دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147548 / تحميل: 5875
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وقال : إنّ معبوده جسم ذو لحم ودم وجوارح وأعضاء!!(١) .

وإنّه بكى على طوفان نوح حتّى رمدت عيناه ؛ وعادته الملائكة لمّا اشتكت عيناه!!(٢) .

فلينصف العاقل [ المقلّد ] من نفسه ، هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء [ في شيء ]؟!

وهل للعقل مجال في تصديقهم في هذه المقالات الرديّة(٣) ، والاعتقادات الفاسدة؟!

وهل تثق النفس بإصابة هؤلاء في شيء ألبتّة؟!

* * *

__________________

(١) مقالات الإسلاميّين : ٢٠٩ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٩٤ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٢٤.

(٢) الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٩٦.

(٣) في المصدر : الكاذبة.

١٨١

وقال الفضل(١) :

ما ذكره من مذهب المشبّهة والمجسّمة ، وهم على الباطل ، وليسوا من الأشاعرة وأهل السنّة والجماعة.

وأمّا ما نسبه إلى الحنابلة فهو افتراء عليهم ، فإنّ مذهب الإمام أحمد ابن حنبل في المتشابهات : ترك التأويل ، وتوكيل العلم إلى الله تعالى.

ولأهل السنّة والجماعة هاهنا طريقان :

أحدهما : ترك التأويل ؛ وهو ما اختاره أحمد [ ابن حنبل ]

وتوكيل العلم إلى الله تعالى(٢) ، كما قال الله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا )(٣) ، فهؤلاء يتركون آيات التشبيه على ظواهرها ، مع نفي الكيفية والنقص عن ذاته وصفاته تعالى ، لا أنّهم يقولون بالجسمية المشاركة للأجسام ، كما ذهب إليه المشبّهة.

فلم لا يجوز تقليد هؤلاء؟!

وأيّ فساد يلزم من هذا الطريق؟! مع إنّ نصّ القرآن يوافقهم في توكيل العلم إلى الله تعالى!

وما ذكره من الطامّات والترّهات فليس من مذهب أهل الحقّ ؛ والرجل معتاد بالطامّات.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٤.

(٢) وهذا هو ثاني الطريقين.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ٧.

١٨٢

وأقول :

المفهوم من كلامه : إنّ اسم أهل السنّة والجماعة مخصوص بالأشاعرة ، وهو غير مسلّم عند المعتزلة والمجسّمة وغيرهم ، فهم في هذا الاسم سواء.

وكيف يختصّ هذا الاسم بالأشاعرة وهو قد حدث قبل شيخهم الأشعري ، في أيّام معاوية؟!(١) .

ونسب الشهرستاني في « الملل والنحل » القول بالجسمية إلى الكرّامية وعدّهم من الصفاتية ، وهم من أهل السنّة(٢) .

__________________

(١) فقد أطلقت هذه التسمية بعد صلح الإمام السبط الحسن بن عليّ ٨ مع معاوية ابن أبي سفيان في سنة ٤١ ه‍ ، فسمّيت هذه السنة ب‍ : عام الجماعة ، وهي السنة التي سنّ فيها لعن الإمام عليّ ٧ على المنابر! ومن ذلك انتزع اسم أهل السنّة والجماعة لمخالفي أمير المؤمنين الإمام عليّ ٧ ، المتّبعين لمعاوية ، المجتمعين على سنّته!

انظر : العبر في خبر من غبر ١ / ٣٦ حوادث سنة ٤١ ه‍ ، البداية والنهاية ٨ / ١٨ حوادث سنة ٤١ ه‍ ، تطهير الجنان واللسان ـ المطبوع مع الصواعق المحرقة ـ : ٢٢.

(٢) الملل والنحل ١ / ٩٩.

والكرّامية ـ بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة ـ : أصحاب أبي عبد الله محمّد ابن كرّام النيسابوري ، كان والده يحفظ الكرم ، فقيل له : الكرّام ، وقيل : إنّه من بني تراب.

ولد بقرية من قرى زرنج ، ونشأ بسجستان ، ثمّ دخل بلاد خراسان بعد المجاورة بمكّة خمس سنين ، وانصرف إلى سجستان ، ثمّ إلى نيسابور ، فلمّا شاعت بدعته ـ وهي أنّ الإيمان باللسان ، فهو مؤمن وإن اعتقد الكفر بقلبه! ـ حبسه

١٨٣

ونسبه في « المواقف »(١) إليهم أيضا ، وإلى مقاتل بن سليمان(٢) وغيره(٣) .

__________________

طاهر بن عبد الله بن طاهر ، ولمّا أفرج عنه خرج إلى ثغور الشام ، وعند عودته إلى نيسابور سجنه محمّد بن طاهر بن عبد الله ثمانية أعوام لأجل بدعته.

وخرج من نيسابور سنة ٢٥١ ه‍ متوجّها إلى بيت المقدس ، وتوفّي فيها سنة ٢٥٥ ه‍ ، وقيل سنة ٢٥٦ ه‍ ، ودفن بباب أريحا ، وقيل أيضا : إنّه مات بالشام سنة ٢٥٥ ه‍.

انظر : الأنساب ـ للسمعاني ـ ٥ / ٤٣ « الكرّامي » ، ميزان الاعتدال ٦ / ٣١٤ رقم ٨١٠٩ ، لسان الميزان ٥ / ٣٥٣ رقم ١١٥٨ ، البداية والنهاية ١١ / ١٨ حوادث سنة ٢٥٥ ه‍.

(١) المواقف : ٢٧٣ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٥ المقصد الثاني.

(٢) هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني ، أبو الحسن البلخي ، صاحب التفسير ، وقال العسقلاني : قال ابن حبّان : كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان مشبّها يشبّه الربّ سبحانه وتعالى بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث ، أصله من بلخ ، وانتقل إلى البصرة فمات بها عام ١٥٠ ه‍.

انظر : ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٥ رقم ٨٧٤٧ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٠ ـ ٣٢٥ رقم ٧١٤٦ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٥٥ رقم ٧٣٣ ، شذرات الذهب ١ / ٢٢٧ حوادث سنة ١٥٠ ه‍.

(٣) مثل : معاذ العنبري ( ٢٠٨ ـ ٢٨٨ ه‍ ) ، الذي سأله أحدهم عن الله : أله وجه؟

فقال : نعم!

حتّى سأله عن جميع الأعضاء ، من أنف وفم وصدر وبطن ، فأثبتها جميعا!

قال السائل : فاستحييت أن أذكر الفرج ؛ فأومأت بيدي إلى فرجي

فقال : نعم!

فقلت : أذكر أم أنثى؟

فقال : ذكر!

وسئل عن أمور كهذه ، فأجاب بما تقشعرّ منه الأبدان! تعالى الله عن ذلك علوّا

١٨٤

وذكر فيها وفي « الملل والنحل » مثل ما ذكره المصنّف ; من خرافات المجسّمة وأضعافه(١) .

وأمّا ما ذكره من أنّ مذهب أحمد بن حنبل ليس كذلك

ففيه ما قاله السيّد السعيد ; أنّه كذلك بشهادة فخر الدين الرازي ، حيث قال في رسالته المعمولة لتفضيل مذهب الشافعي : إنّ أحمد بن حنبل كان في نهاية الإنكار على المتكلّمين في التنزيه ، ولمّا كان في غاية المحبّة للشافعي ، ادّعت المشبّهة أنّه [ كان ] على مذهبهم(٢) .

ولو سلّم سلامة أحمد من القول بالتشبيه ، فالمصنّف ; إنّما نقل القول بالجسمية عن الحنابلة ، ولا ملازمة بينهم وبينه في المسائل الأصولية ، بل وبعض الفرعية ، كغيره من مذاهبهم مع أتباعه.

