دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147625 / تحميل: 5883
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

« هو من الأخبار المشهورة ».

* * *

__________________

ولد سنة ٢٦١ ، وتوفّي ببغداد سنة ٣٤٥ ودفن بها.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ١٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٥٦ رقم ٨٦٥ ، طبقات الحنابلة ٢ / ٥٦ رقم ٦٠٣ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٢٩ رقم ٦٣٨ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٧٣ رقم ٨٤٤ ، لسان الميزان ٥ / ٢٦٨ رقم ٩٢٢.

١٤١

١٥ ـ حديث : إنّ فيك مثلا من عيسى

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الخامس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «إنّ فيك مثلا من عيسى ، أبغضه اليهود حتّى اتّهموا أمّه ، وأحبّه النصارى حتّى أنزلوه المنزل الذي ليس له بأهل »(٢)

وقد صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ الخوارج أبغضوا عليّاعليه‌السلام ، والنصيريّة(٣) اعتقدوا فيه الربوبيّة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٩٤ ح ١٠٨٧ وص ٨٨٨ ح ١٢٢١ و ١٢٢٢ ، زوائد عبد الله على المسند : ٤١٢ ح ١٩٦ ، السنّة ـ لعبد الله بن أحمد ـ ٢ / ٥٤٣ ح ١٢٦٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٣ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ رقم ٩٦٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٧٠ ح ١٠٠٤ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٠ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١١٠ ح ١٠٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٦٠ ـ ١٦٦ ح ٨٦٠ ـ ٨٧٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٥ ح ٣٦٣٩٩.

(٣) النصيرية ـ ويقال لها : النّميرية ـ : فرقة تنسب إلى محمّد بن نصير النميري ، وكان هو من أصحاب الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام ، ثمّ انحرف عن جادّة الحقّ وادّعى أمورا باطلة عظيمة ، كالنيابة عن الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام والقول بالتناسخ

١٤٢

وقال الفضل(١) :

الحمد لله الذي جعل أهل السنّة معتدلين بين الفريقين ؛ من المفرطة في حبّ عليّ ، كالنصيرية التي يدّعون ربوبيته ، وكالإماميّة التي يدّعون أنّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كفروا كلّهم لمخالفة النصّ في شأنه ؛ ومن المفرطة في بغضه كالخوارج المبغضة.

وأمّا أهل السنّة والجماعة ـ بحمد الله ـ فيحبّونه حبّا شديدا ، وينزلونه في منزلته التي هو أهل لها ، من كونه وصيّا ، وخليفة من الخلفاء الأربع ، وصاحب ودائع العلم والمعرفة.

* * *

__________________

والغلوّ والنبوّة والإلحاد.

انظر : فرق الشيعة ـ للنوبختي ـ : ٩٣ ـ ٩٤ ، الفرق بين الفرق : ٢٣٩ و ٢٤١ ، الغيبة ـ للطوسي : ٣٩٨ ح ٣٦٩ ـ ٣٧١ ، الاحتجاج ٢ / ٥٥٢ و ٥٥٤.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٦.

١٤٣

وأقول :

هذا الحديث كما هو مذكور في مسند أحمد ، مذكور في مستدرك الحاكم ، وخصائص النسائي ، وغيرها ، كما سبق في الآية الثانية والستّين(١) .

وبمعناه ما في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تفترق فيك أمّتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى »(٢) .

ولا ريب أنّ إنزال النصارى لعيسى بغير منزلته إنّما هو لاتّخاذهم له إلها.

وبمقتضى التمثيل يكون إنزال عليّعليه‌السلام بغير منزلته هو اتّخاذه إلها كعيسى ، كما فعل النصيرية وغيرهم من الغلاة ، فلا يدخل الإماميّة في من أنزله بغير منزلته ؛ لأنّهم يقولون : إنّه عبد من عبيد الله تعالى ، أكرمه بالخلافة بالنصّ عليه.

وحينئذ ، فينحصر أمر الإماميّة بين أن يكونوا ممّن أبغضه ، ولا سبيل إليه بالضرورة ؛ وبين أن يكونوا من النمط الأوسط والمحقّ ، وهو المطلوب.

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٤ من هذا الكتاب ، وانظر : مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، خصائص الإمام عليّعليه‌السلام : ٨٤ ح ٩٨ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٠١.

١٤٤

كما ينحصر أهل السنّة بين هذين ، والمتعيّن فيهم الأوّل ؛ لأنّ النمط الأوسط لا يمكن أن يجمع الفريقين المتباينين ، ولأنّ أهل السنّة اجتهدوا في تأخيره عمّن لا يقاس به علما وعملا ، ولا يلتفتون إلى آية تدلّهم على منزلته ، ولا إلى سنّة ترشدهم إلى فضله وعلوّ محلّه ، بل يحتالون إلى نفي النصوصيّة بالأوهام والشبه البعيدة ، ويتناولون الأسانيد القويّة الكثيرة بالتضعيف بكلّ وسيلة ، بعكس ما يرد عندهم في حقّ مشايخهم!

فلا بدّ أن يكون من قال : « إنّ عليّا هو الخليفة الأوّل » محقّا ناجيا ، ومن قال : « إنّه رعيّة لغيره » مبطلا هالكا ؛ وبه يتمّ إثبات إمامته وخلافته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل.

وقد سبق في الآية الثانية والستّين دلالة ذلك على إمامته بوجوه أخر ؛ فراجع(١) .

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ الإماميّة يكفّرون أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

فإن أراد به أنّهم يقولون بشركهم أو إنكارهم الرسالة ، فباطل

وإن أراد أنّهم يقولون : إنّ أكثر الصحابة خالفوا نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ ، وألغوا أمر الله تعالى وأمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه ، فصحيح ؛ لأنّ الإمامة عندنا أصل من أصول الدين ، ومن لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ، كما مرّ تحقيقه في أوّل مباحث الإمامة(٢)

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١١ وما بعدها من هذا الكتاب.

