دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147726 / تحميل: 5908
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وَكُلُّ عَطَائِكَ هَنِيئٌ ، اللّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ بِعَطَائِكَ كُلِّهُ ، اللّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِكَ بِأعْجَلِهِ ، وَكُلُّ خَيْرِكَ عَاجِلٌ ، اللّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ بِخَيْرِكَ كُلِّهُ ، اللّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ بِأَفْضَلِهِ ، وَكُلُّ فَضْلِكَ فَاضِلٌ ، اللّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ بِفَضْلِكَ كُلِّهُ ، اللّهُمَّ إني أَدْعُوكَ كَمَا أَمَرْتَني فَاسْتَجِبْ لي كَمَا وَعَدْتَني.

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدْ ، وَابْعَثْني على الإيمَانِ بِكَ ، وَالتَصْدِيقِ بِرَسُولِكَ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ السَّلامُ ، وَالوِلَايَةِ لِعَليٍّ بنُ أَبي طَالِب ، وَالبَرَاءَةِ مِنْ عَدُوِّهِ ، وَالإِئتِمَامِ بِالَأئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمٍَّد ، عَلَيْهِمُ السَّلامُ ، فَإني قَدْ رَضِيتُ بِذلِكَ يا رَبُّ.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحّمَّدٍ ، عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ في الَأوَّلينَ ، وَصَلِّ على مُحّمَّدٍ في الآخِرينَ ، وَصَلِّ على مُحَمَّدٍ في المَلَاءِ الَأعْلَى إلى يَوْمِ الدِّينِ ، وَصَلِّ على مُحَمَّدٍ في المُرْسَلِينَ ، اللّهُمَّ إعْطِ مُحَمَداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الوَسِيلَةَ ، وَالشَّرَفَ ، وَالدَّرَجَةَ اَلكَبِيرَةَ ، اللّهُمَّ وَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَقْنِعْني بِمَا رَزَقْتَني ، وَبَارِكْ لي في ما أَعْطَيْتَني ، وَاحْفَظْني في غَيْبَتِي ، وَفي كُلِّ غَائِب هُوَ لي ، اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَسْأَلُكَ خَيْرَ الخَيْرِ رِضْوَانَكَ وَالجَنَّةَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الشَرِّ ، سُخْطِكَ وَالنَّارِ ، اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاحْفَظْني مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ بَلِيَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عُقُوبَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَمِنْ كُلِّ شَرِّ ، وَمِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ ، وَمِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ آفَةٍ نَزَلَتْ ، أوْ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إلى الَأرْضِ ، في هَذِهِ السَّاعَةِ ، وَفي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، وَفي هَذَا اليَوْمِ ، وَفي هَذَا الشَّهْرِ ، وَفي هذِهِ السَّنَةِ.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاقْسِمْ لي مِنْ كُلِّ سَرُورٍ ،

١٠١

وَمِن كُلِّ بَهْجَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ اسْتِقَامَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ فَرَحٍ ، وِمِنْ كُلِّ عَافِيَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ سَلَامَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ رِزْقٍ وَاسِعٍ حَلَالٍ طَيِّبٍ ، وَمِنْ كُلِّ نِعْمَةٍ ، ومِنْ كُلِّ سِعَةٍ ، نَزَلَتْ أوْ تَنْزِلُ مِنْْ السَّمَاءِ إلى الَأرْضِ في هذِهِ السَّاعَةِ ، وَفي هذِهِ اللَّيْلَةِ ، وَفي هَذَا اليَوْمِ ، وَفي هَذَا الشَّهْرِ وَفي هذِهِ السَّنَةِ.

اللّهُمَّ إنْ كَانَتْ ذُنُوبِي قَدْ أَخْلَقَتْ وَجْهِي ، وَحَالَتْ بَيني وبَيْنَكَ ، وَغَيَّرْتَ حَالِي عِنْدَكَ ، فَإني أسْأَلُكَ بِنْوُرِ وَجْهِكَ ، الذي لا يُطْفَأُ ، وَبِوَجْهِ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حَبِيبِكَ المُصْطَفَى ، وَبِوَجْهِ وَليِّكَ عَلِيٍّ المُرْتَضَى ، وَبِحَقِّ أَوْلِيَائِكَ ، الذِينَ أنْتَجَبْتَهُمْ ، أنْ تُصَليَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لي مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِي ، وَأَنْ تَعْصِمَني فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي ، وَأَعُوذُ بِكَ من كُلِّ شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِيكَ أَبَداً ، ما أَبْقَيْتَني حَتَّى تَتَوَفَّاني ، وَأنَا لَكَ مُطِيعٌ ، وَأَنْتَ عَنِّي رَاضٍ ، وَأَنْ تَخْتِمَ لي عَمَلي بِأَحْسَنِهِ ، وَتَجْعَلَ لي ثَوَابَهُ الجَّنَةِ ، وَأَنْ تَفَعَلَ بي ما أَنْتَ أَهْلُهُ ، يا أَهْلَ التَّقْوىَ والمَغْفِرَةِ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارْحَمْني بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِنَ »(1) .

ولقد احتوى ، هذا الدعاء ، على أسمى صور التعظيم والتبجيل لله تعالى ، الذي ما عرفه حقا ، سوى أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، سدنة علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخزنة حكمه وآدابه.

3 ـ دعاؤه في عيد الغدير

أما عيد الغدير فهو من أهم الاعياد شأنا ، ومن أسماها منزلة ، فقد كمل فيه الدين ، وتمت النعمة الكبرى على المسلمين ، فقد قلدت السماء الامام ،

__________________

1 ـ المصباح ( ص 692 ـ 659 ) الاقبال ( ص 517 ).

١٠٢

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قيادة ، روحية وزمنية ، ونصبته خليفة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وجعلته ، رائدا للعدالة الاجتماعية في الاسلام ، يقيم إعوجاج الدين ، ويصلح ما فسد من أمور المسلمين.

وحيث كان هذا اليوم المبارك ، من أعظم الاعياد في الاسلام ، فقد ندب الامام الصادقعليه‌السلام ، إحياءه بذكر الله ، من الصلاة والصوم ، والتصدق على الفقراء والمساكين ، كما حض على استحباب مصافحة المسلمين ، بعضهم لبعض ، وان يقول كل منهما لصاحبه ،

« الحَمْدُ للهِ الذي أَكْرَمَنا بِهَذَا اليَوْمِ ، وَجَعَلنا مِنَ المُؤْمِنِينَ بِعَهْدِهِ ، الذي عَهِدَهُ إلَيْنَا ، وَمِيثَاقِهِ الذي وَاثَقَنَا بِهِ مِنْ ولايَةِ وُلَاةِ أَمْرِهِ ، وَالقِيَامِ بِقِسْطِهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْنا مِنَ الجَاحِدِينَ ، وَالمُكَذِبِينَ بِيَوْمِ الدّين »(1) .

وكان الامام الصادقعليه‌السلام ، يدعو بهذا الدعاء ، وحث شيعته على تلاوته وهذا نصه :

« رَبَّنَا ، إنَّنَا سَمعْنا مُنادياً ، يُنَادِي للإيمان ، أن آمِنُوا بِرَبِّكم ، فَآمنَّا ، رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا ، وَتَوَفَّنا مَعَ الَأبْرَارِ رَبَّنا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ، وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ، إنَّكَ لاَ تُخْلِفُ المِيعَادَ.

اللّهُمَّ إني أُشْهِدُكَ ، وَكَفى بِكَ شَهِيداً ، وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ ، وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ ، وَسُكَّانَ سَموَاتِكَ ، وَأَرْضِكَ ، بِأَنَّكَ اللهُ ، الذي لا إلهِ إلاَّ أَنْتَ ، المَعْبُودُ الذي لَيْسَ مِنْ لَدُنْ عَرْشِكَ ، إلى قَرَارِ أَرْضِكَ مَعْبُودٌ سِوَاكَ إلاَّ بَاطِلٌ مُضْمَحِلُّ غَيْرَ وَجْهِكَ الكَرِيمِ ، لا إلهَ ألاَّ أَنْتَ المَعْبُودُ ، لا مَعْبُودَ سِوَاكَ ، تَعَالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَالِمونَ عُلُواً كَبيراً ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَداً عَبْدُكَ

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 477 ).

١٠٣

وَرَسُولُكَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أمِيرَ المُؤمِنِينَ ، وَلِيُّهُمْ وَمَوْلاهُمْ وَمَوْلايَ ،

رَبَّنا ، إنَّننا سَمعْنَا ، النِّدَاءَ ، وَصَدَّقْنَا المُنَادِي ، رَسُولَكَصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذْ نَادَى نِدَاءً عَنْكَ بِالذي أَمَرْتَهُ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْكَ ، ما أنزَلْتَ إلَيْهِ مِنْ مُوَالَاةِ وَلِيِّ المُؤْمِنِينَ ، وَحَذَّرْتَهُ ، وَأَنْذَرْتَهُ إنْ لَمْ يُبَلِّغْ ، أَنْ تَسْخَطَ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ إذَا بَلَّغَ عَصَمْتَهُ مِنَ النَّاسِ ، فَنَادَى مُبَلِّغاً وَحْيَكَ وَرِسَالَاتِكَ : أَلَا مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، وَمَنْ كُنْتُ نَبِيَّهُ فَعَلِيٌّ أَمِيرُه ، رَبَّنَا قَدْ أَجَبْنَا دَاعِيَاكَ النَّذِيرَ ، المُنْذِرَ مُحَمَّداً عَبْدَكَ الذي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ، وَجَعْلَتَهُ مَثَلاً لِبَني إسْرَائيلَ.

