دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147720 / تحميل: 5905
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وجوب الرؤية عند حصول شروطها

قال المصنّف(١) :

المبحث الثالث

في وجوب الرؤية عند حصول هذه الشرائط

أجمع العقلاء كافّة ـ عدا الأشاعرة ـ على ذلك ؛ للضرورة القاضية به ، فإنّ عاقلا من العقلاء لا يشكّ في حصول الرؤية عند اجتماع شرائطها.

وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، وارتكبوا السفسطة فيه ، وجوّزوا أن تكون بين أيدينا وبحضرتنا جبال شاهقة ، من الأرض إلى عنان السماء ، محيطة بنا من جميع الجهات ، ملاصقة لنا ، تملأ الأرض شرقا وغربا بألوان مشرقة مضيئة ، ظاهرة غاية الظهور ، وتقع عليها الشمس وقت الظهيرة ، ولا نشاهدها ، ولا نبصرها ، ولا شيئا منها ألبتّة!

وكذا يكون بحضرتنا أصوات هائلة تملأ أقطار الأرض ، بحيث ينزعج(٢) منها كلّ أحد يسمعها ، أشدّ ما يكون من الأصوات ، وحواسّنا سليمة ، ولا حجاب بيننا وبينها ، ولا بعد ألبتّة ، بل هي في غاية القرب منّا ، ولا نسمعها ولا نحسّها أصلا!

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤١ ـ ٤٢.

(٢) كان في الأصل : « يتزعزع » ، وفي المصدر : « يدعّج » ، وكلاهما تصحيف ؛ وما أثبتناه من إحقاق الحقّ هو المناسب للسياق.

٦١

وكذا إذا لمس أحد بباطن كفّه حديدة محميّة بالنار حتّى تبيضّ ، ولا يحسّ بحرارتها! بل يرمى في تنّور أذيب فيه الرصاص أو الزيت ، وهو لا يشاهد التنّور ولا الرصاص المذاب ، ولا يدرك حرارته ، وتنفصل أعضاؤه وهو لا يحسّ بالألم في جسمه!(١) .

ولا شكّ أنّ هذا [ هو ] عين السفسطة ، والضرورة تقضي بفساده ، ومن يشكّ في هذا فقد أنكر أظهر المحسوسات [ عندنا ].

__________________

(١) انظر مؤدّى ذلك ـ مثلا ـ في : تفسير الفخر الرازي ١٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ، شرح المقاصد ٤ / ١٩٨ ـ ٢٠٠ ، شرح العقائد النسفية ـ للتفتازاني ـ : ١٣١.

٦٢

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ شرائط الرؤية إذا تحقّقت لم تجب الرؤية(٢) .

ومعنى نفي [ هذا ] الوجوب : إنّ الله تعالى قادر على أن يمنع البصر من الرؤية مع وجود الشرائط ، وإن كانت العادة جارية على تحقّق الرؤية عند تحقّق الأمور المذكورة.

ومن أنكر هذا وأحاله عقلا ، فقد أنكر خوارق العادات ومعجزات الأنبياء.

فإنّه ممّا اتّفق على روايته ونقله أصحاب جميع المذاهب ـ من الأشاعرة والمعتزلة والإمامية ـ أنّ النبيّ ٦ لمّا خرج ليلة الهجرة من داره ، وقريش قد حفّوا بالدار يريدون قتله ، فمرّ بهم ورمى على وجوههم بالتراب ، وكان يقرأ سورة يس ، وخرج ولم يره أحد ، وكانوا جالسين ، غير نائمين ولا غافلين(٣) .

فمن لا يسلّم أنّ عدم حصول الرؤية جائز مع وجود الشرائط ، بأن يمنع الله [ تعالى ] البصر بقدرته عن الرؤية ، فعليه أن ينكر هذا وأمثاله.

ومن الأشاعرة من يمنع وجوب الرؤية عند استجماع الشرائط : بأنّا

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٠٤ ـ ١٠٦.

(٢) انظر : شرح المواقف ٨ / ١٣٦.

(٣) انظر : الشفا ـ للقاضي عياض ـ ١ / ٣٤٩ ، تفسير القرطبي ١٥ / ٨ ـ ٩ ، زاد المعاد ٣ / ٤٣ ـ ٤٤ ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٢ / ٢٣٠ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٩٣ ، مجمع البيان ٨ / ٢٢٩.

٦٣

نرى الجسم الكبير من البعد صغيرا ، وما ذلك إلّا لأنّا نرى بعض أجزائه دون بعض مع تساوي الكلّ في حصول الشرائط ، فظهر أنّه لا تجب الرؤية عند اجتماع الشرائط(١) .

والتحقيق ما قدمناه [ من ] أنّهم يريدون من عدم الوجوب : جواز عدم الرؤية عقلا ، وإمكان تعلّق القدرة به.

فأين إنكار المحسوسات؟! وأين هو من السفسطة؟!

ثمّ ما ذكر من تجويز أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة ـ مع ما وصفها من المبالغات والتقعقعات(٢) الشنيعة ، والكلمات الهائلة المرعدة المبرقة ، التي تميل بها خواطر القلندرية(٣) والعوامّ إلى مذهبه الباطل ، ورأيه الكاسد الفاسد ـ فهو شيء ليس بقول ولا مذهب لأحد من الأشاعرة.

بل يورد الخصم عليهم في الاعتراض ، ويقول : إذا اجتمعت شرائط الرؤية في زمان وجب حصول الرؤية ، وإلّا جاز أن يكون بحضرتنا جبال

__________________

(١) انظر : شرح المواقف ٨ / ١٣٦.

(٢) التقعقع : التحرّك ، وتقعقع الشيء : صوّت عند التحريك أو التحرّك ، واضطرب وتحرّك.

انظر : الصحاح ٣ / ١٢٦٩ ، لسان العرب ١١ / ٢٤٧ ، تاج العروس ١١ / ٣٩٢ ، مادّة « قعع ».

(٣) القلندرية : كلمة أعجمية بمعنى المحلّقين ، وهم فرقة صوفية يحلقون رؤوسهم وشواربهم ولحاهم وحواجبهم ، وكانت هذه الفرقة مكروهة من الفقهاء المسلمين وعلمائهم ، وقد نشأت في عهد الظاهر بيبرس ، وهو الذي شجّعها ، وكان سبب انتشارها في مصر والشام ، ومن مشاهير رجالها الشيخ عثمان كوهي الفارسي ، وقال بعضهم : إنّ هذه الفرقة أوّل ما ظهرت بدمشق سنة ٦١٦ ه‍ وكان لها عدّة زوايا في الشام ومصر.

انظر : معجم الألفاظ التاريخية : ١٢٥.

٦٤

شاهقة ونحن لا نراها.

هذا هو الاعتراض.

وأجاب الأشاعرة عنه : بأنّ هذا منقوض بجملة العاديّات ، فإنّ الأمور العاديّة تجوز نقائضها مع جزمنا بعدم وقوعها ، ولا سفسطة هاهنا.

فكذا الحال في الجبال الشاهقة التي لا نراها ، فإنّا نجوّز وجودها ونجزم بعدمها ؛ وذلك لأنّ الجواز لا يستلزم الوقوع ، ولا ينافي الجزم بعدمه ، فمجرّد تجويزها لا يكون سفسطة(١) .

وحاصل كلام الأشاعرة ـ كما أشرنا إليه سابقا ـ : أنّ الرؤية لا تجب عقلا عند تحقّق الشرائط ، ويجوّز العقل عدم وقوعها عندها مع كونه محالا عادة ، والخصوم لا يفرّقون بين المحال العقلي والعادي ، وجملة اعتراضاته ناشئة من عدم هذا الفرق.

ثمّ ما ذكره من الأضواء وتوصيفها والمبالغات فيها ، فكلّها من قعقعة الشنآن بعد ما قدمنا لك البيان.

__________________

(١) انظر : شرح المواقف ٨ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

٦٥

وأقول :

سبق أنّ حقيقة مختار الأشاعرة نفي سببيّة الأسباب الطبيعيّة واقعا ، ونسبة المسبّبات حقيقة إلى فعل القادر ، بلا دخل للأسباب ، ولا توقّف للمسبّبات عليها عقلا.

