤) أثبتناه ليستقيم السياق.

٢٦٩
٢٧٠

حرف الياء

٣٣٨ ـ ( د ت ق ) يحيى بن أبي حيّة ، أبو جناب الكلبي(١) :

قال الفلّاس : متروك(٢) .

وقال أبو زرعة : يدلّس.

ن : قال ابن الدورقي [ عن يحيى بن معين ](٣) : يدلّس(٤) .

يب : قال أبو حاتم : لا يكتب حديثه.

وقال ( س ) : ليس بثقة.

وقال ( س ) ويزيد بن هارون وأبو نعيم وابن معين وابن حبّان وابن خراش ويعقوب بن سفيان : يدلّس.

وقال ابن نمير : أفسد حديثه بالتدليس.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ١٧٠ رقم ٩٤٩٩ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢٢٠ رقم ٧٨١٧.

(٢) في تهذيب التهذيب : متروك الحديث.

(٣) أثبتناه ملفّقا من المصدرين.

(٤) وقد ورد قول الدورقي هذا في تهذيب التهذيب أيضا.

٢٧١

أقول :

وهو سنّة عن كبارهم كما عرفت(١) .

٣٣٩ ـ ( ت ) يحيى بن أكثم ، القاضي(٢) :

[يب : ](٣) قال ابن معين : يكذب.

وقال أبو عاصم : كذّاب.

وقال إسحاق بن راهويه : ذلك الرجل الدجّال ـ يعني ابن أكثم ـ.

٣٤٠ ـ ( ت ) يحيى بن أبي أنيسة(٤) :

قال ابن معين : ليس بشيء.

وقال أحمد والدارقطني : متروك(٥) .

وقال الفلّاس : أجمعوا على ترك حديثه.

٣٤١ ـ ( ع ) يحيى بن سعيد بن قيس ، أبو سعيد المدني الأنصاري القاضي النجّاري(٦) :

يب : قال يحيى بن سعيد القطّان : يدلّس.

__________________

(١) راجع صفحة ٥٣ ـ ٥٦.

(٢) تهذيب التهذيب ٩ / ٢٠٠ رقم ٧٧٨٩.

(٣) أضفناه لاقتضاء النسق.

(٤) ميزان الاعتدال ٧ / ١٦٢ رقم ٩٤٧١ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢٠٢ رقم ٧٧٩٠.

(٥) في تهذيب التهذيب : متروك الحديث.

(٦) تهذيب التهذيب ٩ / ٢٣٨ رقم ٧٨٣٨.

٢٧٢

وقال الدمياطي : يقال إنّه يدلّس.

٣٤٢ ـ ( خ م د ت ق ) يحيى بن صالح الوحاظي(١) :

قال أحمد بن صالح المصري : حدّثنا يحيى بن صالح ثلاثة عشر حديثا عن مالك ما وجدناها عند غيره.

يب : قال مهنّأ : سألت أحمد عنه ، فجعل يضعّفه(٢) .

وقال أحمد : لم أكتب عنه لأنّي رأيته يسيء الصلاة.

وقال العقيلي : هو كذا وكذا.

٣٤٣ ـ ( خ م س ت ) يحيى بن عبّاد الضبعي ، أبو عبّاد البصري(٣) :

يب : ضعّفه الساجي وقال : لم يحدّث عنه أحد من أصحابنا

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ١٩١ رقم ٩٥٥٣ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢٤٥ رقم ٧٨٤٧.

(٢) كذا في الأصل ؛ والنصّ في المصدر هو هكذا :

« وقال مهنّأ : سألت أحمد عنه ، فقال : رأيته في جنازة أبي المغيرة فجعل أبي يضعّفه ».

والنصّ مضطرب في المصدر كما هو واضح ، فقد سقط من النصّ الكلام الذي بين أوّل قول مهنّأ وآخر قول عبد الله بن أحمد ، وما في المتن هو مضمون كلام عبد الله بن أحمد.

والصواب ما في ترجمة الوحاظي من تهذيب الكمال ٢٠ / ١٢٢ ، هكذا :

« وقال مهنّأ بن يحيى : سألت أحمد بن حنبل عن يحيى بن صالح ، فقال : رأيته. ولم يحمده.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عن يحيى بن صالح الوحاظي ، فقال : رأيته في جنازة أبي المغيرة ؛ فجعل أبي يضعّفه ».

(٣) تهذيب التهذيب ٩ / ٢٥١ رقم ٧٨٥٧.

٢٧٣

بالبصرة.