رَبَّنَا ، آمَنَّا وَاتّبَعْنَا مَوْلانَا ، وَهَادِيَنَا ، وَدَاعِيَنَا ، وَدَاعيَ الَأنَامِ ، وَصِراطَكَ السَّويَّ المُسْتَقِيمَ ، وَمَحَجَّتَكَ البَيْضَاءَ ، وَسَبِيلَكَ الدَّاعِي إلَيْكَ ، على بَصِرَيِتٍه هُوَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ ، وَسُْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ بِوِلَايَتِهِ وَبِأمْرِ رَبِّهِمْ ، وَبِاِتّخَاذِ الوَلَايجِ مِنْ دُونِهِ فَاشْهَدْ يا إلهي أَن الإمَامَ الهَادِيَ ، المُرْشِدَ ، الرَّشِيدَ عَلِيَّا بنَ أبي طَاَلِبٍ ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ ، أميرُ المُؤْمِنِينَ الذي ذَكَرْتَهُ في كِتَابِكَ ، فَقُلْتَ : « وَإنَّهُ في أُمِّ الكِتَابِ لَعَلِيٍّ حَكيمٌ » اللّهُمَّ فَإنَّا نَشهَدُ بِأَنَّهُ عَبْدُكَ ، الهَادِي مِنْ بَعْدِ نَبِيِّكَ ، النَذِيرُ المُنْذِرُ ، وَالصِرَاطُ المُسْتَقِيمُ ، وَإمَامُ المُؤْمِنِينَ ، وَقَائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وَحُجَّتُكَ البَالِغَةُ ، وَلِسَانُكَ المُعَبِّرُ عَنْكَ في خَلْقِكَ ، وَالقَائِمُ بِالقِسْطِ بَعْدَ نَبِيِّكَ ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ ، وَعَيْبَةُ وَحْيِكَ وَعَبْدُكَ ، وَأَمِيِنُكَ المَأمُوُنُ ، المَأْخُوذُ مِيَثَاقُهُ مَعَ مِيثَاقِكَ ، وَمِيثَاقِ رُسُلِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَبَرِيَّتِكَ ، بِالشَّهَادَةِ وَالإخْلاصِ بِالوِحْدَانِيَّةِ ، أِنَّكَ أَنْتَ الله لا إلهَ أِلا أَنْتَ ، وَمُحَمَدٌ ، عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَعَليٌّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ ، وَجَعَلْتَ الإقْرَارَ بِولايَتِهِ تَمَامَ تَوْحِيدِكَ ، وَالإِخلاصَ لَكَ بِوِحْدَانِيَّتِكَ ، وَإكْمَال دِينِكَ ، وَتَمَامِ نِعْمَتِكَ على جَمِيعِ

١٠٤

خَلْقِكَ ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ : « اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ دِيناً » فَلَكَ الحَمْدُ ، على مَا مَنَنْتَ بِهِ عَلَيْنَا ، مِنَ الإِخْلاصِ لَكَ بِوَحْدانِيًّتِكَ ، وَجُدْتَ عَلَيْنَا بِمُوالاةِ وَلِيِّكَ الهَادِي ، مِنْ بَعْدِ نَبِيَّكَ النَّذِيرِ المُنْذِرِ ، وَرَضَيتَ لَنَا الإسْلامَ دِيناً ، بِمَوْلَانَا ، وَأَتْمَمْتَ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ ، بِالذي جَدَّدْتَ عَهْدَكَ ، وَمِيثَاقَكَ ، وَذَكَّرْتَنَا ذلِكَ ، وَجَعْلْتَنَا مِنْ أَهْل الإِخْلاصِ ، وَالتَصَدِيقِ لِعَهْدِكَ ، وَمِيثَاقِكَ ، وَمِنْ أهْل الوَفَاءِ بِذلِكِ َ، وَلَمْ تَجْعَلْنَا مِنَ النَاكِثِينَ ، وَالمُكَذِّبِينَ ، الذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ، وَلَمْ تَجْعَلْنَا مِنَ المُغِيِّرِينَ ، والمُبَدِّلِينَ ، والمُحَرِّفِينَ ، وَالمُبتِّكِينَ آذانَ الأنعامِ ، وَالمُغَيِّرِينَ خَلْقَ اللهِ ، الذينَ اسْتَخْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ، فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ ، وَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَالصِراطَ المُسْتَقِيم. اللّهُمَّ الْعَنِ الجَاحِدينَ وَالنَّاكِثِينَ ، وَالمُغَيِّرِينَ ، وَالمُبَدِّلِينَ ، وَالمُكَذِّبينَ بيوم الدين من الاولين والآخرين.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ على نِعْمَتِكَ عَلَيْنَا ، بِالذِي هَدَيْتَنَا إلى مُوَالآةِ وُلَاةِ أمْرِكَ مِنْ بَعْدِ نَبِيِّكَ ، وَالأئِمَّةِ الهَادِينَ ، الذِينَ جَعَلْتَهُمْ أَرْكَاناً لِتَوْحِيدِكَ ، وَأعْلامَ الهُدَى ، وَمَنَارَ التَّقُوَى ، وَالعُرْوَةَ الوُثْقَى ، وَكَمَالَ دِينِكَ ، وَتَمَامَ نِعْمَتِكَ ، وَمَنْ بِهِمُ ، وَبِمُوَالَاتِهِمْ ، رَضَيِتَ لَنَا الإِسلامَ دِيناً ، رَبَّنا فَلَكَ الحَمْدُ ، آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقُنَا نَبِيَّكَ الرَسُولَ النَذِيرَ المُنْذِرَ ، وَأتَّبَعْنَا الهَادِيَ مِنْ بَعْدِ النَّذِيِرِ المُنْذِرِ ، وَالَيْنَا وَلِيَّهمْ ، وَعَادَيْنَا عَدُوَّهُمْ ، وَبَرِئْنَا مِنَ الجَاحِدِينَ وَالنَاكِثِينَ وَالمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ ،

اللّهُمَّ فَكَمَا كَاَن مِنْ شَأنِكَ يا صَادِقَ الوَعْدِ ، يا مَنْ لا يُخَلِفُ المِيعَادَ ، يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ في شَأَنٍ ، أنْ أَتْمَمْتَ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ بِمُوَالاةِ أَوْلِيَائِكَ ، المَسْؤولِ عَنْهُم عِبَادُكَ ، فَإنَّكَ قُلْتَ : «وَلَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ

١٠٥

النَّعِيمِ » ، وَقُلْتَ : «وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤلُونَ » وَمَنَنْتَ بِشَهَادَةِ الإِخْلاصِ لَكَ بِوِلَايَةِ أوْلِيَائِكَ ، الهُدَاةِ ، مِنْ بَعْدِ النَّذِيرِ السِّرَاجِ المُنِيرِ ، وَأَكْمَلْتَ لَنَا الدّيِنَ ، بِمُوالَاتِهِم ، وَالبَرَاءَةِ مِنْ عَدُوهِمْ ، وَأَتْمَمْتَ عَلَيْنَا النِعَمَ ، بِالذي جَدَّدْتَ لَنَا عَهْدَكَ ، وَذَكَرْتَنَا مِيثَاقَكَ ، المَأخُوذَ مِنَّا في أبْتِدَاءِ خَلْقِكَ إيَّانَا ، وَجَعْلْتَنَا مِنْ أهْلِ الإِجَابَةِ ، وَذَكَّرْتَنَا العَهْدَ وَالميثَاقَ ، وَلَمْ تُنسْنِاَ ذكْرَكَ ، فَإنَّكَ قُلْتَ : «وَإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ وَذُرِّيَّتَهُمْ » وَأَشهَدَهُمْ على أَنْفُسِهمْ قَالُوا : بَلى ، شَهِدْنَا « بمَنّكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ رَبُّنَا ، وَأَنَّ مُحَمَداً عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ نبِيُنا ، وَأنَّ عَلياً أميرَ المُؤْمِنِينَ ولِيّنا ، وَمَوْلَانَا ، وَشَهِدْنَا بِالوِلَايَةِ لِوَلِيِّنَا ، وَمَولانَا مِنْ ذُرِيَّةِ نَبِيِّكَ مِنْ صُلْبِ وَليِّنا عَلِيٍّ بنِ أبي طَالِبٍ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَبْدِكَ ، الذي أنْعَمْتَ عَلَيْهِ ، وَجَعَلْتَهُ آيةً لِنَبِّيكَ ، وَآيَةً مِنْ آيَاتِكَ الكُبْرَى ، وَالنَّبَأَ العَظِيمَ ، الذي هُكْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ، وَعَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مسؤولون ، اللّهُمَّ فَكَمَا كَاَنَ مِن شَأْنِكَ ، مَا أَنْعَمْتَ عَلَيْنَا بِالهِدَايَة إلى مَعْرِفَتِهِمْ ، فَليَكُنْ مِنْ شَأْنِكَ أَنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأنْ تُبَارِكَ لَنَا في يَوْمنَا هَذَا الذي ذَكَّرْتَنَا فِيهِ عَهْدَكَ ، وَمِيثَاقَكَ ، وَأَكْمَلْتَ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ ، وجعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ الإِجَابَةِ وَالإخْلَاصِ بِوِحْدَانِيَتِكَ ، وَمِنْ أَهْلَ الإيمَانِ وَالتَصْدِيقِ بِوِلَايَةِ أوْلِيَائِكَ ، وَالبَرَاءَةِ مِن أعْدَائِكَ وَأعَدَاءِ أوْلِيَائِكَ ، الجَاحِدِينَ ، المُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّين ، فأَسْأَلُكَ يا رَبُّ تَمَامَ ما أَنْعَمْتَ عَلَيْنَا ، وَلا تَجْعَلْنَا مِنَ المُعَانِدِينَ ، ولَا تُلْحِقْنَا بِالمُكَذِبِّينَ بِيَوْمِ الدِّين ، وَاجْعَلْ لَنَا قَدَمِ صِدْقٍ مَعَ المُتَّقِينَ ، وَاجْعَل لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ، وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ المُتَّقِينَ إمَاماً يَوُمَ يُدْعَى كُلِّ أنَاسٍ بِإمَامِهِمْ ، وَاجْعَلْنَا في ظِلِّ القَوْمِ المُتَّقِينَ الهُدَاةِ ، بَعْدِ النَذِيرِ المُنْذِرِ وَالبَشِيرِ وَالأئمَّةِ ، الدُّعَاةِ إلى الهُدَى ، وَلا تَجْعَلَنَاَ مِنْ المُكْذِّبِينَ ، الدُّعَاةِ إلى النارِ ، وَالَّذين هُمْ يَوْمَ

١٠٦

القِيَامَةٍ وَأوْلِيَاؤهُمْ مِنَ المَقْبُوحِينَ. رَبَّنا فَاحْشُرْنا في زَمْرَةِ الهَادِي المهْدِي وَأَحْيِنَا ما أَحْييْتَنَا على الوَفَاءِ بِعَهْدِكَ وَمِيثَاقِكَ ، المأخُوذِ مِنَّا على مُوالاةِ أوْلِيائِكَ وَالبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ المُكَذِّبِينَ بِيَوّمِ الدِّينِ ، وَالنَّاكِثِينَ لِميثَاقِكَ ، وَتَوَفَّنَا على ذَلِكَ.