وحينئذ فيجوز عقلا وواقعا ـ مع تمام السبب واجتماع الشرائط ـ عدم حصول الرؤية منّا لجبال بحضرتنا ، موصوفة بما وصفها المصنّف ، وعدم سماع الأصوات ، وإحساس حرارة الحديدة ، على ما وصفهما المصنّف ;.

وقد نقل الخصم في آخر كلامه هذا التجويز عن الأشاعرة مع دعوى الجزم بعدمها عادة ، وهو خطأ ؛ لأنّ إثبات العادة على العدم فرع الاطّلاع على الواقع ، والاطّلاع عليه غير ثابت.

بل على قولهم بالجواز العقلي ، يمكن أن تكون العادة على وجود تلك الجبال ، إلّا أنّا لم نطّلع عليها ، فإنّ مجرّد عدم مشاهدتها لا يدلّ على عدمها ؛ لإمكان أن تكون موجودة دائما ونحن لا نشاهدها!

كما أنّ عدم لمسنا لها. وعدم مصادمتها لنا حال السير ، لا يدلّان على انتفائها ؛ لجواز أن لا يخلق الله تعالى اللمس والمصادمة مع وجود سببهما الطبيعي!

وكذا الحال في دعوى حصول العادة على العدم ، بالنسبة إلى الأصوات والحرارة اللتين ذكرهما المصنّف ;.

٦٦

فالحقّ أن لا منشأ للجزم بالعدم سوى ارتكاز وجوب الرؤية والسماع وإحساس الحرارة بالبديهية العقلية عند اجتماع الشرائط ، لكنّ الأشاعرة كابروا ارتكازهم.

وأمّا تفسيره لنفي الوجوب بأنّ الله تعالى قادر على أن يمنع البصر من الرؤية مع وجود الشرائط ، فليس تفسيرا صحيحا.

وقد أراد به إدخال الإيهام والاستهجان على السامع بأنّ القائل بالوجوب ينفي قدرة القادر ، بخلاف الأشاعرة ، وهو ممّا لا يروج على عارف ؛ لأنّا إذا قلنا بوجوب الرؤية عند اجتماع الشرائط يكون عدمها حينئذ ممتنعا.

وقد عرفت أنّ الممتنع ليس محلّا للقدرة ، بلا نفي لها عن محالّها ، ولا نقص فيها.

فالفرق بيننا وبينهم هو أنّا نقول بامتناع عدم الرؤية مع اجتماع شرائطها وتحقّق سببها الطبيعي ، فلا تتعلّق بعدمها القدرة حينئذ لنقص في المحلّ ، وهم يقولون بإمكانه فتتعلّق به ؛ وضرورة العقلاء هي الحاكمة.

وأمّا ما ذكره من وقوع خرق العادة في معجزات الأنبياء ، كالمعجزة المذكورة لنبيّنا ٦ فغير مفيد له ؛ لأنّهذه المعجزة إنّما هي بإيجاد حاجب على خلاف العادة ، لا بعدم الرؤية مع وجود شرائطها.

كما يرشد إلى ذلك قراءة النبيّ ٦ حين خروجه لسورة يس ، فإنّ قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ )(١) ظاهر في أنّ عدم الرؤية لوجود السدّ والغشاوة.

__________________

(١) سورة يس ٣٦ : ٩.

٦٧

وقد يستفاد من تفريع عدم الإبصار على وجود الغشاوة ، أنّ الإبصار محتاج في ذاته إلى عدم الحاجب ، الذي هو أحد الشروط المتقدّمة.

وأمّا ما نقله عن بعض الأشاعرة ، من حصول جميع شرائط الرؤية لكلّ جزء من أجزاء الجسم الكبير البعيد ، مع عدم ثبوت الرؤية لبعضها ، ففيه :

إنّ فرض حصول الشرائط لجميع الأجزاء يوجب أن يكون تخصيص البعض بالرؤية ترجيحا بلا مرجّح ، وهو باطل.

فلا بدّ من الالتزام بعدم حصول الشرائط لبعضها ، أو الالتزام بتعلّق الرؤية في القرب والبعد بمجموع الجسم لا بأجزائه.

وإنّما يرى كبيرا في القرب ، صغيرا في البعد ، لأمور محتملة

أحدها : إنّ صغر المرئي إنّما هو بحسب صغر الزاوية الجليدية وكبرها ، إن قلنا : إنّ الإبصار بالانطباع.

أو بحسب صغر زاوية مخروط الشعاع وعظمها ، إن قلنا : إنّ الإبصار بخروج الشعاع.

وأورد عليه صاحب « المواقف » بما هو مبنيّ على تركّب الجسم من أجزاء لا تتجزّأ ، وعلى إنّ المرئي حال البعد نفس الأجزاء لا المجموع(١) .

وكلاهما باطل.

واعلم أنّ قول المصنّف ; : « وكذا يكون بحضرتنا أصوات هائلة » دالّ على ما ذكرناه سابقا ، من أنّه أراد بالإدراك ـ في عنوان المسألة ـ مطلق الإحساس الظاهري ، لا خصوص الرؤية.

__________________

(١) انظر : المواقف : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، شرح المواقف ٨ / ١٣٦ ـ ١٣٧.

٦٨

وإنّما لم يتعرّض هنا لتجويزهم عدم إدراك الطعوم والروائح ـ البالغة في الظهور منتهاه ـ مع سلامة الذائقة والشامّة ، واجتماع سائر الشرائط ؛ استغناء عنه ببيان أخواتهما.

٦٩
٧٠

امتناع الإدراك مع فقد الشرائط

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

المبحث الرابع

في امتناع الإدراك مع فقد الشرائط

فجوّزوا في الأعمى إذا كان في المشرق ، أن يشاهد ويبصر النملة الصغيرة السوداء ، على صخرة سوداء ، في طرف المغرب ، في الليل المظلم! [ وبينهما ما بين المشرق والمغرب من البعد ] ، وبينهما حجبت جميع الجبال والحيطان.

ويسمع الأطرش وهو في طرف المشرق أخفى صوت وهو في طرف المغرب!(٢) .

وكفى من اعتقد ذلك نقصا ، ومكابرة للضرورة ، ودخولا في السفسطة.

[ هذا اعتقادهم! وكيف(٣) يجوز لعاقل أن يقلّد من كان هذا

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٢ ـ ٤٤.

(٢) انظر : شرح المواقف ٨ / ١٣٩ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٣٦ المقصد الثالث.

(٣) كان في المصدر : « وكيف من » ولا يستقيم الكلام بإثبات « من » هنا ، فحذفناها.

٧١

اعتقاده؟! ].

وما أعجب حالهم! يمنعون من لزوم(١) مشاهدة أعظم الأجسام قدرا ، وأشدّها لونا وإشراقا ، وأقربها إلينا ، مع ارتفاع الموانع ، وحصول الشرائط! و [ من ] سماع الأصوات الهائلة القريبة! ويجوّزون مشاهدة الأعمى لأصغر الأجسام وأخفاها في الظلم الشديدة ، وبينهما غاية البعد! وكذا في السماع!

فهل بلغ أحد من السوفسطائية ـ في إنكار المحسوسات ـ إلى هذه الغاية ، ووصل إلى هذه النهاية؟!

مع إنّ جميع العقلاء حكموا عليهم بالسفسطة ، حيث جوّزوا انقلاب الأواني التي في دار الإنسان ، حال خروجه ، أناسا فضلاء مدقّقين في العلوم ، حال الغيبة!

وهؤلاء جوّزوا حصول مثل هذه الأشخاص في الحضور ، ولا يشاهدون ، فهم أبلغ في السفسطة من أولئك!

فلينظر العاقل المنصف المقلّد لهم! هل يجوز له أن يقلّد مثل هؤلاء القوم ، ويجعلهم واسطة بينه وبين الله تعالى ، ويكون معذورا برجوعه إليهم وقبوله منهم ، أو لا؟!

