دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147675 / تحميل: 5891
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

أكله ، وليس بنجس إنّ مات فيما تولد فيه إجماعاً ، وإذا خرج فكذلك عندنا.

وللشافعي قولان ، وكذا في أكله عنده قولان : أظهرهما : التحريم مع الانفراد(1) .

الخامس : لو وقع الذباب وشبهه في ماءً قليل ومات فيه ، لم ينجسه عندنا ، وللشافعي قولان(2) .

ولو تغير الماء به فكذلك عندنا ، وللشافعي ـ على تقدير عدم النجاسة بالملاقاة ـ وجهان(3) ولو سلبه الاطلاق فمضاف طاهر.

السادس : حيوان الماء المحرم مما له نفس سائلة إذا مات في ماءً قليل نجسه عندنا ، لأنّفعال القليل بالنجاسة ، وبه قال الشافعي(4) .

وقال أبو حنيفة : لا ينجس ، لأنّه يعيش في الماء فلا ينجس بموته فيه ، كالسمك(5) . ويبطل بالفرق.

وما لا نفس له سائلة ـ كالضفدع ـ لا ينجس به الماء القليل ، وبه قال أبو حنيفة(6) ، خلافاً للشافعي(7) .

السابع : الجنين الذي يوجد ميتاً عند ذبح الاُم ـ إذا كان تاماً ـ حلال

__________________

1 ـ الوجيز 1 : 6 ، فتح العزيز 1 : 167 ـ 169 ، المجموع 1 : 131.

2 ـ الاُم 1 : 5 ، المجموع 1 : 129 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المبسوط للسرخسي 1 : 51.

3 ـ المجموع 1 : 130.

4 ـ الاُم 1 : 5 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 131.

5 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 19.

6 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، بدائع الصنائع 1 : 79.

7 ـ الاُم 1 : 5 ، فتح العزيز 1 : 163 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19.

٦١

طاهر ، وإن لم تتم خلقته كان حراماً نجساً.

الثامن : المتكون من النجاسات ـ كدود العذرة ـ طاهر ، للعموم ، وكذا الدود المتولد من الميتة ، وفي وجه للشافعي : أنّه نجس(1) .

التاسع : يكره ما مات فيه الوزغ والعقرب ، وقول ابن بابويه : إذا ماتت العضاء‌ة في اللبن حرم(2) ، لرواية عمار(3) ، ضعيف ، ويحمل على الكراهة ، أو على التحريم للتضرر ، لا للنجاسة.

العاشر : لو وقع الصيد المجروح الحلال في الماء فمات ، فإن كانت حياته مستقرة فالماء نجس ، والصيد حرام ، وإن كانت حياته غير مستقرة فالضد منهما ، وإن اشتبه حكم بالأصلين فيهما على إشكال ينشأ من تضادهما ، فالاحوط التحريم فيهما.

الحادي عشر : جلد الميتة نجس بإجماع العلماء ، إلّا الزهري ، والشافعي في وجه ، فإنه طاهر عندهما(4) .

الثاني عشر : عظم الحيوان وقرنه وظفره وسنه لا تحلها الحياة فهي طاهرة ، وبه وقال أبو حنيفة(5) ، وقال الشافعي : إنّها نجسة لنموها(6) .

الثالث عشر : الشعر والصوف والريش من الميتة طاهر ، إلّا من نجس العين على ما تقدم ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ـ في أحد القولين ـ لأنّها

__________________

1 ـ المجموع 1 : 131.

2 ـ الفقيه 1 : 15 ذيل الحديث 32 ، والمقنع : 11.

3 ـ التي رواها الشيخ كاملة في التهذيب 1 : 285 / 832.

4 ـ المجموع : 217.

5 ـ المجموع 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 78 ، الهداية للمرغيناني 1 : 21 ، شرح فتح القدير 1 : 84 ، اللباب 1 : 24.

6 ـ المجموع 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 78 ، شرح العناية 1 : 84.

٦٢

لا تحلها الحياة ، وفي الآخر : إنّها نجسة لنمائها(1) .

ولو جز من حيوان ـ لا يؤكل لحمه ـ حي فطاهر عندنا ، خلافاً له(2) ولو جز من مأكول فهو طاهر إجماعا.

ولو نتف منه حياًَ فكذلك عندنا ، وللشافعي وجهان : النجاسة لأنّه ترك طريق إباحته ، وهو الجز فصار كخنق الشاة ، والطهارة لكثرة الالم فهو كالتذكية(3) .

الرابع عشر : ما لا يؤكل لحمه إذا وقعت عليه الذكاة فذكي كان لحمه وجلده طاهرين ، عملاً بالأصل.

وقال الشافعي : نجسان ، لأنّ التذكية لم تبح اللحم ، فلا تفيده الطهارة(4) .

وقال أبو حنيفة : الجلد طاهر ، وفي اللحم روايتان(5) .

الخامس عشر : البيضة في الميتة طاهرة إنّ اكتست الجلد الفوقاني ، وإلّا فلا ، وقال الشافعي : إنّها نجسة(6) ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام (7) .

__________________

1 ـ المجموع 1 : 231 ـ 232 و 236 ، شرح العناية 1 : 84 ، بداية المجتهد 1 : 78.

2 ـ المجموع 1 : 241 ـ 242 ، المهذب للشيرازي 1 : 18.

3 ـ المجموع 1 : 241 ـ 242.

4 ـ المجموع 1 : 245 ، المهذب للشيرازي 1 : 18.

5 ـ المجموع 1 : 245 ، اللباب 3 : 230 ، شرح فتح القدير 1 : 84 ، الهداية للمرغيناني 1 : 21.

6 ـ المجموع 1 : 244.

7 ـ المجموع 1 : 245.

٦٣

والمشيمة نجسة.

السادس عشر : في لبن الشاة الميتة روايتان(1) ، أقواهما : التحريم والنجاسة ، لملاقاة النجاسة ، وللشافعي وجهان(2) .

مسألة 20 : الخمر نجسة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ابن بابويه ، وابن أبي عقيل(3) ، وقول عامة العلماء أيضاً إلّا داود ، وربيعة ، وأحد قولي الشافعي(4) . لقوله تعالى : (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس )(5) والرجس لغة : النجس ، ولأنّ ما حرم على الاطلاق كان نجساً كالدم والبول ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى تغسله »(6) .

وقولهمعليهم‌السلام : « إنّ الله حرم شربها ، ولم يحرم الصلاة فيها »(7) . لا يدل على الطهارة ، واستصحاب حال كونه عصيراً ـ كما قاله داود ـ(8) ضعيف.

__________________

1 ـ فالدالة على الحلية ما في الكافي 6 : 258 / 3 ، الفقيه 3 : 216 / 1006 و 219 / 1011 ، التهذيب 9 : 75 / 320 و 76 / 324 ، الاستبصار 4 : 88 / 328 و 89 / 339 ، الخصال 2 : 434 / 19 وغيرها ، ومن الدالة على التحريم ما روي في التهذيب 9 : 77 / 325 ، الاستبصار 4 : 89 / 340 ، قرب الاسناد : 64 ، وغيرها.

2 ـ المجموع 1 : 244.

3 ـ الفقيه 1 : 160 / 752 ، علل الشرائع : 357 باب 72 ، وحكى المحقق قول ابن ابي عقيل في المعتبر : 117.

4 ـ المجموع 2 : 563 ، فتح العزيز 1 : 156 ، تفسير القرطبي 6 : 288 ، الميزان 1 : 105 ، مغني المحتاج 1 : 77.

5 ـ المائدة : 90.

6 ـ التهذيب 1 : 278 / 817 ، الاستبصار 1 : 189 / 660.

7 ـ الفقيه : 160 / 752 ، علل الشرائع : 357 باب 72 ، قرب الاسناد : 16.

8 ـ المجموع 2 : 563 ، الميزان 1 : 105.

٦٤

فروع :

الأول : كلّ المسكرات كالخمر في التحريم والنجاسة ، لقول الكاظمعليه‌السلام : « وما عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر »(1) وقول الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ مسكر خمر »(2) .

وقال أبو حنيفة : النبيذ طاهر ، وهو أحد قولي الشافعي(3) .

الثاني : العصير إذا غلى حرم حتى يذهب ثلثاه ، وهل ينجس بالغليان أو يقف على الشدة؟ إشكال.

الثالث : الفقاع كالخمر عندنا في التحريم والنجاسة ـ خلافاً للجمهور(4) ـ لقول الرضاعليه‌السلام : « هو خمر مجهول »(5) .

الرابع : الخمر إذا انقلبت خلاً طهر إجماعاً ، ولو لاقته نجاسة ، أو عصره مشرك لم يطهر بالأنّقلاب.