وانظر : مسند أحمد ٣ / ٤٤٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٩٠ ح ١٠٥٨ ،

١٤٥

وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) ، وصرّحت به السنّة المستفيضة ، كأخبار الحوض ، التي منها ما رواه البخاري في « باب الحوض » ، من أنّ الأصحاب ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النّعم(٢) ، كما مرّ(٣) ويأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما زعمه من أنّ أهل السنّة يحبّون عليّا حبّا شديدا ، فلا نعرف منه إلّا الدعوى ، ولو كشف الله سبحانه حجاب ضمائرهم لعرفت أنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم

بل الوجدان يشهد بخلافه ، فهذه أقلامهم عند تلاوة آيات فضله ، وهذه أرقامهم(٤) عند سماع نصوص إمامته ، وهذا ولاؤهم لأظهر مبغضيه وأعدائه ، كمعاوية وأشباهه

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي عنك لعازب(٥)

__________________

مجمع الزوائد ٥ / ٢١٨ و ٢٢٤ ؛ علاوة على ما مرّ في مقدّمة الكتاب ص ٣١ ، وفي ج ٤ / ٢١٤ ه‍ ١ ـ ٤ ، من تخريج ألفاظ حديث : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ».

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٢١٧ ح ١٦٦.

(٣) انظر ما تقدّم في ج ٢ / ٢٧ ه‍ ١ وج ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣ من هذا الكتاب.

(٤) الرّقم : الكتابة والختم ؛ والرّقم والتّرقيم : تعجيم الكتاب ، ورقم الكتاب يرقمه رقما : أعجمه وبيّنه ، وكتاب مرقوم أي قد بيّنت حروفه بعلاماتها من التنقيط ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٩٠ مادّة « رقم ».

والمراد هنا هو ما كتبوه ويكتبونه في إنكار إمامة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام .

(٥) البيت من بحر الطويل ، وقد نسبه ابن عبد ربّه إلى العتابي ؛ انظر : العقد الفريد ٢ / ٧٥ باب أصناف الإخوان من كتاب « الياقوتة في العلم والأدب » ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢٠ / ١٥.

١٤٦

١٦ ـ حديث : لا يحبّك إلّا مؤمن

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

السادس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، وهو مذكور في « الجمع بين الصحيحين » ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق »(٢) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ٩٥ و ١٢٨ وج ٦ / ٢٩٢ ، الجمع بين الصحيحين ١ / ١٧٢ ح ١٥٣ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٧ وص ٦٠١ ح ٣٧٣٦ ، سنن النسائي ٨ / ١١٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٧ ، مسند الحميدي ١ / ٣١ ح ٥٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ح ٥١ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٥١ ح ٢٩١ وج ١٢ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ ح ٦٩٠٤ وص ٣٦٢ ح ٦٩٣١ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ح ٨٨٥ و ٨٨٦ ، معرفة علوم الحديث : ١٨٠ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٧٦ ح ٦٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٠ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٧ رقم ٤٥٢٣ وج ١٤ / ٤٢٦ رقم ٧٧٨٥ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٧٠ ـ ٢٨٠.

١٤٧

وقال الفضل(١) :

هذا الحديث صحيح لا شكّ فيه ، وفي رواية هذا الحديث عن عليّ ، أنّه قال : «لعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ ؛ أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق »(٢) .

والحمد لله الذي جعلنا من أهل محبّته ، وملأ قلوبنا من صفو مودّته ، وبالله التوفيق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٩.

(٢) مرّ تخريج الحديث مفصّلا فى ج ١ / ١٥ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ وانظر علاوة على ذلك : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٣ وص ١٣٧ ح ٨٤٨٥ ـ ٨٤٨٦ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ ، شرح السنّة ٨ / ٨٥ ـ ٨٦ ح ٣٩٠٧ و ٣٩٠٨.

١٤٨

وأقول :

إذا عرف صحّة هذا الحديث ، وصدّق بحمد الله على حبّه ، فما باله والى أشدّ أعدائه وأكبر مبغضيه ، كمعاوية وابن العاص ومروان ، وأشباههم ، ولم يحكم عليهم بالنفاق ، مع اتّضاح حالهم في بغض أمير المؤمنين واستمرارهم على عداوته وسبّه؟!

بل يلزمه أن لا يوالي عائشة ، بل يصفها بالنفاق ، لعلمه بعداوتها له ، واستدامتها على بغضه!

ففي « مسند أحمد »(١) عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت :

لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت ميمونة ، فاستأذن نساءه أن يمرّض في بيتي ، فأذنّ له ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على العبّاس وعلى رجل آخر ، ورجلاه تخطّان في الأرض.

وقال عبيد الله : فقال ابن عبّاس : أتدري من ذلك الرجل؟! هو عليّ ابن أبي طالب ، ولكنّ عائشة لا تطيب لها نفسا.

ورواه أيضا في مقام آخر(٢) .

__________________

(١) ص ٣٤ من الجزء السادس. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٢٢٨ ج ٦. منهقدس‌سره .

وانظر : صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢ ، صحيح مسلم ٢ / ٢١ ـ ٢٢ كتاب الصلاة ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١٧ ح ١٦١٨ ، سنن النسائي ٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ١ / ٢٩٣ ح ٩٠٨ ، سنن الدارمي ١ / ٢٠٥ ذ ح ١٢٥٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٧٩ ، مسند أبي عوانة ١ / ٤٤٢ ح ١٦٣٦ وص ٤٤٣ ح

١٤٩

فهل ترى أشدّ في البغض من أن لا تطيب نفس الشخص أن يتلفّظ باسم عدوّه؟!

ورواه الطبري في « تاريخه »(١) ، وفيه : « ولكنّها لا تقدر على أن تذكره بخير ، وهي تستطيع »!

وهو أصرح في الدلالة على بغضها لإمام المتّقين ونفس النبيّ الأمين.

ورواه البخاري في « باب الغسل والوضوء في المخضب » من كتاب الوضوء(٢)

وفي « باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة » من كتاب الأذان(٣)

وفي « باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها » من كتاب الهبة(٤)

وفي « باب مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله » في أواخر كتاب المغازي(٥) .

وفي كلّها لم تسمّ الرجل الآخر ، وإنّما سمّاه ابن عبّاس.

ولم يرو البخاري تتمّة كلام ابن عبّاس ؛ رعاية لشأن عائشة! ولم يدر أنّ تركها لاسم أمير المؤمنين مع ذكر اسم عديله كاف في الدلالة على بغضها له!!

وروى أحمد أيضا(٦) ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاء رجل فوقع في

__________________

١٦٤٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١ / ٣١ وج ٣ / ٨٠ ـ ٨١ وج ٨ / ١٥١ ـ ١٥٢ ؛ وقد أسقط قوله : « ولكنّ عائشة لا تطيب له نفسا » من بعض هذه المصادر ؛ فلاحظ!

(١) ص ١٩١ من الجزء الثالث [ ٢ / ٢٢٦ ]. منهقدس‌سره .

(٢) صحيح البخاري ١ / ١٠١ ح ٦١.