فإن جوّز ذلك لنفسه ـ بعد تعقّل ذلك وتحصيله ـ فقد خلّص المقلّد من إثمه ، وباء هو بالإثم ؛ نعوذ بالله من مزالّ الأقدام!

وقال بعض الفضلاء(٢) ـ ونعم ما قال ـ : كلّ عاقل جرّب الأمور

__________________

(١) ليست في المصدر.

(٢) انظر مؤدّاه في الرسالة السعدية : ٤٣.

٧٢

فإنّه لا يشكّ في إدراك السليم حرارة النار إذا بقي فيها مدّة مديدة حتّى تنفصل أعضاؤه.

ومحالّ أن يكون أهل بغداد ـ على كثرتهم وصحّة حواسّهم ـ يجوز عليهم جيش عظيم ، ويقتلون ، وتضرب فيهم البوقات الكثيرة ، ويرتفع الريح ، وتشتدّ الأصوات ، ولا يشاهد ذلك أحد منهم ، ولا يسمعه!

ومحال أن يرفع أهل الأرض ـ بأجمعهم ـ أبصارهم إلى السماء ، ولا يشاهدونها!

ومحال أن يكون في السماء ألف شمس ، وكلّ واحدة منها ألف ضعف من هذه الشمس ، ولا يشاهدونها!

ومحال أن يكون لإنسان واحد ، مشاهد أنّ عليه رأسا واحدا ، ألف رأس لا يشاهدونها ، وكلّ واحد منها مثل الرأس الذي يشاهدونه!

ومحال أن يخبر واحد بأعلى صوته ألف مرّة ، بمحضر ألف نفس ، كلّ واحد منهم يسمع جميع ما يقوله ، بأنّ زيدا ما قام ، ويكون قد أخبر بالنفي ، ولم يسمع الحاضرون حرف النفي ، مع تكرّره ألف مرّة ، وسماع كلّ واحد منهم جميع ما قاله!

بل علمنا بهذه الأشياء أقوى بكثير من علمنا بأنّه حال خروجنا من منازلنا ، لم تنقلب الأواني ـ التي فيها ـ أناسا مدقّقين في علم المنطق والهندسة.

وأنّ ابني الذي شاهدته بالأمس ، هو الذي شاهدته الآن.

وأنّه لم(١) يحدث حال تغميض العين ألف شمس ، ثمّ تعدم عند

__________________

(١) سقطت من المصدر.

٧٣

فتحها.

مع إنّ الله تعالى قادر على ذلك كلّه(١) ، وهو في نفسه ممكن.

وأنّ المولود الرضيع ـ الذي يولد في الحال ـ إنّما يولد من الأبوين ، ولم يمرّ عليه ألف سنة ، مع إمكانه في نفسه ، وبالنظر إلى قدرة الله تعالى.

وقد نسبت السوفسطائية إلى الغلط ، وكذّبوا كلّ التكذيب في هذه القضايا الجائزة ، فكيف بالقضايا التي جوّزها الأشاعرة التي تقتضي زوال الثقة عن المشاهدات؟!

ومن أعجب الأشياء جواب رئيسهم ، وأفضل متأخّريهم ، فخر الدين الرازي في هذا الموضع ، حيث قال :

« يجوز أن يخلق الله تعالى في الحديدة المحماة بالنار برودة عند خروجها من النار ، فلهذا لا يحسّ بالحرارة ، واللون الذي فيها ، والضوء المشاهد منها يجوز أن يخلقه الله تعالى في الجسم البارد »(٢) .

وغفل عن أنّ هذا ليس بموضع النزاع ؛ لأنّ المتنازع فيه أنّ الجسم الذي هو في غاية الحرارة ، يلمسه الإنسان الصحيح البنية ، السليم الحواسّ ، حال شدّة حرارته ، ولا يحسّ بتلك الحرارة ؛ فإنّ أصحابه يجوزون ذلك ، فكيف يكون ما ذكره جوابا؟!

__________________

(١) ليست في المصدر.

(٢) انظر مؤدّاه في : المطالب العالية من العلم الإلهي ٣ / ٢٨٣.

٧٤

وقال الفضل(١) :

حاصل جميع ما ذكره في هذا الفصل ـ بعد وضع القعقعة ـ : أنّ الأشاعرة لا يعتبرون وجود الشرائط وعدمها في تحقّق الرؤية وعدم تحقّقها ، ولعدم هذا الاعتبار دخلوا في السوفسطائية.

ونحن نبيّن لك حاصل كلام الأشاعرة في الرؤية ، لتعرف أنّ هذا الرجل ـ مع فضيلته ـ قد أخذ [ سبل(٢) ] التعصّب عين بصيرته! فنقول :

ذهب السوفسطائية إلى نفي حقائق الأشياء ، فهم يقولون : إنّ حقيقة كلّ شيء ليست حقيقته ، فالنار ليست بالنار ، والماء ليس بالماء ، ويجوز أن تكون حقيقة الماء حقيقة النار ، وحقيقة الماء حقيقة الهواء ، وليس لشيء حقيقة ما ، فيلزمهم أن تكون النار التي نشاهدها لا تكون نارا ، بل ماء وهواء أو غير ذلك.

وهذا هو السفسطة.

ويجرّ هذا إلى ارتفاع الثقة من المحسوسات ، وتبطل به الحكمة الباحثة عن معرفة الأشياء.

وأمّا حاصل كلام الأشاعرة في مبحث الرؤية وغيرها ـ ممّا ذكره هذا الرجل ـ فهو : أنّ الاشياء الموجودة عندهم إنّما تحصل وتوجد بإرادة

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١١١ ـ ١١٤.

(٢) السبل : داء في العين شبه غشاوة كأنّها نسج العنكبوت بعروق حمر ؛ انظر : الصحاح ٥ / ١٧٢٤ ، لسان العرب ٦ / ١٦٤ ، تاج العروس ١٤ / ٣٢٧ ، مادّة « سبل ».

٧٥

الفاعل المختار وقدرته ، التي هي العلّة التامّة لوجود الأشياء.

فإذا كانت القدرة هي العلّة التامّة ، فلا يكون وجود شيء واجبا عند حصول الأسباب الطبيعيّة ، ولا يكون شيء مفقودا بحسب الوجود(١) عند فقدان الأسباب والشرائط.

ولكن جرت عادة الله تعالى في الموجودات أنّ الأشياء تحصل عند وجود شرائطها ، وتنعدم عند انعدامها ، فهذه العادة في الطبيعة جرت مجرى الوجوب.

فالشيء الذي له شرائط في الوجود ، يجب تحقّقه عند وجود تلك الشرائط ، وانتفاؤه عند انتفائها ، بحسب ما جرى من العادة.

وإن كان ذلك الشيء ـ بالنسبة إلى القدرة ـ غير واجب ، لا في صورة التحقّق ، لتحقّق الشرائط ، ولا في صورة الانتفاء ، لانتفائها ، بل جاز في العقل تحقّق الشرائط وتخلّف ذلك الشيء ، وجاز تحقّقه مع انتفاء الشرائط ، إذ لم يلزم منه محال عقلي ، وذلك بالنسبة إلى قدرة المبدئ ، الذي هو الفاعل المختار.

مثلا : الرؤية التي نباحث فيها لها شرائط ، وجب تحقّقها عند تحقّقها ، وامتنع وقوعها عند فقدان الشرائط.

كلّ ذلك بحسب ما جرى من عادة الله تعالى في خلق بعض الموجودات ، بإيجاده عند وجود الأسباب الطبيعيّة ، دون انتفائها.

فعدم تحقّق الرؤية عند وجود الشرائط ، [ أ ] وتحقّقها عند فقدان الشرائط ، محالّ عاديّ(٢) ؛ لأنّه جار على خلاف عادة الله تعالى ، وإن كان

__________________

(١) في المصدر : الوجوب.

(٢) في المصدر : عادة.

٧٦

جائزا عقلا إذا جعلنا قدرة الفاعل وإرادته علّة تامّة لوجود الأشياء.