الخامس : بواطن حبات العنقود إذا استحال ما فيها خمراً كان نجساً ، وهو أحد قولي الشافعي(6) .

السادس : المسكرات الجامدة ليست نجسة وإن حرمت ، ولو تجمّد الخمر ، أو ما مازجه لم يخرج عن نجاسته ، وكذا لو سال الجامد بغير

__________________

1 ـ الكافي 6 : 412 / 2 ، التهذيب 9 : 112 / 486.

2 ـ الكافي 6 : 408 / 3 ، التهذيب 9 : 111 / 482.

3 ـ المجموع 1 : 93 و 2 : 564 ، فتح العزيز 1 : 158 ، مغني المحتاج 1 : 77 ، تفسير القرطبي 13 : 51 ، بداية المجتهد 1 : 33.

4 ـ بدائع الصنائع 5 : 117 ، المبسوط للسرخسي 24 : 17 ، المغني 10 : 337 ، رحمة الامة 2 : 170 ، المنتقى للباجي 3 : 150.

5 ـ الكافي 6 : 422 / 1 ، التهذيب 9 : 124 / 539 ، الاستبصار 4 : 95 / 368.

6 ـ المجموع 2 : 564 ، مغني المحتاج 1 : 77.

٦٥

ممازجة لم يخرج عن طهارته.

مسألة 21 : الكلب والخنزير نجسان عيناً ولعاباً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وعروة بن الزبير ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وأحمد(1) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات )(2) ، وقول الصادقعليه‌السلام عن الكلب : « رجس نجس »(3) .

وقال أبو حنيفة : الكلب طاهر ، والخنزير نجس ، لعدم وجوب غسل ما عضه الكلب من الصيد(4) ، وهو ممنوع.

وقال الزهري ، ومالك ، وداود : الكلب والخنزير طاهران(5) .

فروع :

الأول : الحيوان المتولد منهما يحتمل نجاسته مطلقاًً ، واعتبار اسم أحدهما ، والمتولد من أحدهما وما غايرهما يتبع الاسم.

الثاني : كلّ أجزاء الكلب والخنزير وان لم تحلها الحياة نجسة ، خلافاً للمرتضى(6) .

__________________

1 ـ السراج الوهاج : 22 ، المجموع 2 : 567 ـ 568 ، الاشباه والنظائر للسيوطي : 431 ، مغني المحتاج 1 : 78 ، المحلى 1 : 112 ، الاُم 1 : 5 ، نيل الأوطار 1 : 42.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 234 / 91 و 92 ، سنن أبي داود 1 : 19 / 71 ، مسند أحمد 2 : 427.

3 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40.

4 ـ شرح فتح القدير 1 : 82 ، الهداية للمرغيناني 1 : 20 ، الكفاية 1 : 82 ، شرح العناية 1 : 82 ، المبسوط للسرخسي 1 : 48 ، بدائع الصنائع 1 : 63.

5 ـ المجموع 2 : 567 ـ 568 ، مغني المحتاج 1 : 78 ، نيل الأوطار 1 : 43 ، الشرح الصغير 1 : 18 ، تفسير القرطبي 13 : 45 ، المبسوط للسرخسي 1 : 48 ، فتح العزيز 1 : 161 ، بداية المجتهد 1 : 29 ، المدونة الكبرى 1 : 5.

6 ـ الناصريات : 218 المسألة 19.

٦٦

الثالث : كلب الماء طاهر بالأصل ، خلافاً لابن ادريس(1) ، ولا يجوز حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز بغير قرينة.

الرابع : الأقرب طهارة الثعلب ، والأرنب ، والفأرة ، والوزغة ـ وهو قول المرتضى ، وأحد قولي الشيخ(2) ـ عملاً بالأصل ، والنص الدال على طهارة سؤر ما عدا الكلب والخنزير(3) .

احتج الشيخ بأمر الكاظمعليه‌السلام بغسل أثر ما أصابته الفأرة الرطبة(4) ، وأمر الصادقعليه‌السلام بغسل اليد من مسّ الثعلب والأرنب(5) وهو محمول على الاستحباب.

مسألة 22 : الكافر عندنا نجس لقوله تعالى :( إنّما المشركون نجس ) (6) والحذف على خلاف الأصل ، والوصف بالمصدر جائز لشدة المعنى ، وقوله تعالى :( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (7) ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سئل إنا بأرض قوم أهل كتاب نأكل في آنيتهم؟ : ( لا تأكلوا فيها إلّا ان لا تجدوا غيرها ، فاغسلوها ثم كلوا فيها )(8) .

وسئل الصادقعليه‌السلام عن سؤر اليهودي والنصراني.

__________________

1 ـ السرائر : 208.

2 ـ الناصريات : 216 المسألة 9 ، جمل العلم والعمل : 49 ، الخلاف 1 : 187 مسألة 144.

3 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ـ 647 و 261 / 760 ، الاستبصار 1 : 19 / 40 ـ 41.

4 ـ التهذيب 1 : 261 / 761 ، الكافي 3 : 60 / 3.

5 ـ التهذيب 1 : 262 / 763 ، الكافي 3 : 61 / 4.

6 ـ التوبة : 28.

7 ـ الأنعام : 125.

8 ـ سنن البيهقي 1 : 33 ، مستدرك الحاكم 1 : 143.

٦٧

فقال : « لا »(1) .

فروع :

الأول : لا فرق بين أن يكون الكافر أصلياً أو مرتداً ، ولا بين أن يتدين بملة أو لا ، ولا بين المسلم إذا أنكر ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة وبينة ، وكذا لو اعتقد المسلم ما يعلم نفيه من الدين ضرورة.

الثاني : حكم الشيخ بنجاسة المجبرة والمجسمة(2) ، وقال ابن ادريس بنجاسة كلّ من لم يعتقد الحق إلّا المستضعف(3) ، لقوله تعالى :( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (4) .

والأقرب طهارة غير الناصب لأنّ علياًعليه‌السلام لم يجتنب سؤر من باينه من الصحابة.

الثالث : الناصب ـ وهو من يتظاهر ببغضه أحد من الائمةعليهم‌السلام ـ نجس ، وقد جعله الصادقعليه‌السلام شراً من اليهود والنصارى(5) ، والسر فيه أنهما منعا لطف النبوة وهو خاص ، ومنع هو لطف الامامة وهو عام.

وكذا الخوارج لانكارهم ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، والغلاة أيضاً أنجاس لخروجهم عن الإسلام وان انتحلوه.

الرابع : أولاد الكفار حكمهم حكم آبائهم ، وهل يتبع المسبي السابي

__________________

1 ـ الكافي 3 : 11 / 5 ، التهذيب 1 : 223 / 638 ، الاستبصار 1 : 18 / 36.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 14.

3 ـ السرائر : 13.

4 ـ الأنعام : 125.

5 ـ الكافي 3 : 11 / 6 ، التهذيب 1 : 223 / 639 ، الاستبصار 1 : 18 / 37.

٦٨

في الإسلام؟ اشكال.

الخامس : قال ابن بابويه : لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا(1) ، وحكم ابن ادريس بنجاسته لأنّه كافر(2) ، وهو ممنوع ، والأقرب الطهارة.

تذنيب : ظهر مما قررناه أن النجاسات بالاصالة عشرة : البول ، والغائط ، والمني ، والدم ، والميتة ، والخمر ، والفقاع ، والكلب ، والخنزير ، والكافر ، وما عدا ذلك طاهر ، تعرض له النجاسة بملاقاة أحدها رطبا.

* * *

__________________

1 ـ الهداية : 14 ، الفقيه 1 : 8.

2 ـ السرائر : 81 ، 183 ، 241 ، 287.

٦٩
٧٠

الفصل الثاني : في أحكام النجاسات

مسألة 23 : النجاسات غير الدم يجب إزالة قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن ، سواء قلّت أو كثرت عند علمائنا أجمع ، إلّا ابن الجنيد(1) ، وبه قال الشافعي(2) ، لقوله تعالى :( وثيابك فطُهر ) (3) وقولهعليه‌السلام : ( تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه )(4) .

وقال ابن الجنيد : إن قلّت عن الدرهم فمعفو ، كالدم(5) . وبه قال أبو حنيفة(6) ، وهو قياس في معارضة النص ، فيرد.

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 118.

2 ـ المجموع 3 : 131 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، كفاية الأخيار 1 : 55 ، الوجيز 1 : 8 ، الهداية للمرغيناني 1 : 35.

3 ـ المدثر : 4.

4 ـ سنن الدارقطني 1 : 127 و 128 / 2 و 7 و 9.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 118.

6 ـ اللباب 1 : 52 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، فتح القدير 1 : 177 ، المحلى 1 : 94 ، بدائع الصنائع 1 : 80.

