دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق14%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214716 / تحميل: 4833
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٦-x
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الله تعالى ، كما عن أبي إسحاق الإسفراييني(١) ، أو بنحو الاستقلال والإيجاب كما عن الفلاسفة(٢) ، أو بنحو الاستقلال والاختيار كما هو مذهب العدلية(٣) ، فمن أين يتعيّن الأخير؟!

وفيه : بعد كون المطلوب في المقام هو إبطال مذهب الأشاعرة ، وما ذكر كاف في إبطاله : إنّ مذهب الفلاسفة مثله في مخالفة الضرورة ؛ لأنّ وجود الاختيار وتأثيره من أوضح الضروريات.

على أنّ الإيجاب ينافي فرض وجود القدرة لاعتبار تسلّطها على الطرفين في القول الأحقّ ، ويمكن أن يحمل كلامهم على الإيجاب بالاختيار فيكون صحيحا.

وأمّا مذهب أبي إسحاق ، فظاهر البطلان أيضا ؛ لأنّ الله سبحانه منزّه عن الاشتراك في فعل الفواحش كنزاهته عن فعلها بالاستقلال ، ولأنّه يقبح بأقوى الشريكين أن يعذّب الشريك الضعيف على الفعل المشترك ، كما بيّنه إمامنا وسيّدنا الكاظمعليه‌السلام وهو صبي لأبي حنيفة(٤) .

__________________

(١) كما في محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٠ ، تلخيص المحصّل : ٣٢٥ ، مطارح الأنظار في شرح طوالع الأنوار : ١٩٠.

وقد مرّت ترجمة الإسفراييني في ج ٢ / ٥٩ ه‍ ١ ؛ فراجع.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٧ ، مطارح الأنظار في شرح طوالع الأنوار : ١٩٠ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١٢٢.

(٣) الذخيرة في علم الكلام : ٨٤ و ٨٦ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٢ و ٩٦ ـ ٩٧ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٥.

وانظر رأي المعتزلة في : شرح الأصول الخمسة : ٣٢٥ و ٣٦٢ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨١ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٦.

(٤) انظر ذلك مثلا في : التوحيد ـ للصدوق ـ : ٩٦ ب‍ ٥ ح ٢ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ٤٩٤ ح ٦٧٣ المجلس ٦٤ ، مناقب آل أبي طالب ٤ / ٣٣٩ ، الاحتجاج ٢ / ٣٣١ ح ٢٦٩ ، أعلام الدين : ٣١٨.

١٢١

وأمّا ما زعمه من إبطال دعوى الضرورة بقوله : « لأنّ علماء السلف كانوا منكرين » إلى آخره

ففيه : إنّ علماء السلف من العدلية إنّما ذكروا الأدلّة على المدّعى الضروري ، للتنبيه عليه لا لحاجته إليه ، ولذا ما زالوا يصرّحون بضروريّته ، مضافا إلى أنّ عادة الأشاعرة لمّا كانت على إنكار الضروريات ، احتاج منازعهم إلى صورة الدليل مجاراة لهم.

وأمّا قوله : « وأيضا : إنّ كلّ سليم العقل » إلى آخره

فتوضيحه : إنّ سليم العقل يعلم أنّ إرادته لا تتوقّف على إرادة أخرى ، فلا بدّ أن تكون إرادته من الله تعالى ، إذ لو كانت منه لتوقّفت على إرادة أخرى ؛ لتوقّف الفعل الاختياري على إرادته ، فيلزم التسلسل في الإرادات ، وهو باطل.

فإذا كانت إرادته من الله تعالى وغير اختيارية للعبد ، لم يكن الفعل من آثار العبد وقدرته ، بل من آثار الله تعالى ، لوجوب حصول الفعل عقيب الإرادة المتعلّقة به ، الجازمة الجامعة للشرائط ، المخلوقة لله تعالى ، فلم تكن إرادة العبد ولا حصول الفعل عقيبها من آثار العبد ، بل من الله تعالى.

وفيه : إنّ عدم احتياج الإرادة إلى إرادة أخرى ، لا يدّل على عدم كونها من أفعال العبد المستندة إلى قدرته ، فإنّ تأثير قدرته في الفعل لا يتوقّف ذاتا على الإرادة ، ولذا كان الغافل يفعل بقدرته وهو لا إرادة له ، وكذا النائم.

وإنّما سمّي الفعل المقدور اختياريا لاحتياجه غالبا إلى الإرادة والاختيار ، فتوهّم من ذلك اشتراط سبق الإرادة في كلّ فعل مقدور ، وهو

١٢٢

خطأ.

وبالجملة : فعل العبد المقدور نوعان : خارجي ، كالقيام والقعود ونحوهما ؛ وذهني ، وهو أفعال القوى الباطنة ، كالإرادة والعلم والرضا والكراهة ونحوها.

والأوّل مسبوق بالإرادة إلّا نادرا كفعل الغافل والنائم ،والثاني بالعكس ، والجميع مقدور ومفعول للعبد ، ولذا كلّف الإنسان عقلا وشرعا بالمعرفة ، ووجب عليه الرضا بالقضاء ، وورد العفو عن النيّة

وقال تعالى :( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (١)

وقال سبحانه :( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ) (٢)

وقال تعالى :( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ) (٣)

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما لكلّ امرئ ما نوى »(٤)

وقال : «نيّة المرء خير من عمله »(٥) .

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٥٣.

(٢) سورة يوسف ١٢ : ٨٣.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٣٠.

(٤) صحيح البخاري ١ / ٢ ح ١ وص ٣٧ ح ٥٣ وج ٣ / ٢٩٠ ح ١٣ وج ٨ / ٢٥٢ ح ٦٣ وج ٩ / ٤٠ ح ١ ، صحيح مسلم ٦ / ٤٨ ، سنن أبي داود ٢ / ٢٦٩ ح ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٤١٣ ح ٤٢٢٧ ، سنن الترمذي ٤ / ١٥٤ ح ١٦٤٧ ، سنن النسائي ١ / ٥٩ ، مسند أحمد ١ / ٢٥ ، تهذيب الأحكام ١ / ٨٣ ح ٢١٨ وج ٤ / ١٨٦ ح ٥١٩ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٦١٨ ح ١٢٧٤ ، دعائم الإسلام ١ / ١٥٦.

(٥) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٦ / ١٨٥ ح ٥٩٤٢ ، حلية الأولياء ٣ / ٢٥٥ ، تاريخ بغداد ٩ / ٢٣٧ ، إحياء علوم الدين ٥ / ٢٧٠ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٧٣ ح ٧٠٩٦ و ٧٠٩٧ ، أصول الكافي ٢ / ١١٢ ح ١٦٦٩ ، المحاسن ١ / ٤٠٥ ح ٩١٩ ، الهداية ـ للصدوق ـ : ٦٢.