(٣) صحيح البخاري ١ / ٢٦٩ ح ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ / ٣١٣ ـ ٣١٤ ح ٢٢.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢.

(٦) ص ١١٣ ج ٦. منهقدس‌سره .

١٥٠

عليّ وعمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا! وأمّا عمّار ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الكاشفة عن بغضها له ، وإن كان لا حاجة في بيان عداوتها وبغضها له إلى دليل.

وأعظم من ذلك حربها له ، وهي تعلم أنّ حربه حرب لرسول الله(١) ، مقدمة على قتله لو قدرت ، وهي تدري أنّه أخو رسول الله ونفسه.

وعلى هذه فقس ما سواها ، إذ لم تأت ذلك عنوة بل ورثته عن أسلافها!

وأمّا وجه الدلالة في الحديث الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله ونحوه على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد تقدّم في أوّل مباحث الإمامة ، وفي الآية الثانية عشرة(٢) .

* * *

__________________

(١) تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج ٤ / ٣٥٨ ه‍ ٤ وج ٥ / ٣٢١ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وانظر إضافة إلى ذلك : المعجم الأوسط ٣ / ٢٥٦ ح ٢٨٧٥ وج ٥ / ٣١٦ ح ٥٠١٥ وج ٧ / ٢٤٢ ح ٧٢٥٩ ، المعجم الصغير ٣ / ٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ١٣٧ رقم ٣٥٨٢.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١٤ وما بعدها وج ٥ / ١٧ ـ ١٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥١

١٧ ـ حديث : ولكنّه خاصف النعل

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

السابع عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا .

قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا ، ولكنّه خاصف النعل.

وكان عليّ يخصف نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحجرة عند فاطمةعليها‌السلام (٢) .

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :لتنتهنّ

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٣ و ٨٢ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٧٧ ح ١٠٧١ وص ٧٩٠ ح ١٠٨٣ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥٤ ح ٨٥٤١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٩ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ ح ١٠٨٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٦ ح ٦٨٩٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٩ ح ٧٨ ، مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لابن أخي تبوك ؛ المطبوع بذيل مناقب ابن المغازلي ـ : ٣٤٣ ح ٢٣ ، شرح السنّة ٦ / ١٦٧ ح ٢٥٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٦ وج ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٣ ح ٣٢٩٦٧.

١٥٢

معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلا منّي امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب أعناقكم على الدين.

قيل : يا رسول الله! أبو بكر؟

قال :لا .

قيل : عمر؟

قال :لا ، ولكن خاصف النعل في الحجرة (١) .

* * *

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١١٥ ح ٨٤١٦ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٢٦ ح ٢٠٣٨٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٨ وص ٤٩٩ ح ٣٠ وص ٥٠٦ ح ٧٤ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٤ ح ١٠٠٨ وص ٧٤٣ ح ١٠٢٤ وص ٨٠٦ ح ١١٠٥ ، مسند البزّار ٣ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ح ١٠٥٠ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ٨٥٩ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ح ٢٦١٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٩ ـ ١١١٠ ، تاريخ بغداد ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨ عن الترمذي وابن جرير في « تهذيب الآثار » والضياء المقدسي في « المختارة » وص ١٧٤ ح ٣٦٥١٩ عن ابن أبي شيبة في « المصنّف » وابن جرير في « تهذيب الآثار » والحاكم في « المستدرك » ويحيى بن سعيد في « إيضاح الإشكال ».

١٥٣

وقال الفضل(١) :

صحّ الحديث ، وهذا يدلّ على أنّه يقاتل البغاة والخوارج ، وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن ، حيث كانوا يؤوّلون القرآن ، ويدّعون الخلافة لأنفسهم ، فقاتلهم أمير المؤمنين ، وعلّم الناس قتال الخوارج والبغاة ، كما قال الشافعي : إنّه لو لم يقاتل أمير المؤمنين البغاة ما كنّا نعلم كيفيّة القتال معهم(٢) .

وهذا لا يدلّ على النصّ بخلافته ، بل إخبار عن مقاتلته في سبيل الله مع العصاة والبغاة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٥٠.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ١٦ / ٣٦٠.

١٥٤

وأقول :

ذكر المصنّفرحمه‌الله هنا حديثين تقدّم بيان رواتهما في الآية الثانية والعشرين(١) ، وكلّ منهما دالّ على المقصود

أمّا الأوّل ، فلأنّ المراد ـ بالقتال على تأويل القرآن ـ : إمّا القتال على وفق ما أدّى إليه القرآن باجتهاد المقاتل

أو ما أدّى إليه في الواقع ؛ لعلم المقاتل به

فيكون المشبّه به على الوجهين هو : قتال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على حسب ما أنزل إليه.

وإمّا أن يكون المراد : القتال على مؤوّل القرآن يعملوا به ، كما قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للإقرار بأنّه منزل من الله تعالى.

والأظهر أحد الوجهين الأخيرين ؛ لأنّهما أمكن في التشبيه.

ومن المعلوم أنّ القتال على أيّ الوجوه الثلاثة شأن خليفة الرسول ، وزعيم الأمّة ، فتثبت إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولمّا نفى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك عن الشيخين مع صدور القتال منهما علم أنّهما ليسا بإمامين.

وليت شعري ، إذا لم يكن قتالهما على وفق القرآن ، ولا لأجل العمل به ، فكيف وليا أمر القتال والأمّة؟! وكيف اتّخذهم الناس أئمّة؟!

فإن قلت : لعلّ المراد بقتال عليّعليه‌السلام على التأويل : قتاله لمن تأوّل

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٥

القرآن وادّعى الخلافة لنفسه ، فلا يكون نفي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا القتال عن الشيخين منافيا لإمامتهما ؛ لأنّ هذا النفي مطابق للواقع ، إذ لم يقاتلا إلّا المشركين وإن كانا إمامين.

ولعلّه إلى هذا أشار الفضل بقوله : « وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن حيث كانوا يؤوّلون القرآن ويدّعون الخلافة لأنفسهم ».

قلت : لو أريد ذلك ، كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كما قاتلت على تنزيله » ـ بمقتضى المشابهة ـ أن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل من تنزّل عليه القرآن ؛ وهو كما ترى.

ولا أدري أيّة آية تأوّلها البغاة والخوارج حتّى استباحوا بها قتال أمير المؤمنين ، والخروج على إمام زمانهم؟!