هذا حاصل مذهب الأشاعرة.

فيا معشر الأذكياء! أين هذا من السفسطة؟!

وإذا عرفت هذا سهل عليك جواب كلّ ما أورده هذا الرجل في هذه المباحث من الاستبعادات والتشنيعات.

وأمّا جواب الإمام الرازي فهو واقع بإزاء الاستبعاد ، فإنّهم يستبعدون أنّ الحديدة المحماة الخارجة من التنوّر يجوز عقلا أن لا تحرق شيئا.

فذكر الإمام وجه الجواز عقلا بخلق الله تعالى عقيب الخروج من التنّور برودة في تلك الحديدة ؛ فيكون جوابه صحيحا.

والله أعلم بالصواب.

وأمّا قوله : « إنّ المتنازع فيه أنّ الجسم الذي في غاية الحرارة ، يلمسه الإنسان الصحيح البنية ، السليم الحواسّ ، حال شدّة حرارته ، ولا يحسّ بتلك الحرارة ؛ فإنّ أصحابه يجوّزون ذلك ».

فنقول فيه : قد عرفت آنفا ما ذكرناه من معنى هذا التجويز ، وأنّه لا ينافي الاستحالة عادة ، فهم لا يقولون : إنّ هذا ليس بمحال عادة ، ولكن لا يلزم منه محال عقلي ـ كاجتماع الوجود والعدم ـ ، فيجوز أن تتعلّق به القدرة الشاملة الإلهية ، وتمنع الحرارة عن التأثير.

ومن أنكر هذا ، فلينكر كون النار بردا وسلاما على إبراهيم.

٧٧

وأقول :

ما ذكره من مغايرة الأشاعرة للسوفسطائية في خصوصيات الأقوال ، لا ينافي مشابهتهم لهم في مخالفة الضرورة ، كما هو مطلوب المصنّف ;.

فالمراد أنّهم مثلهم في إنكار المحسوسات الضرورية ، وغلطهم فيها غلطا بيّنا يستوضحه كلّ ذي عقل.

وأمّا ما ذكره في بيان مذهب الأشاعرة ، فهو تكرير لما سبق ، وقد عرفت أنّ قولهم بنفي سببية الأسباب الطبيعية واقعا ، وجواز تخلّف المسبّبات عنها ، وجواز وجود المسبّبات بدونها ، مخالف للضرورة ، ومستلزم لعدم صحّة الحكم على الجسم بالحدوث ، وعلى المركّب بالإمكان إلى غير ذلك ممّا سبق.

مع إنّ تجويز رؤية الأعمى ، وسماع الأطرش ـ العادمين لقوّتي البصر والسمع ـ مستلزم لجواز قيام العرض بلا معروض ، وهو محال.

وفرض قوّة أخرى يجعل النزاع لفظيا ، وهو ليس كذلك ، فلا يمكن تخلّف المسبّب عن سببه الطبيعي ، ولا وجوده بدونه ، بلا منافاة في ذلك لعموم القدرة ، لاعتبار الإمكان في محلّها ، كما سبق.

فكما لا يصحّ تعلّقها بإيجاد شريك الباري سبحانه ، وبالجمع بين الوجود والعدم ، لا يصحّ تعلّقها بالمسبّب بدون السبب المفروض السببية.

وأمّا ما يظهر منه من كون القدرة علّة تامّة لوجود الأشياء ، فخطأ

٧٨

ظاهر ، لاستلزامه قدم الحادثات ، أو حدوث القدرة.

ولمّا أنكر الأشاعرة علّيّة الأسباب الطبيعية ـ والحال أنّها من أظهر أحوال الموجودات ـ لزمهم نفي الثقة بالموجودات البديهية ـ من المحسوسات وغيرها ـ ودخلوا في السوفسطائية ، المخالفين للبديهة.

وأمّا ما ذكره في توجيه جواب الرازي ، فمنحلّ إلى أنّه إقناعيّ خارج عن محلّ الكلام ، وأنت تعلم أنّ مثله لا يقع في بحث العلماء.

وأمّا قوله : « ومن أنكر ذلك ، فلينكر كون النار بردا وسلاما على إبراهيم » ، فمدفوع بأنّ صريح الآية الكريمة صيرورة النار بردا ـ كما في فرض الرازي ـ ، فلا دخل لها بمطلوبه من عدم تأثيرها للإحراق حال حرارتها.

٧٩
٨٠

وقال الميرزا عبد الله الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) ـ بعد أن نقل قول المجلسي ـ : وأقول : فعلى قول النجاشي ، فالطبرسي من رواة هذه الرسالة لا أنّه جامعها ، فتأمّل.

ثمّ ذكر ما في أوّل نسخة الطبرسي ، ثمّ قال : ثمّ ليعلم أنّ لكتاب صحيفة الرضا ( عليه السلام ) طرقاً عديدة سوى طريق الشيخ الطبرسي من طرق الخاصّة والعامّة ، ولنذكر في هذا المقام طائفة من طرقها التي وصلت إلينا ممّا يتمّ به في المرام ، ثمّ ذكر أربع طرق أُخرى للصحيفة ، وقال : والظاهر أنّ هؤلاء الرجال كلّهم من طرق العامّة اللهم إلاّ نادراً فليلاحظ. بعدها ذكر طريقين آخرين(١) .

وهذه الأسانيد تنتهي كلّها إلى أبي القاسم عبد الله بن أحمد الطائي ، عن أبيه ، عن الرضا ( عليه السلام )(٢) .

وقال الميرزا النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) : ويعبّر عنه أيضاً بمسند الرضا ( عليه السلام ) كما في مجمع البيان ، وبالرضويّات كما في كشف الغمّة ، وهو من الكتب المعروفة المعتمدة الذي لا يدانيه في الاعتبار والاعتماد كتاب صنّف قبله أو بعده ، وهو داخل في فهرست كتاب الوسائل ، إلاّ أنّ له نسخاً متعدّدة وأسانيد مختلفة ، ويزيد متن بعضها على بعض ، واقتصر صاحب الوسائل على نسخة الشيخ الطبرسي ( قدس سره ) وروايته ، وكأنّه لم يلتفت إلى اختلافها أو لم يعثر على باقيها ، وقد عثرنا على بعضها وأخرجنا منها ما ليس في نسخة الطبرسي ، فرأيت أن أُشير إلى الاختلاف وأذكر الطرق ، فلربّما وقف الناظر على خبر نقلته أو نقل منها ولا يوجد في النسخة المعروفة ، فلا يبادر إلى التخطئة ، وقد جمعها الفاضل الميرزا عبد الله في

____________

١ ـ رياض العلماء ٤ : ٣٤٦ ، ٣٥٠.

٢ ـ الذريعة ١٥ : ١٧ [ ٩٢ ].

٨١

رياض العلماء ، ونحن نسوقها بألفاظه ، ثمّ أورد ما ذكره صاحب الرياض.

ثمّ ذكر أنّه عثر على نسخة السند الأخير الذي ذكره صاحب الرياض ، وأنّ فيها ما ليس في مسند الشيخ الطبرسي ( قدس سره ) ، ثمّ قال : ويأتي في الفائدة الثالثة في ذكر مشايخ عماد الدين الطبري سند آخر إليها ذكره في كتابه بشارة المصطفى(١) .

ثمّ ذكر طريق الطبرسي ( قدس سره ) ، وقال بعده : ولا يخفى أنّ من راجع كتب الصدوق سيّما عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، وأمالي المفيد ، وترجمة عبد الله وأبيه أحمد الطائي ، وغيرها ، علم أنّ هذه الصحيفة المباركة من الأُصول المشهورة المتداولة بين الأصحاب ، ثمّ أورد ما قاله النجاشي(٢) .

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : صحيفة الرضا ، المعبّر عنها بمسند الرضا ، وبالرضويّات أيضاً ، وصحيفة أهل البيت كما يظهر من بعض أسانيده ، وقد أحصى بعض الأصحاب أحاديثها فوجدها ٢٤٠ حديثاً ، وهي منسوبة إلى الإمام على بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، مرويّة عنه بأسانيد متعدّدة(٣) .