ثمّ ما ذكره من أنّ أحمد يترك آيات التشبيه على ظواهرها مع نفي الكيفية والنقص ، تناقض ظاهر ، فإنّ إبقاءها على ظواهرها يقتضي الجسمية ، وإثبات كيفية ما ، وذلك نقص.

على إنّ أقلّ ما يقتضيه ترك التأويل : التوقّف في نفي التشبيه

__________________

كبيرا.

انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، طبقات الحنابلة ـ لابن أبي يعلى ـ ١ / ٣١٢ رقم ٤٨٩.

(١) المواقف : ٢٧٣ و ٤٢٩ ، الملل والنحل ١ / ٩٢ ـ ١٠٠ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٥ ـ ٢٦ و ٣٩٩.

(٢) إحقاق الحقّ ١ / ١٧٦ ، وانظر : مناقب الإمام الشافعي ـ للرازي ـ : ١٣٨.

أي أنّ الفخر الرازي جعل قول أحمد بالتجسيم من المسلّمات ؛ لأنّ المشبّهة قد ادّعت أنّ الشافعي على مذهبهم ؛ لأنّ أحمد ـ القائل بالتجسيم ـ كان في نهاية المحبّة والتعظيم للشافعي ، وكان ـ كذلك ـ في غاية الإنكار لمذاهب المتكلّمين في التنزيه!

١٨٥

والجسمية ، ولذا أنكر على أهل التنزيه كما ذكره الرازي ، وذلك كاف في نقص أحمد ، إذ صار من المشكّكين في ما لا يشكّ فيه ذو معرفة.

وأمّا ما ذكره من أنّ نصّ القرآن يوافقهم

فحاصله : إنّ الآية الكريمة نصّ في أنّ الراسخين في العلم جاهلون بالمتشابهات ، ويكلون علمها إلى الله تعالى ، بدعوى أنّ قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ )(١) جملة مستأنفة ، ولا أظنّ عارفا يرضى به وينكر أن يكون (الرَّاسِخُونَ ) عطفا على لفظ الجلالة.

كيف؟! وذلك يستلزم ـ بعد مخالفة الظاهر ـ أن يكون علم التأويل مختصّا بالله تعالى ، فيكون النبيّ ٦ مرسلا بما يجهله وما يخلو عن الفائدة له ولأمّته! ومخطئا في قوله بحقّ أمير المؤمنين ٧ :إنّه عالم علم الكتاب (٢) .

وظنّي أنّ الداعي لهم إلى مخالفة الظاهر ، والتزام هذه المحاذير ، هو إنكار فضل آل محمّد ٦ ، فإنّهم لو أقرّوا بأنّ قوله : (وَالرَّاسِخُونَ ) عطف على لفظ الجلالة ، لم يمكنهم إنكار أنّ العترة من الراسخين في العلم ، العالمين بمتشابه القرآن ، بعد أن أخبر النبيّ ٦ بأنّهم قرناء

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٧.

(٢) هذا إشارة إلى تفسير قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) سورة الرعد ١٣ : ٤٣.

انظر : مناقب الإمام عليّ ٧ـ للمغازلي ـ : ٢٦٢ ح ٢٥٨ ، شواهد التنزيل ـ للحسكاني ـ : ١ / ٣٠٧ ـ ٣١٠ ح ٤٢٢ ـ ٤٢٧ ، زاد المسير ٤ / ٢٦١ ، تفسير القرطبي ٩ / ٢٢٠ ، مجمع البيان ٦ / ٥٠ ، وانظر : ينابيع المودّة ١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٨ ح ١ ـ ١٣.

١٨٦

القرآن ، ولا يفارقونه حتّى يردا عليه الحوض(١) ، فإنّه يقتضي علمهم بكلّ ما فيه ، وإلّا لفرّق بينهم وبينه الجهل به.

__________________

(١) إشارة إلى الحديث الشريف المتواتر أنّ رسول الله ٦ قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، المرويّ في أمّهات مصادر الجمهور ، فانظر مثلا :

صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٢١ ح ٣٧٨٦ وص ٦٢٢ ح ٣٧٨٨ ، مسند أحمد ٣ / ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ وج ٤ / ٣٦٧ و ٣٧١ وج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ، فضائل أحمد : ٧٦ ح ١١٤ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٥٠ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٩٢ ح ٣٣١١ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٦٢٨ ـ ٦٣١ ح ١٥٤٨ ـ ١٥٥٨ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٧ ، خصائص الإمام عليّ ٧ـ للنسائي ـ : ٦٩ ـ ٧٠ ح ٧٤ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٢٩٧ ح ١٠٢١ وص ٣٠٣ ح ١٠٢٧ وص ٣٧٦ ح ١١٤٠ ، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ ١ / ١٣١ و ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٨١ ح ٣٤٣٩ وص ١٥٥ ح ٣٥٤٢ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٥ ح ٢٦٧٨ وج ٥ / ١٥٣ و ١٥٤ ح ٤٩٢١ ـ ٤٩٢٣ وص ١٦٦ ح ٤٩٦٩ وص ١٦٩ ـ ١٧٠ ح ٤٩٨٠ و ٤٩٨١ وص ١٨٢ ح ٥٠٢٥ و ٥٠٢٦ وص ١٨٣ ح ٥٠٢٨ وص ١٨٦ ح ٥٠٤٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧ وص ١٦٠ ـ ١٦١ ح ٤٧١١ ووافقه الذهبي في التلخيص ، حلية الأولياء ١ / ٣٥٥ رقم ٥٧ وج ٩ / ٦٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٤٨ وج ٧ / ٣٠ ـ ٣١ وج ١٠ / ١١٤ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤٤٢ رقم ٤٥٥١ وقد بتر الحديث فلم يذكر إلّا الثقل الأوّل فقط!! ، مناقب الإمام عليّ ٧ـ للمغازلي ـ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ح ٢٨١ ـ ٢٨٤ ، مناقب الإمام عليّ ٧ـ للخوارزمي ـ : ١٥٤ ح ١٨٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢١٦ ح ٨٧٠٢ وص ٢٢٠ ح ٨٧١٤ ، فردوس الأخبار ١ / ٥٣ ح ١٩٧ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ١٧٩ ، كفاية الطالب : ٥٣ ، ذخائر العقبى : ٤٧ ـ ٤٨ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ١٢٠ ، تفسير الخازن ١ / ٢٥٧ وقد ذكر الثقل الأوّل فقط ولم يتمّ الحديث!! ، فرائد السمطين ٢ / ١٤٢ ـ ١٤٧ ح ٤٣٦ ـ ٤٤١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ـ ١٦٥ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٨٥ ، الجامع الصغير : ١٥٧ ح ٢٦٣١ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ح ٨٧٠ ـ ٨٧٣ وص ١٧٨ ح ٨٩٨.

هذا ، وقد توسّع العلّامة السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في دراسة هذا الحديث الشريف من كلّ جوانبه ـ ألفاظه وطرقه وأسانيده ودلالته ـ في الأجزاء ١ ـ ٣ من موسوعته « نفحات الأزهار » ، فجزاه الله خيرا ؛ فراجع.

١٨٧

فالحقّ أنّ الراسخين في العلم ، عالمون بالمتشابه كلّه ، وأنّهم مخصوصون بالعترة ، ولذا خصّهم رسول الله ٦ بعدم المفارقة للقرآن ، وأوجب على أمّته التمسّك به وبهم.

١٨٨

إنّه تعالى ليس في جهة

قال المصنّف ـ شرّف الله منزلته ـ(١) :

المبحث الرابع

في أنّه تعالى ليس في جهة

العقلاء كافّة على ذلك ، خلافا للكرّامية ، حيث قالوا : « إنّه تعالى في جهة الفوق »(٢) .

ولم يعلموا أنّ الضرورة قضت بأنّ كلّ ما هو في جهة ، فإمّا أن يكون لابثا فيها ، أو متحرّكا عنها ، فهو [ إذا ] لا ينفكّ عن الحوادث ، وكلّ ما لا ينفكّ عن الحوادث فهو حادث ، كما تقدّم.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٦ ـ ٥٧.

