دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق17%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147563 / تحميل: 5876
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

قال المصنّف ـ عطّر الله ضريحه ـ(١) :

المبحث الخامس

في أنّ الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء ها هنا ، وحكموا بنقيض المعلوم بالضرورة ، فقالوا : إنّ الوجود علّة [ في ] كون الشيء مرئيا ، فجوّزوا رؤية كلّ شيء موجود ، سواء كان في حيّز أم لا ، وسواء كان مقابلا أم لا!

فجوّزوا إدراك الكيفيات النفسانية ـ كالعلم ، [ وإلإرادة ، ] والقدرة ، والشهوة ، واللذّة ـ ، وغير النفسانية ممّا لا يناله البصر ـ كالروائح ، والطعوم ، والأصوات ، والحرارة ، والبرودة ، وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ(٢) .

ولا شكّ أنّ هذا مكابرة للضروريّات ، فإنّ كلّ عاقل يحكم بأنّ الطعم إنّما يدرك بالذوق لا بالبصر ، والروائح إنّما تدرك بالشمّ لا بالبصر(٣) ، والحرارة ـ وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ إنّما تدرك باللمس لا بالبصر ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦١ ـ ٦٣ ، تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، شرح المقاصد ٤ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، شرح العقائد النسفية : ١٢٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٣.

(٣) كان في الأصل : « بالإبصار » ، وما أثبتناه من المصدر ليناسب وحدة السياق.

٨١

والصوت إنّما يدرك بالسمع لا بالبصر

[ ولهذا فإنّ فاقد البصر يدرك هذه الأعراض ؛ ولو كانت مدركة بالبصر لاختلّ الإدراك باختلاله ].

وبالجملة : فالعلم بهذا الحكم لا يقبل التشكيك ، وإنّ من شكّ فيه فهو سوفسطائي.

ومن أعجب الأشياء : تجويزهم عدم رؤية الجبل الشاهق في الهواء ، مع عدم الساتر! وثبوت رؤية هذه الأعراض التي لا تشاهد ولا تدرك بالبصر!

وهل هذا إلّا عدم تعقّل من قائله؟!(١) .

__________________

(١) اختلفت النسخ في إيراد هذه الجملة ؛ ففي المخطوط وطبعة طهران : « وهل هذا الأمر يغفل قائله؟! » وفي طبعة القاهرة وإحقاق الحقّ : « وهل هذا إلّا من تغفّل قائله؟! » ؛ ولا شكّ أنّ التصحيف قد طرأ عليها على أثر سقوط كلمة « عدم » ؛ وما أثبتناه من المصدر هو المناسب للسياق.

٨٢

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ الشيخ أبا الحسن الأشعري استدلّ بالوجود على إثبات جواز رؤية الله تعالى(٢) .

وتقرير الدليل ـ كما ذكر في « المواقف » وشرحه ـ : أنّا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرها ، من الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق ؛ وهذا ظاهر.

ونرى الجوهر أيضا ؛ لأنّا نرى الطول والعرض في الجسم ، وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم ، لما تقرّر من أنّه مركّب من الجواهر الفردة.

فالطول مثلا ، إن قام بجزء واحد ، فذلك الجزء يكون أكثر حجما من جزء آخر ، فيقبل القسمة ؛ هذا خلف.

وإن قام بأكثر من جزء واحد ، لزم قيام العرض [ الواحد ] بمحلّين ؛ وهو محال.

فرؤية الطول والعرض هي رؤية الجواهر التي تركّب منها الجسم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١١٨ ـ ١٢٢.

(٢) انظر : الإبانة عن أصول الديانة : ٦٦ الدليل ٨١ ، الملل والنحل ١ / ٨٧ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٥٧ ؛ وقال به الباقلّاني أيضا في تمهيد الأوائل : ٣٠١ ، وفخر الدين الرازي في الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٦٨ والمسائل الخمسون : ٥٦ الوجه الأوّل ، والتفتازاني في شرح العقائد النسفية : ١٢٦.

٨٣

فقد ثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، وهذه الصحّة لها علّة مختصّة بحال وجودهما ؛ وذلك لتحقّقها عند الوجود ، وانتفائها عند العدم ، ولو لا تحقّق أمر يصحّح حال الوجود غير [ متحقّق ] حال العدم لكان ذلك ترجيحا بلا مرجّح.

وهذه العلّة لا بدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض ، وإلّا لزم تعليل الأمر الواحد بالعلل المختلفة ، وهو غير جائز.

ثمّ نقول : هذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث ، إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما ، لكنّ الحدوث عدمي لا يصلح للعلّة ، فإذا العلّة المشتركة : الوجود ، فإنّه مشترك بينها وبين الواجب ، فعلّة صحّة الرؤية متحقّقة في حقّ الله تعالى ، فتتحقّق صحّة الرؤية ؛ وهو المطلوب.

ثمّ إنّ هذا الدليل يوجب أن تصحّ رؤية كلّ موجود : كالأصوات ، والروائح ، والملموسات ، والطعوم ـ كما ذكره هذا الرجل ـ ، والشيخ الأشعري يلتزم هذا ويقول : لا يلزم من صحّة الرؤية لشيء تحقّق الرؤية له.

وإنّا لا نرى هذه الأشياء التي ذكرناها بجري العادة من الله تعالى بذلك ـ أي بعدم رؤيتها ـ فإنّ الله تعالى جرت عادته بعدم خلق رؤيتها فينا ، ولا يمتنع أن يخلق الله فينا رؤيتها كما خلق رؤية غيرها.

والخصوم يشدّدون عليه الإنكار ويقولون : هذه مكابرة محضة ، وخروج عن حيّز العقل بالكلّيّة.

ونحن نقول : ليس هذا الإنكار إلّا استبعادا ناشئا عمّا هو معتاد في الرؤية ؛ والحقائق ، والأحكام الثابتة المطابقة للواقع ، لا تؤخذ من العادات ،

٨٤

بل ممّا تحكم به العقول الخالصة من الأهواء وشوائب التقليدات(١) .

ثمّ من الواجب في هذا المقام أن تذكر حقيقة الرؤية حتّى يبعد الاستبعاد عن الطبائع السليمة ، فنقول :

إذا نظرنا إلى الشمس فرأيناها ، ثمّ غمضنا العين ، فعند التغميض نعلم الشمس علما جليّا.

وهذه الحالة مغايرة للحالة الأولى التي هي الرؤية بالضرورة ، وهذه الحالة المغايرة الزائدة ليست هي تأثّر الحاسّة فقط ـ كما حقّق في محلّه ـ ، بل هي حالة أخرى يخلقها الله تعالى في العبد ، شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات.