ومتى قاتله الخوارج مدّعين للخلافة؟! وكذا معاوية وعائشة وأنصارها؟! فإنّهم إنّما قاتلوا ـ في ظاهر أمرهم ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام طلبا بدم عثمان ، واتّخذوه ـ واقعا ـ وسيلة لبلوغ الرئاسة أو للانتقام من عليّعليه‌السلام ، عداوة له ، كما في عائشة.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فأبو بكر عندهم أيضا حارب المتأوّلين ، فلو كان إماما وحربه حقّا لما أجابه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « لا ».

ونعني بالمتأوّلين : مانعي الزكاة ؛ لأنّهم قالوا كما في « شرح النهج » لابن أبي الحديد(١) : « إنّ الله قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢) .

فوصف الصدقة بأنّها من شأنها أن يطهّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس

__________________

(١) ص ١٨٥ من المجلّد الرابع [ ١٧ / ٢٠٨ ]. منهقدس‌سره .

(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠٣.

١٥٦

بأخذها ، وبيّن أنّ صلاته سكن لهم ، وهذه الصفات لا تتحقّق في غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وأمّا الحديث الثاني : فهو ـ أيضا ـ دالّ على المدّعى ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف فيه الرجل الذي يبعثه الله تعالى بأنّه قد امتحن الله قلبه ، أي ابتلاه بأنواع المحن ، فوجده خالص الإيمان ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يصانع أحدا في دينه.

وهذا يفيد بمفهومه أنّ غير هذا الرجل ليس كذلك ، لا سيّما الشيخان ؛ للتصريح بهما ، ولأنّهما أشارا بردّ المؤمنين إلى بلاد الكفر ، وجعل السبيل للكافرين عليهم خلافا لحكم الله ورسوله ، ووفاقا لرغبة الكافرين ، لا سيّما عمر ، فإنّه وافق أبا بكر على قوله : « صدقوا » ، ولم يبال باستياء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أبي بكر وتغيّر وجهه الشريف من قوله ، كما سبق في بعض الأخبار المصحّحة عندهم ، المذكورة في الآية الثانية والعشرين(١) .

ولو كانا ممّن امتحن الله قلبه للإيمان وخالصي الإيمان لما فعلا ذلك.

بل يستفاد من وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي يبعثه الله بأنّه امتحن الله قلبه للإيمان ، ويضرب أعناقهم على الدين ، بعد موافقة الشيخين لقريش ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد التعريض بهما بأنّهما ليسا بهذا الوصف.

وبالضرورة أنّ من ليس كذلك ، ولم يبال بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مواجهة في حياته ، ولا بكتاب الله وحكمه ، أحقّ وأولى بعدم المبالاة بأحكام الله ودينه

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٦ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٧

ونبيّه بعد وفاته ، فلا يصلح للإمامة ، وإنّما الصالح لها من ثبت له ذلك الوصف الجميل الجليل.

وقد أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مع ذلك ـ إلى عصمة عليّعليه‌السلام وفضله ، بجعله منه أو مثل نفسه ، كما في رواية « الجمع بين الصحاح » وغيرها ممّا سبق في الآية المذكورة(١) ، فيتعيّن للإمامة.

* * *

__________________

(١) راجع : الصفحة ١٥٢ ـ ١٥٣ من هذا الجزء ، وج ٥ / ٨٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٨

١٨ ـ حديث الطائر

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

الثامن عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، و « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طائر قد طبخ له ، فقال :اللهمّ ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي ؛ فجاء عليّ فأكل معه(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ١٧٥ ح ١ وص ١٧٦ ح ٤ عن مسند أحمد وسنن أبي داود ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٦٩٢ ـ ٦٩٣ ح ٩٤٥ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٣ ح ٦٤٩٤ عن الجمع بين الصحاح الستّة ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ح ٨٣٩٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٣٥٨ رقم ١١٣٢ وج ٢ / ٢ رقم ١٤٨٨ ، مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥ ح ٤٠٥٢ ، المعجم الكبير ١ / ٢٥٣ ح ٧٣٠ وج ٧ / ٨٢ ح ٦٤٣٧ وج ١٠ / ٢٨٢ ح ١٠٦٦٧ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٣٩ ح ١٧٦٥ وج ٦ / ١٥٣ ح ٥٨٨٦ وص ٤١٨ ح ٦٥٦١ وج ٧ / ٣١٥ ح ٧٤٦٦ وج ٩ / ٢٥١ ح ٩٣٧٢ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٧٨ ، تاريخ جرجان : ١٧٦ رقم ٢٢٨ ، العقد الفريد ٤ / ٧٧ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ح ٦١٣ رقم ٤٥١ ، مروج الذهب ٢ / ٤٢٥ ، تمهيد الأوائل : ٥٤٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ ح ٤٦٥٠ و ٤٦٥١ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ٢ / ١٢٢ ، حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩ ، تاريخ أصبهان ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ رقم ٤٦٨ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٥٩ رقم ٤٥٨ ، تاريخ بغداد ٣ / ١٧١ رقم ١٢١٥ وج ٩ / ٣٦٩ رقم ٤٩٤٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٦٣ ـ ١٧٦ ح ١٨٩ ـ ٢١٢ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٣ ح ٤٧٧٠ ، تاريخ دمشق ٣٧ / ٤٠٦ رقم ٤٤٢٨ وج ٤٢ / ٢٤٥ ـ ٢٥٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

١٥٩

ومنه ، أنّه لمّا حضرت ابن عبّاس الوفاة قال : اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب(١) .

* * *

__________________

(١) فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٢٣ ح ١١٢٩ ، وانظر : الرياض النضرة ٣ / ١٣٠ ـ ١٣١.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

حدوث الكلام

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

المطلب الثالث

في حدوثه

العقل والسمع متطابقان على إنّ كلامه تعالى محدث ليس بأزلي ؛ لأنّه مركّب من الحروف والأصوات ، ويمتنع اجتماع حرفين في السماع دفعة واحدة ، فلابدّ أن يكون أحدهما سابقا على الآخر ، والمسبوق حادث بالضرورة ، والسابق على الحادث بزمان متناه حادث بالضرورة ، وقد قال الله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ )(٢) .

وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، فجعلوا كلامه تعالى قديما لم يزل معه ، وأنّه تعالى في الأزل يخاطب العقلاء المعدومين!(٣) .

وإثبات ذلك في غاية السفه والنقص في حقّه تعالى ، فإنّ الواحد منّا لو جلس في بيت وحده منفردا وقال : يا سالم قم ، ويا غانم اضرب ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦١ ـ ٦٢.

(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ٢.