وَاجْعَلْ لَنا مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ، وَثَبِّتَ لَنا قَدَمَ صِدقٍ في الهِجْرَةِ إلَيْهِمْ ، وَاجْعَلْ مَحْيَانَا خَيْرَ المَحْيَا ، وَمَمَاتَنَا خَيْرَ المَمَاتِ ، وَمُنْقَلَبَنَا خَيْرَ المُنْقَلَبِ ، على مولاةِ أوْلِيَائِكَ ، والبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ اللّهُمَّ حَتَّى تَتَوَفَّانَا ، وَأَنْت عَنَّا رَاضٍ ، قَدْ أوْجَبْتَ لَنا الخُلُودَ في جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ ، وَالمَثْوَى في جِواركَ ، وَالإنَابَةَ إلى دَارِ المقَامَة ، مِنْ فَضَلِكَ ، لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ، وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ، رَبَّنا إنَكَ أمَرْتَنَا بِطَاعَةِ وُلاةِ أَمرِكَ ، وَأَمْرْتَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ ، فَقُلْتَ : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأوُلِي الأمْرِ مِنْكُمْ » وقلت : « يَا أَيَّها الذينَ آمَنوُ اتَّقُوا اللهَ وَكُونوا مَعَ الصَّادِقِينَ ، رَبَّنَا سَمِعْنا وَأطَعْنَا ، رَبَّنَا ثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الَأبْرَارِ ، مُسْلِمينَ ، مُصَدِّقينَ لَأوْلِيَائِكَ ، وَلا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا ، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

رَبَّنَا آمَنَّا بِكَ ، وَصَدَّقْنَا نَبِيَّكَ ، وَوَالَيْنَا وَلِيَّكَ ، وَاَلَأوْلِيَاءَ مِنْ بَعْدِ نَبِيَِّكَ ، وَوَلِيُّكَ مَوْلَى المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بنُ أبي طَالِبٍ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ ، وَالإِمَامُ الهَادِي مِنْ بَعْدَ الرَّسُولِ ، النَذِيرِ المُنِذرِ ، السِّرَاجِ المُنِيرِ ، رَبَّنَا فَكَمَا كَانَ مِنْ شَأنِكَ ، أَنْ جَعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ الوَفَاءِ بِعَهْدِكَ ، وَبِمِّنكَ عَلَيْنَا ، وَلُطْفِكَ بِنَا ، فَلْيَكُنْ مِنْ شَأْنِكَ ، أنْ تَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا ، وَتُكَفِّرَ عَنَّا سَيِّئاتِنَا ، وَتَوَفَّنا مَعَ الَأبْرَارِ ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا على رُسُلِكَ ، وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ، إنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعَادَ ، رَبَّنَا آمَنَّا بِكَ ، وَوَفَّينَا بِعَهْدِكَ ، وَصَدَّقْنَا

١٠٧

رُسُلَكَ ، وَاتَّبَعْنَا وُلاةَ الَأمْرِ مِنْ بَعْدِ رُسُلِكَ ، وَوَالَيْنَا أوْلِيَاءَكَ ، وَعَادَيْنَا أعْدَاءَكَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ، وَاحْشُرْنا مَعَ الَأئِمَّةِ الهُدَاةِ ، مِنْ آلِ مُحَمّدٍ (ص) البَشِيرِ النَّذِيرِ ، آمَنَّا يا ربُّ بِسِرِّهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَرَضِينَا بِهِمْ أَئِمَّةً ، وَسَادَةً ، وَقَادَةً لا نَبْتَغِي بِهِمْ بَدَلاً ، وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِمْ وَلائِجَ أَبَداً ، رَبَّنَا فأَحْيِنَا ما أَحْيَيْتَنَا على مُوالاتِهِمْ وَالبَرَاءَةِ مِنْ أعْدَائِهِمْ ، وَالتَسْلِيمِ لَهُمْ ، وَالرَدِّ إلَيْهِمْ ، وَتَوَفَّنَا ، إذَا تَوَفَيْتَنَا على الوَفَاءِ لَكَ ، وَلَهُمْ ، بِالعَهْدِ وَالمِيثَاقِ ، والمُوالاةِ لَهُمْ وَالتَصْْدِيقِ ، والتَسْلِيمِ لَهُمْ غَيْرَ جَاحِدِينَ ولا نَاكِثينَ ولا مُكَذِّبينَ.

اللّهُمَّ ، إني أَسألُكَ بِالحَقِّ ، الذي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ، وَبِالذِي فَضَّلْتُهُمْ بِهِ على العَالَمينَ جَمِيعاً ، أنْ تُبَارِكَ لَنَا في يَوْمِنَا هَذَا الذي كَرَّمْتَنَا فِيهِ بِالوَفَاءِ لِعَهْدِكَ ، الذي عَهِدْتَ إلَيْنَا ، وَالمِيثَاقِ الذي وَاثَقْتَنَا بِهِ مِنْ مُوَالَاةِ أوْلِيَائِكَ والبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ ، وَتَمُنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَتِكَ ، وَتَجْعَلَهُ عِنْدَنا مُسْتَقَرّاً ثَابِتاً ، ولا تَسْلُبْنَاهُ أَبَداً ، وَلا تَجْعَلْهُ عِنْدَنا مُسْتَوْدَعاً فَإنَّكَ قُلْتَ : « فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ » فَاجْعَلْهُ مُسْتَقَرّاً ثَابِتَاً ، وَارْزَقُنَا نَصْرَ دِينِكَ مَعَ ولِي هَادٍ مِنَ أهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ ، قَائِماً ، رَشِيداً ، هَادِياً ، مَهْدِياً مِنَ الضَّلالَةِ إلى الهُدَى ، تَحْتَ رَايَتِهِ ، وَفي زُمْرَتِهِ ، شُهَدَاءَ ، صَادِقينَ ، مُقْتُولينَ في سَبيلِكَ وعلى نُصْرَةِ دِينِكَ »

وانتهى هذا الدعاء الشريف ، وكان الامام بعد الفراغ يسأل من الله قضاء حوائجه ، ثم يزور جده ، الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام بالزيارة التالية :

« اللّهُمَّ صَلِّ على وَلِيِّكَ ، وَأَخي نَبِيِّكَ ، وَوَزيرِهِ وَحَبِيبِهِ ، وَخَلِيلِهِ وَمَوضِعِ سِرِّهِ ، وَخِيرَتِهِ مِنْ أُسْرَتِهِ ، وَوَصِيِّهِ وَصَفْوَتِهِ ، وَخَالِصَتِهِ ، وَأَمِينِهِ ، وَوَلِيِّهِ ، وَأَشَرَفِ عِترَتِهِ ، الذينَ آمَنوُا بِهِ ، وَأَبَي ذُرِيَّتِهِ وَبَابِ

١٠٨

حِكْمَتِهِ ، وَالنَّاطِقِ بِحُجَتِهِ ، وَالدَّاعِي إلى شَرِيعَتِهِ ، وَالمَاضِي على سُنَّتِهِ ، وَخَلِيفَتِهِ على أُمَّتِهِ ، سَيّدِ المُسْلِمينَ ، وَأمِير المُؤمِنينَ ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجِّلِينَ ، أَفْضَلَ مَا صَلَّيْتَ على أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ ، وَأَصْفِيَائِكَ ، وَأَوْصيَاءِ نَبِيِّكَ.

اللّهُمَّ إني أَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ عَنْ نَبِيِّكَصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَا حَمَلَ ، وَرَعَى مَا اْسُتْحِفَظ ، وَحَفِظَ مَا اسْتُوْدِعَ ، وَحَلَّل حَلالَكَ ، وَحَرَّمَ حَرَامَكَ ، وَأَقَامَ أَحْكَامَكَ ، وَدَعَا إلى سَبِيلِكَ ، وَوَاليَ أوْلِيَاءَكَ ، وَعَادَي أَعْدَاءَكَ ، وَجَاهَد النَّاكِثِينَ في سَبِيلِكَ ، وَالقَاسِطِينَ وَالمَارِقِينَ عَنْ أَمْرِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً ، غَيْرَ مُدْبِرٍ ، لا تَأْخُذُهُ في اللهِ لِوْمَةُ لائِمٍ ، حَتىَّ بَلَغَ في ذلِكَ الرِّضَا ، وَسَلَّمَ إلَيْكَ القَضَاءَ ، وَعَبَدَكَ مُخْلِصاً ، وَنَصَحَ لَكَ مُجْتَهِداً ، حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينَ ، فَقَبَضْتَهُ إلَيْكَ شَهِيداً سَعِيداً ، وَعلِيَّاً تَقِيَّاً ، وَصِِيَّاً زَكِيّاً ، هَادِياً ، مَهْدِيّاً ، اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَدٍ وآلِ مُحَمَدٍ ، أَفْضَلَ مَا صَلَّيْتَ على أَحَدٍ مِنْ أنْبِيائِكَ وَأصْفِيَائِكَ يا رَبَّ العَالَمِينَ »(1) .

لقد ألمت هذه الزيارة ، ببعض الصفات الماثلة ، في الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام عملاق الفكر الاسلامي ، ورائد العدالة الاجتماعية في الارض ، الذي جمع جميع الصفات الخيرة في الدنيا ، والذي فاق بمواهبه وعبقرياته ، جميع عظماء البشر ، على امتداد التاريخ ، نظراً لما يتمتع به من سمو الذات ، والتفوق الكامل في الفضل والعلم والعدالة ونكران الذات ، والتزامه بحرفية الاسلام ، فقد رشحته السماء لقيادة المسلمين بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحتمت عليه بأن يأخذ له البيعة من عموم من كان معه من الحجاج في « غدير خم » فأخذ له البيعة حتى من نسائه ، وبذلك فقد كان هذا اليوم الخالد من أهم الاعياد ، ومن أكثرها قدسية في الاسلام.

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 476 ـ 481 ـ و 494 ).