وكما إنّ البصيرة في الإنسان تدرك الأشياء ، ومحلّها القلب ؛ كذلك البصر يدرك الأشياء ، ومحلّها الحدقة في الإنسان.

ويجوز عقلا أن تكون تلك الحالة تدرك الأشياء من غير شرط ومحلّ ، وإن كان يستحيل أن ( يدرك الإنسان بلا مقابلة )(٢) وباقي الشروط عادة.

فالتجويز عقلي ، والاستحالة عاديّة ؛ كما ذكرنا مرارا.

فأين الاستبعاد إذا تأمّله المنصف؟!

ومآل هذا يرجع إلى كلام واحد قدّمناه.

* * *

__________________

(١) المواقف : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٤ ملخّصا.

(٢) في المصدر : تدرك الأشياء إلّا بالمقابلة.

٨٥

وأقول :

لا يخفى أنّ دليل الأشعري قد تكرّر ذكره في كتبهم ، واستفرغ القوم وسعهم في تصحيحه ، فلم ينفعهم ، حتّى أقرّ محقّقوهم بعدم تمامه.

فهذا شارح « المواقف » بعد ترويجه بما أمكن ، والإيراد عليه ببعض الأمور ، قال : « وفي هذا الترويج تكلّفات أخر يطلعك عليها أدنى تأمّل ، فإذا الأولى ما قد قيل من أنّ التعويل في هذه المسألة على الدليل العقلي متعذّر »(١) .

وقال التفتازاني في « شرح المقاصد »(٢) بعد ما أطال الكلام في إصلاحه : « والإنصاف أنّ ضعف هذا الدليل جليّ »(٣) .

وأقرّ القوشجي في « شرح التجريد » بورود بعض الأمور عليه ممّا

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٢٩.

(٢) كان في الأصل : « شرح المطالع » وهو سهو ، بل هو « شرح المقاصد » ، فلم يعهد للتفتازاني كتاب بذاك الاسم ؛ انظر : هديّة العارفين ٦ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨٤٩ رقم ١٦٨٥٦.

و« مطالع الأنوار » في المنطق ، للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي ـ المتوفّى سنة ٦٨٢ ه‍ ـ ، ولكتابه شرح اسمه « لوامع الأسرار » لقطب الدين محمّد ابن محمّد الرازي ـ المتوفّى سنة ٧٦٦ ه‍ ـ أحد تلامذة العلّامة الحلّي ، وعلى شرحه هذا حواش عديدة ، منها : حاشية لسيف الدين أحمد بن محمّد ـ حفيد سعد الدين التفتازاني ، المتوفّى سنة ٨٤٢ ه‍ ـ ؛ ومن هنا حصل اللبس في نسبة الكتاب ؛ فلاحظ!

انظر : كشف الظنون ٢ / ١٧١٥ ـ ١٧١٧ ، أمل الآمل ٢ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ رقم ٩٠٨ ، رياض العلماء ٥ / ١٧٠ ، لؤلؤة البحرين : ١٩٤ ـ ١٩٨ رقم ٧٤.

(٣) شرح المقاصد ٤ / ١٩١.

٨٦

لا يمكن دفعها(١) .

وكذلك الرازي في كتاب « الأربعين » على ما نقله عنه السيّد السعيد ;(٢) .

فحينئذ يكون ذكر الفضل له ـ بدون إشارة إلى ذلك ـ تلبيسا موهما لاعتباره عند أصحابه ، بل يكون نقصا فيهم ، إذ يعتمدون على ما لا يصلح أن يسطر ، فضلا أن يعتبر!

ولنشر إلى بعض ما يرد عليه ، فنقول : يرد عليه :

أوّلا : إنّ دعوى رؤية الجواهر الفردة ، التي هي الأجزاء التي لا تتجزّأ ، مبنيّة على ثبوتها وعلى تركّب الجسم منها ، لا من الهيولى والصورة ، وهو باطل ؛ لأنّ الجزء الواقع في وسط التركيب إمّا أن يحجب الأطراف عن التماس أو لا.

فعلى الأوّل : لا بدّ أن يلاقي كلّا منها بعضه ، فتلزم التجزئة.

وعلى الثاني : يلزم التداخل ، وهو محال ؛ وعدم زيادة الحجم ، وهو خلاف المطلوب.

وبعبارة أخرى : إنّ الوسط إمّا أن يلاقي الأطراف بكلّه

أو ببعضه

أو لا يلاقي شيئا منها

أو يلاقي بعضا دون بعض.

__________________

(١) انظر : شرح التجريد : ٤٣٣ و ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) كتاب الأربعين ١ / ٢٦٨ ـ ٢٧٧ ، وانظر : إحقاق الحقّ ١ / ١٢٢.

٨٧

فالأوّل يقتضي التداخل وعدم زيادة الحجم.

والثاني يقتضي التجزئة.

والأخيران ينافيان التأليف من الوسط والأطراف.

وإن شئت قلت : لو وضع جزء على جزء ، فإن لاقاه بكلّه لزم التداخل وعدم زيادة الحجم ، وإن لاقاه ببعضه لزمت التجزئة.

وقد ذكر شيخنا المدقّق نصير الدين ١ وغيره من العلماء وجوها كثيرة لإبطال الجوهر الفرد ، فلتراجع(١) .

ويرد عليه ثانيا : إنّه لو سلّم ثبوت الجواهر الفردة والتركيب منها ، فإثبات رؤيتها ـ كما صرّح به الدليل ـ موقوف على بطلان كون الطول والعرض عرضين قائمين بأكثر من جزء واحد ؛ لاستلزامه قيام العرض الواحد بمحلّين.

وأنت تعلم أنّه إن أريد لزوم قيام العرض بتمامه ، في كلّ واحد من المحلّين ، فهو ممنوع.

وإن أريد لزوم قيامه بمجموع المحلّين ، فمسلّم ولا بأس به.

وثالثا : إنّه لو سلّم رؤية الجواهر كالأعراض ، فتخصيص العلّة بحال الوجود محلّ نظر ، بناء على مذهبهم من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ، فتصحّ رؤية المعدوم كالموجود!

ودعوى ضرورة امتناع رؤية المعدوم عقلا ، فلا تصلح لأن تتعلّق بها

__________________

(١) انظر : تجريد الاعتقاد : ١٤٥ ، أوائل المقالات : ٩٦ ـ ٩٧ رقم ٨٧ ، النكت الاعتقادية : ٢٨ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٤٦ وما بعدها ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٤ و ٤٣ ـ ٤٨ ، كشف المراد : ١٤٥ ـ ١٤٦ المسألة ٦.