(٣) انظر : اللمع ـ للأشعري ـ : ٣٦ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٢ ، الأربعين ـ للرازي ـ ١ / ٢٥٠ ـ ٢٥٨ ، شرح العقائد النسفية ـ للتفتازاني ـ : ١٠٨ وما بعدها.

٢٤١

ويا سعد كل ، ولا أحد عنده من هؤلاء ، عدّه كلّ عاقل سفيها جاهلا عادما للتحصيل ، فكيف يجوز منهم نسبة هذا الفعل(١) الدالّ على السفه والجهل والحمق إليه تعالى؟!

وكيف يصحّ منه تعالى أن يقول في الأزل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ )(٢) ولا مخاطب هناك ، ولا ناس عنده؟!

[ ويقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ )(٣) ](٤) ويقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )(٥) [ و ](٦) (أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(٧) و (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ )(٨) و (لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ )(٩) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١٠) !

وأيضا : لو كان كلامه قديما لزم صدور القبيح منه تعالى ؛ لأنّه إن لم يفد بكلامه في الأزل [ شيئا ] كان سفها ، وهو قبيح عليه [ تعالى ] ، وإن أفاد فإمّا لنفسه ، أو لغيره

__________________

(١) في المصدر : « العقل ».

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢١.

(٣) سورة النساء ٤ : ١ ، سورة الحجّ ٢٢ : ١ ، سورة لقمان ٣١ : ٣٣.

(٤) ما بين القوسين المعقوفتين ليس في المصدر ولا في الأصل ، وأثبتناه من إحقاق الحقّ ١ / ٢١٩.

(٥) سورة البقرة ٢ : ١٠٤ و ١٥٣ و ١٧٢ ، سورة آل عمران ٣ : ١٣٠ ، سورة النساء ٤ : ١٩ و ٢٩ ، سورة المائدة ٥ : ١ و ٢ ، وآيات كثيرة أخرى في سور القرآن الكريم.

(٦) أثبتناه لضرورة النسق.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٤٣ و ١١٠ ، سورة الأنعام ٦ : ٧٢ ، سورة النور ٢٤ : ٥٦ ، سورة الروم ٣٠ : ٣١ ، وغيرها من الآيات في سور أخرى.

(٨) سورة البقرة ٢ : ١٨٨ ، سورة النساء ٤ : ٢٩.

(٩) سورة الأنعام ٦ : ١٥١ ، سورة الإسراء ١٧ : ٣١.

(١٠) سورة المائدة ٥ : ١.

٢٤٢

والأوّل باطل ؛ لأنّ المخاطب إنّما يفيد نفسه لو كان يطرب في كلامه ، أو يكرّره ليحفظه ، أو يتعبّد به كما يتعبّد(١) الله بقراءة القرآن ؛ وهذه في حقّه محال لتنزّهه عنها.

والثاني باطل ؛ لأنّ إفادة الغير إنّما تصحّ لو خاطب غيره ليفهمه مراده ، أو يأمره بفعل ، أو ينهاه عن فعل.

ولمّا لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه ، كان كلامه سفها وعبثا!

وأيضا : يلزم الكذب في إخباره تعالى ؛ لأنّه قال في الأزل :

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً )(٢) [ و ](٣) (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ )(٤) و (أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ )(٥) و (ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ )(٦) ، مع إنّ هذه إخبارات عن الماضي ، والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي كذب ؛ تعالى الله عنه.

وأيضا : قال الله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(٧) ، وهو إخبار عن المستقبل ، فيكون حادثا.

__________________

(١) كذا في الأصل ، وهو تصحيف ؛ لأنّ قوله : « تعبّد الله » لا يصحّ تعديته مباشرة بغير حرف الجرّ ، بل يقال : « تعبّد لله » ؛ لأنّ قول القائل : « تعبّد فلان فلانا » أي اتّخذه عبدا ؛ وفي المصدر : « يعبد » وهو الصحيح.

(٢) سورة نوح ٧١ : ١.

(٣) أثبتناها لتوحيد النسق.

(٤) سورة النساء ٤ : ١٦٣.

(٥) سورة يونس ١٠ : ١٣.

(٦) سورة إبراهيم ١٤ : ٤٥.

(٧) سورة النحل ١٦ : ٤٠.

٢٤٣

وقال الفضل(١) :

قد سبق الإشارة إلى أنّ النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الإمامية في إثبات الكلام النفساني(٢) .

فمن قال بثبوته ، فلا شكّ أنّه يقول بقدمه ؛ لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى.

ومن قال بأنّه مركّب من الحروف والأصوات ، فلا شكّ أنّه يقول بحدوثه ، ونحن نوافقه فيه.

فكلّ ما أورده على الأشاعرة ، فهو إيراد على غير محلّ النزاع ؛ لأنّه يقول : إنّ الكلام مركّب من الحروف ، ثمّ يقول بحدوثه ؛ وهذا ممّا لا نزاع فيه.

نعم ، لو قال بإثبات الكلام النفساني ثمّ يثبت حدوثه يكون محلّ النزاع.

وأمّا ما استدلّ به على الحدوث من قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ )(٣) ، فهو يدلّ على حدوث اللفظ ، ولا نزاع فيه.

وأمّا الاستدلال بأنّ الأمر والخبر في الأزل ولا مأمور ولا سامع ، فيه سفه ـ كما ذكره في طامّاته ـ

فالجواب أنّ ذلك السفه الذي ادّعيتموه إنّما هو في اللفظ ، وأمّا كلام

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٣٧.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٢.

٢٤٤

النفس فلاسفه فيه ، ومثاله ـ على وفق ما ذكر ـ أنّ الواحد منّا لو جلس في بيت وحده منفردا ، ورتّب في نفسه أنواع الأوامر لجماعة سيأتون عنده ، ولا يتلفّظ به ، فلا يكون سفها ولا حماقة ، بل السفيه من نسبه إلى السفه.

فالكلام النفسي : هو المعنى القائم بذات الله تعالى في الأزل ، ولا تلفّظ بذلك الكلام ، بل هو لجماعة سيحدثون ، ويكون التلفّظ به بعد حدوثهم وحدوث أفعالهم التي تقتضي الأمر والنهي والإخبار والاستفهام ، فلاسفه ولا حماقة كما ادّعاه.

وبهذا الجواب ـ أيضا ـ يندفع ما ذكره من لزوم صدور القبيح من الله تعالى ؛ لأنّ ذلك في التلفّظ بالكلام النفسي ، ونحن نسلّم أن لا تلفّظ في الأزل ، بل هناك معان قائمة بذات الله تعالى ، قديمة.