١٠٩

4 ـ دعاؤه في رجب

من الاشهر المعظمة في الاسلام ، شهر رجب ، وقد طلب محمد السجاد من الامام الصادقعليه‌السلام ، أن يتفضل عليه بدعاء يقرأه في هذا الشهر المبارك ، فعلمه هذا الدعاء ، وأمره أن يقرأه عقيب كل صلاة ، وهذا نصه :

« يا مَنْ أرْجُوهُ لِكلَّ خَيْرٍ ، وَآَمَنُ سُخْطَهُ مِنْ كُل شَرٍّ ، يا مَنْ يُعْطِي الكَثِيرَ بِالقَلِيلِ ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَحَنُّناً مِنْهُ وَرَحْمَةً ، إعْطِنِي بِمَسْأَلَتي إيَّاكَ جَمِيعَ خَيْرِ الدُّنْيَا ، وَجَمِيعَ خَيْرِ الآخِرَةِ ، وَاصْرِفْ عَنِّي بِمَسْأَلَتي إيَّاكَ جَمِيعَ شَرِّ الدُّنْيَا ، وَجَمِيعَ شَرِّ الآخِرَةِ ، فَإنَّهُ غَيْرُ مَنْقُوصٍ ما أَعْطَيْتَ ، وَزِدْني مِنْ فَضْلِكَ يا كَرِيمُ »

وأمره الامامعليه‌السلام ، أن يضع يده على كريمته ، ويلوح بسبابته ويقول :

« يا ذََا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ ، يا ذا النَّعْمَاءِ وَالجُودِ ، يا ذا المَنِّ وَالطَّولِ حَرِّمْ شَبَابِي وَشَيْبَتي عَلى النَّارِ »(1) .

وحكى هذا الدعاء الجليل بعض فيوضات الله الواسعة ، ورحمته الشاملة على جميع عباده ، مؤمنين وكافرين ، فإنه تعالى مصدر اللطف على جميع الخلق ، فلا يخص برحمته السائلين والعارفين ، وإنما هي شاملة للجميع.

5 ـ دعاؤه في ليلة النصف من شعبان

من الليالي المعظمة في الاسلام ، ليلة النصف من شهر شعبان ، وهي

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 644 ).

١١٠

أفضل ليلة بعد ليلة القدر ، وقد روى الامام الصادقعليه‌السلام ، أنه سئل أبوه عن فضل ليلة النصف من شعبان ، فقالعليه‌السلام ، هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر ، فيها يمنح الله العباد فضله ، ويغفر لهم بمنه ، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها ، فإنها ليلة آلى الله عزوجل على نفسه ، أن لا يرد سائلا فيها ما لم يسأل الله المعصية ، وإنها الليلة التي جعلها الله لنا ، أهل البيت ، بإزاء ما جعل ليلة القدر ، لنبيناعليه‌السلام ، فاجتهدوا في دعاء الله تعالى والثناء عليه(1) وقد ولد في هذه الليلة المباركة ، المصلح العظيم ، الذي يقيم اعوجاج الدنيا ويغير منهج الحياة إلى ما هو الافضل ، ويملا الارض بالقسط والعدل ، إنه قائم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومهديهم الامام المهدي صلوات الله عليه ، وفي هذه الليلة العظيمة ، الزيارة المخصوصة ، لريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيد شباب أهل الجنة : الامام الحسينعليه‌السلام ،

وقد خف أبويحي ، إلى الامام الصادقعليه‌السلام ، فسأله عن بعض العبادات ، والادعية ، التي يأتي بها ج فقال (ع) له ، إذا أنت صليت العشاء الآخيرة ، فصل ركعتين ، تقرأ في الاولى الحمد ، وسورة الجحد ، وهي «قل يا أيها الكافرون » وإذا فرغت منها فتقول : سبحان الله ، ثلاثا وثلاثين ، والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر أربعا وثلاثين ، ثم تقول :

« يا مَنْ إلَيْهِ مَلْجَأُ العِبَادِ في المُهِمَاتِ ، وإليهِ يَفْزَعُ الخَلْقُ في المُلِمَّاتِ ، يا عَالِمَ الجَهْرِ وَالخَفِيَّاتِ ، وَيا مَنْ لا يَخْفَى عَلَيهِ خَوَاطِرُ الَأوْهَامِ ، وَتَصَرُّفِ الخَطَرَاتِ ، يا رَبِّ الخَلَائِقِ وَالبَريَّاتِ ، يا مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ الَأرْضِينَ وَالسَّموَاتِ ، أَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، أَمُتُّ إلَيْكَ بِلا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، فَيَا لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، إجْعَلْني في هذِهِ اللَّيْلةِ ، مِمَّنْ نَظَرْتَ إلَيْهِ فَرَحِمْتَهُ ، وَسَمِعْتَ دُعَاءَهُ فَأَجَبْتَهُ ، وَعَلِمْتَ اسْتقَالَتَهُ فَأَقَلْتَهُ ، وَتَجَاَوْزَت عَنْ

__________________

1 ـ مفاتيح الجنان ( ص 165 ).

١١١

سَالِفِ خَطِيئَتِهِ ، وَعَظيمِ جَرِيرَتِهِ ، فَقَدِ اسْتَجَرْتُ بِكَ مِنْ ذُنُوبِي وَلَجَأْتُ إلَيْكَ في سَتْرِ عُيُوبِيِ.

اللّهُمَّ فًجُدْ عَلَىَّ بِكَرَمِكَ ، وَفَضْلِكَ ، وَاحْطُطْ خَطَايَايَ بِحِلْمِكَ وَعَفْوِكَ ، وَتَغَمَّدْني في هذِهِ اللَّيْلَةِ بِسَابِغِ كَرَامَتِكَ ، وَاْجَعْلني فِيهَا مِنْ أَوْلِيَائِكَ ، الذِينَ اجْتَبَيْتَهُمْ لِطَاعَتِكَ ، وَاخْتَرْتَهُمْ لِعِبَادَتَِك ، وَجَعَلْتَهُمْ خِالِصَتَكَ وَصَفْوَتَكَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْني مِمَّن سَعُدَ جَدُّهُ ، وَتَوَفَّرَ مِنَ الخَيْرَاتِ حَظُّهُ ، وَاجْعَلْني ممَّنْ سَلِمَ فَنَعِمَ ، وَفَازَ فَغَنِمَ ، وَاْكِفني شَرِّ ما أسْلَفْتَ ، واعْصِمْني مِنَ الإِزْدِيَادِ في مَعْصِيَتِكَ ، وَحَبِّبْ إلَيَّ طَاعَتَكَ ، وَمَا يُقَرِّبُني لَدَيْكَ ، وَمَا يُزْلِفُني عَنْدَكَ ، سَيدِي إلَيْكَ يَلْجَأُ الهَارِبُ ، وَمِنْكَ يَلْتَمِسُ الطَّالِبُ ، وَعلى كَرَمِكَ يَعَوِّلُ المُسْتَقِيلُ التَّائِبُ ، أَدَّبْتَ عِبَادَكَ بِالتَّكَرُّمِ ، وَأَنْتَ أكَرَمُ الأكْرَمِينَ وَاَمَرْتَ بِالَعَفوِ عِبَادَكَ ، وَأَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

اللّهُمَّ فَلَا تَحْرِمْني مَا رَجَوْتُ مِنْ كَرَمِكَ ، وَلا تُؤْيِسْني مِنْ سَابغِ نِعَمِكَ ، ولا تُخَيِّبْني مِنْ جَزِيل قِسَمِكَ ، في هذِهِ اللَّيْلَةِ لَأهْلِ طَاعَتِكَ ، وَاجْعَلْني في جُنَّةٍ مِنْ شِرَارِ بَرِيَّتِكَ ، رَبِّ إنْ لِمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ ذلِكَ فَأَنْتَ أَهْلُ الكَرَمِِ وَالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ ، جُدْ عَلَيَّ بِمَا أَنْتَ أَهْلُهُ ، لا بِمَا أَسْتَحِقُّهُ فَقَدْ حَسُنَ ظَنِّي بِكَ ، وَتَحَقَّقَ رِجَائِي لَكَ ، وَعَلِقَتْ نَفْسِي بِكَرَمِكَ ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاِحِمينَ ، وَأَكْرَمُ الَأكْرَمِينَ.

اللّهُمَّ وَاخْصُصْني مِنْ كَرَمِكَ بِجَزِيلِ قِسَمِكَ ، وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَاغْفِرْ لي الذَّنْبَ الذي يِحَبِسُ عَنَّي الخَلْقَ ، وَيُضَيِّقُ عَلَيَّ الرِّزْقَ حَتَّى أَقُومَ بِصَالِحَ رِضَاكَ ، وَأَنْعَمَ بِجَزِيلِ عَطَايَاكَ ، وَأَسْعَدَ بِسَابِغِ

١١٢

نَعْمَائِكَ ، فَقَدْ لُذْتُ بِحَرَمِكَ ، وَتَعَرَّضْتُ لِكَرَمِكَ ، وَاسْتَعَذْتُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَمِنْ حِلْمِكَ بِغَضَبِكَ ، فَجُدْ بِمَا سَأَلْتُكَ ، وَأنِلُ مَا الْتَمَسْتُ مِنْكَ ، أَسْأَلُكَ بِكَ ، لا شَيْءَ هُوَ أعظَمُ مِنْكَ

ثم أمره بالسجود ، وقول عشرين مرة : يا رب ، وسبع مرات يا الله ، وسبع مرات لا حول ولا قوة إلا بالله ، وما شاء الله لا قوة إلا بالله سبع مرات ، وعشر مرات لا قوة إلا بالله ، ثم يصلي على النبي وآله ، ويسأل الله تعالى قضاء حاجته.(1)

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 696 ـ 697 ) البلد الامين ( ص 174 ).

١١٣
١١٤

القسم الرابع

من أدعيته في رمضان

١١٥
١١٦

يحتل شهر رمضان المبارك ، موقعا متميزا ، في نفوس أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، فهم ينظرون إليه ، نظرة تقديس ، وتعظيم ، فيحيون لياليه وأيامه بالعبادة ، وقراءة الذكر الحكيم ، ويقومون بجميع ألوان البر والاحسان إلى الفقراء والمحرومين ، ويعتقون العبيد ، ويطعمون الطعام ، ويعملون كل ما يقربهم إلى الله زلفى ، وكان الامام الصادقعليه‌السلام ، يتفرغ للطاعة والعبادة ، في شهر رمضان وقد أثرت عنه كوكبة من الادعية ، وفي ما يلي بعضها :

1 ـ دعاؤه عند رؤية هلال رمضان

كان الامام الصادقعليه‌السلام ، إذا رأى هلال رمضان ، فرح واستبشر ، ودعا الله تعالى بهذا الدعاء :

« اللّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالَأمْنِ وَالإيمانِ ، وَالسَّلامَةِ وَالإسلامِ ، وَالمُسَارَعَةِ إلى مَا تُحِبُّ ، وَتَرْضَى ، اللّهُمَّ بَارِكُ لَنَا في شَهْرِنَا هذا ، وَارْزُقْنَا خََيْرَهُ وَعَوْنَهُ ، وَاصْرِفْ عَنَّا ضُرَّهُ وَشَرَّهُ وَبَلَاءَهُ وَفِتْنَتَهُ »(1)

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 18 ).