٧١

وقال مالك : لا يجب إزالة النجاسة مطلقاًً ، قلت أو كثرت(1) لقول ابن عباس : ليس على الثوب جنابة(2) ، ولا دلالة فيه.

وقال أبو حنيفة : النجاسة المغلظة يجب إزالة ما زاد على الدرهم ، والمخففة لا يجب إلّا أن يتفاحش(3) .

واختلف أصحابه في التفاحش ، قال الطحاوي : التفاحش أن يكون ربع الثوب(4) ، وقال بعضهم : ذراع في ذراع(5) ، وقال أبوبكر الرازي : شبر في شبر(6) ، وكل ذلك تخمين.

و أما الدم منها فإن كان حيضاً ، أو استحاضة ، أو نفاساً ، وجب ازالة قليله وكثيره ـ خلافاً لأحمد حيث عفى عن يسيره(7) ـ لقول الصادقعليه‌السلام عن الحائض : « تغسل ما أصاب ثيابها من الدم »(8) ولأنّه مقتضى الدليل.

وألحق به القطب الراوندي دم الكلب والخنزير ـ(9) ، واستبعده ابن ادريس(10) .

ــــــــــــــــــ

1 ـ الكافي في فقه أهل المدينة : 17 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، نيل الأوطار 2 : 119.

2 ـ مصنف عبدالرزاق 1 : 372 / 1450.

3 ـ اللباب 1 : 51 ـ 52 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، شرح فتح القدير 1 : 177 ـ 178.

4 ـ حلية العلماء 2 : 44.

5 ـ بدائع الصنائع 1 : 80 ، شرح فتح القدير 1 : 178 ، حلية العلماء 2 : 44.

6 ـ حلية العلماء 2 : 44.

7 ـ المغني 1 : 59 ، الشرح الكبير 1 : 61.

8 ـ الكافي 3 : 109 / 1 ، التهذيب 1 : 270 / 652 الاستبصار 1 : 186 / 652.

9 ـ حكاه ابن ادريس في السرائر : 35.

10 ـ السرائر : 35.

٧٢

والحق عندي اختيار القطب ، ويلحق به أيضاً دم الكافر ، والضابط دم نجس العين ، لحصول حكم طارئ للدم ، وهو ملاقاته لنجس العين ، وكذا كلّ دم أصابه نجاسة غيره.

وإن كان دم قرح أو جرح سائلا لازما لم تجب إزالته ـ وإن كثر مع نجاسته ، سواء الثوب والبدن في ذلك ـ للمشقة ، ولقولهمعليهم‌السلام عن دم القروح التي لا تزال تدمي : « يصلّي »(1) .

وان كانت الدماء تسيل ، فإن انقطع السيلان اعتبر بالدرهم ، لزوال حرج إزالته.

وإن كان مغايراً لهذين القسمين من المسفوح كدم الفصاد والبثور والذبيحة كان نجساً وتجب إزالته إنّ زاد على الدرهم البغلي إجماعاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « وان كان أكثر من قدر الدرهم ورآه ولم يغسله وصلّى فليعد صلاته »(2) .

وان نقص عنه لم تجب إزالته إجماعاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم »(3) وفي الدرهم قولان لعلمائنا(4) ، أحوطهما : الوجوب.

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 256 / 744 ، الاستبصار 1 : 177 / 615.

2 ـ التهذيب 1 : 255 / 739 ، الاستبصار 1 : 175 / 610.

3 ـ التهذيب 1 : 256 / 742 ، الاستبصار 1 : 176 / 612.

4 ـ ممن ذهب إلى الوجوب السيد المرتضى في الانتصار : 13 ، وابن أبي عقيل على ما حكاه المصنف عنه في مختلف الشيعة : 60 ، وسلار في المراسم : 55.

وإلى عدمه الشيخ في المبسوط 1 : 35 ، والمفيد في المقنعة : 10 ، والصدوق في الهداية : 15 ، وابن البراج في المهذب 1 : 51.

٧٣

فروع :

الأول : قسم الشافعي النجاسة إلى دم وغيره ، والأول : إن كان من ذي النفس السائلة ففي قول عنه : أنّه غير معفو عنه مطلقاً. وفي القديم : يعفى عما دون الكف ، وفي ثالث : يعفى عن قليله ، وهو ما لم يتفاحش.

وإن كان من غير ذي النفس فهو نجس يعفى عما قل ، دون المتفاحش ، وغير الدم لا يعفى عن قليله ولا كثيره(1) .

الثاني : الدرهم البغلي هو المضروب من درهم وثلث ، منسوب إلى قرية بالجامعين(2) ، وابن أبي عقيل قدّره بسعة الدينار(3) ، وابن الجنيد بأنملة الإبهام(4) .

الثالث : هذا التقدير في المجتمع ، والأقرب في المتفرق ذلك لو جمع ، فيجب إزالته ، أو ما يحصل معه القصور ، وقال الشيخ : ما لم يتفاحش(5) .

الرابع : لو لاقت نجاسة غير الدم ما عفي عنه منه لم يبق عفو ، سواء لاقت قبل الاتصال بالمحل أو بعده.

مسألة 24 : نجس العين لا يطهر بحال ، إلّا الخمر تتخلل ، والنطفة والعلقة [ والمضغة ](6) والدم في البيضة اذا صارت حيوانا إجماعاً ، ودخان

__________________

1 ـ المهذب للشيرازي 1 : 67 ، المجموع 3 : 133 ـ 135 ، حلية العلماء 2 : 42 ـ 43.

2 ـ الجامعين : هي حلة بني مزيد التي بأرض بابل على الفرات بين بغداد والكوفة. معجم البلدان 2 : 96. وللتوسعة في بحث الدرهم اُنظر : العقد المنير فيما يتعلق بالدراهم والدنانير.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر 119.

4 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 119.

5 ـ النهاية : 52.

6 ـ الزيادة من النسخة « م ».

٧٤

الاعيان النجسة عندنا ـ وهو أحد وجهي الشافعي(1) ـ وما أحالته النار عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(2) ، فإن الاستحالة أبلغ في الإزالة من الغسل ، خلافاً للشافعي(3) ، لأنّها لم تنجس بالاستحالة فلم تطهر بها ، والملازمة ممنوعة.

ولو وقع في القدر ـ وهي تغلي على النار ـ دم ، قال بعض علمائنا : تطهر بالغليان ، لأنّ النار تحيل الدم(4) ، وفيه ضعف ، ولو كان غير الدم لم تطهر إجماعا.

ولو استحال الخنزير ـ وغيره من العينيات ـ ملحاً في المملحة ، أو الزبل الممتزج بالتراب ـ حتى طال عهده ـ ترابا ، قال أبو حنيفة : يطهر ، وللشافعي وجهان(5) ، وعندي في ذلك تردد ، وللشيخ قولان في تراب القبر بعد صيرورة الميت رميماً(6) .

و أما النجس بالملاقاة فعلى أقسام :

الأول : الحصر ، والبواري ، والارض ، والثابت(7) فيها ، والأبنية ، تطهر بتجفيف الشمس خاصة من البول وشبهه ، كالماء النجس ، وإن كان خمراً إذا ذهبت الآثار.

____________

1 ـ المجموع 2 : 579.

2 ـ المجموع 2 : 579 ، بدائع الصنائع 1 : 85.

3 ـ المجموع 2 : 579.

4 ـ الصدوق في المقنع : 12.

5 ـ المجموع 2 : 579 ، السراج الوهاج : 23 ، مغني المحتاج 1 : 81 ، بدائع الصنائع 1 : 85 ، حلية العلماء 1 : 245.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 32 و 93.

7 ـ في نسخة « ش » : والنابت ، والصحيح ظاهراً ما اثبت من نسخة « م ».

٧٥

وقال بعض علمائنا : لا يطهر ، وان جازت الصلاة عليها(1) .

ولو جفّ بغير الشمس أو بقيت عينه لم يطهر إجماعاً ، وللشيخ منع في غير البول(2) .

وما اخترناه قول أبي حنيفة وصاحبيه ، والشافعي في القديم(3) ، لأنّ الأرض والشمس من شأنهما الاحالة ، وهي أبلغ من تأثير الماء ، ولأنّ الشمس تفيد سخونة ، وهي تقتضي تصاعد أجزاء النجاسة ومفارقتها.

وقال مالك والشافعي ـ في الجديد ـ وأحمد وإسحاق : لا يطهر بتجفيف الشمس(4) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بصب الذنوب(5) ، ولو سلم لم يمنع.