١٢٣

ويشهد لكون الإرادة من الأفعال المستندة إلى قدرة العبد ؛ أنّ الإنسان قد يتطلّب معرفة صلاح الفعل ليحدث له إرادة به ، وقد يتعرّف فساده بعد وجودها فيزيلها بمعرفة فساده ، وإن كانت جازمة فإنّها قد تكون فعلية والمراد استقباليا ، فالقدرة في المقامين على الإرادة حاصلة من القدرة على أسبابها كسائر أفعال القلب ، فكلّ فعل باطني مقدور للإنسان حدوثا وبقاء وزوالا.

فثبت أنّ الإرادة ومقدّماتها ـ أعني : تصوّر المراد والتصديق بمصالحه والرضا به من الجهة الداعية إليه ـ مقدورة للعبد ، ومن أفعاله المستندة إليه.

نعم ، ربّما يكون بعض مقدّمات الإرادة من الله تعالى ، وبذلك تحصل الإعانة من الله تعالى لعبده ، كما تحصل بتهيئة غيرها من مقدّمات الفعل ، وعليه يحمل

قول إمامنا الصادقعليه‌السلام : «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين »(١) .

فإنّه لا يبعد أنّ المراد بالأمر بين الأمرين دخل الله سبحانه في أفعال العباد ، بإيجاد بعض مقدّماتها ، كما هو واقع في أكثر المقدّمات الخارجية ، التي منها تهيئة المقتضيات ورفع الموانع.

فحينئذ لا يكون العبد مجبورا على الفعل ولا مفوّضا إليه بمقدّماته ، وبذلك يصحّ نسبة الأفعال إلى الله تعالى.

فإنّ فاعل المقدّمات ، لا سيّما الكثيرة القريبة إلى الفعل قد يسمّى

__________________

(١) الكافي ١ / ١٧٩ ح ٤٠٦ ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ١٤١ ، التوحيد ـ للصدوق ـ : ٣٦٢ ح ٨ ، الاحتجاج ٢ / ٤٩٠.

١٢٤

فاعلا له ، وعليه يحمل ما ظاهره إسناد أفعال العباد إلى الله تعالى ، كبعض آيات الكتاب العزيز(١) .

والله وأولياؤه أعلم.

* * *

__________________

(١) انظر : سورة البقرة ٢ : ٢٥٣ ، سورة الرعد ١٣ : ١٦ ، سورة الصافّات ٣٧ : ٩٦ ، سورة الزمر ٣٩ : ٦٢.

١٢٥

قال المصنّف ـ زاد الله فضله عليه ـ (١) :

منها : مكابرة الضرورة ، فإنّ العاقل يفرّق بالضرورة بين ما يقدر عليه كالحركة يمنة ويسرة ، والبطش باليد اختيارا ، وبين الحركة الاضطرارية ؛ كالوقوع من شاهق ، وحركة المرتعش ، وحركة النبض ، ويفرّق بين حركات الحيوان الاختيارية وحركات الجماد.

ومن شكّ في ذلك فهو سوفسطائي ، إذ لا شيء أظهر عند العاقل من ذلك ولا أجلى منه.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٠٢.

١٢٦

وقال الفضل(١) :

قد عرفت جواب هذا في ما مرّ(٢) ، وقد ذكر هذا الرجل هذا الكلام ثمّ كرّره ، كما هو عادته في التكريرات القبيحة الطويلة الخالية عن الجدوى ؛ والجواب ما سبق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٨.

(٢) راجع الصفحة ١١٣ فما بعدها.

١٢٧

وأقول :

مراد المصنّف رحمه‌الله سابقا هو : بيان مدّعى العدلية من كون العباد فاعلين بالضرورة(١) .

ومراده هنا : بيان ما يلزم الأشاعرة من مكابرة الضرورة ، غاية الأمر أنّه بيّن سابقا وجه الضرورة بيانا للمدّعى ، وهو ليس من التكرار.

وأمّا تطويله ، فهو لإيضاح الحجّة للعوامّ عسى أن يرتدع من له قلب.

وأمّا ما أشار إليه من الجواب بمجرّد وجود القدرة وعدمها من دون تأثير لوجودها ، فقد عرفت أيضا أنّه مخالف للضرورة ، فإنّ الضرورة كما تحكم بوجود القدرة تحكم بتأثيرها ، ولو لم يكن لها تأثير لم نعلم بوجودها ؛ لاحتمال الفرق بمجرّد وجود الاختيار وعدمه(٢) .

* * *

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١١١.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٢٠.

١٢٨

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : إنكار الحكم الضروري من حسن مدح المحسن وقبح ذمّه ، وحسن ذمّ المسيء وقبح مدحه.

فإنّ كلّ عاقل يحكم بحسن مدح من يفعل الطاعات دائما ولا يفعل شيئا من المعاصي ، ويبالغ بالإحسان إلى الناس ، ويبذل الخير لكلّ أحد ، ويعين الملهوف ، ويساعد الضعيف وإنّه يقبح ذمّه ، ولو شرع أحد في ذمّه باعتبار إحسانه عدّه العقلاء سفيها ، ولامه كلّ أحد ، ويحكمون حكما ضروريا بقبح مدح من يبالغ في الظلم والجور والتعدّي والغصب ونهب الأموال وقتل الأنفس ، ويمتنع من فعل الخير وإن قلّ ، وإنّ من مدحه على هذه الأفعال عدّ سفيها ولامه كلّ عاقل.

ونعلم ضرورة قبح المدح والذّم على كونه طويلا وقصيرا ، أو كون السماء فوقه والأرض تحته ، وإنّما يحسن هذا المدح والذمّ لو كان الفعلان صادرين عن العبد ، فإنّه لو لم يصدر عنه لم يحسن توجّه المدح والذمّ إليه.

والأشاعرة لم يحكموا بحسن هذا المدح والذمّ ، فلم يحكموا بحسن مدح الله تعالى على إنعامه ولا الثناء عليه ، ولا الشكر له ، ولا بحسن ذمّ إبليس وسائر الكفّار والظلمة المبالغين في الظلم ، بل جعلوهما متساويين

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٠٢.

١٢٩

في استحقاق المدح والذمّ(١) .

فليعرض العاقل المنصف من نفسه هذه القضية على عقله ، ويتّبع ما يقوده عقله إليه ، ويرفض تقليد من يخطئ في ذلك ويعتقد ضدّ الصواب ، فإنّه لا يقبل منه غدا يوم الحساب

وليحذر من إدخال نفسه في زمرة الّذين قال الله تعالى عنهم :( وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) انظر : نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٧٠ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٤ ، طوالع الأنوار : ٢٠٢.

(٢) سورة غافر ٤٠ : ٤٧.

١٣٠

وقال الفضل(١) :

حاصل ما ذكره في هذا الفصل : أنّ المدح والذمّ يتوجّهان إلى الأمور الاختيارية ، ويحسن مدح المحسن ويقبح ذمّه ، ويقبح مدح المسيء ويحسن ذمّه ، ولو لا أنّ تلك الأفعال باختيار الفاعل وقدرته لما كان فرق بين الأعمال الحسنة والسيّئة ، ولا يستحقّ صاحب الأعمال الحسنة المدح ولا صاحب الأعمال القبيحة الذمّ ، فعلم أنّ الأفعال اختيارية ، وإلّا يلزم التساوي المذكور ، وهو باطل.