وقال المير حامد حسين ( ت ١٣٠٦ هـ ) صاحب عبقات الأنوار : ولا يخفى أنّ كتاب صحيفة الرضا ( عليه السلام ) من الكتب المعروفة المعتمدة ، والأُصول المشهورة المستندة ، وصحّة انتسابها إلى الإمام الرضا ـ عليه أزكى السلام والتحيّة والثناء ـ من خلال أقوال أكابر أعلام وأجلّة عظماء أهل السنّة ظاهر وواضح ، ثمّ أورد بعض أقوال أهل السنّة فيها(٤) .

____________

١ ـ بشارة المصطفى : ٢١٥ ، وذكره في خاتمة المستدرك ٣ : ١٧.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٢١٧.

٣ ـ الذريعة ١٥ : ١٧ [ ٩٢ ].

٤ ـ عبقات الأنوار ( حديث مدينة العلم ، قسم السند ) ٥ : ٢٠ مترجم من الفارسية.

٨٢

والنسخة المطبوعة المحقّقة من قبل الشيخ محمّد مهدي نجف ، هي النسخة المعروفة المشهورة في الأوساط العلميّة بنسخة الطبرسي ( رحمه الله ) ، وسندها : أخبرنا الشيخ الإمام الأجلّ العالم الزاهد الراشد ، أمين الدين ، ثقة الإسلام ، أمين الرؤساء ، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي أطال الله بقاءه ، في يوم الخميس غرّة شهر الله الأصمّ رجب سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، قال : أخبرنا الشيخ الإمام السعيد الزاهد أبو الفتح عبيد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري أدام الله عِزّه ، قراءة عليه داخل القبّة التي فيها قبر الرضا ( عليه السلام ) غرّة شهر الله المبارك رمضان سنة إحدى وخمسمائة ، قال : حدّثني الشيخ الجليل العالم أبو الحسن علي بن محمّد بن علي الحاتمي الزوزني ، قراءة عليه سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن هارون الزوزني بها ، قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن محمّد ، حفدة العباس بن حمزة النيشابوري ، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ، قال : حدَّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدَّثني أبي سنة ستّين ومائتين ، قال : حدَّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر(١) .

وهذه النسخة محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة المسجد الأعظم العامرة بقم المشرّفة ضمن المجموعة المرقّمة [ ٢٧٤٥ ](٢) .

وقال المحقّق : امتازت هذه النسخة ، إضافة إلى كونها أقدم نسخة وصلت إلينا من الصحيفة ، برواية الشيخ الطبرسي ( قدس سره ) ، بسنده عن أبي القاسم عبد الله بن أحمد الطائي ، وبقراءة المولى عبد الخالق بن المولى عبد

____________

١ ـ صحيفة الرضا : ٣٩.

٢ ـ صحيفة الرضا : ٢٧ ، وصف الأُصول المعتمدة.

٨٣

العلي البيهقي على العالم الفاضل المولى حسين بن علي البيهقي السبزواري المشتهر بالكاشفي ، في أواخر شعبان سنة ( ٨٧٢ هـ ) ، وبيان طريقه لرواية هذه الصحيفة ، نصّه :

« بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي نوّر شجرة النبوّة بأنوار الهداة ، وزيّن حدائق الولاية بأزهار أسرار الكُمَّل الثقات ، والصلاة على مظهر جوامع الكلم المسلسلات محمّد وآله وعترته عيون المعارف العينيّة المخصّصات.

أما بعد ، فقد قرأ الصحيفة الرضويّة بتمامها المولى المعظّم ، افتخار الصلحاء ، زين الأتقياء ، جامع الصفات الرضويّة ، ومجمع الخلال المرضيّة ، مولانا نظام الملّة والدين عبد الخالق بن المولى الرفيع ، والعارف المنيع ، أُسوة العرفاء ، قدوة الطرفاء ، مولانا تاج الملّة والدين عبد العلي البيهقي أدام الله ظلّهما ، على الفقير الكسير الكثير التقصير حسين بن علي الواعظ المشتهر بالكاشفي ، غفر الله ذنوبه ، وستر عيوبه ، وأنا أرويها عن والدي روّح الله روحه ، وهو يرويه عن الفاضل العلاّمة محمّد بن عبد الله ، وهو عن شيخه الكامل تاج الدين إبراهيم بن القصاع الطبسي ، وهو عن شيخه الكامل مولانا تاج الدين علي تركة الكرماني ، وهو عن شيخه شيخ الإسلام غياث الدين هبة الله بن يوسف ، عن جدّه صدر الدين إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد الحموي ، عن ابن عساكر ، عن أبي روح الصوفي الهروي ، عن زاهر بن طاهر ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكّاكي ، قال : أخبرنا أبوالقاسم بن حبيب ، قال : أخبرنا محمّد بن عبد الله ابن محمّد النيسابوري ، قال : أخبرنا ، أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثني الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا ، عن آبائه إلى حضرة الرسالة ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنا أجزته أن يرويها

٨٤

عنّي بالشرائط المعتبرة ، وكان ذلك في أواخر شعبان سنة اثني وسبعين وثمانمائة »(١) .

وقد ذكر المحقّق في مقدّمته أحد عشر طريقاً آخر غير هذين الطريقين ، منها طريق الشيخ الصدوق ( رضي الله عنه ) في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، وهو : حدَّثنا أبو الحسن محمّد بن علي بن الشاه الفقيه المروزي بمرو الرود في داره ، قال : حدَّثنا أبو بكر بن محمّد بن عبد الله النيسابوري ، قال : حدَّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر بن سُليمان الطائي بالبصرة ، قال : حدَّثنا أبي في سنة ستّين ومائتين ، قال : حدَّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة(٢) .

ولكنّه لم يذكر الطريقين الآخرين للصدوق ، وهي : وحدَّثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور ، قال : حدَّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن هارون بن محمّد الخوري ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد بن زياد الفقيه الخوري بنيسابور ، قال : حدَّثنا أحمد بن عبد الله الهروي الشيباني ، عن الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ).

وحدَّثني أبو عبد الله الحسين بن محمّد الأشناني الرازي العدل ببلخ ، قال : حدَّثنا علي بن محمّد بن مهرويه القزويني ، عن داود بن سُليمان الفرّاء ، عن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر(٣) .

وقال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) في ترجمة أحمد بن عامر بن سُليمان

____________

١ ـ صحيفة الرضا ( عليه السلام ) : ٢٧ ، وصف الأُصول المعتمدة.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٨ ح ٤ ، وصحيفة الرضا ( عليه السلام ) : ١٤ ، نحن وأسانيد الصحيفة.

٣ ـ عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٨ ح ٤.

٨٥

الطائي : قال عبد الله ابنه ـ في ما أجازنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم ـ حدَّثنا أبي ، قال : حدَّثنا عبد الله ، قال : ولد أبي سنة سبع وخمسين ومائة ، ولقي الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، رفع(١) إليّ هذه النسخة ( نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ) أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى الجندي ، شيخنا ( رحمه الله ) ، قرأتها عليه ، حدّثكم أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عامر ، قال : حدَّثنا أبي ، قال : حدَّثنا الرضا علي بن موسى ( عليه السلام ) ، والنسخة حسنة(٢) .

وكذا قال في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر : روى عن أبيه ، عن الرضا ( عليه السلام ) نسخة ، قرأت هذه النسخة على أبي الحسن أحمد بن محمّد بن موسى ، أخبركم أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه ، عن الرضا ( عليه السلام )(٣) .

وهذا أبو القاسم عبد الله بن عامر هو الذي تنتهي إليه طرق معظم النسخ.

وقد عرّف المحقّق في مقدّمته عدّة نسخ خطيّة للصحيفة :

منها : ما في خزانة مخطوطات مكتبة البحّاثة المحقّق الأُستاذ فخر الدين نصيري أميني ، وهي بتاريخ ( ٧٦١ هـ ).