وهل تطهر الأرض من بول الرجل بإلقاء ذنوب عليها ، بحيث يغمرها ، ويستهلك فيه البول ، فتذهب رائحته ولونه؟ قال الشيخ : نعم(6) ، وبه قال الشافعي(7) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بإراقة ذنوب من ماءً على بول

__________________

1 ـ ذهب إليه الشيخ في المبسوط 1 : 93 ، والمحقق في المعتبر : 124 ، وابن حمزة في الوسيلة : 79.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 93.

3 ـ المجموع 2 : 596 ، الاُم 1 : 52 ـ 53 ، النتف 1 : 33 ، البحر الزخار 2 : 25.

4 ـ الاُم 1 : 52 و 53 ، المجموع 2 : 596 ، القواعد في الفقه الاسلامي : 344 ، نيل الأوطار 1 : 52.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 380 ، صحيح مسلم 1 : 236 / 284 ، الموطأ 1 : 65 / 111.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 92.

7 ـ المجموع 2 : 591 ، الاُم 1 : 52 ، الوجيز 1 : 9 ، مغني المحتاج 1 : 85.

٧٦

الأعرابي(1) .

وقال أبو حنيفة : إنّ كانت رخوة ينزل فيها الماء كفاه الصب ، وإن كانت صلبة لم يجد فيها إلّا حفرها ونقل التراب ، لأنّ الماء المزال به النجاسة نجس ، فاذا لم يزل من الأرض كان على وجهها نجساً ، والأقرب أنها تطهر بتجفيف الشمس ، أو بإلقاء الكر ، أو الجاري ، أو المطر عليها(2) .

ولو سلم حديث الأعرابي حمل على الجفاف بالهواء ، فاعيدت الرطوبة لتجف بالشمس ، مع أن بعضهم روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بأخذ التراب الذي أصابه البول فيلقى ، ويصب على مكانه ماء‌اً(3) ، ونحن نقول بذلك.

فروع :

الأول : قال الشيخ : يحكم بطهارة الأرض التي يجري عليها وإليها(4) .

الثاني : قال الشيخ : لو بال اثنان وجب أن يطرح مثل ذلك ، وعلى هذا أبداً(5) .

__________________

1 ـ صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 380 ، سنن الترمذي 1 : 296 / 147 ، سنن الدارمي 1 : 189 ، صحيح مسلم 1 : 236 / 99 ، الموطأ 1 : 64 / 111 ، مسند أحمد 2 : 239 ، سنن ابن ماجة 1 : 176 / 529 و 530.

2 ـ المجموع 2 : 592 ، نيل الأوطار 1 : 52 ، فتح الباري 1 : 259 ، بدائع الصنائع 1 : 89.

3 ـ سنن أبي داود 1 : 103 / 381 ، سنن الدارقطني 1 : 132 / 4.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 93.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 92.

٧٧

الثالث : ليس للذنوب تقدير ، بل ما يقهر البول ويزيل لونه وريحه.

وقال الشافعي : يطرح سبعة أضعاف البول(1) .

الرابع : لو جفت هذه الاشياء بغير الشمس لم تطهر ، فإن رمي عليها ماءً طاهر ، أو نجس ، أو بول ، وجفت بالشمس طهرت باطناً وظاهراً.

وقال الشافعي في القديم : تطهر لو جفت بغير الشمس ـ كالريح ، وطول الزمان ـ ظاهرها ، وفي باطنها قولان(2) .

الخامس : ليس الثوب كالارض ، وهو أظهر وجهي الشافعي(3) ، لأنّ في أجزاء التراب فوة محيلة إلى صفة نفسها ، بخلاف الثوب ، فلا يطهر إلّا بالغسل بالماء.

الثاني : الجسم الصقيل كالمرآة والسيف ، قال المرتضى : يطهر بالمسح إذا أزال العين ، لأنّ المقتضي للنجاسة قد زال فيزول معلوله(4) ، وقال الشيخ : لا يطهر(5) . وهو الأقوى لأنّها حكم شرعي فيقف على مورده.

الثالث : العجين بالماء النجس لايطهر بالخبز ، لقول الصادقعليه‌السلام : « يدفن ولا يباع »(6) وللشيخ قولان(7) : أحدهما : الطهارة ، لقول

__________________

1 ـ الاُم 1 : 52 ، المجموع 2 : 592.

2 ـ اُنظر الاُم 1 : 52 ـ 53.

3 ـ الاُم 1 : 55 ، المجموع 2 : 596.

4 ـ حكاه عنه في الخلاف 1 : 479 مسألة 222 ، والمعتبر : 125.

5 ـ الخلاف 1 : 479 مسألة 222.

6 ـ الاستبصار 1 : 29 / 77 ، التهذيب 1 : 414 / 1306.

7 ـ قال بالطهارة في الاستبصار 1 : 29 ـ 30 حيث رجح في ذيل أخبار الباب القول بالطهارة ، والنهاية : 8. وبالنجاسة في التهذيب 1 : 414 ذيل الحديث 1306 والمبسوط 1 : 13.

٧٨

الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أكلت النار ما فيه »(1) وهو محمول على الاحالة ، إذ بدونها لم تأكل.

واللبن المضروب بماء نجس ، أو ببول يطهر بإحراقه آجراً ، قاله الشيخ(2) ، لأنّ النار أحالت الاجزاء الرطبة.

وقال الشافعي : لا يطهر ، إلّا أن يكاثره الماء فيطهر ظاهره ، أما باطنه فإن تفتت ترابا وكاثره الماء طهر ، ولا يطهر بالاحراق(3) .

الرابع : أسفل القدم والنعل ، وباطن الخف يطهر بالارض مع زوال النجاسة ، وبه قال أبو حنيفة(4) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فإن رأى في نعله أثرا ، أو أذى فليمسحها وليصل فيها )(5) .

وقالعليه‌السلام : ( إذا وطأ أحدكم الاذى بخفيه فإن التراب له طهور )(6) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس » وقد سئل عن وطئ العذرة بالخف ثم مسحت حتى لم ير شيئاً(7) .

ولا يشترط جفاف النجاسة ، ولا أن يكون لها جرم ، خلافاً لابي

__________________

1 ـ الاستبصار 1 : 29 / 75 ، التهذيب 1 : 414 / 1304 ، الفقيه 1 : 11 / 19.

2 ـ الخلاف 1 : 501 مسألة 241.

3 ـ المجموع 2 : 597 ، الاُم 1 : 53 ، فتح العزيز 1 : 251.

4 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 82 ، اللباب 1 : 50 ، الهداية للمرغيناني 1 : 34 ، نيل الأوطار 1 : 54 ، المجموع 2 : 598 ، المحلى 1 : 94.

5 ـ سنن ابي داود 1 : 175 / 650.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 105 / 385 ، مستدرك الحاكم 1 : 166.

7 ـ التهذيب 1 : 274 / 808.

٧٩

حنيفة(1) ، للعموم والاولوية.

مسألة 25 : ما عدا هذه الاشياء على أقسام :

الأول : الثوب يغسل من النجاسة العينية حتى يذهب العين والاثر ، وإن بقيت الرائحة واللون لعسر الإزالة ، وكذا غيره ، والمستحب صبغ أثر الحيض مع المشقة ، بالمشق وشبهه ، ويجب في الغسل أن يورد الماء على النجاسة ويغلبه عليها ، فلو أدخل الثوب أو غيره على الإناء لم يطهر ، ونجس الماء.

وللشافعي قول بعدم الطهارة مع بقاء الرائحة أو اللون وإن عسر زواله(2) ، وهو مردود ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخولة وقد سألته عن دم الحيض يبقى أثره : ( لا بأس به يكفيك ولا يضرك أثره )(3) .

ولو كانت النجاسة حكمية ، وهي التي لا تدرك بالحواس ، كالبول إذا جفّ على الثوب ، ولم يوجد له أثر ، يجب غسلها أيضاً عن الثوب والبدن وغيرهما.

ولا بد في غسل الثوب من العصر ـ وهو أحد قولىّ الشافعي(4) ـ لأنّ الغسالة نجسة ، فلا يطهر مع بقائها فيه ، ولا يكفي صب الماء ، ولا بد من الغسل مرتين.

__________________

1 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 82 ، الهداية للمرغيناني 1 : 34 ، فتح القدير 1 : 172 ، اللباب 1 : 50 ، المحلى 1 : 94.

2 ـ فتح العزيز 1 : 240 ، مغني المحتاج 1 : 85.

3 ـ سنن ابي داود 1 : 100 / 365 ، مسند أحمد 2 : 364 و 380.