والجواب : إنّ ترتّب المدح والذمّ على الأفعال ، باعتبار وجود القدرة والاختيار في الفاعل وكسبه ومباشرته للفعل ؛ أمّا أنّه لتأثير قدرته في الفعل ، فذلك غير ثابت ، وهو المتنازع فيه ، ولا يتوقّف ترتّب المدح والذمّ على التأثير ، بل يكفي وجود المباشرة والكسب في حصول الترتّب المذكور.

ثمّ ما ذكر أنّ المدح والذمّ لم يترتّب على ما لم يكن بالاختيار ، فباطل مخالف للعرف واللغة ، فإنّ المدح يعمّ الأفعال الاختيارية وغيرها بخلاف الحمد ، واختلف في الحمد أيضا.

وأمّا قوله : « والأشاعرة لم يحكموا بحسن هذا المدح »

إن أراد أنّهم لم يقولوا بالحسن والقبح العقلي للمدح والذمّ المذكورين ، فذلك كذلك ؛ لأنّهم لم يقولوا بالحسن والقبح العقلي أصلا.

وإن أراد نفي الحكم بحسن مدح الله تعالى وثنائه مطلقا ، فهذا من

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٩.

١٣١

مفترياته ، فإنّهم يحكمون بحسن مدح الله وثنائه ؛ لأنّ الشرع أمر به ، لا لأنّ العقل حكم به ، كما مرّ مرارا(١) .

* * *

__________________

(١) انظر ردّ الفضل بن روزبهان في ج ٢ / ٤١١ ـ ٤١٢.

١٣٢

وأقول :

لا ريب أنّ المدح والذمّ يتبعان حسن الأشياء وقبحها ، والحسن والقبح في الأفعال إنّما يكونان من حيث صدورها من فاعلها وتأثيره فيها بقدرته واختياره ، لا لذواتها ، ولذا لو صدر من النائم أو المكره فعل لم يمدح ولا يذمّ عليه.

وحينئذ فلا يصحّ تعلّق المدح والذمّ بالعبد بمجرّد جعل الله تعالى له محلّا لفعله من دون قدرة له على الامتناع ولا تأثير له في الفعل ، فلا وجه لجعل الكسب موجبا لترتّب مدح العبد وذمّه على الفعل ، فإنّه بأيّ معنى فسّر لم يصدر كأصل الفعل بقدرة العبد واختياره ، وما لم يصدر من العبد شيء لا يحسن مدحه أو ذمّه عليه.

وأمّا ما حكاه عن أهل اللغة من أنّ المدح يعمّ الأفعال الاختيارية وغيرها(١)

ففيه : إنّ مرادهم بالغير هو الصفات كصفاء اللؤلؤ ، لا ما يعمّ الأفعال التي تقع بلا قدرة واختيار ، فإنّه خلاف الضرورة.

ولكن على هذا يشكل ذكر المصنّف للطول والقصر ، وكون السماء فوقنا والأرض تحتنا ، فإنّها ليست من الأفعال حتّى يكون عدم المدح والذمّ عليها شاهدا للمدّعى.

__________________

(١) مثل الثناء على الشيء بما فيه من الصفات الجميلة ، خلقية كانت أو اختيارية ؛ انظر مادّة « مدح » في : المصباح المنير : ٢١٦ ، تاج العروس ٤ / ١٩٩.

١٣٣

ويمكن الجواب عنه : بأنّ مراده أنّهم إذا لم يجعلوا لجهة الصدور مدخلا في حسن المدح والذمّ وقبحهما ، كان اللازم عدم قبح المدح والذمّ على المثالين ونحوهما ممّا لم يصدر عن الإنسان ، وهو خلاف الضرورة.

وأمّا ما ردّد به في بيان مراد المصنّف بقوله : « الأشاعرة لم يحكموا بحسن هذا المدح والذمّ »

فخطأ ، إذ ليس شيء ممّا ذكره مرادا له ، وإنّما مراده أنّهم لمّا لم يجعلوا الأفعال صادرة من العبد ـ والحال كما عرفت أنّ لجهة الصدور في الأفعال مدخلا تامّا في استحقاق المدح والذمّ ، وفي حسنهما وقبحهما ـ لزمهم إنكار حسن مدح الله على إنعامه ، وذمّ إبليس والكافرين والظالمين ؛ لأنّ المدح والذمّ غير صادرين من العبد ، وهذا الإنكار خلاف الضرورة.

على أنّه لو أراد المصنّف ما ذكره الخصم أوّلا كان جديرا بالذكر والعجب

إذ كيف يدّعي عاقل أنّه ـ مع قطع النظر عن التكليف الشرعي ـ لا يحسن مدح الله على نعمائه وشكره على آلائه ، ولا يقبح مدح إبليس والكافرين ، وأنّه لا فرق عقلا بين هذين المدحين ، كما لا فرق أيضا بين مدح الله على نعمه وذمّه عليها ، ومدح الظالم على ظلمه وذمّه عليه؟!

فمن ادّعى ذلك كان حقيقا بأن يلحق في المجانين!

* * *

١٣٤

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : إنّه يقبح منه تعالى حينئذ تكليفنا فعل الطاعات واجتناب المعاصي ؛ لأنّا غير قادرين على ممانعة القديم

فإذا كان فاعل فينا للمعصية هو الله تعالى لم نقدر على الطاعة ؛ لأنّ الله تعالى إن خلق فينا فعل الطاعة كان واجب الحصول وإن لم يخلقه كان ممتنع الحصول. ولو لم يكن العبد متمكّنا من الفعل والترك ، كانت أفعاله جارية مجرى حركات الجمادات ، وكما إنّ البديهة حاكمة بأنّه لا يجوز أمر الجماد ونهيه ومدحه وذمّه ، وجب أن يكون الأمر كذلك في أفعال العباد.

ولأنّه تعالى يريد منّا فعل المعصية ويخلقها فينا ، فكيف نقدر على ممانعته؟!

ولأنّه إذا طلب منّا أن نفعل فعلا ولا يمكن صدوره عنّا ، بل إنّما يفعله هو ، كان عابثا في الطلب ، مكلّفا لما لا يطاق ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٠٣.

١٣٥

وقال الفضل(١) :

هذه الشبهة اضطرّت المعتزلة إلى اختيار هذا المذهب ، وإلّا لم يجترئ أحد من المسلمين على إثبات تعدّد الخالقين في الوجود.

والجواب : إنّ تكليف فعل الطاعات واجتناب المعاصي باعتبار المحلّيّة لا باعتبار الفاعليّة ، ولأنّ العبد لمّا كانت قدرته واختياره مقارنة للفعل ، صار كاسبا للفعل ، وهو متمكّن من الفعل والترك ، باعتبار قدرته واختياره الموجب للكسب والمباشرة ، وهذا يكفي في صحّة التكليف ولا يحتاج إلى إثبات خالقيّته للفعل ، وهو محلّ النزاع(٢) .