وأيضا : يندفع ما ذكره من لزوم الكذب ؛ لأنّ الصدق والكذب صنفان للكلام الذي يتلفّظ به ، لا المعاني المزوّرة(١) في النفس ، المقولة بعد هذا لمن سيحدث.

وأمّا الاستدلال على حدوث الكلام بقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(٢) لأنّه إخبار عن المستقبلفيكون حادثا

فالجواب عنه أنّ لفظ (كُنْ ) حادث ، ولا نزاع لنا فيه.

إنّما النزاع في المعنى الأزلي النفساني ، ولا يلزم من كون مدلول [ لفظة ] (كُنْ ) في ذات الله تعالى : حدوثه.

__________________

(١) كان في الأصل : « المزبورة » وهو تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٤٠.

٢٤٥

وأقول :

غاية المصنّف من الدليل العقلي هو إثبات حدوث ما يتعقّل من كلامه تعالى ، ولا يتعقّل إلّا اللفظي ، ولا محلّ لإثبات حدوث النفسي عقلا ؛ لأنّه فرع المعقولية.

وأمّا الأدلّة السمعية ، فإنّما تذكر لإثبات الانحصار باللفظي ، أو لإثبات حدوث النفسي على فرض المعقولية.

على إنّه قد يقال : إنّ الكلام النفسي عندهم مدلول للكلام اللفظي ، فينبغي أن يكون مركّبا في النفس كتركيب اللفظي ، ومرتّبا كترتيبه ، فيلزم تقدّم بعض أجزائه على بعض ، وهو يقتضي الحدوث.

هذا ، وحكى شارح « المواقف » عن الماتن في مقالة مفردة ، أنّه فسّر الكلام النفسي بالأمر القائم بالغير ، الشامل للّفظ والمعنى جميعا ، وزعم أنّه قائم بذات الله تعالى ، وأنّه قديم ؛ لأنّ الترتيب إنّما هو في التلفّظ ، بسبب عدم مساعدة الآلة ، فالتلفّظ حادث دون الملفوظ(١) .

وأورد عليه القوشجي بأنّ هذا خارج عن طور العقل ، وما هو إلّا مثل أن يكون حركة مجتمعة الأجزاء في الوجود ، لا يكون لبعضها تقدّم على بعض(٢) ؛ وهو حسن.

وأمّا ما أجاب به الخصم عن قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

(٢) انظر : شرح التجريد : ٤٢١.

٢٤٦

رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ )(١) .

ففيه : أنّ المراد بالذكر هو القرآن ـ الذي هو كلام الله تعالى ـ من دون لحاظ أنّه لفظي.

فإذا دلّت الآية على حدوث كلامه من حيث هو كلامه ، ثبت حدوثه حتّى لو كان نفسيا ، أو يثبت الانحصار باللفظي.

ومثل الآية المذكورة قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ )(٢) ، فإنّ المنزّل المحفوظ لا يكون إلّا محدثا ؛ لأنّ تنزيله على التدريج ، ولا تنزيل إلّا للّفظ!

وأمّا ما أجاب به عن السفه ، بأنّه إنّما هو باللفظ ، فمردود بأنّ الطلب مطلقا سفه حتّى لو كان في النفس!

وأمّا مثاله فلا طلب فيه فعلا ، وإنّما الموجود فيه هو العزم على الطلب ، أو تصوير الطلب ، وإلّا كان سفها بالضرورة!

ومنه يعلم ما في جوابه عن لزوم صدور القبيح منه تعالى.

فإن قلت : إنّما يلزم السفه إذا خوطب المعدوم ، وطلب منه إيقاع الفعل في حال عدمه ؛ وأمّا إذا طلب منه على تقدير وجوده ، فلا ، كما في طلب الرجل تعلّم ولده الذي يعلم أنّه سيولد ، وكما في خطاب النبيّ كلّ مكلّف يولد إلى يوم القيامة.

قلت : البديهة حاكمة بسفه من يخاطب معدوما ويطلب منه ، سواء طلب منه في حال عدمه أم على تقدير وجوده ، وسواء خاطبه خاصّة أم في

__________________

(١) سورة الأنبياء ٢١ : ٢.

(٢) سورة الحجر ١٥ : ٩.

٢٤٧

ضمن جماعة حاضرين ؛ لأنّ أصل التوجّه إليه بالطلب سفه!

وأمّا مثال الولد ، فليس فيه إلّا الميل والعزم على الطلب

قال في « شرح المواقف » : « أمّا نفس الطلب ، فلا شكّ في كونه سفها ، بل قيل : هو غير ممكن ؛ لأنّ وجود الطلب بدون من يطلب منه شيء محال »(١) .

كما إنّ خطاب النبيّ ٦ إنّما هو للحاضرين ، ويثبت لمن عداهم بأدلّة اشتراك الأمّة في التكليف.

وأمّا ما أجاب به عن لزوم الكذب ، فمناقشة لفظيّة ، ليس لها ـ لو صحّت ـ أثر في دفع الإشكال ؛ لأنّ المقصود أنّ قوله تعالى في الأزل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )(٢) (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً )(٣) حكم غير مطابق للواقع ، ينزّه الله تعالى عن مثله ، فلا أثر لعدم تسميته كذبا في الاصطلاح.

ومنه يعلم بطلان ما أجيب به ، من أنّ كلامه تعالى في الأزل لا يتّصف بالماضي والحال والاستقبال ؛ لعدم الزمان ، وإنّما يتّصف بذلك بحسب التعلّقات بعد حدوث الأزمنة.

وذلك لأنّ عدم صحّة اتّصافه في الأزل بالماضي لا يجعل قوله تعالى في الأزل : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) حكما صادقا مطابقا للواقع حتّى يرتفع الإشكال.

بل هذا الجواب قد كشف عن إشكال آخر عليهم ، وهو عدم صحّة قولهم : إنّ النفسي مدلول اللفظي ، إذ لا يمكن أن يكون ما ليس له زمان

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ٩٧.

(٢) سورة الحجر ١٥ : ٩.

(٣) سورة نوح ٧١ : ١.

٢٤٨

عين مدلول ما هو مقيّد بالزمان ، اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ مراد المجيب أنّ الكلام النفسي ـ المدلول للّفظي ـ هو ما قيّد بالتعلّقات الحادثة ، فلا يرد شيء من ذلك ، ولكنّه لا يتمّ على مذهبهم لقولهم بقدم النفسي.

ثمّ لا يخفى أنّ مثل قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) لا يصحّ أن يكون الكلام النفسي فيه من قبيل : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ )(١) ممّا ليس بماض ونزّل منزلة الماضي ، حتّى يرتفع الكذب.