٨٨

إرادة الله تعالى وقدرته ، صحيحة ؛ لكن عندنا دونهم.

إذ ليس امتناع رؤية المعدوم بأظهر من امتناع رؤية العلم ، والإرادة ، والروائح ، والطعوم ، ونحوها من الكيفيات الموجودة ، وقد أنكروا امتناع رؤيتها.

ورابعا : إنّه لو سلّم أنّ العلّة هي الوجود ، فلا نسلّم أنّه بإطلاقه هو العلّة ، بل يمكن أن تكون العلّة هي الوجود المقيّد بالحدوث الذاتي ، أو الزماني ، أو بالإمكان ، أو بما يثبت معه شروط الرؤية ، وإن قلنا : إنّ بعض هذه الأمور عدميّ ؛ لأنّها قيود ، والقيد خارج.

ويمكن ـ أيضا ـ أن تكون علّة رؤية العرض هي وجوده الخاصّ به لا المطلق ، وكذا بالنسبة إلى رؤية الجوهر.

فلا يلزم صحّة رؤية الباري سبحانه.

ودعوى أنّا قد نرى البعيد وندرك له هويّة من غير أن ندرك أنّه جوهر أو عرض ، فيلزم أن يكون المرئي هو المشترك بينهما لا نفسهما ، وأن تكون العلّة مشتركة أيضا بينهما ، باطلة ؛ لمنع ما ذكره من لزوم كون المرئي هو المشترك.

وذلك لاحتمال تعلّق الرؤية بنفس المرئي بخصوصه ، إلّا أنّ إدراكه في البعد إجماليّ.

ولو سلّم تعلّقها بالمشترك ، فهو لا يستلزم أن تكون العلّة المشتركة هي الوجود المطلق ، بل يحتمل أن تكون هي المقيّد بالإمكان والحدوث أو نحوهما ، كما عرفت.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه وعن سائر ما يورد على هذا الدليل ،

٨٩

فلا ريب ببطلانه ، لمخالفته للضرورة القاضية بامتناع رؤية بعض الموجودات ، كالكيفيات النفسانية والروائح والطعوم ، فليس هو إلّا تشكيكا في البديهيّ!

وأمّا ما ذكره من حقيقة الرؤية ، ففيه :

إنّ تلك الحالة الحاصلة عند التغميض إنّما هي صورة المرئي ، ومحلّها الحسّ المشترك أو الخيال ، لا الباصرة ، وهي موقوفة على سبق الرؤية.

فحينئذ إن كانت رؤية الله سبحانه ممتنعة ، فقد امتنعت هذه الحالة ، وإلّا فلا حاجة إلى تكلّف إثبات هذه الحالة وجعلها هي محلّ النزاع.

ولو سلّم أنّها غير موقوفة عليها ، بناء على إنّه أراد ما يشبه تلك الحالة الحاصلة عند التغميض لا نفسها ، فنحن لا نحكم عليها بالامتناع عادة بدون الشرائط كما حكم هو عليها ؛ لأنّها ـ كما زعم ـ شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات ، فكيف تمتنع بدون الشرائط؟!

مع إنّها ليست محلّ النزاع ألبتّة ، بل محلّه الرؤية المعروفة ، كما يرشد إليه دليل الأشعري السابق ، فإنّ من تأمّله عرف أنّه أراد الرؤية المعروفة.

ولذا احتاج إلى جعل العلّة للرؤية هي الوجود ، ليتسنّى له دعوى إمكان رؤية الله تعالى ، وإلّا فلو أراد رؤية أخرى غيرها ، لم يكن لإثبات كون الوجود علّة للرؤية المعروفة دخل في تجويز رؤية أخرى عليه سبحانه.

٩٠

لكنّ القوم لمّا رأوا بطلان دليل الأشعري بالبداهة ، وفساد مذهبه بالضرورة ، التجأوا ـ في خصوص المقام ـ إلى ذكر معنى للرؤية لا يعرفون حقيقته! وإلى جعله محلّا للنزاع من دون أن يخطر ـ في الصدر الأوّل ـ ببال المتنازعين ، فشوّشوا كلماتهم ، وشوّهوا وجه الحقيقة!

* * *

٩١
٩٢

هل يحصل الإدراك لمعنى في المدرك؟

قال المصنّف ـ طيّب الله مثواه ـ(١) :

المبحث السادس

في أنّ الإدراك ليس لمعنى

والأشاعرة خالفت العقلاء في ذلك ، وذهبوا مذهبا غريبا عجيبا ، لزمهم بواسطته إنكار الضروريّات.

فإنّ العقلاء بأسرهم قالوا : إنّ صفة الإدراك تصدر عن كون الواحد منّا حيّا لا آفة فيه.

والأشاعرة قالوا : إنّ الإدراك إنّما يحصل لمعنى حصل في المدرك ، فإن حصل ذلك المعنى في المدرك ، حصل الإدراك وإن فقدت جميع الشرائط ؛ وإن لم يحصل ، لم يحصل الإدراك وإن وجدت جميع الشرائط!(٢) .

وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٣) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) انظر مؤدّاه في : تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، شرح المقاصد ٤ / ١٩٧.

(٣) في المصدر : بالمرئي.

٩٣

عدمه كما يحصل حال وجوده ، فإنّ الواحد منّا يدرك جميع الموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلّق.

وحينئذ يلزم تعلّق الإدراك بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد ، وبأنّ الشيء قد كان موجودا ، وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ ، من الذوق والشمّ واللمس والسمع ؛ لأنّه لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم!

وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ ، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح.

وأيضا : يلزم أن يكون الواحد منّا رائيا مع الساتر العظيم البقّة ، ولا يرى الفيل العظيم ولا الجبل الشاهق مع عدم الساتر ، على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأوّل وانتفى في الثاني! وكان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ؛ لأنّه موجود!

وعندهم أنّ كلّ موجود يصحّ رؤيته ، ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى(١) إنّما تكون بمعنى آخر.

وأيّ عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرائحة والبرودة والحرارة والصوت بالعين ، وجواز لمس العلم والقدرة والطعم والرائحة والصوت باليد ، وذوقها باللسان ، وشمّها بالأنف ، وسماعها بالأذن؟!

وهل هذا إلّا مجرّد سفسطة وإنكار المحسوسات؟! ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة!

__________________

(١) في المصدر : الشيء.

٩٤

وقال الفضل(١) :

الظاهر أنّه استعمل الإدراك وأراد به الرؤية ، وحاصل كلامه أنّ الأشاعرة يقولون : إنّ الرؤية معنى يحصل في المدرك ، ولا يتوقّف حصوله على شرط من الشرائط.

