الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 9

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 9
المشاهدات: 1971
تحميل: 2634


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 9 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 1971 / تحميل: 2634
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

-١-

شكر غير مجذوذ

على عطف ملكيّ ثانٍ لصاحب الجلالة ألملك فاروق الأوَّل مليك مصر المحميَّة «نصره الله لإعلاء كلمة التوحيد» بتوقيع صدر عن السكر تيريَّة الخاصَّة لجلالته، يُعرب عن وصول الجزء الخامس إلى المقام السّامي، مشفوعاً بتقدير وإعجاب بالكتاب لفخامة السيّد الحسين الحسني السكر تير الخاصّ لصاحب الجلالة، فشكراً ثم شكراً لصاحب الجلالة وللسيّد الفخم غير مجذوذ.

الأميني

١

كتاب كريم

أتانا من البحاثة المفضال، المفتي المصلح الشيخ محمد سعيد العرفي، وهو كما ترجمه الاُستاذ الشيخ محمد سعيد دحدوح الحلبي: من خيار علماء سورية، وممن أبلى بلاء حسناً في الجهاد السياسي وعذّب ونفي مراراً، وله مؤلفات كثيرة منها: سر إنحلال الامّة العربية ووهن المسلمين، وبماذا يتقدم المسلمون، وموجز الاخلاق المحمدية، ومبادىء الفقه الاسلامي، وتفسير القرآن.

فنحن تقديراً لمقامه العلمي والادبي الشامخ، واعجاباً بخلائقه الكريمة، ننشر الكتاب بلفظه مشفوعاً بشكر غير مجذوذ.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيِّد المرسلين محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين.

سماحة الحجّه العلاّمة الشيخ عبد الحسين أحمد الاميني النجفي المكرّم.

أمّا بعد السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنِّي إثر عودتي من دمشق من المجلس الإسلاميِّ الاعلى مريضاً، قد أسعدني الحظُّ بمطالعة أجزائكم الثلاثة: الاوَّل والثاني والرابع من كتاب «الغدير في الكتاب والسنّة والأدب» ولم يصل الجزء الثالث أصلاً، فلم استطع ان أكتم ما يختلج به ضميري من سرور متواصل، وسعادة غير منقطعة، لانّي لا أنكر أنَّ هذا الباب قد طرقه كثيرٌ من فطاحل الرجال ، إلاّ أنّهم لم يوفوه حقّه كما قال الحجَّة الاميني. فلقد دوَّن آراءً لم يستطع الاوَّلون على أن يأتوا بمثلها، فكان كما قال أبو تمام حبيب الطائي:

لا زلت من شكري في حلّة

لابسها ذو سلب فاخرِ

يقول من تقرع أسماعه

كم ترك الاوَّلُ للآخرِ

أو كما قال أبو العلاء المعَري أحمد بن سليمان:

وإنِّي وإن كنت الاخير زمانه

لات بما لم تستطعه الاوائلُ

إذن لا لوم عليَّ إذا قلت: إنَّ المؤلِّف قد جمع في هذه الأجزاء الثلاثة من العلوم والآداب ما صيَّر «الغدير» عيداً شاملاً لكلِّ مؤمن، لانَّه يجد اُمنيَّته فيه من علم غزير، وفقه واسع، وأدب جمّ، فكان المجمع الأقوى لكلِّ طالب علم مهما اختلفت

٢

آراؤهم، وتباينت عقائدهم، وتغيَّرت أفكارهم. فإنَّ كلَّ واحد منهم يجد فيه ضالَّته المنشودة، بحيث يعجز اللسان عن تبيان ما يدور في خلد كلِّ واحد من أهل العلم، حتّى يصلح هذا الكتاب الجسيم أن يكون مقصداً لارباب الافكار السَّامية والغايات المختلفة، بحيث يستطيع كلُّ واحد أن يجد ضالَّته المنشودة حتّى يكون رمزاً حقيقياً للمؤمن الصّادق لما يجده فيه من سرور متواصل، ونعيم لاتمكن الإحاطة به إحاطة تامَّة بوجود فرح تامّ عند قراءة تلك المواضيع السامية، بحيث يمكن أن يكون مرجعاً تامّاً لكلِّ طالب علم أو عالم متضلّع مهماتكن آراؤه مختلفة، وعقائده متباينة، لانَّ ما يحصل من السرور بتلاوة ما كتبه الافاضل في هذا الموضوع النبيل يصلح أن يكون دستوراً خالداً لدى جميع الموحِّدين.

