دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147514 / تحميل: 5872
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

النظر واجب بالعقل لا بالسمع

قال المصنّف ـ طاب رمسه ـ(١) :

المبحث الثاني

في أنّ النظر واجب بالعقل

الحقّ أنّ مدرك وجوب النظر عقليّ لا سمعي ، وإن كان السمع قد دلّ عليه أيضا بقوله تعالى : (قُلِ انْظُرُوا )(٢) .

وقال الأشاعرة قولا يلزم منه انقطاع حجج الأنبياء ، وظهور المعاندين عليهم ، وهم معذورون في تكذيبهم! مع إنّ الله تعالى قال : (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(٣)

فقالوا : إنّه واجب بالسمع لا بالعقل ، وليس يجب بالعقل شيء ألبتّة!(٤) .

فيلزمهم إفحام الأنبياء ، واندحاض حجّتهم ؛ لأنّ النبيّ إذا جاء إلى المكلّف فأمره بتصديقه واتّباعه ، لم يجب ذلك عليه إلّا بعد العلم بصدقه ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٠ ـ ٥١.

(٢) سورة يونس ١٠ : ١٠١.

(٣) سورة النساء ٤ : ١٦٥.

(٤) الملل والنحل ١ / ٨٨ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٦٤ ـ ٦٥ ، شرح المقاصد ١ / ٢٦٢ ، شرح المواقف ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

١٤١

إذ بمجرّد الدعوى لا يثبت صدقه ، بل ولا بمجرّد ظهور المعجزة على يده ما لم ينضمّ إليه مقدّمات

منها : إنّ هذه المعجزة من عند الله تعالى.

[ومنها : إنّه تعالى ] فعلها لغرض التصديق.

ومنها : إنّ كلّ من صدّقه الله تعالى فهو صادق

لكنّ العلم بصدقه حيث يتوقّف على هذه المقدّمات النظرية ، لم يكن ضروريا ، بل يكون نظريّا.

فللمكلّف أن يقول : لا أعرف صدقك إلّا بالنظر ، والنظر لا أفعله إلّا إذا وجب عليّ وعرفت وجوبه ، ولم أعرف وجوبه إلّا بقولك ، وقولك ليس بحجّة عليّ قبل العلم بصدقك!

فتنقطع حجّة النبيّ ، ولا يبقى له جواب يخلص به ، فتنتفي فائدة بعثة الرسل ، حيث لا يحصل الانقياد إلى أقوالهم ، ويكون المخالف لهم معذورا.

وهذا هو عين الإلحاد والكفر! نعوذ بالله منه.

فلينظر العاقل المنصف [ من نفسه ] ، هل يجوز له اتّباع من يؤدّي مذهبه إلى الكفر؟!

وإنّما قلنا بوجوب النظر ؛ لأنّه دافع للخوف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة.

١٤٢

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ النظر في معرفة الله واجب بالإجماع ، والاختلاف في طريق ثبوته.

فعند الأشاعرة طريق ثبوته : السمع ، لقوله تعالى : (انْظُرُوا )(٢) ؛ ولأنّ معرفة الله واجبة إجماعا ، وهي لا تتمّ إلّا بالنظر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به فهو واجب ، ومدرك هذا الوجوب هو السمع كما سيتحقّق بعد هذا.

وأمّا المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية(٣) ، فهم أيضا يقولون بوجوب النظر ، لكن يجعلون مدركه العقل لا السمع(٤) .

ويعترضون على الأشاعرة بأنّه لو لم يجب النظر إلّا بالشرع لزم إفحام

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٥١ ـ ١٥٥.

(٢) سورة يونس ١٠ : ١٠١.

(٣) إنّ القول بأنّ الإمامية تبع للمعتزلة في علم الكلام ، وأنّهم متّفقون معهم في العقيدة ، قول باطل لا أساس له من الصحّة جملة وتفصيلا

فللإمامية رأيهم المستقلّ ، ومن الخطأ في التعليل والاعتباط في الرأي أن نجعل موافقة الإمامية للمعتزلة دليلا على تأثّرهم بهم ، أو حضور إماميّ عند معتزليّ شاهدا على استجداء العقيدة واستماحة الفكر ، بل إنّ الاحتكاك الفكري هو الذي ينمّي التفكير ويصحّح طرق الاستدلال ويقصّر السبل ويسهّلها ؛ وقد نشأ علم الكلام واستقرّت طرقه ومناهجه عند الإمامية قبل غيرهم.

وقد فصّل البحث في ذلك سماحة الشيخ محمّد رضا الجعفري ـ حفظه الله ـ في مقاله : « الكلام عند الإمامية » المنشور في مجلّة « تراثنا » ، العددين ٣٠ ـ ٣١ ، ص ١٤٤ ـ ٢٩٩ ؛ فراجع.

(٤) شرح الأصول الخمسة : ٤٢ ـ ٤٣ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٦٧ ـ ١٧١.

١٤٣

الأنبياء ، وعجزهم عن إثبات نبوّتهم في مقام المناظرة كما ذكره من الدليل.

والجواب من وجهين :

[ الجواب ] الأوّل : النقض :

وهو : إنّ ما ذكرتم من إفحام الأنبياء ، مشترك بين الوجوب الشرعي ـ الذي هو مذهبنا ـ ، والوجوب العقلي ـ الذي هو مذهبكم ـ ، فما [ هو ] جوابكم فهو جوابنا!

وإنّما كان مشتركا ، إذ لو وجب النظر بالعقل فوجوبه ليس ضروريا ، بل بالنظر فيه ، والاستدلال عليه بمقدّمات مفتقرة إلى أنظار دقيقة من أنّ المعرفة واجبة ، وأنّها لا تتمّ إلّا بالنظر ، وأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب

فيقول المكلّف حينئذ : لا أنظر أصلا ما لم يجب ، ولا يجب ما لم أنظر ، فيتوقّف كلّ واحد من وجود النظر مطلقا ، ووجوبه على الآخر.

لا يقال : إنّه يمكن أن يكون وجوب النظر فطريّ القياس ، فيضع النبيّ للمكلّف مقدّمات ينساق ذهنه إليها بلا تكلّف ، ويفيده العلم بذلك ـ يعني بوجوب النظر ضرورة ـ ، فيكون الحكم بوجوب النظر ضروريا محتاجا إلى تنبيه على طرفيه.

لأنّا نقول : كونه فطريّ القياس مع توقّفه على ما ذكرتموه من المقدّمات الدقيقة الأنظار ، باطل.

وعلى تقدير صحّته ـ بأن يكون هناك دليل آخر ـ فللمكلّف أن لا يستمع إليه وإلى كلامه الذي أراد تنبيهه به ، ولا يأثم بترك النظر أو الاستماع ، إذ لم يثبت بعد وجوب شيء أصلا ، فلا يمكن الدعوة وإثبات

١٤٤

النبوّة ، وهو المراد بالإفحام.

والجواب الثاني : الحلّ :

وهو أن يقال : [ النبيّ له أن يقول ] ـ إذا قال المكلّف : لا أعرف صدقك إلّا بالنظر ، والنظر لا أفعله إلّا إذا وجب عليّ وعرفت وجوبه ـ:

إنّ الوجوب عليك محقّق بالشرع في نفس الأمر ، ولكن لا يلزم أن تعرف ذلك الوجوب.

فإن قال : الوجوب موقوف على علمي به.

قلنا : لا يتوقّف ؛ إذ العلم بالوجوب موقوف على الوجوب ، فلو توقّف الوجوب على العلم بالوجوب لزم الدور ، فليس الوجوب في نفس الأمر موقوفا على العلم بالوجوب.

فإن قال : ما لم أعرف الوجوب لم أنظر.

قلنا : ماذا تريد بالوجوب الذي ما لم تعرفه لم تنظر؟!

فإن قال : أريد بالوجوب ما يكون ترك الواجب به إثما وفعله ثوابا.

قلنا : فقد أثبتّ الشرع حيث قلت بالثواب ، وإلّا فبطل قولك :

« ووجوبه لا أعرفه إلّا بقولك » ، فاندفع الإفحام.

وإن قال : أردت بالوجوب ما يكون ترك الواجب به قبيحا لا يستحسنه العقلاء ، ويترتّب عليه المفسدة ، فيرجع إلى استحسان العقل.

قلنا : فأنت تعرف هذا الوجوب إذا راجعت العقلاء ، وتأمّلت فيه بعقلك ، فإنّ كلّ عاقل يعرف أنّ ترك النظر في معرفة خالقه ـ مع بثّ النعم ـ

١٤٥

قبيح ، وفيه مفسدة ، فبطل قوله : « ولم أنظر ما لم أعرف الوجوب » ، واندفع الإفحام.

لا يقال : هذا الوجه الثاني هو عين [ القول ب‍ ] الحسن والقبح العقليّين ، وليس هذا مذهب الأشاعرة ، بل هذا إذعان لمذهب المعتزلة ومن تابعهم.