وهذا ما قدّمنا ذكره غير مرّة ، وبيّنّا ما هو مرادهم من هذا الكلام.

ثم إنّ قوله : « وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٢) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال عدمه كما يحصل حال وجوده » استدلال باطل على معنى(٣) مخترع له.

فإنّ كون الرؤية معنى يحصل في الرائي لا يوجب جواز تعلّقها بالمعدوم ، بل المدّعى أنّه يتعلّق بكلّ موجود كما ذكر هو في الفصل السابق.

وأمّا تعلّقه بالمعدوم فليس بمذهب الأشاعرة ، ولا يلزم من أقوالهم في الرؤية.

ثمّ ما ذكره من أنّ العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح ضروريّ ، مثل العلم باستحالة رؤية المعدوم

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥.

(٢) في المصدر : بالمرئي.

(٣) في المصدر : مدّعى.

٩٥

فقد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقليّة ، فممنوع ؛ وإن أراد العاديّة ، فمسلّم والاستبعاد لا يقدح في الحقائق الثابتة بالبرهان.

ثمّ ما ذكر من أنّه على تقدير كون المعنى موجودا ، كان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ، لأنّه موجود ، وكلّ موجود يصحّ رؤيته ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى إنّما تكون لمعنى آخر.

فالجواب : إنّ العقل يجوّز رؤية كلّ موجود وإن استحال عادة ، فالرؤية إذا كانت موجودة [ به ] يصحّ أن ترى نفسها ، لا برؤية أخرى ، فانقطع التسلسل ، كما ذكر في الوجود على تقدير كونه موجودا ، فلا استحالة فيه ، ولا مصادمة للضرورة.

ثمّ ما ذكره من باقي التشنيعات والاستبعادات قد مرّ جوابه غير مرّة ، ونزيد جوابه في هذه المرّة بهذين البيتين(١) :

وذي سفه يواجهني بجهل

وأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا

* * *

__________________

(١) ينسب البيتان إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب ٧ ، كما نسبا إلى الشافعي باختلاف يسير في صدر البيت الأوّل ؛ انظر : ديوان الإمام عليّ ٧ : ٢٨ ، ديوان الشافعي : ١٤٤.

٩٦

وأقول :

لا ريب أنّ بحث المصنّف ; هنا عامّ لجميع الإحساسات الظاهريّة ولا يخصّ الرؤية ، كما يشهد له قوله : « وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ من الذوق والشمّ واللمس والسمع ».

وقوله : « وجواز لمس العلم والقدرة » وهو أيضا لم يستعمل في هذا المبحث لفظ الإدراك إلّا بالمعنى المطلق.

فالمصنّف قصد بهذين القولين التنصيص على غير الرؤية ، دفعا لتوهّم اختصاص البحث بها ؛ ومع ذلك وقع الفضل بالوهم!

كما توهّم أيضا أنّه أراد أنّ الإدراك معنى يحصل في المدرك ؛ والحال أنّه أراد أنّ الإدراك يحصل لأجل معنى في المدرك.

وحاصل مقصوده أنّهم قالوا : إنّ الإدراك يحصل في الحيوان لأجل معنى فيه ، كالحياة ، ولا ريب أنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالشيء على ما هو عليه في نفسه ، ولا يتقيّد الشيء ـ بالوجود ونحوه ـ إلّا لأجل تلك الشروط السابقة ، وهم لا يعتبرونها ، فيجري الإحساس بمقتضى مذهبهم مجرى العلم في عموم التعلّق.

فإذا حصل المعنى في الشخص ، لزم صحّة تعلّق الرؤية ونحوها بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد إلى غير ذلك.

مع إنّه بمقتضى مذهبهم ـ من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ـ يلزم أيضا جواز إدراك المعدوم بجميع الحواسّ الظاهريّة ، كما

٩٧

جاز رؤية العلم والقدرة ونحوهما.

فظهر أنّ ما نسبه المصنّف إليهم من جواز إدراك المعدومات ، لازم لهم من أقوالهم ، وأراد بالنسبة إليهم النسبة بحسب ما يلزمهم ، وإن لم يقولوا به ظاهرا.

ثمّ إنّه أراد بقوله : « لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم ، وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ » إلى آخره

دفع استبعاد نسبة جواز رؤية المعدوم إليهم.

وحاصله : إنّ رؤية الطعوم والروائح مستحيلة عقلا بالضرورة كرؤية المعدوم بلا فرق ، فإذا التزموا بجواز رؤية الطعوم ونحوها ، مكابرة ومخالفة لضرورة العقل والعقلاء ، لم يستبعد منهم القول بجواز رؤية المعدوم.

وبهذا تعرف أنّ ما ذكره الفضل في جوابه بقوله : « قد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقلية ، فممنوع » إلى آخره لا ربط له بكلامه ، اللهمّ إلّا أن يريد الجواب بدعوى الفرق بين الاستحالتين ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم عاديّة ، واستحالة رؤية المعدوم عقلية!

فيكون قد كابر ضرورة العقل من جهتين : من جهة : دعوى الفرق ، ومن جهة : أصل القول ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم ونحوها عاديّة.

وأمّا ما أجاب به عن التسلسل :

فمع عدم ارتباطه بمراد المصنّف ، غير دافع للتسلسل

أمّا عدم ارتباطه به ؛ فلأنّه فهم تسلسل الرؤية بأن تتعلّق الرؤية برؤية أخرى ، إلى ما لا نهاية له ، بناء منه على إنّه أراد بالمعنى : الرؤية

٩٨

ـ كما سبق ـ وقد عرفت بطلانه ؛ وأنّ مراده بالمعنى : هو الأمر الذي لأجله يحصل الإدراك ، فيكون مراده بالتسلسل ـ بناء على هذا ـ هو تسلسل هذه المعاني ، لا الرؤية ـ كما هو واضح من كلامه ـ.

وأمّا أنّه غير دافع له ؛ فلأنّ التسلسل الواقع في الرؤية إنّما هو من حيث صحّة تعلّق رؤية برؤية ، لا من حيث وجوب التعلّق ، فلا يندفع إلّا بإنكار هذه الصحّة ، لا بإثبات صحّة رؤية الرؤية بنفسها ، التي لا تنافي التسلسل في الرؤية المختلفة.

على إنّه لا معنى لصحّة رؤية الرؤية بنفسها ، للزوم المغايرة بين الرؤية الحقيقية والمرئيّ ؛ لأنّ تعلّق أمر بآخر يستدعي الاثنينيّة بالضرورة.