لا ريب بأنَّ كثيراً من فطاحل العلماء لم يدوّنوا أفكارهم، ولم ينشروا بين النّاس ما تشتمل عليه آراؤهم، وما هي عليه من نظام وعمل ينبغي أن يتأسّى به كلّ واحد، ولكنَّ الاُستاذ الاميني الحجَّة قد منحه الله فضلاً واسعاً حتّى استطاع أن يبين ما يجيش به صدره، من حقائق ناصعة وأفكار جميلة وجليلة.

ولست في مقام حمده والثناء عليه، ولكن تلك الاثار النبيلة تشهد بفضله الرائع وآثاره القيّمة، ممّا يجعل أهل العلم لا يستطيعون إنكار فضله مهما يكن أحدهم من أهل الفضل والنبل.

إنّي أودّ أن أتكلّم عن كلِّ ما يحصل في صدري أو يختلج به فؤادي، ولكنَّ المقام مقام إيجاز لا إطناب، فلا تلمني إذا دوَّنت شيئاً قليلاً ممّا حصل لي من سرور بهذا الكتاب النبيل، الذي جمع علم المتقدِّمين وأفكار المتأخّرين. فإذن لا عتب عليَّ إذا اختزلت الكتابة وكتبت شيئاً يسيراً، جزاه الله عنّا أفضل الجزاء، وبلّغه الحسنى وزيادة وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الاطهار وسلّم تسليماً، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٢٥ ربيع الاوَّل ١٣٧٣

من الداعي

محمد سعيد العرفي

مُفتي محافظة دير الزور، وعضو المجمع العلمي العربي

٣

كتاب مشفوع بمقال

تفضَّل به البحَّاثة الاُستاذ الفذّ عبد الفتَّاح عبد المقصود المصري مؤلّف الكتاب القيِّم - الامام عليّ - في أربع مجلّدات يُعرب مقاله عن ثقافة راقية، ودراية عالية، وروح شاعرة، وشعور حيّ، وعدل في القضاءِ، ورجاحة في الرأي، ونباهة في توحيد الكلمة، وبخوع بالحقائق التاريخيَّة، فنحن نذكر المقال ونردفه بالكتاب شكراً للاُستاذ، تقديراً ليراعه الثبت، وضميره الحرِّ، وبصيرته النزهة عن رمص التقليد.

الغدير

أوشك وعيي أن يضلَّ في عالم من المعرفة فسيح، وأنا اُقلّب ناظري بين سطور هذا السِّفر وكلماته.. أهو حقّاً كتاب؟.. أهو «غدير»؟.. بل هو «عليم» زخر بدرره، صنوفاً شتّى ذات الوان، تحار في حصرها النهى والخواطر، وتنبهر لها عيون البصائر، كلّما وقعت منها على صدفة رأيتها انطوت على كنز تفرَّد في الكنوز وعزَّ في الذخائر، يكاد يحسبه الرائي نسج وحده، ثمَّ لا يلبث أن يقع على سواه أبهى وأثمن في صدفة اُخرى مكنونة، ثمَّ بعدها في صدفات، مختلفة، ومؤتلفة جمّة العديد موفورة بقدر ما ضمَّ غور البحر من قطرات مائه، وما غشّى الشاطىء من حبّات حصبائه...

وكان «الامينيُّ» هو الغوّاص الذي وُكّل بالكشف عن الفرائد الغوالي حتّى لهمَّ أن يجرِّد منها الاغوار!.. ثمَّ كان الجوهريّ ذا اليد الصنّاع، يؤلِّف ويصنِّف من القلائد الخوالد مالم يدع بعدها فتنة للانضار!..

هذا جهد يجلّ عن الطاقة، لم تنؤ به همّة المؤلّف الجليل، ولم يقعد دون شأوه اصطباره، ولقد ظلت أعجب - وحقَّ لي - كيف وسعه أن يخضع وقته لبحث طوف به نيفاً وألفاً ونصفاً من الاعوام؟ غير آيس ولا ملول، منقِّباً فيها عن كلِّ هذه التحف الذهنيَّة التي

٤

همَّ غبار الزَّمن أن يغيبها عن أعين هذا الجيل!.. ولكنَّه صبرٌ ليس ينجبه سوى إيمانٌ للرجل وثيق بقدر عمله وجدواه، وإيمان أيضاً بشخصيَّة الامام العظيم بلغ أعلا ذراه.