قلنا : لأنّا نقول : ليس هذا من الحسن والقبح اللذين وقع فيهما المنازعة أصلا ؛ لأنّ الحسن والقبح ، بمعنى تعلّق المدح والثواب والذمّ والعقاب ، هو محلّ النزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعيّ ، وعند المعتزلة عقليّ.

وأمّا الحسن والقبح ، بمعنى ملاءمة الغرض ومنافرته ، وترتّب المصلحة والمفسدة عليهما ، فهما عقليّان بالاتّفاق ؛ وهذا من ذاك الباب ، وسنبيّن لك [ حقيقة ] هذا المبحث في فصل الحسن والقبح إن شاء الله تعالى.

ثمّ اعلم أنّا سلكنا في دفع لزوم الإفحام [ عن الأنبياء ] مسلكا لم يسلكه قبلنا أحد من السلف ، وأكثر ما(١) اطّلعنا عليه من كلامهم لم يفد دفع الإفحام ، كما هو ظاهر على من يراجع كلامهم ، والله العالم.

إذا عرفت هذا ، علمت أنّ الإفحام مندفع على تقدير القول بالوجوب الشرعي في هذا المبحث ، فأين الانجرار إلى الكفر والإلحاد؟!

ثمّ إنّ من غرائب طامّات هذا الرجل أنّه أورد شبهة على كلام الأشاعرة ، وهي مندفعة بأدنى تأمّل ، ثمّ رتّب عليه التكفير والتفسيق ، وهذا

__________________

(١) كان في الأصل : « من » ، وهو تصحيف ؛ والمثبت في المتن من المصدر.

١٤٦

غاية الجهل والتعصّب ، وهو رجل يريد ترويج طامّاته ليعتقده القلندرية والأوباش(١) ورعاع الحلّة من الرفضة والمبتدعة.

__________________

(١) الأوباش من الناس : الأخلاط والضروب المتفرّقون والسفلة ؛ انظر : الصحاح ٣ / ١٠٢٤ ، لسان العرب ١٥ / ٢٠٠ ، تاج العروس ٩ / ٢١٩ ، مادّة « وبش ».

١٤٧

وأقول :

إنّ الجواب النقضي إنّما يتوجّه إذا كان الدليل العقلي على الوجوب ـ نظريا أو ضروريا ـ محتاجا إلى تنبيه.

وأمّا إذا كان ضروريا غنيا عن التنبيه ، فلا ، كالدليل الذي ذكره المصنّف.

فإنّالمقدّمة الأولى منه ، وهي :

« إنّ النظر دافع للخوف » وجدانية ؛ لأنّ النظر إمّا أن يحصل به القطع المؤمّن للقاطع ، أو يوجب الأمان من جهله لو لم يقطع ؛ لأنّ النظر غاية المقدور.

والمقدّمة الثانية ، وهي :

« إنّ دفع الخوف واجب » ضرورية أوّلية ، لا تحتاج إلى التنبيه كالأولى.

فإن قلت :

أين الخوف حتّى يوجب دفعه؟!

قلت :

لا ريب أنّ كلّ عاقل يحتمل بالضرورة أنّ له ربّا لازم العبادة ، وأنّه يعاقبه بجهله فيه ، وترك النظر في معرفته ، والإخلال بعبادته ، فيحصل له الخوف بالضرورة ، فيحتاج إلى النظر ، ويجب عليه عقلا.

١٤٨

ولا يخفى أنّ الخصم أخذ هذا الجواب النقضي بعينه من « المواقف » وشرحها ، من غير تدبّر بعدم انطباقه على المورد ؛ لأنّ المصنّف ذكر لوجوب النظر دليلا ضروريا ، وما ذكره في « المواقف » دليل آخر نظريّ!

فرأى الخصم أنّ صاحب « المواقف » ذكر جوابا سمّاه نقضيا ، فأخذه بلفظه من غير معرفة بعدم انطباقه على الدليل الذي في الكتاب ، وأنّه لا يكون نقضا عليه ، وإنّما يكون نقضا على ما بيّنه في « المواقف ».

ثمّ إنّه قد ذكر في « المواقف » نظير الدليل البديهي المذكور ، وجعله دليلا على وجوب المعرفة عقلا ، لا على وجوب النظر ، فقال : « المعرفة دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف ، وهو ـ أي الخوف ـ ضرر ، ودفع الضرر عن النفس واجب [ عقلا ] »(١) .

ولو قال : المعرفة دافعة للخوف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة ؛ لكان أولى.

وأمّا ما ذكره في الحلّ :

فيرد عليه أمور :

الأوّل :

إنّ قوله : « الوجوب عليك محقّق بالشرع في نفس الأمر » كلام غير نافع ، وهو الذي اقتصر عليه علماء الأشاعرة ؛ لأنّ تحقّق وجوب النظر في الواقع وإن لم يتوقّف على العلم ، لكن لا يؤثّر في لزوم إطاعة المكلّف له

__________________

(١) المواقف : ٢٨ ـ ٣١ ، شرح المواقف ١ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

١٤٩

ما لم يعلمه ، فإنّ من لا يعرف الوجوب يكون معذورا في مخالفته وترك النظر ، فيلزم الإفحام.

ولو ادّعيت عدم المعذورية عقلا في مخالفة الوجوب الشرعي الواقعي ، بمجرّد احتمال المكلّف له ، رجعت إلى حكم العقل ، وصار المحرّك للمكلّف على النظر هو العقل لا الشرع.

وبالجملة : إنّما يرتفع الإفحام بعلم المكلّف بالوجوب ، لا بمجرّد وجوده في الواقع ، وقول مدّعي النبوّة لا يفيده العلم ، فلا يرتفع الإفحام ، بخلاف الدليل العقلي ، فإنّه يثبت الوجوب ، ويفيد العلم به ، فيرتفع الإفحام.

الثاني :

إنّه لا يلزم من قول المكلّف : « أريد بالوجوب ما يكون ترك الواجب به إثما وفعله ثوابا » أن يكون مثبتا للشرع ، مذعنا به ؛ لأنّ استعمال اللفظ في معنى لا يستلزم اعتقاد المستعمل بالمعنى ، بل يكفيه سماعه له مستعملا به عند أهل الشرع ، فإذا أراده صحّ كلامه من غير اعتقاد به ، ولزم الإفحام.

الثالث :

إنّ نتيجة قوله : « وإن قال : أردت بالوجوب ما يكون الواجب به قبيحا » إلى آخره ، أن يكون الوجوب عقليا ، وحينئذ ـ لو تمّ ـ لا يكون جوابا حلّيا عن إشكال الإفحام بناء على الوجوب الشرعي.

فظهر أنّ زيادة الخصم على جواب الأشاعرة بقوله : « فإن قال : ما لم أعرف الوجوب لم أنظر » إلى آخر جوابه ، زيادة لاغية لا تنفع

١٥٠

الأشاعرة ؛ لاشتمالها على مقدّمتين :

أولاهما : لا تدفع الإفحام.

والثانية : تجعل الوجوب عقليا كما عرفته في الأمرين الأخيرين.

واعلم أنّ دليل المصنّف العقلي كما يثبت وجوب النظر لمعرفة الله تعالى ، يثبت وجوب النظر لمعرفة النبيّ ، إلّا أنّ وجه الخوف مختلف ، ولا يبعد أنّ المصنّف أراد الأمرين كما هو ظاهر من كلامه.

والله العالم.

* * *

١٥١
١٥٢

المعرفة واجبة بالعقل

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

المبحث الثالث

في أنّ معرفة الله تعالى واجبة بالعقل

الحقّ أنّ وجوب معرفة الله تعالى مستفاد من العقل ، وإن كان السمع [ قد ] دلّ عليه ؛ لقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ )(٢) ؛ لأنّ شكر النعمة(٣) واجب بالضرورة ، وآثار النعمة علينا ظاهرة ، فيجب علينا أن نشكر فاعلها ، وإنّما يحصل بمعرفته ؛ ولأنّ معرفة الله دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة.

وقالت الأشاعرة : إنّ معرفة الله واجبة بالسمع لا بالعقل(٤) ، فلزمهم ارتكاب الدور ، المعلوم بالضرورة بطلانه ؛ لأنّ معرفة الإيجاب تتوقّف على معرفة الموجب ، فإنّ من لا نعرفه بشيء من الاعتبارات ألبتّة ، نعلم ـ بالضرورة ـ أنّا لا نعرف أنّه أوجب ، فلو استفيدت معرفة الموجب من معرفة الإيجاب لزم الدور المحال.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥١ ـ ٥٢.

(٢) سورة محمّد ٦ ٤٧ : ١٩.

(٣) في المصدر : المنعم.

(٤) الملل والنحل ١ / ٨٨ ، المواقف : ٢٨ ، شرح المواقف ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

١٥٣

وأيضا : لو كانت المعرفة إنّما تجب بالأمر ، لكان الأمر بها إمّا أن يتوجّه إلى العارف بالله تعالى ، أو إلى غير العارف ، والقسمان باطلان ، فتعليل الإيجاب بالأمر محال.

أمّا بطلان الأوّل ؛ فلأنّه يلزم منه تحصيل الحاصل ، وهو محال.