(٢) الملل والنحل ١ / ٩٩ ، المواقف : ٤٢٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٩.

١٨٩

وقال الفضل(١) :

هذا القول للكرّامية ؛ لأنّهم من جملة من يقول : إنّه جسم ؛ ولكن قالوا : غرضنا من الجسم أنّه موجود ، لا أنّه متّصف بصفات الجسم.

فعلى هذا ، لا نزاع معهم إلّا في التسمية ، ومأخذها التوقيف ، ولا توقيف ها هنا(٢) .

وكونه تعالى في جهة الفوق ـ على وجه الجسمية ـ باطل بلا خلاف ، لكن جرت العادة في الدعاء بالتوجّه إلى جهة الفوق ؛ وذلك لأنّ البركات الإلهية إنّما تنزل من السماء إلى الأرض.

وقد جاء في الحديث أنّ امرأة بكماء أتي بها إلى النبيّ ٦ فقال لها رسول الله ٦ : من إلهك؟ فأشارت إلى السماء ، فقبل رسول الله ٦ إيمانها(٣)

وذلك لجريان العادة بالتوجّه إلى السماء عند ذكر الإله ، وهذا يمكن أن يكون مبنيا على إرادة العلوّ والتفوّق ، فيعبّرون عن العلوّ العقلي بالعلوّ

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٢) ورد مؤدّاه في : الملل والنحل ١ / ١٠٠ ، المواقف : ٢٧٣ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥ و ٢٦.

(٣) انظر : صحيح مسلم ٢ / ٧١ ، مسند أحمد ٢ / ٢٩١ ، الموطّأ : ٦٧٨ ح ٨ ، المعجم الكبير ١٩ / ٣٩٨ ح ٩٣٧ وج ٢٢ / ١١٦ ح ٢٩٧ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٤٤ ، إتحاف السادة المتّقين ٢ / ١٠٥ ، كنز العمّال ١ / ٤١١ ح ١٧٤٤ وص ٤١٢ ح ١٧٤٦ ، المواقف : ٢٧٢ ؛ وفيها : « أين الله؟ » بدل « من إلهك؟ ».

١٩٠

الحسّي.

فإن أراد الكرّامية هذا المعنى فهو صحيح ، وإن أرادوا ما يلزم الأجسام من الكون في الجهة والحيّز ، فهو باطل.

١٩١

وأقول :

ذكر الشهرستاني في « الملل والنحل » الكرّامية ، وعدّهم من الصفاتية وأهل السنّة ، وقال : هم أصحاب أبي عبد الله محمّد بن كرّام ، وهم طوائف يبلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة.

ثمّ قال : نصّ أبو عبد الله على إنّ لمعبوده على العرش استقرارا ، وعلى إنّه بجهة فوق ذاتا ، وأطلق عليه اسم « الجوهر » ، فقال في كتابه المسمّى « عذاب القبر » : إنّه أحديّ الذات ، أحديّ الجوهر ، وإنّه مماسّ للعرش من الصفحة العليا ، ويجوز عليه الانتقال والتحوّل والنزول!

ومنهم من قال : إنّه على بعض أجزاء العرش! وقال بعضهم : امتلأ العرش به! وصار المتأخّرون منهم إلى أنّه تعالى بجهة فوق ومحاذ للعرش.

ثمّ اختلفوا ، فقال العابدية منهم : إنّ بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدّر مشغولا بالجواهر لاتّصلت به(١) .

... إلى غير ذلك ممّا ذكره من خرافاتهم وضلالاتهم التي صاروا إليها بمجرّد الهوى وعدم المبالاة بالله سبحانه.

وقال في « المواقف » وشرحها : ذهب أبو عبد الله محمّد بن كرّام إلى أنّه تعالى في الجهة ككون الأجسام فيها ، وهو أن يكون بحيث يشار إليه أنّه هاهنا أو هناك ، وهو مماسّ للصفحة العليا من العرش ، ويجوز عليه

__________________

(١) الملل والنحل ١ / ٩٩ ـ ١٠٠.

١٩٢

الحركة والانتقال وتبدّل الجهات(١) .

فعلى هذا ، كيف يقول الفضل : كونه تعالى في جهة الفوق ـ على جهة الجسمية ـ باطل بلا خلاف؟!

ثمّ بعد هذا ناقض نفسه وردّد في مرادهم ، فإنّه لا يناسب الحكم بعدم الخلاف!

ثمّ إنّ اللازم ـ بمقتضى التصريح بأنّه تعالى جوهر ، وإثباتهم الجهة والحيّز والمماسّة لله تعالى ، وتجويزهم الحركة والانتقال عليه سبحانه ـ أن يكون مرادهم بالجسم هو الجسم الحقيقي ، لا الموجود.

لكن قال في « المواقف » وشرحها : « الكرّامية ـ أي بعضهم ـ قالوا :

هو جسم ـ أي : موجود ـ ، وقوم آخرون منهم قالوا : هو جسم ـ أي : قائم بنفسه ـ ؛ فلا نزاع معهم على التفسيرين إلّا في التسمية [ أي : إطلاق لفظ الجسم عليه ] ، ومأخذها التوقيف ، ولا توقيف هاهنا »(٢) .

فلاحظ وتدبّر!

وأمّا حديث « البكماء » ، ففي « المواقف » أنّ السؤال وقع فيه ب‍ : « أين الله؟ » لا : « من إلهك؟(٣) » كما ذكره الخصم! وذلك أنسب في مقام الاستشهاد لو صحّ الحديث!

__________________

(١) المواقف : ٢٧١ ، شرح المواقف ٨ / ١٩.

(٢) المواقف : ٢٧٣ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥.

(٣) المواقف : ٢٧٢ ، شرح المواقف ٨ / ٢٤.

١٩٣
١٩٤

إنّه تعالى لا يتّحد بغيره

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث الخامس

في أنّه تعالى لا يتّحد بغيره

الضرورة قاضية ببطلان الاتّحاد ، فإنّه لا يعقل صيرورة الشيئين شيئا واحدا.

وخالف في ذلك جماعة من الصوفية من الجمهور ، فحكموا بأنّه تعالى يتّحد بأبدان العارفين(٢) ، حتّى تمادى بعضهم وقال : إنّه تعالى نفس الوجود ، وكلّ موجود هو الله تعالى!

وهذا عين الكفر والإلحاد.

الحمد لله الذي فضّلنا باتّباع أهل البيت ، دون اتّباع أهل الأهواء الباطلة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٧.

(٢) انظر : كتاب التجلّيات ـ لابن عربي ـ : ١٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٣٢ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٢٥.

١٩٥

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه تعالى لا يتّحد بغيره ؛ لامتناع اتّحاد الاثنين(٢) .

وأمّا ما نسبه إلى الصوفية من القول بالاتّحاد ، فإن أراد به محقّقي الصوفية ، ك‍ :

أبي يزيد البسطامي(٣) ،

وسهل بن عبد الله التستري(٤) ،

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٩ ـ ١٨١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٢٥ ، المواقف : ٢٧٤ ، شرح المواقف ٤ / ٦٠ ـ ٦٢ وج ٨ / ٢٨.

(٣) هو : طيفور بن عيسى بن سروشان البسطامي ، الصوفي الزاهد ، كان جدّه مجوسيا فأسلم ، ولد في بسطام ـ وهي بلدة من أعمال خراسان ، بين دامغان ونيسابور ـ وتوفّي سنة ٢٦١ وقيل : ٢٦٤ ه‍.

انظر : طبقات الصوفية : ٦٧ رقم ٨ ، معجم البلدان ١ / ٥٠٠ رقم ١٩٠١ ، وفيات الأعيان ٢ / ٥٣١ رقم ٣١٢ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٨٦ رقم ٤٩ ، شذرات الذهب ٢ / ١٤٣ وفيات سنة ٢٦١ ه‍.