ومن العسير على أيِّ امرىء يقرأ «الغدير» أن يفيه في عجالة كهذه قصيرة، وأنا كذلك معلنٌ قصوري بين يدي تقديري!... فليس بنصوص من روائع الادب، ولا نظيماً من عيون القيد، ولا صحائف مجتباة من بطون التاريخ.. لا ولا قصصاً حيّاً يرد الاجيال ويرسم الرِّجال والابطال، ولكنّه هذه كلّها وبعض سواها، عصيٌّ على من لم يتوفَّر عمره المديد على دراسة نواحيها أن يأتي فيه بالرأي الراشد الذي يقارب الصَّواب.

ومن هنا بدا لنا علم «الامينيِّ» عالماً فسيحاً يضلُّ فيه وعي القرَّاء كما يضلُّ وعي النقّاد، فلقد جاء كتابه «موسوعة» زاخرة تفيض بالممتع والمحكم، وتلمُّ من كلِّ فنّ من فنون المعارف بأطراف، حتّى ليعسر على النخبة المختارة من ذوي الاقلام أن يأتوا بنظيرها إلاّ على حذر وبعد بحث مغرق طويل.

وأدع جانباً هذا العرض الدقيق الذي أودعه الكاتب لبّ كتابه، وهذا السَّرد الرشيق للنظيم والنثير، ثمّ انطلق وايّاه في آفاقه التي أضاءها قلبه المشرق المستنير.. إنَّه ليستهدي التنزيل، ثمَّ الحديث، ثمَّ يقفي بعد هذا وذاك بنفحات الهداية التي حرَّكت يراعات تلك الاجيال المتلاحقة من الرُّواة والشعراء والكتاب حتّى يصل بنا إلى هذا الجيل... فإلى أيّ مدى استطاع أن يتّخذهم جميعاً جنداً يدفعون جحافل الجحود والانكار والافتراء عن «حديث الغدير»؟..

لقد وفِّق الرَّجل في كلا العرض والدفاع، حتّى فرَّت أمام حججه ذرائع المبطلين، ولم يكن في دفاعه مسوقاً فحسب بفرط شغفه بالامام، ولكنّه كان أيضاً كالحَكم العدل، يزن في كفَّتين ثمَّ يسجِّل لايَّتهما كان الرجحان. ولعلَّ نظرة عابرة يلقيها غير ذي الهوى على صفحات سفره - وخاصّة تلك التي أفردها السلاسل «الوضّاعين والموضوعات» - كفيلة بأن تريه «الامينيَّ» بحّاثة أميناً، يتّبع في استخلاص آرائه أدقَّ أساليب البحث المنزَّه الصحيح.

إنَّ حديث الغدير لا ريب حقيقة لا يعتريها باطلٌ، بلجاء بيضاء كوضح النهار، وإنَّه لنفثةٌ من نفثات الالهام جاشت بها نفس الرَّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لتقرِّر بها قدر ربيه

٥

وصفيّه وأخيه بين امَّته وأصفيائه المجتبين. هو حجّه لقدر الامام «نقليّة»، ولحقّه الهضيم، لم يعوز «الامينيّ» إبرازها في سطور سفره، وإحاطتها بسياج ثابت متين من الاسناد التاريخيَّة المنيعة على أراجيف الاهواء.. ولمن شاء أن يخدشها - ظالماً أو جاهلاً - بفرية، أو يدلّنا أين بين أولئكم الصحابة الابرار مَن يسبق إبن أبي طالب حين تذكر المزايا والاقدار؟!

لقد كنت، وما أزال، أجعل الخلق والمواهب ومقوِّمات الشخصيَّة أقيستي للعظمة الانسانيّة، فما رأيت امرأً - بعد محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) - جديراً أن يلحق بذيله أو يكون رديفه قبل أبي سلالته الخيرة المطهّرة، ولست بهذا مدفوعاً بحماس لمذهب أو تشيّع، ولكنّه الرأي الذي تنطق به حقائق التاريخ...