وأمّا بطلان الثاني ؛ فلأنّ غير العارف بالله يستحيل أن يعرف : أنّ الله قد أمره ، وأنّ امتثال أمره واجب.

وإذا استحال أن يعرف أنّ الله تعالى قد أمره ، وأنّ امتثال أمره واجب ، استحال أمره ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، وسيأتي بطلانه إن شاء الله تعالى.

١٥٤

وقال الفضل(١) :

لا بدّ في هذا المقام من تحرير محلّ النزاع أوّلا ، فنقول :

وجوب معرفة الله تعالى ـ الذي اختلف فيه ـ هل إنّه مستفاد من الشرع أو العقل؟

إن أريد به الاستحسان ، وترتّب المصلحة ، فلا يبعد أن يقال : إنّه مستفاد من العقل ؛ لأنّ شكر المنعم موقوف على معرفته ، والشكر واجب ـ بهذا المعنى ـ بالعقل ، ولا نزاع للأشاعرة في هذا.

وإن أريد به ما يوجب ترتّب الثواب والعقاب ، فلا شكّ أنّه مستفاد من الشرع ؛ لأنّ العقل ليس له أن يحكم بما يوجب الثواب عند الله.

والمعتزلة يوافقون أهل السنّة في أنّ الحسن والقبح ـ بهذا المعنى ـ مركوزان في العقل ، ولكنّ الشرع كاشف عنهما.

ففي المذهبين لا بدّ وأن يؤخذ(٢) من الشرع ، إمّا لكونه حاكما ، أو لكونه كاشفا(٣) .

فكلّ ما يرد على الأشاعرة في هذا المقام بقولهم : « إنّ الشرع حاكم بالوجوب دون العقل » يرد على المعتزلة بقولهم : « إنّ الشرع كاشف للوجوب » ؛ لأنّ في القولين لا بدّ من الشرع ليحكم أو يكشف.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) كان في الأصل : « يوجد » ، وهو تصحيف ؛ والمثبت في المتن من المصدر.

(٣) أي كاشفا عن حكم العقل بوجوب النظر.

١٥٥

ثمّ ما ذكر من أنّ معرفة الله دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة

فنحن نقول فيه ـ بعد تسليم حكم العقل بالحسن والقبح في الأفعال ، وما يتفرّع عليهما من الوجوب والحرمة وغيرهما ـ : نمنع حصول الخوف المذكور ؛ لعدم الشعور بما جعلتم الشعور به سببا له من الاختلاف وغيره.

ودعوى ضرورة الشعور من العاقل ممنوعة ؛ لعدم الخطور في الأكثر ، فإنّ أكثر الناس لا يخطر ببالهم أنّ هناك اختلافا بين الناس في ما ( ذكروا : أنّ )(١) لهذه النعم منعما قد طلب منهم الشكر عليها ، بل هم ذاهلون عن ذلك ، فلا يحصل لهم خوف أصلا.

وإن سلّم حصول الخوف ، فلا نسلّم أنّ العرفان ـ الحاصل بالنظر ـ يدفعه ، إذ قد يخطئ فلا يقع العرفان على وجه الصواب ؛ لفساد النظر ، فيكون الخوف حينئذ أكثر.

ثمّ ما ذكر من لزوم الدور ، مندفع بأنّ وجوب المعرفة بالشرع في نفس الأمر ، لا يتوقّف على معرفة الإيجاب [ وإن توقّف على الإيجاب ] في نفس الأمر ، فلا يلزم الدور.

ثمّ ما ذكر من أنّ المعرفة لا تجب إلّا بالأمر ، والأمر إمّا أن يتوجّه إلى العارف أو الغافل ؛ وكلاهما باطل

فنقول في جوابه : المقدّمة الثانية القائلة : بأنّ تكليف غير العارف باطل لكونه غافلا ؛ ممنوعة

__________________

(١) في المصدر : « ذكر ، وأنّ ».

١٥٦

إذ شرط التكليف : فهمه وتصوّره ، لا العلم والتصديق به ؛ لأنّ الغافل من لا يفهم الخطاب ، أو لم يقل له : إنّك مكلّف ؛ فتكليف غير العارف ليس من المحال في شيء ؛ والله أعلم.

١٥٧

وأقول :

لا يخفى أنّ معنى الوجوب هو : لزوم الفعل ، وعبّر بعضهم بطلب الفعل مع المنع من الترك ، وهذا ممّا لا يشتبه في نفسه على أحد ، ولا في كونه ـ هو دون غيره ـ محلّ النزاع ، فأيّ وجه لتركه؟!

والترديد في معنى الوجوب بين أمرين لا ربط لهما بالمقصود ، اللهمّ إلّا أن يريد الترديد في سبب الوجوب العقلي ودليله ، لا في معناه ، فهو حسن إذا كان غرضه ـ من الشقّ الأوّل في الترديد ـ تسليم الدليل الأوّل الذي استدلّ به المصنّف ، مع إرادة الخصم بالاستحسان هو الاستحسان على وجه اللزوم.

لكنّ دعوى تسليم الأشاعرة لهذا الدليل ، وعدم النزاع لهم في وجوب شكر المنعم ، غير صحيحة ، لا سيّما إذا أريد به إثبات وجوب المعرفة عقلا.

فإنّهم أنكروا وجوب المعرفة عقلا ـ كما سمعت ـ ، وأنكروا وجوب شكر المنعم عقلا ، مدعين :

أوّلا : إنّه تصرّف في ملك الغير ، فلا يجوز بدون إذنه.

وثانيا : إنّه لو وجب عقلا ، فإن كان لا لفائدة ، يلزم العبث ؛ وإن كان لفائدة : إمّا في الدنيا ، وأنّه مشقّة ؛ أو في الآخرة ، ولا استقلال للعقل فيها.

ويرد على الأوّل : إنّهم إن أرادوا بملك الغير : الجوارح والقوى المدركة ؛ ففيه : إنّ الله سبحانه إنّما خلقها ليتصرّف بها صاحبها ، إلّا أن

١٥٨

يثبت منع الشرع في مورد فيستثنى.

وإن أرادوا به أفعال العبد ؛ فهي عندهم مخلوقة لله تعالى ، فلا تصرّف للعبد فيها ، على إنّ الأصل الإباحة عند الشكّ كما حقّق في أصول الفقه(١) .

ويرد على الثاني : إنّا نختار أنّه لفائدة الشاكر ، سواء قلنا : إنّها في الدنيا ؛ لأنّ المشقّة لا يلتفت إليها في جنب الفائدة ، كيف؟! ولا تحصل فائدة غالبا بدون مشقّة

أم في الآخرة ؛ لأنّ العقل مستقلّ بها ، وحاكم بالثواب عند الله تعالى ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وأمّا قوله : « وإن أريد به ما يوجب ترتّب الثواب والعقاب ، فلا شكّ أنّه مستفاد من الشرع »

فهو خارج عن المقام ؛ لأنّ الكلام إنّما هو في أصل الوجوب العقلي ودليله ، ولا ربط له بمسألة استحقاق الثواب والعقاب على طاعة التكاليف الشرعية ومخالفتها.

كما إنّ قولنا بالاستحقاق لا يتوقّف على كشف الشرع بالضرورة.

وكيف كان ، فإن أقرّ الخصم بوجوب معرفة الله تعالى عقلا ، وأنّ العقل ملزم للإنسان بالمعرفة وإن لم يعرف الشرع ، لوجوب شكر المنعم عقلا ، الموقوف على المعرفة ، فهو المطلوب.

__________________

(١) انظر : المستصفى من علم الأصول ١ / ٧٥ ، إرشاد الفحول : ٤٧٣ ، المواهب السنية ـ المطبوع بهامش الأشباه والنظائر ، للسيوطي ـ : ٨٣ ، العدّة في أصول الفقه ٢ / ٧٤١ ـ ٧٥١ ، كفاية الأصول : ٣٣٨ و ٣٥٥.

١٥٩

ولكنّ أصحابه لا يعترفون به وإن أنكر ذلك تبعا لأصحابه! فما هذه التفاصيل الخارجة عن المقصود ، والأغاليط التي لا يعرف معناها ، ولا نتيجة لها ، إلّا تشويش الكلام وتلبيس الحقّ!

ومن جملة الخبط في كلامه قوله : « والمعتزلة يوافقون أهل السنّة في أنّ الحسن والقبح بهذا المعنى مركوزان في العقل »

فإنّ حقّ العبارة أن يقول : « ثابتان بالشرع » ، بدلا عن قوله :

« مركوزان في العقل » ؛ لأنّ الأشاعرة لا يقولون بالثواب والعقاب عقلا(١) .

وأمّا ما أجاب به عن الدليل الثاني الذي ذكره المصنّف ، فهو عين لفظ « المواقف » وشرحها ، من قوله : « نحن نقول بعد تسليم » إلى قوله :

« فيكون الخوف حينئذ أكثر »(٢)

ويرد عليه أوّلا : إنّ منع حصول الخوف بدعوى عدم شعور الناس بسببه وهو « الاختلاف » خطأ ظاهر ، سواء أراد المصنّف بالاختلاف ، الاختلاف في وجود الله تعالى ، أم في أنّ لهذه النعم منعما.