وذلك لأنّ التنزيل للمعنى يستدعي دلالة اللفظ على المنزّل ، ومن المعلوم أنّ لفظ قوله تعالى : (أَرْسَلْنا نُوحاً ) دالّ على الماضي حقيقة ، لا الماضي تنزيلا.

وأمّا ما أجاب به عن قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ ) الآية(٢) .

ففيه : إنّ الآية تدلّ على حدوث الأمر التكويني في المستقبل ، بما هو حامل للمعنى ـ الذي هو الكلام النفسي عندهم ـ ، إذ ليس المقصود مجرّد حدوث لفظ (كُنْ ) ؛ لأنّ الأثر في التكوين ليس للّفظ نفسه ، بل لما تحمل من المعنى القائم بالنفس ، وهو الذي يتفرّع عليه كون الشيء وحدوثه في المستقبل ، وتفرّعه عليه هنا ظاهر في حدوثه بعد انقضائه ، ولا ينقضي إلّا الحادث ؛ لأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه!

* * *

__________________

(١) سورة يس ٣٦ : ٥١ ، وسورة ق ٥٠ : ٢٠.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٤٠.

٢٤٩
٢٥٠

استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة

قال المصنّف ـ قدّس الله نفسه ـ(١) :

المطلب الرابع

في استلزام الأمر والنهي : الإرادة والكراهة

كلّ عاقل يريد من غيره شيئا على سبيل الجزم فإنّه يأمره به ، وإذا كره الفعل فإنّه ينهى عنه.

وإنّ الأمر والنهي دليلان على الإرادة والكراهة.

وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، وقالوا : إنّ الله تعالى يأمر دائما بما لا يريده ، بل بما يكرهه ، وإنّه ينهى عمّا لا يكرهه ، بل عمّا يريده(٢) !

وكلّ عاقل ينسب من يفعل هذا إلى السفه والجهل ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٣.

(٢) انظر ذلك تصريحا أو مؤدّى في : الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٦ ـ ١٣١ ، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٥٦ ـ ٥٨ ، تمهيد الأوائل : ٣١٩ ـ ٣٢٢ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ـ ١٧٠ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٣ ـ ٨٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، المسائل الخمسون : ٦٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ ، شرح العقائد النسفية : ١٣٨ ـ ١٤١ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٢٥١

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله تعالى مريد لجميع الكائنات ، غير مريد لما لا يكون ، فكلّ كائن مراد له ، وما ليس بكائن ليس بمراد له(٢) .

ومذهب المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية : إنّه تعالى مريد للمأمور به ، كاره للمعاصي والكفر(٣) .

ودليل الأشاعرة : إنّه تعالى خالق الأشياء كلّها ، وخالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضرورة(٤) ، والصفة المرجّحة لأحد المقدورين هو الإرادة ، ولا بدّ منها.

فإذا ثبت أنّه مريد لجميع الكائنات.

وأمّا المعتزلة ، فإنّهم لمّا ذهبوا إلى أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم ، وأثبتوا في الوجود تعدّد الخالق ، يلزمهم نفي الإرادة العامّة ، فالله تعالى عندهم يريد الطاعات ويكره المعاصي ، فيأمر بالطاعات وينهى عن المعاصي لأنّها ليست من خلقه.

وعند الأشاعرة : إنّه تعالى يريد الطاعات ويأمر بها ـ وهذا ظاهر ـ ،

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٧٠ ، الأربعين في أصول الدين ١ / ٣٤٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

(٣) انظر ذلك صراحة أو مضمونا في : شرح الأصول الخمسة : ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ، شرح جمل العلم والعمل : ٥٦ ـ ٦٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

(٤) المسائل الخمسون : ٥٩ ـ ٦٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٤.

٢٥٢

ويريد المعاصي وينهى عنها(١) .

والأمر غير الإرادة ـ كما مرّ في الفصل السابق ـ ، وليس المراد من الإرادة الرضا والاستحسان

فقوله : إنّ الأشاعرة يقولون : « إنّ الله تعالى يأمر بما لا يريده » أراد به أنّ الله تعالى يأمر بإيمان الكافر ولا يريده.

فالمحذور الذي ذكره من مخالفة العقلاء ناشئ من عدم تحقّق معنى الإرادة

فإنّ المراد بالإرادة هاهنا هو التقدير والترجيح في الخلق ، لا الرضا والاستحسان كما هو المتبادر ، فذهب إلى اعتبار معنى الإرادة بحسب العرف.

وإذا تحقّقت معنى الإرادة علمت مراد الأشاعرة ، وأنّه لا نسبة للجهل والسفه إلى الله ، تعالى عن ذلك كما ذكره.

* * *

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٢٥٣

وأقول :

لا يخفى أنّ المصنّف ; قد ذكر أمرا ضروريا ، وهو : أنّ أمر العاقل بشيء دليل على رضاه به ، وإرادته له من الغير ؛ وأنّ نهيه عن شيء دليل على عدم رضاه به ، وكراهته له.

وذكر أنّ الأشاعرة خالفوا العقلاء في ذلك فقالوا : إنّ الله سبحانه يأمر بما لا يرضى ولا يريد ، وينهى عمّا يرضى ويريد

ووجهه : إنّ الأفعال عندهم مخلوقة لله تعالى ، وبالضرورة أنّ الفاعل القادر المختار إنّما يفعل ما يرضى ويريد ، ويترك ما لا يرضى ولا يريد.

فإذا فرض أنّه سبحانه أمر بما ترك ، فلا بدّ أن يكون قد أمر بما لا يرضى ولا يريد

وإذا فرض أنّه نهى عمّا فعل ، فلا بدّ أن يكون قد نهى عمّا رضي وأراد.

وهذا يستوجب السفه ، تعالى الله عنه وعن كلّ نقص.

وحاصل جواب الفضل ـ بعدما أطال في فضول الكلام ـ أنّ معنى الإرادة في كلام الأشاعرة : هو التقدير.

فيكون معنى قولهم : يأمر بما لا يريد ، وينهى عمّا يريد ؛ أنّه يأمر بما لا يقدّر ، وينهى عمّا يقدّر ؛ وهذا لا يستلزم السفه.

وفيه : إنّ تقدير الشيء وإيجاده فرع الرضا به والإرادة له ، وإنّ عدم تقدير الشيء وعدم إيجاده فرع عدم الرضا به وعدم الإرادة له.