إنَّما الامام هو الرَّجل «الامثل»... عقمت عن مثيله الحقب والعصور حتّى آخر الزمان. وعندما تستروح النفوس المستهدية أنباءه يشرق لها من كلِّ نبأ شعاعٌ، فإنْ هو إلاّ بشرٌ صيغ - أو كان أن يكون - من كمال، ظاهر الحقَّ لذات الحقِّ دون مظاهرته للنتائج المترتّبة عليه، ولا من أجل الجزاء عنه، وغالب الباطل إنكاراً للباطل وحبّاً في تبرئة الانسانيَّة المتعالية التي يؤمن بها من أن تتّهم بالصبر على ما يجافي الحقّ دون أن تنهض له، كان دوماً يكره الشرَّ منذ انتبهت عينه للحياة.. كرهه في الانتقاص من تفرّد الله بالقدرة، فأبى أن يعنو وجهه لايّ من الاصنام التي عنت لها جباه قومه - وهو بعدُ طفل - لانّه رآها شرّاً ينال من قداسة الله في نفوس بني الانسان... وكرهه في عدوان القويِّ الظالم على حريّة الضعيف المظلوم، فناضل نضاله المشهود إبّان البعثة عن رسول الله، لتحقَّ كلمة الله وتذيع شرعة الهداية الكفيلة باستنقاذ البشريّة الضالّة من حمأة الاثام... كره الشرَّ في الحسيَّات وفي المعنويّات. وغالبه في العقائد الفاسدة والنفوس المفسودة... حاربه في الفقر الذي يسترخص الابدان والارواح، فأمن نفسه من غوائله بأن حصّنها ضدّ الحاجة بالنسك والزهادة.. وفي الجبن الذي يذلّ القلوب فارتمى على الموت أينما ثقفه في كلِّ موطن وحين، حتّى أذل دولته وهزم هيبته وغدا اُسطورة الاساطير في شجاعة الشجعان. وفي الجهل الذي يميت المشاعر فعبَّ من نبع حكمة النبوَّة، وتدبَّر القدرى الإلهيَّة في آياتها القرآنيّة وآياتها الكونيَّة، حتّى صار

٦

- لبني زمنه وما تلاه من أزمان - نبراساً للمعرفة ونوراً للنُّهى والعقول ليس كمثله نور... كان الخير في نظره مطلوباً لذاته، لا صفقةً تجاريَّة يقدَّر قبل عقدها الربح والخسارة !.. كان له وسيلة وغاية في آن، وسيلة تجبّ ما عداها من الوسائل، وغاية ليس بعدها من غاية لضمير الانسان الكامل، إنَّه مطلب البشر الذي يجرد بهم نشدانه، العالم بغيره سوق ضلالة، والانسانيَّة مباءة جهالة!..

ثمَّ مالي أطنب؟ وما هذه سوى عجالة أملاها التقدير لم تملها رغبة في الترجيح أو في التقرير... إنَّ فضل الامام معلومٌ مشهورٌ وسبقه على الاقران غير منكور. ولكنّها جمحةٌ لقلمي، عسى أن يتقبَّلها استاذنا «الامينيُّ» الجليل فيتقبّل خطاباً هتّاً من «الصورة العقليَّة» التي استطاع جهدي المحدود أن يستخلصها لامير المؤمنين من ثنايا التاريخ. ولنا عوض عن قصورنا: هذه «الصورة النقليّة» المكتملة التي بدت لنا زاهية نضرةً من خلال أسطر «الغدير»...

المخلص

عبد الفتاح عبد المقصود

نصّ كتابه

الإسكندرية - ذو الحجَّة ١٣٦٧.

حضرة المحترم العلاّمة الجليل الاُستاذ عبد الحسين أحمد الاميني حفظه الله.

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

كان خجلي منك أن يحبس خطابي عنك، فقد قصَّرت في حقِّك أيَّما تقصير، وما زلت أستلهم الذرائع والاسباب التي تبرِّر عندك جمودي فيعوزني منها ما يقرِّبني إلى مغفرتك، لكنَّني والان أستعين بكرمك، وأتقدَّم إليك دون عذر اُقدِّمه، وكفاني بهذا الكرم شفيعاً لديك.

تلقّيت الجزء الخامس من كتابك «الغدير» وأنّه في الحقِّ لسفرٌ خالدٌ، ومجهودٌ فذٌّ جديرٌ بأن يحسدك عليه النافس، ويغبطك الوليُّ الحميم، وقد جرى قلمي بكلمات قليلة عنه لا تبلغ بعض حقِّه عليَّ من التقدير، غير أنَّ عذيري أنّك ممّن يزهدون في الاطراء... فهلاّ تقبَّلت ما كتبته عنه - واُرسله الان - فإنَّه خطرةٌ سجَّلتها للذكرى. ولك منِّي تحيَّةٌ عبقةٌ. وتمنِّياتٌ خالصة.

المخلص

عبد الفتاح عبد المقصود

٧

كتاب

تلقّيناه من بحّاثة المسيحيِّين شاعر القضاة، وقاضي الشعراء، الاُستاذ بولس سلامة البيروتي، يشهد له بالعدل في القضاء، والنضج في الرأي، والنصفة في الحكم، والثقافة في الترجيح، والتقدير للحقائق الاسلاميَّة، والاخبات إلى التاريخ الصَّحيح، فمرحباً به، وشكراً له على نفثات قلمه الفيّاض بالغرر والدرر والسبائك المنضَّدة.