١١٧

لقد طلب الامامعليه‌السلام ، أجل وأثمن ما في هذه الحياة ، فقد طلب من الله الامن والايمان ، والسلامة ، والاسلام والمسارعة إلى ما يحبه تعالى ويرضاه ، وهذه الامور أسمى متطلبات الحياة عند الاولياء.

2 ـ دعاؤه في أول ليلة من رمضان

كان الامام الصادقعليه‌السلام ، يستقبل شهر رمضان المبارك بسرور بالغ ، ويدعو في أول ليلة منه بهذا الدعاء المبارك :

« اللّهُمَّ إنَّ هِذَا الشَّهْرَ المُبَارَكَ ، الذي أَنْزَلْتَ فِيهِ القُرْآنَ ، وَجَعَلْتَهُ هُدىً لِلنَّاسِ ، وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ ، قَدْ حَضَرَ فَسَلَّمْنَا فِيهِ ، وَسَلِّمْْنا مِنْهُ ، وَسَلِّمْهُ لَنَا ، وَتَسلَّمْهُ مِنَّا في يُسْرٍ مِنْكَ وَعَافِيَةٍ ، يا مَنْ أَخَذَ القَلِيلَ وَشَكَرَهُ ، وَسَتَرَ الكَثِيرَ وَغَفَرَهُ ، إغْفِرْ لي الكَثِيرَ مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَأقْبَلْ مِنَّي اليَسِيرَ مِنْ طَاعَتِكَ ،

اللّهُمَّ إنَّي أَسْأَلُكَ ، أَنْ تَجْعَلَ لي إلى كُلِّ خِيْرٍ سَبِيلاً ، وَمِنْ كُلِّ ما لا تُحِبُ مَانِعاً ، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يا مَنْ عَفَا عَنِّي ، وَعَمَّا خَلَوْتُ بِهِ مِنْ السَّيِّئَاتِ ، يا مَنْ لا يُؤاخِذُني بارْتِكَابِ المَعَاصِي ، عَفْوَكَ ، عَفْوَكَ ، يا كَرِيمُ ، إلهي وَعَظْتَني فَلَمْ أَتَعِظْ ، وَزَجَرْتَني عَنِ المَعَاصِي فَلَمْ أَنْزَجِرْ ، فَمَا عُذْرِي؟ فَاعْفُ عَنيِّ يا كَرِيمُ ، عَفْوَكَ ، عَفْوَكَ.

اللّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ الرَّاحَةَ عِنْدَ المَوْتِ ، وَالعَفْوَ عِنْدَ الحِسَابِ ، عَظُمَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ ، فَلْيَحْسُنِ العَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ ، يا أَهْلَ التَّقْوَى وَيَا أَهْلَ المَغْفِرَةِ ، عَفْوِكَ ، عَفْوَكَ.

اللّهُمَّ إني عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، ضَعِيفٌ فَقِيرٌ إلى رَحْمَتِكَ ، وَأَنْتَ مُنْزِلُ الغِنىَ وَالبَرَكَةِ على العِبَادِ ، قَاهِرٌ ، قَادِرٌ ، مُقْتَدِرٌ ،

١١٨

أَحَصَيْتَ أَعْمَالَهُمْ ، وَقَسَّمْتَ أَرْزَاقَهُمْ ، وَجَعَلْتَهُمْ مُخْتَلِفَةً أَلْسِنَتُهُم ، وَأَلْوَانُهُم خَلْقاً بَعَدَ خَلْقٍ.

اللّهُمَّ لا يَعْلَمُ العِبَادُ عِلْمَكَ ، وَلا يُقَدِّرُ العِبَادُ قَدْرَكَ ، وَكُلُّنَا فَقِيرٌ إلى رَحْمَتِكَ فَلا تَصْرِفْ وَجْهَكَ عَنِّي ، اجْعَلْني مِنْ صَالِحِ خَلْقِكَ ، في العَمَلِ وَاَلَأمَلِ ، وَالقَضَاِء وَالقَدَرِ.

اللّهُمَّ ابْقِني خَيْرَ البَقَاءِ ، وَاَفْنِني خَيْرَ الفَنَاءِ على مُوَالَاةِ أَوْلِيَائِكَ ، وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِكَ ، وَالرَّغْبَةِ إلَيْكَ ، وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ ، وَالخُشُوعِ ، وَالوَقَارِ وَالتَسْلِيمِ لَكَ ، وَالتَّصْدِيقِ بِكتَابِكَ ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّهُمَّ ما كَانِ في قَلْبِي مِنْ شَكِّ ، أَوْ رِيبَةٍ أَوْ جُحُودٍ ، أَوْ قُنُوطٍ أَوْ فَرَحٍ أَوْ مَرَحٍ ، أَوْ بَذْخٍ ، أَوْ بَطَرٍ ، أَوْ فَخْرٍ ، أَوُ خُيَلَاءَ ، أَوْ رِيَاءَ ، أَوْ سُمْعَةٍ ، أَوْ شِقَاقٍ ، أَوْ نِفَاقٍ ، أَوْ كِبَرٍ ، أَوْ فُسُوقٍ ، أَوْ عِصْيَانٍ أَوْ عَظَمَةٍ ، أَوْ شَيْءٍ لا تُحِبُّ ، فَأَسْأَلُكَ يا رَبُّ أَنْ تُبَدِّلَنِي مَكَانَهُ إيمَاناً بِوَعْدِكَ ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ ، وَرِضاً بِقَضَائِكَ ، وَزُهْداً في الدُّنْيَا وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدَكَ ، وَأَثَرَةً ، وَطُمَاْنِينَةً ، وَتَوْبَةً نَصُوحاً ، أَسْأَلُكَ ذلِكَ ، يا رَبِّ بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين ، وَيَا رَبِّ العَالَمِينَ. إلهي : أَنْتَ مِنْ حِلْمِكَ تُعْصَى ، فَكَأَنَّكَ لَمْ تُرَ ، وَمِنْ كَرَمِكَ وَجُودِكَ تُطَاعُ فَكَأَنَّكَ لَمْ تُعْصَ ، وَأَنَا وَمَنْ لَمْ يَعْصِكَ مَنْ سُكَّانِ أَرْضِكَ ، فَكُنْ عَلَيْنَا بِالفَضْلِ جَوَّاداً ، وبَالخَيْرِ عوَّاداً ، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ على مُحَمَدٍ وَآلِهِ صَلَاةً دَاِئَمةً لا تُحْصَى ، وَلا تُعَدُّ ، ولا يُقَدِّرُ قَدْرَهَا غَيْرُكَ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ »(1)

__________________

1 ـ الاقبال ( ص 9 ـ 10 ).

١١٩

وهذا الدعاء الجليل ، من ذخائر أدعية الامامعليه‌السلام ، فقد حكى الطاف الله تعالى الدائمة وفيوضاته المتصلة على عباده ، وعفوه عنهم ، كما حكى ظاهرة من قدرة الله وبدائع صنعه ، وهي اختلاف السنة الناس ، واختلاف ألوانهم فان المليارات منهم لا يشبه بعضهم بعضا ، في الشكل والصورة ، منذ بدء الخليقة حتى يرث الله الارض ومن عليها ، وتلك آية من آيات الله ، ومثل من أمثلة توحيده فتبارك الله أحسن الخالقين.

وطلب الامامعليه‌السلام ، من الله تعالى ، في هذا الدعاء أن ينزهه من جميع النزعات والصفات الشريرة ، التي خلقت مع الانسان ، وتكونت في دخائل النفوس ، وأعماق القلوب ، من الشك ، والريبة ، والجحود ، والبذخ ، وغير ذلك من الصفات التي تبعد الانسان عن ربه ، طالبا منه تعالى أن تحل مكانها الصفات الخيرة من الايمان والوفاء ، والرضا بقضاء الله ، والزهد في الدنيا ، وغير ذلك من الصفات التي ترفع مستوى الانسان.

3 ـ دعاء آخر في الليلة الاولى

ومن الادعية الجليلة ، التي كان يدعو بها الامام الصادقعليه‌السلام ، في أول ليلة من شهر رمضان المبارك ، هذا الدعاء العظيم :

« اللّهُمَّ ، رَبَّ شَهْرِ رَمَضَانَ مُنَزِّلَ القُرْآنِ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أَنْزَلْتَ فِيهِ القُرْآنَ ، وَجَعَلْتَ فِيهِ بَيِِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ ، اللّهُمَّ ، ارْزُقْنَا صِيَامَهَ ، وَأَعِنَّا على قِيَامِهِ ، اللّهُمَّ سَلَّمْهُ لَنَا ، وَسَلِّمْنَا فِيهِ وَتَسَّلمْهُ مِنَّا في يُسْرٍ مِنْكَ وَعَافِيَةٍ ، وَّاجْعَلْ فِيمَا تَقْضِي ، وَتُقَدِّرُ مِنَ الَأمْرِ الحَكِيمِ ، في لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ القَضَاءِ المُبْرَمِ ، الذي لا يُرَدُّ ، وَلَا يُبَدَّلُ ، أَنْ تَكْتُبَني مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرَامِ ، والمَبْرُورِ حَجُهُمْ ، المَشْكُورِ سَعْيُهُمْ ، المَغْفُورَةِ ذُنُوبُهُمْ ، المُكَفَّرِ عَنْهُمْ سَيِّئَاتُهُمْ ، وَاجْعَلْ فِيمَا تَقضِي ، وَتُقَّدِّرُ أَنْ تُطِيلَ

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وقال : إنّ معبوده جسم ذو لحم ودم وجوارح وأعضاء!!(١) .

وإنّه بكى على طوفان نوح حتّى رمدت عيناه ؛ وعادته الملائكة لمّا اشتكت عيناه!!(٢) .

فلينصف العاقل [ المقلّد ] من نفسه ، هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء [ في شيء ]؟!