(٤) هو : أبو محمّد ، سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى التستري ، الصوفي الزاهد ، ولد سنة ٢٠٠ أو ٢٠١ ه‍ في مدينة تستر ـ وهي تعريب شوشتر ـ من كور الأهواز في إقليم خوزستان بإيران ، له مصنّفات عديدة ، منها : دقائق المحبّين ، ومواعظ العارفين ، وجوابات أهل اليقين ؛ توفّي بالبصرة سنة ٢٨٣ ه‍.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ٣٢٢ المقالة الخامسة / الفنّ الخامس ، طبقات الصوفية : ٢٠٦ رقم ١٠ ، معجم البلدان ٢ / ٣٤ رقم ٢٥١٧ ، وفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ رقم ٢٨١ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠ رقم ١٥١ ، شذرات الذهب ٢ / ١٨٢ وفيات سنة ٢٨٣ ه‍.

١٩٦

وأبي القاسم الجنيد البغدادي(١) ،

والشيخ السهروردي(٢)

فهذا نسبة باطلة ، وافتراء محض ، وحاشاهم عن ذلك!

بل صرّحوا كلّهم في عقائدهم ببطلان الاتّحاد ؛ فإنّه مناف للعقل والشرع.

بل هم أهل محض التوحيد ، وحقيقة الإسلام ناشئة من أقوالهم ، ظاهرة على أعمالهم وعقائدهم ، وهم أهل التوحيد والتمجيد.

وفي الحقيقة : هم الفرقة الناجية ، ولهم في مصطلحاتهم عبارات تقصر عنها أفهام غيرهم ، وفي اصطلاحاتهم البقاء والفناء.

__________________

(١) هو : الجنيد بن محمّد بن الجنيد الخزّاز البغدادي القواريري الصوفي ، أصله من نهاوند ، ومولده ومنشؤه بالعراق ، كان شيخ وقته في الصوفية ، ولد سنة بضع وعشرين ومائتين ، وتفقّه على يد أبي ثور ـ صاحب الشافعي ـ ، وقيل : كان على مذهب سفيان الثوري ؛ توفّي ببغداد سنة ٢٩٨ ه‍.

انظر : طبقات الصوفية : ١٥٥ رقم ١ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٧٣ رقم ١٤٤ ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٦٦ رقم ٣٤ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٢ / ٢٦٠ رقم ٦٠ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٢٨ وفيات سنة ٢٩٨ ه‍.

(٢) هو : شهاب الدين عمر بن محمّد بن عبد الله التيمي السهروردي ، يرجع نسبه إلى محمّد بن أبي بكر ، ولد سنة ٥٣٩ في سهرورد ـ وهي قرية قريبة من زنجان ـ قدم بغداد وهو شابّ وسمع فيها الحديث ، وكانت له صحبة مع الشيخ عبد القادر ، كان شافعي المذهب ، وكان شيخ شيوخ الصوفية ببغداد ، له عدّة تصانيف ، منها :

« عوارف المعارف » في بيان طريقة الصوفية ، حكمة الإشراق ، النفحات السماوية ؛ توفّي ببغداد سنة ٦٣٢ ه‍.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٢٩ رقم ٦٨١١ ، وفيات الأعيان ٣ / ٤٤٦ رقم ٤٩٦ ، سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٣٧٣ رقم ٢٣٩ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٨ / ٣٣٨ رقم ١٢٣٢ ، شذرات الذهب ٥ / ١٥٣ وفيات سنة ٦٣٢ ه‍ ، الكواكب الدرّية ٣ / ١٤٤ رقم ٥٧٤.

١٩٧

والمراد من « الفناء » : محو العبد صفاته وهويّته التعينية بكثرة الرياضات(١) ، والاصطلام(٢) من الوارد الحقّ.

و« البقاء » : هو تجلّي الربوبية على العبد بعد السلوك والمقامات ، فيبقى العبد بربّه(٣) .

وهذه أحوال لا يطّلع عليها إلّا أربابها ، ومن سمع شيئا من مقالاتهم ولم يفهم إرادتهم من تلك الكلمات ، حمل كلامهم على الاتّحاد والحلول.

عصمنا الله من الوقيعة في أوليائه ، فقد ورد في الحديث الصحيح القدسي : «من عادى لي وليّا فقد آذنته بحرب »(٤)

وأمّا ما نقل عنهم أنّهم يقولون : إنّه تعالى نفس الوجود ؛ فهذه مسألة دقيقة لا تصل حوم(٥) فهمها(٦) أذهان مثل هذا الرجل.

وجملتها أنّهم يقولون : إنّه لا موجود إلّا الله.

ويريدون به أنّ الوجود الحقيقي لله تعالى ؛ لأنّه من ذاته لا من غيره ، فهو الموجود في الحقيقة ، وكلّ ما كان موجودا غيره فوجوده من الله ، وهو

__________________

(١) انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ٩ رقم ٣٨.

(٢) الاصطلام : نوع وله يرد على القلب فيسكن تحت سلطانه ، أو : هو الوله الغالب على القلب ، وهو قريب من الهيمان ؛ انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ١٥ رقم ٩٣ ، معجم اصطلاحات الصوفية ـ للكاشاني ـ : ٥٥.

(٣) انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ٩ رقم ٣٧ ، معجم اصطلاحات الصوفية ـ للكاشاني ـ : ٣٦٧.

(٤) صحيح البخاري ٨ / ١٨٩ ح ٨٩.

(٥) حام فلان على الأمر حوما وحومانا وحياما : رامه وطلبه ودار عليه ؛ انظر : تاج العروس ١٦ / ١٨٧ مادّة « حوم ».

والمراد هنا هو : الطرف والحدّ ، فكأنّه قال : لا يصل إلى شيء من فهمها

(٦) كانت الجملة في الأصل هكذا : « لا يصل حول فهمه » ؛ والمثبت من المصدر.

١٩٨

في حدّ ذاته لا موجود ولا معدوم ؛ لأنّه ممكن ، وكلّ ممكن فإنّ نسبة الوجود والعدم إليه على السواء ، فوجوده من الله ، فهو موجود بوجود ظلّيّ هو من ظلال الوجود الحقيقي ، فالموجود حقيقة هو الله تعالى.

وهذا عين التوحيد ، وكمال التفريد ، فمن نسبهم مع فهمه هذه العقيدة إلى الكفر ، فهو الكافر ؛ لأنّه كفّر مسلما بجهة إسلامه.

١٩٩

وأقول :

لا ريب في قول جماعة من الصوفية بالاتّحاد ، كما يشهد له إنكار الخصم لصحّة النسبة إذا أراد المصنّف محقّقي الصوفية ، فلو أراد غيرهم لم ينكره الخصم.

وقال في « المواقف » : « إنّ المخالف في هذين الأصلين ـ يعني [ عدم ] الحلول و [ عدم ] الاتّحاد ـ طوائف ثلاث ـ إلى أن قال : ـ الثالثة : بعض الصوفية ، وكلامهم مخبّط بين الحلول والاتّحاد »(١) .

ثمّ قال : « ورأيت من الصوفية الوجودية من ينكره ، ويقول : لا حلول ولا اتّحاد ، إذ كلّ ذلك يشعر بالغيرية ، ونحن لا نقول بها ، بل نقول : ليس في دار الوجود غيره ديّار ؛ وهذا العذر أشدّ قبحا وبطلانا من ذلك الجرم(٢) ، إذ يلزم تلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل ، ولا مميّز أدنى تمييز »(٣) .

وقال التفتازاني في « شرح المقاصد » بعد إبطال الحلول والاتّحاد : « والمخالفون : منهم نصارى ـ إلى أن قال : ـ ومنهم بعض المتصوّفة ، القائلون : بأنّ السالك إذا أمعن في السلوك ، وخاض لجّة الوصول(٤) ، فربّما يحلّ الله فيه! تعالى [ الله ] عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ، كالنار في

__________________

(١) المواقف : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٩ ـ ٣١.