ولنا أن نعدَّه ممّن استقى من نمير غديرنا العذب ، فبرز في ولاء العترة الطاهرة ونظم ملحمته العربيَّة الغرّاء، وزهت صحيفة تاريخه بما فيها من حقائق ورقائق ودقائق.

١٩ ذو القعدة ١٣٦٧

حضرة صاحب الفضيلة الشيخ العليم البحّاثة عبد الحسين أحمد الاميني النجفي حفظه الله.

تلقّيت الجزء الخامس من - الغدير - بعد أن حظيت بالاجزاء الاربعة التي تقدَّمته، وكان عليَّ أن أسرع في الشكر وفاءً لبعض حقِّك عليَّ، بل على اُدباء العرب، بل على التاريخ، فإنَّ المداد الذي يجري من شقِّ يراعك الثبت يستحيل - حين تشرِّفه بذكر الفاطميِّين - ألسنةً من نور ناطقة بحقِّ آل محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ اليوم حتّى تدول دولة القلم في آخر الدهر ويرث الله الارض وما عليها.

وإنَّما أعتذر إليك عن تأخيري الجواب اعتذاراً يسرّك، حتَّى لتؤثره على أداء الواجب، ذلك انّي كنت في الاونة الاخيرة اختلس الفترات التي يهادنني فيها المرض لانظم «يوم الغدير» في ملحمة تناولت فيها أهل البيت منذ الجاهليّة حتّى ختام مأساة كربلاء، وقد أربى عدد أبياتها على ثلاثة آلاف وخمسمائة، وجعلت عنوانها «عيد الغدير» وعمّا قريب سأدفعها للمطبعة(١) وممّا قلته في شرح مقطع «حديث الغدير»: وعندي

____________________

(١) طبعت في ٣١٧ صحيفة في بيروت في مطبعة النسر ١٤ كانون الثاني ١٩٤٧ م.

٨

أنَّ أفضل المؤمنين في الغدير وأقدرهم على جمع الوثائق الصحيحة، وأوسعهم نظراً هو العالم الفاضل الشيخ عبد الحسين الاميني النجفي، وهو آية في التنقيب، وعمق الاطِّلاع وطول الاناة.

وهذا يا سيِّدي الشيخ أقلّ من القليل بجانب فضلك، ومقابل ما أفدت من مؤلَّفاتك، ولقد أشرت في الهامش إلى ما أخذته عنك عند الكلام على ابن العاص، ولو استنسبت أن آخذ عن المصادر الشيعيَّة لجعلتك المرجع الاوحد، لانَّ أسفارك النفيسة ليست فقط مجمع أحاديث بل دائرة معارف يقرُّ فيها البيان، ويطمئن التاريخ، وتنفتح آفاق المعرفة ويخضوضر الشعر، حتّى لتغمر القارىء موجة من الغبطة، فلا يشعر إلاّ وشفتاه تهتفان بلفظتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان: الله أكبر.

وقد أخذت - أكثر ما أخذت - عن الثقات من مؤرِّخي السنَّة لئلاّ يكون للمعترضين حجَّة، ويعلم الله أنِّي لم أقل إلاّ حقاً، فإنَّ من يشرِّف قلمه بذكر أبي الحسن لاغنى الناس عن ابتداع الاساطير، وإنَّما يبحث عن قطرة الماء، أو يعتصر الشوك ظامىءٌ يهيم في البيداء، ولكن جار الفراتين والنيل لا يعطش أبداً.

والادلّه على عظمة أمير المؤمنين - بل أمير العرب - لاجلّ من أن تُحصى، وشأن مَن يحاول حصرها شأن من يبغي التقاط أشعَّة الشمس، وإنَّني لاكتفي بواحد منها في هذه الرِّسالة وهو: أن يتلاقى على حبِّ أهل البيت رجلان: أحدهما شيعيٌّ جليلٌ وقف قلمه منذ خمس عشرة سنة على خدمة الحقِّ ولمّا يزل وهو أنت، وثانيهما هو هذا المسيحيُّ العاجز الذي جاء في الزَّمن الاخير، وعلّة ذلك أنَّ صعيد الحقيقة هو على شاطىء دجلة، وعلى ضفاف الازرق المتوسِّط، وإنَّ الحقَّ شعلةٌ من الضياء السماويِّ، وإنَّها لشعلةٌ متّصلةً بالخلود بلا نهاية، بالله.

بيروت ٢٢ أيلول سنة ١٩٤٨

المخلص

بولس سلامة

٩