وأمّا الثواب والعقاب المترتّبان على الأفعال الاختيارية ، فكسائر العاديّات المترتّبة على أسبابها بطريق العادة من غير لزوم عقلي والتجاء سؤال.

وكما لا يصحّ عندنا أن يقال : لم خلق الله الإحراق عقيب مسيس النار؟ ولم لا يصحّ ابتداء؟ فكذا ها هنا لا يصحّ أن يقال : لم أثاب عقيب أفعال مخصوصة ، وعاقب عقيب أفعال أخرى ، ولم لا يفعلها ابتداء ولم يعكس فيهما؟

وأمّا التكليف والتأديب والبعثة والدعوة ، فإنّها قد تكون دواعي العبد إلى الفعل واختياره ، فيخلق الله الفعل عقيبها عادة ، وباعتبار ذلك يصير

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٢.

(٢) انظر : شرح التجريد : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

١٣٦

الفعل طاعة ومعصية ، ويصير علامة للثواب والعقاب(١) .

ثمّ ما ذكره أنّه يلزم إذا كان الفاعل للمعصية فينا هو الله تعالى أنّا لا نقدر على الطاعة ، لأنّه إن خلق الطاعة كان واجب الحصول ، وإلّا كان ممتنع الحصول

فنقول : هذا يلزمكم في العلم لزوما غير منفكّ عنكم ؛ لأنّ ما علم الله عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصدور عن العبد وما علم الله وجوده فهو واجب الصدور عن العبد ، ولا مخرج عنهما لفعل العبد وأنّه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع.

فيبطل حينئذ التكليف ؛ لا بتنائه على القدرة والاختيار بالاستقلال كما زعم.

فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال فقد لزمكم في مسألة علم الله تعالى بالأشياء.

* * *

__________________

(١) انظر : شرح المواقف ٨ / ١٥٤.

١٣٧

وأقول :

من رأى تعبيره عن هذا الدليل بالشبهة يحسب أنّه يأتي في جوابه بالكلام الجزل والقول الفصل ، وإذا جاء إلى جوابه رآه بالخرافات أشبه! فإنّ كلّ ما ذكره لا يجعل متعلّق التكليف من آثار العبد ، فإنّ كلّ ما في الوجود بزعمهم مخلوق لله تعالى ، حتّى الكسب والمحلّيّة.

فمن أين يكون العبد مؤثّرا وموجدا حتّى يصحّ تكليفه؟!

وبالجملة : إن كان للعبد إيجاد وتأثير في متعلّق التكليف ، تمّ مطلوبنا ، وإلّا فالإشكال بحاله ، فيلزمهم تكليف العباد بما لا يطاق ، وما لا أثر لهم فيه أصلا وحصول العبث في الطلب.

وأمّا ما زعمه من أنّ الثواب والعقاب من العاديّات

ففيه ـ مع ما عرفت من إشكال حصول العلم بالعادة الغيبية ـ : إنّه لا يمكن أن يكون من عاديّات العادل الرحمن أن يعذّب عبده الضعيف على فعل هو خلقه فيه ، ولا أثر للعبد به بوجه ، فلا يقاس بخلق الإحراق عقيب مسيس النار.

وأمّا ما أشار إليه من الجواب عن العبث في الطلب بقوله : « وأمّا التكليف والتأديب والبعثة »

فخروج عن مذهبه ظاهرا ، إذ كيف يدعو التكليف والتأديب والبعثة العبد إلى الفعل والاختيار ، وهما من الله سبحانه ، ولا أثر للعبد فيهما أصلا عندهم؟!

وأمّا ما زعمه من الإلزام لنا بالعلم ، فممّا لا يرضى به عارف من

١٣٨

قومه فضلا عن غيرهم ؛ لما سبق من أنّ العلم تابع للمعلوم لا متبوع(١) ، وإلّا لما كان الله قادرا مختارا ؛ لأنّ ما علم وجوده واجب ، وما علم عدمه ممتنع ، على نحو ما ذكره في كلامه ، ومن الوهن بالإنسان أن يتعرّض للجواب عن مثل هذه الكلمات التي يعلم فيها مقصد صاحبها.

* * *

__________________

(١) راجع ج ٢ / ٣٥٤ ، وانظر الصفحة ١٠١ من هذا الجزء.

١٣٩

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم أن يكون الله سبحانه أظلم الظالمين ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ؛ لأنّه إذا خلق فينا المعصية ولم يكن لنا فيها أثر ألبتّة ، ثمّ عذّبنا عليها وعاقبنا على صدورها منه تعالى فينا ، كان ذلك نهاية الجور والعدوان ، نعوذ بالله من مذهب يؤدّي إلى وصف الله تعالى بالظلم والعدوان.

فأيّ عادل يبقى بعد الله تعالى ، وأيّ منصف سواه ، وأيّ راحم للعبد غيره ، وأيّ مجمع للكرم والرحمة والإنصاف عداه ، مع أنّه يعذّبنا على فعل صدر عنه ، ومعصية لم تصدر منّا بل منه؟!!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٠٤.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

صابراً محتسباً مظلوماً قد نكثت بيعته واستحلت حرمته ولم يوف له بعهد ولا رعيت فيه ذمة شهيداً على ما مضى عليه أبوه وأخوهعليهم‌السلام .

من مخبر المصطفى سبطاه قد قضيا

أوصى وأكد في الدنيا وصيته

لو كان جدهما أوصى بظلمهما

بالسم هذا وذا بالسيف منحورا

فاوسعوا عهده نكثاً وتغييرا

لما استطاعوا لما جاؤوه تكثيراً

المجلس الثامن

لما قبض أمير المؤمنين (ع) خطب الحسن (ع) خطبة ذكر فيها فضل أبيه وفضله وفضل أهل بيته ثم جلس فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصى إمامكم فبايعوه فقالوا ما أحبه الينا وأوجب حقه علينا وبادروا إلى البيعة له بالخلافة وذلك يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة فرتب العمال وأمر الأمراء وانفذ عبد الله بن العباس إلى البصرة ونظر في الأمور (ولما) بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين (ع) دس رجلا من حمير إلى الكوفة ورجلا من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار ويفسدا على الحسن (ع) الأمور وعرف ذلك الحسن (ع) فامر بقلهما فقتلا (وكتب إلى معاوية) أما

٣٦١

بعد فانك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وأرصدت العيون كانك تحب اللقاء وما أوشك ذلك فتوقعه ان شاء الله وبلغني أنك شمت بما لم يشمت به ذو حجى وانما مثلك في ذلك كما قال الأول :

فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى

فأنا ومن قد مات منا لكالذي

تجهز لأخرى مثلها فكأن قد

يروح ويمسي في المبيت ليغتدي

فأجابه معاوية بما يطول الكلام بذكره (ثم) كتب إليه الحسن (ع) يحتج على استحقاقه الأمر واستحقاق أبيه له بعد رسول الله (ص) ويدعوه إلى تسليم الأمير إليه فاجابه معاوية يراوغه ويخاتله وجرت بينهما مكاتبات ومراسلات كثيرة وكل منهما يدعو الآخر إلى الدخول في طاعته فلما ورد آخر كتاب إلى معاوية كتب إلى عماله نسخة واحدة أما بعد فالحمد لله الذي كفكم مؤنة عدوكم وقتلة خليفتكم ان الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباد الله فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فاقبلوا إلى حين يأتيكم كتابي هذا يحدكم وجهدكم وحسن عدتكم فقد أصبتم بحمد الله الثار وبلغتم الأمل وأهلك الله أهل البغي والعدوان والسلام فاجتمعت العساكر إلى معاوية وسار قاصداً إلى العراق وبلغ الحسن (ع) خبر مسيره وانه بلغ جسر

٣٦٢

منبج فنادى المنادي الصلاة جامعة فصعد الحسن (ع) المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرهاً ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا ان الله مع الصابرين فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون انه بلغني ان معاوية بلغه انا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة وانه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال أنا ابن حاتم سبحان الله ما اقبح هذا المقام الا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم أين خطباء المصر الذين السنتهم كالمخاريق في الدعة فاذا جد الجد تراغوا كالثعالب أما تخافون مقت الله ولاعنتها وعارها ثم استقبل الحسن (ع) فقال أصحاب الله بك المراشد وجنبك المكاره ووفقك لما تحمد ورده وصدره وقد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك وسمعنا لك وأطعناك فيما قلت ثم خرج ودابته بالباب فركبها وخرج إلى النخيلة أول الناس قم قام قيس بن سعد بن عبادة ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن خصفة فانبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا الحسن (ع) بمثل كلام عدي وبعث الحسن (ع) حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فخفوا بعد ما تثاقلوا عنه وخرج الحسن (ع) إلى المعسكر ومعه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه وبعضهم خوارج يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم

٣٦٣

وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين. ثم سار الحسن (ع) في عسكر عظيم حتى أتى موضعاً يقال له دير عبد الرحمن فقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم أرسل عبيد الله بن العباس في اثني عشر ألفاً مقدمة له وقال ان أصبت فقيس بن سعد بن عبادة على الناس فان أصيب فسعيد بن قيس الهمداني على الناس فسار عبيد الله حتى أتى مسكن( ) وسار الحسن (ع) حتى اتى ساباط المدائن فلما أصبح أراد أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة ليتميز بذلك أولياءه من أعدائه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فامر ان ينادى الصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم (فقال) الحمد لله كلما حمد حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد ان محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي (ص) أما بعد فاني والله لأرجو ان اكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله لخلقه وما أصبحت

٣٦٤

محتملا على مسلم ضغينة ولا مريداً له بسوء ولا غائلة الا وان ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة الا واني ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم فلا تخالفون أمري ولا تردوا عليّ رأيي غفر الله لي ولكم وأرشدني واياكم لما فيه المحبة والرضا فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا ما ترونه يريد بما قال قالوا نظنه والله يريد ان يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه فقالوا كفر والله الرجل ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداء ثم دعا بفرسه( ) فركبه واحدق به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراده فقال ادعوا لي ربيعة وهمدان فدعوا فاطافوا به ودفعوا الناس عنه وسار ومعه شوب من غيرهم فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه الجراح بن سنان الأسدي فأخذ بلجام بغلته وبيده مغول وهو سيف دقيق يكون غمده كالسوط وقال الله أكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ثم طعنه في فخذه فشقه

٣٦٥

حتى بلغ العظم وضربه الحسن «ع» واعتنقه ونخر جميعا الى الارض فوثب اليه رجل من شيعة الحسن «ع» يقال له عبد الله بن خطل الطائي فنزع المغول من يده وخضخض به جوفه واكب عليه اخر يقال له ظبيان بن عمارة فقطع انفه فهلك من ذلك واخذ اخر كان معه فشدوا وجهه وراسه حق قتلوه (وحمل) الحسن «ع» على سرير الى المدائن فانزل بها على سعد بن مسعود الثقفي وكان عامل امير المؤمنين «ع» بها فاقره الحسن «ع» واشتغل الحسن «ع» بنفسه يعالج جرحه جاءه سعد بن مسعود بطبيب فقام عليه حتى برئ هكذا ذكر المفيد وابو الفرج والذي ذكره الطبري وابن الاثير وبط بن الجوزي ناقلا له عن الشعبي انه لما نزل الحسن «ع» المدائن نادى مناد في العسكر الا ان قيس ابن سعد قد قتل فانفوا فنفروا الى سرادق الحسن «ع» فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطا كان تحته فازادهم لهم بغضا ومنهم ذعرا (قال المفيد) وكتب جماعة من رؤساء القبائل الى معاويةبالسمع والطاعة في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن اليه عند دنوهم من عسكره او الفتك به وبلغ الحسن «ع» ذلك وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضي الله عنه يخبره انهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبوبية (الحبونية خ ل) بازاء مسكن وان معاوية ارسل الى عبيد الله بنم العباس يرغبه في المصير اليه وضمن له الف الف درهم يعجل له منها النصف ويعطيه النصف الاخر عند دخوله الى الكوفة فانسل عبيد الله في الليل الى معسكر

٣٦٦

معاوية في خاصته واصبح الناس قد فقدوا اميرهم فصلى بهم قيس ابن سعد ونظر في امورهم فازدادت بصيرة الحسن «ع» بخذلانالقوم له وفساد نيات الخوارج المحكمة فيه بما اظهروا له نم السب والتكفير واستحلال دمه ونهب امواله ولم يبق معه نم يامن غوائله الا خاصته من شيعة ابيه وشيعته وهم جماعة لا تقوم لاجناد الشام.

وروى الصدوق في العلل ان معاوية دس الى عمروبن خريث والاشعث بن قيس(١) وحجار بن ابجر وشبث بن ربعي دسيسا افرد كل واحد منهم بعين نم عيونه انك اذا قتلت الحسن فلك مائة الف درهم وجند من اجناد الشام وبنت من بناتي فبلغ الحسن «ع» ذلك فاستلام ولبس درعا وسترها وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة الا كذلك فرماه احدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة (وفي الخرائج) ان الحسن «ع» كان قد وجه الى معاوية قائدا من كندة في اربعة الاف فلما نزل بالانبار ارسل اليه معاوية ان اقبلت الي او لك بعض كور الشام والجزيرة وارسل اليه بخمسمائة الف درهم فقبض المال وصار الى معاوية في ماتين من خاصته فبلغ ذلك الحسن «ع» فقام خطيبا وقال هذا

____________________

(١) الظاهر ان هذا قرب وفاة امير المؤمنين «ع» لان الاشعث مات بعد امير المؤمنين «ع» باربعين ليلة وصلى عليه الحسن «ع» على ما ذكره ابن الاثير.