(٢) في المواقف وشرحها : الجزم.

(٣) المواقف : ٢٧٥ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٣١.

(٤) في المصدر : « وخاصة لجهة الأصول » ؛ وهو تصحيف.

٢٠٠

وقد اشتد به العطش وأحاط القوم بالعبّاسعليه‌السلام فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رحمة الله عليه(1) .

ونظر الحسينعليه‌السلام إلى ما حوله، ومدّ ببصره إلى أقصى الميدان فلم ير أحداً من أصحابه وأهل بيته إلاّ وهو يسبح بدم الشهادة، مقطّعَ الأوصال والأعضاء.

وهكذا بقي الإمامعليه‌السلام وحده يحمل سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و بين جنبيه قلب عليعليه‌السلام وبيده راية الحق البيضاء، وعلى لسانه كلمة التقوى.

الحسينعليه‌السلام وحيداً في الميدان:

حينما التفت أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام يميناً وشمالاً ولم ير أحداً يذبّ عن حرم رسول الله أخذ ينادي هل من ذابٍّ يذبّ عنا؟ فخرج الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الفسطاط وكان مريضاً لا يقدر أن يحمل سيفه وأم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع. فقال: (يا عمّتاه! ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وإذا بالحسينعليه‌السلام ينادي: (يا أم كلثوم! خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

ويقول المؤرخون: إنه لما رجع الحسينعليه‌السلام من المسنّاة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه، فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسينعليه‌السلام وضربه على رأسه بالسيف وكان عليه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 109.

(2) بحار الأنوار: 45 / 46.

٢٠١

فامتلأت القلنسوة دما، فقال له الحسينعليه‌السلام : (لا أكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين).

ثم ألقى القلنسوة ودعا بخرقة فشدَّ بها رأسَه واستدعى قلنْسوة أخرى فلبسها واعتمّ عليها، ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومن كان معه إلى مواضعهم، فمكث هنيئة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به)(1) .

حمل الإمام الحسينعليه‌السلام سيفه وراح يرفع صوته على عادة الحروب ونظامها في البراز، وراح ينازل فرسانهم، ويواجه ضرباتهم ببسالة نادرة وشجاعة فذّة، فما برز إليه خصم إلا وركع تحت سيفه ركوع الذل والهزيمة.

قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، أَن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدَّ عليها بسيفه فتنكشف عن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب(2) .

ولمّا عجزوا عن مقاتلته، لجأوا إلى أساليب الجبناء; فقد استدعى شمر الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة، وأمر الرماة أنْ يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار جسمُه كالقنفذ فأحجم عنهم، فوقفوا بإزائه وخرجت أُخته زينب إلى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص: ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فلم يجبها عمر بشيء، فنادت ويحكم! أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء. ونادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجّالة فقال: ويحكم! ما تنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أُمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب.

فضربه زُرعة بن شريك على كتفه اليسرى فقطعها، وضربه آخر منهم على عاتقه فكبا منها لوجهه، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه،

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 110، إعلام الورى: 1 / 467.

(2) الإرشاد: 2 / 111، إعلام الورى: 1 / 468.

٢٠٢

وبدر إليه خُولى بن يزيد الأصبحي فنزل ليحتزّ رأسه فأرعد فقال له شمر: فتَّ الله في عضدك، ما لك ترعد؟ ونزل شمر إليه فذبحه ثم رفع رأسه إلى خولى بن يزيد فقال: إحمله إلى الأمير عمر بن سعد.

ثم أقبلوا على سلب الحسينعليه‌السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حَيْوَة الحضرمي، وأخذ سراويله أبجر بن كعب، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد، وأخذ سيفه رجل من بني دارم، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه(1) .

امتداد الحمرة في السماء:

ومادت الأرض واسودَّتْ آفاق الكون وامتدت حمرة رهيبة في السماء كانت نذيراً من الله لأولئك السفّاكين المجرمين الذين انتهكوا جميع حُرُماتِ الله(2) .

وصبغ فرس الحسينعليه‌السلام ناصيته بدم الإمام الشهيد المظلوم وأقبل يركض مذعوراً نحو خيام الحسينعليه‌السلام ليعلم العيال بمقتله واستشهاده، وقد صوّرت زيارة الناحية المقدّسة هذا المشهد المأساوي كما يلي: (فلما نظرت النساء إلى الجواد مخزياً والسرج عليه ملوياً خرجن من الخدور ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذَلَّلات وإلى مصرع الحسين مبادرات).

ونادت عقيلة بني هاشم زينب بنت عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهي ثكلى: وا محمداه! وا أبتاه! وا علياه! وا جعفراه! وا حمزتاه! هذا حسين بالعراء، صريع

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 112، إعلام الورى: 1 / 469.

(2) راجع كشف الغمة: 2 / 9، سير أعلام النبلاء: 3 / 312، تاريخ الإسلام للذهبي: 15، حوادث سنة 61، إعلام الورى: 1 / 429.

٢٠٣

بكربلاء، ليت السماء أطبقت على الأرض! وليت الجبال تدكدكت على السهل!!(1)

حرق الخيام وسلب حرائر النبوة:

وعمد المجرمون اللئام إلى حرق خيام الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام غير حافلين بمن في الخيام من بنات الرسالة وعقائل النبوّة. قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : (والله ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلاّ وخنقتني العبرة وتذكّرت فرارهن يوم الطف من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء، ومنادي القوم ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين!)(2) .

وعمد أراذل جيش الكوفة إلى سلب حرائر النبوة وعقائل الرسالة فنهبوا ما عليهن من حليّ وحلل، كما نهبوا ما في الخيام من متاع.

الخيل تدوس الجثمان الطاهر:

لقد بانت خِسّة الأمويين لكل ذي عينين، وعبّرت عن مسخ في الوجدان الذي كانوا يحملونه وماتت الإنسانية فتحولت الأجساد المتحركة إلى وحوش دنيئة لا تملك ذرّة من رحمة ولا يزعها وازع من بقية ضمير إنساني.

فحين حاصرت جيوش الضلالة أهل بيت النبوةعليهم‌السلام في عرصات كربلاء كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد كتاباً وهو يبيّن له ما يستهدفه من نتيجة للمعركة، وما تنطوي عليه نفسه الشريرة من حقد دفين على الرسالة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل ما يمتّ إليهما بصلة أو قرابة، وقد جاء فيه ما يلي:

أما بعد: فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعقد له عندي شافعاً، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على

____________________

(1) مقتل الحسين للمقرم: 346.

(2) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ، نقلاً عن تاريخ المظفري: 238.

٢٠٤

الحكم واستسلموا فابعث بهم سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم فإنهم لذلك مستحقّون، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاقّ مشاقّ قاطع ظلوم وليس في هذا أن يضر بعد الموت شيئاً، ولكن علي قول، لو قد قتلته فعلت هذا به(1) .

على أن ابن زياد كان من أعمدة الحكم الأموي. ولا نعلم أوامر صدرت من أحد أفراده بحيث كانت ترعى حرمة أو تقديراً لمقام ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لم يكن خافياً على أحد من الأمويين.

وهكذا انبرى ابن سعد بعد مقتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لينفّذ أوامر سيّده الحاقد ابن زياد، فنادى في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة، فداسوا جسد الحسينعليه‌السلام بخيولهم حتى رضّوا ظهره(2) .

عقيلة بني هاشم أمام الجثمان العظيم:

ووقفت حفيدة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنة أمير المؤمنينعليه‌السلام العقيلة زينبعليها‌السلام على جثمان أخيها العظيم، وهي تدعو قائلةً: (اللهم تقبّل هذا القربان)(3) . إنَّ الإنسانية لتنحني إجلالاً وخضوعاً أمام هذا الإيمان الذي هو السر الوحيد في خلود تضحية الحسينعليه‌السلام وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 314، إعلام الورى: 1 / 453.