4 ـ السراج الوهاج : 24 ، مغني المحتاج 1 : 85 ، المجموع 2 : 593 ، فتح العزيز 1 : 244.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وأقول :

إعلم أنّ الأشاعرة استدلّوا بلزوم النقص من الكذب على صدق كلامه تعالى مطلقا ، نفسيا ولفظيا ، لا خصوص اللفظي ، مع إنّه لو وقع الكذب في كلامه تعالى لكنّا أكمل منه في بعض الأوقات ؛ أعني وقت صدقنا وكذبه سبحانه(١) .

فأورد عليهم صاحب « المواقف » في عبارته المذكورة بأنّ هذا الدليل لا يثبت صدقه في الكلام اللفظي ؛ لأنّ اللفظ فعل ، والنقص في الأفعال عين القبح العقلي فيها(٢) ، والأشاعرة لا يقولون به فيها

فتخيّل الفضل أنّ مقصود صاحب « المواقف » أنّ المراد بالنقص في هذا الدليل هو النقص في الأفعال خاصة ، فأورد عليه بأنّ المراد هوالنقص في الصفة.

ومن العجب أنّه بعد إقراره بأنّ الأشاعرة لم يقولوا بالنقص في الأفعال ، أجاب بحسب ظاهر كلامه عن ثاني إيرادي المصنّف بأنّ الكذب في الكلام اللفظي أيضا نقص ؛ وهو تخليط ظاهر!

هذا ، وأجاب القوشجي عن إيراد صاحب « المواقف » بأنّ « مرجع الصدق والكذب إنّما هو المعنى دون اللفظ »(٣) .

ولمّا كان الكلام النفسي عندهم عين مدلول الكلام اللفظي ومعناه ،

__________________

(١) انظر : شرح المواقف ٨ / ١٠١.

(٢) المواقف : ٢٩٦ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ١٠١.

(٣) شرح التجريد : ٤٢١.

٢٦١

كان كذب الكلام اللفظي راجعا إلى كذب الكلام النفسي ، ولزم النقص في صفته تعالى.

وهو حسن لو لزم أن يكون لكلّ كلام لفظي مدلول نفسي ، حتّى اللفظي الكاذب ، وهو محلّ نظر ؛ لجواز أن يوجد اللفظ الخبري الكاذب ولا يحكم في نفسه على طبق معناه ، فلا يثبت حكم نفسي حتّى يكذّب ، فإنّ المدار في الكذب على الحكم.

نعم ، يكذّب اللفظي لاشتماله على الحكم الكاذب.

هذا ، ويشكل على الدليل المذكور ـ حتّى في إثبات صدقه تعالى في الكلام النفسي ـ أنّ محالية النقص عليه تعالى في صفته إنّما أثبتوها بالإجماع لا بالعقل ولذا قال القوشجي ـ في تقرير هذا الدليل ـ أنّ الكذب « نقص ، والنقص على الله تعالى محال إجماعا »(١) .

ولمّا قال صاحب « المواقف » في تقريره النقص على الله تعالى محال ، قيّد شارحها الحكم بالمحاليّة بقوله : « إجماعا »(٢) .

ومن المعلوم أنّ حجّية الإجماع إنّما تستند عندهم إلى قول النبيّ ، الموقوف اعتباره على ثبوت صدقه ، وثبوته يعلم من تصديق الله تعالى إيّاه ، الموقوف اعتباره على ثبوت صدق كلام الله تعالى ، فيتوقّف ثبوت صدق كلامه تعالى على ثبوته(٣) ، وهو دور!

وقد يجاب عنه بما أجابوا به عن نفس الإشكال ، حيث أورد به على دليلهم الآخر لصدق كلام الله تعالى ، وهو خبر النبيّ ٦ به ، بل إجماع

__________________

(١) شرح التجريد : ٤٢١.

(٢) المواقف : ٢٩٦ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ١٠١.

(٣) أي ثبوت صدق النبيّ.

٢٦٢

الأنبياء على صدق كلامه تعالى

فقالوا في الجواب : إنّ ثبوت صدق النبيّ غير موقوف على تصديق الله له بكلامه حتّى يلزم الدور ، بل على تصديق الله له بالمعجزة ، وهو تصديق فعلي لا قولي(١) .

وفيه : إنّ المعجزة إنّما تدلّ على إنّه مرسل من الله تعالى ، وأنّ ما جاء به من عنده ، لا على إنّ كلام النبيّ صدق مطابق للواقع مطلقا ، وإن كان من نفسه.

على إنّ إفادة المعجزة لليقين برسالته محلّ منع على مذهبهم كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.

وبالجملة : العلم بصدق النبيّ موقوف على تصديق الله تعالى إيّاه.

فإن ادّعوا تصديقه له بكلامه تعالى جاء الدور

وإن ادّعوا تصديقه بالمعجزة ، فإن كان اقتضاؤها ـ لصدق النبيّ في خبره بصدق كلام الله تعالى ـ ناشئا من إخبار الله بصدق نفسه ، رجع الدور إلى حاله ، وإلّا فلا تدلّ المعجزة على صدق النبيّ في خبره من نفسه.

على إنّ المعجزة ليست بأعظم من التصديق القولي ، وقد فرض الشكّ في صدقه.

ثمّ إنّ الأشاعرة استدلّوا بدليل ثالث على امتناع الكذب عليه تعالى ، وهو : إنّه تعالى لو اتّصف بالكذب لكان كذبه قديما ، إذ لا يقوم الحادث بذاته تعالى ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب ، وإلّا جاز زوال ذلك الكذب ، وهو محال ؛ فإنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه.

__________________

(١) انظر : المواقف : ٢٩٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

٢٦٣

واللازم : وهو امتناع الصدق عليه ، باطل ؛ فإنّا نعلم بالضرورة أنّ من علم شيئا أمكنه أن يخبر عنه على ما هو عليه(١) .

وفيه :

أوّلا : إنّ المقدّمة الأخيرة مبنية على اعتبار قياس الغائب على الشاهد ، وهو ممنوع ، كما ستعرف.

وثانيا : إنّ امتناع الصدق المقابل للكذب ليس ذاتيا ، بل لقدم هذا الكذب كما ذكر في الدليل ، فيكون امتناعا بالغير ، ولا نسلّم بطلانه ، إذ لا ضرورة تقضي بخلافه ، وإنّما تقضي الضرورة بإمكانه الذاتي ، وهو لا ينافي الامتناع بالغير.

وثالثا : إنّه يرد عليهم النقض بما ذكره القوشجي ، قال : « لو تمّ هذا الدليل لدلّ على امتناع صدقه تعالى أيضا بأن يقال : إنّ الله تعالى لو اتّصف بالصدق لكان صدقه قديما ، فيمتنع عليه الكذب المقابل لذلك الصدق ، ولكنّا نعلم بالضرورة أنّ من علم شيئا أمكنه أن يخبر عنه لا على ما هو عليه »(٢) .

ورابعا : إنّه لم تمّ هذا الدليل ، وأعرضنا عمّا يرد عليه ، لم يثبت به إلّا صدق كلامه النفسي ؛ لأنّه هو القديم ، والحال أنّ الأهمّ بيان صدق كلامه اللفظي ، كما بيّن هذا في « المواقف » وشرحها(٣) .

فقد ظهر أنّه لا دليل للأشاعرة على امتناع الكذب على الله تعالى في

__________________

(١) انظر : المواقف : ٢٩٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٠١ ـ ١٠٢.

(٢) شرح التجريد : ٤٢٢.

(٣) انظر : المواقف : ٢٩٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٢.

٢٦٤

كلامه مطلقا ، نفسيا ولفظيا ، فما حال مذهب يعجز أهله ـ بحسب قواعده ـ عن إثبات امتناع أقبح الأشياء على الله تعالى؟!

والحال أنّ امتناعه من أوّل الضروريّات ، بل بمقتضى إسنادهم جميع القبائح إليه سبحانه ، يكون صدور الكذب منه تعالى مستقربا ، بل هو واقع عندهم ؛ لأنّه الخالق لكذب الناس في الإخبار عنه تعالى!

فكما يكون كذبا منه أن يخلق الكلام الكاذب على لسان ملك أو نبيّ أو شجرة ، يكون كذبا منه أن يخلقه على ألسنة سائر الناس.

وليس كذبه سبحانه في الكلام اللفظي إلّا بهذا النحو ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وأمّا قوله : « إنّ القول بأن لا مؤثّر في الوجود إلّا الله ، لا يستلزم إسناد القبائح إليه ؛ لأنّ فعل القبائح من مباشرة العبد »

فهو سفسطة عند العقلاء ، إذ كيف يصحّ عند عاقل نسبة القبح إلى المحلّ الذي لا أثر له فيه ألبتّة وعدم نسبته إلى خالقه وموجده؟!

على إنّه يلزم منه أن لا يمتنع الكذب منه تعالى على لسان ملك أو نبيّ ؛ لأنّه بمباشرتهما ، فكيف التزموا بامتناع الكذب منه تعالى في الكلام اللفظي؟!