ومنها : ما في مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم وتاريخها ( ٨٥١ هـ ).

ومنها : في المكتبة الرضويّة وهي بتاريخ ( ٨٨١ هـ ).

ومنها : النسخة المار ذكرها سابقاً في مكتبة المسجد الأعظم بقم(٤) .

____________

١ ـ في طبعة أُخرى دفع.

٢ ـ رجال النجاشي : ١٠٠ [ ٢٥٠ ].

٣ ـ رجال النجاشي : ٢٢٩ [ ٦٠٦ ].

٤ ـ صحيفة الرضا ( عليه السلام ) : ٢٦ ، وصف الأُصول المعتمدة.

٨٦

وقد طبعت الصحيفة مرّة أُخرى بتحقيق مدرسة الإمام المهدي ( عليه السلام ) على نسخ خطيّة أُخرى إضافة إلى ما اعتمده الشيخ محمّد مهدي نجف ، وزادوا في أسانيد الصحيفة ، وأوصلوها إلى ( ٨٠ ) سنداً(١) .

ولصحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) أسانيد أُخرى تنتهي إلى داود بن سُليمان الغازي ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، أفردناها تحت عنوان مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، تمييزاً لها عمّا جاء برواية أحمد بن عامر الطائي.

____________

١ ـ صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) ( بتحقيق مدرسة الإمام المهدي ( عج ) ) ، مقدّمة التحقيق.

٨٧
٨٨

(٥) مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) ( ت ٢٠٣ هـ )

برواية داود بن سليمان الغازي

الحديث :

يقول الشيخ المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في سند هذا المسند(١) : وجدتُ بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبائي ، نقلا من خطّ الشيخ الشهيد محمّد بن مكّي ـ قدس الله روحهما ـ ما هذه صورته : يروي السيّد الفقيه الأديب النسّابة شمس الدين أبو علي فخّار بن معد جزءاً فيه أحاديث مسندة عن علي بن موسى الرضا الإمام المعصوم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قراءة على الشيخ أبي طالب عبد الرحمن بن محمّد بن عبد السميع الهاشمي الواسطي ، وأنّهاه في ذي الحجّة سنة أربع عشرة وستمائة في منزل الشيخ بقرى واسط ، ورأيتُ خطّه له بالإجازة ، وإسناد الشيخ عن أبي الحسن علي بن أبي سعد محمّد بن إبراهيم الخبّاز الأزجي ، بقراءته عليه عاشر صفر سنة سبع وخمسين وخمسمائة ، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين ابن عبد الملك بن الحسين الخلاّل ، بقراءة غيره عليه ، وهو يسمع ، في يوم الجمعة رابع صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، عن الشيخ أبي أحمد حمزة بن فضالة بن محمّد الهروي بهراة ، عن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم

____________

١ ـ هذا الحديث منقول من جزء فيه أحاديث وصل إلى العلاّمة المجلسي بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبائي ( الجباعي ).

٨٩

ابن محمّد بن عبد الله بن يزداد بن علي بن عبد الله الرازي ثمّ البخاري ببخارى ، قرئ عليه في داره في صفر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ، قال : حدَّثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن مهرويه القزويني بقزوين ، قال : حدّثنا داود بن سليمان بن يوسف بن أحمد الغازي ، قال : حدَّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، عن أبيه عن آبائه بأسمائهم في كلّ سند إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

وبهذا الإسناد ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « كأنّي قد دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(١) .

داود بن سليمان الغازي :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : داود بن سليمان بن جعفر أبو أحمد القزويني ، ذكره ابن نوح في رجاله ، له كتاب عن الرضا ( عليه السلام )(٢) .

وذكره الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في أصحاب الرضا ( عليه السلام ) ، وقال : داود ابن سليمان بن يونس بن أحمد الغازي ، أسند عنه ( عليه السلام ) ، روى عنه ابن مهرويه(٣) .

وذكره ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) في قسم الثقات من كتابه ، ونقل قول النجاشي(٤) .

وقال الكاظمي ( القرن الحادي عشر ) : ابن جعفر القزويني

____________

١ ـ البحار ١٠ : ٣٦٦ ح ١٨ ، كتاب الاحتجاج.

٢ ـ رجال النجاشي : ١٦١ [ ٤٢٦ ] ، وانظر : جامع الرواة ١ : ٣٠٤ ، مجمع الرجال ٢ : ٢٨٤ ، معجم رجال الحديث ، ٨ : ١١٣ [ ٤٤٠٧ ] ، منهج المقال : ١٣٥.

٣ ـ رجال الطوسي : ٣٥٧ [ ٥٢٩٢ ] ، في أصحاب الرضا ( عليه السلام ).

٤ ـ رجال ابن داود : ٩٠ [ ٥٨٨ ] ، القسم الأوّل.

٩٠

الممدوح(١) ، وعدّه في الحاوي في الضعفاء(٢) .

وقال المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) ـ بعد أن نقل عبارة النجاشي ـ : وظاهره كونه إماميّاً ، واستظهر الوحيد من عبارة الجنابذي(٣) كونه عاميّاً ، واستشهد لذلك بكون عادته وصل سنده إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، يعني أنّه يروي عن الرضا ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن علي ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )(٤) وأنت خبير بأنّ مجرّد نقل الجنابذي كونه ممّن يروي عن الرضا ( عليه السلام ) لا يدلّ على كونه عاميّاً ، مع أنّ الموجود في عبارة الجنابذي كما تسمعها في ترجمة عبد الله بن العبّاس القزويني(٥) إنّما هو سليمان بن داود لا داود بن سليمان ، فسهى قلم الوحيد ( رحمه الله ) في النسبة(٦) ، وأمّا وصله السند إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلا يدلّ على كونه عاميّاً ، إذ لعلّه لإلقاء الحجّة على الخصم ، وإلاّ فالعامّي

____________

١ ـ هداية المحدّثين : ١٩٩.

٢ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٤٥٥ [ ١٥٤٨ ].

٣ ـ انظر عبارة الجنابذي في كشف الغمّة ٣ : ٥٨ ، قال بعد أن ترجم للرضا ( عليه السلام ) روى عنه عبد السلام بن صالح الهروي ، وداود بن سليمان ، وعبدالله بن العبّاس القزويني وطبقتهم.

٤ ـ منهج المقال ( مع تعليقة البهبهاني ) : ١٣٥ ، ولكنّه قال بعده : مع احتمال كون حاله مثل حال عبد السلام بن صالح.

وقال في ترجمة عبد السلام بن صالح الهروي أبو الصلت ( ص ١٩٣ ) ـ بعد أن نقل قول الجنابذي أيضاً ـ : ربّما يتوهّم كونه عاميّاً من أمثال هذا ، وذكرنا مراراً أنّ أمثال هؤلاء ظهر من الخارج تشيّعهم ، نعم ، يشعر بأنّه مخالط للعامّة وراو لأحاديثهم كما ذكره ( رحمه الله ) ، أي الاسترابادي.

٥ ـ تنقيح المقال ٢ : ١٩٥ ، منهج المقال ( التعليقة ) : ٢٠٤.

٦ ـ الموجود في كشف الغمّة داود بن سليمان ، وكذا في ترجمة عبد السلام بن صالح أبو الصلت في تعليقة الوحيد ( ص ١٩٣ ) ، فالظاهر أنّه ( رحمه الله ) سهى قلمه في ترجمة عبدالله بن العبّاس القزويني ( ص ٢٠٤ ) وقلب الاسم ، ولم يكن السهو منه في أنّ من ترجم له هو ما ذكره الجنابذي ، فتأمّل.

٩١

الذي لا يقول بإمامتهم لا يعتمد غالباً على روايتهم ( عليهم السلام ) أيضاً. وبالجملة : فلا يرفع اليد عن ظاهر كلام النجاشي الذي أصّلنا في الفائدة التاسعة عشرة دلالة عنوانه للرجل من دون غمز في مذهبه على كونه إماميّاً ، بمثل هذه الأوهام نعم ، لم يرد في الرجل ما يلحقه بالحسان نعم ، في المشتركات أنّه ممدوح ، انتهى(١) .