٣٦٧

الكندي توجه الى معاوية وغدر بي وبكم وقد اخبرتكم انه لاوفاء لكم انتم عبيد الدنيا وانا موجه غيره واعلم انه سيفعل ما فعل صاحبه فبعث رجلا من مراد وتقدم اليه بمشهد من الناس وتوكد عليه واخبره انه سيغدر كما غدر الكندي فحلف بالايمان التي لا تقوم لها الجبال انه لا يفعل فقال الحسن «ع» انه سيغدر فلما توجه الى الانبار كتب اليه معاوية بمثل ما كتب به الى صاحبه وبعث اليه بالمال فانقلب على الحسن «ع» واخذ طريقه الىمعاوية (وكان) معاوية قد كتب الى الحسن «ع» في الهدنه والصلح وانفد اليه بكتب اصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه اليه فعند ذلك اجاب الى الصلح ومن ذلك يعلم ان الحسن «ع»ما اجاب الى الصلح الا مكرها مرغما وانه علم انه لو لم يصالح لسلموه الى معاوية ولكانت المفسده اعظم فاختار اقل الضررين واهون المفسدتين وعمل بما عهد اليه ابوه عن جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان صلحه هذا لايجعل لمعاوية عذرا ولا يرفع عنه وزرا بل يزيده ذما واثما فلذلك اجاب الحسن «ع» الى الصلح مكرها واشترط لنفسه شروطا كثيرة كان في الوفاء بها مصالح شاملة فاجابه معاوية الى قبول تلك الشروط كلها فيم يثق به الحسن «ع» وعلم باحتياله واغتياله الا انه لم يجد بدا من اجابته لما كان عليه اصحابه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه الى خصمه وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره الى عدوه وميل الجمهور منهم الى العاجلة وزهدهم في

٣٦٨

الاجلة فتوثق لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والاعتذار فثيما بينه وبينه عند الله تعلى وعند كافة المسلمين وكان فيما اشترطه الحسن «ع» على معاوية ان لا يسميه امير المؤمنين ولا يقيم عنده شهادة وان يترك سب امير المؤمنين «ع» والقنوت عليه في الصلاة وان لا يتعقب على شيعة علي شيئا ويؤمنهم حقه وان يفرق في اولاد من قتل مع ابيه يوم الجمل وصفين الف الف درهم وان يجفل ذلك من خراج دار ابجرد(١) من بلاد فارس فاجابه معاوية الى ذلك وعاهده عليه وحلف له بالوفاء (وقال) ابن الاثير انه لم يجبه الى الكف عن شتم علي فطلب ان لا يشتم وهو يسمع فاجابه الى ذلك ثم لم يف له به ولا بشيء مما عاهده عليه بل انه لما تم الصلح سار حتى اتى النخيلة(٢) فخطب الناس فقال اني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجبوا ولا لتزكوا انكم لتفعلون

____________________

(١) نقل ذلكم ما عدا ترك السب الصدوق عن كتاب الفروق بين الاباطيل والحقوق تاليف محمد بن بحر اشيباني عن ابي بكر محمد بن الحسن اجزم ثنا ابو داود ثنا القاسم بنفضيلثنا يوسف بنم مازن الراسبي قالبايع الحسن بن علي على انه لايسميه امير المؤمنين الخ.

(٢) هي معسكر الكوفة.

٣٦٩

ذلكم ولكني قاتلتكم لاتامر عليكم وقد اعطاني الله ذلك وانتم له كارهون الا واني كنت منيت الحسن واعطيته اشياء وجميعها تحت قدمي لا افي بشيء منها (قال ابو اسحاق) رواي الحديث وكان والله غدارا (وفي مقاتل الطلبيين) بسنده عن الشعبي ان معاوية خطب الناس حينه بويع له فقال ما اختلفت امة بعد نبيها الا ظهر اهل باطلها على اهل حقها ثم انتبه فندم فقال الا هذه الامة فانها وانها (ثم) دخل الكوفة وصعد المنبر فخطب وذكر امير المؤمنين «ع» ونال من الحسن «ع» وكان الحسن والحسين «ع» حاضرين فقام الحسين «ع» ليرد عليه فاخذ بيده الحسن واجلسه ثم قام فقال ايها الذاكر عليا انا الحسن وابي علي وانت معاوية وابوك صخر وامي فاطمة وامك هند وجدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجدك حرب وجدتي خديجة وجدتك قتيلة (نثيلة خ ل) فلعن الله اخملنا ذكرا والامنا حسبا وشرنا قد ما واقدمنا كفرا ونفاقا فقالت طوائف من اهل المسجد آمين قال يحيى بن معين احد رواة هذا الحديث ونحن نقول امين قال ابو عبيد احد رواته ونخن ايضا نقول امين وقال قال ابو الفرج الالصبهاني وانا اقول امين قال عبد الحميد بن ابي الحديد وانا اقول امين قال مؤلف هذا الكتاب محسن الامين وانا اقول امين (واقام) معاوسة على سب امير المؤمنين «ع» وبقي ذلك سنة في دولة بني لامية حتى ازاله عمربن عبد العزيز ولله در القائل :

اعلى المنابر طنون بسبه وبسيفه نصبت لكم اعوادها

٣٧٠

واخاف معاوية شيعة امير المؤمنين «ع» وقتلهم وشردهم وهدم دورهم فقتل عمرو بن الحمق وحبس زوجته امنة بنت الشريد سنتين في سجن دمشق وقتل حجر بن عدي واصحابه بمرج عذرا وحمل عبد الله بن هاشم المرقال اليه مكبلا بالحديد من العراق الى الشام وامنا خراج دار ابجرد فقال ابن الاثير ان اهل البصرة منعوه منه بامر معاوية (وقال) ابن الاثير لما راسل معاوية الحسن «ع» في تسليم الامر اليه خطب الناس فحمد الله واثنى عليه وقال انا والله ما يثنينا عن اهل الشام شك ولا ندم وانما كنا نقاتل اهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداورة والصبر بالجزع وكنتم في مسيركم الىصفين ودينكم امام دنياكم واصبحتم اليوم ودنياكم امام دينكم الا وقد اصبحتم بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره الا وان معاوية دعانا لامر ليس فيه عز ولا نصفة فان اردتم الموت ردناه عليه وحكمناه الى الله عز وجل بظبا السيوف وان اردتم الحياة قبلناه واخذنا لكم الرضى فناداه الناس من كل جانب البقية البقية (وقال) ابن الاثير ايضا لما تم الصلح قال الحسن يا اهل العراق انه سخى بنفسي عنكم ثلاث قتلكم ابي وطعنكم اياي وانتهابكم متاعي (وحكى) سبط بن الجوزي عن السدي انه قال لم يصالح الحسن معاوية رغبة في الدنيا وانما صالحه لما راى اهل العراق يريدون الغدر به وفعلوا معه ما فعلوا فخاف منهم ان يسلموه الى معاوية والدليل عليه انه خطب بالنخيلة قبل الصلح