وأمّا ما نسبه إلى القوم ، من أنّهم دفعوا التسلسل في الوجود ، بأنّ الوجود موجود بنفسه لا بوجود آخر ، فلا ربط له بالمقام ؛ لأنّهم أرادوا به عدم حاجة الوجود إلى وجود آخر حتّى يتسلسل ، فكيف يقاس عليه رؤية الرؤية بنفسها؟!

نعم ، يمكن الجواب عن إشكال هذا التسلسل ، بأنّ اللازم هو التسلسل في صحّة تعلّق الرؤية برؤية أخرى إلى ما لا نهاية له ، والصحّة أمر اعتباري ، والتسلسل في الاعتباريات ليس بباطل ؛ لأنّه ينقطع بانقطاع الاعتبار ، لكنّ القول بصحّة رؤية الرؤية مكابرة لضرورة العقل!

وأمّا ما استشهد به من البيتين ، فلا يليق بذي الفضل إلّا الإعراض عن معارضته!

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

غريبة في باب معراجه

( 910 ) عن انس : « و ثم دخلت بيت المقدس ، فجمع لي الانبياءعليهم‌السلام فقدّمني جبرئيل حتّى أممتهم ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فاذا فيها وآدمعليه‌السلام »(1) .

يبعد كلّ البعد حضور الانبياء في بيت المقدس ثم وصولهم إلى السموات اسرع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يبعد كونه زيادة من بعض الرواة.

حبس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه عن الصلوات

( 911 ) عن عبدالله بن مسعود قال : كنّا في غزوة فحبسنا المشركون عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فلمّا انصرف المشركون أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منادياً فأقام لصلاة الظهر و(2)

أقول : لكن في رواية جابر انّهم حبسوا عن صلاة العصر وحدها ، وثانياً انّ الصلاة لا تسقط بحال فانّ لها مراتب آخرها الاشارة كما صلّى كذلك ابن عمر ، فهذه رواية موضوعة.

صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحرير

( 912 ) عن عقبة قال : اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فروج حرير فلبسه ثم صلّى فيه! ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له ثم قال : « لا ينبغي هذا للمتقين »(3) .

ومن يحكم بوضع الحديث لا أراه ملوماً.

والفروج : القباء المشقوق.

__________________

(1) سنن النسائي 1 : 222 فرض الصلاة.

(2) سنن النسائي 2 : 18.

(3) سنن النسائي 2 : 72.

٤٤١

مبالغة كاذبة

( 913 ) عن عبدالله قال : لمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت الانصار : منّا أمير ومنكم أمير ، فأتاهم عمر فقال : ألستم تعلمون انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، فأيّكم تطيب نفسه أن يتقدّم أبا بكر؟ قالوا : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر(1) .

أقول : كلّ من وقف على التأريخ وما جرى في السقيفة يعلم كذب هذا الحديث. على انّ أبا بكر ليس هو الامام وحده في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنّ في امامته كلاماً صعباً مرّ عليك سابقاً.

ترك السجدة الواجبة

( 914 ) عن زيد انه زعم انه قرأ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والنجم إذا هوى. فلم يسجد(2) .

التناقض في الالتفات في الصلاة

( 915 ) عن أبي ذر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزال الله عزّ وجلّ مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت ، فاذا صرف وجهه انصرف عنه »(3) .

( 916 ) عن عائشة : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الالتفات في الصلاة ، فقال : « اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة ».

( 917 ) عن ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلتفت في صلاته يميناً وشمالاً ولا يلوي عنقه خلف ظهره(4) . أقول : اعوذ بالله من اهانة النبي

__________________

(1) سنن النسائي 2 : 75.

(2) سنن النسائي 2 : 160.

(3) سنن النسائي 3 : 8.

(4) سنن النسائي 3 : 9.

٤٤٢

الخاشع الخاضع والكذب على ابن عباس.

الكلام في الصلاة

( 918 ) عن أبي الدرداء : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي فسمعناه يقول : « اعوذ بالله منك » ثم قال : « ألعنك بلعنة الله ثلاثاً » وبسط يده كأنّه يتناول شيئاً قال : « انّ عدو الله ابليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت »(1) .

أقول : الكلام مع غير الله مبطل للصلاة وابليس لا يقدر على مجيئه بالنار ، مع انّها لو كانت لكانت محسوسة لغيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

منزلة علي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

( 919 ) عن علي : كانت لي منزلة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن لاَحد من الخلائق ، فكنت آتيه كلّ سحر فاقول : السلام عليك يا نبي الله ، فان تنحنح انصرفت إلى أهلي وإلاّ دخلت عليه(2) .

الصلاة على محمّد وعلى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

( 920 ) عن أبي مسعود الانصاري : ثم قال : « فقولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على آل ابراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل ابراهيم في العالمين »(3) .

( 921 ) وعن كعب بن عجرة : قلنا يا رسول الله فكيف الصلاة عليك؟ قال : « قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد

__________________

(1) سنن النسائي 3 : 13.

(2) سنن النسائي 3 : 12.

(3) سنن النسائي 3 : 45.

٤٤٣

كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد ».

( 922 ) وعن طلحة : قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال : قولوا : « اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد ».

( 923 ) عن زيد بن خارجة قال : أنا سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « صلّوا عليَّ ، واجتهدوا في الدعاء ، وقولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد »(1) .

عذاب القبر

( 924 ) عن عائشة : دخلت عليَّ امرأة من اليهود فقالت : انّ عذاب القبر من البول.

فقلت : كذبت.

فقال : انّا لنقرض منه الجلد والثوب.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الصلاة وقد ارتفعت اصواتنا فقال : « ما هذا » فأخبرته بما قالت ، فقال : « صدقت » فما صلّى بعد يومئذ صلاة إلاّ قال في دبر الصلاة : « ربّ جبرئيل وميكائيل واسرافيل اعذني من حر النار وعذاب القبر »(2) .

أقول : هذه صورة أخرى من صور القصة المتعارضة المتضاربة ، على أنّ اخبار عائشة عن دعائهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد كلّ صلاة غير قابلة للتصديق ، لعدم علمها بذلك ، وهو رجم بالغيب ، مضافاً إلى دلالة الحديث على انّ توجههصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى

__________________

(1) سنن النسائي 3 : 49 وانظر سائر الاَسانيد والمتون هناك.

(2) سنن النسائي 3 : 72.

٤٤٤

وهو رجم بالغيب ، مضافاً إلى دلالة الحديث على انّ توجههصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاستعاذة من عذاب القبر انّما نشأ من اخبار اليهودية ، واليك بعض صورها الاُخرى من هذه السيدة.