٢٥٤

فإذا فرض أنّ الله سبحانه أمر بما لم يقدّر ونهى عمّا قدّر ، فقد لزم أن يكون آمرا بما لا يرضى ولا يريد ، وناهيا عمّا يرضى ويريد ؛ وهو السفه ، تعالى الله عنه وجلّ شأنه.

على إنّ تفسيره للإرادة بالتقدير خطأ ؛ لأنّها صفة ، والتقدير فعل!

ثمّ إنّ قوله : « وعند الأشاعرة أنّه تعالى يريد الطاعات ويأمر بها ».

غير متّجه ؛ لأنّه إن قصد كلّ الطاعات فغير صحيح ؛ لأنّه تعالى عندهم إنّما أراد بعضها ، وهو ما أوجده خاصة.

وإن أراد بعضها ، فذكره له فضلة ؛ لأنّ كلام المصنّف ; تعالى ليس في المراد عندهم من الطاعات ، بل في غير المراد الذي لم يتعلّق به الوجود.

وإنّما قيّد المصنّف بالدوام في ما نقله عنهم بقوله : « قالوا : إنّ الله تعالى يأمر دائما بما لا يريد » للإشارة إلى استمرار ترك الطاعات باستمرار الأزمنة ، أو إلى أنّ أمره بما لا يريده دائم بدوام ذاته على ما زعموه من الكلام النفسي!

والله العالم.

* * *

٢٥٥
٢٥٦

كلامه تعالى صدق

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

المطلب الخامس

في أنّ كلامه تعالى صدق

إعلم أنّ الحكم بكون كلام الله صادقا لا يجوز عليه الكذب ، إنّما يتمّ على قواعد العدلية(٢) ، الّذين أحالوا صدور القبيح عنه تعالى من حيث الحكمة.

ولا يتمشّى على مذهب الأشاعرة لوجهين :

الأوّل : إنّهم أسندوا جميع القبائح إليه تعالى ، وقالوا : لا مؤثّر في الوجود ـ من القبائح بأسرها ، وغيرها ـ إلّا الله تعالى(٣) ، ومن يفعل أنواع

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٣ ـ ٦٤.

(٢) هو اسم يطلق على الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة ؛ لأنّهم قائلون بالعدل الإلهي إلّا أنّ مراد المصنّف ١ هنا هو الإمامية ؛ لاقتضاء مقام البحث.

(٣) خلق أفعال العباد ـ للبخاري ـ : ٢٥ ـ ٢٦ ، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٧١ ـ ٧٢ ، الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٦ ـ ١٣١ المسألة ١٩٤ ـ ٢٠٥ وص ١٤٢ ذيل المسألة ٢٢٦ وص ١٤٦ جواب ٢٣٣ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣١٩ ، الإنصاف ـ للباقلّاني ـ : ٤٣ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٩٩ ، الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١١٥ ـ ١١٦ الدعوى الرابعة ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٣ ،

٢٥٧

[ الشرك و ] الظلم والجور والعدوان وأنواع المعاصي [ وإلقبائح المنسوبة إلى البشر ] كيف يمتنع أن يكذب في كلامه؟! وكيف يقدر الباحث على إثبات وجوب كونه صادقا؟!

الثاني : إنّ الكلام النفساني عندهم مغاير للحروف والأصوات(١) ، ولا طريق لهم إلى إثبات كونه تعالى صادقا في الحروف والأصوات!

* * *

__________________

الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢٠ الفرقة الرابعة ، المسائل الخمسون : ٥٩ ـ ٦٠ المسألة ٣٤ ، شرح العقائد النسفية : ١٣٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٢٣ و ٢٣٨ وما بعدها ، شرح المواقف ٨ / ١٤٥ ـ ١٤٦ و ١٧٣ ـ ١٧٤ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١٢٠ ـ ١٢١.

(١) الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ٧٥ ، المسائل الخمسون في أصول الدين : ٥٤ المسألة ٢٩ ، شرح العقائد النسفية : ١٠٨ ـ ١٠٩ ، شرح المقاصد ٤ / ١٤٣ ـ ١٤٦ ، شرح المواقف ٨ / ٩٣ ـ ٩٤.

٢٥٨

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه تعالى يمتنع عليه الكذب ، ووافقهم المعتزلة في ذلك

أمّا عند الأشاعرة : فلأنّه نقص ، والنقص على الله تعالى محال

وأمّا عند المعتزلة : فلأنّ الكذب قبيح ، وهو سبحانه لا يفعل القبيح(٢) .

وقال صاحب « المواقف » : إعلم أنّه لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه ، فإنّ النقص في الأفعال هو القبح العقلي بعينه فيها ، وإنّما تختلف العبارة(٣) .

أقول :

الفرق أنّ النقص هنا يراد به النقص في الصفات ، فإنّه على تقدير جواز الكذب عليه تتّصف ذاته بصفة النقص ، وهم لم يقولوا هاهنا بالنقص في الأفعال ؛ حتّى لا يكون فرقا بينه وبين القبح العقلي كما ذكره صاحب « المواقف ».

فحاصل استدلال الأشاعرة : إنّه تعالى لو كان كاذبا لكان ناقصا في

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) شرح الأصول الخمسة : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٠.

(٣) المواقف : ٢٩٦ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ١٠١.

٢٥٩

صفته كما إنّهم يقولون : لو كان عاجزا أو جاهلا ، لكان ناقصا في صفته.

ولم يعتبروا ما يلزم ذلك النقص من القبح الذي يقول به المعتزلة.

فتأمّل ، والفرق دقيق!

ثمّ إنّ ما ذكره من أنّ عدم جواز الكذب عليه لا يتمشّى على قواعد الأشاعرة ، فهذا كلام باطل عار عن التأمّل!

فإنّ القول بأن لا مؤثّر في الوجود إلّا الله ، لا يستلزم إسناد القبائح إليه ؛ لأنّ فعل القبائح من مباشرة العبد ، فهو غير مستند إلى الخالق.

ثمّ من خلق القبائح فلا بدّ أن يكذب ، ولا يجوز أن يكون صادقا.

هذا غاية الجهل والعناد والخروج عن قاعدة البحث ، بحيث لو نسب هذا الكلام إلى العوامّ استنكفوا منه.

وأمّا ثاني الاستدلالين على عدم التمشّي ؛ فهو أيضا باطل صريح ، فإنّ من قال : امتنع الكذب عليه للزوم النقص ، فهذا الكذب يتعلّق بالدالّ على المعنى النفساني ، وهو أيضا نقص ، فكيف لا يتمشّى؟!

* * *

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456