ولا يخفى أنّ المصنّف لم ينسب إلى القوم أنّه تعالى لا بدّ أن يكذب في كلامه ، فلا معنى لقول الخصم : « ثمّ من خلق القبائح فلا بدّ أن يكذب ».

ولو نسب إليهم وقوع الكذب منه سبحانه لكان حقّا ؛ لخلقه سبحانه ـ عندهم ـ للكذب في الإخبار عنه على ألسنة العاصين ، كما عرفت.

* * *

٢٦٥
٢٦٦

صفاته عين ذاته

قال المصنّف ـ طيّب الله رمسه ـ(١) :

المبحث الثامن

في أنّه تعالى لا يشاركه شيء في القدم

العقل والسمع متطابقان على إنّه تعالى مخصوص بالقدم ، وإنّه ليس في الأزل سواه ؛ لأنّ كلّ ما عداه سبحانه [ وتعالى ] ممكن ، وكلّ ممكن حادث(٢) .

وقال تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ )(٣) .

وأثبت الأشاعرة معه معاني قديمة ثمانية ، هي علل في الصفات : كالقدرة والعلم والحياة إلى غير ذلك(٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٤ ـ ٦٥.

(٢) انظر مثلا : أوائل المقالات ـ المطبوع ضمن المجلّد ٤ من « مصنّفات الشيخ المفيد » ـ : ٥١ رقم ١٨ ، شرح جمل العلم والعمل : ٥٠ ، تقريب المعارف : ٧٥ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٥٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ٧٠ ، تلخيص المحصّل : ١٢٣ ، المسائل الخمسون : ٢٧ المسألة ٣.

(٣) سورة الحديد ٥٧ : ٣.

(٤) لا خلاف بينهم في ثبوت تلك المعاني ، غير إنّهم اتّفقوا على سبعة منها ، هي : الحياة ، العلم ، القدرة ، الإرادة ، السمع ، البصر ، الكلام ، واختلفوا في تسمية ما زاد

٢٦٧

ولزمهم من ذلك محالات :

منها : إثبات قديم غير الله تعالى قال فخر الدين الرازي : النصارى كفروا بأنّهم أثبتوا ثلاثة قدماء ، وأصحابنا قد أثبتوا تسعة(١) !

ومنها : إنّه يلزمهم افتقار الله تعالى ـ في كونه عالما ـ إلى إثبات معنى ، هو : العلم ، ولولاه لم يكن عالما ، وافتقاره في كونه تعالى قادرا إلى القدرة ، ولولاها لم يكن قادرا ؛ وكذلك باقي الصفات.

والله تعالى منزّه عن الحاجة والافتقار ؛ لأنّ كلّ مفتقر إلى الغير فهو ممكن.

ومنها : إنّه يلزم إثبات ما لا نهاية له من المعاني القائمة بذاته تعالى ، وهو محال.

بيان الملازمة : إنّ العلم بالشيء مغاير للعلم بما عداه ، فإنّ من شرط العلم : المطابقة ؛ ومحال أن يطابق الشيء الواحد أمورا متغايرة متخالفة في الذات والحقيقة.

لكنّ المعلومات غير متناهية ، فيكون له علوم غير متناهية ، لا مرّة واحدة ، بل مرارا غير متناهية ، باعتبار كلّ علم يفرض في كلّ مرتبة من المراتب الغير المتناهية ؛ لأنّ العلم بالشيء مغاير للعلم بالعلم بذلك الشيء.

__________________

عليها ؛ انظر ذلك في :

تمهيد الأوائل : ٢٢٧ ، الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ٨٤ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٢ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٢٠ و ٢٧٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٦٩ ـ ٧٠ ، شرح المواقف ٨ / ٤٤ ـ ٤٥ و ١٠٤.

(١) انظر مؤدّاه في : الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٢٤ ، وعقّب الفخر الرازي على ذلك قائلا : وكان كفره أعظم من كفر النصارى بثلاث مرّات!

٢٦٨

ثمّ العلم بالعلم بالشيء مغاير للعلم بالعلم بالعلم بذلك الشيء

وهكذا إلى ما لا يتناهى ، وفي كلّ واحدة من هذه المراتب علوم غير متناهية.

وهذا عين السفسطة لعدم تعقّله بالمرّة.

ومنها : إنّه تعالى لو كان موصوفا بهذه الصفات ، وكانت قائمة بذاته تعالى ، كانت حقيقة الإلهية مركّبة ، وكلّ مركّب محتاج إلى جزئه ، وجزؤه غيره ، فيكون الله تعالى محتاجا إلى غيره ، فيكون ممكنا.

وإلى هذا أشار مولانا أمير المؤمنين ٧ حيث قال : «أوّل الدّين معرفته ، وكمال معرفته التّصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصّفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله [ سبحانه ] فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله »(١) .

ومنها : إنّهم ارتكبوا هنا ما هو معلوم البطلان ، وهو أنّهم قالوا : إنّ هذه المعاني لا هي نفس الذات ، ولا مغايرة لها(٢) .

وهذا غير معقول! لأنّ الشيء إذا نسب إلى آخر ، فإمّا أن يكون هو هو ، أو غيره ، ولا يعقل سلبهما معا!

__________________

(١) نهج البلاغة : ٣٩ خطبة رقم ١ ، في ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم ٧.

(٢) الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٢ ، شرح المقاصد ٤ / ٧٠.

٢٦٩

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه تعالى له صفات موجودة قديمة زائدة على ذاته ، فهو عالم بعلم ، وقادر بقدرة ، ومريد بإرادة وعلى هذا القياس(٢) .

والدليل عليه : إنّنا نفهم الصفات الإلهية من صفات الشاهد ، وكون علّة(٣) الشيء عالما ـ في الشاهد ـ هي العلم ؛ فكذا في الغائب.

وحدّ العالم ـ هاهنا ـ من قام به العلم ، فكذا حدّه هناك ، وشرط صدق المشتقّ على واحد منّا : ثبوت أصله ؛ فكذا [ شرط ] في ما(٤) غاب عنّا ، وكذا القياس في باقي الصفات.

ثمّ نأخذ هذا من عرف اللغة وإطلاقات العرف ، فإنّ العالم لا شكّ أنّه من يقوم به العلم ، ولو قلنا بنفي الصفات لكذّبنا نصوص الكتاب والسنّة ، فإنّ الله تعالى في كتابه أثبت الصفات [ لنفسه ، كقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ )(٥)

فإذا ثبت في النصوص إثبات الصفات ] له ، فلا بدّ لنا من الإثبات من غير تأويل ، فإنّ الاضطرار إلى التأويل إنّما يكون بعد العجز عن الإجراء على حسب الواقع ؛ وذلك لدلالة الدلائل العقلية على امتناع إجرائه على

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٤٤ ـ ٤٥ ، وانظر أيضا : الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٢.

(٣) كذا في الأصل والمصدر ، والظاهر أنّها : « وعلّة كون » كما سيأتي في أوّل كلام الشيخ المظفّر ١ الصفحة ٢٧٤.

(٤) في المصدر : من.

(٥) سورة البقرة ٢ : ٢٥٥.

٢٧٠

حسب ظاهره ، وها هنا ليس كذلك ، فوجب الإجراء على الظاهر من غير تأويل.

وعندي : إنّ هذا هو العمدة في إثبات الصفات الزائدة ، فإنّ الاستدلالات العقليّة على إثباتها مدخولة ، والله أعلم.

ثمّ ما استدلّ به هذا الرجل ـ على نفي الصفات الزائدة ـ من الوجوه ، فكلّها مجاب :

الأوّل : استدلاله بأنّ كلّ ما عداه ممكن ، وكلّ ممكن حادث.

فنقول : سلّمنا أنّ كلّ ما عداه ممكن ، ولكن نقول في المقدّمة الثانية :

إنّ كلّ ممكن ممّا عدا صفاته فهو حادث ؛ لأنّ صفاته لا هو ولا غيره ، كما سنبيّن بعد هذا.

الثاني : الاستدلال بلزوم إثبات قديم غير الله تعالى ، وإثبات القدماء كفر ، وبه كفرت النصارى.

الجواب : إنّ الكفر إثبات ذوات قديمة ، لا إثبات ذات وصفات قدماء(١) ، هي ليست غير الذات مباينة كلّية ، مثلا : علم زيد ليس غير زيد بالكلّية ، فلو كان علم زيد قديما فرضا مثل زيد ، فأيّ نقص يعرض من هذا لزيد إذا كان متّصفا بالقدم؟! لأنّ علمه ليس غيره بالكلّية ، بل هو من صفات كماله.