( 925 ) عنها : دخل عليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعندي امرأة من اليهود وهي تقول : انّكم تفتنون في القبور ، فارتاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « انّما تفتن يهود ».

وقالت عائشة : فلبثنا ليالي ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّه اُوحي اليَّ انّكم تفتنون في القبور »(1) .

أقول : الحديث ـ مضافاً إلى تناقضه مع السابق ـ يدل على جهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما علمته يهودية ، نعوذ بالله من هذه الفضيحة للاسلام والمسلمين.

( 926 ) وعنها : دخلت يهودية فقالت : أجارك الله من عذاب القبر.

قالت عائشة : فوقع في نفسي من ذلك حتّى جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت ذلك له ، فقال : « انّهم ليعذّبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم »(2) .

( 927 ) وعنها : دخلت عليَّ عجوزتان من عَجُز يهود المدينة فقالتا : انّ أهل القبور يعذّبون في قبورهم ، فكذبتهما ولم انعم ان اصدقهما...

أقول : هنا كلمة جامعة وهي : انّ المسلم العاقل مخير في ترك عقله وفكره وتديّنه وقبول أحاديث عائشة وأمثالها اغتراراً بعظمة الصحابة والزوجات ، وترجيح عقله ودينه بترك قبول كلّ ما رواه الصحابة ، وتحكيم عقله في قبول الاَحاديث وردّها من دون العصبية والغلو.

__________________

(1) سنن النسائي 4 : 104.

(2) سنن النسائي 4 : 105.

٤٤٥

فلسفة الكسوف

( 928 ) عن النعمان : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكنّهما آيتان من آيات الله عزّ وجلّ ، إنّ الله عزّ وجلّ إذا بدا لشيء من خلقه خشع له »(1) .

عيد عائشة

( 929 ) عن عائشة : جاء السودان يلعبون بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم عيد ، فدعاني ، فكنت أطّلع اليهم من فوق عاتقه ، فما زلت انظر اليهم حتّى كنت أنا التي انصرفت(2) .

أقول : هل يقبل عقل المسلم نسبة هذا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وهل يجوز نظر المرأة إلى الرجال حتّى يمكّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من النظر اليهم؟ ولدفع هذا الاشكال قد تأوّل بعضهم تأويلات باردة مضحكة كاحتمال عدم بلوغ عائشة!! أو احتمال نظرها إلى آلاتهم لا إلى وجوهم!! وان وقع اليهم بلا قصد امكن ان تصرفه في الحال! ولاحظ بقية أحاديث عيدها(3) .

واليك حديث من سنن الترمذي :

( 930 ) عن محمّد بن الحاطب : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فصل ما بين الحرام والحلال : الدف والصوت »(4) .

في صلاة علي

( 931 ) عن علي : دخل علَيَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى فاطمة من الليل

__________________

(1) سنن النسائي 3 : 141.

(2) سنن النسائي 3 : 195.

(3) سنن النسائي 3 : 196 و197.

(4) صحيح جامع الترمذي 1 : 316.

٤٤٦

فأيقظنا للصلاة ثم رجع إلى بيته فصلّى هويّاً(1) من الليل ، فلم يسمع لنا حسّاً ، فرجع الينا فأيقظنا ، فقال : « قوما فصلّيا ».

قال : فجلست وأنا أعرك عيني وأقول : إنّا والله ما نصلّي إلاّ ما كتب الله لنا ، انّما انفسنا بيد الله ، فان شاء أن يبعثنا بعثنا ، قال : فولّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول ـ ويضرب بيده على فخذه ـ : ما نصلّي إلاّ ما كتب الله لنا :( وكان الاِنسان أكثرَ شيءٍ جدلاً ) (2) (3) .

أقول : لا يحتمل مقابلة علي لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل هذا الجواب ، والظاهر انّ عبادة علي كانت مشهورة عند المسلمين ، فأراد بنو اُميّة الفجرة من وضع هذه الاَحاديث إهانته.

أحاديث عائشة في صلاة الليل

اختلفت أحاديث عائشة في صلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الليل ، فكأنها تقول وتحدّث ما تهوى ، فلاحظ أبواب صلاة الليل في سنن النسائي وغيره.

البكاء على الميت

( 932 ) عن أبي هريرة : مات ميت من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاجتمع النساء يبكين عليه ، فقام عمر ينهاهنَّ ويطردهن ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « دعهنَّ يا عمر ، فانّ العين دامعة ، والقلب مصاب ، والعهد قريب »(4) .

أقول : الرواية صريحة في ابطال عذاب الميت ببكاء أهله ، لكن عمر يرى خلاف ذلك كما سبق.

__________________

(1) الهَويّ ـ بالفتح ـ : الحين الطويل من الزمان. وقيل : هو مختص بالليل. « النهاية لابن الاثير 5 : 285 ».

(2) الكهف 18 : 54.

(3) سنن النسائي 3 : 206.

(4) سنن النسائي 4 : 19.

٤٤٧

وضع اموي في حق فاطمة

( 933 ) عن عبدالله بن عمر : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لها : « ما اخرجك من بيتك يا فاطمة »؟

قالت : أتيت أهل هذا الميت فترحّمت اليهم وعزّيتهم بميّتهم.

قال : « لعلّك بلغت معهم الكدى »(1) .

قالت : معاذ الله أن أكون بلغتها ، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر.

فقال لها : « لو بلغتها معهم ما رأيت الجنّة حتّى يراها جدّ أبيك »(2) .

أقول : وقريب منه ما في بعض الكتب الستة غير سنن النسائي.

والظاهر انّ الرواية وضعها بعض أعداء أهل البيت ، فانّ النبي لم يعهد منه أن يتكلّم مع ابنته ( سيدة نساء أهل الجنة ) بهذه الخشونة ، ولا سيّما بعد أن ذكرت له عدم مجيئها إلى المقبرة.

وثانياً : انّ الذهاب إلى المقبرة ـ على فرض حرمته ـ لا يوجب الكفر حتّى لا ترى به الجنة ، بل تضافرت الاَحاديث في أنّ أصحاب الكبائر الموبقة يدخلون الجنة إذا كان في قلوبهم ذرة من الايمان.

وثالثاً : انّ عبد المطلب كان موحّداً مؤمناً بالله تعالى ، فأيّ مانع له من رؤية الجنة ودخولها ، لعن الله العصبية الحمقى.

ثم أنَّ النسائي أنصف في الجملة ، وقال بعد ذكر الحديث المذكور : ربيعة ـ أحد رواة الحديث ـ ضعيف.