وهل للعقل مجال في تصديقهم في هذه المقالات الرديّة(٣) ، والاعتقادات الفاسدة؟!

وهل تثق النفس بإصابة هؤلاء في شيء ألبتّة؟!

* * *

__________________

(١) مقالات الإسلاميّين : ٢٠٩ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٩٤ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٢٤.

(٢) الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٩٦.

(٣) في المصدر : الكاذبة.

١٨١

وقال الفضل(١) :

ما ذكره من مذهب المشبّهة والمجسّمة ، وهم على الباطل ، وليسوا من الأشاعرة وأهل السنّة والجماعة.

وأمّا ما نسبه إلى الحنابلة فهو افتراء عليهم ، فإنّ مذهب الإمام أحمد ابن حنبل في المتشابهات : ترك التأويل ، وتوكيل العلم إلى الله تعالى.

ولأهل السنّة والجماعة هاهنا طريقان :

أحدهما : ترك التأويل ؛ وهو ما اختاره أحمد [ ابن حنبل ]

وتوكيل العلم إلى الله تعالى(٢) ، كما قال الله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا )(٣) ، فهؤلاء يتركون آيات التشبيه على ظواهرها ، مع نفي الكيفية والنقص عن ذاته وصفاته تعالى ، لا أنّهم يقولون بالجسمية المشاركة للأجسام ، كما ذهب إليه المشبّهة.

فلم لا يجوز تقليد هؤلاء؟!

وأيّ فساد يلزم من هذا الطريق؟! مع إنّ نصّ القرآن يوافقهم في توكيل العلم إلى الله تعالى!

وما ذكره من الطامّات والترّهات فليس من مذهب أهل الحقّ ؛ والرجل معتاد بالطامّات.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٤.

(٢) وهذا هو ثاني الطريقين.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ٧.

١٨٢

وأقول :

المفهوم من كلامه : إنّ اسم أهل السنّة والجماعة مخصوص بالأشاعرة ، وهو غير مسلّم عند المعتزلة والمجسّمة وغيرهم ، فهم في هذا الاسم سواء.

وكيف يختصّ هذا الاسم بالأشاعرة وهو قد حدث قبل شيخهم الأشعري ، في أيّام معاوية؟!(١) .

ونسب الشهرستاني في « الملل والنحل » القول بالجسمية إلى الكرّامية وعدّهم من الصفاتية ، وهم من أهل السنّة(٢) .

__________________

(١) فقد أطلقت هذه التسمية بعد صلح الإمام السبط الحسن بن عليّ ٨ مع معاوية ابن أبي سفيان في سنة ٤١ ه‍ ، فسمّيت هذه السنة ب‍ : عام الجماعة ، وهي السنة التي سنّ فيها لعن الإمام عليّ ٧ على المنابر! ومن ذلك انتزع اسم أهل السنّة والجماعة لمخالفي أمير المؤمنين الإمام عليّ ٧ ، المتّبعين لمعاوية ، المجتمعين على سنّته!

انظر : العبر في خبر من غبر ١ / ٣٦ حوادث سنة ٤١ ه‍ ، البداية والنهاية ٨ / ١٨ حوادث سنة ٤١ ه‍ ، تطهير الجنان واللسان ـ المطبوع مع الصواعق المحرقة ـ : ٢٢.

(٢) الملل والنحل ١ / ٩٩.

والكرّامية ـ بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة ـ : أصحاب أبي عبد الله محمّد ابن كرّام النيسابوري ، كان والده يحفظ الكرم ، فقيل له : الكرّام ، وقيل : إنّه من بني تراب.

ولد بقرية من قرى زرنج ، ونشأ بسجستان ، ثمّ دخل بلاد خراسان بعد المجاورة بمكّة خمس سنين ، وانصرف إلى سجستان ، ثمّ إلى نيسابور ، فلمّا شاعت بدعته ـ وهي أنّ الإيمان باللسان ، فهو مؤمن وإن اعتقد الكفر بقلبه! ـ حبسه

١٨٣

ونسبه في « المواقف »(١) إليهم أيضا ، وإلى مقاتل بن سليمان(٢) وغيره(٣) .

__________________

طاهر بن عبد الله بن طاهر ، ولمّا أفرج عنه خرج إلى ثغور الشام ، وعند عودته إلى نيسابور سجنه محمّد بن طاهر بن عبد الله ثمانية أعوام لأجل بدعته.

وخرج من نيسابور سنة ٢٥١ ه‍ متوجّها إلى بيت المقدس ، وتوفّي فيها سنة ٢٥٥ ه‍ ، وقيل سنة ٢٥٦ ه‍ ، ودفن بباب أريحا ، وقيل أيضا : إنّه مات بالشام سنة ٢٥٥ ه‍.

انظر : الأنساب ـ للسمعاني ـ ٥ / ٤٣ « الكرّامي » ، ميزان الاعتدال ٦ / ٣١٤ رقم ٨١٠٩ ، لسان الميزان ٥ / ٣٥٣ رقم ١١٥٨ ، البداية والنهاية ١١ / ١٨ حوادث سنة ٢٥٥ ه‍.

(١) المواقف : ٢٧٣ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٥ المقصد الثاني.

(٢) هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني ، أبو الحسن البلخي ، صاحب التفسير ، وقال العسقلاني : قال ابن حبّان : كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان مشبّها يشبّه الربّ سبحانه وتعالى بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث ، أصله من بلخ ، وانتقل إلى البصرة فمات بها عام ١٥٠ ه‍.

انظر : ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٥ رقم ٨٧٤٧ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٠ ـ ٣٢٥ رقم ٧١٤٦ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٥٥ رقم ٧٣٣ ، شذرات الذهب ١ / ٢٢٧ حوادث سنة ١٥٠ ه‍.

(٣) مثل : معاذ العنبري ( ٢٠٨ ـ ٢٨٨ ه‍ ) ، الذي سأله أحدهم عن الله : أله وجه؟

فقال : نعم!

حتّى سأله عن جميع الأعضاء ، من أنف وفم وصدر وبطن ، فأثبتها جميعا!

قال السائل : فاستحييت أن أذكر الفرج ؛ فأومأت بيدي إلى فرجي

فقال : نعم!

فقلت : أذكر أم أنثى؟

فقال : ذكر!

وسئل عن أمور كهذه ، فأجاب بما تقشعرّ منه الأبدان! تعالى الله عن ذلك علوّا

١٨٤

وذكر فيها وفي « الملل والنحل » مثل ما ذكره المصنّف ; من خرافات المجسّمة وأضعافه(١) .

وأمّا ما ذكره من أنّ مذهب أحمد بن حنبل ليس كذلك

ففيه ما قاله السيّد السعيد ; أنّه كذلك بشهادة فخر الدين الرازي ، حيث قال في رسالته المعمولة لتفضيل مذهب الشافعي : إنّ أحمد بن حنبل كان في نهاية الإنكار على المتكلّمين في التنزيه ، ولمّا كان في غاية المحبّة للشافعي ، ادّعت المشبّهة أنّه [ كان ] على مذهبهم(٢) .

ولو سلّم سلامة أحمد من القول بالتشبيه ، فالمصنّف ; إنّما نقل القول بالجسمية عن الحنابلة ، ولا ملازمة بينهم وبينه في المسائل الأصولية ، بل وبعض الفرعية ، كغيره من مذاهبهم مع أتباعه.

ثمّ ما ذكره من أنّ أحمد يترك آيات التشبيه على ظواهرها مع نفي الكيفية والنقص ، تناقض ظاهر ، فإنّ إبقاءها على ظواهرها يقتضي الجسمية ، وإثبات كيفية ما ، وذلك نقص.

على إنّ أقلّ ما يقتضيه ترك التأويل : التوقّف في نفي التشبيه

__________________

كبيرا.

انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، طبقات الحنابلة ـ لابن أبي يعلى ـ ١ / ٣١٢ رقم ٤٨٩.

(١) المواقف : ٢٧٣ و ٤٢٩ ، الملل والنحل ١ / ٩٢ ـ ١٠٠ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٥ ـ ٢٦ و ٣٩٩.

(٢) إحقاق الحقّ ١ / ١٧٦ ، وانظر : مناقب الإمام الشافعي ـ للرازي ـ : ١٣٨.

أي أنّ الفخر الرازي جعل قول أحمد بالتجسيم من المسلّمات ؛ لأنّ المشبّهة قد ادّعت أنّ الشافعي على مذهبهم ؛ لأنّ أحمد ـ القائل بالتجسيم ـ كان في نهاية المحبّة والتعظيم للشافعي ، وكان ـ كذلك ـ في غاية الإنكار لمذاهب المتكلّمين في التنزيه!

١٨٥

والجسمية ، ولذا أنكر على أهل التنزيه كما ذكره الرازي ، وذلك كاف في نقص أحمد ، إذ صار من المشكّكين في ما لا يشكّ فيه ذو معرفة.

وأمّا ما ذكره من أنّ نصّ القرآن يوافقهم

فحاصله : إنّ الآية الكريمة نصّ في أنّ الراسخين في العلم جاهلون بالمتشابهات ، ويكلون علمها إلى الله تعالى ، بدعوى أنّ قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ )(١) جملة مستأنفة ، ولا أظنّ عارفا يرضى به وينكر أن يكون (الرَّاسِخُونَ ) عطفا على لفظ الجلالة.

كيف؟! وذلك يستلزم ـ بعد مخالفة الظاهر ـ أن يكون علم التأويل مختصّا بالله تعالى ، فيكون النبيّ ٦ مرسلا بما يجهله وما يخلو عن الفائدة له ولأمّته! ومخطئا في قوله بحقّ أمير المؤمنين ٧ :إنّه عالم علم الكتاب (٢) .

وظنّي أنّ الداعي لهم إلى مخالفة الظاهر ، والتزام هذه المحاذير ، هو إنكار فضل آل محمّد ٦ ، فإنّهم لو أقرّوا بأنّ قوله : (وَالرَّاسِخُونَ ) عطف على لفظ الجلالة ، لم يمكنهم إنكار أنّ العترة من الراسخين في العلم ، العالمين بمتشابه القرآن ، بعد أن أخبر النبيّ ٦ بأنّهم قرناء

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٧.

(٢) هذا إشارة إلى تفسير قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) سورة الرعد ١٣ : ٤٣.