٣٧١

فقال ايها الناس ان هذا الامر الذي اختلفت فيه انا ومعاوية انما هو حق اتركه ارادة لاصلاح الامة وحقنا لدمائها وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع الى حين (قال) ابن الاثير وصاحب الاستيعاب وابو الفرج قال معاوية للحينم قم فاخطب قال ابو الفرج وظن معاوية انه سيحصر وقال سبط بن الجوزي اشار عمرو بن العاص على معاوية ان يلمر الحسن ان يخطب ليظهر عيه فقام «ع» فقال ايها الناس ان الله هداكم باولنا وحقن دماءكم باخرنا ونحن اهل بيت نبيكم اذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا الا ان اكيس الكيس التقى واعجز العجز الفجور وان لهذا الامر مدة وان الدنيا دول انما الخليفة من سار بكتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس الخليفة من سار بالجور ذلك ملك ملك ملكا يمتع فيه قليلا ثم تنقطع لذته وتبقى تبعته وقد قال الله تعالى لنبيه (وفي رواية الاستيعاب) ثم التفت الى معاوية فقال وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع الى حين فضج الناس بالبكاء فالتفت معاوية الى عمرو وقال هذا رايك ثم قال للحسن «ع» حسبك يا ابا محمد (وفي رواية) انه قال نحن حزب الله المفلحون وعترة رسوله المطهرون واهل بيته الطبيون الطاهرون واحد الثقلين اللذين خلفهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكم فطاعتنا مقرونة بطاعة الله فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والى الرسول.

ثم توجه الحسن الى المدينةهو واخوه الحسينعليهما‌السلام واهل بيته وحشمهم وجعل الناس يبكون عند مسيرهم من

٣٧٢

الكوفة فقام «ع» بالمدينة كاظما غيظه لازما منزله منتظرا لامر ربه عز وجل الى ان تم لمعاوية عشر سنين من امارته وعزم على اليعة لابنه يزيد فلم يكن شيء اثقل عليه من امر الحسن بن علي «ع» وسعد بن بي وقاص فدس اليهما سما فماتا منه ذكر ذلكم ابو الفرج في مقاتل الطالبيين وكان من شرط الحسن عليه ان لايعهد لاحد من بعده عهدا فدس معاوينة الى جعدة بنت الاشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن «ع» من حملها على سمه وضمن لها ان يزوجها بابنه يزيد وارسل اليها مائة الف درهم وفي رواية عشرة الاف دينار(١) واقطعها اقطاعات كثيرة من شعب سوراء(٢) وسواد الكوفة فسقته جعدة السم فسوغها المال ولم يزوجها من يزيد فتزوجها بعد الحسن «ع» رجل من ال طلحة فكان اذا وقع بين اولادها نمه وبين احد خصام عيروهم فقالوا يا بني مسمة الازواج(٣) وقال الصادق «ع» ان الاشعث شرك في دم امير

____________________

(١) المائةالف درهم في ذلك الوقت عشرة الاف دينار لاقيمة كل دينار كانت عشرة دراهم.

(٢) موضع بالعراق.

(٣) ذكر سم جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي زوجة الحسن «ع» اياه اين الاثير في الكامل وابو الفرج الالصبهاني في مقالتل الطالبيين (وحكاه) في الاستيعاب عن قتادة و ابي بكر بن حفص (وقال ) في الاستيعاب قالت طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية اليها ومنا بذل لها في ذلك (وقال ) سبط بن الجوزي في تذكرة =

٣٧٣

المؤمنين «ع» وابنته جعدة سمت الحسن «ع» وابنه محمد شرك في دم الحسين «ع». (ولما) حضرت الحسن الوفاة استدعى الحسينعليهما‌السلام وقال يا اخي اني مفارقك ولاحق بربي وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست واني لعرف بمن سقاني السم ومن اين دهيت وانا اخاصمه الى الله عز وجل فبحقي عليك ان تكلمت في ذلك بشيء وانتظر ما يحدث الله عز وجل في فاذا قضيت نحبي فغمضني وغسلني وكعني واحملني على سرير الى قبر جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاجدد به عهدا ثم ردني الى قبر جدتي فاطمة بنت اسد فادفني هنالك وستلعم يا ابن ام ان القوم يظنون انكم تريدون دفني عند جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجلبون في منعكم عن ذلكم وباللله اقسم عليك ان تريق في امري محجمة دم ثم وصى اليه باهله وولده وتركاته وما كان وصى به امير المؤمنين «ع» حين استخلفه واهله لمقامه ودل شيعته على استخلافه ونصبه لهم علما

____________________

= الخواص قال السدي دس ايها يزيد ان سمي الحسن وقال الشعبي ومصاق هذا القول ان الحسن «ع» كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية لقد فملت شربته وبلغ امنيته (قال ) وحكى جدي في كتاب الصفوة عن يعقوب بن شفيان في تاريخه ان جعدة هي التي سمته (قال ) وقال ابن سعد في الطبقات سمه معاوية مرارا لانه كان يقدم عليه الشام هو واخوه الحسينعليهما‌السلام .

- المؤلف -

٣٧٤

من بعده ثم قضى نحبه شهيدا مظلوما مسموما صابرا محتسبا اي وا سيداه وا شهيداه وا مسموماه (فلما) توفي غسله الحسين «ع» وكفنه وحمله على سريره ولم يشك مروان ومن معه من بني امية انهم سيدفنونه عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتجمعوا ولبسوا السلاح فلما توجه به الحسين «ع» الى قبر جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليجدد به عهدا اقبلوا اليه في جمعهم ولحقتهم المراه على بغل وهي تقول مالي ولكم تريدون ان تدخوا بيتي من لا احب وجفل مروان يقول (يا رب هيجا هي خير من دعه) ايدفن عثمان في اقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي لا يكون ذلك ابدا وانا احمل السيف (وحكى) سبط بن الجوزي عن ابن سعد في الطبقات عن الواقدي قال لما احتضر الحسن «ع» قال ادفنوني عند ابي يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاراد الحسين ان يدفنه في حجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقامت بنو امية ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وكان واليا على المدينة فمنعوه وقامت بنو هاشم لتقاتلهم فقال ابو هريرة ارايتم لو مات ابن لموسى اما كان بدفن مع ابيه (وفي رواية) انه قال لمروان اتمنع الحسن ان يدفن في الموضع وقد سمعت رسول الهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول الحسن والحسينم سيدا شباب اهل الجنة وكادت الفتنة ان تقع بين بني هاشم بني هاشم وبني امية فبادر ابن عباس الى مروان فقال له ارجع يا مروان من حيث جئت فانا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنا تريد ان نجدد به عهدا بزيارته ثم نرده الى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك ولو كان اوصى بدفنه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٧٥

لعلمت انك اقصرباعا من ردنا عن ذلك لكنه كان افلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من ان بطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير اذنه ثم اقبل على المراة وقال لها واسواتاه يوما على بغل ويوما على جمل تريدين ان تطفئي نور الله وتقاتلي اولياء الله ارجعي فقد كفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين والله منتصر لاهل هذا البيت ولو بعد حين (وفي رواية) يوما تجملت ويوما تبغلت وان عشت تفيلت وقد اخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي المشهور فقال :

ايا بنت لاكان ولا كنت

لك التسع من الثمن وبالكل تملكت

لجملت تبغلت وان عشت تفيلت

وقال الحسين «ع» والله لو لا عهد الحين الي بحقن الدماء وان لا اهريق في امره محجمة دم لعلمتم كيف تاخذ سيوف الله منكم ماخذها وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم وابطلتم ما اشترطنا عليكم لانفسنا ومضوا بالحسن «ع» فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت اسد بن هاشم.