وقال عبد الله بن المديني : ليس ممّن أحدّث عنه.

٣٤٤ ـ ( خ م ق ) يحيى بن عبد الله بن بكير ، أبو زكريّا المصري الحافظ ، وقد ينسب إلى جدّه(١) :

قال ( س ) : ليس بثقة.

يب : قال ابن معين : ليس بشيء.

٣٤٥ ـ ( ت ق ) يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي المدني(٢) :

تركه يحيى القطّان.

وقال ابن معين : ليس بشيء.

وقال شعبة : رأيته يصلّي صلاة لا يقيمها ، فتركت حديثه.

يب : قال ابن معين : لا يكتب حديثه.

وقال أبو حاتم : لا يشتغل به.

وقال ( س ) مرّة : متروك [ الحديث ].

وأخرى : لا يكتب حديثه.

وقال مسلم بن الحجّاج : ساقط ، متروك [ الحديث ].

وقال أبو عبد الله الحاكم : يضع الحديث.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ١٩٧ رقم ٩٥٧٢ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢٥٣ رقم ٧٨٦١.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٠١ رقم ٩٥٨٩ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢٦٨ رقم ٧٨٧٩.

٢٧٤

٣٤٦ ـ ( ع ) يحيى بن أبي كثير ، أبو نصر اليمامي(١) :

قال العقيلي : يذكر بالتدليس.

وقال يحيى القطّان : مرسلاته شبه الريح.

وقال همّام : كنّا نحدّثه بالغداة ، فإذا جاء العشيّ قلبه علينا.

يب : قال ابن حبّان : يدلّس ، فكلّ ما روى عن أنس فقد دلّس عنه ، لم يسمع من أنس ولا من صحابي.

٣٤٧ ـ ( ت ق ) يحيى بن مسلم البكّاء(٢) :

قال ( س ) : متروك [ الحديث ](٣) .

يب : قال ( د ) و ( س ) مرّة ـ وأحمد : غير ثقة.

وقال الأزدي : متروك.

٣٤٨ ـ ( س ق ) يحيى بن ميمون الضبّي ، أبو المعلّى العطّار(٤) :

ن : واه ، كذّبه الفلّاس.

وقال ابن حبّان : يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم(٥) .

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٢١٢ رقم ٩٦١٥ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢٨٥ رقم ٧٩١١.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٢٠ رقم ٩٦٣٩ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢٩٥ رقم ٧٩٢٤.

(٣) أضفناه من المصدرين ، وورد عن النسائي في « ميزان الاعتدال » أيضا أنّه قال مرّة : متروك.

(٤) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٢٢ رقم ٩٦٤٧.

(٥) وجاء مثله في ترجمته من تهذيب التهذيب ٩ / ٣٠٧ رقم ٧٩٣٧.

٢٧٥

٣٤٩ ـ ( م ٤ ) يحيى بن يمان ، أبو زكريّا العجلي الكوفي(١) :

ن : قال أبو بكر بن عيّاش : ذاهب الحديث.

يب : قال ابن معين : لم يبال أيّ شيء حدّث ، كان يتوهّم الحديث.

وقال وكيع : هذه الأحاديث التي يحدّث بها ليست من أحاديث الثوري.

٣٥٠ ـ ( ت ق ) يزيد بن أبان الرقاشي ، أبو عمرو ، القاصّ الزاهد(٢) :

قال ( س ) : متروك(٣) .

وقال شعبة : لأن أزني أحبّ إليّ من أن أحدّث عنه.

يب : [ قال عمرو بن عليّ : ] كان يحيى بن سعيد لا يحدّث عنه.

وقال أحمد : لا يكتب حديثه.

وقال ( س ) : ليس بثقة.

وقال أبو أحمد الحاكم : متروك [ الحديث ].

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٣٠ رقم ٩٦٦٩ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٢١ رقم ٧٩٥٨.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٣٢ رقم ٩٦٧٧ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٢٤ رقم ٧٩٦٣.

(٣) في تهذيب التهذيب : متروك الحديث.

٢٧٦

٣٥١ ـ ( ت ق ) يزيد بن زياد القرشي الدمشقي ، ويقال : ابن أبي زياد(١) :

قال ( س ) : متروك الحديث.

يب : قال ابن نمير : ليس بشيء.

وقال أبو حاتم مرّة : ذاهب الحديث.

ومرّة : ضعيف الحديث ، كأنّه موضوع.

٣٥٢ ـ ( ت ق ) يزيد بن سنان ، أبو فروة الرهاوي(٢) :

قال ( س ) : متروك(٣) .