ولكن المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) قال في الإرشاد : فصل : فممّن روى النصّ على الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ) بالإمامة من أبيه ، والإشارة إليه منه بذلك ، من خاصّته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته : وداود ابن سليمان(٢) .

ثمّ روى عنه وقال : بهذا الإسناد ، عن محمّد بن علي ، عن أبي علي الخزّاز ، عن داود بن سيلمان ، قال : قلت لأبي إبراهيم ( عليه السلام ) : إنّي أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك ، فأخبرني من الإمام بعدك؟ فقال : « ابني فلان » ، يعني أبا الحسن ( عليه السلام )(٣) .

والظاهر أنّه نقلها من الكافي(٤) .

فقال التفرشي ( القرن الحادي عشر ) في ترجمة داود بن سليمان بن جعفر أبي أحمد القزويني : ويحتمل أن يكون هذا هو الذي ذكره المفيد ( رحمه الله ) في إرشاده ، حيث قال : ، ونقل ما في كلام المفيد(٥) .

____________

١ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٠ ، وانظر : أعيان الشيعة ٦ : ٣٧٢.

٢ ـ إرشاد المفيد ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد المجلّد ١١ ) ٢ : ٢٤٨.

٣ ـ إرشاد المفيد ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد المجلّد ١١ ) ٢ : ٢٥١.

٤ ـ الكافي ١ : ٣١٣ ح ٨ ، كتاب الحجّة ، باب : الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ). وعن الكليني ، الطوسي في الغيبة : ٣٨ ، وأيضاً أعلام الهدى ٢ : ٤٦.

٥ ـ نقد الرجال ٢ : ٢١٣ [ ١٨٨٢ ].

٩٢

وعلّق عليه البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) بقوله : واحتمل في نقد الرجال كونه هو الذي وثّقه المفيد ، ولعلّه لا يخلو عن بعد ، فتأمّل(١) .

ونقل الشيخ أبو علي ( ت ١٢١٦ هـ ) عن تعليقة البهبهاني ، قوله : إلاّ أنّ اتّحاد الذي وثّقه المفيد مع المذكور عن النجاشي محلّ نظر ، وإن احتمله فى النقد أيضاً(٢) . وهذه العبارة غير موجودة في التعليقة ، فلعلّها من كلام أبي علي نفسه.

وقال المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) في ترجمة القزويني في نهاية كلامه الذي أوردناه آنفاً : وأمّا احتمال كون الرجل هو الآتي الذي وثّقه المفيد ( رحمه الله ) ، فهو كما ترى ، فتدبّر.

ثمّ ترجم مباشرة لداود بن سليمان الذي ذكره المفيد ، وساق كلام المفيد وما رواه عنه في النصّ على الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، والرواية التي بعدها عن نصر بن قابوس ، ثمّ قال : فإنّ خبر داود نصّ في كونه إماميّاً ، وقال أيضاً : وعلى كل حال فوثاقة داود بن سليمان ينبغي الإذعان بها بشهادة المفيد ( رحمه الله ) ، واتّحاده مع سابقه غير بعيد ، والله العالم(٣) .

وعلّق في القاموس ، أقول : الأصل في روايته ، الكافي في النصّ عليه ( عليه السلام ) ، وقد نقل الجامع(٤) خبر الكافي في داود بن سليمان الحمّار الكوفي لا القزويني.

فإن قيل : إنّ الحمّار لم ينقل روايته عن غير الصادق ( عليه السلام ).

قلت : القزويني أيضاً لم ينقل روايته عن غير الرضا ( عليه السلام ) أيضاً ، وهذا

____________

١ ـ تعليقة البهبهاني : ١٣٥.

٢ ـ منتهى المقال ٣ : ٢٠١ ، وانظر : خاتمة المستدرك ٧ : ٣٥٨ [ ٨٧٢ ].

٣ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٠.

٤ ـ جامع الرواة ١ : ٣٠٤.

٩٣

روى عن الكاظم ( عليه السلام )(١) .

وقال أيضاً في ترجمة داود بن سليمان الحمّار : بل يتّحد معه أيضاً داود ابن سليمان الآتي عن الإرشاد(٢) .

أقول : هذه الرواية التي رواها الكليني والمفيد ، رواها الصدوق في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، عن أبي علي الخزاز ، عن داود الرقي ، لا داود بن سليمان ، قال : نصّ آخر : حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) ، قال : حدَّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار ، قال : حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الله بن محمّد الحجال وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي علي الخزّاز ، عن داود الرقي ، قال : قلت لأبي إبراهيم ـ يعني موسى الكاظم ( عليه السلام ) ـ : فداك أبي ، إنّي كبرت وخفت أن يحدث بي حدث ولا ألقاك فأخبرني من الإمام من بعدك؟ فقال : « ابني علي ( عليه السلام ) »(٣) .

ولا يخفى أتمّية عبارة هذه الرواية ممّا موجود في الكافي ، ولكن الكافي مقدّم عند الكلّ ، فتأمّل.

وعلى كلّ ، قد دار الاحتمال بين ثلاثة :

فإمّا على كونه داود الرقي ، فلا يكون له علاقة بالمترجم له.

وإمّا على كونه الحمّار ، فإنّ في الرواية : « إنّي أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك » ، ويوضّح ذلك في الرواية الثانية ـ على فرض أنّهما رواية واحدة ـ فإنّ فيها : « إنّي كبرت وخفت أن يحدث بي حدث ولا ألقاك »

____________

١ ـ قاموس الرجال ٤ : ٢٤٤ [ ٢٧٢٩ ].

٢ ـ قاموس الرجال ٤ : ٢٤٣ [ ٢٧٢٧ ].

٣ ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ١ : ٣٣ ح ٨ ، الباب : (٤).

٩٤

فيظهر منه أنّه كان كبير السن ، وخاف الحدث في وقت سؤاله للإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وكبر سنّه يرجّح كونه قد صحب الإمام الصادق ( عليه السلام ) قبل ذلك ، ثمّ صحب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وسأله عن الإمام بعده.

ومن خلال هذا يتّضح الأمر في الاحتمال الثالث وبُعد كونه الغازي القزويني ، خاصّة وقد عدّه صاحب الجامع الحمّار ، وهو خرّيت الصناعة.

وقد ترجم للغازي الرافعي ( ت ٦٢٣ هـ ) في التدوين ، قال : داود بن سليمان بن يوسف الغازي أبو أحمد القزويني ، شيخ اشتهر بالرواية عن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، ويقال : إنّ علياً كان مستخفياً في داره مدّة مكثه بقزوين ، وله نسخة عنه يرويها أهل قزوين عن داود ، كإسحاق بن محمّد ، وعلي بن محمّد بن مهروية ، وغيرهما(١) .

وقال أيضا في ترجمة الرضا ( عليه السلام ) : قد اشتهر اجتياز علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) بقزوين ، ويقال : إنّه كان مستخفياً في دار داود بن سليمان الغازي ، روى عنه النسخة المعروفة ، روى عنه إسحاق بن محمّد ، وعلي ابن محمّد بن مهرويه ، وغيرهما(٢) .

وقد ضعّفه العامّة وكذّبه الذهبي ، كما ذكر ذلك صاحب الأعيان ، وأجاب عليه : ويظهر ممّا مرّ أنّ تكذيب الذهبي له المعلوم حاله ، إنّما هو لروايته من الفضائل ما لا تقبله عقولهم ، مع أنّه ليس فيما نقلوه من الروايات عنه نكارة ، ولا ما يوجب الجزم بكذبه. وقول ابن حجر عن بعضها : إنّه ركيك اللفظ ، لعلّه من هذا القبيل ، والأحاديث لم تنقل لبيان الفصاحة والبلاغة ، ولو جاءت هذه الأحاديث لبيان ما يوافق الهوى لم

____________

١ ـ التدوين في أخبار قزوين ٣ : ٣

٢ ـ التدوين في أخبار قزوين ٣ : ٤٢٨.