وجاشت لتابى دفنه عند جده تثير على اشياعه رهج الحرب

اتدني لها الويلات مستوجب النوى اليه وتقصي عنه مستوجب القرب

٣٧٦

المجلس السابع

روى الشيخ في المالب بسنده عن ابن عباس قال دخل الحسين ابن عل على اخيه الحسنعليهم‌السلام في مرضه الذي توفي فيه فقال له كيف نجدك يا اخي قال اجدني في اول يوم من ايام الاخرة واخر يوم من ايام الدنيا واعلم اني لا اسبق اجلي واني وارد على ابي وجدي على كره مني لفراقك وفبراق الاحبة واستغفر الله من مقالتي هذه واتوب اليه على محبة مني للقاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامير المؤمنين علي بن ابي طالب وامي فاطمة وحمزة وجعفر وفي الله عز وجل خلف من كل هالك وعزاء منك كل مصيبة ودرك من كل ما فات رايت يا اخي كبدي في الطست ولقد عرفت من دهاني ومن اين اتيت فما انت صانع به يا اخي فقال الحسنعليه‌السلام اقتله والله قال فلا اخبرك ابدا حتى نلقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن اكتب يا اخي :

«وصية الحسن بن علي الى اخيه الحسينعليهما‌السلام »

هذا ما اوضى به الحسن بن علي الى اخيه الحسين بن علي اوصى انه يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانه يعبده حق عبادته لا شريك له في الملك ولا ولي له من الذل وانه خلق كل شيء فقدره تقديرا وانه اولى من عبد عبد واحث من حمد من اطاعه

٣٧٧

رشد ومن عصاه غوى ومن ناب اليه اهتدى فاني اوصيك يا حيبن بمن خلفت من اهلي وولدي واهل بيتك ان تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم وتكون لهم خلفا ووالدا وان تدفنني مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانيي احق به وببيته ممن ادخل بيته بغير اذنه ولا كتاب جاءهم من بعده قال الله تعالى فيما انزله على نبيه في كتابه يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم فوالله ما اذن لهم ف الدخول عليه في حياته بغير اذنه ولا جاءهم الاذن في ذلك من بعد وفاته ونحن ماذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده فان ابت علك الامراة فانشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز وجل منك والرحم الماسة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لا تهريق في محجمة من دم حتى نلقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنختصم اليه ونخبره بما كان من الناس الينا ثم قبض صلوات الله عليه فدعا الحسينعليه‌السلام ابن عباس وفبد الرحمن بن جعفر وعلي بن عبد الله بن عبياس فاعانوه على غسله وحنطوه وابسوه اكفانه وخرجوا به الى المسجد فصلوا عليه وارادوا دفنه عند جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمنعوا من ذلك فذهبوا به الى البقيع ودفنوه الى جنب جدته فاطمة بنت اسد قال ابن شهر اشوب في المناقب قال الحسينعليه‌السلام لما وضع الحسنعليه‌السلام في لحده :

أ أدهن راسي ام تطيب محاسني وراسك معفور وانت سليب

واستمتع الدنيا اشيء احبه الا كل ما ادنى اليك حبيب

فلا زلت ابكي ما تغنت حمامة عليك وما هبت صبا وجنوب

٣٧٨

وما هملت عيني من الدمع قطرة وما اخضر في دوح الحجاز قضيب

بكائي طويل والدموع غزيرة وانت بعيد والمزار قريب

غريب واطراف البيوت تحوطه الا كل من تحت التراب غريب

و لا يفرح الباقي خلاف الذي مضى وكل فتى للموت فيه نصيب

و ليس حريبا من اصيب بماله ولكن من وارى اخاه حريب

نسيك من امسى يناجيك طوقه (طيفه خ ل ) وليس لمن تحت التنراب نسيب

المجلس العاشر

في مقاتل الطالبيين قيل لابي اسحاق متى ذل الناس قال حين مات الحسنعليه‌السلام وادعي زياد وقتل حجر بن عدي (وفي تذكرة الخواص) بسنده الى صحن الدار لما نزل بالحسنعليه‌السلام المةت قال اخرجوا فراشي الى صحن الدار فاخرجوه فرفع راسه الى السماء وقال اللهم اني احتسب عندك نفسي فانها اعز الانفس علي لم اصب بمثلها اللهم ارحم صرعتي وانس في القبر وحدتي ثم توفيعليه‌السلام (وعن) جنادة بن ابي امية قال دخلت على الحسن بن علي بن ابي طالب «ع» في مرضه الذي توفي في ه فقلت له عظني يا ابن رسول الله قال نعم استفد لسفرك وحصل زادك قبل حلول اجلك

٣٧٩

واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك ولا تحمل هم يومك الذي لم يات على يومك الذي انت فيه واعلم انك لا تكسب من المنال شيئا فوق قوتك الا كنت فيه خازنا لغيرك واعلم ان الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب فانزل الدنيا بمزلة الميتة خذ منها مايكيكفان كان حلالا كنت قد زهدت فيها وان كان حراما لم يكن فيه وزر فاخت منها كما اخذت من الميتة وان كان العتاب فالعتاب يسير واعمل لدبياك كانك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كانك تموت غدا واذا ارذت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله الى عز طاعة الله عز وجل واذا نازعتك الى صبة الرجال حاجة فاصحب من اذا صحبته زانك واذا خدمته صانك واذا اردت معونة اعانك وان قلت صدق قولك وان صلت شد صولك وان مددت يدك بفضل مدها وان بدت منك ثلمة سدها وان راى منك حسنة عدها وان سالته اعطاك وان سكت عنه ابتداك وان نزلت بك احدى الملمات واساك من لاتاتيك منه البواثق ولاتختلف عليك منه الطرائق ولا يخذلك عند الحقائق وان تنازعتما منقسما اثرك (ثم) انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشيت عليه ودخل الحسينعليه‌السلام والاسود بن ابي الاسود فانكب الحسين عليه حتى قبل راسه وبين عينيه ثم قعد عنده فتسارا جميعا فقال الاسود انا لله ن الحسنعليه‌السلام قد نعيت اليه نفسه وقد اوصى الى الحسين «ع» (وروى) الكلليني عن الباقرعليه‌السلام قال لما احتضر الحسن

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420