يب : قال ( د ) : ليس بشيء.

وقال ابن عديّ : أحاديثه مسروقة.

٣٥٣ ـ ( ت ق ) يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي ، أبو الحكم(٤) :

رماه مالك بالكذب.

وقال ابن معين مرّة : يكذب.

وأخرى : ليس بشيء.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٤٣ رقم ٩٧٠٤ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٤٣ رقم ٧٩٩٥.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٤٦ رقم ٩٧١٣ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٠ رقم ٨٠٠٦.

(٣) في تهذيب التهذيب : متروك الحديث.

(٤) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٥٨ رقم ٩٧٤٨ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٦٧ رقم ٨٠٤٠.

٢٧٧

وقال ( س ) : متروك(١) .

يب : قال أحمد بن صالح : أظنّه [ كان ] يضع للناس.

وقال ( د ) : ترك حديثه [ ابن عيينة ].

وقال ( س ) : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه.

وقال الأزدي : متروك الحديث.

٣٥٤ ـ ( ت ق ) يعقوب بن الوليد ، أبو يوسف ، وقيل : أبو هلال(٢) :

قال أحمد : من الكذّابين الكبار ، يضع الحديث.

وقال ابن معين : كذّاب.

ن : كذّبه أبو حاتم.

يب : قال الفلّاس : ضعيف [ الحديث ] جدّا.

وقال ( س ) مرّة : ليس بشيء ، متروك [ الحديث ].

ومرّة : ليس بثقة ، لا يكتب حديثه.

وقال ابن حبّان : يضع الحديث.

٣٥٥ ـ ( ق ) يوسف بن خالد ، الفقيه ، البصري ، الليثي(٣) :

قال أبو حاتم : له كتاب وضعه في التجهّم ، ينكر فيه الميزان والقيامة.

__________________

(١) في تهذيب التهذيب : متروك الحديث.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٨٢ رقم ٩٨٣٧ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٤١٥ رقم ٨١١٤.

(٣) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٩٤ رقم ٩٨٧١ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٤٣٢ رقم ٨١٤٥.

٢٧٨

وقال ابن معين : كذّاب.

زاد فييب : زنديق ، لا يكتب حديثه.

يب : قال الفلّاس : يكذب.

وقال ( د ) : كذّاب.

وقال ابن معين : يكذب(١) .

وقال ابن حبّان : يضع الأحاديث.

٣٥٦ ـ ( م د ت ق ) يونس بن بكير بن واصل الشيباني الجمّال(٢) :

قال ( د ) : يأخذ كلام ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث.

ن : قال ابن المديني : لا أحدّث عنه.

وقال يحيى الحمّاني : لا أستحلّ الرواية عنه.

وقال ابن معين : مرجئ يتّبع السلطان.

__________________

(١) كان في الأصل : « ابن معمر » بدل « ابن معين » ؛ وفي المصدر ـ طبعة حيدر آباد ١١ / ٤١٢ ـ هكذا : « قال البخاري قال ان معمر يكذب » وقد سقطت كلمة « قال » الثانية من الطبعة الحديثة ؛ وما في الأصل والمصدر غير صحيح ، فإنّ « ابن معمر » تصحيف « ابن معين » ؛ والصواب هو ما أثبتناه في المتن وفقا لما في التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٨ / ٣٨٨ رقم ٣٤٢٦ ، ففيه هكذا : « قال ابن معين وعمرو بن عليّ :يوسف يكذب ».

وبذلك يكون رأي ابن معين في الرجل قد تكرّر في المتن لحصول التصحيف المذكور آنفا ؛ فلاحظ.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٣١١ رقم ٩٩٠٨ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٤٥٦ رقم ٨١٨٣ ، وفيهما : « الحمّال » بدل « الجمّال ».

٢٧٩

ومثله فييب عن الساجي.

وفي الكتابين : قال إبراهيم عن ابن معين : ثقة ، كان مع جعفر بن يحيى ، وكان موسرا ؛ فقال له رجل : إنّهم يرمونه بالزندقة؟! فقال : كذب ، رأيت ابني أبي شيبة أتياه فأقصاهما ، فذهبا يتكلّمان فيه.

أقول :

من البعيد أن تجتمع الوثاقة مع اتّباع السلطان الجائر ، كما يشكل أنّ من يتكلّم في الناس للرضا والسخط يكون حجّة في الجرح والتعديل.

* * *

ولنكتف بهذا المقدار من الأسماء مضيفين إليها بعض من اشتهر بكنيته

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307