(2) إعلام الورى: 1 / 470، مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 39.

(3) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام : 3 / 304.

٢٠٥

٢٠٦

الفصل الثالث:

نتائج الثورة الحسينية

انبعثت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام من ضمير الأمة الحيّ ومن وحي الرسالة الإسلامية المقدسة ومن البيت الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية للبشرية جمعاء، البيت الذي حمى الرسالة والرسول ودافع عنهما، حتى استقام عمود الدين. وأحدثت هذه الثورة المباركة في التأريخ الإنساني عاصفة تقوض الذل والاستسلام وتدك عروش الظالمين، وأضحت مشعلاً ينير الدرب لكل المخلصين من أجل حياة حرّة كريمة في ظل طاعة الله تعالى.

ولا يمكن لأحد أن يغفل عما تركته هذه الثورة من آثار في الأيام والسنوات التي تلتها رغم كل التشويه والتشويش الذي يحاول أن يمنع من سطوع الحقيقة لناشدها. وبالإمكان أن نلحظ بوضوح آثاراً كثيرة لهذه الثورة العظيمة عبر الأجيال وفي حياة الرسالة الإسلامية بالرغم من أنّا لا نحيط علماً بجميعها طبعاً. وأهم تلك الآثار هي:

1 - فضح الأمويين وتحطيم الإطار الديني المزيّف:

بفعل ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام تكشفت للناس حقيقة النزعة الأُموية المتسلطة على الحكم، ونسفت تضحيات الثائرين كل الأطر الدينية المزيّفة

٢٠٧

التي استطاع الأمويون من خلالها تحشيد الجيوش للقضاء على الثورة، مستعينين بحالة غياب الوعي وشيوع الجهل الذي خلّفته السقيفة. ونلمس هذا الزيف في قول مسلم بن عمرو الباهلي يؤنّب مسلم بن عقيل ربيب بيت النبوة والعبد الصالح لخروجه على يزيد الفاسق، ويفتخر بموقفه قائلاً: أنا من عرف الحق إذ تركته، ونصح الأمة والإمام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته(1) .

وهذا عمرو بن الحجاج الزبيدي - من قادة الجيش الأموي - يحفّز الناس لمواجهة الإمام الحسينعليه‌السلام حين وجد منهم تردّداً وتباطؤاً عن الأوامر قائلاً: يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام(2) . فالدين في دعوى الأمويين طاعة يزيد ومقاتلة الحسينعليه‌السلام .

ولكن حركة الإمام الحسينعليه‌السلام ورفضه البيعة وتضحياته الجليلة نبّهت الأمة، وأوضحت لها ما طُمس بفعل التضليل. فقد وقف الإمام الحسينعليه‌السلام يخاطبهم ويوضّح مكانته في الرسالة والمجتمع الإسلامي: أمّا بعد فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه؟!

هذا بالإضافة إلى كل الخطب والمحاورات التي جرت في وضع متوتّر حسّاس أوضح للناس مكانة طرفي النزاع. ثم ما آلت إليه نتيجة المعركة من

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 281.

(2) المصدر السابق: 4 / 331.

٢٠٨

بشاعة في السلوك والفكر فاتضحت خسّة الأمويين ودناءتهم ودجلهم.

وكان الأثر البالغ في مواصلة الثورة الحسينية بدون سلاح دمويّ حين واصلت العقيلة زينب بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام فضح الجرائم التي ارتكبها بنو أُمية ومن ثم توضيح رسالة الإمام الحسينعليه‌السلام .

إنّ جميع المسلمين متفقون - على اختلاف مذاهبهم وآرائهم - بأن الموقف الحسيني كان يمثّل موقفاً إسلامياً شرعياً، وأن يزيد كان مرتدّاً ومتمردّاً على الإسلام والشرع الإلهي والموازين الدينية.

2 - إحياء الرسالة الإسلامية:

لقد كان استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام هزّة لضمير الأمة وعامل بعث لإرادتها المتخاذلة وعامل انتباه مستمر للمنحدر الذي كانت تسير فيه بتوجيه من بني أُمية ومن سبقهم من الحكّام الذين لم يحرصوا على وصول الإسلام نقيّاً إلى من يليهم من الأجيال.

لقد استطاع سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبيّن الموقف النظري والعملي الشرعي للأمة تجاه الانحراف الذي يصيبها حينما يستبدّ بها الطغاة، فهل انتصر الحسينعليه‌السلام في تحقيق هذا الهدف؟ لعلّنا نجد الجواب فيما قاله الإمام زين العابدينعليه‌السلام حينما سأله إبراهيم بن طلحة بن عبد الله قائلاً: من الغالب؟ قالعليه‌السلام : (إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب)(1) .

لقد كان الحسينعليه‌السلام هو الغالب إذ تحقق أحد أهم أهدافه السامية بعد محاولات الجاهلية لإماتته وإخراجه من معترك الحياة.

____________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : 3 / 440 عن أمالي الشيخ الطوسي.

٢٠٩

3 - الشعور بالإثم وشيوع النقمة على الأمويين:

اشتعلت شرارة الشعور بالإثم في نفوس الناس، وكان يزيدها توهجاً واشتعالاً خطابات الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام وزينب بنت عليّ بن أبي طالب وبقية أفراد عائلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التي ساقها الطغاة الأمويون كسبايا من كربلاء إلى الكوفة فالشام.

فقد وقفت زينبعليها‌السلام في أهل الكوفة حين احتشدوا يحدّقون في موكب رؤوس الشهداء والسبايا، ويبكون ندماً على ما فرّطوا وما حصل لآل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشارت إليهم أن اسكتوا فسكتوا فقالت:

أما بعد:

يا أهل الكوفة أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرّنة، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا ساء ما تزرون، أي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها فلن ترحضوها بغسل أبداً، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدار حجّتكم، ومنار محجّتكم، وهو سيد شباب أهل الجنّة؟).

وتكلم عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال:

أيها الناس! ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه؟ فتباً لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأي عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي؟ فلستم من أمتي(1) .

____________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : 3 / 341 عن مثير الأحزان.

٢١٠

وروي أيضاً أن يزيد بن معاوية فرح فرحاً شديداً وأكرم عبيد الله بن زياد ولكن ما لبث أن ندم ووقع الخلاف بينه وبين ابن زياد حين علم بحال الناس وسخطهم عليه، ولعنهم وسبّهم(1) .

ولقد كان الشعور بالإثم يمثّل موقفاً عاطفياً مفعماً بالحرارة والحيوية والرغبة الشديدة بالانتقام من الحكم الأموي، مما دفع بالكثير في الجماعات الإسلامية إلى العمل للتكفير عن موقفهم المتخاذل عن نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام بصيغة ثورة مسلحة لمواجهة الحكم الأموي الظالم.

صحيح أنه لا يمكننا أن نعتبر موقف المسلمين هذا موقفاً عقلياً نابعاً من إدراك فساد الحكم الأموي وبعده عن الرسالة الإسلامية إلاّ أنه كان موقفاً صادقاً يصعب على الحاكمين السيطرة عليه كالسيطرة على الموقف العقلاني، فكان الحكام الظلمة وعبر مسيرة العداء لأهل البيت النبويعليهم‌السلام يحسبون له ألف حساب.

4 - إحياء إرادة الأمة وروح الجهاد فيها(2):

كانت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام السبب في إحياء الإرادة لدى الجماهير المسلمة وانبعاث الروح النضالية، وهزّة قوية في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن إلى الخنوع والتسليم، عاجزاً عن مواجهة ذاته ومواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالأمة كيف يشاء، مؤطّراً تحركه بغطاء ديني يحوكه بالدجل والنفاق، وبأيدي وعاظ السلاطين أحياناً وأخرى بحذقه ومهارته في المكر والحيلة.