الثالث : الاستدلال بلزوم افتقار الله تعالى في كونه عالما إلى إثبات معنى هو العلم ، ولولاه لم يكن عالما ، وكذا في باقي الصفات.

والجواب : إن أردتم باستكماله بالغير ثبوت صفات الكمال الزائدة

__________________

(١) المواقف : ٢٨٠ ، شرح المواقف ٨ / ٤٨.

٢٧١

على ذاته لذاته ، فهو جائز عندنا ، وليس فيه نقص ، وهو المتنازع فيه.

وإن أردتم به غيره ، فصوّروه أوّلا حتّى تفهموه(١) ، ثمّ تثبّتوا(٢) لزومه لما ادّعينا.

والحاصل : إنّ المحال هو استفادته صفة كمال من غيره ، لا اتّصافه لذاته بصفة كمال هي غيره ؛ واللازم من مذهبنا هو الثاني لا الأوّل(٣) .

الرابع : الاستدلال بلزوم إثبات ما لا نهاية له من المعاني القديمة(٤) بذاته تعالى ؛ وذلك لأنّ العلم بالشيء مغاير للعلم بما عداه إلى آخر الدليل.

والجواب : إنّ العلم صفة واحدة قائمة بذاته تعالى ، ويتعدّد بحسب التعلّق بالمعلومات الغير المتناهية ، فله بحسب كلّ معلوم تعلّق ، فكما يتصوّر أن تكون المعلومات غير متناهية ، كذلك يجوز أن تكون تعلّقات العلم ـ الذي هو صفة واحدة ـ غير متناهية بحسب المعلومات ، وليس يلزم منه محال ، ولا(٥) يلزم التسلسل المحال ؛ لفقدان شرط ( الترتّب في )(٦) الوجود(٧) .

الخامس : الاستدلال بأنّه لو كان موصوفا بهذه الصفات ، لزم كون الحقيقة الإلهية مركّبة ، ويلزم منه الاحتياج.

__________________

(١) في شرح المواقف : نفهمه.

(٢) في المصدر : بيّنوا.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٤٨.

(٤) في المصدر : القائمة.

(٥) في المصدر : فلا.

(٦) في المصدر : الترتّب و.

(٧) انظر : المواقف : ٢٨٨ ، شرح المواقف ٨ / ٧٣ و ٧٩.

٢٧٢

والجواب : إنّ المراد بالحقيقة الإلهية إن كان الذات ، فلا يلزم من إثبات الصفات الزائدة تركّب في الذات.

وإن كان المراد أنّ هناك ذاتا وصفات متعدّدة قائمة بتلك الذات ، فليس إلّا ملاحظة الموصوف مع الصفات.

ثمّ إنّ احتياج الواجب إلى ما هو غيره يوجب الإمكان كما قدّمنا.

وأمّا ما استدلّ به من كلام أمير المؤمنين ٧ ، فالمراد من نفي الصفات يمكن أن يكون صفات تكون هي غير الذات بالكلّية ، وليس ها هنا كذلك.

السادس : الاستدلال بلزوم ارتكاب ما هو معلوم البطلان ها هنا

وهو أنّ هذه المعاني لا هي عين الذات ، ولا غيرها ؛ وهذا غير معقول.

والجواب : إنّ المراد بعدم كون الصفات عين الذات ، أنّها مغايرة للذات في الوجود ؛ وكونها غير مغايرة لها ، أنّها صفات للذات ، فليس بينهما مغايرة كلّية بحيث يصحّ إطلاق كونها مغايرة للذات بالكلّية ، كما يقال : إنّ علم زيد ليس عين زيد ؛ لأنّه صفة له ، وليس غيره بالكلّية ؛ لأنّه قائم به ، وهذه الواسطة على هذا المعنى صحيحة ؛ لأنّ سلب العينيّة باعتبار ، وسلب الغيرية باعتبار آخر ، فكلا السلبين يمكن تحقّقهما معا.

* * *

٢٧٣

وأقول :

لا ريب ببطلان قياس الغائب على الشاهد ؛ لأنّ القياس لا يصحّ إلّا بإثبات علّة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه ، وإثباتها في المقام باطل ؛ لاختلاف الشاهد والغائب بالحقيقة.

فيمكن أن تكون خصوصية الشاهد شرطا في الحكم ، أو كون خصوصية الغائب مانعة عنه.

على إنّ دعوى أنّ علّة كون الشاهد عالما هي العلم ، فتكون علّة كون الغائب عالما هي العلم ، فيكون علمه زائدا على ذاته ، موقوفة على اتّحاد علم الغائب وعلم الشاهد ، واتّحاد كيفية ثبوتهما ، ليصحّ إثبات العلّيّة لعلم الغائب.

فلو أريد إثبات معرفة حقيقة علم الغائب ، أو كيفية ثبوته له ، من علّيّته ، جاء الدور!

وكيف يصحّ الحكم بالاتّحاد وبصحّة القياس؟! والحال أنّ أهل هذا القياس قائلون باختلاف مقتضى صفات الشاهد والغائب ؛ لأنّهم يزعمون أنّ القدرة في الشاهد لا تؤثّر إيجادا ، والإرادة فيه لا تخصّص أصلا ، بخلافهما في الغائب.

وكذا الحال في بقية الصفات.

هذا ، ومن القبيح على الفضل وأصحابه ذكره لهذا الدليل الواضح البطلان ، مع علمه بإبطالهم له ؛ لأنّه أخذه من « المواقف » وشرحها ، وقد

٢٧٤

أبطلاه ببعض ما ذكرناه وغيره(١) .

وأقبح من ذلك قوله : « ثمّ نأخذ هذا من عرف اللغة وإطلاقات العرف »

إذ كيف يأخذه منهما والمسألة عقليّة؟! إلّا أن يدّعي أنّ أخذه منهما بلحاظ دلالتهما ظنّا على المراد الشرعي المستلزم لحكم العقل! لكنّ الشأن في الدلالة ؛ لما سبق من أنّ المشتقّ إنّما يدلّ وضعا على الملابسة بين المبدأ والذات ، وهي أعمّ من أن تكون بنحو الحلول كما في الحيّ والميّت ، وبنحو الإيجاد كما في الخالق والرازق إلى غير ذلك ، كملابسة التمّار للتمر بالبيع.

فمن أين علم أنّ ملابسة الغائب للقدرة ، والعلم ، والحياة ، والإرادة ، ونحوها ، مثل ملابسة الشاهد لها؟! فلعلّها بالانتزاع ، ومجرّد اتّحاد اللفظ لا أثر له ، لا سيّما وقد دلّ النقل على إرادة الانتزاع

قال تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ )(٢) ، فإنّه دالّ على إنّه تعالى مخصوص بالقدم ، فلا يمكن أن تكون ملابسته لتلك الصفات بالحلول في القدم.

وأمّا ما استدلّ به من قوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ )(٣) ، فخطأ ظاهر ؛ إذ لا يقتضي إثبات العلم له تعالى أن يكون العلم أمرا خارجيا زائدا على ذاته ، فإنّه كما تثبت له الأمور الخارجية ، تثبت له الأمور الاعتبارية والانتزاعية ، كالملكية ، والوحدانية ، والقدم ، ووجوب

__________________

(١) المواقف : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، شرح المواقف ٨ / ٤٥ ـ ٤٨.

(٢) سورة الحديد ٥٧ : ٣.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٥٥.

٢٧٥

الوجود ، ونحوها.

فظهر أنّ عمدة الخصم واهية ، ولا سيّما مع النصّ بقوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) ، الذي تغافل الخصم عنه مع ذكر المصنّف له!

وأمّا إنكاره لكلّية الكبرى القائلة : « كلّ ممكن حادث » ـ بحجّة أنّ صفاته ليست عينه ولا غيره ـ فممّا لا معنى له ؛ لأنّ كون صفاته تعالى لا هو ولا غيره لا يقتضي إمكانها وقدمها ، على إنّه اصطلاح محض لا ينفي المغايرة الواقعية ، ولذا التزموا بزيادة صفاته تعالى وجودا على ذاته!

ثمّ إنّه لو كانت صفاته تعالى ممكنة زائدة على ذاته لاحتاجت إلى تأثيره فيها.

وتأثيره فيها إمّا بالاختيار ، وهو يستلزم الدور ، أو التسلسل ؛ لتوقّف إيجاد كلّ صفة على الحياة والعلم والقدرة والإرادة ، فإن توقّفت على أنفسها دار ، وإلّا تسلسل ، مع استلزام التسلسل لحدوثها.