وذلك لأنّ الاختلاف في الأمرين أظهر الوجدانيات والمشاهدات ، وأبين محالّ الخلاف في الديانات ، فكيف يمكن أن لا يشعر به الناس؟!

نعم ، ربّما لا يبالي الناس بالجهل ومقتضى الخوف ، وهو أمر آخر.

ويرد عليه ثانيا : إنّ تقييد المنعم بأنّه قد طلب الشكر عليها ، خطأ آخر ؛ لمنافاته لمذهبنا ، وهم يريدون حكاية دليلنا ، فإنّا نقول : إنّ وجوب شكر المنعم عقلي لا شرعي ، وإنّما الشرع مؤكّد(٣) .

__________________

(١) الملل والنحل ١ / ٨٨ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٣.

(٢) المواقف : ٣١ ، شرح المواقف ١ / ٢٧٠.

(٣) انظر : الذخيرة في علم الكلام : ١٧٠ ـ ١٧١.

١٦٠

علي بن حماد العبدي

لله ما صنعت فينا يد البينِ

كم من حشاً أقرحت منا ومن عينِ

مالي وللبين؟ لا أهلاً بطلعته

كم فرّق البين قدماً بين إلفينِ؟!

كانا كغصنين في أصلٍ غذاؤهما

ماء النعيم وفي التشبيه شكلين

كأنّ روحيهما من حسن إلفهما

روح وقد قسّمت ما بين جسمين

لا عذل بينهما في حفظ عهدهما

ولا يزيلهما لوم العذولين

لا يطمع الدهر في تغيير ودّهما

ولا يميلان من عهدٍ إلى مَينِ

حتى إذا أبصرت عين النوى بهما

خِلّين في العيش من هم خليّين

رماهما حسدا منه بداهيةٍ

فأصبحا بعد جمع الشمل ضدّين

في الشرق هذا وذا في الغرب منتئياً

مشرّدين على بُعد شجّيين

والدهر أحسد شيء للقريبين

يرمي وصالهما بالبعد والبين

لا تأمن الدهر إن الدهر ذو غيرٍ

وذو لسانين في الدنيا ووجهين

أخنى على عترة الهادي فشتّتهم

فما ترى جامعا منهم بشخصين

كأنّما الدهر آلا أن يبدّدهم

كعاتب ذي عناد أو كذي دين

بعض بطيبة مدفون وبعضهم

بكربلاء وبعض بالغريّين

وأرض طوس وسامرّا وقد ضمنت

بغداد بدرين حلا وسط قبرين

يا سادتي ألمن أبكي أسىً؟! ولمن

أبكي بحفنين من عيني قريحين؟!

١٦١

أبكي على الحسن المسموم مضطهدا؟!

أم الحسين لقى بين الخميسين؟

أبكي عليه خضيب الشيب من دمه

معفّر الخد محزوز الوريدين

وزينب في بنات الطهر لاطمة

والدمع في خدّها قد خدّ خدّين

تدعوه: يا واحدا قد كنت أمله

حتى استبدّت به دوني يد البين

لاعشت بعدك ما إن عشت لانعمت

روحي ولا طعمت طعم الكرا، عيني

أنظر إليّ أخي قبل الفراق لقد

أذكا فراقك في قلبي حريقين

أنظر الى فاطم الصغرى أخي تَرها

لليُتم والسبي قد خصّت بذلّين

اذا دنت منك ظل الرجس يضربها

فتلتقي الضرب منها بالذراعين

وتستغيث وتدعو: عمّتا تلفت

روحي لرزئين في قلبي عظيمين

ضرب على الجسد البالي وفي كبدي

للثكل ضرب فما اقوى لضربين

أنظر علياً أسيرا لا نصير له

قد قيّدوه على رغم بقيدين

وارحمتا يا أخي من بعد فقدك بل

وارحمتا للأسيرين اليتيمين

والسبط في غمرات الموت مُشتغل

ببسط كفّين أو تقبيض رجلين

لا زلت أبكي دماً ينهلّ منسجماً

للسيّدين القتيلين الشهيدين

ألسيّدين الشريفين اللذين هما

خير الورى من أب مجد وجدّين

ألضارعين الى الله المنيبين

ألمسرعين الى الحق الشفيعين

ألعالمين بذي العرش الحكيمين

ألعادلين ألحليمين الرشيدين

ألصابرين على البلوى الشكورين

ألمعرضين عن الدنيا المنيبين

ألشاهدين على الخلق الإمامين

ألصادقين عن الله الوفيّين

ألعابدين التقيّين الزكيّين

ألمؤمنين الشجاعين الجريّين

ألحجّتين على الخلق الأميرين

ألطيّبين الطهورين الزكيّين

نورين كانا قديما في الظلال كما

قال النبي لعرش الله قرطين

تفّاحتي احمد الهادي وقد جعل

لفاطم وعليّ الطهر نسلين

صلى الإله على روحيهما وسقا

قبريهما ابداً نوء السماكين

١٦٢

الى ان يقول فيها:

ما لابن حمّادٍ العبديّ من عمل‌‏

إلا تمسّكه بالميم والعين

فالميم غاية آمالي محمّدها

والعين أعني عليّا قرة العين

صلى الإله عليهم كلما طلعت

شمس وما غربت عند العشائين (1)

  ولأبن حماد:

حيّ قبرا بكربلا مُستنيرا

ضمّ كنز التقى وعلما خطيرا

وأقم مأتم الشهيد وأذرف

منك دمعا في الوجنتين غزيرا

والتثم تربة الحسين بشجوٍ

وأطل بعد لثمك التعفيرا

ثم قل: يا ضريح مولاي سُقيّـ

ـت من الغيث هاميا جمهريرا

ته على ساير القبور فقد أصـ

ـبحت بالتيه والفخار جديرا

فيك ريحانة النبي ومن حل

من المصطفى محلا أثيرا

فيك يا قبر كل حلم وعلم

وحقيق بأن تكون فخورا

فيك مَن هدّ قتله عمد الدين

وقد كان بالهدى معمورا

فيك من كان جبرئيل يُناغيه

وميكال بالحباء صغيرا

فيك مَن لاذ فطرس فترقّى

بجناحي رضى وكان حسيرا

يوم سارت له جيوش ابن هند

لذحول أمست تحل الصدورا

آه واحسرتي له وهو بالسيف

نحير أفديت ذاك النحيرا

آه إذ ظل طرفه يرمق الفسطاط

خوفا على النساء غيورا

آه إذ أقبل الجواد على النسوان

ينعاه بالصهيل عفيرا

فتبادرون بالعويل وهتّكن

الأقراط بارزات الشعورا

وتبادرن مسرعات من الحذر

ومن قبلُ مُسبلات الستورا

ولطمن الخدود من ألم الثكل

وغادرن بالنياح الخدورا

__________________

1 - عن شعراء الغدير ج 4 ص 162.

١٦٣

وبدا صوتهنّ بين عداهنّ

وعفن الحجاب والتخفيرا

بارزات الوجوه من بعدما غودرن

صون الوجوه والتخفيرا

ثم لمّا رأين رأس حسين

فوق رمح حكى الهلال المنيرا

صحن بالذل أيها الناس لم نُسبى

ولم نأت في الأنام نكيرا؟!

ما لنا لا نرى لآل رسول الله

فيكم يا هؤلاء نصيرا؟!

فعلى ظالميهم سخط الله

ولعن يبقى ويفنى الدهورا

قل لمن لام في ودادي بني

أحمد: لا زلت في لظى مدحورا

أعلى حب معشر أنت قد كنتَ

عذولاً ولا تكون عذيرا

وأبوهم أقامه الله في « خُم »

إماماً وهادياً وأميرا

حين قد بايعوه أمراً عن

الله فسائل دوحاته والغديرا

وأبوهم أفضى النبي إليه

علم ما كان أولاً وأخيرا

وأبوهم علا على العرش لمّا

قد رقى كاهل النبي ظهيرا

وأماط الأصنام كلاً عن الكعبة

لمّا هوى بها تكسيرا

قال: لو شئت ألمس النجم بالكف

إذن كنت عند ذاك قديرا

وأبوهم ردّت له الشمس بيضاً

وهي كادت لوقتها أن تغورا

وقضى فرضه أداءً وعادت

لغروب وكوّرت تكويرا

وأبوهم يروي على الحوض مَن وا

لاهم ويردّ عنه الكفورا

وأبوهم يقاسم النار والجنة

في الحشر عادلا لن يجورا

فإذا اشتاقت الملائك زارته

فناهيك زايرا ومزورا

وأبوهم قال النبي له قولاً

بليغاً مكرّرا تكريرا

أنت خدني وصاحبي ووزيري

بعد موتي أكرم بذاك وزيرا

أنت مني كمثل هرون من موسى

لم اكن ابتغي سواه ظهيرا

وأبوهم أودى بعمرو بن ودّ

حين لاقاه في العجاج أسيرا

وأبوهم لبابِ خيبر أضحى

قالعا ليس عاجزا بل جسورا

حامل الراية التي ردّها بالأمس

مَن لم يزل جبانا فرورا

١٦٤

خصّه ذو العلا بفاطمة عرساً

وأعطاه شبرا وشبيرا

وهم باب ذي الجلال على آدم

فارتد ذنبه مغفورا

وبهم قامت السماء ولولاهم

لكادت بأهلها أن تمورا

وبهم باهل النبي فقل لي

ألهم في الورى عرفت نظيرا؟!