٩٥

يلتفت إلى أنّها ركيكة أو قويّة(١) .

وعلى كلّ حال فالرجل مسكوت عنه في كتبنا لم يذكر بمدح أو قدح ، سوى أنّه من أصحاب الرضا ( عليه السلام ).

مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) برواية داود بن سليمان الغازي :

ذكر النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) أنّ له كتاباً ، قال : له كتاب عن الرضا ( عليه السلام ) ، أخبرني محمّد بن جعفر النحوي ، قال : حدَّثنا الحسين بن محمّد الفرزدق القطعي ، قال : حدَّثنا أبو حمزة بن سليمان ، قال : نزل أخي داود بن سليمان ، وذكر النسخة(٢) .

وقد مرّ عن رجال الطوسي أنّه أسند عن الرضا ( عليه السلام ) ، وروى عنه ابن مهرويه(٣) .

وهناك نسخة مطبوعة برواية ابن مهرويه ، حققّها السيّد محمّد جواد الجلالي ، وقدّم لها السيّد محمّد حسين الجلاّلي مقدّمة ضافية ترجم فيها للغازي القزويني ، وذكر عدّة طرق للنسخة ، وطريقه إليها أيضاً ، ومواصفات وسند النسخة المعتمدة الموجودة في مكتبة آية الله المرعشي النجفي بقم برقم ( ٥٣٥٨ )(٤) .

____________

١ ـ أعيان الشيعة ٦ : ٣٧٣.

٢ ـ رجال النجاشي : ١٦١ [ ٤٢٦ ].

٣ ـ رجال الطوسي : ٣٥٧ [ ٥٢٩٢ ].

٤ ـ انظر مسند الإمام الرضا ( عليه السلام ) برواية داود بن سليمان الغازي ، تحقيق السيّد محمّد جواد الحسيني الجلالي ، المقدّمة التي كتبها السيّد محمّد حسين الحسيني الجلالي للكتاب.

٩٦

أمّا النسخة التي أوردنا منها حديث الثقلين ، فهي جزء فيه أحاديث بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبائي ( الجباعي ) وصلت إلى العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) ، وأوردها في البحار ، قال : وجدت بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبائي نقلاً عن خطّ الشيخ الشهيد محمّد بن مكي ( قدس سرهما ) ما هذه صورته :

يروي السيّد الفقيه الأديب النسّابة شمس الدين أبو علي فخار بن معد ، جزءاً فيه أحاديث مسندة ، عن علي بن موسى الرضا الإمام المعصوم عليه الصلاة والسلام ، قراءة على الشيخ أبي طالب عبد الرحمن بن محمّد ابن عبد السميع الهاشمي الواسطي ، وأنهاه في ذي الحجّة سنة أربع عشرة وستمائة في منزل الشيخ بقرى واسط ، ورأيت خطّه له بالإجازة ، وإسناد الشيخ عن أبي الحسن علي بن أبي سعد محمّد بن إبراهيم الخبّاز الأزجي ، بقراءته عليه عاشر صفر سنة سبع وخمسين وخمسمائة ، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين الخلاّل ، بقراءة غيره عليه ، وهو يسمع ، في يوم الجمعة رابع صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، عن الشيخ أبي أحمد حمزة بن فضالة بن محمّد الهروي بهراة ، عن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن يزداد بن علي بن عبد الله الرازي ثمّ البخاري ببخارى ، قرئ عليه في داره في صفر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ، قال : حدَّثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن مهرويه القزويني بقزوين ، قال : حدَّثنا داود بن سليمان بن يوسف بن أحمد الغازي ، قال : حدَّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، عن أبيه ، عن آبائه ( عليهم السلام ) بأسمائهم في كلّ سند إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « الإيمان إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان ».

٩٧

قال علي بن مهرويه : قال أبو حاتم محمّد بن إدريس الرازي : قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي : لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق ، قال الشيخ أبو إسحاق : سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، يقول : كنت مع أبي بالشام ، فرأيت رجلا مصروعاً ، فذكرت هذا الإسناد ، فقلت : أُجرب هذا ، فقرأت عليه هذا الإسناد ، فقام الرجل ينفض ثيابه ، ومرّ(١) .

____________

١ ـ البحار ١٠ : ٣٦٦.

٩٨

(٦) أصل ( كتاب ) محمّد بن المثنى بن القاسم الحضرمي ( القرن الثالث )

الحديث :

حدَّثنا الشيخ أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ـ أيّده الله ـ قال : حدَّثنا محمّد بن همام ، قال : حدَّثنا حميد بن زياد الدهقان ، قال : حدَّثنا أبو جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي البزّاز(١) :

قال : حدَّثنا محمّد بن المثنى بن القاسم الحضرمي ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي ، ثمّ أورد عدّة روايات(٢) ، ثمّ بعده :

جعفر بن محمّد ، عن ذريح ، قال : حدَّثني عمر بن حنظلة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) « إنّ رسول الله مرّ على قبر قيس بن فهد الأنصاري

قال : وقال : « نحن ورثة الأنبياء ».

قال : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تركت فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتي ، فنحن أهل بيته »(٣) .

____________

١ ـ إلى هنا سند رواية أصل الحضرمي ، بطريق هارون بن موسى التلعكبري.

٢ ـ الأُصول الستّة عشر : ٨٣ ، أصل محمّد بن المثنى الحضرمي.

٣ ـ الأُصول الستّة عشر : ٨٧ ـ ٨٨ ، أصل محمّد بن المثنى الحضرمي.

٩٩

محمّد بن المثنى بن القاسم الحضرمي :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : محمّد بن مثنى بن القاسم ، كوفي ، ثقة له كتاب(١) .

وقال العلاّمة ( ت ٧٢٦ هـ ) : محمّد بن مثنى بن القاسم ، كوفي ثقة(٢) . ومثله ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) ، ورمز له : لم ( جش )(٣) ، أيّ رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) ، والنجاشي.

ولكن الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست عنونه : محمّد بن القاسم بن المثنى ، له كتاب(٤) ، ولم يذكره في رجاله بأيّ من العنوانين.

وعلّق على ذلك التفرشي ( القرن الحادي عشر ) في النقد بقوله : ويحتمل أن يكون هذا والذي سيجيء بعنوان : محمّد بن المثنى بن القاسم واحد(٥) ، ونقله البهبهاني في التعليقة ، وأضاف : وهو الظاهر بقرينة الرواة(٦) .

فإنّ طريق النجاشي للكتاب نفس طريق الطوسي ، كما سيأتي.

وأضاف أبو علي الحائري ( ت ١٢١٦ هـ ) : ويؤيّده عدم وجود ابن القاسم بن المثنى في غير الفهرست ، ويعضده وجود مثنى بن القاسم دون القاسم بن المثنى ، فتدبّر(٧) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٣٧١ [ ١٠١٢ ].

٢ ـ خلاصة الأقوال : ٢٦٤ [ ٩٤١ ] ، القسم الأوّل ، وانظر : حاوي الأقوال ٢ : ٢٧٦ [ ٦٤٠ ] ، منتهى المقال ٦ : ١٧٥ [ ٢٨٤٨ ].

٣ ـ رجال ابن داود : ١٨٢ [ ١٤٩١ ] ، القسم الأوّل ، وانظر : معالم العلماء : ١٠٩ [ ٧٣٤ ] ، وعنونه : محمّد بن القاسم المثنى ، والبلغة : ٤١٤.

٤ ـ فهرست الطوسي : ٤٣١ [ ٦٧٥ ].

٥ ـ نقد الرجال ٤ : ٣٠١ [ ٥٠١٣ ] ، وانظر : تنقيح المقال ٣ : ١٧٥ [ ١١٢٦٩ ].

٦ ـ منهج المقال ( مع تعليقة البهبهاني ) : ٣١٦.

٧ ـ منتهى المقال ٦ : ١٦٣ [ ٢٨٢٩ ].

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456