فتعلم الإنسان المسلم من ثورة الحسينعليه‌السلام أن لا يستسلم ولا يساوم،

____________________

(1) تأريخ الطبري: 4 / 388، تأريخ الخلفاء: 208.

(2) للمزيد من التفصيل راجع ثورة الحسين (النظرية، الموقف، النتائج ) للسيّد محمد باقر الحكيم:100.

٢١١

وأن يصرخ معبّراً عن رأيه ورغبته في حياة أفضل في ظل حكم يتمتع بالشرعية أو على الأقل برضا الجماهير.

ونجد انطلاقات عديدة لثورات على الحكم الأموي وإن لم يُكتب لها النجاح; إلاّ أنها توالت حتى سقط النظام. ورغم أن أهدافها كانت متفاوته إلاّ أنها كانت تستلهم من معين ثورة الحسينعليه‌السلام أو تستعين بالظرف الذي خلقته. فمن ذلك ثورة التوابين(1) التي كانت ردّة فعل مباشرة للثورة الحسينية، وثورة المدينة(2) ، وثورة المختار الثقفي(3) الذي تمكن من محاكمة المشاركين في قتل الحسينعليه‌السلام ومجازاتهم بأفعالهم الشنيعة وجرائمهم الفضيعة، ثم ثورة مطرف بن المغيرة، وثورة ابن الأشعث، وثورة زيد بن عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام (4) وثورة أبي السرايا(5) .

لقد أحيت الثورة الحسينية روح الجهاد وأجّجتها، وبقي النبض الثائر في الأمة حيّاً رغم توالي الفشل اللاحق ببعض تلكم الثورات. إلاّ أن الأمة الإسلامية أثبتت حيويّتها وتخلّصت من المسخ الذي كاد أن يطيح بها بأيدي الأمويين أسلافهم.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 426، 449.

(2) المصدر السابق: 4 / 464.

(3) المصدر السابق: 4 / 487.

(4) مقاتل الطالبيين: 135.

(5) المصدر السابق: 523.

٢١٢

الفصل الرابع:

من تراث الإمام الحسينعليه‌السلام

نظرة عامّة في تراث الإمام الحسينعليه‌السلام :

الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام قائد مبدئي وأحد أعلام الهداية الربّانية الذين اختارهم الله لحفظ دينه وشريعته، وجعلهم أمناء على تطبيقها، وطهّرهم من كل رجس ليصونوها من أي تحريف أو تحوير.

إن المحنة التي عاشها الأئمّة الثلاثة عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام كانت أكبر محنة للعقيدة والأُمّة; لأنّها قد بدأت بانحراف القيادة عن خط الرسالة; ولكنها لم تقتصر على الانحراف عن المبدأ الشرعي في ممارسة الحكم فحسب; وإنما كانت تمتد أبعادها إلى أعماق الأُمة والشريعة.

إن هذا الانحراف الخطير قد زاد في عزيمة هؤلاء الأئمّة الهداة، ممّا جعلهم يهتمون بإحكام قواعد الشريعة في الأمة وتعليمها وتربيتها بما يحول دون تسرّب الانحراف إليها بسرعة، وبما يحول دون تفتيتها وتمزيق قواها. ومن هنا كانت تربية الجماعة الصالحة والسهر على تنشئتها والاهتمام بقضاياها أمراً في غاية الأهمّية، ويظهر للمتتبع والمحقّق عظمة ذلك فيما لو أراد أن يقارن بين مواقف المسلمين تجاه أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خلال

٢١٣

خمسين عاماً بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن هنا كان التراث الذي تركه لنا كل من الإمام المرتضى والحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء تراثاً عظيماً ومهمّاً جدّاً. حيث نلمس الغناء في هذه الثروة الفكرية والعلمية التي وصلتنا عنهمعليهم‌السلام . وللمتتبع أن يراجع موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام ووثائق الثورة الحسينية، وبلاغة الحسين ومجموعة خطبه ورسائله; ليقف على عظمة هذه الثروة الكبرى وقفة متأمل ومستفيد. وها نحن نستعرض صوراً من اهتمامات هذا الإمام العظيم فيما يلي من بحوث:

في رحاب العقل والعلم والمعرفة:

قالعليه‌السلام :

1 - خمس من لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع: العقل والدين والأدب والحياء وحسن الخلق(1) .

2 - وسُئل عن أشرف الناس، فقال: من اتّعظ قبل أن يوعَظ واستيقظ قبل أن يوقظ(2) .

3 - وقالعليه‌السلام : لا يكملُ العقلُ إلاّ باتّباع الحق(3) .

4 - العاقل لا يحدِّث من يخاف تكذيبَه، ولا يَسأل من يخاف منعَه ولا يثِقُ بمن يخافُ غدرَه، ولا يرجو مَن لا يوثقُ برجائه(4) .

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 743 عن حياة الإمام الحسين: 1 / 181.

(2) المصدر السابق: 743 عن إحقاق الحق: 11 / 590.

(3) المصدر السابق: 742 عن اعلام الدين: 298. وورد هذا النص عن الإمام عليعليه‌السلام أيضاً.

(4) المصدر السابق: 742 عن حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 1/181.

٢١٤

5 - العلم لقاحُ المعرفة، وطول التجارب زيادةٌ في العقل، والشرف التقوى، والقنوعُ راحةُ الأبدان، ومن أحبَّكَ نهاكَ ومن أبغضك أغراك(1) .

6 - من دلائل العالم انتقادُه لحديثهِ وعلمه بحقائق فنونِ النظر(2) .

7 - لو أنّ العالِمَ كلّ ما قال أحْسَنَ وأصابَ لاَوْشَكَ أن يجنّ من العُجْبِ، وإنّما العالِمُ مَن يكثرُ صَوابُه.

8 - وفي دعاء عرفةَ للإمام الحسينعليه‌السلام مقاطع بديعة ترتبط بالمعرفة البشرية وسُبُل تحصيلها وقيمة كل سبيل وما ينبغي للعاقل أن يسلكه من السبل الصحيحة والموصلة إلى المقصود، نختار منها نماذج ذات علاقة ببحثنا هذا:

قالعليه‌السلام :

أ - إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟....

ب - إلهي علمتُ باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كل شيء حتى لا أجهلك في شيء....

ج - إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار فَاجمعني عليك بحذمة توصلني إليك، كيف يُستَدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكونُ لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكونَ هو المظهِرَ لك؟! متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟!. ومتى بَعُدْتَ حتّى تكونَ الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً.

د - إلهي أمرتَ بالرجوع إلى الآثار فأرجعني إليك بكسوةِ الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجعَ إليك منها كما دخلتُ إليك منها مَصونَ السرِّ عن النظرِ إلَيْها ومرفوع

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : 742 و 743 عن بحار الأنوار: 78 / 128، الحديث 11.

(2) المصدر السابق.

٢١٥

الهمّة عن الاعتمادِ عليها.

هـ - منك أطلُبُ الوصول إليك وبك استدلُّ عليك فاهدني بنورك إليك وأقمني بصدْق العبودّية بين يديك.

و - إلهي علّمني من علمك المخزون وصُنّي بستْرك المصون. إلهي حققّني بحقايق أهلِ القُرب....

ز - إلهي أخرِجني من ذُلِّ نفسي وطهّرني مِن شكّي وشركي قبل حلول رمسي.

ح - إلهي إنّ القضاء والقدر يُمنيّني، وإنّ الهوى بوثائق الشهوة اسرني، فكن أنت النصير لي حتَى تنصرني وتبصرني.

ط - أنتَ الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوْليائك حتى عرفوك ووحَّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سِواك ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المُؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدكَ؟! وما الذي فقد من وجدك؟!.