وإمّا بالإيجاب ـ كما هو مذهبهم ـ فيلزم عدم مقدورية صفاته له تعالى مع إمكانها ؛ لأنّ ذاته تعالى واجبة ، فما يجب عنها لنفسها يمتنع أن تتعلّق به القدرة ، ويلزم أن يكون البسيط فاعلا وقابلا ، وهو ممتنع ؛ لتنافي الفعل والقبول مع وحدة النسبة حقيقة ـ كما في المقام ـ ، فإنّ نسبة الفعل قائمة بين المنتسبين اللذين وقعت بينهما نسبة القبول ، فالنسبة واحدة بالذات وإن تعدّدت بالاعتبار.

وإنّما قلنا بتنافيهما لتنافي لازميهما ؛ لأنّ نسبة الفعل ضرورية لكون الفاعل موجبا فرضا ، ونسبة القبول ممكنة بالإمكان الخاصّ ، إذ لا يتصوّر استقلال القابل بالقبول حتّى يمكن أن تكون نسبته ضرورية.

٢٧٦

وأجيب بأنّ الجهة متعدّدة ، وهي جهة الفاعلية والقابلية ، فلا محذور في اجتماع الضرورة وعدمها ؛ لكونهما من جهتين.

وفيه : إنّ تعدّد الجهات لا يصحّح اجتماع المتنافيين في نسبة واحدة شخصية.

نعم ، إذا استوجب تعدّد الجهة ، تعدّد النسبة حقيقة ، لا اعتبارا فقط ، كان نافعا لهم ، لكنّه خلاف الواقع.

وبالجملة : يلزم من كونه تعالى موجبا أن يكون فاعلا قابلا ، فتكون نسبة الصدور بينه وبين صفاته واجبة وغير واجبة ؛ وهو ممتنع.

وأيضا : يلزم صدور المتعدّد ـ وهو صفاته ـ من الموجب الواحد من جميع الجهات ـ وهو ذاته تعالى ـ ، وهو باطل ؛ لأنّ كون الشيء موجبا وعلّة لشيء ، ليس إلّا لخصوصية فيه تقتضي الإيجاب والعلّيّة لذلك المعلول ، وإلّا لصحّ أن يكون كلّ شيء موجبا وعلّة لكلّ شيء.

ولا ريب أنّ فرض وحدة الموجب من جميع الجهات يستدعي وحدة خصوصيّته ، وتلك الخصوصية الواحدة لا يمكن أن تقتضي أمرين مختلفين ، لعدم إمكان مناسبتها لهما على اختلافهما ، ولا يتصوّر ـ بناء على زيادة الصفات ـ أن تكون في الذات البسيطة من جميع الجهات ، جهات اعتبارية ، بسبب تعدّدها تصدر الصفات المتعدّدة عن الذات ، وفرض تعدّد الجهات بتعدّد السلوب باطل ؛ لأنّ السلوب لا تستلزم تكثّر الواحد الحقيقي ولو اعتبارا.

ولو سلّم ، فليس في السلوب معان وخصوصيات تناسب تأثير الذات في صفاتها حتّى ينفع تعدّدها اعتبارا.

٢٧٧

هذا ، ومن العجب التزامهم بكونه تعالى موجبا لصفاته مع قول أكثرهم بأنّ علّة الحاجة إلى التأثير هو الحدوث لا الإمكان!!

إذ بناء على هذا يمكن أن تكون صفاته تعالى موجودة في القدم بلا إيجاده ، بل بالاستقلال!

وأمّا ما أجاب به عن المحال الأوّل ، فباطل ؛ إذ لا أثر لتسمية القدماء ذوات في الكفر ، بل الأثر للقول بتعدّد القدماء ، ضرورة أنّهم يقولون بتعدّد الوجود حقيقة.

نعم ، يفترق الأشاعرة عن النصارى بأنّهم لا يقولون : إنّ القدماء آلهة ، بخلاف النصارى.

ولكن فيه : إنّ مذهب الأشاعرة يقتضي أن تكون حقيقة الإله مركّبة من الذات والصفات(١) ؛ لأنّ الذات المجرّدة خالية عن جهة الإلهية بدون الصفات ، فيقاربون النصارى ، بل لعلّهم متّفقون ، إذ لعلّ النصارى أيضا يجعلون الإله مركّبا ، ولذا يقولون : الثلاثة واحد ؛ فالتعدّد عند الفريقين بالأجزاء لا بالجزئيات ، والله أعلم.

وأمّا جوابه عن ثاني المحالات ، فلا ربط له بإشكال المصنّف ؛ لأنّ المصنّف رتّب إمكان الواجب على افتقاره إلى صفاته ، لا نقصه على استكماله بها ؛ لكن لمّا كانت عادته أخذ ما في « المواقف » وشرحها ، أورد لفظهما بعينه جهلا بعدم انطباقه على المورد(٢) !

على إنّ إنكار النقص مكابرة ظاهرة! كيف؟! وحقيقة مذهبهم أنّ

__________________

(١) انظر : الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، شرح المواقف ٨ / ٤٧ ـ ٤٨.

(٢) انظر : المواقف : ٢٨٠ ، شرح المواقف ٨ / ٤٨.

٢٧٨

ذاته تعالى بنفسها خالية عن جهات الكمال ؛ وإلّا لما احتاجت إلى الاستكمال!

ومجرّد كون المكمّل له : صفات له ، لا يؤثّر في دفع النقص عنه بعد أن كانت غيره في الوجود ، كما لا ترفع النقص الحقيقي عن الحجر لو اتّصف بها ، سواء كان اتّصافه بها من نفسه بالإيجاب أم من غيره ؛ غاية الأمر أنّه إذا كان من غيره يكون بقاء النقص أشدّ.

وأمّا جوابه عن ثالث المحالات ، فيظهر ما فيه بعد بيان مراد المصنّف ; ، فنقول :

قد ذكر في هذا المحال إشكالين :

الأوّل : إنّه بناء على كون العلم صفة زائدة وجودية ، يلزم إثبات ما لا نهاية له من المعاني القائمة بذاته تعالى ، لتعدّد العلوم بتعدّد المعلومات ؛ والمعلومات غير متناهية.

أجاب الأشاعرة بأنّ العلم واحد ، والتعدّد في التعلّقات ، والتعلّقات إضافية(١) ، فيجوز لا تناهيها كما ذكره الخصم في المقام.

وهو غير صحيح ؛ لما بيّنه المصنّف من أنّ شرط العلم : المطابقة ؛ ومحال أن يطابق الشيء الواحد مطابقة حقيقية أمورا مختلفة ، فلا بدّ أن يكون المتعدّد هو العلوم لا التعلّقات فقط ، ولمّا لم يدر الخصم ما هذا وما الجواب عنه ، ترك التعرّض له!!

الثاني : إنّه لو كان العلم صفة وجودية زائدة على ذاته تعالى ، لزم أن

__________________

(١) انظر : محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٤٧ ، شرح المقاصد ٤ / ٨٧ ـ ٨٨ ، شرح المواقف ٨ / ٧٣.

٢٧٩

يكون علمه بعلمه زائدا على علمه ، وتتسلسل العلوم الموجودة إلى ما لا نهاية له.

وقد جمع المصنّف الإشكالين معا بما حاصله : إنّه يلزمهم إثبات علوم وجودية قائمة بذاته تعالى غير متناهية ، بتسلسلات غير متناهية ، فيثبت في كلّ مرتبة من مراتب التسلسل علوم غير متناهية ، وهو غير معقول.

وقد أحسّ الخصم بإشكال التسلسل ، ولكن لم يعرف وجهه!

فأجاب بأنّه لا يلزم التسلسل المحال ؛ لفقدان شرط الترتّب في الوجود ؛ فإنّه لو فهم كيفية التسلسل لما أنكر الترتّب.

وقد يجاب عن إشكال التسلسل بما يستفاد من « المواقف » وشرحها ، بأنّه تسلسل في الإضافات لا في الأمور الوجودية ؛ لأنّ علمه تعالى واحد ، وله تعلّقات بمعلومات لا تتناهى ، من جملتها علمه الذي يخالفه العلم به بالاعتبار دون الذات(١) .

ويرد عليه : إنّه إذا اتّحد علمه تعالى ، وعلمه بعلمه ، واختلفا بالاعتبار ، كان الأولى في الجواب أن يقال : إنّه تسلسل في العلوم الاعتبارية ، إذ لا وجه للعدول عنه والجواب بأنّه تسلسل في الإضافات.

والحال : إنّ الإشكال إنّما هو في تسلسل العلوم

وكيف كان ، فكلا الجوابين باطل!

أمّا الجواب بأنّه تسلسل في الإضافات ، فلما عرفت من أنّ شرط العلم المطابقة ، ولا يعقل مطابقة العلم الواحد لمعلومات مختلفة ،

__________________

(١) المواقف : ٢٨٩ ، شرح المواقف ٨ / ٧٨.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456