فيهم أنزل المهيمن قرآنا

عظيما وذاك جمّا خطيرا

في الطواسين والحواميم والرحمن

آيا ما كان في الذكر زورا

وخلقناه نطفة نبتليه

فجعلناه سامعا وبصيرا

لبيان إذا تأمله العارف

يبدي له المقام الكبيرا

ثم تفسير هل أتى فيه يا صاح

قل له إن كنت تفهم التفسيرا

إن الأبرار يشربون بكأس

كان عندي مزاجها كافورا

فلهم أنشأ المهيمن عيناً

فجّروها لديهم تفجيرا

وهداهم وقال: يوفون بالنذر

فمن مثلهم يوفي النذورا؟!

ويخافون بعد ذلك يوماً

شرّه كان في الورى مستطيرا

فوقاهم إلههم ذلك اليوم

ويلقون نضرة وسرورا

وجزاهم بأنهم صبروا في السر

والجهر جنةً وحريرا

فاتكوا من على الأرائك لا

يلقون فيها شمسا ولا زمهريرا

وأوانٍ وقد أطيفت عليهم

سلسبيل مقدّر تقديرا

وبأكواب فضّة وقوارير

قدّروها عليهم تقديرا

وبكأس قد مازجت زنجبيلا

لذّة الشاربين تشفي الصدورا

وإذا ما رأيت ثم نعيماً

دائماً عندهم وملكاً كبيرا

وعليهم فيها ثياب من السندس

خضر في الحشر تلمع نورا

ويحلّون بالأساور فيها

وسقاهم ربي شراباً طهورا

وروى لي عبد العزيز الجلودي

وقد كان صادقاً مبرورا

عن ثقاة الحديث أعنى العلائي

هو أكرم بذا وذا مذكورا

يسندوه عن ابن عباس يوماً

قال: كنا عند النبيّ حضورا

١٦٥

إذ أتته البتول فاطم تبكي

وتوالي شهيقها والزفيرا

قال: ما لي أراك تبكين يا فاطم؟!

قالت وأخفت التعبيرا

إجتمعن النساء نحوي واقبلن

يطلن التقريع والتعييرا

قلن: إن النبي زوّجك اليوم

عليّا بعلاً عديماً فقيرا

قال: يا فاطم اسمعي واشكري الله

فقد نلتِ منه فضلاً كبيرا

لم ازوّجك دون إذنٍ من الله

وما زال يحسن التدبيرا

أمر الله جبرئيل فنادى

رافعاً في السماء صوتاً جهيرا

وأتاه الأملاك حتى إذا ما

وردوا بيت ربّنا المعمورا

قام جبريل قائما يكثر التحميد

لله جلّ والتكبيرا

ثم نادى: زوّجت فاطم يا رب

عليّ الطهر الفتى المذكورا

قال رب العلا: جعلت لها المهر

لها خالصاً يفوق المهورا

خمس أرضي لها ونهري وأو

جبت على الخلق ودّها المحصورا

وروينا عن النبي حديثاً

في البرايا مُصحّحاُ مأثورا

انه قال: بينما الناس في الجنّة

إذ عاينوا ضياءً ونورا

كاد أن يخطف العيون فنادوا:

أي شيء هذا؟ وأبدوا نكورا

أوَ ليس الإله قال لنا: لا

شمس فيها ترى ولا زمهريرا

وإذا بالنداء: يا ساكن الجنة

مهلاً أمنتم التغييرا

ذا عليّ الوليّ قد داعب الزّ

هراء مولاتكم فأبدت سرورا

فبدا إذ تبسّمت ذلك النور

فزيدوا إكرامه والحبورا

يا بني أحمد عليكم عمادي

واتكالي إذا أردت النشورا

وبكم يسعد الموالي ويشقى

من يعاديكم ويصلي سعيرا

أنتم لي غداً وللشيعة الأبرار

ذخر أكرم به مذخورا

صاغ أبياتها عليّ بن حمّاد

فزانت وحُبّرت تحبيرا

١٦٦

ابن حماد العبدي

ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد الله بن حماد العدوي العبدي البصري يستظهر الشيخ الأميني انه ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره.

كان حماد والد المترجم له أحد شعراء أهل البيت عليهم‌السلام كما ذكره ولده بقوله:

وإن العبد عبدكم عليا

كذا حمّاد عبدكم الأديب

رثاكم والدي بالشعر قبلي

وأوصاني به أن لا أغيب

  والمترجم له علم من أعلام الشيعة وفذّ من علمائها وشعرائها ومن حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه، وقد أدركه النجاشي وقال في رجاله: قد رأيته.

قال الشيخ الأميني: جمع العلامة السماوي شعره في أهل البيت فكان يربو على 2200 بيتاً. ولم نقف على تاريخ ولادة ابن حماد ووفاته غير أن النجاشي الذي أدركه ورآه ولم يروِ عنه ولد في صفر سنة 372 وشيخه الذي يروي عنه وهو الجلودي البصري توفي 17 ذي الحجة سنة 332 فيستدعي التاريخان أن المترجم ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره ثم قال:

وقفنا لابن حماد على قصيدة في مجموعة عتيقة مخطوطة في العصور المتقادمة

١٦٧

وقد ذكر ابن شهر اشوب بعض ابياتها نسبة الى العبدي ( سفيان بن مصعب ) وتبعه البياضي في ( الصراط المستقيم ) وغيره. والقصيدة للمترجم له، وقال القمي في الكنى: ابو الحسن علي بن عبيد الله بن حماد العدوي الشاعر البصري من اكابر علماء الشيعة وشعرائهم ومحدثيهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه ومن شعره في مدح امير المؤمنين عليه‌السلام قوله:

ورُدّت لك الشمس في بابل‌‏

فساميت يوشع لما سَما

ويعقوب ما كان اسباطه

كنجليك سبطي نبي الهدى

  وقال ابن حماد العبدي:

أسايلتي عما ألاقي من الأسى

سلي الليل عني هل أجن إذا جنّا

ليخبرك إني في فنونٍ من الجوى

إذا ما انقضا فنّ يوكل لي فنّا

وإن قلت: إن الليل ليس بناطق

قفي وانظري واستخبري الجسد المضنى

وإن كنت في شكٍ فديتك فاسئلي

دموعي التي سالت وأقرحت الجفنا

أحبّتنا لو تعلمون بحالنا

لما كانت اللذات تشغلكم عنّا

تشاغلتموا عنّا بصحبة غيرنا

وأظهرتم الهجران ما هكذا كنا

وآليتموا أن لا تخونوا عهودنا

فقد وحياة الحب خنتم وما خنا

غدرتم ولم نغدر وخُنتم ولم نخن

وحُلتم عن العهد القديم وما حُلنا

وقلتم ولو توفوا بصدق حديثكم

ونحن على صدق الحديث الذي قلنا

أيهنا لكم طيب الكرى وجفوننا

على الجمر؟! لا تهنا ولا بعدكم نمنا

أنخنا بمغناكم لتحي نفوسنا

فما زادنا إلا جوىً ذلك المغنا

سنرحل عنكم إن كرهتم مقامنا

ونصبر عنكم مثل ما صبركم عنا

ونأخذ مَن نهوى بديلاً سواكم

ونجعل قطع الوصل منكم ولا منّا

تعالوا الى الانصاف فيما ادّعيتموا

ولا تفر طوابل صححوا اللفظ والمعنى

أليتكم ناصفتمونا فريضة

بأنّ لكم نصفاً وأنّ لنا ثُمنا

١٦٨

إذا طلعت شمس النهار ذكرتكم

وإن غربت جدّدت ذكركم حُزنا

وإني لأرثي للغريب وإنني

غريب الهوى والقلب والدار والمغنى

لقد كان عيشي بالأحبّة صافياً

وما كنت أدري أنّ صحبتنا تفنا

زمان نعُمنا فيه حتى إذا مضى

بكينا على أيامه بدم أقنا

فوالله ما زال اشتياقي اليكم

ولا برح التسهيد لي بعدكم حفنا

ولا ذقت طعم الماء عذبا ولا صفت

موارده حتى نعود كما كنا

ولا بارحتني لوعة الفكر والجوى

ولا زلت طول الدهر مقترعا سنّا

وما رحلوا حتى استحلّوا نفوسنا

كأنهم كانوا أحق بها منّا

ترى منجدي في أرض بغداد واهناً

لزهدكم فينا وبُعدكم عنّا

أيزعم أن أسلوا؟! ويشغل خاطري

بغيركم مستبدلا؟! بئس ما ظنّا

أيا ساكني نجدٍ سلامي عليكم

ظننا بكم ظناً فاخلفتموا الظنا

أمثّل مولاي الحسين وصحبه

كأنجم ليل بينها البدر أو أسنا

فلما راته أخته وبناته

وشمر عليه بالمهنّد قد أحنى

تعلّقن بالشمر اللعين وقلن: دَع

حسينا فلا تقتله يا شمر واذبحنا

فحزّ وريديه وركّب رأسه

على الرمح مثل الشمس فارقت الدجنا

فنادت بطول الويل زينب أخته

وقد صبغت من نحره الجيب والردنا

: ألا يا رسول الله يا جدّنا اقتضت

أميّة منا بعدك الحقد والضغنا

سُبينا كما تسبى الإماء بذلةٍ

وطيف بنا عرض البلاد وشُتتنا

ستفنى حياتي بالبكاء عليهم

وحزني لهم باقٍ مدى الدهر لا يفنى

ألا لعن الله الذي سنّ ظلمهم

وأخزى الذي أملا له وبه استنّا

سأمدحكم يا آل أحمد جاهداً

وأمنح مَن عاداكم السب واللعنا

ومن منكم بالمدح أولى لأنّكم

لأكرم من لبّى ومن نحر البُدنا

بجدّكم أسرى البراق فكان من

إله البرايا قاب قوسين أو أدنا

وشخص أبيكم في السماء تزوره

ملائك لا تنفكّ صبحا ولا وهنا

أبوكم هو الصدّيق آمن واتّقى

وأعطى وما أكدى وصدّق بالحسنى

١٦٩

وسمّاه في القرآن ذو العرش جنبه

وعروته والعين والوجه والأذنا

وشدّ به أزر النبي محمد

وكان له في كل نائبةٍ ركنا

وأفرده بالعلم والبأس والندى

فمن قدره يسمو ومن فعله يُكنى

هو البحر يعلو العنبر المحض فوقه

كما الدر والمرجان من قعره يُجنى

إذا عُدّ أقران الكريهة لم نجد

لحيدرة في القوم كفواً ولا قَرنا

يخوض المنايا في الحروب شجاعة

وقد ملأت منه ليوث الشرى جُبنا

يرى الموت من يلقاه في حومه الوغا

يُناديه من هنّا ويدعوه من هنّا

إذا استعرت نار الوغى وتغشمرت

فوارسها واستتخلفوا الضرب والطعنا

وأهدت إلى الأحداق كحلاً معصفراً

وألقت على الأشداق أردية دُكنا

وخلتَ بها زرقَ الأسنّة أنجماً

ومن فوقها ليلاً من النقع قد جنّا

فحين رأت وجه الوصي تمزقت

كثلّة ضانٍ أبصرت أسداً شنّا

فتى كفّه اليسرى حمام بحربه

كذاك حياة السلم في كفّه اليُمنى

فكم بطل أردى وكم مرهب أودى

وكم مُعدم أغنى وكم سائل أقنى

يجود على العافين عفواً بماله

ولا يتبع المعروف من منّه مَنّا

ولو فض بين الناس معشار جوده

لما عرفوا في الناس بخلاَ ولا ضنّا

وكل جواد جاد بالمال إنما

قصاراه أن يستنّ في الجود ما سنّا

وكل مديح قلت أو قال قائل

فإن امير المؤمنين به يعنى

سيخسر من لم يعتصم بولائه

ويَقرع يوم البعث من ندمٍ سنّا

لذلك قد واليته مخلص الولا

وكنت على الأحوال عبدا له قنا

عليكم سلام الله يا آل احمد

متى سجعت قمرية وعلت غصنا

مودّتكم أجر النبي محمد

علينا فآمنّا بذاك وصدّقنا

وعهدكم المأخوذ في الذر لم نقل

: لآخذه كلا ولا كيف أو أنّا

قبلنا وأوفينا به ثمّ خانكم

أناس وما خُنّا وحالوا وما حُلنا

طهرتم فطُهّرنا بفاضل طهركم

وطبتم فمن آثار طيبكم طِبنا

فما شئتم ومههما كرهتموا

كرهنا، وما قلتم رضينا وصدّقنا

١٧٠

فنحن مواليكم تحنّ قلوبنا

إليكم إذا إلف إلى إلفه حنّا

نزوركم سعيا وقلّ لحقكم

لو أنّا على أحداقنا لكم زُرنا

ولو بُضعت أجسادنا في هواكم

إذن لم نحل عنه بحاٍل ولا زلنا

وآبائنا منهم ورثنا ولاءكم

ونحن إذا مِتنا نورّثه الأبنا

وأنتم لنا نعم التجارة لم نكن

لنحذر خسراناً بها لا ولا غبنا

وما لي لا اثني عليكم وربّكم

عليكم بحسن الذكر في كتُبه أثنى

وإن أباكم يقسم الخلق في غدٍ

فيسكن ذا ناراً ويُسكن ذا عدنا

وأنتم لنا غوثٌ وأمنٌ ورحمة

فما منكم بدّ ولا عنكم مغنى

ونعلم أن لو لم ندن بولائكم

لما قُبلت أعمالنا أبداُ منّا

وأن، إليكم في المعاد إيابنا

إذا نحن من أجداثنا سُرعاً قمنا

وأن عليكم بعد ذاك حسابنا

إذا ما وفدنا يوم ذاك وحوسبنا

وأن موازين الخلايق حبّكم

فأسعدهم مَن كان أثقلهم وزنا

وموردنا يوم القيامة حوضكم

فيظما الذي يُقصى ويُروى الذي يُدنى

وأمر صراط الله ثم إليكم

فطوبا لنا إذ نحن عن أمركم جُزنا

وما ذنبنا عند النواصب ويلهم

سوى أنّنا قوم بما دنتم دُنا

فإن كان هذا ذنبنا فتيقّنوا

بأنّا عليه لا انثينا ولا نُثنى

ولمّا رفضنا رافضيكم ورهطهم

رُفضنا وعودينا وبالرفض نُبّزنا

وإنا اعتقدنا العدل في الله مذهباً

ولله نزّهنا وإيّاه وحّدنا

وهم شبّهوا الله العليّ بخلقه

فقالوا: خُلقنا للمعاصي وأُجبرنا

فلو شاء لم نكفر ولو شاء أكفرنا

ولو شاء لم نؤمن ولو شاء آمنّا

وقالوا: رسول الله ما اختار بعده

إماماً لنا لكن لأنفسنا اخترنا

فقلنا: إذن أنتم إمام إمامكم

بفضل من الرحمن تهتم وما تهنا

ولكنّنا اخترنا الذي اختار ربّنا

لنا يوم « خمّ » لا ابتدعنا ولا جُرنا

سيجمعنا يوم القيامة ربّنا

فتجزون ما قلتم ونُجزى بما قلنا

هدمتم بأيديكم قواعد دينكم

ودينٌ على غير القواعد لا يُبنى

١٧١

ونحن على نور من الله واضح

فيا رب زدنا منك نوراً وثبتنا

وظن ابن حمّاد جميل برَبه

وأحرى به أن لا يخيب له ظنّا

بنى المجد لي شنّ بن أقصى فحزته

تُراثاً جزى الرحمن خيراً أبي شنّا

وحسبي بعد القيس في المجد والدي

ولي حسب عبد القيس مرتبةً تبنى

وخالي تميم تمّ مجدي بفخره

فنلت بذا مجداً ونلت بذا أمنا

ودونك لاما للقلائد هذّبت

مديحا فلم تترك لذي مطمعن طعنا

ولا ظل أو أضحى ولا راح واغتدى

تأمل لا عينٌ تراه ولا لحنا

فصاحة شعري مذ بدت لذوي الحجى

تمثّلت الأشعار عنده لكنا

وخير فنون الشعر ما رقّ لفظه

وجلّت معانيه فزادت بتها حسنا

وللشعر علم إن خلا منه حرفه

فذاك هذاء في الرؤوس بلا معنى

إذا ما أديب أنشد الغثّ خلته

من الكرب والتنغيص قد ادخل السجنا

إذا ما رأوها أحسن الناس منطقاً

وأثبتهم قولاً وأطيبهم لحنا

تلذّ بها الأسماع حتى كأنها

ألذّ من أيام الشبيبة أو أهنى

وفي كل بيت لذة مستجدّة

إذا ما انتشاه قيل يا ليته ثنّى

تقبّلها ربّي ووفّى ثوابها

وثقّل ميزاني بخيراتها وزنا

وصلّى على الأطهار من آل احمد

إله السما ما عسعس الليل أو جنّا

  وقال أبو الحسن علي بن حماد العبدي البصري يمدح امير المؤمنين عليا صلوات الله عليه:

هل في سؤالك رسم المنزل الخربِ

برء لقلبك من داء الهوى الوصب

أم حره يوم وشك البين يبرده

ما استحدرته النوى من دمعك السرب

هيهات أن ينفذ الوجد المثير له

نأي الخليط الذي ولي ولم يؤب

يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت

له المدامع من ماء ومن عشب

ما خلت من قبل ان حالت نوى قذف

ان العيون لهم أهمى من السحب

بانوا فكم أطلقوا دمعاً وكم أسروا

لُبّاً وكم قطعوا للوصل من سبب

١٧٢

من غادرٍ لم أكن يوماً أُسرّ به

غدرا وما الغدر من شأن الفتى العربي

وحافظ العهد يبدي صفحتي فرح

للكاشحين ويخفى وجد مكتئب

بانوا قباباً وأحباباً تصونهم

عن النواظر أطراف القنا السلب

وخلّفوا عاشقاً ملقى رمى خلساً

بطرفه خدر مَن يهوى فلم يصب

ألقى النحول عليه برده فغدا

كأنه ما نسوا في الدار من طنب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما

حجبن من قضبٍ عنا ومن كثب

من كل هيفاء أعطاف هضيم حشى

لعساء مرتشف غراء منتقب

كأنما ثغرها وهنا وريقتها

ما ضمت الكاس من راح ومن حبب

وفي الخدور بدور لو برزن لنا

برّدن كل حشى بالوجد ملتهب

وفي حشاي غليل بات يضرمه

شوق الى برد ذاك الظلم والشنب

يا راقد اللوعة أهبب من كراك فقد

بان الخليط ويا مضني الغرام ثِب

أما وعصر هوى دبّ العزاء له

ريب المنون وغالته يد النوب

لاشرقن بدمعي إن نأت بهم

دار ولم أقض ما في النفس من أرب

ليس العجيب بأن لم يبق لي جلد

لكن بقائي وقد بانوا من العجب

شيتُ ابن عشرين عاماً والفراق له

سهم متى ما يصب شمل الفتى يشب

ما هزّ عطفي من شوق الى وطني

ولا اعتراني من وجد ومن طرب

مثل اشتياقي من بُعد ومنتزح

الى الغري وما فهي من الحسب

أزكى ثرى ضمّ أزكى العالمين فذا

خير الرجال وهذا أشرف الترب

إن كان عن ناظري بالغيب محتجبا

فإنه عن ضميري غير محتجب

مرّت عليه ضروع المزن رائحة

من الجنوب فروّته من الحلب

من كل مقربة إقراب مرزمةٍ

ارزام صادية الازواد والقرب

يذيبها حرّ نيران البروق وما

لهن تحت سجاليها من اللهب

بل جاد ما ضم ذاك الترب من شرف

مزنَ المدامع من جار ومنسكب

تهفو اشتياقا إليه كل جارحة

مني ولا مثلما تجتاح في رحب

ولو تكون لي الايام مسعدة

لطاب لي عنده بعدي ومقتربي

١٧٣

يا راكبا جسره تطوي مناسمها

ملآءة البيد بالتقريب والخب

هو جآء لا يطعم الانضآء غاربها

مسرى ولا تتشكى مؤلم التعب

تقيّد المغزل الادماء في صعَدٍ

وتطلح الكاسر الفنخاء في جنب

تثني الرياح اذا مرّت بغايتها

حسر الطلآئح بالغيطان والخرب

بلّغ سلامي قبرا بالغري حوى

أوفى البرية من عجم ومن عرب

واجعل شعاري لله الخشوع به

وناد خير وصي صنو خير نبي

اسمع أبا حسن ان الأولى عدلوا

عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب

ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد

وضحته واقتفوا نهجاً من العطب

ودافعوك عن الأمر الذي اعتلقت

زمامه من قريش كف مغتصب

ظلت تجاذبها حتى لقد خرمت

خشاشها تربت من كف مجتذب

وكان بالأمس منها المستقيل فلِم

أرادها اليوم لو لم يأتِ بالكذب

وانت توسعه صبراً على مضض

والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب

حتى إذا الموت ناداه فاسمعه

والموت داع متى يدع امرءاً يجب

حبابها زفرا فاعتاض محتقباً

منه بافضع محمول ومحتقب

وكان أول من أوصى ببيعته

لك النبي ولكن حال من كثب

حتى إذا ثالث منهم تقمصّها

وقد تبدّل منها الجد باللعب

عادت كما بدأت شوهاء جاهلة

تجرّ فيها ذئاب آكلة الغلب

وكان عنها لهم في خم مزدجر

لمّا رقى احمد الهادي على قتب

وقال والناس من دان اليه ومن

ثاوٍ لديه ومن مصغ مرتقب

قم يا علي فاني قد أمرت بأن

ابلّغ الناس والتبليغ أجدر بي

إني نصبت علياً هادياً علماً

بعدي وأن علياً خير منتصب

فبايعوك وكل باسط يده

اليك من فوق قلب عنك منقلب

عافوك لا مانع طولا ولا حصر

قولا ولا لهج بالغش والريب

وكنت قطب رحى الاسلام دونهم

ولا تدور رحى إلا على قطب

ولا تماثلهم في الفضل مرتبة

ولا تشابههم في البيت والنسب

١٧٤

وان هززت قناة ظلت توردها

وريد ممتنع في الروح مجتنب

ان تلحظ القرن والعسّال في يده

يظل مضطربا في كف مضطرب

ولا تسلّ حساماً يوم ملحمة

إلا وتحجبه في رأس محتجب

كيوم خيبر إذ لم يمتنع زفر

عن اليهود بغير الفر والهرب

فاغضب المصطفى اذ جرّ رايته

على الثرى ناكصا يهوى على العقب

فقال اني ساعطيها غداً لفتى

يحبه الله والمبعوث منتجب

حتى غدوت بها جذلان مخترقا

مظنة الموت لا كالخائف النحب

جم الصلادم والبيض الصوارم و

الزرقُ اللهادم والماذيّ واليلب

فالأرض من لاحقيات مطهمة

والمستظل مثار القسطل الهدب

وعارض الجيش من تقع بوارقه

لمع الأسنة والهندية القضب

اقدمت تضرب صبراً تحته فغدا

يصوب مزنا ولو أحجمت لم يصب

غادرت فرسانه من هارب فرق

أو مقعص بدم الأوداج مختضب

لك المناقب يعيى الحاسبون لها

عدّاً ويعجز عنها كل مكتتب

كرجعة الشمس إذ رمت الصلوة وقد

راحت توارى عن الابصار بالحجب

ردّت عليك كأن الشهب ما اتضحت

لناظرٍ وكأن الشمس لم تغب

وفي براءة انباء عجائبها

لم تطوعن نازح يوماً ومقترب

وليلة الغار لما بتّ ممتلئا

أمنا وغيرك ملآن من الرعب

ما أنت إلا أخو الهادي وناصره

ومظهر الحق والمنعوت في الكتب

وزوج بضعته الزهراء يكنفها

دون الورى وابو ابنائه النجب

من كل مجتهد في الله معتضد

بالله معتقد لله محتسب

وارين هادين إن ليل الظلام دجا

كانوا لطارقهم أهدى من الشهب

لقبتُ بالرفض لما أن منحتهم

ودّي وأحسن ما ادعى به لقبي

صلوة ذي العرش تترى كل آونة

على ابن فاطمة الكشاف للكرب

وابنيه من هالك بالسم مخترم

ومن معفّر خدٍ بالثرى ترب

لولا السقيفة ما قاد الذين هم

أبناء حرب اليهم جحفل الحرب

١٧٥

والعابد الزاهد السجاد يتبعه

وباقر العلم داني غاية الطلب

وجعفر وابنه موسى ويتبعه

البر الرضا والجواد العابد الدئب

والعسكريين والمهدي قائمهم

ذي الأمر لابس أثواب الهدى القشب

مَن يملأ الارض عدلاً بعدما ملئت

جوراً ويقمع أهل الزيغ والشغب

القائد البُهم الشوس الكماء الى

حرب الطغاة على قبّ الكلا شزب

أهل الهدى لا أناس باع بائعهم

دين المهيمن بالدنيا وبالرتب

لو أن أضغانهم في النار كامنة

لأغنت النار عن مذكٍ ومحتطب

يا صاحب الكوثر الرقراق زاخره

ذُد النواصب عن سلساله العذب

قارعت منهم كماة في هواك بما

جرّدت من خاطر أو مقول ذرب

حتى لقد وسمت كلماً جباههم

خواطري بمضاء الشعر والخطب

إن ترضَ عني فلا أسديت عارفة

إن سائني سخط أُمّ برّة وأبِ

صحبت حبك والتقوى وقد كثرت

لي الصحاب فكانا خير مصطحب

فاستجل من خاطر العبدي آنسة

طابت ولو جاوزت مغناك لم تطب

جاءت تمايل في ثوبي حباً وهدى

اليك حالية بالفضل والأدب

أتعبت نفسي ونفسي بعد عارفة

بأن راحتها في ذلك التعب

  وقال يمدحه صلوات الله عليه ويرثي ولده الحسين عليه‌السلام :