انظر : مناقب الإمام عليّ ٧ـ للمغازلي ـ : ٢٦٢ ح ٢٥٨ ، شواهد التنزيل ـ للحسكاني ـ : ١ / ٣٠٧ ـ ٣١٠ ح ٤٢٢ ـ ٤٢٧ ، زاد المسير ٤ / ٢٦١ ، تفسير القرطبي ٩ / ٢٢٠ ، مجمع البيان ٦ / ٥٠ ، وانظر : ينابيع المودّة ١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٨ ح ١ ـ ١٣.

١٨٦

القرآن ، ولا يفارقونه حتّى يردا عليه الحوض(١) ، فإنّه يقتضي علمهم بكلّ ما فيه ، وإلّا لفرّق بينهم وبينه الجهل به.

__________________

(١) إشارة إلى الحديث الشريف المتواتر أنّ رسول الله ٦ قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، المرويّ في أمّهات مصادر الجمهور ، فانظر مثلا :

صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٢١ ح ٣٧٨٦ وص ٦٢٢ ح ٣٧٨٨ ، مسند أحمد ٣ / ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ وج ٤ / ٣٦٧ و ٣٧١ وج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ، فضائل أحمد : ٧٦ ح ١١٤ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٥٠ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٩٢ ح ٣٣١١ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٦٢٨ ـ ٦٣١ ح ١٥٤٨ ـ ١٥٥٨ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٧ ، خصائص الإمام عليّ ٧ـ للنسائي ـ : ٦٩ ـ ٧٠ ح ٧٤ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٢٩٧ ح ١٠٢١ وص ٣٠٣ ح ١٠٢٧ وص ٣٧٦ ح ١١٤٠ ، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ ١ / ١٣١ و ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٨١ ح ٣٤٣٩ وص ١٥٥ ح ٣٥٤٢ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٥ ح ٢٦٧٨ وج ٥ / ١٥٣ و ١٥٤ ح ٤٩٢١ ـ ٤٩٢٣ وص ١٦٦ ح ٤٩٦٩ وص ١٦٩ ـ ١٧٠ ح ٤٩٨٠ و ٤٩٨١ وص ١٨٢ ح ٥٠٢٥ و ٥٠٢٦ وص ١٨٣ ح ٥٠٢٨ وص ١٨٦ ح ٥٠٤٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧ وص ١٦٠ ـ ١٦١ ح ٤٧١١ ووافقه الذهبي في التلخيص ، حلية الأولياء ١ / ٣٥٥ رقم ٥٧ وج ٩ / ٦٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٤٨ وج ٧ / ٣٠ ـ ٣١ وج ١٠ / ١١٤ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤٤٢ رقم ٤٥٥١ وقد بتر الحديث فلم يذكر إلّا الثقل الأوّل فقط!! ، مناقب الإمام عليّ ٧ـ للمغازلي ـ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ح ٢٨١ ـ ٢٨٤ ، مناقب الإمام عليّ ٧ـ للخوارزمي ـ : ١٥٤ ح ١٨٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢١٦ ح ٨٧٠٢ وص ٢٢٠ ح ٨٧١٤ ، فردوس الأخبار ١ / ٥٣ ح ١٩٧ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ١٧٩ ، كفاية الطالب : ٥٣ ، ذخائر العقبى : ٤٧ ـ ٤٨ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ١٢٠ ، تفسير الخازن ١ / ٢٥٧ وقد ذكر الثقل الأوّل فقط ولم يتمّ الحديث!! ، فرائد السمطين ٢ / ١٤٢ ـ ١٤٧ ح ٤٣٦ ـ ٤٤١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ـ ١٦٥ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٨٥ ، الجامع الصغير : ١٥٧ ح ٢٦٣١ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ح ٨٧٠ ـ ٨٧٣ وص ١٧٨ ح ٨٩٨.

هذا ، وقد توسّع العلّامة السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في دراسة هذا الحديث الشريف من كلّ جوانبه ـ ألفاظه وطرقه وأسانيده ودلالته ـ في الأجزاء ١ ـ ٣ من موسوعته « نفحات الأزهار » ، فجزاه الله خيرا ؛ فراجع.

١٨٧

فالحقّ أنّ الراسخين في العلم ، عالمون بالمتشابه كلّه ، وأنّهم مخصوصون بالعترة ، ولذا خصّهم رسول الله ٦ بعدم المفارقة للقرآن ، وأوجب على أمّته التمسّك به وبهم.

١٨٨

إنّه تعالى ليس في جهة

قال المصنّف ـ شرّف الله منزلته ـ(١) :

المبحث الرابع

في أنّه تعالى ليس في جهة

العقلاء كافّة على ذلك ، خلافا للكرّامية ، حيث قالوا : « إنّه تعالى في جهة الفوق »(٢) .

ولم يعلموا أنّ الضرورة قضت بأنّ كلّ ما هو في جهة ، فإمّا أن يكون لابثا فيها ، أو متحرّكا عنها ، فهو [ إذا ] لا ينفكّ عن الحوادث ، وكلّ ما لا ينفكّ عن الحوادث فهو حادث ، كما تقدّم.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٦ ـ ٥٧.

(٢) الملل والنحل ١ / ٩٩ ، المواقف : ٤٢٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٩.

١٨٩

وقال الفضل(١) :

هذا القول للكرّامية ؛ لأنّهم من جملة من يقول : إنّه جسم ؛ ولكن قالوا : غرضنا من الجسم أنّه موجود ، لا أنّه متّصف بصفات الجسم.

فعلى هذا ، لا نزاع معهم إلّا في التسمية ، ومأخذها التوقيف ، ولا توقيف ها هنا(٢) .

وكونه تعالى في جهة الفوق ـ على وجه الجسمية ـ باطل بلا خلاف ، لكن جرت العادة في الدعاء بالتوجّه إلى جهة الفوق ؛ وذلك لأنّ البركات الإلهية إنّما تنزل من السماء إلى الأرض.

وقد جاء في الحديث أنّ امرأة بكماء أتي بها إلى النبيّ ٦ فقال لها رسول الله ٦ : من إلهك؟ فأشارت إلى السماء ، فقبل رسول الله ٦ إيمانها(٣)

وذلك لجريان العادة بالتوجّه إلى السماء عند ذكر الإله ، وهذا يمكن أن يكون مبنيا على إرادة العلوّ والتفوّق ، فيعبّرون عن العلوّ العقلي بالعلوّ

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٢) ورد مؤدّاه في : الملل والنحل ١ / ١٠٠ ، المواقف : ٢٧٣ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥ و ٢٦.

(٣) انظر : صحيح مسلم ٢ / ٧١ ، مسند أحمد ٢ / ٢٩١ ، الموطّأ : ٦٧٨ ح ٨ ، المعجم الكبير ١٩ / ٣٩٨ ح ٩٣٧ وج ٢٢ / ١١٦ ح ٢٩٧ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٤٤ ، إتحاف السادة المتّقين ٢ / ١٠٥ ، كنز العمّال ١ / ٤١١ ح ١٧٤٤ وص ٤١٢ ح ١٧٤٦ ، المواقف : ٢٧٢ ؛ وفيها : « أين الله؟ » بدل « من إلهك؟ ».

١٩٠

الحسّي.

فإن أراد الكرّامية هذا المعنى فهو صحيح ، وإن أرادوا ما يلزم الأجسام من الكون في الجهة والحيّز ، فهو باطل.

١٩١

وأقول :

ذكر الشهرستاني في « الملل والنحل » الكرّامية ، وعدّهم من الصفاتية وأهل السنّة ، وقال : هم أصحاب أبي عبد الله محمّد بن كرّام ، وهم طوائف يبلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة.

ثمّ قال : نصّ أبو عبد الله على إنّ لمعبوده على العرش استقرارا ، وعلى إنّه بجهة فوق ذاتا ، وأطلق عليه اسم « الجوهر » ، فقال في كتابه المسمّى « عذاب القبر » : إنّه أحديّ الذات ، أحديّ الجوهر ، وإنّه مماسّ للعرش من الصفحة العليا ، ويجوز عليه الانتقال والتحوّل والنزول!

ومنهم من قال : إنّه على بعض أجزاء العرش! وقال بعضهم : امتلأ العرش به! وصار المتأخّرون منهم إلى أنّه تعالى بجهة فوق ومحاذ للعرش.

ثمّ اختلفوا ، فقال العابدية منهم : إنّ بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدّر مشغولا بالجواهر لاتّصلت به(١) .

... إلى غير ذلك ممّا ذكره من خرافاتهم وضلالاتهم التي صاروا إليها بمجرّد الهوى وعدم المبالاة بالله سبحانه.

وقال في « المواقف » وشرحها : ذهب أبو عبد الله محمّد بن كرّام إلى أنّه تعالى في الجهة ككون الأجسام فيها ، وهو أن يكون بحيث يشار إليه أنّه هاهنا أو هناك ، وهو مماسّ للصفحة العليا من العرش ، ويجوز عليه

__________________

(١) الملل والنحل ١ / ٩٩ ـ ١٠٠.

١٩٢

الحركة والانتقال وتبدّل الجهات(١) .

فعلى هذا ، كيف يقول الفضل : كونه تعالى في جهة الفوق ـ على جهة الجسمية ـ باطل بلا خلاف؟!

ثمّ بعد هذا ناقض نفسه وردّد في مرادهم ، فإنّه لا يناسب الحكم بعدم الخلاف!

ثمّ إنّ اللازم ـ بمقتضى التصريح بأنّه تعالى جوهر ، وإثباتهم الجهة والحيّز والمماسّة لله تعالى ، وتجويزهم الحركة والانتقال عليه سبحانه ـ أن يكون مرادهم بالجسم هو الجسم الحقيقي ، لا الموجود.

لكن قال في « المواقف » وشرحها : « الكرّامية ـ أي بعضهم ـ قالوا :

هو جسم ـ أي : موجود ـ ، وقوم آخرون منهم قالوا : هو جسم ـ أي : قائم بنفسه ـ ؛ فلا نزاع معهم على التفسيرين إلّا في التسمية [ أي : إطلاق لفظ الجسم عليه ] ، ومأخذها التوقيف ، ولا توقيف هاهنا »(٢) .

فلاحظ وتدبّر!

وأمّا حديث « البكماء » ، ففي « المواقف » أنّ السؤال وقع فيه ب‍ : « أين الله؟ » لا : « من إلهك؟(٣) » كما ذكره الخصم! وذلك أنسب في مقام الاستشهاد لو صحّ الحديث!