ي - أنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكلّ شيء فما جهلك شيءٌ، وأنت الذي تعرّفت إليَّ في كلّ شيء فرأيْتُك ظاهراً في كل شيء... كيف تخفى وأنت الظاهرُ؟ أم كيف تغيبُ وأنت الرقيبُ الحاضِرُ؟!(1) .

في رحاب القرآن الكريم:

لقد اعتنى أهل البيت الطاهرون بالقرآن الكريم اعتناء وافراً فعكفوا على تعليمه وتفسيره وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم. وقد أثرت عن الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام كلمات جليلة حول التفسير والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمل نختار نماذج منها:

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 803 - 806 عن إقبال الأعمال: 339.

٢١٦

أ - قالعليه‌السلام : (كتاب الله عَزَّ وجَلَّ على أربعة أشياء: على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص واللطائفُ للأولياء، والحقائق للأنبياء)(1) .

ب - (من قرأ آيةً من كتاب الله في صلاته قائماً يُكتَب له بكل حرف مِئةُ حَسَنَة، فإن قَرَأها في غير صلاة كتب اللهُ له بكل حرف عَشْراً، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكل حرف حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتى يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهاراً صلّت عليه الحفَظَةُ حتى يُمسيَ. وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ وكان خيراً له ممّا بين السماءِ والأرضِ)(2) .

ج - وعنهعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى:( تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) يعني بها (أرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرة)(3) .

د - وسأله رجل عن معنى( كهيعص ) فقال له: لو فسّرتُها لك لمشيت على الماء(4) .

هـ - وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبد الله حَدِّثني عن قول الله عزَّ وجَلَّ:( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) ، قال: (نحن وبنو أمية اختصمنا في الله عَزَّ وجَلَّ، قلنا صدق الله، وقالوا: كذب اللهُ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة)(5) .

و - وفي قوله تعالى:( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ) قالعليه‌السلام : (هذه فينا أهل البيت)(6) .

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 551 عن جامع الأخبار: 48.

(2) المصدر السابق: 551، عن الكافي: 2 / 611، الحديث 3.

(3) المصدر السابق: 560 عن تفسير البرهان: 2 / 323.

(4) المصدر السابق: 561 عن ينابيع المودّة: 484.

(5) المصدر السابق: 563 عن حياة الحسين: 2 / 234.

(6) المصدر السابق: 564 عن بحار الأنوار: 24 / 166.

٢١٧

ز - في قوله تعالى:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالعليه‌السلام : (إن القرابة الّتي أمَرَ اللهُ بصلتها وعظم حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب حقَّنا على كلّ مسلم)(1) .

ح - وفسّر النعمة في قوله تعالى:( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (بما أنعم الله على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من دينهِ)(2) .

ط - وفسّر الصَمَد بقوله: إنّ الله قد فَسَّرَهُ بقوله:( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (3) .

ي - وقال: (الصمد: الذي لا جوف له، والصمد: الذي قد انتهى سؤدده، والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب. والصمد: الذي لا ينام، والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال)(4) .

ك - وروي أن عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسينعليه‌السلام سورة الحمد، فلمّا قرأها على أبيه أعطاهعليه‌السلام ألف دينار وألف حُلّة وحشا فاه دُرّاً، فقيل له في ذلك، فقالعليه‌السلام : وأين يقع هذا من عطائه؟ يعني بذلك تعليمه القرآن(5) .

في رحاب السُنّة النبويّة المباركة:

لقد عاصر الحسين جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعاش في كنف الوحي والرسالة وارتضع من ثدي الإيمان، فحمل هموم الرسالة الخاتمة كأمه وأبيه وأخيه، وعلم أن سنة الرسول وسيرته هي المصدر الثاني للإشعاع الرسالي،

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 565 عن بحار الأنوار: 23 / 251 الحديث 37.

(2) المصدر السابق: 567 عن المحاسن: 1 / 344 الحديث 11.

(3) المصدر السابق: 568 عن التوحيد: 90 الحديث 5 ثم نقل تفسيرها بشكل تفصيلي فراجع.

(4) المصدر السابق: 569 عن معادن الحكمة: 2 / 51.

(5) المصدر السابق: 827 عن بحار الأنوار: 44 / 191.

٢١٨

وأيقن بضرورة الاهتمام بهما وضرورة الوقوف أمام مؤامرات التحريف والتضييع، ومنع التدوين التي تزعّمها جملة من كبار الصحابة وكيف واجهوا جدّه بكل صلف، حذراً من انكشاف الحقائق التي تحول دون وصولهم للسلطة أو تعكّر عليهم صفوها.

ومن هنا نجد الحسينعليه‌السلام يقف بكل شجاعة أمام هذا التآمر على الدين، ويضحّي بأغلى ما لديه من أجل إحياء شريعة جدّه سيد المرسلين، محقّقاً شهادة جدّه الخالدة في حقّه: (حسين منّي وأنا من حسين)، (ألا وإن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).

وهكذا نجد في تراثه الرائع اعتناءه البليغ بنقل السيرة النبوية الشريفة، والتحديث بسنّته والعمل بها وإحيائها، ولو بلغ مستوى الثورة على من يتسلّح بها لمسخها وتشويهها.

قال صلوات الله عليه:

1 - (كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحسن ما خلق اللهُ خلْقاً)(1) .

2 - وروى الحسينعليه‌السلام - كأخيه الحسن وصفاً دقيقاً للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهديه في سيرته مع نفسه وأهل بيته وأصحابه ومجلسه وجلسائه، أخذاه من أبيهما عليعليه‌السلام وهو الذي ربّاه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ نعومة أظفاره حتى التحاقه بالرفيق الأعلى. ونشير إلى مقطع من هذه السيرة. قال الحسينعليه‌السلام فسألته عن سكوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال:

(كان سكوته على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكّر. فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقى أو يفنى. وجمع له الحلم في

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 571، عن كنز العمّال: 7 / 217.

٢١٩

الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه، وجُمع له الحذر في أربع: أخذه بالحَسَن ليُقتدى به، وتركه القبيح ليُنتهى عنه، واجتهاده الرأي في صلاح أمته، والقيام في ما جُمع له من خير الدنيا والآخرة)(1) .

3 - وروى أيضاً أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح وهو مهموم، فقيل له: ما لَكَ يا رسول الله؟ فقال: (إني رأيت في المنام كأنّ بني أُمية يتعاورون منبري هذا). فقيل: يا رسول الله! لا تهتم فإنها دُنيا تنالهُمُ، فأنزل الله:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ... ) (2) .

4 - وروى أيضاً أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أكل طعاماً يقول: (اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيراً منه)، وإذا أكل لَبَناً أو شَرِبَه يقول: (اللهم بارك لنا فيه وارزقنا منه)(3) . وكان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا يفصل بينهما كما يَستَطْعِمُ المسكينُ(4) .

5 - وسُئل عن الأذان وما يقول الناس فيه، قال: (الوحي ينزل على نبيّكم، وتزعمون أنّه أخَذَ الأذانَ عن عبد الله بن زيد؟! بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: أهبَطَ الله عَزَّ وجَلََّ ملكاً حين عُرِج برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأذّن مثنى مثنى، وأقامَ مثنى مثنى، ثم قال له جبرئيل: يا محمّد هكذا أذان الصلاة)(5) .

6 - وروى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث مع عليّعليه‌السلام ثلاثين فرساً في غزاة السلاسل فقال: (يا عليّ أتلو عليك آيةً في نفقة الخيل):( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : 571 - 575 عن مجمع الزوائد: 8 / 274 ومعاني الأخبار: 79.

(2) المصدر السابق: 575 عن الغدير: 8 / 248.

(3) المصدر السابق: 578 عن عيون أخبار الرضا: 2 / 42.

(4) المصدر السابق: عن بحار الأنوار: 16 / 287.

(5) المصدر السابق: 683 عن مستدرك الوسائل: 4 / 17.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456