__________________

(1) في النهاية لابن الاثير ـ 4 : 156 ـ : « لعلَّكِ بغلتِ معهم الكُدَى » أراد المقابر ، وذلك لاَنّها كانت مقابرهم في مواضع صلبة ، وهي جمع كُدية.

(2) سنن النسائي 4 : 28.

٤٤٨

تناقض في القيام عند مرور الجنازة

( 934 ) عن ابن سيرين : مرّ بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ، فقال الحسن لابن عباس : أما قام لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال ابن عباس : قام لها ثم قعد(1) .

( 935 ) عن محمّد بن علي : انّ الحسن بن علي كان جالساً فمرّ عليه بجنازة فقام الناس حتّى جاوزت الجنازة ، فقال الحسن : انّما مرّ بجنازة يهودي وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على طريقها جالساً فكره ان تعلو رأسه جنازة يهودي فقام. المصدر.

أقول انظروا إلى التناقض الفاضح فيما نقل عن الحسن ، وهل يرضى العاقل أن يحكم بصحة ما في الكتب الستة بدعوى صدق رواتها؟!

تحدّث عائشة عمّا قام على خلافه الاجماع

( 936 ) عن عائشة : اُتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصبيّ من صبيان الاَنصار فصلّى عليه ، قالت عائشة : فقلت : طوبى لهذا ، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءاً ولم يدركه ، قال أوَ غير ذلك يا عائشة ، خلق الله عزّ وجلّ الجنة وخلق لها أهلاً ، وخلق النار وخلق لها أهلاً ، وخلقهم في اصلاب آبائهم »(2) .

أقول : ينقل السيوطي عن النووي في شرحه : أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أنّ من مات من اطفال المسلمين فهو من أهل الجنة.

الردّ على الوهابية

( 937 ) عن بريدة : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا اتى على المقابر فقال :

__________________

(1) سنن النسائي 4 : 47.

(2) سنن النسائي 4 : 57.

٤٤٩

« السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وانّا إن شاء الله بكم لاحقون ، انتم لنا فرط ونحن لكم تبع ، اسأل الله العافية لنا ولكم »(1) .

أقول : فقد خاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الاَموات خمس مرات في هذا الدعاء ، ولولا استماعهم أو علمهم بالخطاب لكان لغواً.

أرواح المؤمنين

( 938 ) عن ابن مالك ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « انّما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتّى يبعثه الله إلى جسده يوم القيامة »(2) .

أقول : وفي روايات : انّ الروح يدخل في بدن طائر.

ويقول السندي في حاشيته على المقام : قال السيوطي في حاشية أبي داود : إذا فسّرنا الحديث بانّ الروح يتشكّل طيراً ، فالاشبه أنّ ذلك في القدرة على الطيران فقط لا في صورة الخلقة؛ لانّ شكل الانسان أفضل الاشكال.

قلت : هذا إذا كان الروح الانساني له شكل في نفسه ويكون على شكل الانسان ، وأمّا إذا كان في نفسه لا شكل له ، بل يكون مجرداً واراد الله أن يتشكّل ذلك المجرد لحكمة ما ، فلا يبعد أن يتشكّل أول الاَمر على شكل الطائر ، وأمّا على الثاني : فقد أورد عليه الشيخ علم الدين العراقي : انّه لا يخلوا إمّا ان يحصل للطير الحياة بتلك الاَرواح أو لا؟ والاَول : عين ما تقوله التناسخية ، والثاني : مجرد حبس للارواح وتسجن...

أقول : انّما نقلت هذا المقدار من شرح السندي توضيحاً ، ولكنّه غير صحيح ، وتحقيق المقام في محلّه. والروايات لا بدّ من تأويلها.

__________________

(1) سنن النسائي 4 : 94.

(2) سنن النسائي 4 : 108.

٤٥٠

 ( 939 ) عن كعب ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر ( شجر ) الجنة »(1) .

الصوم في السفر

( 940 ) عن جابر ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس من البرّ الصيام في السفر ، عليكم برخصة الله عزّ وجلّ فاقبلوها »(2) .

( 941 ) وعنه : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مكّة عام الفتح في رمضان فصام حتّى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس ، فبلغه انّ الناس قد شقّ عليهم الصيام ، فدعا بقدح من الماء بعد العصر فشرب فبلغه أنّ ناساً صاموا فقال : « اولئك العصاة »(3) .

( 942 ) عن عمرو بن اُميّة الضمري قال : قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سفر فقال : « ادن مني حتّى أخبرك عن المسافر ، إنّ الله عزّ وجلّ وضع عنه الصيام ونصف الصلاة »(4) .

( 943 ) عن أنس ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال : « انّ الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم ، وعن الحبلى والمرضع »(5) .

( 944 ) وعن رجل قال اتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم ، ورخّص للحبلى والمرضع »(6) .

أقول : هذا الحديث نص في أنّ افطار المسافر في السفر عزيمة ،

__________________

(1) صحيح جامع الترمذي 2 : 127.

(2) سنن النسائي 4 : 176.

(3) سنن النسائي 4 : 177.

(4) سنن النسائي 4 : 178 وللحديث اسانيد اخرى.

(5) سنن النسائي 4 : 180.

(6) سنن النسائي 4 : 181.

٤٥١

فيقع التعارض بينه وبين ما دلّ على الجواز ، فبعد التساقط بالتعارض يرجع إلى اطلاق الآية الكريمة الدالة على لزوم صيام عدة من أيام اُخر سواء صام المسافر في رمضان أم لا ، فيستفاد منه بطلانه وعدم مشروعيته ، ويؤكده الحديث الاَول : « عليكم برخصة الله » فانّ كلمّة « عليك » تدلّ على الوجوب. وتفصيل المقال في كتب الفقه.

نية الصوم قبل الفجر

هل تعتبر نية الصوم قبل الفجر في صحة الصيام أم لا؟ الاَحاديث فيها متعارضة(1) .

الصوم من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر!

( 945 ) عن زر قال : قلنا لحذيفة : أي ساعة تسحّرت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : هو النهار إلاّ أنّ الشمس لم تطلع!!(2) .

جهالة الناس بالاحكام

( 946 ) عن الحسن : قال ابن عباس ـ وهو أمير البصرة ـ : في آخر الشهر أخرجوا زكاة صومكم ، فنظر الناس بعضهم إلى بعض ، فقال : مَن هاهنا من أهل المدينة قوموا فعلِّموا اخوانكم ، فانّهم لا يعلمون أنّ هذه الزكاة فرضها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كلّ ذكر وانثى(3) .