شجاك نوى الاحبة كيف شاءا

بداء لا تصيب له دواءا

ابانوا الصبر عنك غداة بانوا

ورحّل عنك من رحلوا العزاءا

واعشوا بالبكا عينيك لما

حدا الحادي بفرقتهم عشاءا

لعمر أبيك ليس الموت عندي

وبينهم كما زعموا سواءا

فإن الموت للمضنى مريح

ومضنى البين مزداد بلاءا

سل العلماء هل علموا فسموا

سوى داء الهوى داءا عياءا

وهل ساد البرية غير قوم

عليهم احمد مدّ العباءا

رقى جبريل إذ جعلوه منهم

ففاخر كل من سكن السماءا

١٧٦

رآهم آدم أشباح نور

بساق العرش مشرقة ضياءا

هناك بهم توسل حين أخطأ

فكفّر ربه عنه الخطاءا

فمنهم ذلك الطهر المرجى

عليّ اذ نُنيط به الرجاءا

امير المؤمنين أبو تراب

ومن بترابه نلفي الشفاءا

خليفة ربنا في الأرض حقا

له فرض الخلافة والولاءا

وعلّمه القضايا والبلايا

وفهّمه الحكومة والقضاءا

وسمّاه عليا في المثاني

حكيما كي يتم له العلاءا

وأعطاه أزمة كل شيء

فليس يخاف من شيء اباءا

فأبدع معجزات ليس تخفى

وهل للشمس قط ترى خفاءا

وشبهه ابن مريم في مثال

أراد به امتحانا وابتلاءا

فواضل فضله لو عددوها

اذن ملأت بكثرتها الفضاءا

إمام ما انحنى للآت يوما

ولم يعكف على العزى انحناءا

وواخاه النبي فلم يخنه

كمن قد خان بل حفظ الاخاءا

وعاهده فلم يغدر ولكن

وفاه ومثله حفظ الوفاءا

وكم عرضت له الدنيا حضورا

فجاد بها لعافيها سخاءا

شفى بالعلم سائله وأغنى

ببذل المال سائله عطاءا

هو الصدّيق اول مَن تزكى

وصدّق احمد الهادي ابتداءا

هو الفاروق إن هم أنصفوه

به عرفوا السعادة والشقاءا

صلوة الله دائمة عليه

ورحمته صباحا أو مساءا

فقد ابقت مودته بقلبي

نوازع تستطير بي ارتقاءا

ولي في كربلاء غليل كرب

يواصل ذلك الكرب البلاءا

غداة غدا ابن سعد مستعداً

لقتل السبط ظلما واعتداءا

فاصبح ظاميا مع ناصريه

فكل منهم يشكو الظماءا

ولم يالوا مواساة وبذلا

بانفسهم لسيدهم فداءا

الى أن جُدّلوا عطشا فنالوا

من الله المثوبة والجزاءا

١٧٧

وامسى السبط منفردا وحيدا

ولم يبلغ من الماء ارتواءا

فاوغل فيهم كالليث لما

رأى في غيله نعماً وشاءا

ولما أثخنوه هوى صريعا

فبزوه العمامة والرداءا

وعلّوا رأسه في رأس رمح

كبدر التم قد نشر الضياءا

وأبرزن النساء مهتكات

سبايا لسن يعرفن السباءا

فلما أن بصرن به صريعاً

وقد جعل التراب له وطاءا

تغطيه نصولهم ولكن

حوامي الخيل كشّفت الغطاءا

سقطن على الوجوه مولولات

وأُعدِ من التصبر والعزاءا

تناديه سكينة وهي حسرى

وليس بسامع منها النداءا

أبي ليت المنية عاجلتني

وكنت من المنون لك الفداءا

أبي لا عشت بعدك لا هنت لي

حياتي لا تمتعتُ البقاءا

رجوتك ان تعيش ليوم موتي

ولكن خيّب الدهر الرجاءا

ابي لو تنفع العدوى لمثلي

على خصمي لخاصمت القضاءا

لو أن الموت قدّمني وأبقى

حسيناً كان أحسن ما أساءا

ابي شمتَ العدو بنا وأعطى

مناه من الشماتة حيث شاءا

هتكنا بعد صون في خبانا

وهتّكت العدى منا الخباءا

ابي لو تنظر الصغرى بذل

تساق كما يسوقون الاماءا

اذا سلب القناع الرجس عنها

تخمّر وجهها بيدٍ حياءا

أبي حان الوداع فدتك نفسي

فعدني بعد توديعي لقاءا

فيا قمراً تغشّاه خسوفٌ

كما في التم مطلعه أضاءا

ويا غصناً حنت ريح المنايا

غضاضته كما اعتدل استواءا

ويا ريحانة لشميم طاها

أعادتها ذوابلهم ذواءا

بكته الأرض والثاوي عليها

أسى وبكاء مَن سكن السماءا

وقد بكت السماء عليه شجواً

وأذرت من مدامعها دماءا

سيفنى بالاسى عمري عليه

ولست أرى لمرزاتي فناءا

١٧٨

سأبكيه وأُسعد من بكاه

واجعل ندبه ابدا عزاءا

وامدح آل احمد طول عمري

وأوسع مَن يعاديهم هجاءا

واحفظ عهدهم سراً وجهراً

ولا أبغي لغيرهم الوفاءا

واعتقد الولاء لهم حياتي

وممن خان عهدهم البراءا

وأعلم أنهم خير البرايا

وأفضلهم رجالا أو نساءا

فمن ناواهم بالفضل يوما

فليس برابحٍ إلا العناءا

ولم يك بالولاء لهم مقرّاً

لاصبح برّه ابدا هباءا

فيا مولاي وهو لك انتساب

أنال به لعمرك كبرياءا

اليك من ابن حماد قريضا

هو الياقوت أو أبهى صفاءا

وقال يمدحه ويذكر بعض مناقبه ويرثي ولده الحسين صلوات الله عليهما:

دعوت الدمع فانسكب انسكابا

وناديت السلو فما اجابا

وهل لك أن يجيب فتى حزينا

رأت عيناه بالطف اكتئابا

وكيف يملّ شيعيّ منيب

الى الطف المجيئ أو الذهابا

يحار اذا رأيت الحَيَر فكري

لهيبته فلم أملك خطابا

وحق لمن حوى ما قد حواه

من النور المقدس أن يهابا

سلالة أحمد وفتى علي

فيالك منسبا عجبا عجابا

فكان محمد هنيّ وعزّي

به عن ربه دأبا فدابا

ربا في حجر جبريل وناعى

له ميكال وانتحبا انتحابا

وساد وصنوه الحسن المزكى

من اهل الجنة الغُرّ الشبابا

هما ريحانتا المختار طيبا

اذا والاهما الشم استطابا

وقرطا عرش رب العرش تبّت

يدا من سنّ ظلمهما تُبابا

سقي هذا المنون بكاس سمٍّ

وذاك بكربلا منع الشرابا

سأخضب وجنتي بدماء عيني

لشيبته وقد نصلت خضابا

وألبس ثوب أحزاني لذكري

له عريان قد سلب الثيابا

١٧٩

فوا حزنا عليه وآل حرب

ترويّ البيض منه والحرابا

وواحزنا ورأس السبط يسري

كبدر التم قد عُلي شَهابا

وواحزنا ونسوته سبايا

وقد هتك العرى منها الحجابا

وقد سفرت لدهشتها وجوها

تعوّدت التخمر والنقابا

وقد جزّت نواصيها وشدّت

بها الأوساط لم تأل انتدابا

وزينب في النساء لها رنين

يكاد يفطرّ الصمّ الصلابا

تنادي يا أخي ما لليالي

تجدد كل يوم لي مصابا

فقدتُ أحبتي ففقدت صبري

وقد لاقيت أهوالاً صعابا

وكنتَ بقية الماضين عندي

به أسلو اذا ما الخطب نابا

فبعدك من ترى أرجوه ذخراً

اذا ما الدهر ينقلب انقلابا

وأعظم حسرتي أني اذا ما

دعوتك لم تردّ لي الجوابا

فلِم أبعدتني يا سؤل قلبي

وما عوّدتني إلا اقترابا

لو أنّ عُشير ما ألقاه يُلقى

على زبر الحديد إذن لذابا

أخي لو أن عينك عاينتني

لما قرّت بكاء وانتحابا

فكنت ترى الأرامل واليتامى

يحثّ السائقون بها الركابا

وكنت ترى سكينة وهي تبكي

وتخفي الصوت خوفاً وارتقابا

وفاطمة الصغيرة قد كساها

شمول الضيم ذلا واكتئابا

تنادي وهي باكية أباها

وقد هتك العدى منها الحجابا

حلفتُ برب مكة حلف برّ

ومن أجرى بقدرته السحابا

فما قتل الحسين سوى أناس

لقتل محمد دفعوا الدبابا

وراموا قتل والده عليّ

وحازوا إرث فاطمة اغتصابا

سيعلم ظالم الاطهار ماذا

يُعدُّ له وينقلب انقلابا

وكيف يجيب سائله وماذا

يعد له اذا ورد الحسابا

كلاب النار كانوا دون شك

كما يروون ان لها كلابا

فليس يشم ريح الخلد كلب

ورب العرش يصليه عذابا

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456