__________________

(١) المواقف : ٢٧١ ، شرح المواقف ٨ / ١٩.

(٢) المواقف : ٢٧٣ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥.

(٣) المواقف : ٢٧٢ ، شرح المواقف ٨ / ٢٤.

١٩٣
١٩٤

إنّه تعالى لا يتّحد بغيره

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث الخامس

في أنّه تعالى لا يتّحد بغيره

الضرورة قاضية ببطلان الاتّحاد ، فإنّه لا يعقل صيرورة الشيئين شيئا واحدا.

وخالف في ذلك جماعة من الصوفية من الجمهور ، فحكموا بأنّه تعالى يتّحد بأبدان العارفين(٢) ، حتّى تمادى بعضهم وقال : إنّه تعالى نفس الوجود ، وكلّ موجود هو الله تعالى!

وهذا عين الكفر والإلحاد.

الحمد لله الذي فضّلنا باتّباع أهل البيت ، دون اتّباع أهل الأهواء الباطلة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٧.

(٢) انظر : كتاب التجلّيات ـ لابن عربي ـ : ١٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٣٢ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٢٥.

١٩٥

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه تعالى لا يتّحد بغيره ؛ لامتناع اتّحاد الاثنين(٢) .

وأمّا ما نسبه إلى الصوفية من القول بالاتّحاد ، فإن أراد به محقّقي الصوفية ، ك‍ :

أبي يزيد البسطامي(٣) ،

وسهل بن عبد الله التستري(٤) ،

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٩ ـ ١٨١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٢٥ ، المواقف : ٢٧٤ ، شرح المواقف ٤ / ٦٠ ـ ٦٢ وج ٨ / ٢٨.

(٣) هو : طيفور بن عيسى بن سروشان البسطامي ، الصوفي الزاهد ، كان جدّه مجوسيا فأسلم ، ولد في بسطام ـ وهي بلدة من أعمال خراسان ، بين دامغان ونيسابور ـ وتوفّي سنة ٢٦١ وقيل : ٢٦٤ ه‍.

انظر : طبقات الصوفية : ٦٧ رقم ٨ ، معجم البلدان ١ / ٥٠٠ رقم ١٩٠١ ، وفيات الأعيان ٢ / ٥٣١ رقم ٣١٢ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٨٦ رقم ٤٩ ، شذرات الذهب ٢ / ١٤٣ وفيات سنة ٢٦١ ه‍.

(٤) هو : أبو محمّد ، سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى التستري ، الصوفي الزاهد ، ولد سنة ٢٠٠ أو ٢٠١ ه‍ في مدينة تستر ـ وهي تعريب شوشتر ـ من كور الأهواز في إقليم خوزستان بإيران ، له مصنّفات عديدة ، منها : دقائق المحبّين ، ومواعظ العارفين ، وجوابات أهل اليقين ؛ توفّي بالبصرة سنة ٢٨٣ ه‍.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ٣٢٢ المقالة الخامسة / الفنّ الخامس ، طبقات الصوفية : ٢٠٦ رقم ١٠ ، معجم البلدان ٢ / ٣٤ رقم ٢٥١٧ ، وفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ رقم ٢٨١ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠ رقم ١٥١ ، شذرات الذهب ٢ / ١٨٢ وفيات سنة ٢٨٣ ه‍.

١٩٦

وأبي القاسم الجنيد البغدادي(١) ،

والشيخ السهروردي(٢)

فهذا نسبة باطلة ، وافتراء محض ، وحاشاهم عن ذلك!

بل صرّحوا كلّهم في عقائدهم ببطلان الاتّحاد ؛ فإنّه مناف للعقل والشرع.

بل هم أهل محض التوحيد ، وحقيقة الإسلام ناشئة من أقوالهم ، ظاهرة على أعمالهم وعقائدهم ، وهم أهل التوحيد والتمجيد.

وفي الحقيقة : هم الفرقة الناجية ، ولهم في مصطلحاتهم عبارات تقصر عنها أفهام غيرهم ، وفي اصطلاحاتهم البقاء والفناء.

__________________

(١) هو : الجنيد بن محمّد بن الجنيد الخزّاز البغدادي القواريري الصوفي ، أصله من نهاوند ، ومولده ومنشؤه بالعراق ، كان شيخ وقته في الصوفية ، ولد سنة بضع وعشرين ومائتين ، وتفقّه على يد أبي ثور ـ صاحب الشافعي ـ ، وقيل : كان على مذهب سفيان الثوري ؛ توفّي ببغداد سنة ٢٩٨ ه‍.

انظر : طبقات الصوفية : ١٥٥ رقم ١ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٧٣ رقم ١٤٤ ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٦٦ رقم ٣٤ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٢ / ٢٦٠ رقم ٦٠ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٢٨ وفيات سنة ٢٩٨ ه‍.

(٢) هو : شهاب الدين عمر بن محمّد بن عبد الله التيمي السهروردي ، يرجع نسبه إلى محمّد بن أبي بكر ، ولد سنة ٥٣٩ في سهرورد ـ وهي قرية قريبة من زنجان ـ قدم بغداد وهو شابّ وسمع فيها الحديث ، وكانت له صحبة مع الشيخ عبد القادر ، كان شافعي المذهب ، وكان شيخ شيوخ الصوفية ببغداد ، له عدّة تصانيف ، منها :

« عوارف المعارف » في بيان طريقة الصوفية ، حكمة الإشراق ، النفحات السماوية ؛ توفّي ببغداد سنة ٦٣٢ ه‍.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٢٩ رقم ٦٨١١ ، وفيات الأعيان ٣ / ٤٤٦ رقم ٤٩٦ ، سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٣٧٣ رقم ٢٣٩ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٨ / ٣٣٨ رقم ١٢٣٢ ، شذرات الذهب ٥ / ١٥٣ وفيات سنة ٦٣٢ ه‍ ، الكواكب الدرّية ٣ / ١٤٤ رقم ٥٧٤.

١٩٧

والمراد من « الفناء » : محو العبد صفاته وهويّته التعينية بكثرة الرياضات(١) ، والاصطلام(٢) من الوارد الحقّ.

و« البقاء » : هو تجلّي الربوبية على العبد بعد السلوك والمقامات ، فيبقى العبد بربّه(٣) .

وهذه أحوال لا يطّلع عليها إلّا أربابها ، ومن سمع شيئا من مقالاتهم ولم يفهم إرادتهم من تلك الكلمات ، حمل كلامهم على الاتّحاد والحلول.

عصمنا الله من الوقيعة في أوليائه ، فقد ورد في الحديث الصحيح القدسي : «من عادى لي وليّا فقد آذنته بحرب »(٤)

وأمّا ما نقل عنهم أنّهم يقولون : إنّه تعالى نفس الوجود ؛ فهذه مسألة دقيقة لا تصل حوم(٥) فهمها(٦) أذهان مثل هذا الرجل.

وجملتها أنّهم يقولون : إنّه لا موجود إلّا الله.

ويريدون به أنّ الوجود الحقيقي لله تعالى ؛ لأنّه من ذاته لا من غيره ، فهو الموجود في الحقيقة ، وكلّ ما كان موجودا غيره فوجوده من الله ، وهو

__________________

(١) انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ٩ رقم ٣٨.

(٢) الاصطلام : نوع وله يرد على القلب فيسكن تحت سلطانه ، أو : هو الوله الغالب على القلب ، وهو قريب من الهيمان ؛ انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ١٥ رقم ٩٣ ، معجم اصطلاحات الصوفية ـ للكاشاني ـ : ٥٥.

(٣) انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ٩ رقم ٣٧ ، معجم اصطلاحات الصوفية ـ للكاشاني ـ : ٣٦٧.

(٤) صحيح البخاري ٨ / ١٨٩ ح ٨٩.

(٥) حام فلان على الأمر حوما وحومانا وحياما : رامه وطلبه ودار عليه ؛ انظر : تاج العروس ١٦ / ١٨٧ مادّة « حوم ».

والمراد هنا هو : الطرف والحدّ ، فكأنّه قال : لا يصل إلى شيء من فهمها

(٦) كانت الجملة في الأصل هكذا : « لا يصل حول فهمه » ؛ والمثبت من المصدر.

١٩٨

في حدّ ذاته لا موجود ولا معدوم ؛ لأنّه ممكن ، وكلّ ممكن فإنّ نسبة الوجود والعدم إليه على السواء ، فوجوده من الله ، فهو موجود بوجود ظلّيّ هو من ظلال الوجود الحقيقي ، فالموجود حقيقة هو الله تعالى.

وهذا عين التوحيد ، وكمال التفريد ، فمن نسبهم مع فهمه هذه العقيدة إلى الكفر ، فهو الكافر ؛ لأنّه كفّر مسلما بجهة إسلامه.

١٩٩

وأقول :

لا ريب في قول جماعة من الصوفية بالاتّحاد ، كما يشهد له إنكار الخصم لصحّة النسبة إذا أراد المصنّف محقّقي الصوفية ، فلو أراد غيرهم لم ينكره الخصم.

وقال في « المواقف » : « إنّ المخالف في هذين الأصلين ـ يعني [ عدم ] الحلول و [ عدم ] الاتّحاد ـ طوائف ثلاث ـ إلى أن قال : ـ الثالثة : بعض الصوفية ، وكلامهم مخبّط بين الحلول والاتّحاد »(١) .

ثمّ قال : « ورأيت من الصوفية الوجودية من ينكره ، ويقول : لا حلول ولا اتّحاد ، إذ كلّ ذلك يشعر بالغيرية ، ونحن لا نقول بها ، بل نقول : ليس في دار الوجود غيره ديّار ؛ وهذا العذر أشدّ قبحا وبطلانا من ذلك الجرم(٢) ، إذ يلزم تلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل ، ولا مميّز أدنى تمييز »(٣) .

وقال التفتازاني في « شرح المقاصد » بعد إبطال الحلول والاتّحاد : « والمخالفون : منهم نصارى ـ إلى أن قال : ـ ومنهم بعض المتصوّفة ، القائلون : بأنّ السالك إذا أمعن في السلوك ، وخاض لجّة الوصول(٤) ، فربّما يحلّ الله فيه! تعالى [ الله ] عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ، كالنار في

__________________

(١) المواقف : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٩ ـ ٣١.

(٢) في المواقف وشرحها : الجزم.

(٣) المواقف : ٢٧٥ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٣١.

(٤) في المصدر : « وخاصة لجهة الأصول » ؛ وهو تصحيف.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456