هدية عائشة

( 947 ) عنها : انّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اجتمعن عنده فقلن : أيَّتنا بك أسرع

__________________

(1) سنن النسائي 4 : 196.

(2) سنن النسائي 4 : 142. المترجم بلغة غير عربية. ويظهر من المترجم انّ بعض العلماء قائل به!!

(3) سنن النسائي 5 : 50.

٤٥٢

لحوقاً؟ قال : « أطولكنَّ يداً » فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها ، فكانت سودة أسرعهنّ به لحوقاً ، فكانت أطولهنَّ يداً ، فكان ذلك من كثرة الصدقة(1) .

أقول : كثرة صدقة سودة ( رض ) هي هبتها حقّها لعائشة ( رض ) ، فأهدت لها هذه الهدية ، وإلاّ فمن المعلوم انّ الاَسرع به لحوقاً هي زينب بنت جحش ( رض ) حيث ماتت في امارة عمر ، وأمّا سودة فماتت في امارة معاوية سنة 54 هـ.

طيب المحرم

( 948 ) عن عائشة : كأنّي انظر إلى وبيص الطّيب في راس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو محرم(2) .

الوبيص : كالبريق لفظاً ومعنىً كما قيل.

ولها أحاديث متنوعة في ذلك. لكنّ الطّيب حرام للمحرم ، وذهب غلاة المتأوّلين إلى انّه من خصائصهصلى‌الله‌عليه‌وآله !! دون أن يردّوا هذه الاَحاديث الضعيفة.

صلابة عمر في تأويل الكتاب والسنّة

( 949 ) عن ابن شهاب ، عن محمّد : انّه حدّثه انّه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حجَّ معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران أنّ التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى.

فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي.

قال الضحاك : فانّ عمر بن الخطاب نهى عن ذلك.

__________________

(1) سنن النسائي 5 : 66 ـ 67.

(2) سنن النسائي 5 : 139.

٤٥٣

قال سعد : قد صنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصنعناها معه(1) .

( 950 ) عن ابن عباس : سمعت عمر يقول : والله انّي لاَنهاكم عن المتعة ، وانّها لفي كتاب الله ، ولقد فعلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يعني العمرة في الحج ـ المصدر.

كذب معاوية وانكاره الحق

( 951 ) عن طاوس : قال معاوية لابن عباس : أعلمت أنّي قصَّرت من رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند المروة؟ قال : لا ، يقول ابن عباس : هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

يقول السندي : والصحيح الذي لا يشكّ فيه والذي نقله الكواف انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقصر من شعره شيئاً ولا أحلّ من شيء من احرامه إلى أن حلق بمنى يوم النحر. إلى آخر كلامه في تحكيم بطلان ادعاء معاوية.

( 952 ) عن عطاء ، عن معاوية : أخذت من اطراف شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في ايام العشر.

قال قيس : والناس ينكرون هذا على معاوية(3) .

( 953 ) عن مسلم بن يسار وعبدالله بن عبيد قالا : جمع المنزل بين عبادة بن الصامت وبين معاوية ، فقال عبادة : نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نبيع الذهب بالذهب والورق بالورق فبلغ هذا الحديث معاوية فقام فقال : ما بال رجال يحدّثون أحاديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد صحبناه ولم نسمعه منه!!

فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقام فأعاد الحديث فقال : لنحدّثنَّ بما

__________________

(1) سنن النسائي 5 : 253.

(2) سنن النسائي 5 : 154.

(3) سنن النسائي 5 : 245.

٤٥٤

سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن رُغِمَ معاوية(1) .

يقول السندي ردّاً على كلام معاوية : استدلال بالنفي على ردّ الحديث الصحيح بعد ثبوته مع اتفاق العقلاء على بطلان الاستدلال بالنفي وظهور بطلانه بأدنى نظر بل بديهة ، فهذا جرأة عظيمة.

أقول : مدلول الحديث حكم ثابت قطعي ، ولا اظنّ جهل معاوية به.

متعارضان

( 954 ) قال سراقة : تمتّع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتمتّعنا معه ، فقلنا ألنا خاصة أم لاَبد؟ قال : « بل لابد »(2) .

( 955 ) عن أبي ذر قال في متعة الحجّ : ليست لكم ولستم منها في شيء ، انّما كانت رخصة لنا أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فهما متعارضان : إلاّ أن تحمل الاولى على متعة النساء.

متعارضة أيضاً

تعارضت الاَحاديث فيما يجوز للمحرم أكله من الصيد(3) ، كما تعارضت الروايات في نكاح المحرم(4) .

سلطة معاوية

( 956 ) عن سعيد بن جبير قال : كنت مع ابن عباس بعرفات ، فقال : ما لي لا أسمع الناس يلبون؟ قلت : يخافون معاوية.

فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبيك اللّهمّ لبيك لبيك ، فانّهم

__________________

(1) سنن النسائي 7 : 275 ـ 276.

(2) سنن النسائي 5 : 179.

(3) سنن النسائي 5 : 182.

(4) انظر سنن النسائي 5 : 191.

٤٥٥

قد تركوا السنّة من بغض علي(1) .

قال السندي في شرحه : اي هو كان يتقيّد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضاً له.

أقول : قد ترك معاوية من دينه ما هو أعظم وأكبر من السنن بغضاً لعلي ، فقد قتل كثيراً من الاَبرياء وحارب علياً في صفين ، وقد ثبت انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي : « حربك حربي ».

عقل عبدالله بن عمر

( 957 ) عن سالم بن عبدالله : انّ عبدالله بن عمر جاء إلى الحجاج بن يوسف يوم عرفة حين زلت الشمس وأنا معه فقال : الرّواح إن كنت تريد السنّة.

فقال : هذه الساعة.

قال : نعم.

قال سالم : فقلت للحجاج : إن كنت تريد أن تصيب اليوم السنّة فاقصر الخطبة وعجلّ الصلاة.

فقال عبدالله بن عمر : صدق(2) .

أقول : هذا الزنديق الذي يفضّل عبد الملك على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعوى أنّ خليفة الرجل أفضل من رسوله يتقرّب عبدالله منه ليصيب من دنياه ويؤيد شرعية ولايته ، فيوصّيه بالسنن وصلاته في أول الوقت! فهذا عقل عبدالله الذي لم يحسن طلاق زوجته ، وقد قال الله تعالى :( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ) (3) .

__________________

(1) سنن النسائي 5 : 253.

(2) سنن النسائي 5 : 254.

(3) هود 11 : 113.

٤٥٦